رد: تخفيف اللحية بالماكينة
فقط بما أن أخونا الفاضل عدل مشاركته لتوضيحها بما له تعلق ببعض ما ورد في مشاركتي الآخيرتين صار من الضروري استدراك ما يجب استدراكه.
من ذلك أني قد نبهت أولاً على أن ابن حزم رحمه الله لا يرى إجماع غير الصحابة كما نص عليه في (النبذ) وغيره وهو مذهب الظاهرية عموماً أن لا إجماع إلا إجماع الصحابة.
فلم يوجد في كلامه ما يقتضي خلاف ذلك حتى نحمله على أن له قولين.
ولكن قد انتقد عليه شيخ الإسلام بعض الإجماعات ونقل الخلاف عن غير الصحابة، والمرء مؤاخذ بقول نفسه ، فلو فرضنا أن استدراك شيخ الإسلام يفيد انتقاض الإجماع بوجود المخالف من التابعين وتابعيهم مثلاً عنده، فلا يعني ذلك أن ابن حزم قائلٌ به. ولماذا يكون؟!
وبخاصة وأن انتقادات شيخ الإسلام رحمه الله قد تخرج على محامل ، من ذلك أن لا يوافق ابن حزم في النقل عن الصحابة ، فيحتاج إلى ذكر مخالف مجتهد لبيان وجود الخلاف مع عدم وجود إجماع يخالفه.
وذلك أن ابن حزم ربما نقل مذاهب الناس باللازم ، وربما أخطأ في النقل ترى بعض ذلك في خواطرنا معه.
ولو لم ينص ابن حزم على أن الإجماع الصحيح هو إجماع الصحابة لكانت ظاهريته كافية في الدلالة عليه ، فكيف يحمل كلامه على الإختلاف لغير موجب عنده هو؟
ثم ، قد بينا أنه ثمة فرق بين القص والحلق ، فأراد أخونا بيان أن مقصود بعض من ذكره (وهو الخطابي) يشمله ، ولو سملناه ، لأمكن حمل قوله بالكراهة والندب في كلامه على المعنى الأعم ، بمعنى أن المكروه ما يشمل الكراهة التحريمية والتنزيهية ، والندب بما يشمل الطلب الجازم وغير الجازم.
يدل عليه أنه شافعي وأن بعض المخالفة في الزي والهيئة عند الشافعية ـ والخطابي منهم ـ حرام ، فهو دليل على أنه أراد بالندب الطلب الشامل للجازم وغير الجازم.
وهذا إذا حملنا قوله (كره لنا أن نقصها) المذكورة أولاً على القص الشامل للحلق ، وإلا فيجوز أن يكون يكون المراد هو التقصير ، ثم ذكر القص بمعنى الحلق لتعلقه بما هو فيه.
وما تقدم على فرض التسليم كما تقدم ، وهو مبني على ما زعم أخونا الفاضل من أن المعروف عن المجوس حلق اللحى ، أي استإصالها ، وإلا فقد جاء في (الفتح) عن أبي شامة : (وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها).
فعلى فرض صحته كلامنا الأول باقٍ على حاله.
لكن الروايات ترشد إلى أن من جاءه مجوس محلقين.
ثم هب أنه صراح بأن الحلق مكروه تنزيهاً ، فكان ماذا؟!
هو كمن سبقه ، أي أنه ليس مجتهداً مستقلاً ، إلى آخر ما تقدم من الكلام في النووي ومن ذكر بعده.
وأخيراً لا يصح أن ننتهي من النووي فننتقل إلى الجويني والغزالي ثم ننتقل إلى القاضي عياض ثم إلى الخطابي ، وفي كل مرة نذكر صفات التبجيل ، مع أن الكلام في الجميع واحد. فما هو بالله الغرض من مثل هذا؟
هذا ما قصدت بالشغب.
فإن الإستمرار في ذكر أمثالهم من العلماء لا يكاد ينقطع ، وفي كل مرة سأجد نفسي مرة أخرى مضطر إلى تكرار ما ذكرته في أولهم وأستمر بذلك كلما ظهر لنا عالم جديد.
والكلام في الجميع على نحو واحد ، وذلك أن ابن حزم ظاهري ، فلو لم يتكلم في الإجماع أصلاً لكانت ظاهريته كافية لنا لنقول بأنه يقصد إجماع الصحابة ، لأن الإحتجاج بإجماعهم خاصة دون إجماع غيرهم هو مذهب الظاهرية ، فكيف وقد نص هو عليه ونصره؟!
ولو فرضنا أن له قولاً يدخل فيه غيرهم من المجتهدين ، فإن تصرفاته الفقية بل نصوصه تدل على أنه لا يدخل في ذلك من تأخر حتى كاد يعاصره أو عاصره أو تأخر عنه ، وذلك أنه ينتقد على أبي حنيفة ومالك والشافعي بعض المسائل بأنه لا سلف لهم ، ولا يعتد بأقوالهم فيها شيئاً ، فكيف ينتقل إلى الكلام عمن هو من متأخري أتباعهم؟
ثم قد قدمنا أن المعتمد عند متأخري أصحاب المذاهب الأربعة أن لا اجتهاد بعد أئمتهم إلا خلاف وقع في بعض أصحابهم كالمزني عند الشافعية وأبو يوسف ومحمد بن الحسن عند الحنفية مثلاً.
فما فائدة النقل عمن جاء بعدهم سوى تكثير المشاركات ، بحيث نتقل من واحد لآخر ، وفي كل مرة يعترض بأن هذا لا يليق بفلان ، أو لا نعتقد ففي فلان أنه كذا .
وعلى كل حال نقد الإجماع يكون بنقضه ، ونقضه يكون بنقل الخلاف عمن نقل عنهم، أو يصرح المنتقد بأنه لا يصحح نقله عن الصحابة لكيت وكيت وينقل خلاف غيرهم من المجتهدين ولا يقفز قروناً إلى الخلف.
أرجو أن لا نعود إلى طحن المطحون، فالنفس تمل
والله سبحانه أعلم