العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في التشجيع على الكسب الحلال (3) دعاءه صلى الله عليه وسلم للتاجر الماهر

سما الأزهر

:: متخصص ::
إنضم
1 سبتمبر 2010
المشاركات
518
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
3- دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للتاجر الماهر
فمن القواعد الإسلامية وجوب تفوق المتخصصين بفروض الكفاية وفي مقدمتها إتقان المنافسة في مجال الاستثمار وإجادته ، وذلك لأن منهج الإسلام في توزيع العمل ، يقوم أساساً على تحديد حاجيات الأمة الإسلامية في جميع المجالات وفقاً لرسالتها في الحياة بدءاً وانطلاقاً وغاية ، وهذه الحاجيات هي فروض كفاية على جميع أبناء الأمة على وجه العموم والشمول ، وعليها – بوجه عام – أن تهيئ من أبنائها في كل مجال ما يحقق لها كل ما تصبوا إليه من تقدم وازدهار بغية تحقيق رسالتها .
وهذا الفرض الكفائي بالنسبة للأمة في مجموعها يصبح فرض عين بالنسبة لكل من وكل إليه جانب من هذه التخصصات التي تحتاج إليها الأمة في مسيرتها .
وهذه القاعدة تنطبق على جميع المجالات بلا استثناء ، وبالتالي فهي تنطبق على مجال الاستثمار ، فالتاجر المسلم والصانع المسلم، والزارع المسلم ، كل هؤلاء ومن على شاكلتهم في جميع المجالات ينبغي أن يتفوقوا على نظائرهم من غير المسلمين في مجال تخصصهم ، وأن يتخذوا إلى ذلك كل سبيل مشروع .
ونذكر في هذا المجال إشارة خاطفة من توجيهات سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - إلى أخذ المسلم مبادرة العمل الجاد بيده بغية استثمار جهده ووقته أحسن استثمار .
عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا " . وقد نفع الله صخراً بفقه هذا الدعاء : " فكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُه ُ" [1].
قال الإمام النووي تعليقاً على هذا الحديث : يستحب لمن كانت وظيفته قراءة قرآن أو حديث أو فقه أو غيره من علوم الشرع أو تسبيح أو اعتكاف ونحوها من العبادات أو صنعة من الصنائع ، أو عمل من الأعمال مطلقاً ويريد أن يتمكن من فعله أول النهار وغيره أن يفعله في أول النهار ، ..........".[2]
وموقف حكيم بن حزام في شرائه الشاة للرسول صلى الله عليه وسلم ودعاء الرسول له، وأثر ذلك في خبرته الاقتصادية ، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَأُرْبِحَ فِيهَا دِينَارًا ، فَاشْتَرَى أُخْرَى مَكَانَهَا ، فَجَاءَ بِالْأُضْحِيَّةِ وَالدِّينَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " ضَحِّ بِالشَّاةِ وَتَصَدَّقْ بِالدِّينَار " [3].
وعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ : دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً ، فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ لَهُ : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ " فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا " [4].
وواضح أن هاتين قضيتان مختلفتان وإن كان مضمونهما واحد – وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لكل من هذين التاجرين الماهرين ، وقد أصابتهما دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت لكل منهما بمثابة التشجيع وبث الثقة في النفس ، فأثرى كل منهما ، وكثر ماله ، فحكيم بن حزام كان من أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خبرة بشؤون التجارة ، وترك لأولاده ثروات طائلة ووقوفاً محبوسة عليهم ، وعروة البارقي كما تذكر رواية الترمذي السابقة – كان إذا تاجر في شيء يربح الأرباح الوفيرة حتى عرف بين أهل الكوفة بالغنى واليسار .
ويستفاد من موقف حكيم بن حزام وعروة البارقي في مجال التنافس التجاري عدة أمور :
1- سرعة الإفادة المشروعة بكل مافي يده من إمكانات ، فإن كلاً منهما عندما اشترى ماكلف بشرائه بالثمن الذي حددله لم يكتف بذلك ويعود أدراجه ، بل بادر – عندما سنحت له الفرصة المناسبة – ببيع مااشتراه حلالاً طيباً بضعف الثمن الذي اشترى به ، أي باع بدينارين مااشتراه بدينار فربح مائة في المائة ، ثم اشترى بأحد الدينارين شاة أخرى وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة التي طلبها والدينار الذي دفعه إليه . وهذا ماينبغي على المستثمر المسلم أن يعيه حيث يبادر فيشتري سلعته الجيدة من أرخص الأسواق حتى يحصل على ربح وفير حلال .
2- الحرية في اتخاذ القرار دون تردد نتيجة لتحمل المسئولية ، فإنه عند موكله أمين – والوكيل المخالف ضامن – وبناءاً عليه فزمام الأمر بيده وعليه أن يقدر الظروف ويوازن بينها ، ثم يجازف مجازفة مدروسة مبنية على مقدمات سليمة من تقديرات صحيحة ، ومؤسسة على خبرة اقتصادية سابقة .
[1] - أخرجه الترمذي في السنن ، كتاب البيوع ، باب ما جاء في التبكير بالتجارة برقم 1212 ، قال أبو عيسى : حديث صخر حديث حسن .- السراج المنير للعزيزي بشرح الجامع الصغير 1/282 [2]
[3] - أخرجه الترمذي كتاب البيوع ، باب رقم 34 ، قال أبو عيسى : حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو داود في كتاب البيوع ، باب المضارب يخالف برقم 3386
[4] - أخرجه البخاري في كتاب المناقب برقم 3643 ، الترمذي في أبواب البيوع باب رقم 34 حديث رقم 1258 ، وأبو داود في كتاب البيوع ، باب المضارب يخالف برقم 3384
 
أعلى