العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
[مراعاة الخلاف، الخروج من الخلاف سياق المسألتين في كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير]


بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد:
إذا ذكرت مسألة "مراعاة الخلاف" فلا بد أن يذكر الشاطبي رحمه الله
ليس لأنه بحث هذه المسألة في كتبه
ولا لأنه حققها بالبحث والتحرير.
ولا حتى لأنه راسل فيها شيوخه في إفريقية وتونس وفاس ثم كرَّ عليهم بالجواب والنقاش بل والنصيحة...
ولكن لسبب آخر يجاوز هذه المعاني كلها:
وهو أن شخصية الشيخ إبراهيم بن موسى الشاطبي ظهرت في هذه المسألة بشكل مختلف وبصورة غير معتادة.
فقد أظهرت هذه المسألة:
أبا إسحاق الشاطبي كطالب علم يتحرى الحقيقة من مصادرها...
وكطالب علم لا يرضى تمرير المسائل المشكلة من غير إيقافها بالسؤال والتفتيش والإشكال حتى تنحل أو تبقى كما هي مشكلة.
وكطالب علم أيقن أن هذه الشريعة من عند الله لا تختلف بل تأتلف، فيستأهله ذلك إلى أن يقيم الدنيا ويقعدها من أجل بحث مسألة أشكلت عليه يمر نظائرها بعجرها وبجرها على مسامع بعض المشتغلين بتحصيل علوم الشريعة لكن تمر كما يمرّ السحاب، وكأن شيئا لم يكن!
إلا أنها ليست كذلك عند أبي إسحاق فثمة إشكال يعرض لها فلا بد من إخضاعها للبحث والسؤال والتحرير وإرجاعها إلى أصولها و النظر في ملائمة فروعها... حتى تتبدّى له معالمها شيئا فشيئا بما يسر الناظرين ويبهج السامعين.
إن من يتعجب من إبداع الشاطبي وما صنعه في كتابيه "الموافقات والاعتصام" ويتساءل!
فِإننا ندعوه هنا لينظر ويرى كيف كان يعالج أبو إسحاق أفراد المسائل
وكيف كان يجهد نفسه في تعاطي آحاد الدلائل
لنعلم بعد ذلك السر في الشاطبي، والسر في إبداعه والسر في تميز إنتاجه.
لم يكن ذكاء الشاطبي وحده هو الذي أنتج له ما أنتج، فإن الأذكياء غيره كثير.
ولم تكن سعة معلوماته كفيلة بإبراز مكنوناته بل إنه – كما ذكر عن نفسه - رجل لا يعتني بكتب المتأخرين لأنها بحسب شيخه القباب أفسدت العلم...
إذا ما استثنينا توفيق الله وتيسيره وهدايته فإن السر البشري الذي كان وراء كتب الشاطبي ووراء إبداعه يكمن في نفسه التي بين جنبيه فإنها مرباة على تلقي العلوم من منابعها الأصيلة ومن مصادرها العتيقة آخذة ضرورة انتظامها علما مقرر وعملا حاضرا بعيدا كل البعد عن تكلف تأويل أو تمحل جواب.
هذه الصورة بكل بساطة أستطيع أن أجزم بأنها هي السر في الشاطبي، وهي السر نفسه في أترابه من أئمة التجديد....
بل إني أذهب إلى القول إلى ما هو أبعد من هذا، فأقول:
إن النفس الصادقة الجادة المتلهفة إلى تحصيل الحقائق والتي أنضجت لنا شيخ المقاصد أبا إسحاق الشاطبي هي ذات النفس التي أنضجت لنا أبا محمد ابن حزم الظاهري الذي قامت مدرسته على معنىً مناوئ لاعتبار المعاني والعلل والمقاصد.
ولسنا في محل بيان ذلك وتقريره ولكن المقصود معرفة القوة الدافعة والتي كانت قاسما مشتركا بين أئمة التجديد.
----------------
وأذكر هنا إلى أن سبب كتابة هذا الموضوع: "مراعاة الخلاف، الخروج من الخلاف سياق المسألتين في كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير" أمور:
منها:
خلط بعض من كتب في هذا الموضوع في تناول هاتين المسألتين مع ظهور الفرق بينهما صورة ودليلا واعتبارا وخلافا لاسيما عند الشاطبي والذي انطلق أكثر من كتب في هذا الموضوع من حيث انتهى .
ومنها:
ما يقع من الاجتزاء من كلام أبي إسحاق وبدا لي أن كلامه يحتاج إلى إعادة جمع وترتيب ثم تسجيل نتائج محددة يظهر من خلالها معالم رأي الشاطبي على وجه التحديد، لاسيما وأنه لم يظهر لي – على أقل تقدير بحسب البحوث التي اطلعت عليها – من تتبع سير الشاطبي في بناء هذه المسألة.
ومنها:
أن قاعدة مراعاة الخلاف قد نضجت عند الشاطبي نضجا بالغا إلى الحد الذي ذكر فيه - في معرض تطبيقه لهذه القاعدة تفريعا على الأصل في اعتبار المآل -:

أنه مجال للمجتهد صعب المورد


إلا أنه:


1- عذب المذاق.


2- محمود الغب.


3- جار على مقاصد الشريعة.

ومنها:
أهمية هاتين المسألتين من جهة العملية لاسيما في الواقع اليوم والذي جدت فيه من المسائل الشيء الكثير والذي يحوج الناظر من جهة والعامل من جهة أخرى إلى إنزال هاتين القاعدتين في منازلها اللائقة بها.
------------------
بقي أن أعزز ما ذكرته أولا من شخصية الشاطبي والتي اتضح تميزها في معالجة هذه المسألة:
بأن أبا إسحاق لما راسل شيخه ومفيده الذي كان يحبه ويجله كثيرا أبا العباس أحمد بن القباب في إشكالاته حول هذه المسألة:
أجابه شيخه:
بأن مراعاة الخلاف من محاسن المذهب
ثم استشهد بالبيت المعروف:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا ***** وآفته من الفهم السقيم
ثم انتقل مباشرة إلى بحث المسألة.
فأجابه أبو إسحاق بمناقشة جوابه ثم ختم جوابه بنصيحة تعقب فيها شيخه على تعريضه بالبيت السابق فقال له:

وجرى في كلامكم عن هذه المسألة أنكم لما حكيتم عن العلماء استشكال القول بمراعاة الخلاف نزعتم بالبيت إلى من استشكله فهو بعيد الفهم عن الصحة.


وأنا يا سيدي أستثقل الحوم حول هذه المنازع التي تشير إلى استنقاص من تقدم من أهل العلم المتسشكلين إذ منهم أبو عمر بن عبد البر وسواه، وإن كان الإشارة على بعد.


وأنتم أعرف بما فيها منا، وإنما حسن النظر معهم أن يكون على جهة الاستشكال وتوقف الفهم عما أرادوه فهو أليق بآداب العلماء، وأخلاق الفضلاء، وأحرى بتنوير القلب وانشراح الصدر وأجلب للفائدة في الدنيا والآخرة.


والمقصود بعد ذلك حاصل إذا تبين فيه الإشكال وظهر ما هو الصواب فإن ظهر أن الصواب خلاف ما قالوه التمس لهم أحسن المخارج وحمل كلامهم على أقرب ما يليق به من مناحي الصحة أو يبين ما هو الحق عند الناظر وحسنت الإشارة إلى رد ما خالفه فهذا الذي يظهر لي وبالله التوفيق.


فراجعه القاضي أبو العباس أحمد بن القباب بما نصه:


يا أخي رضي الله عنكم وصلني ما كتبتم لي به فيما سألتموه مما لا ترضونه من جوابي في كذا وكذا وحصل لي من ذلك في الوقت ما الله المسؤول أن يثيبكم عليه، ويعظم به أجوركم وما أحق المسؤول أن يعود سائلا، فلكم الفضل أولا وآخرا.


وقد وضح لكم صدق مقالي أني لست أهلا لهذا المقام، لكني تكلفت الجواب إسعافا لرغبتكم ، وقضاء لحق صدقكم ومبلغ نفس عذرها مثل منجم إلى غير ذلك مما تضمنه


كتابكم من الفوائد والنصح."


فتأمل:


كيف بلغت نفس أبي إسحاق مبلغا متجردا في الصدق والنصيحة أن تعقب شيخه ومفيده أبا العباس ابن القباب لمجرد التعريض ببيت من الشعر والذي يدور كثيرا على ألسنة العلماء.


ثم يبلغ العجب منتهاه:


حين يجيب الشيخ تلميذه على نصيحته فيدعو له بالرضى وأنه قد حصل له من الخير منذ وقت نصيحته ما الله المسؤول بأن يثيب تلميذه عليه


ثم يفصح بإفادته من جواب تلميذه فيقول:


وما أحق المسؤول أن يعود سائلا والمفيد مستفيدا، وأنه ليس أهلا لهذا المقام وإنما تكلف الجواب إسعافا لرغبتة......


فرحمهم الله وغفر لهما وأجزل مثوبتهما.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال أبو فراس:


هذا الموضع الأخير مشكل جداً فمع أنَّ فيه تقريرا بديعا لتطبيق قاعدة مراعاة الخلاف ضمن فروع أصول النظر في مآلات الأفعال.


إلا أنه فيما يبدو في ظاهر الأمر أنه يخالف مدافعة الشاطبي المستمرة لاعتبار قاعدة مراعاة الخلاف سواء كان ذلك في ما طرحه على شيوخه من إشكالاته القديمة، أو ما قرره في كتبه المحررة (الاعتصام والموافقات ) : من استظهار عدم صحة هذه القاعدة واستمرارية إعادة إشكالاته وأن أجوبة شيوخه لا تكفي لدفعها، وأن الذي يظهر له الآن وهو الذي انتهى إليه أن الدليل هو المتبع وحيث صار صير إليه.


إلا أنه في هذا الموضع قد حلَّق بعيداً في تقرير هذه القاعدة إلى مدىً لم يصل إليه أكثر المقررين لها لا من جهة التوسع في تطبيقها ولكن من جهة الإبداع في تقريرها ضمن الأصول الشرعية.


فيا تُرى ما هو الحل؟


هل تناقض الشاطبي؟


فإن هذا من أبعد ما يكون لاسيما هذه المسألة، خصوصا أن هذا التناقض محله في الاعتبار وعدم الاعتبار وهو محل سهل، ويصعب تصور الخطأ فيه على صغار طلبة العلم فننأى بالشاطبي أن ينزل إليه.


ثم إن هذا الكلام واقع في كتابه المحرر "الموافقات" وفيه وقع الاعتبار والإنكار، ولاسيما هذه القاعدة التي اشتغل بها زمنا طويلا.


أم نقول:


إن الشاطبي قد تراجع؟ فسلَّم بصحتها، وصار إلى اعتبارها بعد أن كان منكراً لها! مشككا فيها، طارحا حولها الإشكالات والسؤالات؟


وإلى هذا المعنى صار جماعة من الباحثين، وأن هذا هو الذي انتهى إليه الشاطبي وأنه يمثل مرحلة النضج له بعد أن فقه المسألة على وجهها


لكن لا أدري كيف فات هؤلاء:


أن الشاطبي لا زال يكرر إشكالاته على هذه القاعدة في كتبه المحررة بل وفي الموافقات الذي وقع هذا الكلام الأخير فيه.


وفات هؤلاء أيضا:


أن الشاطبي قد جزم بعدم اعتبار هذه القاعدة في كتبه المحررة واستظهر بناءً على ذلك أن الدليل هو المتبع وأنه حيث صار صير إليه.


ولم أقف بحسب البحوث التي اطلعت عليها على من أشار إلى هذه الإشكالات خصوصا وأن هؤلاء قد صاروا إلى تقسيم مراحل الشاطبي في تناول هذه المسألة إلى مرحلتين:


1- مرحلة الإشكال: وهي تمثل زمن سؤالاته وإشكالاته إلى شيوخه.


2- مرحلة النضج: وهي تمثل تقريره لها في كتبه المحررة.


وبما أن مدافعته لهذه القاعدة وقعت أيضا في كتبه المحررة فكان لزاما على أصحاب هذا الاتجاه أن يجيبوا عن وقوع ما يرد على هذه الطريقة وهو وقوع إشكالات الشاطبي على هذه القاعدة في كتبه المحررة التي قيل إنه انتهى فيها إلى اعتبار هذه القاعدة، وأما اعتباره لها بشكل صريح فلم يقع إلا في موضع واحد من كتبه وهو ما ذكره في الموافقات وذلك في معرض تفريعه على أصل النظر في مآلات الأفعال، أما الغالب الكثير السائد فهو مدافعتها لا اعتبارها.


----------------


والذي يظهر لي والعلم عند الله ما يلي:


1. أن الشاطبي رحمه الله ما زال يدفع هذه القاعدة بجملة سؤالاته وإشكالاته التي كتبها قديما إلى شيوخه، والتي استمرَّ تكريره لها في كتبه المحرررة.


2. أن الشاطبي رحمه الله صار إلى تطبيق بعض فروع هذه القاعدة ليس التزاما لنصها ولكن نظراً إلى جملة من المقاصد المعتبرة شرعا، ذكر منها أمرين اثنين:


الأول:


النظر في مآلات الأفعال بحسب مقدار تحصيلها للمصالح ودرءها للمفاسد


وعلى ذلك وقع الإجماع والنص بتصحيح آثار النكاح الفاسد المختلف فيه نظراً إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة مقتضى النهي أو تزيد.


الثاني:


أن لما بعد الوقوع دليل عام مرجح وهو أن العامل بالجهل مخطئًا في عمله له نظران:

1- نظر من جهة مخالفته للأمر والنهي، وهذا يقتضي الإبطال.
2- ونظر من جهة قصده إلى الموافقة في الجملة؛ لأنه داخل مداخل أهل الإسلام ومحكوم له بأحكامهم، وخطؤه أو جهله لا يجني عليه أن يخرج به عن حكم أهل الإسلام، بل يتلافى له حكم يصحح له به ما أفسده بخطئه وجهله ، إلا أن يترجح جانب الإبطال بالأمر الواضح، فيكون إذ ذاك جانب التصحيح ليس له مآل يساوي أو يزيد، فإذ ذاك لا نظر في المسألة، مع أنه لم يترجح جانب الإبطال إلا بعد النظر في المآل وهو المطلوب.
======================================


وبهذا ننتهي إلى:


أن تطبيق الشاطبي لبعض فروع هذه القاعدة ضمن فروع مدرسته المقاصدية لا يعني بحال التزامه بمقتضى هذه القاعدة حتى على فرض كل الشروط التي قيدها بها شيوخه لدفع بعض ما يرد عليها.


وذلكم لأن:


الشاطبي رحمه الله وقع له في جميع أجوبته وكتبه دفع هذه القاعدة بحملة من الإشكالات والسؤالات والتي استمر في سياقها حتى في كتبه التي وقع فيها تطبيق بعض فروع هذه القاعدة.


ويؤكد هذا أيضا:


أن الشاطبي لم يرد عنه أبدا ما يدل على تراجعه عن إنكار هذه القاعدة بل إن الذي وقع منه هو العكس وهو تمسكه بإشكالاته التي أثارها حول هذه القاعدة.


ونختصر ما سبق بالقول:


بأن الشاطبي ينكر اعتبار هذه القاعدة من حيث الأصل حيث تحوم حولها إشكالاته المتكررة، لكن قد يقع للشاطبي تطبيق بعض فروع هذه القاعدة من اعتبار الخلاف لا من أجل الخلاف ولكن لجملة من المعاني المقتضية لمراعاة الخلاف في المحل الذي يظهر فيه قيام هذه المعاني.


-------------


محاولة لتحصيل قاسم مشترك في سير الشاطبي في مسألة الخروج من الخلاف وسيره في مسألة مراعاة الخلاف:


سبق في بحث "الخروج من الخلاف عند الشاطبي رحمه الله"


أنه لم يكن له فيها إلا قول واحد وأنه لم يمرَّ في بناءه وتحصيله إلا على مرحلة واحدة.وأن إشكالاته التي عرضها على بعض شيوخه في مقتبل إثارة هذه المسألة لم تكن سوى رأيهالصريح والأخير في عدم الاعتداد بهذه القاعدة

ثم ذكرنا أن محل الغلط هو الإطلاق، إما بإطلاق اعتبار القاعدة أو بإطلاق إنكارها، وأنه يصح استعمال هذه القاعدة في المحل الذي يقتضيه الورع لا لمجرد الخروج من الخلاف.

---------------


وهنا في بحث "مراعاة الخلاف":


نجد أن الشاطبي رحمه الله يسير على وفق هذا المسلك فهو يدفع اعتبار هذه القاعدة ويثير حولها إشكالاته المعروفة


ثم يقع منه تطبيق بعض فروعها في بعض المحال التي يقتضي فيها مراعاةَ الخلاف جملةٌ من المعاني الشرعية.


--------------


ومن كل ما سبق في بحث هاتين المسألتين:


نجد أن الشاطبي رحمه الله لا يعتبر الخلاف من حيث هو محصلا لحكمٍ شرعي لا في الخروج منه طلبا للورع ولا في مراعاته تصحيحا للعبادات والعقود.


ولكن قد يقع منه بعض ذلك لا لمعنى الخلاف ولكن لمعنى آخر اقتضاه المقام المعين على ما سبق تفصيله.


وقد أنكر الشاطبي رحمه الله في موضع من الموافقات:


الطريقة التي صار إليها بعض الناس من اعتبار الخلاف دليلا في نفسه.


ووصف الأمر:


بأنه قد زاد على قدر الكفاية: حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة.


وأنه قد وقع فيما تقدم وتأخر من الزمان:


الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم.... فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز

ثم قال الشاطبي:
وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمد وما ليس بحجة حجة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
وقد أنكر الشاطبي رحمه الله في موضع من الموافقات:
الطريقة التي صار إليها بعض الناس من اعتبار الخلاف دليلا في نفسه.


ووصف الأمر:
بأنه قد زاد على قدر الكفاية: حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة.
وأنه قد وقع فيما تقدم وتأخر من الزمان:
الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم.... فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز
ثم قال الشاطبي:

وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمد وما ليس بحجة حجة.

وقد وافق الشاطبي في هذا الطريقة التي صار إليها من إنكار أن يكون الخلاف دليلا في نفسه وأن هذا هو عين الخطأ على الشريعة: جماعةٌ من أهل العلم ممن تقدم زمانه عن الشاطبي وممن تأخر عنه، وأسوق هنا بعض النقولات عنهم، وهؤلاء هم :

1- المزني تلميذ الشافعي.
2- وابن عبد البر النمري.
3- وابن تيمية الحراني.
4- وبدر الدين الزركشي.
أسوق بحول الله وقوته مقالاتهم مرتبة حسب رتب أزمانهم الأول فالأول، فأبدأ الآن وبالله أستعين:



1، 2- مقالة المزني تلميذ الشافعي، ومقالة ابن عبد البر المالكي:


يقول ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار:


وفيما ذكرنا ما يبين لك به أن من لم يكبر للإحرام ليس في صلاة ومن ليس في صلاة فلا حاجة به إلى القطع بسلام


وهذا موضع قد اضطرب فيه أصحاب مالك أيضا:


وذلك لمراعاتهم الاختلاف فيما لا تجب مراعاته لأن الاختلاف لا يوجب حكما إنما يوجبه الإجماع أو الدليل من الكتاب والسنة وبذلك أمرنا عند التنازع


===================================


قال ابن عبد البر رحمه الله في "جامع بيان العلم وفضله" [ونَقَلَ فيه مقالةَ المزني]:
الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله.
قال المزني :
يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمِين إذا اجتهدا في الحادثة:
فقال أحدهما : حلال.
وقال الآخر: حرام.
فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كلف ، وهو في اجتهاده مصيب الحق.
أبأصل قلت هذا أم بقياس ؟
فإن قال : بأصل .
قيل له : كيف يكون أصلا والكتاب أصل ينفي الخلاف؟
وإن قال: بقياس.
قيل : كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم.
ويقال له :
أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى واحد فأحله أحدهما وحرمه الآخر وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على إثبات أحدهما ونفي الآخر أليس يثبت الذي يثبته الدليل ويبطل الآخر ويبطل الحكم به ، فإن خفي الدليل على أحدهما وأشكل الأمر فيهما وجب الوقوف.
فإذا قال: نعم ولا بد من نعم ، وإلا خالف جماعة العلماء.
قيل له : فلم لا تصنع هذا برأي العالمين المختلفين ؟ فتثبت منهما ما أثبته الدليل وتبطل ما أبطله الدليل ؟
قال أبو عمر :
ما ألزمه المزني عندي لازم ؛ فلذلك ذكرته وأضفته إلى قائله ؛ لأنه يقال : إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله ، وهذا باب يتسع فيه القول وقد جمع الفقهاء من أهل النظر في هذا وطولوا وفيما لوحنا مقنع ونصاب كاف لمن فهمه وأنصف نفسه ولم يخادعها بتقليد الرجال.


1- ابن تيمية الحنبلي:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولو قال قائل:
نتنزه عن هذا لأجل الخلاف فيه، فإن من أهل العراق من يقول: الماء إذا وقعت فيه نجاسة نجسته وإن كان كثيرا إلا أن يكون مما لا تبلغه النجاسة....
قيل لهذا القائل:
الاختلاف إنما يورث شبهة إذا لم تتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم....
فأما إذا تبينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في شيء وقد كره أن نتنزه عما ترخص فيه وقال لنا: { إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته } رواه أحمد وابن خزيمة في صحيحة فإن تنزهنا عنه عصينا رسول الله والله ورسوله أحق أن نرضيه وليس لنا أن نغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم لشبهة وقعت لبعض العلماء كما كان عام الحديبية
ولو فتحنا هذا الباب:
1- لكنا نكره لمن أرسل هديا أن يستبيح ما يستبيحه الحلال لخلاف ابن عباس.
2- ولكنا نستحب للجنب إذا صام أن يغتسل لخلاف أبى هريرة.
3- ولكنا نكره تطيب المحرم قبل الطواف لخلاف عمر وابنه ومالك.
4- ولكنا نكره له أن يلبى إلى أن يرمى الجمرة بعد التعريف لخلاف مالك وغيره.
ومثل هذا واسع لا ينضبط.
وأما من خالف في شيء من هذا من السلف والأئمة رضي الله عنهم:
فهم مجتهدون قالوا بمبلغ علمهم واجتهادهم وهم إذا أصابوا فلهم أجران وإذا أخطأوا فلهم أجر والخطأ محطوط عنهم فهم معذورون لاجتهادهم ولأن السنة البينة لم تبلغهم ومن انتهى إلى ما علم فقد أحسن.
فأما من تبلغه السنة من العلماء وغيرهم وتبين له حقيقة الحال فلم يبق له عذر في أن يتنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه و سلم ولا يرغب عن سنته لأجل اجتهاد غيره ....
وفى الجملة:
باب الاجتهاد والتأويل باب واسع:
1- يؤول بصاحبه إلى أن يعتقد الحرام حلالا كمن تأول في ربا الفضل والأنبذة المتنازع فيها وحشوش النساء.
2- والى أن يعتقد الحلال حراما مثل بعض ما ذكرناه من صور النزاع مثل الضب وغيره بل يعتقد وجوب قتل المعصوم أو بالعكس.
فأصحاب الاجتهاد وإن عذروا وعرفت مراتبهم من العلم والدين فلا يجوز ترك ما تبين من السنة والهدى لأجل تأويلهم والله أعلم. "(1)
-----------
ويقول رحمه الله:
تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر فان الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام في نفس الأمر فان ذلك وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عالما بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط.(2)
===========================

ويقول رحمه الله في بعض المسائل المختلف فيها:

وهذا لا شبهة فيه عنديوإن كان فيه نزاعفإني أعلم أنهلولا مضي السنة بمثل ذلك .....

والنزاع لا يهتك حرمة العلم والفقه بعد ظهور حجته."([)

===================================

4 / بدر الدين الزركشي:
يقول رحمه الله في البحر المحيط:
"اعلم:
أن عين الخلاف لا ينتصب شبهة ولا يراعى بل النظر إلى المأخذ وقوته .

قال الروياني في باب الشهادات من البحر " :
لو كان الخلاف بنفسه ينتصب شبهة لاستوت المسألتان ، يعني مسألة إيجاب الحد على الحنفي بشرب النبيذ وشهادته، وإنما الشبهة في الدلائل ."

=============================================


1- مجموع الفتاوى - (ج 21 / 62، 63)
2- مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 281)
3- مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 16)

 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إضافات، ويمكن تصنيفها إلى:
1- فوائد من كتاب الأستاذ عبد الرحمن السنوسي مراعاة الخلاف بحث أصولي".
2- فوائد من كتاب الأستاذ يحيى السعيدي "مراعاة الخلاف في المذهب المالكي".
3- نقولات عن أهل العلم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فوائد من كتاب الأستاذ عبد الرحمن السنوسي مراعاة الخلاف بحث أصولي":

عرف أبو عبد الله بن عبد السلام مراعاة الخلاف بقوله:


إعطاء كل واحد من الدليلين حكمه.(1)


وتعقبه الباحث الفاضل عبد الرحمن السنوسي:


بأن هذا يصدق على مطلق الجمع بين النصوص...فالتعريف جامع غير مانع.


واختار في التعريف بأنه:


اعتبار خلاف الغير بالخروج منه عند قوة مأخذه بفعل ما اختلف فيه. (2)


قال أبو فراس:


واضح من خلال التعريف أن السنوسي قصد إدراج مسألتي: الخروج من الخلاف، ومراعاة الخلاف في الحد الذي وضعه.


وسبق أنهما مسألتان مختلفتان.


ولهذا نجده في صدر تعريفه مال إلى اعتبار مسألة الخروج من الخلاف، كما مال إلى مسألة مراعاة الخلاف في عجزه.


--------------


يقول السنوسي:


موضوع مراعاة الخلاف:


التصرفات المختلف في حكمها الدائر بين الأولى وخلافه من حيث تحقيقها لمقصود الشارع.


ومنشؤها:


احتمال التورط في نقيض مقصود الشارع بفعل ما هو خلاف الأولى مطلقا.


وإذا لوحظ في هذه القاعدة المعنى الأخص كان منشؤها الاحتياط من حيث هو طريق إلى امتثال التكليف واطراح ما يقتضيه العمل بالظن عند حصول الخلاف.


ويبانه:


أن المجتهد قد يكون بإزاء الحكم المظنون الذي اعتقده محتملا لأرجحية ما اعتقده غيره في ذلك الحكم، فيعدل بما حصل له من الظن بالحكم إلى وجه يستوعب محتملات التكليف، وحينها يتحقق بأن الامتثال على وفقه يبرئ الذمة ويخرج المكلف من العهدة.


والمقصود بالمعنى الأخص هنا:


إجراء معنى المراعاة على اتقاء موارد الخلاف الفرعية مطلقا:


1. إما بالخروج منها. [مسألة الخروج من الخلاف]


2. أو بإيقاع الامتثال على مقتضى الاحتياط لا غير. [مسألة مراعاة الخلاف]


ويلحظ في هذا المعنى حينئذ أمور ثلاثة:


أولها: الخوف من اشتغال الذمة بالتكليف في حال الحكم بالظن واطراح الخلاف.


ثانيها: حصول الاشتباه في المكلف به عند العلم بالتكليف وهو آيل إلى تحقيق المناط.


ثالثا: الشك في صحة الامتثال بعد وقوعه.(3)


وقد صلى الإمام الشافعي الصبح مرة قريبا من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت تأدبا معه، وقال أيضاً: ربما انحدرنا إلى مذهب أهل العراق.(4)


===================

---------------------
يقول عبد الرحمن السنوسي:
والأكثرون على أنه حيث أمكن الخروج من الخلاف عند قوة المأخذ فهو خير من التورط فيه سواء كان المراعي للخلاف مجتهدا أو غير مجتهد .
وذلك فيما يظهر والعلم عند الله لعموم البلوى لعموم البلوى بوقوع الشك في إصابة الحكم أو الامتثال مما يلجئ إلى إبراء الذمة بيقين عملا بالقاعدة المذكورة وإن كان أغلب ما يعرض للمقلد في ذلك إنما هو مما يحصل عن الاشتباه في المكلف به أو الشك في صحة الامتثال بعد وقوعه.
ولما كان أخص أوصاف الخروج من الخلاف أنه ورع واحتياط في الدين أمكن القول بأن الورع غير مقصور على المجتهد وحده بل هو مرتبة قد يشترك فيها العالم والعامي والمجتهد والمقلد، وتخصيصها بالمجتهد فقط مجانب للصواب بعيد عن الحق.
على أن القول بصحتها للمقلد ومن هو في حكمه ليس على إطلاقه لأن المقلد إنما يراعي ما ابتلي به في خصوص الامتثال فقط وليس من شأنه استفادة الأحكام من أدلتها حتى يخرج علينا بحكم قد راعى فيه الخلاف؛ وإذا خلص البحث إلى هذا الوجه فينبغي حصر المقال فيها على المقلد ومن هو في حكمه إذا أقيم هذا المقام.
وبيانه بإيجاز: أنه متى حصل له العلم بوجود التكليف وتوجهوا إليه، وعرف محتملاته الواجب اعتبارها من حيث إجزاؤها في إسقاط المطالبة – بأن يكون سأل مفتيا أو مرجحا من غير مذهبه – جاز له الخروج من الخلاف.(5)
الغاية من رعي الخلاف:
الاجتهاد من حيث ثمرته تصرف لمعرفة الحكم الشرعي...وعلى النقيض من ذلك التصرف بباعث الخروج من الخلاف لأن المكلف ينشئه لا لمعرفة الحكم ولكن لتنجيزه والخروج من عهدته ويتذرّع به إلى إبقاء تصرفه على وجه متيقن لا يعصف الشك بساحته فهو وسيلة إلى الامتثال المحقق لا طريق إلى العلم بالحكم.
وإطلاق الوسيلة على هذا التصرف وإن كان حقيقيا إلا أنه ليس ثابتا بخطاب الشارع بل بمقتضى اللزوم لذلك لا يتصور في مراعاة الخلاف أن تكون أمارة على حكم شرعي، كما هو الحال في أحكام الوضع الثابتة بخطاب الشارع.(6)

من الأدلة على مراعاة الخلاف:
صلاة ابن مسعود خلف عثمان في منى وقوله: الخلاف شر.
خرج السنوسي مراعاة الخلاف على:
1- الاستحسان ونقل عن الشاطبي قوله:
إنهم قالوا إن من جملة أنواع الاستحسان مراعاة خلاف العلماء وهو أصل في مذهب مالك ينبني عليه مسائل كثيرة....
ثم أخذ يعدد بعض المسائل المبنية على القاعدة دون أن يبين وجه كونها من الاستحسان.
2- وخرجها على المصلحة باعتبارين كلاهما أصل برأسه:
الأول: المناسب الملائم: والمقصود من ذلك بالضبط اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم فإن جنس الشبهة مؤثر في جنس الترك والاجتناب....فجنس الشبهات مناسب لاجتنابها واتقائها لما فيه من من درء مفسدة الوقوع في المنهي عنه فجنس الشبهة وصف وجنس الاجتناب حكم، وقد نص الحديث "إن الحلال بين والحرام بين..." على تأثير جنس الوصف الذي هو الشبهة في جنس الحكم الذي هو الاجتناب.
ولما كان التورط في المختلف فيه مظنة للشبهة رتب عليه حكم الاحتياط باجتنابه مراعاة لقوة المأخذ الكائنة في طرف المخالف فاعتبرنا جنس المختلف فيه في جنس الاجتناب.
ويقال للتوضيح أكثر:
إن جنس الوصف الذي هو الاختلاف مؤثر في جنس الحكم الذي هو الاجتناب المصطلح عليه هنا بالمراعاة أو الخروج لما في التورط من احتمال مواقعة الحرام أو تفويت الامتثال الواجب الذي يناسبه فعل الأشق من الأمرين إما بالترك وإما باستيعاب محتملات التكليف.(7)
------------
العز بن عبد السلام في القواعد:
جعل الخروج من خلاف العلماء عند تقارب المأخذ من الاحتياط المندوب الذي يعبر عنه بالورع.
وقال عبد الرحمن السنوسي:
ومعلوم أن المجتهد إنما يبني على مقتضى اجتهاده في الأحوال المعتادة لا على اجتهاد سواه بحيث يمضي في حالة وقوع التصرف فاسدا بالنظر إلى اجتهاده على مقتضاه لا على مقتضى اجتهاد غيره هذا هو الأصل.
بيد أن ثمة صورا مستنثاة من هذه الحالة يراعي فيها المجتهد أو المفتي خلاف غيره، وذلك حينما يتعلق بها بعد وقوعها دليل آخر أو مصلحة راجحة وهو من دقيق النظر في المآلات الطارئة الذي اعتبره الشارع في صور شتى كما في حديث تأسيس البيت على قواعد إبراهيم وحديث البائل في المسجد وحديث قتل المنافقين وغير ذلك.
يقول الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة...(8)
التخريج الثالث:
تخريجها على قاعدة المصيب من المجتهدين وذلك من وجهين:
1- بناء على القول المرجوح المقتضي تصويب كل مجتهد.
2- بناء على أظهر القولين في إصابة المجتهد، وهو أن المصيب واحد فقط، فإنه لما كان المجتهد في الفروع الظنية يجوز خلاف ما غلب على ظنه ولا يقطع بخطأ مخالفه، ثم نظر في متمسكه فرأى له موقعا فينبغي له أن يراعيه حينئذ على وجه لاسيما إذا كان في مراعاته احتياط وورع وأخذ بالحزم.(9)
التخريج الرابع:
تخريجها على قاعدة: براءة الذمة:
فما وجب بيقين فلا تبرأ الذمة منه إلا بيقين مثله لأن المعتبر في البراءة العلم ولا يقوم الظن مقامه إلا عند تعذره.
فمن اعتبر البناء على الظن اكتفى بالامتثال الأول ولم يلتفت إلى التردد أو الخلاف.
ومن نظر إلى الخلاف في الإجزاء ومأخذه غلب حكم اليقين بالاحتياط...(10)

--------

قال أبو فراس:
بناء على ما سبق فمراعاة الخلاف لها حالان:
1- حال شدة.
2- وحال تيسير
حال الشدة:
هو ما كان قبل الوقوع فإنه يراعى الخلاف فيأخذ بالأحوط.
أما حال التيسير:
فهي ما كان بعد الوقوع فإنه يفتي بالإجزاء والصحة مراعاة للقول الآخر في المسألة ونظرا إلى تشوف الشارع إلى تصحيح العقود وإجزاء العبادات...
وهذا كله على فرض:
إدراج قاعدة الخروج من الخلاف في قاعدة مراعاة الخلاف.


---------


من شروط لمراعاة الخلاف والتي ذكرها السنوسي:


1- أن يكون الجمع بين المذاهب ممكنا.


2- قيام الشبهة.


------------


كليات الترجيح في مراعاة الخلاف:


1- تقديم الأشق من الفعلين.


2- البناء على اليقين.


3- تقديم الحكم المضيق على الموسع إن كان في التكليف مضيق وموسع.


4- التكرار فيما يتوقف إبراء الذمة على تكراره.


5- ترك المشتبه إذا توقف إبراء الذمة على تركه.


6- تصحيح ما اختلف فيه بإنفاذه إذا وقع عند تعلقه بالأقوى.


7- اختيار الأخف إن فعل غيره يفوت مطلوبا شرعيا أعظم منه.(11)


===========================================



1- القواعد للمقري 1/236

2- ص 14 مراعاة الخلاف بحث أصولي لـ عبد الرحمن بن معمَّر السنوسي.

3- ص 15مراعاة الخلاف بحث أصولي لـ عبد الرحمن بن معمَّر السنوسي.

4- الإنصاف للدهلوي ص 24، مراعاة الخلاف للسنوسي.

5- ص29

6- ص31

7- ص46 مراعاة الخلاف بحث أصولي.

8- مراعاة الخلاف بحث أصولي ص 50

9 - ص52

10- ص53

11- ص89
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
2- فوائد من كتاب الأستاذ يحيى السعيدي "مراعاة الخلاف في المذهب المالكي":

يقول الأستاذ يحيى سعيدي في كتابه "مراعاة الخلاف في المذهب المالكي" في معرض ذكره لتعاريف أهل العلم لـ مراعاة الخلاف:
قال أبو إسحاق الشاطبي:
"إعطاء كل واحد منهما أي دليلي القولين ما يقتضيه الآخر أو بعض ما يقتضيه هو معنى مراعاة الخلاف."
ثم قال السعيدي:
والذي يفهم من تعريف الشاطبي أن المجتهد قد يراعي كل ما يقتضيه دليل المخالف، وقد يراعي بعض ما يقتضيه ذلك الدليل...(1)

قال أبو فراس:


الشاطبي رحمه الله إنما ذكر هذا الحد في معرض رده لا اعتباره وهو بيان استلزامه لتضاد الأدلة وأن اعتباره إنما هو اعتبار للمتنافيين.


فكيف يصح للأستاذ السعيدي أن يستل من وسط تقرير الشاطبي لخطأ العمل بمراعاة الخلاف: حداً ينسبه إلى الشاطبي ثم يقارن بين هذا الحد وبين بقية حدود أهل العلم في الموازنة والترجيح.


فالشاطبي رحمه الله لم يقصد بما ذكر تعريف مراعاة الخلاف وإنما مراده بيان وجه فساده،


وإليك بيان كلام الشاطبي بسياقه، وقد سبق تناوله، يقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات:

فاعلم:
أن المسألة قد أشكلت على طائفة:
منهم ابن عبد البر؛ فإنه قال: "الخلاف لا يكون حجة في الشريعة"
وما قاله ظاهر؛ فإن دليلي القولين لا بد أن يكونا متعارضين، كل واحد منهما يقتضي ضد ما يقتضيه الآخر، وإعطاء كل واحد منهما ما يقتضيه الآخر أو بعض ما يقتضيه هو معنى مراعاة الخلاف، وهو جمع بين متنافيين كما تقدم.
وقد سألت عنها جماعة من الشيوخ الذين أدركتهم.....

========================================

يقول يحيى السعيد في بحثه "مراعاة الخلاف في المذهب المالكي":
التعريف الرابع:
وهو التعريف المختار قال محمد حسان خطاب:
والمقصود بمراعاة الخلاف : الاعتداد بالرأي المعارض لمسوغ.(2)


========================================

التعريف الخامس:
قال محمد الشريف الرحموني:
اعتبار الخلاف حاول وجوده بالتقليل من شدة أحكام المسائل ابتداء أو بالتخفيف من آثارها بعد نزولها..(3)
يقول الأستاذ يحيى السعيدي:
فصاحب هذا التعريف عمل على إظهار البعد المقاصدي للمراعاة على أنها أصل من أصول الترخيص والتخفيف.

========================================

يقول يحيى السعيدي في بحثه "مراعاة الخلاف في المذهب المالكي":

شروط مراعاة الخلاف:


الشرط الأول: أن يكون الخلاف مشهورا، ويقصدون بذلك:


1- أن يكون دليل المخالف قويا.


2- وأن المراعي يراعي الخلاف لا لقوة دليل المخالف فقط بل لوجود المسوغ أيضاً.، الأمر الذي يسمح له بتقرير الحكم على هذا الأساس


3- أن المراعاة لا تكون لكل خلاف وإنما للمشهور فقط، والمشهور هو ما قوي دليله لا ما كثر قائله.


الشرط الثاني: ألا يخالف سنة ثابتة.


الشرط الثالث: أن لا يؤدي إلى صورة تخالف الإجماع.


الشرط الرابع: ألا ينتج عن مراعاة الخلاف خلاف آخر.


الشرط الخامس: أن لا يترك المراعي لمذهبه بالكلية.


ذكر بعض المالكية المتأخرين ( عليش في فتاويه) أن القاضي عياضا واللخمي وأبا عمران الفاسي عابوا العمل بمراعاة الخلاف.


وقال يحيى سعيدي: والحقيقة أن القاضي عياض واللخمي عملا بمراعاة الخلاف....


=================================


أدلة القائلين بمراعاة الخلاف:

"الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة"
يقول المازري:
وقد جعله بعض أصحابنا أصلا في الحكم للشيء بحكم واحد بين الحكمين لأنه ألحقه بزمعه، وذلك يقتضي ألا يكون ولدا لزمعة ولا أخا، ولكنه قضى في الإلحاق بحكم الفراش وقضى بالاحتجاب بحكم الاحتياط. (4)

يقول يحيى السعيدي:


وكلام المازري يشير إلى مراعاة الخلاف وإن لم يسمها بهذا الاسم وقد تبعه على هذه التسمية كل من ابن دقيق العيد وابن قيم الجوزية والحافظ ابن حجر العسقلاني ، وهذا لا إشكال فيه لأنهم كلهم جاؤوا بعده ويظهر الإشكال عندما نجد أن أبا الوليد بن رشد وهو يعتبر من معاصري المازري (توفي قبله بـ 16 سنة ) يصطلح على هذا الأصل بمراعاة الخلاف. انظر مثلا كتابه البيان والتحصيل 1/35,65, 68, 237, 230, 261


ونفس الاصطلاح نجده عند الشاطبي وابن عرفة وأبي العباس القباب وهذا يدفعني إلى استبعاد فرضية تطور المصطلح وإلى ترجيح الفرضية الأخرى وهي أن هذا الأصل له اصطلاحين وكل عالم يعبر عنه ويسميه حسب فهمه له، والله أعلم.(5)


يقول الأستاذ يحيى السعيدي:


فالمالكية وإن كانوا يقولون: إن النهي يقتضي الفساد إلا أنهم أعطوا للعقود الفاسدة بعض آثارها وهذا مراعاة لخلاف الحنفية الذين يرون أن العقود الفاسدة المشروعة بأصلها لا بوصفها صحيحة إذا فارقها الوصف المنهي عنه.



وفي هذا يقول القرافي:


"ذلك أن النهي يدل على الفساد: عندنا وعند الشافعية


وعلى الصحة: عند الحنفية


فطرد الحنفية أصلهم وقالوا:


إذا اشترى أمة شراء فاسدا جاز له وطؤها، وكذلك جميع العقود الفاسدة.


وطرد الشافعية أصلهم وقالوا:


يحرم عليه الانتفاع مطلقا وإن بيع ألف بيع وجب نقض الجميع.


ونحن [يعني المالكية]:

خالفنا أصلنا وراعينا الخلاف في المسألة. (6)
========================

يقول يحيى سعيدي:


ظهر لي عند تتبع الكثير من كتب الفقه المالكي وكتب المذاهب الأخرى أن مسوغ مراعاة الخلاف ينحصر في الاحتياط والتيسير...وهما من المقاصد الشرعية المتفق عليها..._(7)




==================================
قال ابن رشد الجد:
ويعكر على أن المشهور ما كثر قائله أن بعض المسائل وجدنا المشهور فيها المنع والأكثرون على الجواز.(8)




================================

1- ص76

2- مراعاة الخلاف وأثرها في الفقه الإسلامي لـ د. محمد حسان خطاب عمار، أطروحة دكتوراه قسم أصول الفقه كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر سنة 1403هـ.

3- الرخص الفقهية من القرآن والسنة النبوية لـ د. محمد محمد الشريف الرحموني ط. مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله . تونس. انظر: مراعاة الخلاف في المذهب المالكي ليحيى السعيدي ص 80

4- المعلم بفوائد مسلم، مراعاة الخلاف في المذهب المالكي لـ يحيى السعيدي ص 143

5- مراعاة الخلاف عند المالكية لـ يحيى السعيدي ص 143

6- شرح تنقيح الفصول ص 77

7- ص 111 مراعاة الخلاف عند المالكية لـ يحيى السعيدي ص111

8- ص121 مراعاة الخلاف عند المالكية.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
========================================
1- نقولات عن أهل العلم في مسائل من مراعاة الخلاف أو ذات صلة بها:

يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين":
وقال ابن المسيب:
ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب.
وقال أيضا:
كان عبد الله يقول: لو سلك الناس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبه .
وقال بعض التابعين:
دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان ، قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه.
وقال محمد بن جرير:
لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه، ويرجع من قوله إلى قوله.
وقال الشعبي:
كان عبد الله لا يقنت ، وقال : ولو قنت عمر لقنت عبد الله.
========================================

قال السرخسي في أصوله:


وهكذا نقول في المجتهدين في زماننا، فإن على أصل أبي حنيفة إذا كان عند مجتهد أن من يخالفه في الرأي أعلم بطريق الاجتهاد، وأنه مقدم عليه في العلم فإنه يدع رأيه لرأي من عرف زيادة قوة في اجتهاده، كما أن العامي يدع رأيه لرأي المفتي المجتهد لعلمه بأنه متقدم عليه فيما يفصل به بين الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه.

========================================

قال أبو عبد الله المقَّري:


من أصول المالكية مراعاة الخلاف، وقد اختلفوا فيه ثم في المراعي، أهو المشهور وحده أم كل خلاف؟ ثم في المشهور أهو ما كثر قائله أم ما قوي دليله؟


قال صاحبنا القاضي أبو عبد الله بن عبد السلام:


المراعاة في الحقيقة إعطاء كل من دليلي القولين حكمه.


وهذا يشير إلى المذهب الأخير.


وأقول:


إنه يراعى المشهور والصحيح: قبل الوقوع خلافا لصاحب المقدمات؛ توقيا واحترازا كما في الماء المستعمل، وفي القليل بنجاسة على رواية المدنيين وبعده تبرءا وإنفاذا كأنه وقع عن قضاء أو فتيا لا قيما يفسخ من الأقضية، ولا يتقلد من الخلاف، وقد تستحب الإعادة في الوقت ونحوها.(1)


قال أبو فراس:


الظاهر أن أبا عبد الله المقَّري رحمه الله ينحو إلى عدم التفريق بين مسألتي مراعاة الخلاف والخروج من الخلاف ولذا فإن إقحامه لصورة ما قبل الوقوع في اعتبار الخلاف إنما هو في الحقيقة إدخال لمسألة الخروج من الخلاف ضمن صور مراعاة الخلاف، ويشفع له سماح الدلالة اللغوية لمراعاة الخلاف في استيعاب مسألة الخروج من الخلاف.


كما أنه يفيد سلفا للمعاصرين الذين نحو إلى هذا الاتجاه، وإن كان يبقى عليهم بقية في تكلفهم الكلام جملة واحدة في هاتين المسألتين مع ظهور الفرق بينهما دلالة واعتبارا وخلافا وصورة وما إلى ذلك من وجوه الفرق بينهما.

وبناء على هذا الإدراج تكون قاعدة مراعاة الخلاف بهذا المعنى الخاص تطلق على معنيين اثنين:
1- تصحيح العبادات والعقود المختلف فيها والتي تم الاستفتاء فيها بعد الوقوع.
2- اعتبار القول الراجح في أصل المسألة مع الاحتياط باعتبار لوازم قول المخالف كأن يكون الراجح عنده أن الماء لا يتغير إلا بالنجاسة إلا أنه إذا وقعت عليه النجاسة وهو ما دون القلتين فيجتنبه مراعاة لقول المخالف.


==================================



يقول الشاطبي:


العمل إنما يكون في المسائل الخلافية على ما هو المشهور.


ثم وقع خلاف في المقصود بالمشهور:


هل هو ما قوي دليله أو ما كثر قائله؟


والصحيح أنه ما قوي دليله وإذا كان ضعيف المدرك جدا لم يلتفت إليه.


==================================



يقول تاج الدين السبكي في كتابه "الأشباه والنظائر"(2)


اشتهر في كلام كثير من الأئمة ويكاد يحسبه الفقيه مجمعا عليه:


من أن الخروج من الخلاف أولى وأفضل.


قد أشكل بعض المحققين على هذا وقال:


الأولوية والأفضلية إنما تكون حيث سنة ثابتة وإذا اختلفت الأمة على قولين: قول بالحل وقول بالتحريم واحتاط المستبرئ لدينه وجرى في فعله على الترك حذرا من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنة، لأن القول بأن هذا الفعل متعلق الثواب من غير عتاب على الترك قول لم يقل به أحد، إن الأئمة كما ترى بين قائل بين الإباحة وقائل بالتحريم فمن أين الأفضلية؟


وأنا أجيب عن هذا :


بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين وهو مطلوب شرعا مطلقا


فكان القول بأن الخروج أفضل ثابت من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعا فمن ترك لعب الشطرنج معتقدا حله خشية من غائلة التحريم فقد أحسن وتورع


إذا عرفت هذا فأقول:


ليس الخروج من الخلاف أولى مطلقا، بل بشرطين:


أحدهما: أن لا يؤدي الخروج منه إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة أو اقتحام أمر مكروه أو نحو ذلك.


الشرط الثاني: أن يقوى مدرك الخلاف، فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدودا من الهفوات والسقطات لا من الخلافيات المجتهدات.


وهناك تنبيه:


على أنه لا نظر إلى القائلين من المجتهدين بل إلى أقوالهم ومداركها قوة وضعفا...


ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها لانتهاض الحجة بها، فإن الحجة لو انتهضت لما كنا مخالفين لها


تنبيه:


§ قوة المدرك وضعفه مما لا ينتهي إلى الإحاطة به إلا الأفراد


§ وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر، ولا بد أن يقع هنا خلاف في الاعتداد به ناشئا عن المدرك قوي أو ضعيف.....


§ فإن اعتد بالخلاف ولم يلزم من الخروج منه محذور استحب الخروج منه.....


§ وكذلك ربما قوي الخلاف جدا وإن لم تنهض حجة، وضعف من أجله مأخذ المحذور فراعيناه وإن أدى إلى ذلك المحذور الضعيف ولمثل له: بمن يديم السفر فإن الإتمام أفضل له من القصر مراعاة لقول بعض العلماء أنه لا يجوز القصر في هذه الحالة وإن تضمن هذا القول ترك سنة القصر، إلا أنه لم يؤد إلى تركها مطلقا، بل في هذه الصورة النادرة التي لعل سنة القصر لم تشملها.


§ وربما يرقى الخروج من الخلاف عن درجة الاستحباب إلى درجة كراهية الوقوع فيه.


==================================



قال الزركشي في البحر المحيط:


قد راعى الشافعي وأصحابه خلاف الخصم في مسائل كثيرة.


وهو إنما يتمشى على القول بأن مدعي الإصابة لا يقطع بخطأ مخالفه.


وذلك لأن المجتهد لما كان يجوز خلاف ما غلب على ظنه ونظر في متمسك خصمه فرأى له موقعا راعاه على وجه لا يخل بما غلب على ظنه ، وأكثره من باب الاحتياط والورع ، وهذا من دقيق النظر والأخذ بالحزم .


وقال القرطبي:


ولذلك راعى مالك الخلاف ، قال : وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف وهو جهل أو عدم إنصاف .


وكيف هذا وهو لم يراع كل خلاف وإنما راعى خلافا لشدة قوته.


قلت :


وقد يراعي الشافعي الخلاف المشدد على نفسه دون غيره ، ولهذا لما قرر القصر على مرحلتين قال : فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطا على نفسي .


قال القاضي أبو الطيب: وهو كقوله : إذا مرض الإمام أنه يصلي قاعدا والناس قيام خلفه .


والأفضل له أن يستخلف من يصلي بهم حتى يخرج من الخلاف .


وله نظائر كثيرة .


على أن الإبياري استشكل استحباب الخروج من الخلاف:


فإن الأمة إذا اختلفت على قولين بالتحريم والإباحة فالقول بأن الترك متعلق بالثواب، والفعل جائز قول لم يقل به أحد.


نعم ، الورع يليق به .


ثم اعلم:


أن عين الخلاف لا ينتصب شبهة ولا يراعى بل النظر إلى المأخذ وقوته .


قال الروياني في باب الشهادات من البحر " :


لو كان الخلاف بنفسه ينتصب شبهة لاستوت المسألتان ، يعني مسألة إيجاب الحد على الحنفي بشرب النبيذ وشهادته، وإنما الشبهة في الدلائل .



. ==================================


يقول الزركشي في المنثور في القواعد:


أن لا تؤدي مراعاته إلى خرق الإجماع، كما نقل عن ابن سريج أنه كان يغسل أذنيه مع الوجه ويمسحهما مع الرأس ويفردهما بالغسل مراعاة لمن قال أنهما من الوجه أو الرأس أو عضوان مستقلان فوقع في خلاف الإجماع إذ لم يقل أحد بالجمع...(3)


==================================


قال النووي في شرح مسلم:


إن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقع في خلاف آخر.


==================================



في المسودة لآل تيمية:

كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك فإن خرج من الخلاف فأخذ بالأحوط كتحريه مسح جميع رأسه وأخذ فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه كمسألة البسملة بقول الأكثر كان هو الأولى.

==================================


يقول ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام:


وقد استدل به بعض المالكية على قاعدة من قواعدهم ، وأصل من أصول المذهب وهو الحكم بين حكمين:


وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة فيعطى أحكاما مختلفة ولا يمحض لأحد الأصول .


وبيانه من الحديث :


أن الفراش مقتض لإلحاقه بزمعة والشبه البين مقتض لإلحاقه بعتبة فأعطي النسب بمقتضى الفراش وألحق بزمعة ، وروعي أمر الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه .


فأعطي الفرع حكما بين حكمين فلم يمحض أمر الفراش فتثبت المحرمية بينه وبين سودة ، ولا روعي أمر الشبه مطلقا فيلتحق بعتبة.


قالوا : وهذا أولى التقديرات:


فإن الفرع إذا دار بين أصلين، فألحق بأحدهما مطلقا ، فقد أبطل شبهه الثاني من كل وجه وكذلك إذا فعل بالثاني ، ومحض إلحاقه به : كان إبطالا لحكم شبهه بالأول.


فإذا ألحق بكل واحد منهما من وجه : كان أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه .


ويعترض على هذا بأن صورة النزاع:


ما إذا دار الفرع بين أصلين شرعيين، يقتضي الشرع إلحاقه بكل واحد منهما ، من حيث النظر إليه .


وههنا:


لا يقتضي الشرع إلا إلحاق هذا الولد بالفراش .


والشبه ههنا:


غير مقتض للإلحاق شرعا.


فيحمل قوله:


" واحتجبي منه يا سودة ":


على سبيل الاحتياط، والإرشاد إلى مصلحة وجودية ، لا على سبيل بيان وجوب حكم شرعي.


ويؤكده:


أنا لو وجدنا شبها في ولد لغير صاحب الفراش لم يثبت لذلك حكما وليس في الاحتجاب ههنا إلا ترك أمر مباح ، على تقدير ثبوت المحرمية وهو قريب.


يقول الأستاذ يحيى السعيدي في كتابه مراعاة الخلاف في المذهب المالكي:


وهذا الاحتمال الذي مال عنه ابن دقيق العيد أي عدم اعتبار الشبه من الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام وجدت أحد المحققين البارزين المنتسبين للمذهب الحنبلي، وهو الإمام ابن قيم الجوزية قد مال إليه وأيده عندما قال:

"وأما أمره سودة بالاحتجاب منه فإما أن يكون على طريق الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشبه البين بعتبة وإما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالا للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي لقوته وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه فهذا الزاني يثبت النسب منه بينه وبين الولد في التحريم والبعضية دون الميراث والنفقة والولاية وغيرها وقد يتخلف بعض أحكام النسب عنه مع ثبوته لمانع وهذا كثير في الشريعة فلا ينكر من تخلف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة وهل هذا إلا محض الفقه ؟ "(4)

=======================================

يقول ابن رشيد في ملء العيبة فيما دار بينه وبين ابن دقيق العيد رحمه الله:

لقيته أول يوم رأيته بالمدرسة الصالحية – دخلها لحاجة عرضت له – فسلمت عليه وهو قائم وقد حف به جمع من طلاب العلم، وعُرضت عليه ورقة سئل فيها عن البسملة في قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة، وكان السائل فيما ظننته مالكيان فمال الشيخ رضي الله عنه في جوابه إلى قراءتها للمالكي خروجا من الخلاف في إبطال الصلاة بتركها وصحتها مع قراءتها.
فقلت له: يا سيدي أذكر في المسألة ما يشهد لاختياركم.
فقال: ما هو؟
فقلت: ذكر أبو حفص – وأردت أن أقول: الميانشي فغلطت وقلت: ابن شاهين،
قال: صليت خلف الإمام أبي عبد الله المازري فسمعته يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
فلما خلوت به قلت له: يا سيدي سمعتك تقرأ في صلاة الفريضة كذا.
فقال لي: أو قد تفطنت لذلك يا عمر؟
فقلت له: يا سيدي أنت إمام في مذهب مالك ولا بد أن تخبرني....
فقال لي: اسمع يا عمر: قول في مذهب مالك، إن من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الفريضة لا تبطل صلاته، وقول واحد في مذهب الشافعي: من لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم بطلت صلاته، فأنا أفعل ما لا تبطل به صلاتي في مذهب إمامي وتبطل في مذهب الغير لكي أخرج من الخلاف.
فتركني شيخنا رضي الله عنه حتى استوفيت الحكاية وهو مصغ لذلك، فلما قطعت كلامي قال: هذا حسن إلا أن التاريخ يأبى ما ذكرت فإن ابن شاهين لم يلق المازري.
فقلت: إنما أردت الميانشي.
فقال: الآن صح ما ذكرته.(5)
=======================================

1- ص 236 القواعد لأبي عبد الله المقري تحقيق د. أحمد بن حميد.

2- ص 111 ط. دار الكتب العلمية.

3- 2/131

4- زاد المعاد.

5- 3/245 ملء الغيبة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
انتهى ما أردت طرحه ومناقشته في هذه المسألة، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

وكنت أود تسجيل نتائج نهائية بعد الانتهاء من تمامها ولكن أجدني الآن لا أنشط لها، والحمد لله على كل حال.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
بارك الله فيك يا شيخنا فؤاد....على دررك الفريدة والعميقة...

بالنسبة للقول القائل بأن الإمام مالك يراعي فقط الخلاف الذي قويت حجته...نجد أن أتباع المذهب وخاصة المغاربة قد خالفوا اصل إمامهم يالنظر لغالبيتهم يقول الشيخ محمد النابغة بن عمر الغلاوي المتوفى سنة 1245 للهجرة :
ورجحوا ما شهر المغاربة *** والشمس بالمشرق ليست غاربه

فترى هنا أن المغاربة لا يعتدون إلا بقول مالكية المغرب : كالقابسي وابن أبي زيد والباجي واللخمي وابن العربي وابن رشد والمخزومي من كبار أصحاب مالك....دون نظرائهم المصريين والعراقيين....وهذا منهج بعيد عن العملية بل وفاسد...( للفائدة قال العلامة بوخبزة حفظه الله : أن مالكية الشرق أكثر موافقة للدليل وللإمام مالك من نظرائهم المغاربة)....

ومعنى المشهور عند المالكية في المغرب (أقصد المغرب العربي كاملا) هو ما ذكره الهلالي : الذي تجوز به الفتوى عندنا أربعة أشياء أحدها القول المتفق عليه في المذهب ثانيها القول الراجح وهو ما قوي دليله ثم إن المفتي أهلا للترجيح أفتى بما اقتضت القاعدة ترجيحه عنه وإلا قلد شيوخ المذهب في الراجح فافتى بما رجحوه.وثالثها المشهور وهو ما كثر قائله كما يناسب معناه لغة......" ثم قال :" ....وقيل المشهور ما قوي دليله فيكون مرادفا للراجح..."فترى أنه صاغ هذا القول بصيغة التمريض ...

أما السادة الظاهرية
حملة الشريعة وبقية سلف الأمة : فإن منهجهم في هذه المسألة أنه لا عبرة بأي قائل ولا عبرة بكثرة القائلين بل العبرة فقط بما قوي دليله عندهم وما دل عليه ظاهر اللفظ _ وظاهر اللفظ قد يكون خفيا بالمناسبة _ وما شهدت له لغة العرب ...
يقول ابن حزم رضي الله عنه : وإذا اختلف الناس على قولين فصاعدا وصح النص شاهدا لأحدهما فهو الحق...."
هذا إن كان خلافهم حول النص وصحته وفهمه...أما إن كان قياسا أو استحسانا أوغيرهما فإنهم لا يلتفتون لهذا القول أصلا...لأن هذه الأ صول التبعية مبنية على الظن وما بني على ظن فهو مظنون والله تعالى يقول :" وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" ولذلك تجد المحلى مملوءا بمثل هذه العبارة عند ذكر خلاف العلماء المجتهدين رحمهم الله : ...وهذا قياس والقياس كله باطل..." وما كانت صفته البظلان فهو باطل بالضرورة ...

والله تعالى أعلى وأحكم...
 

يوسف العطري

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
3 يناير 2008
المشاركات
8
شكر وتقدير

شكر وتقدير

جزاك الله خيرا على هذا الطرح والمناقشة والتحرير للأقوال والمسائل
بالله لفظك هذا سال من عسل * أم قد صببت على أفواهنا العسلا
أبا فراس واصل على هذا الطريق والإبداع
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جزاك الله خيرا على هذا الطرح والمناقشة والتحرير للأقوال والمسائل
بالله لفظك هذا سال من عسل * أم قد صببت على أفواهنا العسلا
أبا فراس واصل على هذا الطريق والإبداع
وإياك يا أبا أنس

جعلني الله عند حسن ظنك وغفر لي ما لا تعلم، وزادني الله وإياك علما وعملا
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يرفع للفائدة، فالموضوعات المتأخرة لا تقرأ.
 
إنضم
5 نوفمبر 2009
المشاركات
17
التخصص
أصول الفقه
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الكتاب والسنة
رد: مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

مبارك علمكم وأسأل الرحمن أن يجزيكم الخير كله
 
إنضم
5 نوفمبر 2009
المشاركات
17
التخصص
أصول الفقه
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الكتاب والسنة
رد: مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

جعلنا الله فداكم يا علمائنا حفظكم الله تعالى وبارك في علمكم
 
إنضم
12 ديسمبر 2010
المشاركات
12
الكنية
أبو تمّام
التخصص
الفقه
المدينة
الأحساء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

أحسنَ الله إليك د. فؤاد، ونفع بك، وشكر لك..
حُسنُ عرضٍ وبديع تحليل، زاد النقول وضوحًا.
 
إنضم
12 ديسمبر 2010
المشاركات
12
الكنية
أبو تمّام
التخصص
الفقه
المدينة
الأحساء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

فقاعدة (مراعاة الخلاف) من جهتيها:
- الخروج من الخلاف قبل الفعل.
- مراعاته بعد الوقوع.
جارية في المذاهب، بين القلة والكثرة..

لكن ألم يلفت نظركم د. فؤاد أن بعض الأمثلة التي يوردها الفقهاء، أو الباحثون لهذه القاعدة، خصوصا من وجهها الأول: (الخروج من الخلاف)، قد تكون من باب (قبول الخلاف) لا الخروج منه أو مراعاته!.

بمعنى:
حينما يستشهدون بقول الإمام أحمد حينما سئل أيصلى خلف من لا يتوضأ من الحجامة أو الفصادة، فقال: أتريدني ألا أصلي خلف ابن المسيب أو مالك!.
أو نحوًا من هذه الحادثة.

فأظن ألا مدخل هنا للقاعدة، فهو لم ينظر لدليله، أو لدليل خصمه، إنما أجرى ذلك على ما جرى به العمل عند الأئمة من جواز الصلاة خلف المخالف في الفروع، فالفقهاء كانوا ينصّون عند بعض المسائل التي يترتب عليها بطلانٌ في مذهب، وعدمُ بطلان في مذهب آخر بقاعدة نفيسة هي:
"أن ما كان من شروط صحة الصلاة، فالعبرة فيه بمذهب الإمام، وما كان من شروط صحة الاقتداء فالعبرة فيه بمذهب المأموم".
فالحنبلي الذي يرى وجوب الوضوء من الحجامة، أو من أكل لحم الجزور، لا حرج عليه في الصلاة خلف المالكي القائل بعدم الوضوء منهما!

فهاهنا لم تتم عملية لمراعاة الخلاف، فيما يظهر

أما شروط صحة الاقتداء فهذا الأمر مما يختلف فيه بين المذاهب، فالمرأة المالكية التي لا ترى جواز الاقتداء بامرأة مثلها، لا تصلي خلف الشافعية المجيزة لذلك مثلا.
والمالكي الذي لا يرى جواز الاقتداء بصبي في الفرض، أو عدم جواز الاقتداء بإمام يخالفه في النية، كظهر خلف عصر..
 
إنضم
12 ديسمبر 2010
المشاركات
12
الكنية
أبو تمّام
التخصص
الفقه
المدينة
الأحساء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: مراعاة الخلاف الخروج من الخلاف: كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير

فالذي يظهر لي أن الفقهاء السابقين كانوا يوجهون الناس لقبول الخلاف، لا مراعاته،
خصوصا في جانب العبادات، وإلا لوقع الناس في حرج كبير ومشقة شديدة، بأن يبحث الإنسان عن صفة كاملة في العبادة، مقبولة عند جميع الفقهاء!.

فقاعدة: ما كان من شروط صحة الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام.
دليل على سعة الإسلام، ورحابة الفقه..
دون اضطرار لأن يراعي أحدٌ قول الأخر، كيلا تضطرب الأصول، وتقع الفوضى في الأقوال..

نفع الله بكم..
 
أعلى