رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!
بارك الله فيك.
لكن قد جاء من النصوص ما يدل على أن الأمر يتجاوز المخالفة.
مثل ؟
استدل القائل بإباحة حلق اللحى: بأن كثيرا من الأوامر التي جاءت للمخالفة: كان الحكم فيها للندب والاستحباب، فيكون الأصل في هذا الباب هو الاستحباب.
والجواب: أن منها ما كان لمجرد المخالفة في الصورة؛ فمثلا: «إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم»، و«إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم»، فهذه النصوص ونحوها ظاهر أن المقصود بها المخالفة؛ ولذا كان التعليل فيها صريحا بالمخالفة، ومن هنا تقدمت علة الحكم وهي أن اليهود لا يفعلون، وأن نخالفهم في ذلك، فالمخالفة هنا هي المقصد الأول، ولذا لم تكن الصلاة في النعال مستحبة إذا لم تتحقق بها المخالفة، أما صبغ الشيب فهو في موضع الاستحباب – لنصوص أخر - ما لم تتحقق المخالفة فيرقى الحكم إلى الوجوب؛ بخلاف الأمر في اللحية فإن الأمر بها لم يأت على هذا النظم من ترتيب الحكم على المخالفة، وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.
ظاهر كلامك ان الأمر يغلظ بالمخالفة ، أليس كذلك ؟
وظاهره أن الأمر هو للوجوب ولو لم يكن فيه ذكر المخالفة بل المخالفة لا تدل على شيء عندكم ؟ وهذا فيه نظر ، فالأمر للاستحاب لأنه جاء لمعنى الآداب وهو صريح لفظكم أن الإعفاء والإحفاء إنما هو لتحسين الهيئة ، إلا إذا كنت ترى أن ذلك ليس قرينة لصرف الأمر ، فلك ذلك ، لكن ثمة شيء آخر وهو الإجماع على إستحباب الإحفاء ، الإحفاء والإعفاء جاءا في سياق واحد ، نعم ، هذا من دلالة الإقتران لكن ما كل دلالتها ضعيفة كما هو معلوم.
ثم آخر كلمك :
وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.
تأمل في العبارة الأخيرة أراها مناقضة للعبارة الاولى الملونة.
على العبارة الاولى أن الحف والإعفاء مقصد أصلي ففيه نظر فالأحكام لا تكون مقاصد ، فكون الشارع يأمر بالصوم ، بالصلاة ، بالحلق ، بالإعفاء .. وهذا ليس مقصدا. فإن قلت تحسين الصورة فهذا لا يكون مقصدا أصلية بتاتا ، إنما هو مقصد تكميلي أو جزئي ، لذا كل ما كان تحت هذا المقصد هو مستحب لا غير ومنه الترجل وغيره.
ثم ما الضابط للتقدم والتاخر عندكم لكي يتميز للناظر الفروع المعلقة بالمخالفة أهي أصلية أم فرعية ؟ وأحسب أن ضبطه فيه عسر.
ثم معلوم أن المقاصد غالبا ما تكون للعلل الظاهرة للنص أو المستنبطة ، ولا شك ان الظاهرة لا يعدل عنها . فنصوص اللحية كلها جاءت إما مطلقة أو معللة بالمخالفة ، لماذا عدلت عن العلة المنصوص إلى علة استنبطتها ليست في النص لا من قريب ولا من بعيد ؟ ولو قلت ان المخالفة مقصد أصلي وتحسين الصورة مقصد تابع كان أفضل.
يبقى - هو محل خليق بالنظر فيه وأحسبه لب الموضوع - هل المخالفة واجبة أو مستحبة ؟
وهل يصح حديث " من تشبه بقوم فهو منهم " ؟
إن صح الحديث فلا شك بحرمتها ، لكن الحديث ضعيف وإن جوده شيخ الإسلام ، فتكون اللحية من مخالفاتهم في عاداتهم وهو أمر مستحب وحلقها مكروه. والله أعلم .