رد: نعمة الفراسة
بأن فرقاً بين الفراسة وما حدث لعمر بن الخطاب عندما نادى سارية وفرق بين الفراسة ووصف الرسول عليه السلام للمسجد الأقصى أو رؤيته لقصور كسرى.... والله تعالى أعلم
قال شيخ الإسلام في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: "وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ خَبِيرًا بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ فَارِقًا بَيْنَ الْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ فَيَكُونُ قَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نُورِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (28) سورة الحديد، وَقَالَ تَعَالَى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى، فَهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمْ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ »
----
حقق الكتاب الشيخ علي بن نايف الشحود -وفقه الله - وعلّق على هذا الحديث فذكر معنى الفراسة وما يشملها فقال - في الحاشية - :
"سنن الترمذى (3419 ) والمعجم الكبير للطبراني (7369 ) ومسند الشاميين(2042) وغيرهم من طرق حسن لغيره
وفي تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 456)
( اِتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ ) الْفِرَاسَةُ بِالْكَسْرِ ، اِسْمٌ مِنْ قَوْلِك : تَفَرَّسْت فِي فُلَانٍ الْخَيْرَ ،
وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مَا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ فَيَعْلَمُونَ بِذَلِكَ أَحْوَالَ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنْ الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الْحَدْسِ وَالنَّظَرِ وَالظَّنِّ وَالتَّثَبُّتِ .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : مَا يَحْصُلُ بِدَلَائِلِ التَّجَارِبِ وَالْخُلُقِ وَالْأَخْلَاقِ تُعْرَفُ بِذَلِكَ أَحْوَالُ النَّاسِ أَيْضًا . وَلِلنَّاسِ فِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ تَصَانِيفُ قَدِيمَةٌ وَحَدِيثَةٌ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْخَازِنِ . وَقَالَ الْمَنَاوِيُّ : اِتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ ، أَيْ اِطِّلَاعَهُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ بِسَوَاطِعِ أَنْوَارٍ أَشْرَقَتْ عَلَى قَلْبِهِ ، فَتَجَلَّتْ لَهُ بِهَا الْحَقَائِقُ .
( فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ) أَيْ يُبْصِرُ بِعَيْنِ قَلْبِهِ الْمَشْرِقِ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَصْلُ الْفِرَاسَةِ : أَنَّ بَصَرَ الرُّوحِ مُتَّصِلٌ بِبَصَرِ الْعَقْلِ فِي عَيْنَيْ الْإِنْسَانِ فَالْعَيْنُ جَارِحَةٌ وَالْبَصَرُ مِنْ الرُّوحِ ، وَإِدْرَاكُ الْأَشْيَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا ، فَإِذَا تَفَرَّغَ الْعَقْلُ وَالرُّوحُ مِنْ أَشْغَالِ النَّفْسِ أَبْصَرَ الرُّوحُ وَأَدْرَكَ الْعَقْلُ مَا أَبْصَرَ الرُّوحُ ، وَإِنَّمَا عَجَزَ الْعَامَّةُ عَنْ هَذَا لِشُغْلِ أَرْوَاحِهِمْ بِالنُّفُوسِ وَاشْتِبَاكِ الشَّهَوَاتِ بِهَا فَشُغِلَ بَصَرُ الرُّوحِ عَنْ دَرْكِ الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ وَمَنْ أَكَبَّ عَلَى شَهَوَاتِهِ وَتَشَاغَلَ عَنْ الْعُبُودِيَّةِ حَتَّى خَلَّطَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُمُورَ وَتَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الظُّلُمَاتُ ، كَيْفَ يُبْصِرُ شَيْئًا غَابَ عَنْهُ
( ثُمَّ قَرَأَ )رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ }
قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : لِلنَّاظِرِينَ ، وَقَالَ قَتَادَةُ : لِلْمُعْتَبَرِينَ ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ : لِلْمُتَفَكِّرِينَ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : لِلْمُتَفَرِّسِينَ .الْخَازِنُ : وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اِتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ إِلَخْ ."
والشيخ ابن القيم -رحمه الله- ذكر أنواع الفراسة في مدارج السالكين أنها على ثلاثة أنواع
أوجزه كالتالي:
"و الفراسة ثلاثة أنواع :
إيمانية وهي المتكلم فيها في هذه المنزلة وسببها : نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والحالي والعاطل والصادق والكاذب
وحقيقتها : أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده يثب على القلب كوثوب الأسد على الفريسة لكن الفريسة فعيلة بمعنى مفعولة وبناء الفراسة كبناء الولاية والإمارة والسياسة
وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة ... الخ
الفراسة الثانية : فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي فإن
النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية وكثير من الجهال يغتر بها وللرهبان فيها وقائع معلومة وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم بل كشفها جزئي من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم ...الخ
الفراسة الثالثة : الفراسة الخلقية وهي التي صنف فيها الأطباء
وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه : على سعة خلق صاحبه واحتماله وبسطته وبضيقه على ضيق ..الخ" انتهى
.. فالأولى هي النعمة والتي يختص بها النبيون والأولياء ... ففيها معنى الكرامة
أما الثانية وهي التي يمارسها أهل البدع من الصوفية خاصة ويأخذون بها ليتجلى لهم الكشف حقيقة أو عبر الرؤى، ويكون فيها التدليس من الشيطان والاستدراج
وللفائدة:
أذكر من هذا قصة طريفة سمعتها من شيختي أم عبد الله دلال سنوبر الشامية - شافاها الله وعافاها- وهي من تلاميذ الشيخ الألباني - رحمة الله عليه-
أن امرأة شكت حال أخيها لها - أي لشيختي- حيث كان يلازم غرفته أياما حتى صارت أسابيعَ، فإذ به ينسى غلق الباب ذات يوم فتفتح هي الباب لتتفاجأ به
مغطى بلحاف وهو قاعد تحت اللحاف، فوجدته يمسك صورة فوتوغرافية لشيخه ويقول: هُو هُو هُو بشكل متكرر
فاستاء لقطع خلوته، وقال: انظري ماذا فعلتِ؟ الآن سأعود من البداية! فاستفسرت منه؟
فقال: قال لي شيخي أني إذا استمريت هكذا فإن الحجب ستنكشف لي وأصل كما وصل شيخي...
وتقول صاحبة القصة أن أخاها لم يعد عقله كالسابق
!
وكانت شيختي - حفظها الله - في شرحها لمدارج السالكين ترد على كثير من شبهات الصوفية .. خاصة المنتشرة الآن في الأردن كأمثال الطباعيات
حيث يذكرن أنهن بعد جلسة الذكر والتغبير يشممن رائحة المسك والطيب وبعضهن يرين أضواء خضراء أو وردية
فيستبشرن أن هذا من رؤية المصطفى أو حضوره المجلس - صلى الله عليه وسلم -
فتقول: إن الطيب إما خدعة وخفة يد في أن يرش أحدهم الطيب فيتوهم الآخرون ذلك، أو حقيقة في أن يستدرجهم الشيطان بهذا
وأيضا مثل ذلك الأضواء!
واللهَ أسألُ أن يقبضنا إليه غير مفتونين
اللهم آمين