العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
#للوصول إلى الفهرس اضغط#
هنا
# للوصول إلى الدروس على هيئة بي دي إف اضغط #
هنا
تم الانتهاء من شرح الكتاب كاملا بتاريخ 26-9-2011


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد....

فقد بدأت أكتب شرحا ميسرا على متن الورقات في علم أصول الفقه فرأيت أن أنشر ما كتبته كي يكون باعثا لي على الاستمرار في الكتابة ولأستفيد من التعليق عليه من قبل الإخوة وعسى أن يستفيد منها أحد فأقول وبالله أستعين.



بسم الله الرحمن الرحيم
" مقدمة "

أصول الفقه: قواعد يستخرِج بها الفقيه الحكم الشرعي في المسألة.

وفائدته: الوصول إلى الحكم الشرعي وذلك من خلال تطبيق تلك القواعد على النصوص الشرعية.
بمعنى أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هما مصدرا التشريع ومنهما يعرف الحلال والحرام، ولكن ليس كل فرد من أمة الإسلام قادرا على استخراج الحكم الشرعي ومعرفة ما يريده الله منه بنفسه، فلا يتوقع من كل شخص كلما عرضت له مسألة يريد حكم الله فيها يفتح القرآن أو صحيح البخاري مثلا ويعرف الحكم بنفسه، ولذا كان هنالك أناس مخصوصون ينعتون بالفقهاء فهم القادرون على النظر في النصوص ومعرفة حكم الله ثم تبيينه للناس ليعملوا به.
والسؤال المهم هو كيف يستخرج الفقيه الحكم الشرعي من النصوص الشرعية؟
والجواب: من خلال مجموعة من القواعد العامة تسمى بأصول الفقه.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( الأمر يدل على الوجوب).
فإذا قال السيد لعبده افعل كذا فهنا قد أمره بفعل شيء فيجب عليه الامتثال فإذا لم يمتثل عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله تعالى ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ) فيقول الفقيه :
فتيمموا أمر.... والأمر يدل على الوجوب... إذاً فتيمموا يدل على الوجوب فيكون التيمم واجبا على من لم يجد الماء.
فوجوب التيمم هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الآية القرآنية السابقة بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( النهي يدل على التحريم ).
فإذا قال السيد لعبده لا تفعل كذا فهنا قد نهاه عن فعل شيء ما أي يكون السيد قد حرّم عليه فعل ذلك فإذا فعل فقد عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
( لا تأتوا النساءَ في أدبارِهن) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
فيقول الفقيه :
لا تأتوا النساء في أدبارهن نهي.... والنهي يدل على التحريم... إذاً لا تأتوا النساء في أدبارهن يدل على التحريم فيكون الوطء في الدبر حراما.
فحرمة الوطء في الدبر هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الحديث السابق بواسطة تلك القاعدة الأصولية.

" التعريف الإضافي واللقبي "

قد مضى معنا في المقدمة بيان تعريف أصول الفقه وبيان فائدته ونريد هنا أن نعرِّف أصول الفقه بطريقة أخرى وهي تعريفه من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث مفرداته أي قبل أن يصير اسما لهذا العلم المخصوص.
الجهة الثانية من حيث كونه اسما لهذا العلم.
أي أن ( أصول الفقه ) في الأصل لفظ مركب من كلمتين هما ( أصول ) و ( الفقه ) ثم أخذ هذا اللفظ المركب وجُعِلَ اسما لهذا العلم الذي ندرسه.
فتارة ننظر إلى هذا اللفظ من جهة مفرداته، وتارة ننظر إليه كاسم لهذا العلم.
وذلك نظير لفظ صلاح الدين فلو فرضنا أن شخصا قد سمي بهذا الاسم فتارة ننظر إلى هذا اللفظ على أنه اسم لشخص معين سواء أكان صالحا أو فاسقا.
و تارة ننظر إليه من جهة مفرداته وهي صلاح والدين أي قبل أن يصير اسما لذلك الشخص فنعرِّف كل لفظة على حدة.
فإذا علم هذا فالتعريف الأول لأصول الفقه أعني تعريف المفردات يسمى بالتعريف الإضافي، والتعريف الثاني يسمى بالتعريف اللقبي.
أولا: التعريف الإضافي: هنا عندنا كلمتان هما أصول والفقه، فالأصول جمع أصل ومعناه في اللغة هو ما يبنى عليه غيره، أي شي يبنى عليه شيء آخر سواء أكان ذلك الابتناء حسيا أو عقليا.
مثال: جذر الشجرة المستتر في الأرض هذا أصل لأنه ينبني عليه ساق الشجرة.
مثال آخر: أساس البيت وهو الذي يحفر نازلا في الأرض ويجعل فوقه البنيان يسمى أصلا لأن البنيان والجدران مبنية عليه.
فجذر الشجرة وأساس البيت كلاهما أصل حسي أي أمر محسوس مشاهد بالعين فأنت ترى بعينك أن ساق الشجرة لم يكن ليثبت على الأرض لولا الجذر المستتر في الأرض وكذا أساس البنيان ولهذا يسمى هذا الابتناء بالحسي.
مثال: الدليل أصل لأن الحكم مبني عليه وهذا الابتناء عقلي أي يعرف بالعقل ولا يحس.
مثلا قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) هذا دليلٌ، ووجوب الصلاة المستفاد من الآية هو الحكم فيكون أقيموا الصلاة أصلا لوجوب الصلاة.
ولا شك أن هذا الابتناء غير محسوس ومشاهد كما في مثال الشجرة والبيت بل يعرف بالعقل.
ثم الشيء الذي بني عليه غيره يسمى أصلا وذلك الغير المبني عليه يسمى فرعا.
فالفرع هو ما بني على غيره سواء أكان الابتناء حسيا أو عقليا.
فجذر الشجرة..... أصل، وساق الشجرة..... فرع.
وأساس البيت..... أصل، والبنيان ........... فرع.
والدليل........... أصل، والحكم............ فرع.
أما الأصل في اصطلاح العلماء فيراد به:
1- الدليل فيقولون الأصل في وجوب الصلاة هو قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي الدليل على وجوب الصلاة.
2- القاعدة مثل قولهم الأصل أن كل فاعل مرفوع فهذه القاعدة أصل وفروعها تطبيقاتها مثل قام زيد وذهب عمرو ونحو ذلك.
فهذا ما يتعلق بتعريف الجزء الأول وهو الأصل، ولنبدأ بتعريف الجزء الثاني وهو الفقه فنقول:
الفقه في اللغة هو: الفهم يقال: فَقِهَ زيدٌ المسألةَ أي فَهِمَها.
وفي الاصطلاح هو: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( معرفة ) المعرفة الفهم والتعقل والإدراك.
قولنا ( الأحكام الشرعية) الأحكام جمع حكم ومعناه إثبات أمر لأمر أو نفي أمر عن أمر.
تقول زيد قائم فهذا حكم لأنك أثبت القيام لزيد.
وتقول زيد ليس بقائم فهذا حكم أيضا لأنك نفيت القيام عن زيد.
والأحكام قد تكون متلقاة من العقل مثل الواحد نصف الاثنين وتسمى بالأحكام العقلية.
وقد تكون متلقاة من الحس مثل النار حارقة وتسمى بالأحكام الحسية.
وقد تكون متلقاة من الشرع أي من القرآن والسنة مثل الصلاة واجبة والربا محرم.
فاحترزنا بكلمة الشرعية عن الأحكام العقلية والحسية لأن الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية لا العقلية ولا الحسية.
وقولنا ( التي طريقها الاجتهاد ) أي التي طريق معرفتها هو الاجتهاد.
والاجتهاد هو: بذل الفقيه كل وسعه للوصول إلى الحكم الشرعي.
فلا بد أن يبذل الفقيه طاقته وجهده بالفكر والتأمل والبحث كي يصل إلى حالة يعتقد فيها أن هذا هو حكم الله.
وعبارة ( التي طريقها الاجتهاد ) وصف للأحكام الشرعية نحترز به عن الأحكام الشرعية التي تعرف بغير اجتهاد.
مثال: الصلاة والصيام واجبان، والزنا والسرقة محرمان، هذه أحكام شرعية ولكن تعرف بغير اجتهاد لأنها مما يعرفه عامة الناس بسبب اشتهار تلك المسائل فلا تخفى على أحد لأنها مسائل قطعية وقع عليها الإجماع فلهذا لا تدخل هذه في تعريف الفقه.
أما المسائل الظنية التي حصل فيها خلاف بين الفقهاء وتحتاج إلى اجتهاد لكي تعرف فهي التي تدخل في تعريف الفقه.
مثل النية في الوضوء واجبة، وصلاة الوتر مستحبة، والنية في الليل شرط لصحة صوم رمضان ونحو ذلك من المسائل الخلافية التي يحتاج في معرفتها إلى جهد ونظر.
تنبيه: التعريف السابق للفقه هو اصطلاح بعض العلماء وبعضهم عرف الفقه بأنه: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، واحترز بالمتعلقة بأفعال المكلفين عن المتعلقة باعتقادات المكلفين كالإيمان بالله واليوم الآخر فهذه تبحث في علم العقائد، وعلى هذا التعريف تدخل الأحكام القطعية كمعرفة وجوب الصلاة والأحكام الاجتهادية كمعرفة استحباب صلاة الوتر.
بقي أن يقال إنكم قلتم إن الأصل في اصطلاح العلماء يطلق على الدليل وعلى القاعدة فما هو المقصود من كلمة أصول في قولهم ( أصول الفقه) ؟
الجواب: يراد به هنا الدليل فمعنى أصول الفقه هو أدلة الفقه.
فهذا ما يتعلق بالتعريف الإضافي ولنبدأ بالتعريف اللقبي للأصول فنقول:
أصول الفقه: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
فأدلة الفقه الإجمالية هي القواعد العامة التي يستنبط من خلالها الحكم الشرعي كالأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم.
واحترزنا بقيد الإجمالية عن الأدلة التفصيلية مثل قوله تعالى أقيموا الصلاة فهذا دليل تفصيلي لأنه متعلق بمسألة معينة وهي فعل الصلاة.
فالأمر يدل على الوجوب قاعدة عامة تشمل كل أمر مثل الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فالدليل التفصيلي هو المتعلق بمسألة معينة... أقيموا الصلاة.
والدليل الإجمالي هو غير المتعلق بمسألة معينة... الأمر يدل على الوجوب، فإنه لا يتعلق بأمر معين.
والدليل التفصيلي يبحث عنه في الفقه لكي نعرف دليل المسألة.
أما الدليل الإجمالي فهو يبحث عنه في الأصول.
فوظيفة الأصولي هي توفير القواعد العامة ( الأدلة الإجمالية )
ووظيفة الفقيه هو أخذ تلك القواعد العامة التي وفرها له الأصولي وتطبيقها على النصوص الشرعية (الأدلة التفصيلية) لاستخراج الحكم الشرعي.
فالأصولي يصنع آلة الاستخراج، والفقيه يعمل بتلك الآلة.
وقولنا ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية الاستفادة من الأدلة عند تعارضها.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول:
إن الأدلة التفصيلية يحصل التعارض بينها بالنظر للظاهر فقط وهي في الحقيقة لا تعارض بينها بل بعضها يفسر البعض الآخر فيحتاج الأصولي إلى أن يذكر القواعد المتعلقة بكيفية رفع التعارض بين النصوص وهذا معنى قولنا في تعريف علم الأصول ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية استفادة الأحكام من الأدلة التفصيلية عند تعارضها بذكر القواعد الرافعة للتعارض.
مثال: قال الله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ومعنى الآية إن المرأة إذا طلقها زوجها عليها أن تلزم العدة مدة 3 قروء أي 3 أطهار.
وقوله تعالى ( والمطلقات ) لفظ عام يشمل كل مطلقة سواء أدخل بها أم لم يدخل بها.
فعلى ظاهر هذه الآية من طلق امرأته قبل أن يدخل بها ويجامعها فعليها أن تلزم العدة 3 قروء بسبب عموم لفظ المطلقات.
ولكن جاءت آية أخرى تقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ).
ومعنى الآية إن الرجل إذا طلق زوجته قبل أن يمسها ويدخل بها فليس عليها عدة.
فحصل تعارض بين الآيتين في الظاهر إذْ الآية الأولى عامة تقول كل مطلقة عليها عدة.
والآية الثانية تقول إن المطلقة التي لم يدخل بها ليس عليها عدة.
فكيف يُرفع هذا التعارض؟
الجواب: من خلال قاعدة أصولية تقول ( الخاص يقدم على العام ) أي إذا جاء نص عام ونص خاص فإن النص الخاص يفسر النص العام ويخصصه.
فالآية الأولى ( والمطلقات يتربصن... ) عامة في كل مطلقة.
والآية الثانية (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم ... ) تتحدث عن المطلقة غير المدخول بها فهي خاصة بها أي لا تشمل كل مطلقة.
فنقول بما أن الخاص مقدم على العام فيكون الحكم هو:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلا التي لم يدخل بها فليس عليها عدة.
وبذلك يزول الإشكال ويندفع التعارض وتتناسق النصوص.
فالفقيه رفع التعارض بين الآيتين من خلال قاعدة وفرها له الأصولي.
والخلاصة هي أن علم الأصول كما يتحدث عن القواعد العامة التي نستخرج بها الحكم الشرعي مثل الأمر يدل على الوجوب فهو يتحدث أيضا عن القواعد العامة التي ترفع التعارض بين النصوص مثل الخاص يقدم على العام.
ومعنى قولنا ( وحال المستفيد ) أي صفة المستفيد وهو المجتهد فيذكر في علم الأصول الصفات والشروط التي يجب توفرها في الفقيه الذي يستخرج الأحكام الشرعية من النصوص بنفسه.
وسمي المجتهد بالمستفيد لأنه هو الذي يستفيد الأحكام من النصوص أي يستخرجها منه.
فتلخص أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي:
أولا: الأدلة الإجمالية وهي القواعد العامة التي يستخرج بها الفقيه الحكم.
ثانيا: كيفية الاستفادة من الأدلة وذلك بمعرفة القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
ثالثا: صفات من يستخدم تلك القواعد ليستفيد بها الحكم الشرعي.
فلا يكتفي علم الأصول بإيضاح القواعد بل يوضح معها من يحق له استخدامها على النصوص لاستخراج الأحكام الشرعية، فلا يتوهم أن كل من اطلع على قواعد الأصول صار قادرا على معرفة الأحكام بنفسه حاله كحال الفقيه المجتهد بل يحق له ذلك متى توفرت فيه الصفات اللازمة لذلك.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

[FONT=&quot]" تمارين "[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]استخرج الحكم الشرعي وبين نوعه في النصوص الآتية:[/FONT]
بداية أقول: الحكم الشرعي - كما سبق - هو الحكم التكليفي والحكم الوضعي، فالمطلوب أن تقول في هذا النص وجوب كذا وهو حكم تكليفي أو فيه أن كذا سبب لكذا وهو حكم وضعي.
1- قال الله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ).
الجواب: تفيد الآية حرمة السرقة وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعلها وهذا من علامات معرفة الوجوب، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب القطع المستفاد من الأمر ( فاقطعوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن السرقة سبب وجوب القطع.
2- قال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ).
الجواب: تفيد الآية حرمة الزنا وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعله وهذا من علامات معرفة الوجوب، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب الجلد المستفاد من الأمر ( فاجلدوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن الزنا سبب وجوب الجلد.
3- قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق..) الآية.
الجواب: تفيد الآية وجوب الوضوء للصلاة وهو مستفاد من الأمر ( فاغسلوا .. ) وهذا حكم تكليفي، وتفيد أن شرط وجوب الوضوء هو إرادة الصلاة.
4- قال الله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ).
الجواب: تفيد الآية وجوب الصلاة عند دلوك الشمس والوجوب مستفاد من الأمر ( أقم الصلاة ) وهذا حكم تكليفي، وتفيد أن دلوك الشمس سبب وجوب صلاة الظهر وهو حكم وضعي وذلك لأن معنى دلوك الشمس زوال الشمس عن وسط السماء عند الظهيرة.
5- قال الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ).
الجواب: تفيد الآية حكما تكليفيا وهو وجوب لزوم العدة لأن يتربصن خبر في معنى الأمر أي فليتربصن وتفيد حكما وضعيا وهو أن الطلاق سبب وجوب العدة.
6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق عليه.
الجواب: يفيد الحديث وجوب الوضوء للصلاة لأن الحديث قد رتب عدم القبول والصحة إذا صلى محدثا وهذا من علامات الوجوب وهذا حكم تكليفي، ويفيد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة وهو حكم وضعي لأن نفي القبول والصحة عند فقد شيء دليل على اشتراطه.
ويفيد أن الحدث سبب وجوب الوضوء لأنه علق الوضوء على الحدث لأن المعنى إذا أحدث فليتوضأ وهو حكم وضعي، فيتحصل من هذا الحديث ومن قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة... أن الحدث سبب لوجوب الوضوء وأن إرادة الصلاة شرط ذلك الوجوب.
وإنما كان الحدث سبب الوضوء لأنه كلما وجد الحدث وجب الوضوء، وكلما فقد الحدث لم يجب الوضوء
ولكن وجوب الوضوء عند الحدث مشروط بشرط وهو إرادة فعل الصلاة، لأنه إذا أحدث الشخص لم يجب فورا الوضوء ولكن يجب عند إرادة الصلاة، ثم إن الحدث معناه يناسب وجوب الوضوء لأن الحدث معناه انتقاض الطهارة وهذا الانتقاض يناسب وجوب الطهارة الحاصلة بالوضوء.
أما أرادة الصلاة فجعلناه شرطا لأنه لا يلزم من وجود إرادة الصلاة وجوب الوضوء لأن الشخص قد يريد الصلاة وهو متطهر فلا يجب عليه الوضوء، ولكن إذا فقدت إرادة الصلاة فقد وجوب الوضوء.
والمناسبة بين الحدث والوضوء أقوى من المناسبة بين إرادة الصلاة والوضوء، فالمناسب جعل إرادة الصلاة شرطا في وجوب الصلاة. والله أعلم.

7- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس لقاتل ميراث ) رواه ابن ماجة وغيره وهو صحيح.
الجواب: يفيد الحديث حرمة توريث القاتل وهو حكم تكليفي، وذلك لأن الشرع نفى استحقاقه للميراث فإعطائه له مصادمة للشرع، ويفيد أن القتل للوارث مانع من الميراث وهو حكم وضعي.
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يُقادُ الوالدُ بولده ) رواه الترمذي وغيره وهو صحيح.
الجواب: يفيد الحديث حرمة قتل الوالد بالولد وهو حكم تكليفي لأن ( لا يقاد ) نفي وهو في معنى الإنشاء أي لا تقودا الوالد بولده، ويفيد أن الأبوة مانعة من القتل وهو حكم وضعي.
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما الولاء لمن أعتق ) متفق عليه.
الجواب: يفيد الحديث حكما وضعيا وهو أن العتق سبب الولاء.
10- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه.
الجواب: يفيد الحديث وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وهو حكم تكليفي لأنه رتب نفي صحة الصلاة إذا لم تقرأ، ويفيد أن الفاتحة ركن في الصلاة لأن الركن بمعنى الشرط يلزم من عدمه العدم غير أنه داخل في الشيء والشرط خارج عنه وهذا حكم وضعي.
( نهاية الدرس الأول )
والحمد لله رب العالمين.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

الدرس الأول في ملف واحد مع المخططات والتمارين العملية.
 

المرفقات

  • الدرس الأول في شرح الورقات.rar
    195.5 KB · المشاهدات: 0

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" باب أقسام الكلام "
يتعرض الأصوليون لمباحث لغوية لأن لها تعلقا بهذا العلم فإن النصوص الشرعية هي كلام وعبارات بلغة العرب فاحتاجوا لذكر بعض تلك المباحث كي يستفاد منها في فهم النصوص.
اللفظ: صوت مشتمل على بعض الأحرف.
والصوت هو: ما يسمع.
والأحرف هي: حروف الهجاء المبدوءة بالهمزة والمنتهية بالياء.
فإذا نطقتَ بكلمة ( زيد ) فهذا صوت لأنه مسموع بالأذن وهو لفظ أيضا لأنه مشتمل على بعض الأحرف وهي الزاي والياء والدال.
ثم إن الصوت أعم من اللفظ عموما مطلقا فكل لفظ صوت، وليس كل صوت لفظا؛ لأن صوت الطبل وحركة المروحة ووقع القدم على الأرض كلها أصوات وليست ألفاظا لخلوها من الأحرف.
واللفظ ينقسم إلى قسمين:
لفظ مستعمل وهو: ما دل على معنى.
ولفظ مهمل وهو: ما لا يدل على معنى.
لأن تشكل الأحرف وتجمعها مع بعضها قد يحصل منه لفظ ذو معنى وقد يحصل منه لفظ بلا معنى.
مثال: ( الباء- والياء- والتاء ) هذه ثلاثة أحرف يمكن أن تتشكل بستة أشكال هي: ( بيت ) ( بتي ) ( يبت ) ( يتب ) ( تبي ) ( تيب ) فهذه ستة ألفاظ ثلاثة لها معنى وهي ( بَيْت ) و ( يَتُب ) و ( يَبُت ) أي يجزم والبقية لا معنى لها فما له معنى يسمى مستعملا، وما ليس له معنى يسمى مهملا.
واللفظ المستعمل إما أن يكون مفردا، وإما أن يكون مركبا. والمفرد هو: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، كزيد. والمركب هو: ما يدل جزئه على جزء معناه، كبيت زيد، وقد شرحناهما من قبل.
واللفظ المستعمل المفرد يسمى كلمة وهي ثلاثة أقسام: 1- الاسم وهو: ما يدل على معنى في نفسه ولم يقترن بزمن.
2- الفعل وهو: ما يدل على معنى في نفسه واقترن بزمن. 3- الحرف وهو: ما لا يدل على معنى في نفسه بل في غيره.
مثال: كلمة ( رجل ) يفهم منها معنى في نفسها أي بمجرد سماعها من غير حاجة إلى ضم كلمة أخرى إليها وهذا المعنى هو الذكر البالغ ونلاحظ أن هذه الكلمة ليس فيها دلالة على الزمن سواء الزمن الماضي أو الحاضر أو المستقبل فتكون اسما.
مثال آخر: كلمة ( ضرب ) يفهم منها معنى في نفسها وتدل على الزمن الماضي أي حدث ضرب في الزمن السابق فتكون فعلا.
مثال: كلمة ( في ) لا يفهم منها معنى في نفسها بل في غيرها أي تحتاج إلى ضم كلمة أخرى معها ليفهم معناها مثل أن تقول زيد في البيت فصار معنى في هو الظرفية أي تدل على وقوع شيء في داخل شيء فلم يكن ليفهم أن معنى في هو الظرفية إلا حينما وضعت في الجملة فلذا كانت حرفا. والمركب ينقسم إلى قسمين : مركب مفيد وهو: ما يحسن السكون عليه.
ومركب غير مفيد وهو: ما لا يحسن السكوت عليه.
مثال: جاء زيدٌ هذا مركب مفيد لأنه يحسن السكون عليه ويصح الاكتفاء به، بخلاف قولك إذا جاء زيدٌ فإنه غير مفيد لأنه لا يحسن السكوت عليه لأن السامع لا يزال ينتظر أن تتم الكلام لأن معناه ناقص.
والمركب المفيد يسمى كلاما.
وله أجزاء يتركب منها وهي أقسام الكلمة: الاسم والفعل والحرف.

والكلام لا يتركب من أقل من كلمتين أبدا، فإن رأيت لفظا مفردا قد دل على معنى يحسن السكوت عليه فاحمله على التركيب التقديري وهو أن يكون هنالك كلمة مقدرة لم تلفظ ولكنها ملحوظة في الكلام والمقدر في النحو كالملفوظ مثل: قم فمعناه قم أنت فيكون مركبا في التقدير وإن كان في الظاهر أنه متكون من كلمة واحدة هي قم.
والصور الممكنة لتركيب الكلام ست لأن الكلمة ثلاثة أقسام ( اسم وفعل وحرف ) فلو ضممنا بعضها إلى بعض فسينتج عدة صور هي:
1- اسمان مثل زيد قائم.
2- فعلان مثل ضرب يضرب.
3- حرفان مثل في لم.
4- اسم وفعل مثل قام زيدٌ.
5- اسم وحرف مثل زيد في.
6- فعل وحرف مثل ما قام.
وكلها لا تدل على معنى يحسن السكون عليه إلا الصورة الأولى والصورة الرابعة فقط.
فأقل ما يتركب منه الكلام هو اسمان أو فعل واسم.
وهنا إشكالان على حصر صور تألف الكلام بالاسمين والفعل مع الاسم:
أولا: بحرف النداء مع المنادى تقول يا زيدُ فيفهم معنى تام وهو أنك تنادي على شخص اسمه زيد فيكون الكلام قد تألف من حرف واسم مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة فما الجواب؟
ثانيا: قد تسأل شخصا قائلا: هل قام زيد فيقول لك ( ما قامَ ) فيدل على معنى مفيد وهو نفي القيام عنه وعليه يكون ( ما قام ) كلاما مفيدا مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة أعنى الفعل والحرف فما الجواب؟
والجواب عن الإشكال الأول هو: أن حرف ( يا ) قد ناب مناب الجملة أي حل محلها وهي أنادي فحذف الفعل مع فاعله ( أنادي ) وأقيم مقامه ( يا ) فحينئذ لا تكون يا زيد قد دلت على معنى مفيد لوحدها بل لأنها اشتملت على المقدر وهو أنادي وهي ترجع إلى الصورة الرابعة أعني تركب الكلام من فعل واسم.
والجواب عن الإشكال الثاني هو: أن هنالك كلمة مستترة أي مخفية تقدر في الكلام وهي ( ما قام هو ) الذي يعود على زيد فتكون ما قام مركبة من قام مع هو الذي يعود على زيد أي تركب الكلام من اسم وفعل وهي الصورة الرابعة. فسبب الإشكال هو عدم ملاحظة المقدر والنظر إلى الملفوظ فقط وهو غير سليم ولو لم ننظر إلى المقدر للزم أن ينشأ الكلام بالمفرد مثل قم وذلك لا يصح لأن الكلام هو المركب فكيف صار مركبا بلا تركيب.
وللزم أيضا أن نعد الحرف لوحده كلاما وهو باطل مثل أن تُسأل هل قام زيد فتقول: كلا، فكلا أفادت معنى يحسن السكوت عليه لأنها دلت على مقدر وتقدير الكلام هو كلا ما قام زيد. فافهم.
فإذا علمت ما معنى الكلام فلنبدأ بتقسيمه أقساما متعددة باعتبارات مختلفة فنقول:
ينقسم الكلام باعتبار مدلوله إلى خبر وإنشاء لأن مدلوله أي معناه إن كان يحتمل الصدق والكذب فهو خبر وإن كان لا يحتمل الصدق والكذاب فهو إنشاء.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول:
إذا قلتَ قامَ زيدٌ فهذا الكلام يسمى خبرا لأنه يحتمل الصدق والكذب لأنك إما أن تكون صادقا فيما قلته ويكون زيد قد قام، أو تكون كاذبا ويكون زيد لم يقم.
وإذا قلتَ لشخص قمْ فهذا كلام مركب من فعل وفاعل مستتر تقديره أنت و يسمى إنشاءً وهو لا يحتمل الصدق والكذب لأنه طلب، وهو ليس فيه صدق أو كذب؛ فلا يصح أن يقال لك: صدقت أو كذبت لأنك لم تخبر عن حدوث شيء بل أنت تنشأ أمرا وطلبا لشيء تريده فلا معنى للصدق والكذب، بل إما أن تطاع ويقوم الشخص الذي تخاطبه أو تعصى ولا يقوم من مكانه.
والإنشاء ينقسم إلى قسمين:
طلبي وغير طلبي.
فالإنشاء الطلبي هو: الذي يدل على طلب شيء.
والإنشاء غير الطلبي هو: الذي لا يدل على طلب شيء. فالإنشاء الطلبي يشمل: ( الأمر- النهي- الاستفهام- التمني- النداء- العرْض ).
فلأمر فيه طلب الفعل مثل قم. والنهي فيه طلب الترك أي ترك الفعل مثل لا تقمْ.
والاستفهام فيه طلب الفهم والعلم مثل هل جاء زيدٌ ؟ فأنت هنا تسأل وتطلب من المخاطب أن يعلمك بقضية وهي مجيء زيد من عدمه.

والتمني فيه طلب شيء تتمناه نفسك مثل ليت زيداً يعود من سفره.
والنداء فيه طلب توجه المخاطَب على المتكلم مثل يا زيدُ احذر الطريق فأنت تطلب منه أن يتوجه إليه وينتبه إلى ما تقوله وإذا لم تقل سوى يا زيدُ فمعناه أدعوك للمجيء.
والعَرْضُ هو: الطلب برفق ولين وأشهر أدواته ألا مثل قولك لصديقك ألا تتفضل في بيتنا فهو طلب برفق ولين وليس أمرا باستعلاء وإيجاب.
والإنشاء غير الطلبي مثل ( القسم- صيغ العقود). فالقسم أنت لا تطلب فيه شيء مثل قولك واللهِ كان كذا.
وصيغ العقود أنت تنشأ فيها أمرا ولا تطلب شيئا مثل قولك بعتُ أو اشتريتُ أو قبلتُ الزواج من فلانة فكلها ألفاظ تنشأ فيها عقدا من العقود الشرعية.
فهذه قسمة من أقسام الكلام وينقسم قسمة أخرى إلى حقيقة ومجاز وإليك البيان:
الكلام من حيث استعماله في معناه الموضوع له أو عدم استعماله ينقسم إلى حقيقة ومجاز.

فالحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى الذي اصطلح عليه من الجماعة المخاطِبة.
والمجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح من الجماعة المخاطِبة.
مثال: كلمة أسد وضعتها العرب على الحيوان المفترس المعروف أي جعلوا هذه اللفظة دالة على هذا الحيوان بحيث متى ذكروا كلمة الأسد فهم يعنون به الحيوان المعروف.
فلفظ أسد استعمل في المعنى الذي قصدته العرب من هذا الوضع فيكون حقيقة.
أما إذا استعملنا كلمة الأسد في الإنسان الشجاع لوجود المشابهة بينهما فهذا يسمى مجازا لأنه لفظ استعمل في غير المعنى الذي وضعته العرب ولكن نقل هذا اللفظ أعني الأسد إلى الرجل الشجاع لوجود العلاقة بينهما.
وبتعبير آخر أوضح إن الحقيقة هو اللفظ المستعمل في المعنى الأصلي للكلمة، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير المعنى الأصلي للكلمة.
ولكن قد يقال كيف نعرف إن هذا هو المعنى الأصلي للكلمة فيكون استعمالها فيه حقيقة أو هو ليس المعنى الأصلي فيكون مجازا؟
والجواب: من خلال التبادر و عدم الاحتياج إلى القرينة. مثال: إذا قلتَ رأيت اليوم أسدا فلن يفهم السامع من كلامك ولن يتبادر إلى ذهنه إلا الحيوان المفترس المعروف ولن يفهم أنك رأيت رجلا شجاعا فيكون استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس حقيقة واستعماله في الرجل الشجاع مجاز.
وإذا قلت رأيت اليوم أسدا يحمل بندقيته سيفهم السامع أنك تقصد الرجل الشجاع بدليل القرينة وهي يحمل بندقيته فمثل هذا لا يكون للأسد.
فعلم أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة لتفهم بينما المجاز لا يفهم إلا بقرينة.

نرجع إلى التعريف لنقف عند ألفاظه: قولنا ( اللفظ المستعمل ) هذا يخرج اللفظ المهمل فلا يكون حقيقة ولا مجازا مثل كلمة ديز فهي لا معنى لها عند العرب.
قولنا ( في المعنى الذي اصطلح عليه ) الاصطلاح هو اتفاق طائفة على استعمال لفظ ما في معنى خاص به.
قولنا ( من الجماعة المخاطِبة ) أي أن الاصطلاح قد وضع من قبل الجماعة المتخاطبة بذلك المصطلح.
مثال: العرب هم جماعة من الناس تخاطبوا وتحدثوا فيما بينهم بألفاظ معينة واستعملوها في معاني معينة فاستعملوا لفظ الماء في السائل المعروف ولفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف والشمس في ذلك الكوكب الذي يخرج في النهار والشجرة في النبات الذي له ساق وهكذا فهذه الألفاظ تخاطبوا بها واصطلحوا على أن لها معنىً معينا وحينئذ إذا استعملت الألفاظ في تلك المعاني فحقيقة وإذا استعملت في غير تلك المعاني فتكون مجازا كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع والثعلب في الشخص الماكر. والخلاصة هي أن الحقيقة لفظ مستعمل في معنى مصطلح عليه من قبل جماعة معينة من الناس.
وأن المجاز لفظ مستعمل في غير المعنى المصطلح عليه من قبل تلك الجماعة المعينة من الناس.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" أقسام الحقيقة "
تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام بحسب اختلاف الجهة التي وضعت ذلك الاصطلاح:
أولا: الحقيقة اللغوية: وذلك بأن يكون الواضع لتلك الألفاظ هم أهل اللغة أي العرب الأوائل مثل كلمة ماء وسماء ورجل وأسد وشمس وثعلب ونحو ذلك، فهذه الألفاظ إذا استعملها العرب في معانيها الأصلية كانت حقيقة لغوية، وإذا استعملوها في غير معانيها الأصلية لوجود علاقة كانت مجازا لغويا.
مثل الأسد بمعنى الحيوان المفترس حقيقة لغوية، وبمعنى الرجل الشجاع مجاز لغوي.
ثانيا: الحقيقة الشرعية: وذلك بأن يستعمل الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ألفاظ العرب في معان خاصة فيكون الوضع شرعيا وتكون الحقيقة شرعية كالصلاة والصيام والزكاة والحج والوضوء ونحو ذلك.
فالصلاة مثلا في لغة العرب بمعنى الدعاء، ولكن الشرع نقلها إلى معنى العبادة المعروفة المبتدئة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، فحينما يقول الله سبحانه وتعالى أقيموا الصلاة فهو لا يقصد الدعاء بل العبادة المعروفة والزكاة بمعنى النماء في لغة العرب ولكن الشرع نقلها إلى الصدقة المعروفة الواجبة على الغني ولهذا حينما يقول الله سبحانه وتعالى آتوا الزكاة فهو يقصد الصدقة المعروفة.
فإذا علم هذا فانظر إلى الفرق بين المعنى الواحد بحسب الاصطلاح:
الصلاة في اصطلاح الشرع بمعنى العبادة المعروفة حقيقة شرعية.
وهي عند اللغوي مجاز لأنه يقصد بها الدعاء.
وإذا استعمل الشرع لفظ الصلاة بمعنى الدعاء تكون مجازا شرعيا لأن أصلها عنده للعبادة المعروفة.
وهي عند اللغوي حقيقة.
وإذا استعمل اللغوي الصلاة بمعنى العبادة المعروفة فتكون مجازا لغويا لأن أصلها عنده للدعاء.
وكذا قل في الزكاة هي للصدقة المعروفة في اصطلاح الشرع حقيقة شرعية وبمعنى النماء مجاز شرعي.
وعند اللغوي بالعكس بمعنى النماء حقيقة لغوية، وبمعنى الصدقة المعروفة مجاز لغوي وعليه فقس.
وكذلك حملة الشرع وهم الفقهاء إذا استعملوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والوضوء ونحوها فهم لا يقصدون إلا المعاني الشرعية فيكون استعمالها بهذه المعاني حقيقة شرعية، وإذا تكلموا بهذه المعاني وأرادوا معانيها اللغوية فيكون مجازا شرعيا لأنهم حملة الشرع ويعبرون عن الشرع. ثالثا: الحقيقة العرفية: وذلك بأن يستعمل أهل العرف الألفاظ في معان مخصوصة عندهم فتكون حقيقة عرفية. مثل الغائط فهو في أصل اللغة بمعنى المكان المنخفض من الأرض، ثم استعمله الناس بمعنى الخارج من الدبر وحينئذ فمتى تكلم عموم الناس في الغائط فهم لا يقصدون المكان المنخفض بل الخارج من الدبر فيكون استعماله بهذا المعنى حقيقة عرفية، وإذا استعمل أهل العرف الغائط بمعنى المكان المنخفض فيكون مجازا عرفيا وإن كان في اللغة وعند اللغوي بالعكس فبمعنى المكان المنخفض حقيقة وبمعنى الخارج من الدبر مجاز.
ثم العرف ينقسم إلى قسمين: عرف عام وعرف خاص. فالعرف العام هو الذي يستعمله عامة الناس ولا ينسب إلى طائفة معينة منهم مثل استعمال الغائط في الخارج من الدبر. والعرف الخاص هو اصطلاح طائفة معينة من الناس مثل اصطلاح النحاة والصرفيين والأصوليين ونحوهم فلكل علم اصطلاحاته الخاصة به فاستعمال تلك الألفاظ في معانيها الخاصة تعتبر حقيقة عرفية خاصة واستعمالها في معانيها اللغوية الأصلية يعتبر مجازا عرفيا خاصا.
مثال: الواجب في اللغة هو الساقط يقال وجبت الذبيحة أي سقطت على الأرض، أما في اصطلاح الأصوليين فهو فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فيكون بهذا المعنى حقيقة عرفية لأهل الأصول ومجازا لأهل اللغة. وهنا تنبيهات: أولا: كل مجاز لا بد له من حقيقة، وليس كل حقيقة لا بد أن يكون لها مجاز.
فأكثر الألفاظ إنما استعملت في حقائقها ومتى استعمل لفظ في معنى مجازي لا بد أن يكون له حقيقة نقل منها كاستعمال الأسد للرجل الشجاع فهذا معنى مجازي، وأصله الحقيقي هو الحيوان المفترس.
ثانيا: قد علم مما ذكرنا أن المجاز إنما هو أمر نسبي إضافي فاللفظ قد يكون حقيقة بالنسبة لوضع اللغة وقد يكون مجازا بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي أو يكون حقيقة بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي ويكون مجازا بالنسبة للوضع اللغوي.
ثالثا: لا يعني من وجود الحقيقة الشرعية أن كل الألفاظ في القرآن أو السنة إنما هي مجاز بالنسبة للغة بل بعض قليل من النصوص خص بمعنى جديد كالصلاة والصوم ولكن باقي الألفاظ إنما هي باقية على مدلولاتها اللغوية فمثلا الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين... كل لفظة من هذه الآيات إنما تعرف بحسب اللغة ولم يضع لها الشرع معاني خاصة فليس الحمد والإله والرب والعالمين وغيرها يراد بها غير ما عرفته العرب بخلاف أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فإن الصلاة والزكاة لم تعرف العرب معانيها الشرعية وإنما فسرها الشرع.
" أقسام المجاز "
المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح عليه من قبل الجماعة المخاطِبة.
ويقسم المجاز إلى مجاز لغوي ومجاز عقلي:
فالمجاز اللغوي هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له. والمجاز العقلي هو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له.
مثال: إذا استعملت الأسد في الرجل الشجاع فهذا مجاز لغوي لأنك استعملت لفظ الأسد في غير معناه الأصلي تقول رأيت أسد يحمل بندقيته، تقصدُ رجلا شجاعا.
مثال: بنى الأمير المدينة، فهذا مجاز واقع في الإسناد لأنك أسندت البناء إلى غير من هو له أي غير المتصف به حقيقة، لأن البناء هو حمل الجص والطابوق ومباشرة العمل والأمير لم يفعل شيئا من ذلك وإنما هو أمر ببناء المدينة فلأنه سبب في وقوع البناء أسند الفعل ( بنى ) له والأصل الحقيقي هو: بنى العمال المدينة بأمر الأمير.
والفرق بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي هو أن اللغوي واقع في نفس الكلمة بينما العقلي واقع في الإسناد ولم يقع في الكلمة نفسها. فحينما قلت رأيت أسدا يحمل بندقيته فكلمة أسد هنا مجاز.
أما إذا قلت بنى الأمير المدينة فالأمر مختلف، فهنا عندنا ثلاث كلمات:( بنى والأمير والمدينة ) ولم يقع في أي منها مجاز لأنك تقصد بالبناء معناه الحقيقي وهو رفع البنيان وتقصد بالأمير معناه الحقيقي وهو أمير المدينة وتقصد بالمدينة معناها الحقيقي وهو ما يقابل القرية فلا تستطيع أن تشخص كلمة وتقول إن المجاز وقع فيها وإنما وقع المجاز في الإسناد وهو إسناد ونسبة البناء إلى الأمير ولهذا يسمى المجاز العقلي بالمجاز في الإسناد.
ثم المجاز اللغوي ينقسم إلى استعارة ومجاز مرسل. فالاستعارة: مجاز علاقته التشبيه.
والمجاز المرسل: مجاز ليس علاقته التشبيه.
مثال: إذا قلتَ: رأيت أسدا يحمل بندقيته فهذا استعارة لأن العلاقة بين الحيوان المفترس وبين الرجل الشجاع هي الشجاعة في كل منهما والأصل الحقيقي للمثال هو: رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسدٌ.
مثال: إذا قلت: زيدٌ لهُ يدٌ عليّ، فهذا مجاز لأنك تقصد باليد النعمة والإحسان أي أن زيدا قد أسدى لك معروفا فاستعملت اليد التي حقيقتها هي العضو المعروف في معنى مجازي وهو النعمة والعلاقة بين العضو والنعمة ليس التشبيه بل السببية لأن اليد التي هي العضو سبب للنعمة والإحسان لأن العادة أن من يريد أن يعطي شيئا لآخر يعطيه بيده فهذا يسمى مجازا مرسلا والعلاقة هنا هي السببية.
مثال آخر: قال تعالى " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ". والغائط - كما ذكرنا- أصله في اللغة بمعنى المكان المنخفض ثم استعمل مجازا للخارج من الدبر وصار حقيقة عرفية.
فإذا رجعنا ونظرنا إلى الأصل اللغوي نجد أن استعمال الغائط في الخارج من الدبر مجاز وللمكان المنخفض حقيقة ونجد أن العلاقة بين المكان المنخفض وبين الخارج من الدبر هو المجاورة لأنه كان في السابق من يريد أن يذهب لقضاء حاجته يخرج إلى أرض منخفضة كي يستتر فيها عن أعين الناس ليقضي حاجته. والمجاز المرسل نوعان:
1- مجاز مرسل له علاقة.
2- مجاز مرسل ليس له علاقة.
فالذي له علاقة قد ذكرنا مثاله كعلاقة السببية في قولك: زيدٌ له يدٌ عليّ.
والذي ليس له علاقة نوعان:
أ- مجاز بالحذف.
ب- مجاز بالزيادة.
أي إما أن يكون بحذف كلمة تقدر، أو بزيادة كلمة.
مثال: قال تعالى " واسأل القرية " أي واسأل أهل القرية، وذلك لأن أبناء يعقوب عليه السلام حينما ذكروا أن أخاهم قد سرق قالوا لأبيهم كي تتأكد اسأل القرية، ومعنى القرية في اللغة هي البيوت المجتمعة من المبنية من طين ونحوه ولا يمكن أن يسأل القرية لأنها جماد لا يعقل والمعنى اسأل أهل القرية، فهنا هذا مجاز بالحذف لأنه حذفت كلمة أهل من اللفظ ولكنها مرادة في المعنى والتقدير.
وقال تعالى : " ليس كمثله شيء " وهنا يوجد مجاز بالزيادة ولتوضيح ذلك نقول:
المعنى في الآية كما قال كثير من أهل العلم هو أن الله ليس مثله شيء فلا يشبهه شيء من المخلوقات سبحانه. والكاف في قوله تعالى " كمثله " معناها في اللغة هو المثل تقول زيد كالقمر أي مثل القمر، فعليه يكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يعني أن لله سبحانه مثيلا وهذا المثيل ليس مثله شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فتكون الكاف زائدة والمعنى ليس مثله شيء وهذا مجاز بالزيادة أي بزيادة الكاف هنا.
فإن قيل فكيف يكون في كلام الله ما هو زائد ؟ قلنا: لا تتوهم أن معنى الزيادة أنها لا فائدة لها: كلا لا نقصد هذا إطلاقا بل نقصد أن أصل المعنى يتأدى من دون تلك الزيادة ولكن جيء بالكاف لأجل إفادة التوكيد، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب. وعليه فتكون تلك الكاف تفيد التوكيد أي توكيد أن الله ليس كمثله شيء فتكون مثل إنّ في إفادتها التوكيد فكأن الله تعالى قال إنه ليس مثله شيء. تنبيه: بعض العلماء يتورع عن استعمال كلمة الزيادة في القرآن ويستعمل بدلها كلمة صلة ويعني أنها زائدة ولكن تأدبا مع كلام الله بدّل اللفظ كما تجد ذلك في تفسير الجلالين وغيره.
وهنا نصل إلى قاعدة مهمة وهي: إذا دار اللفظ في النصوص الشرعية بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فاحمله على المعنى الشرعي.
فالصلاة والصيام والزكاة حينما ترد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يراد معانيها الشرعية.

مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور. رواه مسلم. فالمعنى لا تصح الصلاة بمعنى العبادة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم إلا بتطهر ووضوء، وليس معناه أنه لا يصح الدعاء إلا بطهور.
" أقسام الدلالة "
الدلالة هي: فهم شيء من شيء آخر.
مثال: إذا كنت في بيتك فسمعت طرقا على الباب فسوف ينتقل ذهنك مباشرة إلى أنه يوجد شخص عند الباب فتذهب لتخرج إليه.
فهنا الطرقة أرشدتك إلى وجود شخص، فالطرقة تسمى دالا، ووجود الشخص يسمى مدلولا والارتباط الحاصل بين الدال والمدلول هو الدلالة أي أن انتقال ذهنك من الطرقة إلى الشخص هو الدلالة.
فليست الدلالة هي الدال أو المدلول بل هي الانتقال الذهني من الدال إلى المدلول.
والدلالة تنقسم إلى قسمين:
دلالة لفظية وهي: التي يكون الدال فيها لفظا.
دلالة غير لفظية
وهي: التي يكون الدال فيها غير لفظ. مثال: لفظ زيد يدل على شخص معين، ولفظ نخلة يدل على الشجرة ذات التمر.
فلفظ نخلة دال والشجرة ذات التمر مدلول، وفهم المعنى من اللفظ هو الدلالة اللفظية.
مثال: إذا نظرت إلى السماء فرأيت دخانا أسود فستعلم أنه توجد نار تشتعل في مكان ما.
فانتقال ذهنك من الدخان إلى النار هو الدلالة، ولا شك أن الدخان ليس لفظا.
وكل من الدلالة اللفظية وغير اللفظية ينقسمان إلى ثلاثة أقسام هي: ( وضعية- طبعية- عقلية ).

أولا: الدلالة الوضعية وهي: الدلالة الحاصلة من الوضع والاصطلاح أي جرى اتفاق على أن هذا الشيء قد وضع علامة على هذا الشيء فمتى أطلق فهم منه ذلك الشيء. مثال الدلالة الوضعية اللفظية: اللغات فكلها من باب الدلالة الوضعية فإذا نطقت بكلمة سيارة فهم السامع تلك الآلية المعروفة.
ومثال الدلالة الوضعية غير اللفظية: إشارات المرور فأنت إذا رأيت اللون الأحمر توقفت بسيارتك وإذا رأيت الأخضر سرت، وهذه دلالة وضعية لأن النظام الدولي قد اصطلح على جعل هذه الألوان دلالة على التوقف أو السير وهي ليست لفظا كما هو واضح.
ثانيا: الدلالة الطبعية وهي: التي يكون منشأها طبع الإنسان أو عاداته.
مثال الدلالة الطبعية اللفظية: لفظة أخ إذا توجعت من شيء كأن تمشي وتدوس على مسمار فتجد بغير شعور تقول أخ فتجد صديقك يفهم من هذه اللفظة مباشرة أنك تتألم.
وهذه اللفظة لم توضع لتدل على الألم ولكن اعتاد كثير من الناس أن ينطقوا بها حين الشعور بالألم.
مثال الدلالة الطبعية غير اللفظية: إذا رأيت شخصا اصفر وجهه فجأة فستعلم مباشرة أنه خائف من شيء ما وهذه دلالة طبعية لأن الإنسان بطبعه وبغير إرادته يصفر عند الخوف.
ثالثا: الدلالة العقلية وهي: الدلالة التي تنشأ بسبب العقل وهي تكون محكومة بقواعد عقلية مثل أن الأثر يدل على المؤثر والفعل يدل على الفاعل فهي لا تنشأ من وضع الإنسان واصطلاحه ولا بسبب طبعه وعاداته بل بسبب اللزوم العقلي بين الدال والمدلول.
مثال الدلالة العقلية اللفظية: دلالة اللفظ على اللافظ لأن اللفظ أثر فلا بد من فاعل قد قام به فإذا سمعت نحنحة من خلف الجدار فأنت ستعلم بلا شك أنه هناك منحنح أي إنسان موجود لأن هذا الصوت يستحيل أن يوجد من غير شخص يقوم به.
مثال الدلالة العقلية غير اللفظية: دلالة الدخان على النار لأن هذا أثر ومؤثر فالدخان أثر والنار مؤثر.
ولهذا حينما سئل أحد الأعراب بما عرفت ربك فقال: الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير.
فهذا الدلالة عقلية غير لفظية.
والبروج هي الكواكب العظيمة، والفجاج جمع فجٍّ وهي الطريق الواسع بين الجبلين.
ثم إن الدلالة الوضعية اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: 1- مطابقة وهي: دلالة اللفظ على كامل معناه.
2- تضمن وهي: دلالة اللفظ على بعض معناه.
3- التزام وهي: دلالة اللفظ على خارج معناه.
مثال: لفظ الكتاب معناه هو مجموعة أسطر مكتوبة على أوراق، فدلالته على هذا المعنى بتمامه هو دلالة مطابقة، ودلالته على جزء معناه هو دلالة تضمن مثل دلالة لفظ الكتاب على الورق فقط أو على الأسطر فقط، ودلالته على خارج عن معناه وتعريفه ولكنّ بينه وبينه ارتباطا والتزاما يسمى دلالة التزام مثل دلالة لفظ الكتاب على المطبعة التي طبعته، فالمطبعة ليست جزءً من التعريف ولكن لا يمكن أن يوجد الكتاب المطبوع بدون دار تطبعه.
فكل لفظ له تعريف تكون دلالته على كله مطابقة، وعلى بعضٍ منه تضمن، وعلى خارج عن معناه ولكنه لازم له التزام. مثال: لفظ العقد معناه في الفقه هو: إيجاب وقبول.
فدلالة العقد على مجموع الإيجاب مع القبول مطابقة. ودلالته على الإيجاب فقط أو على القبول فقط تضمن. ودلالته على الآثار المترتبة على العقد التزام، لأن كل عقد كعقد البيع والإجارة والنكاح لا بد فيه من آثار تترتب عليه كما هو معلوم.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" تنبيه مهم "
علماء البلاغة اختاروا أن اللفظ لا يمكن أن يفسر على أنه حقيقة ومجاز في نفس الوقت، وذلك لأنه إن وجدت قرينة على المجاز فيحمل على أنه مجاز، وإن لم توجد فيحمل على أنه حقيقة، ولذا تراهم يعرِّفون المجاز بأنه لفظ استعمل في غير ما وضع له لقرينة، وبالتالي إن وجدت القرينة كان اللفظ مجازا فقط، وإن لم توجد قرينة كان حقيقة فقط.
واختار الإمام الشافعي رحمه الله وأكثر الأصوليين جواز أن يقصد باللفظ حقيقته ومجازه معا في نفس الوقت، ولذا تراهم لا يذكرون القرينة في تعريف المجاز فيقولون: إن المجاز لفظ استعمل في غير ما وضع له أي تجوز به عن موضوعه الأصلي، أو يقولون هو لفظ استعمل في غير ما اصطلح عليه من الجماعة المخاطِبة ولا يذكرون قيد القرينة لأنها ليست شرطا عندهم.
ولكي يتحدد موضوع النزاع بين البلاغيين والأصوليين نضرب هذا الأمثلة:
1- رأيت أسدا يزأر فهنا يفسر الأسد على الحقيقة فقط بالاتفاق لوجود القرينة الدالة على قصد الحقيقة وحدها وهي يزأر.
2- رأيت أسدا يحمل سيفا فهنا يفسر على أنه مجاز فقط بالاتفاق لوجود القرينة الدالة على قصد المجاز وحده.
3- إذا رأيتَ أسدا يريد أذاك فاقتله، فهنا لا مانع من حمل الأسد على أنه يراد به الحيوان المفترس والرجل الشجاع لأن كلا منهما يقصدك بالأذى فعبارة يريد أذاك تصلح أن تكون قرينة لحمل الأسد على المعنيين عند الأصوليين، وأما عند البلاغيين لا يصح ذلك ويحمل على الحيوان المفترس.
4- رأيت أسدا فهنا لا قرينة تعين المعنى الحقيقي أو تعين المعنى المجازي أو تصلح للحمل على الحقيقي والمجازي معا فنحمله على الحقيقة بالاتفاق.
فظهر أن محل الخلاف هو الصورة الثالثة وهي قيام قرينة تصلح لإرادة المعنى الحقيقي مع المجازي.
مثال ذلك قوله تعالى: ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ).
فالصلاة هنا تحمل على المعنى الحقيقي وهو العبادة المعروفة، وعلى معنى مجازي أيضا وهو مواضع الصلاة أي المساجد بدليل أن قوله تعالى ( حتى تعلموا ما تقولون ) يبين أن العلة من المنع هي أن يعقل الإنسان ما يقوله في صلاته فنفسرها بمعنى العبادة المعروفة.
وقوله إلا عابري سبيل يدل بوضوح على أن الصلاة هنا يراد بها المساجد لأنه لا يحل للجنب أن يقرب المسجد إلا عابرا للسبيل وليس ماكثا فيه، ولا يتأتى أن يكون المعنى ولا تقربوا الصلاة المعروفة جنبا إلا عابري سبيل فلذا نحملها على المعنى المجازي أيضا.
فتلخص أن البلاغيين اشترطوا في المجاز وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي ولا يمكن عندهم أن يكون هنالك قرينة تدل على إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا.
وأما الأصوليون فلم يشترطوا في المجاز وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي معه، وجوزوا أن يحمل الكلام على الحقيقة والمجاز معا إذا وجدت قرينة تدل على إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا.
" خلاصة الباب "
يتعرض الأصوليون لمباحث لغوية لأن لها تعلقا بهذا العلم فإن النصوص الشرعية هي كلام وعبارات بلغة العرب فاحتاجوا لذكر بعض تلك المباحث كي يستفاد منها في فهم النصوص فإذا علم هذا فنقول:
اللفظ: صوت مشتمل على بعض الأحرف، والصوت هو: ما يسمع، والأحرف نقصد بها حروف الهجاء.
وينقسم اللفظ إلى: مستعمل وهو: ما دل على معنى، ومهمل وهو: ما لا يدل على معنى.
واللفظ المستعمل ينقسم إلى: مفرد وهو: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، ومركب وهو: ما يدل جزئه على جزء معناه، واللفظ المفرد يسمى كلمة وهي: اسم وفعل وحرف.
واللفظ المركب ينقسم إلى: مركب مفيد وهو: ما يحسن السكوت عليه، ومركب غير مفيد وهو: ما لا يحسن السكوت عليه، واللفظ المركب المفيد يسمى كلاما.
والكلام ينقسم عدة أقسام باعتبارات مختلفة وهي ثلاثة تقسيمات :
أولا: تقسيم الكلام باعتبار أقل ما يتركب منه فينقسم إلى: ( اسمين ) و ( فعل واسم ).
ثانيا: تقسيم الكلام باعتبار المدلول فينقسم إلى: خبر وإنشاء، فالخبر هو: ما يحتمل الصدق والكذب والإنشاء هو: ما لا يحتمل الصدق والكذب، وهو قسمان طلبي ويشمل: ( الأمر- النهي- الاستفهام- التمني- النداء- العرْض )، وغير الطلبي يشمل: ( القسم- صيغ العقود ).
ثالثا: تقسيم الكلام باعتبار الاستعمال فينقسم إلى: حقيقة، ومجاز، فالحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى المصطلح عليه من الجماعة المخاطِبة، والمجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى المصطلح عليه من قبل الجماعة المخاطبة.
والحقيقة ثلاثة أقسام: حقيقة لغوية ، وحقيقة شرعية ، وحقيقة عرفية عامة وخاصة.
والمجاز قسمان: مجاز لغوي وهو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له،ومجاز عقلي وهو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له.
والمجاز اللغوي نوعان: استعارة وهي : مجاز علاقته التشبيه، ومجاز مرسل وهو: ما ليست علاقته التشبيه.
والمجاز المرسل قسمان: ماله علاقة محددة كالسببية والمجاورة، وما ليست له علاقة محددة بل فيه نقصان أو زيادة.
" تعليقات على النص "
( فأما أقسام الكلام: فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان، أو أسم وفعل، أو أسم وحرف، أو حرف وفعل.
والكلام ينقسم إلى: أمر ونهي وخبر واستخبار.
وينقسم أيضا إلى تمن وعرْض وقسم.


........................................................................................................
أقول: قوله ( فأما أقسام الكلام ) هذا شروع في الباب الأول من أبواب أصول الفقه وهو أقسام الكلام ( فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان ) مثل زيد قائم ( أو أسم وفعل ) مثل قام زيد ( أو أسم وحرف ) مثل يا زيدُ وهذا ضعيف، والمعتمد أن هذه الصورة ترجع إلى اسم وفعل لأن يا نائبة عن الفعل مع فاعله والتقدير أدعو زيدا أو أنادي زيدا ( أو فعل وحرف ) مثل ما قام، وهذا ضعيف لأنه مبني على عدم عدِّ الضمير المستتر في قام كلمة، والمعتمد أنه يعد في الكلام فترجع هذه الصورة إلى اسم وفعل، ولو لم نعد الضمير المستتر كلمة للزم أن قم كلام بدون الضمير المستتر فيكون الكلام قد يأتي غير مركبا بل يتألف من فعل فقط وهذا مردود.
فهذا هو التقسيم الأول للكلام وهو تقسيمه من حيث ما يتركب منه.
وأما التقسيم الثاني فهو تقسيم الكلام من حيث مدلوله ومعناه وفيها قال (والكلام ينقسم إلى: أمر ونهي وخبر واستخبار ) وهذه القسمة هناك ما هو أدق منها وهي أن الكلام ينقسم إلى طلب وخبر واستخبار والطلب يشمل الأمر والنهي، وهنالك قسمة أدق منهما وهي أن نرجع هذه الثلاثة أعني الأمر والنهي والاستخبار الذي هو الاستفهام إلى قسم واحد وهو الإنشاء فيكون الكلام ينقسم إلى إنشاء وخبر، ثم الإنشاء ينقسم إلى أمر ونهي واستفهام وغيرها.
ثم قال ( وينقسم أيضا إلى تمن وعرض وقسم ) أي وينقسم الكلام إلى تمن وعرض وقسم، وهذه أيضا غير دقيقة، والأدق هو أن الكلام ينقسم إلى إنشاء وخبر، والإنشاء ينقسم إلى قسمين طلبي وغير طلبي والإنشاء الطلبي يشمل ( الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ) وأضفنا النداء أيضا.
والإنشاء غير الطلبي مثل القسم وأضفنا إليها صيغ العقود فهذا هو التقسيم الدقيق.
ومن وجه آخر ينقسم إلى: حقيقة ومجاز.
فالحقيقة: ما بقي في الاستعمال على موضوعه.
وقيل: ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطِبة.

........................................................................................................
والملاحظ أن المصنف قال ( وينقسم أيضا ) ففَصَل هذه القسمة عن التي قبلها مع أنها قسمة واحدة وسبب ذلك أن بعض العلماء قد قال إن الكلام باعتبار مدلوله ينقسم إلى أربعة أقسام فقط وهي ( أمر ونهي وخبر
واستخبار) وبعض العلماء قد قال هو ينقسم باعتبار المدلول إلى أكثر من أربعة أقسام بل هي سبعة وهي : ( أمر ونهي وخبر واستخبار وتمن وعرض وقسم ) ولذا قال المؤلف ( وينقسم أيضا ) ليشير إلى القولين.
وقد عرفت أن الذي استقر عليه علماء البلاغة هو تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء والإنشاء طلبي وغير طلبي، والطلبي يشمل الأمر مثل قم والنهي مثل لا تقم والاستفهام مثل هل قام زيد والتمني مثل ليت زيدا يقوم والنداء مثل يا زيد والعرض مثل ألا تقوم من مكانك، وغير الطلبي مثل القسم نحو والله قد كان كذا، وصيغ العقود مثل بعتك واشتريت.
قوله ( ومن وجه آخر ) أي ومن حيثية أخرى واعتبار آخر وهو تقسيم الكلام باعتبار استعماله في مدلوله الأصلي أو عدم استعماله فيه ( ينقسم إلى: حقيقة ومجاز ) ثم بدأ بتعريف الحقيقة فذكر لها تعريفين فقال : (فالحقيقة: ما بقي في الاستعمال على موضوعه ) ما هذه تفسر بلفظ أي لفظ بقي في الاستعمال على موضوعه، والمراد بموضوعه هو مدلوله ومعناه اللغوي الأصلي مثل استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف تقول: رأيت أسدا في الغابة، فهذا هو التعريف الأول للحقيقة وأما التعريف الثاني فذكره بقوله (وقيل: ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطِبة ) وما هذه تفسر أيضا بلفظ، وقوله ( فيما اصطلح )
ما الثانية تفسر بمعنى أي لفظ استعمل في المعنى الذي اصطلح عليه مِن المخَاطِبة أي من قبل الجماعة المتخاطبة والمتكلمة بهذا المصطلح لأنهم إن كانوا أهل اللغة فتكون الحقيقة لغوية وإن كانوا أهل الشرع فالحقيقة شرعية، وإن كانوا أهل العرف فالحقيقة عرفية.


والمجاز: ما تُجُوِّزَ به عن موضوعه.

........................................................................................................
وإذا أدرنا أن نلتمس الفرق بين التعريفين نجد أن التعريف الأول وهو ما بقي في الاستعمال على موضوعه لا يشمل غير الحقيقة اللغوية، فتكون الحقيقة الشرعية كالصلاة بمعنى العبادة المعروفة والحقيقة العرفية كالواجب فيما يثاب على فعله ويعاقب على تركه مجازا، بينما يشمل التعريف الثاني وهو ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة الحقائق الثلاث: اللغوية والشرعية والعرفية، بسبب نصه على ذلك بعبارة ( فيما اصطلح عليه من المخاطبة ) والظاهر أن صاحب التعريف الأول ينكر الحقيقة الشرعية والعرفية ولا يعترف بهما ويعتبرهما مجازا لغويا ليس إلا، بينما صاحب التعريف الثاني يعترف بالحقيقة الشرعية والعرفية ويجعل معنى الحقيقة شيئا إضافيا فيكون اللفظ الواحد حقيقة باصطلاح ومجازا باصطلاح آخر والتعريف الثاني هو المعتمد لأن إنكار الحقائق الشرعية والعرفية ضعيف.
بقي أن المؤلف صاحب الورقات ما هو القول الذي يختاره؟ والجواب: قد يقال إنه اختار القول الأول بدليل تقديمه له، وبدليل تضعيفه للقول الثاني بعبارة ( وقيل ) إذْ أن الغالب أن تستعمل هذه الكلمة في التضعيف، ويحتمل أنه أراد القول الثاني لأنه هو المشهور بين الأصوليين ولأنه فرّع عليه حينما قسّم الحقيقة إلى لغوية وشرعية وعرفية كما سيأتي والله أعلم.
ثم بدأ بتعريف المجاز فقال ( ما تجور به عن موضوعه ) أي لفظ تجور به عن موضوعه اللغوي الأصلي.
والتجوز هو التعدي والنقل أي نقل اللفظ من موضوعه الأصلي إلى معنى آخر كاستعمال الأسد بمعنى الرجل الشجاع في قولك رأيت أسدا يحمل بندقيته.
ثم اعلم أن المجاز له تعريفان أيضا بحسب الاختلاف في تعريف الحقيقة، فعلى التعريف الأول للحقيقة يكون تعريف المجاز هو ( ما تجوز به عن موضوعه ) وهذا هو الذي ذكره المؤلف واقتصر عليه، وأما على التعريف الثاني للحقيقة وهو الذي يثبت الحقائق الشرعية والعرفية يكون معنى المجاز هو ما استعمل في غير ما اصطلح عليه من المخاطِبة.
فإن قيل لم اقتصر المصنف على التعريف الأول للمجاز ؟


والحقيقة: إما لغوية، وإما شرعية، وإما عرفية.
والمجاز: إما أن يكون بزيادة، أو نقصان، أو نقل، أو استعارة.
فالمجاز بالزيادة: مثل قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ).
والمجاز بالنقصان: مثل قوله تعالى ( واسأل القرية ).


........................................................................................................
قلنا: يحتمل أنه فعل ذلك لأنه يختار التعريف الأول للحقيقة فاقتصر على تعريف المجاز المتفرع عن التعريف المختار للحقيقة عنده وهو التعريف الأول، ويحتمل أنه ترك التعريف الثاني اختصارا لأنه يمكن استخراجه من التعريف الثاني للحقيقة والله أعلم.
قال ( والحقيقة إما لغوية وإما شرعية وإما عرفية ) هذا التقسيم هو باعتبار الواضع مثال الحقيقة اللغوية الأسد في الحيوان المفترس المعروف، ومثال الحقيقة الشرعية الصلاة بمعنى العبادة المعروفة ومثال الحقيقة العرفية الغائط في الخارج من الدبر.
قوله ( والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان، أو نقل، أو استعارة ) نقول إن المجاز قسمان مجاز لغوي ومجاز عقلي، والمجاز اللغوي قسمان مجاز مرسل واستعارة، فمجاز الزيادة والنقصان والنقل ترجع إلى المجاز المرسل، والمجاز بالاستعارة يرجع إلى الاستعارة فافهم.
قال ( فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى: ليس كمثله شيء ) لأن معنى الكاف هو مِثل فيكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يقتضي أن لله مثلا وهو لا يصح قطعا، فلذا حملت الكاف على أنها زائدة لغرض التوكيد أي توكيد أن الله ليس مثله شيء.
ثم قال ( والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى : واسأل القرية ) لأن القرية هي البيوت وهي جماد لا يعقل فلا معنى لتوجيه السؤال إليها بل المراد واسأل أهل القرية فتكون أهل محذوفة ولكنها مرادة في الآية.


والمجاز بالنقل: كالغائط فيما يخرج من الإنسان.
والمجاز بالاستعارة: كقوله تعالى : ( جداراً يريد أن ينقض ).


.......................................................................................................
قال ( والمجاز بالنقل مثل الغائط فيما يخرج من الإنسان ) الذي ظهر لي أن النقل معناه هنا هو النقل من المعنى الأصلي إلى معنى آخر لعلاقة لغير مشابهة، لأن المشابهة داخلة في الاستعارة، فيكون معنى النقل هو المجاز المرسل ذو العلاقة لأننا ذكرنا من قبل أن المجاز المرسل إما أن تكون له علاقة كالسببية والمجاورة أو ليس له علاقة كالمجاز بالزيادة والحذف، والذي دعانا إلى تفسير النقل بهذا هو مثال المصنف لأنه مثل بالغائط وهو مذكور في علم البلاغة من أمثلة المجاز المرسل لعلاقة المجاورة، ولأننا إذا فسرنا النقل بمعناه العام وهو نقل اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر فسيشمل الاستعارة بل يشمل كل أقسام المجاز لأن كل مجاز فيه نقل فلا معنى لجعل النقل من أقسام المجاز حينئذ.
فإن قيل: ولكنكم ذكرتم من قبل أن الغائط حقيقة عرفية فكيف جعلتموه هنا مجازا؟
قلنا: لا إشكال في ذلك لأن عده حقيقة بالنظر إلى العرف العام وعده مجازا بالنظر إلى اللغة، وكنا قد ذكرنا من قبل أن الشيء الواحد قد يكون حقيقة بالنظر إلى الشرع أو العرف ويكون مجازا بالنظر إلى اللغة تأمل.
قال ( والمجاز بالاستعارة كقوله تعالى:جدارا يريد أن ينقض ) الاستعارة هي: مجاز علاقته المشابهة.
مثل: رأيت أسدا يحمل بندقيته والأصل رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسد.
ومثل جدارا يريد أن ينقض والأصل جدار يكاد يسقط كأنه حيوان يريد أن ينقض على فريسته.
فشبّه الجدار بالحيوان المفترس لأن كل منهما على وشك السقوط.
تنبيه: قول المصنف في تفسير الغائط فيما يخرج من الإنسان يعم البول والغائط والمشهور أن الغائط للخارج من الدبر فقط.
" تمارين "
بين نوع المجاز في النصوص التالية:
1- قال تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
2- قال تعالى ( ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتُك ).
3- قال تعالى عن فرعون ( يُذَبِّحُ أبنائهم ويستحْيِي نسائهم إنه كان من المفسدين ).
4- قال الله تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ).
5- قال تعالى ( ويُنَزِّل لكم من السماء رزقا ).
6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العين وِكاء السَّهِ فمن نام فليتوضأ ) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرها وهو حديث حسن، والسّهُ هو الدبر.
7- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه ) رواه ابن حِبان وغيره وهو صحيح.
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يسب الرجل والديه؟ قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه.
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى .. أنا الدهرُ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) متفق عليه.
10- عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ) . متفق عليه.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيراً أستاذنا الفاضل على هذه الدروس القيمة
وهذا الشرح الوافي والأمثلة التوضيحية الغزيرة
وإليكم مشاركتي في حل بعض التمارين للدرس الثاني،، أسأل الله التيسير:

" تمارين "
بين نوع المجاز في النصوص التالية:
1- قال تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
المراد: (وأشربوا في قلوبهم حب العجل) ،، فهذا من باب المجاز المرسل بالنقصان
2- قال تعالى ( ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتُك ).
المراد: (ما منعك أن تسجد إذْ أمرتُك) ،، فهذا من باب المجاز المرسل بالزيادة
3- قال تعالى عن فرعون ( يُذَبِّحُ أبنائهم ويستحْيِي نسائهم إنه كان من المفسدين ).
المجاز في يذبح ، ويستحيي فهو لم يقم بالفعل بنفسه بل أمر به ولكن نسب له مجازا ،، وهذا مجاز عقلي
4- قال الله تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ).
المراد (يخرج الناس من الكفر إلى الإيمان) وهذا مجاز بالنقل حيث نقل اسم الكفر إلى الظلمات ، والإيمان إلى النور
5- قال تعالى ( ويُنَزِّل لكم من السماء رزقا ).
المراد (وينزل من السماء ماءً) وأطلق على الماء اسم الرزق مجازاً لأنه أساس الرزق،، وهو من نوع المجاز بالنقل
6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العين وِكاء السَّهِ فمن نام فليتوضأ ) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرها وهو حديث حسن، والسّهُ هو الدبر.
...........................
7- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه ) رواه ابن حِبان وغيره وهو صحيح.
المجاز هنا مجاز بالاستعارة فالمقصود أن الإنسان يرى العيب الغير في أخيه وينسى عيبه الكبير
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يسب الرجل والديه؟ قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه.
المجاز في الجملة الأولى نوعه استعارة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشطر الثاني من الحديث
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى .. أنا الدهرُ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) متفق عليه.
المراد (أنا خلقت الدهر أو رب الدهر) فتكون المجاز بالنقصان
10- عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ) . متفق عليه.
المجاز في قوله وشد المئزر، ونوعه استعارة عن اعتزال النساء في العشر الأواخر.
هذا ما فتح الله علي من إجابات،،
والله تعالى أعلم،،


 
إنضم
29 ديسمبر 2008
المشاركات
29
التخصص
معلم
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيرا ووفقك الى مايحب ويرضا واعانك على تكملت هذه الدروس الجميلة والمبسطة التي تسهل على طالب العلم المبتدي فهمها واستيعابها
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيرا.
سرني متابعتك للدرس والإجابة على الأسئلة.
بالنسبة لما أجبت به فسأنبه على شيء واحد وهو:
أراى أنك استعلمت عبارة المجاز بالنقل وكأنك تابعت ظاهر عبارة إمام الحرمين.
والصواب هو أن المجاز بالنقل يعم كل أنواع المجاز فليس هو بنوع مستقل هذا إن عني بالنقل هو النقل من المعنى الحقيقي للمجازي، وإن عني به نوع خاص وهو النقل لعلاقة غير المشابهة كما بينته في الشرح فهو راجع إلى المجاز المرسل ذي العلاقة.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" تمارين "
بيّن نوعَ المجاز في النصوص التالية:
1- قال تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
2- قال تعالى ( ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتُك ).
3- قال تعالى عن فرعون ( يُذَبِّحُ أبنائهم ويستحْيِي نسائهم إنه كان من المفسدين ).
4- قال الله تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ).
5- قال تعالى ( ويُنَزِّل لكم من السماء رزقا ).

........................................................................................................
1- ليس المقصود أنهم شربوا العجل بل هو على حذف مضاف أي شربوا حب العجل أي خالط حب العجل قلوبهم فهو مجاز مرسل بالنقصان.
2- المعنى ما منعك أن تسجد إذْ أمرتك، فتكون لا زائدة جيء بها للتوكيد فهو مجاز مرسل بالزيادة.
3- ليس فرعون هو من كان يمسك أبنائهم ويذبحهم بيديه بل هو كان الآمر بذلك فهو كقولنا بنى الأمير المدينة، فتكون الآية من قبيل المجاز العقلي.
4- المراد من الظلمات هو الكفر والمراد من النور هو الهدى أي يخرجهم من الكفر الذي هو كالظلمات إلى الهدى الذي هو كالنور، فهذا مجاز بالاستعارة.
5- المراد ينزل لكم من السماء ماء وهو سينبت به لكم الزرع والنبات الذي هو رزقكم، فهو مجاز مرسل علاقته السببية لأن الماء سبب الرزق.


6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العين وِكاء السَّهِ فمن نام فليتوضأ ) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما وهو حديث حسن، والسّهُ هو الدبر.
7- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه ) رواه ابن حِبان وغيره وهو صحيح.
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يسب الرجل والديه؟ قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه.
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى .. أنا الدهرُ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) متفق عليه.
10- عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ) . متفق عليه.
........................................................................................................
6- الوكاء هو الخيط الذي يغلق به فم القربة ( وعاء من الجلد ) ففي الكلام مجاز بالاستعارة حيث شبه الدبر بقربة بجامع أن كلا منهما ظرف لما فيه، والأصل العين وكاء الدبر الذي هو كالقربة.
7- القذى الوسخ يسقط في داخل العين، والجذع هو جذع النخلة والمقصود يبصر أحدكم العيب الصغير في أخيه وينسى العيب الكبير في نفسه، ففي الحديث مجاز بالاستعارة والأصل يبصر أحدكم العيب الصغير في أخيه الذي هو كالقذى في عين أخيه، وينسى العيب الكبير في نفسه الذي هو كالجذع في عين نفسه.
8- هنا يوجد مجاز لأن قوله صلى الله عليه وسلم ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) معناه أن يشتم الولد والديه، ولكنه أراد به التسبب في شتم والديه فهو مجاز مرسل علاقته السببية.
9- هنا مجاز لأن الدهر هو الزمن من ليل ونهار وهي ليست رب العالمين بلا شك، ولكن المعنى على حذف مضاف أي أنا مقلب الدهر، وقد دل عليه قوله ( بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) والمقلِّب غير المقلَّب.
10- قولها ( أحيا الليل ) هنا استعارة شبه السهر في الليل بالإحياء والأصل سهرَ الليلَ الذي هو كالإحياء لأن النوم هو أخو الموت، فإذا استيقظ وسهر فكأنه أحيا نفسه.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيرا ووفقك الى مايحب ويرضا واعانك على تكملت هذه الدروس الجميلة والمبسطة التي تسهل على طالب العلم المبتدي فهمها واستيعابها
اللهم آمين.
وجزاك الله خيرا
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

الدرس الثاني من شرح الورقات مع المخططات وأجوبة التمارين في ملف في المرفقات.
 

المرفقات

  • الدرس الثاني من شرح الورقات.rar
    143.6 KB · المشاهدات: 0

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

والصواب هو أن المجاز بالنقل يعم كل أنواع المجاز فليس هو بنوع مستقل هذا إن عني بالنقل هو النقل من المعنى الحقيقي للمجازي، وإن عني به نوع خاص وهو النقل لعلاقة غير المشابهة كما بينته في الشرح فهو راجع إلى المجاز المرسل ذي العلاقة.
جزاك الله خيرا
الآن فهمت
وسوف أعيد وضع تلخيصكم لأنواع المجاز بخط أكبر ليتسنى لنا إعادة الاطلاع عليها وتثبيتها:

والمجاز قسمان: مجاز لغوي وهو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له،ومجاز عقلي وهو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له.
والمجاز اللغوي نوعان: استعارة وهي : مجاز علاقته التشبيه، ومجاز مرسل وهو: ما ليست علاقته التشبيه.
والمجاز المرسل قسمان: ماله علاقة محددة كالسببية والمجاورة، وما ليست له علاقة محددة بل فيه نقصان أو زيادة.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" باب الأمر "
الأمر: القول الدال على طلب الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( وأقيموا الصلاة ) فأقيموا أمر لأنه قول ولفظ دال على طلب فعل وهو إقامة الصلاة ووقع الأمر لمن هو دون الآمر في الرتبة لأن الله سبحانه هنا هو من أمر عبادة وهم دونه في المنزلة وكان هذا الأمر على سبيل الوجوب والجزم بحيث يثاب من فعله ويعاقب من تركه.
ولنسلط الضوء على ألفظ التعريف:
قولنا ( القول ) القول هو: اللفظ الدال على معنى، فيخرج اللفظ المهمل لأنه غير دال على معنى، وبهذا نستفيد أن الأمر هو من الألفاظ، فيوصف به اللفظ فيقال هذا اللفظ أمر.
وقولنا ( الدال على طلب الفعل ) يخرج الحرام والمكروه لأنه ليس فيهما طلب فعل بل طلب ترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب أصلا بل فيه تخيير، ويبقى الواجب والمندوب.
وقولنا ( ممن هو دونه ) أي أن القول الذي يطلب به الفعل قد صدر لمن هو دون الآمر فأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها هذه الصفة فالله أعلى من خلقه والرسول أعلى رتبة من المرسل إليهم، وكذلك يشمل أمر الأب لأولاده والسيد لعبيده والرئيس والملك لرعيته.
وهذا القيد يخرج القول الدال على طلب الفعل ممن يساوي الطالب أو من هو أعلى منه منزلة.
مثال: زيد وعمرو صديقان فقال زيد لعمرو ناولني المفتاح من عندك، فهذا ليس أمرا بل التماسا لأنه صدر ممن يساويه فليس لزيد على عمرو مزية حتى يأمره.
مثال: قال زيد اللهم اغفر لي، فاغفر قول دال على طلب الفعل لكن صدر ممن هو دون المطلوب منه لأن الله سبحانه فوق عباده فلا يسمى اغفر لي أمرا بل يسمى دعاءً.
فعلم أن عبارة ممن هو دونه يخرج الالتماس والدعاء.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) سبيل بمعنى صفة أي على صفة الوجوب أي يكون القول الدال على طلب الفعل يدل على الوجوب والجزم لا على سبيل الندب.
فلا يصدق الأمر إلا على ما يدل على الوجوب نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيخرج المندوب.
واللفظ الذي يطلب به الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب هو صيغة ( افعل ) وما شابهها مثل استفعل وتفعل مثل أكتب واستخرِج وتقدم فكلها تدل على الأمر.
ثم إن افعل وما شابهها تدل على الوجوب حقيقة وعلى غيره من المعاني مجازا.
فهذه قاعدة ( افعل للوجوب حقيقة ) ويعبرون عنها بالأمر يدل على الوجوب، ولشرح هذه القاعدة نقول:
إذا جاء في الكلام أمر فهنا ثلاث حالات:
1- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على الوجوب مثل أقم الصلوات الخمس وإلا ذهبت للنار.
فعبارة وإلا ذهبت للنار دليل يدل على أن المراد بأقم الصلوات هو الوجوب لأنه لا يتوعد بالنار على ترك المستحب.
2- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على عدم الوجوب مثل صل سنة الفجر إن أحببت، فعبارة إن أحببت دلت بوضوح على أن الأمر لا يراد به الوجوب هنا بل الندب ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل المغرب لمن شاء رواه البخاري فقوله لمن شاء دل على أن الأمر بسنة المغرب القبلية للندب وليس للوجوب لأنه لا يقال في الفرائض لمن شاء كما هو معلوم.
3- أن لا يكون هنالك قرينة تدل على الوجوب ولا قرينة تدل على عدم الوجوب فحينئذ نحمله على الوجوب، ولهذا يقول العلماء ( الأمر المطلق يدل على الوجوب ) أي أن الأمر غير المقيد بما يدل على الوجوب وغير المقيد بما يدل على عدم الوجوب يحمل على الوجوب حقيقة.
وعليه فمتى رأيت نصا شرعيا من كتاب أو سنة فيه أمر فاحمله على الوجوب إلا لقرينة تصرفه لغير الوجوب.
فالخلاصة هي أن صيغة افعل للوجوب حقيقة وقد تخرج لغيره من المعاني مجازا وحينئذ لا بد من قرينة.
مثال: قال الله تعالى يا أيها الذين إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم... الآية فاغسلوا أمر والأمر يدل على الوجوب فيكون الوضوء واجبا وهنا لا توجد قرينة تصرف الأمر لغير الوجوب.
مثال: قال الله تعلى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) وهنا أشهدوا أمر فظاهره الوجوب ولكن دلّ دليل على عدم الوجوب وهو أنه صلى الله عليه وسلم باع ولم يشهد كما رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح فصرف الأمر بالإشهاد إلى الندب.
" فصل في المعاني التي يخرج إليها الأمر "
قد ذكرنا أن الأمر يدل حقيقة على الوجوب وعلى غيره من المعاني مجازا وحينئذ لا بد من قرينة تعين ذلك المراد من النص، وهذه المعاني هي:
أولا: الندب كما في الأمر بالإشهاد في البيع كما ذكرناه قبل قليل.
ثانيا: الإباحة أي يكون المراد بصيغة افعل هو التخيير فلا ثواب ولا عقاب.
مثال: قال تعالى: ولا تقربوا الصيد وأنت حرم، فيدل على حرمة الصيد أثناء الإحرام ثم قال تعالى فإذا حللتم فاصطادوا فقوله تعالى فاصطادوا أمر ولكن لا يراد به الوجوب فلا يقال لمن أكمل حجه اذهب وخذ رمحا واصطاد وإنما المعنى أنه قد أبيح لكم الصيد بدليل أنه ورد الأمر بالصيد بعد النهي عنه فيكون الأمر رافعا لذلك النهي فيعود الصيد مباحا كما كان قبل الإحرام.
ثالثا: التهديد أي لا يطلب منه إيجاد الفعل بل يهدده بالعقاب إن افعل.
مثال قال الله تعالى وتمتعوا فإن مصيركم إلى النار، فقوله تعالى تمتعوا أمر ولكن يراد به التهديد والتخويف من التمتع بالمحرمات وبالحياة الدنيا مع نسيان الآخرة بدليل قوله فإن مصيركم إلى النار.
رابعا: للتسوية بين أمرين قال تعالى فاصبروا أو لا تصبروا أي سواء صبرتم أولا فلا يطلب منهم الصبر على عذاب النار.
خامسا: التكوين أي الإيجاد مثل قوله تعالى كونوا قردة خاسئين فهنا لم يأمر الله سبحانه الذين اصطادوا يوم السبت من بني إسرائيل بأن يجعلوا أنفسهم قرودا بل هنا كونوا بمعنى تحولوا إلى قرود لأن الله سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن كذا فيكون كما أراده الله.
ولهذا يقول العلماء إن الأمر هنا تكويني وليس تشريعيا.
" فصل في أن الأمر لا يقتضي تكرارا ولا فورا "
هنا نبين مسألتين:
الأولى: الأمر المطلق لا يدل على التكرار.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التكرار أي أن الفعل لا يطلب لمرة واحدة بل يتكرر ويجب على المكلف أن يأتي به في كل مرة مثل الصلوات الخمس فهي متكررة كل يوم فكلما طلع الفجر الصادق وجبت صلاة الصبح وكلما زالت الشمس عن وسط السماء وجبت صلاة الظهر وهكذا فهذا أمره واضح وهو وجوب التكرار.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على عدم التكرار أي أن الفعل يجب لمرة واحدة فقط ولا يتكرر وجوبه مثل الحج فهذا يجب أن يفعل مرة واحدة في العمر كله لمن استطاع فهذا أمره واضح أيضا وهو عدم وجوب التكرار.
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يأت معه ما يدل على التكرار أو عدم التكرار بأن يقول له افعل كذا بدون تقييد بتكرار أو عدمه فحينئذ يحمل على ماذا؟
الجواب: يحمل على عدم التكرار أي يكفي أن تقوم بالفعل مرة واحدة لتبرأ ذمتك.
الثانية: الأمر المطلق لا يدل على الفورية.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على الفورية مثل صل الآن، فهذا يدل على أنه يجب على المخاطب أن يقوم ويصل الآن بلا تأخير، فالآن هنا دليل بين لنا أن الأمر يراد به الفورية ومن هذا القبيل الأمر بالتوبة من الذنوب فإنها واجبة على الفور بالإجماع.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التراخي أي عدم الفورية مثل صل غدا فهذا يدل على أنه المطلوب هو التأخير إلى الغد .
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يقترن به ما يدل على الفور أو التراخي مثل صلِّ فحينئذ على ماذا يحمل؟
الجواب: لا يحمل على الفورية بل يحمل على أنه يجوز أن يفعل في أي وقت سواء فعل مباشرة أو أخر إلى فترة طويلة ومن هذا القبيل الأمر بالحج والعمرة فهو واجب ليس على الفور بل يجوز أن يفعل في أي وقت قبل أن يموت كقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فهنا الأمر أتموا لم يقيد بما يدل على الفور فيكون موسعا في مدته على طول العمر.
" ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "
هذه من قواعد علم الأصول المشهورة وفي بيانها أقول:
قد عرفنا أن الواجب هو فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه فلا مفر للعبد من فعله وقد يتوقف الفعل الواجب على فعل شيء آخر فلا يمكن القيام بالواجب إلا إذا قمنا بذلك الفعل معه فحينئذ يقول العلماء ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) أي ما دام أن الواجب قد توقف على فعل شيء فذلك الشيء يصير واجبا أيضا لأنه مقدمة لفعل الواجب.
مثال: الحج واجب ولا يمكن فعله للبعيد عن مكة من غير راحلة ووسيلة للنقل فيصير توفير هذه الوسيلة واجب لأنها الحج توقف عليها فلا يتم إلا بها فتصير واجبة.
وهذا الذي يتوقف فعل الواجب عليه قسمان:
أولا: قد دلّ نص خاص على وجوبه فحينئذ تكون هذه القاعدة تفيد التأكيد على الوجوب.
مثال: الصلاة لا تصح بدون الوضوء فصار فعلها متوقفا على الوضوء، والوضوء جاءت أدلة تأمر به فيصير مأمورا به بتلك الأدلة، وبالقاعدة أيضا لأنه ما دام توقفت الصلاة عليه فيصير واجبا.
ثانيا: ما لم يدل دليل خاص على وجوبه فحينئذ تكون القاعدة هي الدالة على وجوبه.
مثال: الأمر بالوضوء يتوقف على شراء الماء إن لم يكن عندك ماء وكان عندك مال لأنه لا يتم الوضوء إلا بالماء فيجب تحصيله، وهنا لم يأتي دليل خاص يقول اشتروا الماء للوضوء، ولكن دلت القاعدة على الوجوب.
ثم ينبغي التفريق بين أن يتوقف وجود الواجب على شيء فيصير واجبا، وبين أن يتوقف الوجوب على شيء فلا يجب وبيانه كالتالي:
التوقف نوعان:
1- توقف وجوب الواجب على شيء فهذا ليس بواجب على المكلف، كملك النصاب فهو سبب لوجوب الزكاة فلا يكلف من لا يملك النصاب بالسعي لتحصيله كي تجب عليه الزكاة.
2- توقف وجود الواجب عليه في الخارج سواء أكان سببا أو شرطا فهذا واجب على المكلف.
كالأمر بالصلاة أمر بها وبما لا تصح إلا بها كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة.
وتسمى هذه القاعدة بمقدمة الواجب أيضا.
والفرق هو أن الزكاة غير واجبة إلا إذا وجد المال فلا يقال للمكلف اذهب واستدع الوجوب إي أنت لا يجب عليك الآن الزكاة لأنك فقير فاذهب واجمع المال كي تجب عليك الزكاة.
أما الصلاة فهي واجبة وهو مكلف بها ويؤمر لتحصليها بفعل أشياء قبلها، فالوجوب غير مستقر في الحالة الأولى بخلاف الثانية فالوجوب مستقر والخطاب توجه على العبد فلا بد من أن يمتثل.
ثم إن مقدمة الواجب تشمل أمرين كلاهما يندرج تحت قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهما:
أولا: أن يتوقف أصل وجود الشيء عليه كالطهارة للصلاة.
ثانيا: أن يتوقف علم وجود الشيء عليه.
مثال: شخص نسي صلاة لم يصلها ولم يعلم عينها أي هو يعلم أنه لم يصل صل صلاة ولكنه لا يدري أهي الصبح أو الظهر أو العصر أو غيرها فيجب عليه حينئذ أن يصلي خمس صلوات ليعلم ويتحقق بوجود الصلاة الواجبة عليه.
مثال: الأمر بغسل الوجه في الوضوء أمر بغسل شيء من الرأس أيضا لأنه عادة لا يتحقق غسل الوجه بدونه فكيف يمكنك أن تتيقن أنك غسلت كل وجهك إلا إذا وصل الماء إلى شيء من رأسك.
مثال: الأمر بستر الفخذين لأنهما من العورة أمر بستر شيء من الركبة أيضا وذلك كي يتحقق العلم بوجود الواجب وهو ستر العورة.
قاعدة: إذا فعل الشخص الواجب بشروطه وأركانه فقد أجزأه ذلك الفعل أي برأت ذمته وسقط الطلب عنه ووقع فعله صحيحا.
مثال: شخص صلى كما أمره الله سبحانه فهنا تكون الصلاة صحيحة ويسقط الطلب عنه وتبرأ ذمته فلا يقال له ارجع وأعد الصلاة.
فإذا لم يفعل كما أراده الله فلا يسقط عنه الطلب كأن يصلي بلا وضوء أو غير مستقبل القبلة.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

أريد أن أنبه الإخوة والأخوات إلى أهمية مبحث ( اقتضاء النهي الفساد ) فهو من المواطن الصعبة ولا تكاد تجد كتابا يشفيك فيه، فلابد من التركيز وإعادة القراءة، وأرجو أن أكون قد وفقت في تسهيل أصول هذا المبحث.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" باب النهي "

النهي: القول الدال على طلب الترك ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( لا تقربوا الزنا ) فهذا قول دال على طلب الترك أي ترك الزنا وقد صدر من الأعلى وهو الرب جلا وعلا إلى من هو دونه وهم خلقه وكان طلب الترك على سبيل الإلزام والوجوب لأن من خالف وزنى فيكون قد أثم وعرّض نفسه للعقاب.
ونسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( القول ) هو لفظ دال على معنى وهذا يخرج اللفظ المهمل.
قولنا ( دال على طلب الترك ) يخرج الواجب والمندوب لأن المطلوب فيهما هو الفعل لا الترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب ويدخل الحرام والمكروه.
قولنا ( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الناهي فيخرج الالتماس والدعاء، مثال الالتماس قول الصديق لصديقه لا تذهب وتتركني ومثال الدعاء ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) أي طلب الترك على سبيل الوجوب والجزم بأن لا يجوز لك أن تفعل هذا الفعل مثل النهي عن الزنا، ويخرج بذلك المكروه فإنه يجوز للعبد أن يفعله.
واللفظ الدال على النهي هو ( لا تفعل ) وكذا ما يشبهه مثل لا تسرق ولا تستخرج ولا تتقدم.
وقد يستفاد النهي من غير صيغة لا تفعل مثل أن يعرف النهي من لفظ التحريم أو النهي كقوله تعالى:( حرمت عليكم أمهاتكم )، وكقول الصحابي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا.
وهنا عدة مسائل هي:
الأولى: هل يدل النهي المطلق على التحريم؟
الجواب: نعم وبيانه كالتالي:
إن للنهي ثلاث حالات:
1- أن يكون مقيدا بما يدل على التحريم مثل لا تزني وإلا جلدتك فهذا النهي مقيد بما يدل على التحريم فأمره واضح وهو أنه يحمل على التحريم.
2- أن يكون مقيدا بما يدل على عدم التحريم مثل لا تشرب الماء قائما إن شئت، فهذا يدل على عدم التحريم فيحمل النهي هنا على الكراهة.
3- أن يكون مطلقا أي غير مقيد بما يدل على التحريم أو عدم التحريم فيحمل على ماذا؟
الجواب: على التحريم مثل قوله تعالى لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم أي يحرم ذلك.
المسألة الثانية: هل يدل النهي على التكرار أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص عدم الفعل أبدا ؟
الجواب: نعم يدل على التكرار لأنه متى ما فعل مرة واحدة فقد عصى ووقع في المنهي عنه مثل قوله تعالى:
( لا تقربوا الزنا ) فلو تركه العبد اليوم ثم فعله غدا فقد وقع في النهي واستحق العقوبة، بخلاف الأمر فهو لا يدل على التكرار.
المسألة الثالثة: هل يدل النهي على الفور أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص الامتثال فورا ؟
الجواب: نعم فقوله تعالى ( لا تقربوا الزنا ) أي يجب أن تنتهوا عن الزنا فورا بخلاف الأمر فلا يدل على الفور.
المسألة الرابعة: ما حكم المنهي عنه من حيث الصحة أو البطلان؟
مثال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين : يوم الأضحى ويوم الفطر ) رواه مسلم.
فيقال يحرم صوم يوم عيد الأضحى ويوم الفطر، ولكن لو صامهما شخص فهل يصح صومه مع الإثم، أو يأثم ولا يصح صومه فلو نذر شخص أن يصوم يوما لله سبحانه ثم صام يوم العيد فهل يجزئ عن نذره ولكن مع الإثم، أم يأثم ولا يجزئ عن نذره فلا بد من صيام يوم آخر؟
فهذه المسألة يبحثها العلماء تحت هذا العنوان وهو: هل يقتضي النهي الفساد أي البطلان أو لا يقتضي ؟
والجواب على هذا السؤال هو أن القاعدة هي: ( أن النهي يقتضي الفساد إن كان النهي لذات المنهي عنه أو لأمر لازم له، فإن كان النهي لأمر غير لازم للمنهي عنه فإنه لا يقتضي الفساد ).
وهذا كلام يحتاج إلى بيان فنقول:
إذا نهى الشرع عن شيء ما فالمنهي عنه لا يخلو من واحد من حالين :
الأول: أن يكون المنهي عنه قد نهي عنه لذاته.
الثاني: أن يكون المنهي عنه قد نهي عنه لغيره.
ومعنى ذلك أن النهي إن رجع إلى نفس المنهي عنه بأن كان يطلب تركه من حيث هو وذلك لقبحه واشتماله على المفسدة فهو منهي عنه لذاته.
وإن كان النهي لا يرجع إلى نفس المنهي عنه بل هو أمر مشروع في نفسه ولكن يرجع لأمر خارج عنه هو الذي فيه اشتمل على المفسدة ولأجله وقع النهي فهو منهي عنه لغيره.
مثال: الزنا فإنه منهي عنه لذاته لأن نفسه وعينه قبيحة مشتملة على المفسدة والشارع يطلب أن لا يوجد بخلاف النهي عن صوم يوم العيد فإن ذات الصوم ليست قبيحة بل القبح جاء بسبب وقوع الصوم في زمن مخصوص وهو يوم العيد.
فلذا نقول: إن الصوم من حيث ذاته مشروع أي إذا نظرنا إلى الصوم لوحده فسنجد أنه مشروع وقد أمرنا الله بصيامه على وجه الوجوب في رمضان وعلى وجه الندب في غيره كصوم يوم الاثنين، ولكن الصوم في يوم العيد قبيح، فلهذا نقول إن الصوم من حيث هو مشروع ولكن لما وقع في العيد صار منهيا عنه فالنهي لم يرجع إلى ذات الصوم بل لأمر خارج عنه وهو وقوعه في ذلك الزمن المخصوص.
وهذا بخلاف الزنا، فلو نظرنا إلى نفس الزنا لوجدناه قبيحا يحكم العقل والشرع بقبحه واشتماله على المفسدة في كل وقت وفي كل ظرف، لا أنه مشروع في نفسه ويحرم في وقت معين أو في ظرف معين مثل الصوم.
وذلك نظير الماء النجس والماء المغصوب، فالماء النجس لا يصلح للاستعمال لذاته، والماء المغصوب يصلح للاستعمال لذاته لأنه طهور ولكن لا يصلح للاستعمال بسبب الغصب أي لأمر خارج عن ذات الماء.
فهذا هو الفرق بين المنهي عنه لذاته والمنهي عنه لغيره.
ثم إن النهي لذات المنهي عنه يشمل ما يلي:
1- أن يكون النهي عن نفس المنهي عنه من حيث هو كالنهي عن الزنا ومثله الشرك والظلم.
2- أن يكون النهي متعلقا بركن.
3- أن يكون النهي متعلقا بشرط.
مثال المتعلق بركن قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) متفق عليه، وقراءة الفاتحة ركن في الصلاة فالنهي عن ترك قراءتها متعلق بركن.
ومثال المتعلق بشرط قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق عليه، والوضوء شرط في الصلاة، فالنهي عن ترك الوضوء متعلق بشرط.
فإن قيل كيف يكون النهي عن الشرط داخلا في المنهي عنه لذاته، وقد علمنا أن الشرط خارج عن ماهية الشيء؟
قلنا: لا شك أن الشرط خارج عن ذات الشيء ولكن الشرط إنما هو شرط في ركن من الأركان وإذا فقد الشرط فقد المشروط وهو الركن فيرجع الخلل إلى نفس الذات من جهة أن فقد الشرط يؤثر على نفس الركن الذي هو داخل في الذات. فهذا بيان حال المنهي عنه لذاته.
وأما المنهي عنه لغيره فهو نوعان:
1- منهي عنه لأمر لازم للمنهي عنه.
2- منهي عنه لأمر غير لازم للمنهي عنه.
ونقصد باللازم هو اللازم المساوي بحيث متى وجد اللازم وجد الملزوم ومتى وجد الملزوم وجد اللازم.
مثال: النهي عن الصوم يوم العيد فهنا علة النهي فيه هو الإعراض عن ضيافة الله لأن الله سبحانه أرادنا أن نفطر ونأكل من رزقه سبحانه فأنت حينما تصوم تعرض عن هذه الضيافة.
والإعراض عن ضيافة لازم للصوم في يوم العيد لأنه كلما وجد الإعراض وجد الصوم لأن الإعراض عن الضيافة لا يكون إلا بالصوم، والصوم لازم للإعراض لأنه كلما وجد الصوم في يوم العيد وجد الإعراض.
مثال: النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة فإن العلة في النهي هي شغل حيز الغير ظلما.
وهنا اللازم أعم لأن شغل حيز الغير ظلما كما يتحقق بالصلاة في الأرض المغصوبة يتحقق بغير الصلاة كمن ينام ويجلس في أرض مغصوبة فليس كلما وجد الغصب وجدت الصلاة بل قد يتحقق الغصب مع الصلاة ومع غيرها فيكون لا زما أعم.
ومثل النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة بدون زيادة في أحدهما وهو ثابت في صحيح البخاري وصحيح مسلم وهو المسمى بالبيع الربوي.
فإذا باع شخص ذهبا وزنه 1 غرام بذهب آخر وزنه 2 غرام فهذا عين الربا.
فالبيع أركانه متحققة إيجاب وقبول وثمن ومثمن وبائع ومشتري، والشروط متحققة لأن الذهب من حيث هو يصح بيعه فهو ليس كالخنزير والميتة والدم والخمر ولكن يوجد هنا أمر لازم للمبيع وهو كونه أزيد من أحد العوضين فهذه الزيادة خارجة عن المبيع لكنها لازمة له، لأنه كلما تحققت الزيادة في أحد العوضين تحقق ذلك البيع الربوي وكلما تحقق بيع ذهب بذهب أزيد منه ( البيع الربوي ) تحققت الزيادة.
فإذا علم هذا فإليك حكم كل نوع مما سبق:
1- النهي لذات المنهي عنه يقتضي الفساد والبطلان سواء أعاد النهي على نفسه أو جزئه أو شرطه.
2- النهي لخارج عن المنهي ولكنه لازم له يقتضي الفساد والبطلان أيضا.
3- النهي لخارج عن المنهي عنه ولكنه عير لازم له لا يقتضي الفساد والبطلان
.
وهنا مسألتان:
أولا: كي يعرف أن النهي عائد إلى الذات أو خارج عنها لا بد من معرفة علة النهي ثم ننظر في هذه العلة هل هي تتعلق بالذات أو بخارج عنها وهل هي لازمة أو غير لازمة.
ثانيا: معنى الفساد في العبادات هو عدم الإجزاء وعدم سقوط الطلب فتبقى ذمته مشغولة، ومعنى الفساد في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها.
" الأمر بالشيء والنهي عن ضده "

هنا قاعدتان مهمتان هما:
أولا: الأمر بشيء هو نهي عن جميع أضداده في المعنى.
ثانيا: النهي عن شيء أمر بواحد من أضداده في المعنى.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر بفعل الصلاة بقوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) يستلزم حرمة جميع الأضداد التي تنافي فعل الصلاة كالانشغال بالأكل والشرب واللعب والجماع ونحوها.
والنهي عن فعل الزنا بقوله تعالى ( لا تقربوا الزنا ) يستلزم وجوب فعل أي ضد من أضداده كالزواج أو الصبر أو التسري بالإماء.
مثال آخر: الأمر بالثبات في لقاء العدو قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) والأمر بالثبات يستلزم النهي عن ضده وهو الفرار من المعركة.
مثال آخر: النهي عن السرقة في قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) يستلزم وجوب فعل أي ضد للسرقة كالعمل والكسب الشريف، أو التعفف، أو طلب الدين ونحو ذلك.
ومن هنا قال العلماء: إن إيجاب الشيء يقتضي حرمة جميع الأضداد المنافية له.
وأن تحريم الشيء يقتضي وجوب فعل أي ضد من أضداده
.
" الأمر بعد الحظر "

الأمر بعد النهي على ماذا يحمل؟ فلو جاء نص يقول لا تفعل كذا ثم قال بعد ذلك افعل كذا، فهنا يحمل ( افعل ) على ماذا ؟
الجواب: يحمل الأمر بعد الحظر على الإباحة.
مثال: قال تعالى ( فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) فهنا ( لا تقربوهن ) نهي يدل على الحظر والتحريم فيحرم جماع الرجل لزوجته في وقت الحيض، ثم قال تعالى ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ). فهنا ( فأتوهن ) أمر وقع بعد نهي، فعلى ماذا نحمله؟
الجواب: نحمله على الإباحة ولا نقول إن فأتوهن أمر والأمر يدل على الوجوب، فيجب على الرجل بعد الحيض أن يطأ زوجته شاء أم أبى فإن لم يفعل فهو آثم لأن وقوعه بعد النهي قرينة صارفة من الوجوب إلى الإباحة.
مثال: قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصيد وأنتم حرم ) فهذا نهي يدل على التحريم ثم قال تعالى ( فإذا حللتم فاصطادوا ) فقوله تعالى ( فاصطادوا ) أمر ، فالظاهر أن يقال يجب الصيد على الحاج بعد التحلل وهذا ليس مرادا، لأن ورود الأمر بعد النهي قرينة صارفة له إلى الإباحة.
" معاني النهي "

الأصل في معنى النهي هو التحريم لأن القاعدة تقول: مطلق النهي للتحريم، فإذا كان مع النص ما يدل على الحرمة فهذا مقيد بالحرمة وإذا كان معه ما يدل على عدم الحرمة كالكراهة فهذا يدل على الكراهة وإذا لم يكن معه شيء يدل على التحريم أو عدم التحريم فهذا مطلق فعلى ماذا يحمل؟
الجواب: يحمل على التحريم مثل لا تقربوا الزنا ومثل لا تعتدوا ومثل لا تخونوا الله ورسوله وغيرها.
وقد يخرج النهي من معنى التحريم إلى معاني أخرى مجازية وحينئذ لا بد من قرينة ودليل تعين ذلك المعنى المجازي وتدل عليه ومن هذه المعاني:
أولا: الكراهة: مثل قوله صلى الله عليه وسلم لا تشرب الماء قائما، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب الماء قائما فيحمل النهي على الكراهة.
ثانيا: الدعاء كقوله تعالى ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ).
 

آدم جون دايفدسون

:: متفاعل ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
450
الإقامة
أمريكا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مــــالك
التخصص
الترجمة
الدولة
أمريكا
المدينة
مدينة القرى
المذهب الفقهي
مذهب الإمام محمد بن إدريس الشــــافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاكم الله خيرًا
 

سالم سعيد سعد

:: متفاعل ::
إنضم
5 مايو 2011
المشاركات
368
الكنية
أبو أنس
التخصص
شريعه
المدينة
الشقيق
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيرا وغفر لك
كنت اتمنى لو نتوقف خلال فترة العيد لان المتابعه اليوميه للدرس تعين على الاستمرار خلاف لو تجمعت الدروس فان الهمة تضعف في قراءتها وهذه الامر خاص بي والله سبحانه وتعالى هو الموفق
 

آدم جون دايفدسون

:: متفاعل ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
450
الإقامة
أمريكا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مــــالك
التخصص
الترجمة
الدولة
أمريكا
المدينة
مدينة القرى
المذهب الفقهي
مذهب الإمام محمد بن إدريس الشــــافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

جزاك الله خيرا وغفر لك
كنت اتمنى لو نتوقف خلال فترة العيد لان المتابعه اليوميه للدرس تعين على الاستمرار خلاف لو تجمعت الدروس فان الهمة تضعف في قراءتها وهذه الامر خاص بي والله سبحانه وتعالى هو الموفق
رأي صحيح
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

سأكمل هذا المبحث وتتوقف الدروس إلى ما بعد العيد إن شاء الله.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,648
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح الورقات شرح سهل وواضح.

" من يدخل في الأمر والنهي ومن لا يدخل "
تحدثنا عن مبحث الأمر، ومبحث النهي، ونريد أن نذكر هنا مَن المخاطب بهذه الأوامر والنواهي فإذا قال الله تعالى (أقيموا الصلاة ) وقال ( لا تقربوا الزنى ) فهنا من يخاطب بهذا الكلام هل كل إنسان كيفما كان أو هنالك فئة معينة هل التي يتوجه عليها الخطاب؟
الجواب: يدخل في خطاب الله المؤمن والمؤمنة العاقلين البالغين.
فكل مسلم وكل مسلمة يشملهم الخطاب وطلب الفعل أو طلب الترك، ويستثنى من يلي:
1- المجنون، فهو غير مكلف أي هو غير داخل في أقيموا الصلاة ونحوها.
2- الصبي، فهو غير مكلف أيضا سواء أكان مميزا يفهم الكلام ويعقل أو كان غير مميز فلا يخاطب إلا إذا بلغ، ولكن هنالك أوامر تتوجه إلى ولي الصبي بأن يأمره بالصلاة لسبع ويضربه إذا بلغ عشر سنين ويأمره كذلك بالطهارة والصوم، وينهاه عن الزنا وشرب الخمر واللواط ونحوها، ولكن لا يجري عليه القلم ولا يحتسب عليه الإثم إلا إذا بلغ، والخطاب بالأصل توجه إلى وليه كي ينشئه نشأة صالحة.
3- الساهي أي الناسي فمن نسي الصلاة حتى خرج وقتها فإنه لا يأثم لأنه حال سهوه لم يكن مخاطبا فإذا انتبه وتذكر توجه الخطاب عليه ولزمه قضاء الصلاة بعد خروج وقتها، ومثل الناسي النائم.
وهنا مسألة وهي هل الكافر مكلف أي هل يشمله الخطاب ؟
الجواب: نعم فهو يؤمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والوضوء ونحوها ولكنها لا تصح منه إلا إذا أسلم.
فإن قيل: ولكن الفقهاء يذكرون من شروط وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها الإسلام ويقولون إن الكافر لا تجب عليه الصلاة ونحوها فكيف تقولون إنه مخاطب بها؟
قلنا: لا تعارض لأن الكافر لا يطالب في الدنيا بالصلاة ونحوها وإذا فعلها في حال كفره فإنه لا تصح منه لأنه لم يأت بشرط صحتها وهو الإسلام، ولكنه في الآخرة يعاقب عليها أي يعاقب على الكفر وعدم الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ويعاقب أيضا على ترك الصلاة والزكاة والصوم وعلى شرب الخمر والزنا والربا وغيرها من التكاليف.
فظهر أن لا يطالب بفعلها حال كفره، ولكنه يعاقب عليه في الآخرة.
" خلاصة الباب "
الأمر: القول الدال على طلب الفعل ممن هو دونه على وجه الوجوب، وصيغته افعل.
وفيه قواعد هي:
1- مطلق الأمر للوجوب، ويحمل على غيره من المعاني لقرينة.
2- مطلق الأمر لا يدل على التكرار ولا على الفور.
3- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
4- الأمر يقتضي الصحة.
5- الأمر بشيء يستلزم النهي عن جميع أضداده.
6- الأمر الوارد بعد التحريم للإباحة.
والنهي: القول الدال على طلب الترك ممن هو دونه على سبيل الوجوب، وصيغته لا تفعل.
وفيه قواعد هي:
1- مطلق النهي للتحريم، ويحمل على غيره من المعاني لقرينة.
2- مطلق النهي يدل على التكرار والفور.
3- النهي يقتضي الفساد إن رجع النهي لذات المنهي عنه أو لأمر لازم له.
4- النهي عن شيء يستلزم الأمر بواحد من أضداده.
والذي يدخل في الأمر والنهي هم المؤمنون والمؤمنات ولا يدخل المجنون والصبي والناسي والنائم.
والكفار مخاطبون بالإيمان وبفروع الشريعة كي يزداد عليهم العذاب يوم القيامة.
" تعليقات على النص "
( والأمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
والصيغة الدالة عليه افعل.
وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة.
ولا يقتضي التكرار على الصحيح إلا إذا دلّ الدليل على قصد التكرار.
ولا يقتضي الفور
.

........................................................................................................
قوله ( والأمر استدعاء ) أي طلب ( الفعل بالقول ) هو اللفظ الدال على معنى ( ممن هو دونه ) أي أن الاستدعاء صدر ممن هو دون الأمر ( على سبيل الوجوب ) أي على صفة الجزم فيخرج المندوب.
( والصيغة ) أي اللفظ الموضوع في اللغة ( الدالة عليه ) أي على الأمر هي ( افعل ) أي فعل الأمر سواء على صيغة افعل أو استفعِل أو تفعّل مثل اكتب واستخرجْ وتقدّم.
( وهي ) أي افعل ( عند الإطلاق والتجرد عن القرينة ) التجرد عن القرينة هو تفسير للإطلاق ( تحمل عليه ) أي على الوجوب فهو المعنى الحقيقي للأمر ( إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة) مثال دليل الندب بيعه صلى الله عليه وسلم بدون إشهاد فهو دليل دل على أن المراد بقوله تعالى ( أشهدوا إذا تبايعتم ) الندب وليس الوجوب، ومثال دليل الإباحة كون الأمر قد ورد بعد حظر مثل قوله تعالى ( ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن ) فهنا الأمر بالإتيان بعد الطهر للإباحة، فعلم أن الأمر قد يخرج من الوجوب إلى الندب أو الإباحة، ولا يخرج لغيرهما من أقسام الحكم التكليفي فلا يأتي الأمر للتحريم أو الكراهة.
( ولا يقتضي ) أي لا يوجب ولا يستلزم ( التكرار ) بل يحصل الامتثال بفعل المأمور مرة واحدة ( على الصحيح ) من أقوال أهل العلم، والقول الآخر هو أنه يقتضي التكرار وهو ضعيف، ( إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار) كالصلوات الخمس فإنها تدل على التكرار كل يوم وليلة في أوقاتها المعلومة ومثل الأمر المعلق على شرط كقوله تعالى ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) فكلما وجدت الجنابة وجب التطهر.


والأمر بإيجاد الفعل أمر به، وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلوات أمر بالطهارة المؤدية إليها.
وإذا فُعِلَ يخرج عن العُهدةِ.


........................................................................................................
( ولا يقتضي الفور ) أيضا على ما اختاره المصنف وقال بعض العلماء إنه يدل على الفور، ولم يقل المصنف هنا إلا إذا دل الدليل على الفور ولعله تركه اختصارا، فإذا دل دليل على الفور فإنه يحمل عليه كالأمر بالتوبة فإنه تطلب على الفور بدليل قوله تعالى ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) وقد انعقد الإجماع على ذلك.
( والأمر بإيجاد الفعل ) كالأمر بإيجاد الصلاة في قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) ( أمر به ) أي أمر بذلك الفعل كالصلاة ( وبما لا يتم الفعل إلا به ) أي ويؤمر أيضا بالشيء الذي لا يتم ولا يحصل الفعل الأول إلا به كالأمر بالصلاة فإنه أمر بها وبما تتوقف صحتها عليه كالطهارة ولهذا قال ( كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها ) أي الموصلة إلى صحتها.
( وإذا فُعلَ ) أي المأمور ( خرج عن العهدة ) أي عن الذمة بأن يسقط الطلب ففعل المأمور يقتضي الصحة فمن صلى مثلا مستجمعا في صلاته ما يطلب فيها فقد أدى ما عليه وسقط عنه الطلب.


الذي يدخل في الأمر والنهي وما لا يدخل
يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون.
والساهي، والصبي ، والمجنون غير داخلين في الخطاب.
والكفار مخاطبون بفروع الشرائع، وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام، لقوله تعالى: ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين.

........................................................................................................
قوله (الذي يدخل في الأمر والنهي وما لا يدخل ) هذا عنوان ذكره المصنف لموضوع هذا المبحث والمقصود به بيان من المكلف من غيره، وهنا سؤالان قبل الدخول في صلب الموضوع الأول ما معنى قوله ( وما لا يدخل ) فما هذه تستعمل لغير العقلاء كالحيوان والجماد تقول رأيت من أحبه أي شخصا تحبه وتقول رأيت ما أحبه أي منظرا تحبه، فلم قال المؤلف ( وما لا يدخل ) والمفروض أن يقول ( ومن لا يدخل ) والجواب: أنه أراد أن ينبه أن من لم يدخل في خطاب التكليف فهو في حكم غير العقلاء كالصبي والمجنون فحالهما كحال الجمادات، والثاني إنه ذكر في نهاية هذا المبحث والأمر بالشيء نهي عن ضده... وهذا لا علاقة له بمن يدخل في التكليف؟ والجواب: هذا يسمى بالزيادة على العنوان أي أن يعنون لموضوع ويضيف فيه ما هو خارج عن العنوان من باب الزيادة وهو أمر مقبول ومتعارف بين العلماء.
( يدخل في خطاب الله ) أي بخطاباته كقوله أقيموا الصلاة وقوله لا تقربوا الزنا، ويدخل في خطاب الله خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
( المؤمنون ) أي والمؤمنات فيدخل النساء أيضا ، والمراد بهما كل مسلم عاقل بالغ غير ناس فمن اتصف بهذه الأوصاف ذكرا أو أنثى فهو مكلف.
(والساهي) أي الناسي (والصبي ، والمجنون غير داخلين في الخطاب ) فهم غير مكلفين، ولكن الناسي ومثله النائم متى عاد وتذكر فإنه يصير مكلفا فإذا كان قد نسى الصلاة حتى خرج وقتها فلا إثم عليه لأنه لم يكن مخاطبا حال نسيانه فإذا تذكر وجب عليه القضاء.
(والكفار مخاطبون بفروع الشرائع) أي الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين كالصلاة والصوم والطهارة ونحوها، أما أحكام الاعتقاد فتسمى أصول الشرائع وهم مكلفون بها بالإجماع ولكن وقع الخلاف في الفروع فقط


والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده.

........................................................................................................
ولذا قال ( وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام) أي هم مخاطبون بالفروع وبالذي يصحح تلك الفروع وهو الإسلام فلو صلى الكافر حال كفره فلا عبرة بصلاته، ولما كان في المسألة خلاف استدل لما ذكره ( لقوله تعالى: ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ) هذا خطاب من المؤمنين للكفار يوم القيامة فيقولون لهم: ما أدخلكم سقر وهي أسفل طبقات النار وأشدها عذابا، فيقول الكفار لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين أي لم نكن نزكي، وكنا نكذب بيوم الدين، فحاسبهم على الفروع وهي الصلاة والزكاة مثلما حاسبهم على الأصول كالتكذيب بيوم الدين.
ثم قال ( والأمر بالشيء نهي عن ضده ) من جهة المعنى والاستلزام لأن قم يستلزم أي لا تقعد أو تنام والأفضل أن يقول أضداده لأن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده.
( والنهي عن الشيء أمر بضده ) أي أمر بواحد من أضداده في المعنى لأن لا تقم يستلزم أن تبقى جالسا أو تنام.


والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
ويدل على فساد المنهي عنه.
وترِد صيغة الأمر والمراد به الإباحة، أو التهديد، أو التسوية، أو التكوين.

........................................................................................................
( والنهي استدعاء الترك ) بخلاف الأمر فهو استدعاء الفعل ( بالقول ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الناهي ( على سبيل الوجوب ) المراد بالوجوب هنا هو الجزم لا أنه يثاب على فعله ويعاقب على تركه لأن النهي هو طلب الترك ليس فيه وجوب بل تحريم الفعل، ومعنى الجزم هو الإلزام بحيث لا يجوز له الفعل وهذا مخرج للنهي على سبيل الكراهة لأن المعنى الحقيقي للنهي يتضمن التحريم، وحيث كان النهي للكراهة أو لغيره من المعاني فهو مجاز ولذا يحتاج إلى قرينة، ولم يقل هنا والصيغة الدالة عليه لا تفعل ولعله تركه للعلم به من مقايسته للأمر.
( ويدل ) أي النهي ( على فساد المنهي عنه ) أي بطلانه بحيث لا يعتد به عبادة كان أو معاملة، ولكن المصنف أطلق الفساد وهو مقيد بأن لا يكون النهي لأم غير لازم للمنهي عنه فإنه حينئذ لا يدل على الفساد على ما بيناه من قبل.
( وترد صيغة الأمر ) أي افعل ( والمراد به الإباحة ) كقوله فأتوهن من حيث أمركم الله ( أو التهديد ) أي التخويف من الفعل مثل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ( أو التسوية ) مثل اصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ( أو التكوين ) مثل كونوا قردة خاسئين.
فإن قيل: إن المصنف ذكر في مبحث الأمر (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة ) فذكر أن الأمر يخرج إلى الندب والإباحة لدليل، وهنا ذكر معاني أخر وأعاد معها الإباحة فما الفرق؟
قلنا في مبحث الأمر ذكر المعاني التي يخرج إليها الأمر مما هو داخل في الأحكام التكليفية وهي ( الوجوب والندب والإباحة والحرمة والكراهة ) فالوجوب هو أصل معنى افعل وحقيقته ويدل مجازا على الندب والإباحة فقط ولا يمكن أن يدل الأمر على الكراهة أو الحرمة، ثم ذكر في آخر مبحث النهي المعاني الأخرى الخارجة عن الحكم التكليفي كالتهديد والتسوية والتكوين، ولكنه ذكر معها الإباحة فلو أسقطها واكتفى بذكرها أولا كان أفضل فيما يبدو لي.
تمارين ( 1 )
بين معنى الأمر والنهي في النصوص التالية:
1- قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ).
2- قال الله تعالى ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعلمون بصير ).
3- قال الله تعالى ( لا تتبعوا خطوات الشيطان )
4- قال الله تعالى ( لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم.
تمارين ( 2 )
بين حكم النهي في من حيث اقتضاء الفساد وعدمه النصوص التالية:
1- قال الله تعالى ( لا تنكحوا ما نكح آباؤكم )
2- قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع).
3- قال الله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح.
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة: ( إذا أتاك قرؤكِ فلا تصلي ) رواه النسائي وغيره.
6- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (‏ ‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملاقيح) رواه البزار، والملاقيح بيع الأجنة في بطون أمهاتها.
7- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس .. ) متفق عليه.
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) رواه البخاري.
 
أعلى