العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!
امتدادا لسلسلة الشيخ الفاضل أبي بكر باجنيد، "وسط بين طرفين"، فهذه حلقة اعتراضية لعلها تصلح بين الطرفين، فيتماهى الطرفان في الوسط، وثمة ضيف جديد اسمه "الطرف الثالث" تكتمل به أضلاع المثلث لمحاصرة الوسط بدقة وإحكام!.

الأطراف الثلاثة:

  1. طرف: يبيح حلق اللحية.
  2. طرف: يحرم أخذ شيء من اللحية.
  3. طرف: يوجب قص ما زاد عن القبضة.

والوسط:

  1. يجب إعفاء اللحى.
  2. يجوز الأخذ منها إما بما زاد عن القبضة وإما بلا حد إذا حصل الإعفاء وتحقق مسمى اللحية.
  3. هذا ما يتفق مع منطوق النصوص بدلالات اللغة، وعليه جرى عمل الصحابة والسلف، وعلى وَفقه سُطِّرت تقريرات الفقهاء.

  • هذه المسألة شائعة بين المعاصرين، وكثر فيها القيل والقال، وحضر فيها البرهان والإنكار، ولم تكن كذلك فيما تقدم من الأعصر، ولعل سبب ذلك هو بروز الأطراف الثلاثة دفعة واحدة! الطرف الذي يجنح إلى الحلق استئصالا! والطرف الذي يمنع الأخذ بالمرة! والطرف الذي يوجب الأخذ عند القبضة! فكانت هذه الأضلاع الثلاثة رحما لولادة هذه الكتابة: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف! ([1]).
  • لعل هذه المقدمة بما فيها من سفور قد هتكت ستر أوراقي مبكرا!.
  • سيكون إنزال البحث على عدة حلقات إن شاء الله تعالى.

 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة الثانية: تحتم إعفاء اللحى

  • جاءت النصوص صريحة:

  1. بإعفاء اللحى([1]) (من رواية ابن عمر رضي الله عنه).
  2. وتوفيرها([2])، وتوفيتها([3]) (من رواية ابن عمر رضي الله عنه).
  3. وإرخائها([4])، وإرجائها([5])(من رواية أبي هريرة رضي الله عنه).



  • حكى جماعةٌ من أهل العلم: الإجماع على تحريم حلق اللحية، أشهرهم:

  1. ابن حزم: (اتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثلة لا تجوز)([6]).
  2. ابن القطان: والتزم عبارة ابن حزم السابقة([7]).
  3. ابن تيمية: (يُحرم حلقها للأحاديث الصحيحة، ولم يُبحه أحد)([8]).
  4. الكمال ابن الهمام: (أما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد)([9]).

وقد ارتضى أهلُ العلم
: نقل هذه الإجماعات عنهم، وتداولوها في كتب المذاهب وسائر الشروح من غير تعقب أو استدراك.
وهؤلاء الأربعة: من أعيان العلماء المشرفين على الخلاف، والمطلعين على كتب المذاهب، والمعتنين بمسائل الإجماع.
وقد ذكر الونشريسي في "المعيار المعرب" أن الشيوخ يقولون: إن أصح الإجماعات هي إجماعات ابن حزم([10]).
لاسيما فيما لم يتعقبه ابن تيمية في نقده على مراتب الإجماع، كما هو الحال في هذه المسألة.

  • وقد جاء الروايات متواترة عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعفون لحاهم، جاء ذلك عن ستة عشر نفسا منهم، ولا مخالف لهم([11]).
نذكر منها:

  1. عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: (رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبا أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معدي كرب الكندي، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة)([12]).
  2. عن عثمان بن عبيد الله بن رافع: (أنه رأى أبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وسلمة بن الأكوع وأبا سعيد البدري ورافع بن خديج وأنس بن مالك رضي الله عنهم يأخذون من الشوارب كأخذ الحلق، ويعفون اللحى وينتفون الآباط)([13]).

  • عن إسماعيل بن أبي خالد قال: (رأيت أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع يحفيان شواربهما ويعفيان لحاهما ويصفرانها)([14]).



  • وعلى ذلك أمر المسلمين: فقد كانوا على أمر واحد لا يختلف ولا ينقسم وهو إعفاء اللحى وعدم حلقها، وعلى ذلك سارت حقب المسلمين في القرون المفضلة، وما تلاها، ولا يحفظ عن أحدٍ من الصحابة والتابعين أو من أعيان الفقهاء والمحدثين أنه كان يحلق لحيته.



  • نص جمهور فقهاء المذاهب: على تحريم حلق اللحية: الحنفية([15])، والمالكية([16])، والحنابلة([17])، ونص عليه الشافعي في الأم([18])، واختاره جماعة من أصحابه([19]).



  • استقر مذهب الشافعية: على كراهة حلق اللحية، وهو اختيار الشيخين: الرافعي والنووي([20])، وثمة عبارات عن أهل العلم تفيد عدم تحتم الإعفاء، جاء ذلك عن الخطابي([21])، وابن مفلح([22])، إلا أنها لا تقف أمام هذه النصوص والإجماعات.


([1]) عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى» أخرجه مسلم (رقم 259)، وأخرجه البخاري بلفظ: «أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى» صحيح البخاري (رقم 5893).

([2]) عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب» أخرجه البخاري (رقم 892 ).
والمراد بالمشركين هاهنا: المجوس كما هو المشهور عنهم؛ فإنهم هم الذين يحلقون لحاهم ويقصرونها ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه التنصيص على مخالفة المجوس، وقد يقال: ربما كان بعض المشركين يحلق لحاهم، أو أن الأمر بالمخالفة في الجملة أي كان المشركين يعفون لحاهم وشواربهم، فأمرنا بمخالفتهم بإعفاء اللحى دون الشوارب. ينظر: تخريج أحاديث الإحياء للعراقي (ص: 166)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 46).

([3]) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى» أخرجه مسلم (رقم 259).

([4]) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس» أخرجه مسلم (رقم 524).

([5]) قال النووي: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: «وأرخوا» فهو أيضا بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة ومعناه: اتركوها ولا تتعرضوا لها بتغيير وذكر القاضي عياض أنه وقع في رواية الأكثرين كما ذكرنا وأنه وقع عند ابن ماهان: «أرجوا» بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت الهمزة تخفيفا ومعناه أخروها اتركوها). شرح النووي على مسلم (3/ 151).

([6]) مراتب الإجماع (ص: 157).

([7]) الإقناع في مسائل الإجماع (2/3953).

([8]) الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم (1/ 46).

([9]) فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348)، ونقله عنه ابن عابدين في الحاشية، وكثير من الباحثين يضيف الإجماع إلى ابن عابدين مع كونه ناقلا عن ابن الهمام (2/418).

([10]) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب لأحمد بن يحيى الونشريسي (12/32).

([11]) اللحية دراسة حديثية فقهية للجديع ص 138

([12]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 151)، وجوده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 301 رقم 8852)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (9/53).

([13]) أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 241 رقم 668).

([14]) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 231).

([15]) يجب إعفاء اللحية عند الحنفية حتى تكث وتكثر، وما بعد القبضة فيقص إما على الوجوب أو السنية على طريقتين مشهورتين عندهم.
قال الموصلي: (قال محمد عن أبي حنيفة: تركها حتى تكثّ وتكثر، والتقصير فيها سنة، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد على قبضته قطعه لأن اللحية زينة وكثرتها من كمال الزينة وطولها الفاحش خلاف للسنة). الاختيار لتعليل المختار (4/178).
وقال الزيلعي: (الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر والسنة قدر القبضة فما زاد قطعه). تبيين الحقائق (2/55).
وقال الكمال ابن الهمام بعد إيراده آثار ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه في أخذ ما فضل عن القبضة: (فيأخذ ما فضل عن القبضة فأقل ما في الباب إن لم يحمل على النسخ كما هو أصلنا في عمل الراوي على خلاف مرويه مع أنه روي عن غير الراوي وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم كما يشاهد في الهنود وبعض أجناس الفرنج، فيقع بذلك الجمع بين الروايات، ويؤيد إرادة هذا ما في مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام-: «جزوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المجوس»، فهذه الجملة واقعة موقع التعليل. وأما الأخذ منها وهي دون ذلك، كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد). فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348)، وينظر: حاشية ابن عابدين (2/418).

([16]) يحرم حلق اللحية عند المالكية، ويؤدب فاعله. مواهب الجليل (1/ 313) منح الجليل شرح مختصر خليل (1/82).

([17]) توارد الحنابلة على نقل تحريم حلق اللحية عن ابن تيمية، ومنهم ابن مفلح في "الفروع"، على أنه نص في "الآداب" على السنية.
قال ابن مفلح: (يعفي لحيته، وفي المذهب ما لم يستهجن طولها "و م" ويحرم حلقها ذكره شيخنا. ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ونصه لا بأس بأخذه وما تحت حلقه لفعل ابن عمر، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر، رواه البخاري، وفي المستوعب وتركه أولى. وقيل يكره). الفروع (1/ 151).
وقال: (يسن أن يعفي لحيته، وقيل: قدر قبضته. وله أخذ ما زاد عنها وتركه، نص عليه. وقيل: تركه أولى). الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 329)، وينظر: الاختيارات الفقهية (ص: 388)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (3/629)، حاشية الروض المربع (1/ 163، 7/ 350)، المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 26).

([18]) قال الشافعي: (ولو حلقه حلاق فنبت شعره كما كان أو أجود لم يكن عليه شيء والحلاق ليس بجناية لأن فيه نسكا في الرأس وليس فيه كثير ألم وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس فيه كثير ألم ولا ذهاب شعر لأنه يستخلف ولو استخلف الشعر ناقصا أو لم يستخلف كانت فيه حكومة). الأم للشافعي (6/88).
وقال: (وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربيه حتى يضع من شعره شيئا لله وإن لم يفعل فلا شيء عليه لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية). الأم للشافعي (2/ 232).
وقال الهيتمي: (قال الشيخان – يعني الرافعي والنووي- يكره حلق اللحية واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - نص في الأم على التحريم قال الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة وقال الأذرعي الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها كما يفعله القلندرية). تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 376).

([19]) وهم: القفال الشاشي، والحليمي، وابن الرفعة، والأذرعي. تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 376).

([20]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 376)، فتاوى الرملي (4/ 69)، حاشية البجيرمي على الخطيب (4/346).

([21]) قال الخطابي: (هو توفيرها وتركها بلا قص: كره لنا قصها كفعل الأعاجم: قال وكان من زي كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب). المجموع شرح المهذب (1/ 290).

([22]) قال ابن مفلح: (يسن أن يعفي لحيته، وقيل: قدر قبضته. وله أخذ ما زاد عنها وتركه، نص عليه. وقيل: تركه أولى). الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 329).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة الثالثة
ضابط ما يحصل به الإعفاء

جمهور السلف والخلف على جواز الأخذ من اللحية بعد إعفائها، وقد صرحوا بذلك نطقا، وطبقوه فعلا.
ثم اختلفوا في حدِّه على اتجاهات شتى:
الاتجاه الأول: أن حده بمقدار القبضة، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة([1])، وهو اختيار ابن بطال([2])، وذلك استنادا إلى أثرين عن ابن عمر([3]) وأبي هريرة رضي الله عنهم([4]).
الاتجاه الثاني: أن حد إعفاء اللحية أن تكث وتكثر، فإن بلغ القبضة فيجب أو يسن الأخذ، وهذا مذهب الحنفية([5]).
الاتجاه الثالث: عدم التحديد، فيجب الإعفاء، ويجوز الأخذ، وكأن العبرة بحصول مسمى اللحية إعفاء وتوفيرا، وهذا مذهب المالكية([6])، وبه قال إبراهيم النخعي([7])، وطاووس([8])، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين([9])، وعطاء([10])، وقتادة([11])، وهو اختيار الطبري([12])، والباجي([13])، والغزالي([14])، وابن رشد الجد([15])، والقاضي عياض([16])، وابن التين([17])، وأبي العباس القرطبي([18])، والطيبي([19])، وابن حجر([20])، والزُرْقاني([21]).
وحكاه إبراهيم النخعي عن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه:
فعن إبراهيم، قال: (كانوا يبطنون لحاهم ويأخذون من عوارضها)([22]).
وعنه أيضا: (كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني اللحية)([23]).
قال الألباني: (الظاهر أنه يعني من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين وأجلائهم، كالأسود بن يزيد - وهو خاله - وشريح القاضي، ومسروق وأبي زرعة - وهو الراوي لأثر أبي هريرة المذكور آنفاً - وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود)([24]).
الاتجاه الرابع: تقييد الأخذ في النسك، كما هو الوارد في حديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهم([25])، وحكاه عطاء بن أبي رباح عمن قبله: (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة)([26])، وكان يفعله القاسم([27]).
هذه هي الاتجاهات المشهورة في المسألة:

  • ومنهم من اقتصر على ذكر الخلاف، كما هو حال الشافعية([28]).
  • وقد رخص أكثر هؤلاء بأخذ ما فحش منها، وما شذ وطال وتطاير من أطرافها من طولها وعرضها سواء بلغت القبضة أو لم تبلغ ([29]).
  • وهذا كله اجتهاد من أهل العلم بما يحصل به الإعفاء، والأمر فيها قريب، فمن حده بأن لا يفحش أو أن يأخذ من طولها وعرضها، فهذا مقدار يكاد يكون متفقا عليه بين مذاهب الفقهاء فإن أخذ ما تفاحش منها، وما شذ من طولها وعرضها لا ينافي الأمر بالإعفاء، كما أن الأخذ بما فضل عن القبضة لا ينافي الأمر بالإعفاء؛ فإنه إذا أعفى لحيته إلى مقدار القبضة فإنه بذلك قد أعفى لحيته وأتمها ووفرها ووفاها.
  • التحديد بالقبضة هو اجتهاد في تعيين ما يحصل به الإعفاء، وقد عمل بذلك طبقات عديدة من السلف من غير نكير، ولا يعني هذا بالضرورة أن الأخذ من دون القبضة محظور كحظر حلق اللحية؛ فإنه قد جاء إطلاق الأخذ من اللحية عن جماعة من السلف من غير تقييد بالقبضة، فيدل على عدم منافاته للإعفاء، أيا كان فهو اجتهاد جزئي بين أعيان المجتهدين بما يحصل به الإعفاء.
  • قد يقال: إن القبضة ليس المراد منها تحديد مقدار الأخذ، وإنما الإمساك باللحية من أجل الأخذ من أطرافها بالسوية، فالقبضة أداة لتسوية اللحية لا لتحديد مقدار أخذها([30]).
  • تقييد الأخذ من اللحية بما كان في النسك ليس بذاك الظهور؛ فإنه وإن كان واردا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، كابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهم إلا أنه كان لمناسبة لا تخص الحكم بالنسك؛ فإن المحرم في الحج والعمرة محظور عليه الأخذ من الشعر، ومنه شعر اللحية، لأنه مما يرتفق به، فكان ممنوعا منه كشعر الرأس([31])، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة خلافا لأهل الظاهر، فلما كان المحرم ممنوعا في نسكه من الأخذ من لحيته، وهم يأتون من أسفار طويلة ناسب أن يأخذوا منها بعد النسك بما يزيل شعثهم وتفثهم([32]).

  • ويدل لذلك ثلاثة آثار:
الأثر الأول: عن نافع: (أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج)([33]).
وجه الدلالة: أن هذا الأثر يدل على أن ابن عمر رضي الله عنه كان يأخذ من لحيته في غير الحج، إلا أنه إذا أراد الحج وأفطر من رمضان فإنه يمسك عن الأخذ من لحيته ورأسه حتى يحج طلبا لمزيد الشعث المطلوب في الحج.
وقد اعتبر الإمام مالك أن الأمر في هذا واسع إن شاء الله تعالى، إلا أنه ليس على ذلك أمر الناس، ولما فيه من المشقة القوية من طول التشعث والامتناع مدة طويلة عن الأخذ من الشعر قبل الإحرام([34]).
الأثر الثاني: عن مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله بن عمر: (أنه كان إذا اراد أن يحرم دعا الجلَمين([35]) فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب، وقبل أن يهل محرما)([36]).
وجه الدلالة: أن سالما – وهو ابن عبد الله بن عمر – كان يأخذ من لحيته وشاربه قبل أن يحرم نظير أخذ المحرم مما يخشى طوله في النسك، فهذا يفيد أن شعر اللحية مما يؤخذ منه عادة إذا طال، وأن الأخذ منها بعد النسك إنما كان بسبب الامتناع من الأخذ منه فترة النسك.
الأثر الثالث: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم}: قال: (التفث: الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية)([37]).
وجاء هذا التفسير عن اثنين من تلامذته، ومن المشهورين بالتفسير:

  1. مجاهد([38]).
  2. ومحمد بن كعب القرضي([39]).
قال الألباني: (مجاهد، ومحمد بن كعب من أجلة التابعين المكثرين من الرواية عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، والآخذين العلم عنه والتفسير، ولعلهما تلقيا منه تفسير آية الحج هذه)([40]).
قلت: هذه الأثر كان يشكل عليَّ؛ إذ كيف يعدُّ ابن عباس رضي الله عنه الأخذَ من اللحية من التفث الذي يؤخذ عند التحلل مقرونا بالأخذ من الأظفار والشارب، وكان مقررا عندي عدم جواز الأخذ من اللحية مطلقا!([41]).
ولهذا أهمل جماعة من الفقهاء: الأخذ بوصف النسك وإن اعتبروا منه جواز الأخذ، بينما اعتبر وصفَ النسك آخرون كما سبق بيانه.
وعلى القائلين بتقييد الأخذ من اللحية في النسك: أن يكشفوا لنا عن العلة المناسبة للأخذ من اللحية في النسك مع كونه محظورا عليه – عندهم - الأخذ منها في غير النسك؟([42]).

  • وكخلاصة لما سبق:
وردت ثلاثة أوصاف في مجموع آثار الصحابة رضي الله عنهم (ابن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس رضي الله عنهم):
الوصف الأول: الأخذ من اللحية.
الوصف الثاني: الأخذ بمقدار القبضة.
الوصف الثالث: الأخذ في النسك.
وقد أجمعوا: على الوصف الأول، وهو الأخذ من اللحية.
واختلفوا في الوصفين الآخرين:
فذُكِر وصف القبضة: عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وذُكِر وصف النسك: عن ابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهم.
وكما اتفق هؤلاء الصحابة على الوصف الأول، فقد أطبق جل الفقهاء عليه، وهو الأخذ من اللحية بعد إعفائها، ثم اختلفوا في اعتبار الوصفين الآخرين (النسك، القبضة) نظير اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في اعتبارهما.



([1]) عن حرب قال: (سئل أحمد عن الأخذ من اللحية؟ قال: كان ابن عمر يأخذ ما زاد عن القبضة. وكأنه ذهب إليه، قلت له : ما الإعفاء ؟ قال : كأن هذا عنده الإعفاء). كتاب الوقوف والترجل للخلال ص129.
وعن ابن هانئ قال: (سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه؟ قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة. قلت: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى»؟ قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه. ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه). مسائل ابن هانئ (2/151)، كتاب الوقوف والترجل للخلال ص130.
وعن عبد الله بن حنبل قال: (حدثني أبي قال: قال أبو عبد الله: ويأخذ من عارضيه ولا يأخذ من الطول، وكان ابن عمر يأخذ من عارضيه إذا حلق رأسه في حج أو عمرة لا بأس بذلك). الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد ص130. وينظر: الفروع (1/ 151)، الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 329)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (3/629)، حاشية الروض المربع (1/ 163، 7/ 350).

([2]) قال ابن بطال: (الصواب أن يقال: إن قوله عليه السلام: «أعفوا اللحى» على عمومه إلا ما خص من ذلك، وقد روى عنه حديث في إسناده نظر أن ذلك على الخصوص، وأن من اللحى ما الحق فيه ترك إعفائه، وذلك ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس وخرج عن الغالب فيهم، روى مروان بن معاوية، عن سعيد بن أبى راشد المكي، عن أبى جعفر محمد بن على قال: (كان رسول الله يأخذ اللحية، فما طلع على الكف جزه) ، وهذا الحديث وإن كان في إسناده نظر فهو جميل من الأمر وحسن من الفعال). شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 147).

([3]) عن نافع قال: (كان ابن عمر: «إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه» أخرجه البخاري (رقم 5892).
وعن مروان بن سالم المقفع قال: (رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف) أخرجه أبو داود (رقم 2359)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم 2355).
وعن نافع: (أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج).
وفي لفظ: (أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه).
وفي لفظ: (أنه كان إذا حلق في الحج أو العمرة قبض على لحيته ثم أمر فسوى أطراف لحيته).
وفي لفظ: (كان ابن عمر يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة).
وفي لفظ: (أخذ بلحيته فمدها فإذا بقي بيده شيء من طولها أخذه).
وعن نافع: (ترك ابن عمر الحلق مرة أو مرتين فقصر نواحي مؤخر رأسه، وكان أصلع، قال ابن جريج: فقلت لنافع: أفمن اللحية؟ قال: كان يأخذ من أطرافها).
وهذه آثار صحيحة ينظر في تخريجها: اللحية دراسة حديثية فقهية للجديع ص 130.

([4]) عن أبي زرعة، قال: (كان أبو هريرة يقبض على لحيته، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25992)، وصححه الألباني على شرط مسلم في سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم 2355).

([5]) للحنفية طريقتان في استحباب أو إيجاب قص ما فضل عن القبضة، أما إعفاء اللحية فيحصل بتكثيرها. الاختيار لتعليل المختار (4/178)، تبيين الحقائق (2/55)، فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348)، حاشية ابن عابدين (2/418).

([6]) قال أبو زيد القيرواني: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص قال مالك: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين). الرسالة للقيرواني (ص: 156).
وقال ابن عبد البر: (روى أصبغ عن ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول: لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ، وقال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر). الاستذكار (8/ 429).
وقال صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري: (المعروف لا حد للأخذ منها إلا أنه لا يتركها لنحو الشهرة). الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 683)، وينظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 445).
وقال العدوي: (المعروف منهما أنه لا حد للأخذ أي فيقتصر على ما تحسن به الهيئة). حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/445).

([7]) عن منصور قال: (كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25993)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441، 442).
وعن إبراهيم، أنه قال: (لا بأس أن يأخذ الرجل من لحيته، ما لم يتشبه بأهل الشرك) أخرجه أبو يوسف في الآثار (ص 235).
وعن منصور، عن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يبطنون لحاهم ويأخذون من عوارضها) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 26001).
وعن إبراهيم النخعي: (كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني اللحية) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 220رقم 6438)، وجود إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 440).

([8]) عن ابن طاووس عن أبيه: (أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه) أخرجه ابن أبي شيبة ( رقم 25994).
وعنه أيضا: (كان أبي يأمرني أن آخذ من هذا وأشار إلى باطن لحيته) أخرجه أحمد في الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص 130).

([9]) عن أبي هلال الراسبي قال: (سألت الحسن وابن سيرين -يعني عن اللحية- فقال: لا بأس أن تأخذ من طول لحيتك) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 26000)، قال ابن حجر: (عن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه). فتح الباري لابن حجر (10/350).

([10]) قال الطبري: (قال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كثرت، وعلة قائلي هذه المقالة: كراهية الشهرة في اللبس وغيره فكذلك الشهرة في شعر اللحية). شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/146، 147)، وينظر: فتح الباري لابن حجر (10/350).

([11]) عن قتادة قال: (ما كانوا يأخذون من طولها إلا في حج أو عمرة كانوا يأخذون من العارضين) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 318)، وقال ابن عبد البر: (كان قتادة يأخذ من عارضيه). الاستذكار (8/ 429).

([12]) قصر الطبريُّ الخلافَ بين السلف في حد قص اللحية وقدرها، وضابط ذلك عنده ما لم يخرج عن عرف الناس، وهو ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس وخرج عن الغالب فيهم.
يقول الطبري: (فإن قلت: ما وجه قوله: اعفوا اللحى؟ وقد علمت أن الإعفاء الإكثار وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله: «اعفوا اللحى»، فيتفاحش طولا وعرضا، ويسمج حتى يصير للناس حديثا ومثلا، قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على خصوص هذا الخبر وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده، فقال بعضهم: حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا، وأن ينتشر عرضا فيقبح ذلك... وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، ولم يجدوا في ذلك حدا غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس، وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت كراهة الشهرة، وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/146، 147)، فتح الباري لابن حجر (10/350)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 46، 47).

([13]) قال الباجي: (يحتمل عندي أن يريد أن تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضا ليس بمأمور بتركه). المنتقى شرح الموطأ (7/266).
وقال في تفسير أخذ ابن عمر من لحيته وشاربه: (يريد أنه كان يقص منهما مع حلق رأسه وقد استحب ذلك مالك - رحمه الله - لأن الأخذ
منهما على وجه لا يغير الخلقة من الجمال والاستئصال لهما مثلة كحلق رأس المرأة فمنع من استئصالها أو أن يقع منهما ما يغير الخلقة ويؤدي
إلى المثلة وأما ما تزايد منها وخرج عن حد الجمال إلى حد التشعث وبقاؤه مثلة فإن أخذه مشروع فلما كانت من الشعور التي يجوز الأخذ منها تعلق بها حكم النسك على وجه الاستحباب). المنتقى شرح الموطأ (3/32).

([14]) قال الغزالي: (وقد اختلفوا فيما طال منها، فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس...والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب؛ فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين ... فإن التوسط في كل شيء حسن). إحياء علوم الدين (1/ 143).

([15]) قال ابن رشد الجد: (ما استحسنه مالك من أن يؤخذ من اللحى إذا طالت جدا حسن ليس فيه ما يخالف أمر النبي – عليه الصالة والسلام - بإعفائها، بل فيه ما يدل على ذلك بالمعنى، لأنه إنما أمر – صلى الله عليه وسلم - بإعفاء اللحى لأن حلقها أو قصها تشويه ومثله، وكذلك طولها نعما سماجة وشهرة، ولو ترك بعض الناس الأخذ من لحيته لانتهت إلى سرته أو إلى ما هو أسفل من ذلك، وذلك مما يستقبح). البيان والتحصيل (17/ 391).

([16]) قال القاضي عياض: (أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وقد اختلف السلف هل في ذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جداً، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة). إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (2/ 36).

([17]) قال ابن التين: (ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([18]) قال أبو العباس القرطبي: (لا يجوز حلقُها، ولا نتفُها ، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها وما يُشوِّهُ ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضًا فحسنٌ عند مالك وغيره من السلف). المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 139).

([19]) قال الطيبي: (المنهي عنه قصها كالأعاجم، أو وصلها كذنب الحمار). شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).

([20]) قال ابن حجر: (المنهي عنه الاستئصال، أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور). شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).
وقال: (الذي يظهر أن بن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([21]) قال الزُرْقاني: (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها بالسوية» "، أي ليقرب من التدوير من كل جانب ; لأن الاعتدال محبوب، والطول المفرط قد يشوه الخلق، ويطلق ألسنة المغتابين، ففعل ذلك مندوب ما لم ينته إلى تقصيص اللحية، وجعلها طاقات فيكره، أو يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء، فلا منافاة بين فعله وأمره ; لأنه في الأخذ منها لغير حاجة، أو لنحو تزين، وفعله فيما احتيج إليه لتشعث أو إفراط طول يتأذى به). شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).

([22]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 26001).

([23]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 220رقم 6438)، وجود إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 440).

([24]) سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([25]) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نُعفِّي السبال إلا في حج أو عمرة) أخرجه أبو داود ( رقم 4203)، وابن أبي شيبة (رقم 26016) بلفظ: (كنا نؤمر أن نوفي ...)، وحسنه ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (10/ 350)، ومعنى نعفِّي: أي نتركه وافرا، والسبال: هي ما طال من شعر اللحية. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: سبل)، فتح الباري لابن حجر (10/350).

([26]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25993)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441، 442).

([27]) عن أفلح بن حميد قال: (كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه). أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25996).

([28]) المجموع شرح المهذب (1/ 290)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 551).َ

([29]) نص فقهاء الحنفية أنه لا بأس بالأخذ من أطراف اللحية إذا طالت. البناية شرح الهداية (4/ 73)، حاشية ابن عابدين (2/418).
قال ابن عبد البر: (في أخذ ابن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز الأخذ من اللحية في غير الحج لأنه لو كان غير جائز ما جاز في الحج لأنهم أمروا أن يحلقوا أو يقصروا إذا حلوا محل حجهم ما نهوا عنه في حجهم وبن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أعفوا اللحى»، وهو أعلم بمعنى ما روى فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير والله أعلم). الاستذكار (4/ 317).

([30]) قال ابن التين: (ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([31]) العناية شرح الهداية (3/32).

([32]) قال ابن عبد البر: (في أخذ بن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز الأخذ من اللحية في غير الحج لأنه لو كان غير جائز ما جاز في الحج لأنهم أمروا أن يحلقوا أو يقصروا إذا حلوا محل حجهم ما نهوا عنه في حجهم). الاستذكار (4/ 317).
وقال الباجي: (لما كانت من الشعور التي يجوز الأخذ منها تعلق بها حكم النسك على وجه الاستحباب). المنتقى شرح الموطأ (3/32).
وقال ابن حجر: (الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([33]) أخرجه مالك في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 531 رقم 1178).

([34]) الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 531 رقم 1178)، الموطأ رواية أبي مصعب الزهري (1/ 538)، المنتقى شرح الموطأ (3/ 32)، شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 526).

([35]) الجَلَم: بفتحتين المقراض، والجلمان بلفظ التثنية مثله كما يقال فيه المقراض والمقراضان والقلم والقلمان ويجوز أن يجعل الجلمان والقلمان اسما واحدا على فعلان كالسرطان والدبران وتجعل النون حرف إعراب ويجوز أن يبقيا على بابهما في إعراب المثنى فيقال شريت الجلمين والقلمين. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (مادة: ج ل م).

([36]) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 532) (1/ 532 رقم 1183)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (5/377، 378 ).

([37]) عن عطاء بن أبي رباح قال: (كانوا يحبون أن يعفوا للحية إلا في حج أو عمرة) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 15917) والطبري في تفسيره (18/ 613)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (11/ 783، 13/ 441).

([38]) عن مجاهد في قوله تعالى في المناسك: {ثم ليقضوا تفثهم} قال: (حلق الرأس وحلق العانة وقص الأظفار وقص الشارب ورمي الجمار وقص اللحية) أخرجه ابن جرير في التفسير (18/ 613)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([39]) عن محمد بن كعب القرظي في تفسير الآية: (رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار) أخرجه ابن جرير في التفسير (18/ 612)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([40]) سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([41]) لو أننا نفعِّل ما نستشكله من العلم لكنا في حال خير مما نحن فيه، لكن تمشية المشكلات غدت دربا نافذا يسرِّب منه الشيوخ تلامذتهم؛ فإنهم في ضربة مزدوجة يتخلصون من تلميذهم وإشكالاته دفعة واحدة!

([42]) تأمل في اجتهاد غريب لطيف وقفت عليه، بما يدلك على أهمية إدراك فقه المسألة ومأخذها: (قال الكرماني: لعل بن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى: {محلقين رءوسكم ومقصرين} وخص ذلك من عموم قوله وفروا اللحى فحمله على حالة غير حالة النسك). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة الرابعة
(الطرف الأول: إباحة حلق اللحى)


طعن جماعة من المعاصرين: في دلالة الأمر بإعفاء اللحى على المشروعية، فضلا عن الوجوب، وذلك لأن علة الأمر بإعفاء اللحى هي مخالفة المجوس، وأنه كذلك ورد في الحديث، وأن مدار الروايات كلها ترجع إلى ربط الأمرين معا، وأن حلق اللحية قد شاع بين المسلمين، ولم يعد من خصائص الكفار، بل إن من الكفار من يعفي لحيته([1]).
وهذا ضعيف لأمور، أجملها فيما يلي:
أولا: أن اللحية كانت شائعة في بلاد العرب؛ بل لا يعرف عنهم حلق اللحى؛ فلو كان إعفاء اللحى ليس من الشريعة، لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتم، وحثنا بذلك على مخالفة جماعة من الكفار في ناحية أخرى؛ ولكان هذا خلاف البيان الذي كلف به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيه ترسيخا لعادة مباحة عند العرب، ورفع درجتها إلى الأمر الشرعي، وهي ليست كذلك، ومن تأمل في طريقة الشارع في تبيين أحكام ما كان من عادات الناس يومئذ: عرف تعذر الأمر الحتمي بعادة مستقرة لهم لا لغرض التشريع التأسيسي للحكم، وإنما لمجرد المخالفة.
ثانيا: لم يذكر القائلون بإناطة إعفاء اللحى على مخالفة الكفار: من قال بذلك من علماء المسلمين، فإن المدونات الفقهية والشروح الحديثية لم تلفت أدنى التفاتة إلى هذا القول ولو بطرف خفي! غاية ما لديهم إبراز عدة نصوص محدودة عن الفقهاء في ندبية الإعفاء، وهذه النصوص – على ندرتها – تؤكد حكم مشروعية اللحى، وأنها من المأمور بها شرعا، وأقصى ما فيها انحطاط رتبتها من رتبة الحتم والإيجاب إلى درجة الندب والاستحباب، وليس فيها إناطة أمر الندب بمخالفة الكفار، فهي نصوص تورد للتشويش على الإجماعات المحكية في حرمة حلق اللحى لا على إناطة حكم إعفاء اللحى بوقوع مخالفة الكفار.
ثالثا: الشأن في أمر اللحية يتعلق بشعار ظاهر في صورة المسلم وهيئته، وهو مدرجٌ في الفطرة نصا ومعنى([2])، وهو أحد الفروق الجوهرية بين الذكر والأنثى، وهو معتبر ضمن محاسن ما يتميز به الرجال، فكيف يأمر الشارع بأمر بهذا الظهور، وبألفاظ شتى، وفي مناسبات متعددة، ليس إلا من أجل مخالفة المجوس! وأين؟ في أرض فارس! ولا وجود لهم في المدينة البتة! إلا رجلين جاءا رسولين من كسرى!
هل من المناسب إناطة أمر يتعلق بهيئة المسلم وجمالة بمخالفة الكفار في بلاد المسلمين التي أعزها الله وفيها علو الدين وظهوره! والحال أن هؤلاء الكفار الذين أمرنا بمخالفتهم في بلاد أخرى؟
لو كانت المسألة مناطة بمجرد المخالفة لأمرنا بحلقها مخالفة للمشركين الذين كانوا يعفون لحاهم! وهم ظاهرون في بلاد العرب، وهم أولى بالتمايز عنهم من مجوس فارس!
ويمكن أن يقال: لم يقم مقتضى مخالفة الكفار في بلاد العرب، وهو الظهور والانتشار وعدم التمايز، فلو كان الأمر – لمجرد المخالفة في الصورة – لما أمر به الناس يومئذ، ولعلقه على حصول المخالفة، لكن لما كان إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى من الشريعة وهو في نهاية الحسن، ناسب الأمر به ابتداء، وتأكيد حكمه بمخالفة الكفار في الجملة، فمن سيما المسلمين التي يختصون بها إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى معا، وهم أيضا يخالفون غيرهم من الطوائف في كل واحدة منهما على حدة.
رابعا: مخالفة المجوس الواردة في الحديث هي علة مستقلة من جملة علل، يؤكد وجودُها الحكمَ، ولا يستقل به:

  • وليست هي علة تامة يتيمة تناط بها لحية المسلم! ثم تدار بها وجودا وعدما حلقا وقصا أو إعفاء وتحديدا! تنقاس درجتها بمقياس ريختر للحى الكفار!! وعديدهم كعديد الحصى!! في أصناف وألوان شتى!!
  • وليست هي أيضا علة مركبة، بحيث تكون علة مؤثرة، ينعدم الحكم بانعدامها، فالعلة المركبة لا تؤثر في بناء الحكم إلا إذا اجتمع أوصافها، والتأم أبعاضها، وما قام على وصفين فإنه يقعد إذا فات أحدهما.
خامسا: دخل كثير من الفرس والروم في الإسلام، واستمر عمل المسلمين المتوارث على إعفاء اللحى، ولم يحفظ عن أحدٍ من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين أنه كان يحلق لحيته، وإن وقع يوما فهو فلتة! وهو أندر من النادر نفسه!
وأنت ترى تهاوي أكبر إمبراطوريتين في الدنيا أمام جحافل جيوش أهل الإسلام شرقا وغربا ومع ذلك فإن الأئمة والمسلمين لم يلتفتوا - مع كل التغيرات الهائلة في تركيبة المجتمع اتساعا وعمقا- إلى النظر في تحقيق وجود المخالفة أو عدمها، بل أهملوا ذلك امتثالا لأمر الإعفاء الموافق للفطرة، وعلى هذا الفقهاء في كلمة واحدة لا يختلفون فيها، فإناطة الإعفاء على المخالفة هو من محدثات المعاصرين، غاية ما عند الفقهاء هو النظر إلى المخالفة في تفسير معنى الإعفاء، وأن المخالفة تحصل بإعفاء اللحية كلها أو غالبها من القص([3]).
والخلاصة: أطبق الفقهاء – في كلمة واحدة لا يختلفون فيها – على مشروعية إعفاء اللحى، وأجمعوا أمرهم على إهمال شأن المخالفة، وعامتهم على أن الأمر أمر وجوب، وأن حلق اللحى محظور، وحكى الأئمةُ الكبار المتخصصون في الإجماع والخلاف: اتفاقَ الأمة على ذلك، وسلمت إجماعاتهم المحكية من شوائب النقد والاستدراك.
سادسا: التعليل بالمخالفة يؤكد الحكم اليوم لشيوع حلق اللحى عند الكفار أكثر منه من ذي قبل، ففي السابق إنما كان يعرف عن المجوس في بلاد فارس، ونحو ذلك، أما اليوم فهو شائع، بل هو ماركة غريبة عن التقدم والتطور! حتى صار هو الأصل في بلاد الكفار في الأعم الأغلب، وقد تشبه بهم كثير من المسلمين، فحلقوا لحاهم وشواربهم دفعة واحدة!
وبطريقة أخرى: إذا كان الأمر بإعفاء اللحى مناطا بمخالفة المجوس في بلاد فارس مع أن أكثر الكفار يومئذ كانوا يعفون لحاهم؛ فلأن يجب اليوم إعفاء اللحى على المسلمين فإنه أولى وأحرى وآكد؛ وذلك لأن الأعم الأغلب من الكفار هو الحلق حتى صار شعارهم الذي لا يختلفون فيه، وهذه الطريقة تسمى في آداب البحث والجدل بالموجب، وهو التسليم بمقدمة الخصم، وأنها تقتضي خلاف دعواه.
سابعا: لو كان الأمر مناطا بمجرد المخالفة للكفار لم ينضبط الأمر بإعفاء اللحى وحف الشوارب، فمن الكفار من يعفي لحيته ومنهم من لا يعفي، ومنهم من يحف شواربه ومنهم من لا يحفها، وقد جاء الأمر الكريم بحف الشوارب وإعفاء اللحى مع شيوع الأمرين معا عند الكفار حلقا وإعفاء.
ثامنا: اقتران توفير اللحى بقص الشوارب في سائر النصوص، وليس قص الشارب قاصرا على مخالفة الكفار بإجماعنا وإجماعهم، وهذا يبين بوضوح لا لبس فيه أن بابهما واحد، ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة – من حيث الأصل- إلا أنها تكون قرينة مساعدة في الكشف عن فقه المسألة؛ لاسيما إذا تكاتفت مع أصول الباب، وتكشفت لها نوافذ الاعتبار.
تاسعا: نعم، جاء ما يدل على أن المقصود المخالفة وذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه([4]) في توفير العثانين([5])، وقص السبال([6])، وهذا الحديث صريح في اعتبار المخالفة، ولو لم يكن إلا هذا الحديث؛ لكان الحكم في إعفاء اللحى وقص الشوارب مثل الأمر في الصلاة بالنعال، لكن قد جاء من النصوص ما يدل على أن الأمر يتجاوز المخالفة.

  • استشكال وجوابه:
استدل القائل بإباحة حلق اللحى: بأن كثيرا من الأوامر التي جاءت للمخالفة: كان الحكم فيها للندب والاستحباب، فيكون الأصل في هذا الباب هو الاستحباب.
والجواب: أن منها ما كان لمجرد المخالفة في الصورة؛ فمثلا: «إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم»، و«إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم»، فهذه النصوص ونحوها ظاهر أن المقصود بها المخالفة؛ ولذا كان التعليل فيها صريحا بالمخالفة، ومن هنا تقدمت علة الحكم وهي أن اليهود لا يفعلون، وأن نخالفهم في ذلك، فالمخالفة هنا هي المقصد الأول، ولذا لم تكن الصلاة في النعال مستحبة إذا لم تتحقق بها المخالفة، أما صبغ الشيب فهو في موضع الاستحباب – لنصوص أخر - ما لم تتحقق المخالفة فيرقى الحكم إلى الوجوب؛ بخلاف الأمر في اللحية فإن الأمر بها لم يأت على هذا النظم من ترتيب الحكم على المخالفة، وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.



([1]) من المبالغات: تفسير الإعفاء بمعنى إصلاح ما شذ منها، يقول ابن حجر: (وقد أغرب ابن السيد فقال: حمل بعضهم قوله (أعفوا اللحى) على الأخذ منها بإصلاح ما شذ منها طولاً وعرضاً واستشهد بقول زهير "على آثار من ذهب العناء" وذهب الأكثر على أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب). فتح الباري لابن حجر (10/ 351).

([2]) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية...». أخرجه مسلم (رقم 525)، على أن هذا الحديث من جملة النصوص اليسيرة التي انتقدت على صحيح مسلم، فإن لم يصح الحديث فلا شك أن إعفاء اللحية من جملة الأمور التي هي من سنة الأنبياء، وقد أمر بها الشارع مقرونة بمسائل الفطرة كقص الشارب، وفيها تحسين لصورة المسلم، وهي تتفق مع ما قدره الله للذكور من إنبات الشعر في وجوههم خلافا للنساء، فأمروا بقص الشوارب لا حلقها، وبإعفاء اللحى وتكثيرها لا تركها مطلقا.
والخلاصة: أن إعفاء اللحى إن لم يكن من الفطرة نصا؛ فهو من الفطرة معنىً.
وقد قال البيضاوي: (الفطرة: السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليها)، ووصف السيوطي هذا التعريف بأنه أحسن ما قيل في تفسير الفطرة وأجمعه. فتح الباري لابن حجر (10/ 339) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/2814).

([3]) قال الكمال ابن الهمام: (يحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم كما يشاهد في الهنود وبعض أجناس الفرنج، فيقع بذلك الجمع بين الروايات). فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348).
وقال السندي: (إعفاء اللحية توفيرها وأن لا تقص كالشوارب، قيل: والمنهي قصها كصنع الأعاجم وشعار كثير من الكفرة فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولا ولا عرضا للإصلاح). حاشية السندي على سنن النسائي (1/18).

([4]) عن أبي أمامة قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلت: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلت: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب). أخرجه أحمد (رقم 22283).

([5]) العثانين: جمع عثنون، وهي اللحية. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عثن)، طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 77).

([6]) السبال: جمع سَبَلَة، وهي الشارب، وتطلق على الشعرات التي تحت اللحى، وما أسبل منها على الصدر. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: سبل).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة الخامسة
الطرف الثاني: حظر الأخذ من اللحية مطلقا



  • ذهب بعض المعاصرين: إلى حظر الأخذ من اللحية مطلقا([1])، واستدل على ذلك بنصوص الأمر بإعفاء اللحى، وأن معنى الإعفاء الترك، وأن فعل بعض الصحابة كابن عمر رضي الله عنه هو اجتهاد، إضافة إلى أنه مقيَّدٌ بالنسك.
  • إضافة إلى أن هذا المسلك مخالفة لمذاهب الفقهاء الأربعة كما سبق – وأقوال عامة الشراح – فهو أيضا مسلك ضعيف من حيث اللغة والأثر والنظر، وذلك لما يلي:
أولا: أن إعفاء الشعر في كتب اللغة هو التكثير وليس الترك، فالترك وإن كان من معاني الإعفاء، لكن المذكور في كتب اللغة في إعفاء الشعر بخصوصه هو التكثير.
نعم، تكثير الشعر فرع عن تركه وعدم حلقه، فهو مستلزم له، لكنه ليس تركا مطلقا.
والخلاصة: المعنى المباشر للإعفاء لغة هو التكثير، وهو من لوازم الترك([2]).
ثانيا: أن ابن عمر رضي الله عنهما راوي لفظ الإعفاء هو نفسه يروي الحديث بلفظ الإيفاء ولفظ التوفير([3]) وهو أعلم بمعنى ما روى([4])، فإما أنه روى الحديث بالمعنى، وإما أنه سمع الحديث بهذه الألفاظ، والأول أقرب، والإيفاء والتوفير أقرب إلى التكثير منه إلى الترك، فالمقصود لحية تامة موفرة تتحقق بها الزينة، وهو ما يتماشى مع لفظة الإعفاء بتفسيرها بالكثرة، وقد تفسر بمعنى الترك المسبب للكثرة والإيفاء والتوفير.
ثالثا: أن تفسير إعفاء اللحية بالترك المطلق مخالف لفهم الفقهاء لمعنى الإعفاء، فقد كرهوا تفاحش اللحية، وما يؤدي إلى الشهرة منها، وجواز أخذ ما شذ منها وطار، إضافة إلى إباحة أو استحباب أو إيجاب أخذ ما فضل عن القبضة.
رابعا: أخذ ابن عمر رضي الله عنه من لحيته فيها احتمالات:
الاحتمال الأول: أن لحية النبي صلى الله عليه وسلم كانت طويلة، وكانت فوق القبضة وأن ابن عمر خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والسؤال الذي يورد نفسه: هل يتصور هذا من ابن عمر رضي الله عنه المعروف بمبالغته في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في العادات؟ وقد أنكر عليه ذلك جمهورُ الصحابة.
هذه الصورة يشبه أن تكون متعذرة عادة لا نظير لها في صحيفة ابن عمر رضي الله عنه وسلسلة تتبعاته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره؛ فكيف والأخذ جاء عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحكاه عطاء عن الصحابة رضي الله عنهم، وحكاه إبراهيم النخعي عن أصحاب علي وابن مسعود رضي الله عنهم، فهذا أبعد وأبعد، فإنه لا يتصور أن يكون كل هؤلاء قد خالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إعفاء لحيته.
الاحتمال الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ من لحيته قدر القبضة، فتابعه ابن عمر رضي الله عنه على ذلك، كما تابعه في إحفاء الشارب، فعن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: (رأيتك تحفي شاربك؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه)([5]).
الاحتمال الثالث: أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت في حدود القبضة، وكان ابن عمر رضي الله عنه يعجبه أن يأخذ من لحيته ما يكون على هيئة لحية النبي صلى الله عليه وسلم.
وهاتان الصورتان محتملتان: ويؤكدهما أنه ثبت عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون من لحاهم، ولو كانت لحية النبي صلى الله عليه وسلم طويلة لا يأخذ منها لما جسروا على مخالفته، فقد كانوا النهاية في الاتباع والتأسي، رضي الله عنهم.
وبذلك ندرك: أن الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ شيئا من لحيته ضعيف، ويؤكد ذلك ما يلي:
أولا: أنه لم يأت في الخبر البتة لا من طريق صحيح ولا من ضعيف ما يفيد أنه عليه الصلاة كان لا يأخذ من لحيته، بخلاف الأخذ من لحيته عليه الصلاة والسلام، فقد جاء في حديث متكلم فيه عند الترمذي([6])، أشار إلى هذه النكتة الألباني رحمه الله([7]).
ثانيا أنه لم يثبت أن لحيته عليه الصلاة والسلام كان تطول بحيث يحتاج إلى الأخذ منها، ولم يحفظ عن أحد أنه وصف لحية النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كانت لحية طويلة.
ثالثا: ثبت وصف لحية النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كانت لحية كثة([8])، وهي لفظة تدل على غزارة وكثرة في قصر وعدم طول([9])، وهو ما يوافق وصفه بأنه كان كثير شعر اللحية([10]).
وما جاء من الروايات أن لحيته عليه الصلاة والسلام كان تملأ ما بين المنكبين حتى تكاد تملأ نحره([11])، أو أنها ضخمة([12])، أو أنهم يعرفون قراءته باضطراب لحيته في الصلاة؛ فإن ذلك كله لا ينافي أن تكون لحيته قدر القبضة أو أنها كثة، فهي لحية فيها غزارة وكثرة في قصر وعدم طول تملأ ما بين المنكبين وتكاد تملأ النحر، فالروايات يصدق بعضها بعضا.
وجرِّب، فضع قبضتك على ذقنك وقايس بينها وبين نحرك ومنكبيك تدرك ذلك بيقين.
خامسا: فهم الكمال ابن الهمام من التعليل بمخالفة المجوس في إعفاء اللحية أن المراد ليس الترك المطلق، وإنما المراد إعفاؤها من أخذ غالبها أو كلها كحال المجوس، فيجمع بذلك بين الحديث وفعل الصحابة، فهو تعليل للمخالفة، ويحمل في طياته تفسيرا لمعنى الإعفاء، فإنه بعدم الحلق تحصل مخالفة المجوس؛ فإنهم كانوا يحلقون لحاهم، ومخالفتهم تحصل بإطلاق ما يسمى لحية وافرة لم يؤخذ من غالبها([13]).
ولعل الكمال ابن الهمام: انتزع هذا المعنى من عبارة إبراهيم النخعي، الذي يدور عليه إسناد الكوفة الفقهي، قال إبراهيم: (لا بأس أن يأخذ الرجل من لحيته، ما لم يتشبه بأهل الشرك)([14]).
سادسا: أن أخذ جماعات من الصحابة والتابعين من لحاهم، يدل على تَعيُّن تفسير الإعفاء بالتكثير، والنص إذا احتمل معنيين لغة، وفهمه الصحابة والتابعون على أحد الوجهين، فإنه يَتعيَّن المصير إليه، فهم أرباب اللغة، وأهلها الأقدمون، لاسيما الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا النزيل.
سابعا: أن الأمر بإحفاء الشوارب وجزها وإنهاكها مقرونا بالأمر بإعفاء اللحى يدل على أن المراد ترك اللحية من الإحفاء والجز والإنهاك، لما في استئصالها من مخالفة الفطرة ومشابهة المجوس([15]).
ثامنا: ذكر فقهاء الحنفية –كالمرغيناني والبابرتي والكمال ابن الهمام- أن الأخذ من اللحية مقدار الربع معتاد بالعراق وأرض العرب وبعض أرض المغرب، ومع ذلك فلم يعرف النكير من أهل العلم في هذا، بما يدل على أنه يتوافق مع تقريرات في كتب المذاهب والشروح أنها لا تنافي الإعفاء، وأن الأخذ منها كان من فعل السلف، وأن المحظور حلقها أو أخذ غالبها بما يشبه فعل المجوس([16]).
تاسعا: آثار ونقولات:
آثار ونقولات في جواز الأخذ من اللحية في الجملة:
أولا: آثار الصحابة رضي الله عنهم:

  1. ابن عمر رضي الله عنهما:
عن نافع قال: (كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه)([17]).
وعن مروان بن سالم المقفع قال: (رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف)([18])
وعن نافع: (أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج)([19]).
وفي لفظ: (أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه)([20]).
وفي لفظ: (أنه كان إذا حلق في الحج أو العمرة قبض على لحيته ثم أمر فسوى أطراف لحيته)([21]).
وفي لفظ: (أخذ بلحيته فمدها فإذا بقي بيده شيء من طولها أخذه)([22]).
وعن نافع: (ترك ابن عمر الحلق مرة أو مرتين فقصر نواحي مؤخر رأسه، وكان أصلع، قال ابن جريج: فقلت لنافع: أفمن اللحية؟ قال: كان يأخذ من أطرافها)([23]).
وكل هذه الآثار صحيحة الإسناد([24]).
ثانيا: أبو هريرة رضي الله عنه:
عن أبي زرعة، قال: (كان أبو هريرة يقبض على لحيته، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة)([25]).
ثالثا: جابر بن عبدالله رضي الله عنه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نُعفِّي([26]) السبال إلا في حج أو عمرة)([27]).
رابعا: ابن عباس رضي الله عنهما:
عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم}: قال: (التفث: الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية)([28]).
وتبعه على هذا التفسير تلميذاه:

  1. مجاهد([29]).
  2. ومحمد بن كعب القرضي([30]).
ثانيا: آثار عن السلف:

  1. عن عطاء قال: (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة)([31]).
  2. قال الحسن: (كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها)([32]).
  3. عن أفلح، قال: (كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه)([33]).
  4. عن أبي هلال الراسبي قال: (سألت الحسن وابن سيرين فقالا: لابأس أن تأخذ من طول لحيتك)([34]).
  5. عن طاووس: (أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه)([35]).
  6. عن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يبطنون لحاهم([36]) ويأخذون من عوارضها)([37])
  7. عن إبراهيم النخعي: (كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني اللحية)([38]).
قال الألباني: (الظاهر أنه يعني من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين وأجلائهم، كالأسود بن يزيد - وهو خاله - وشريح القاضي، ومسروق وأبي زرعة - وهو الراوي لأثر أبي هريرة المذكور آنفاً - وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود)([39]).

  1. عن منصور قال: (كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته)([40]).
  2. وعن إبراهيم، أنه قال: (لا بأس أن يأخذ الرجل من لحيته، ما لم يتشبه بأهل الشرك)([41]).
  3. عن قتادة قال: (ما كانوا يأخذون من طولها إلا في حج أو عمرة كانوا يأخذون من العارضين)([42])
  4. عن أفلح بن حميد قال: (كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه)([43]).
ثالثا: أقوال الفقهاء:

  1. قال الطبري: (فإن قلت: ما وجه قوله: اعفوا اللحى؟ وقد علمت أن الإعفاء الإكثار وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله: «اعفوا اللحى»، فيتفاحش طولا وعرضا، ويسمج حتى يصير للناس حديثا ومثلا، قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على خصوص هذا الخبر وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده، فقال بعضهم: حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا، وأن ينتشر عرضا فيقبح ذلك... وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، ولم يجدوا في ذلك حدا غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس، وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت كراهة الشهرة، وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به)([44]).
  2. وقال أبو زيد القيرواني: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص قال مالك: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين)([45]).
  3. وقال ابن بطال: (من اللحى ما الحق فيه ترك إعفائه، وذلك ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس وخرج عن الغالب فيهم، روى مروان بن معاوية، عن سعيد بن أبى راشد المكى، عن أبى جعفر محمد بن على قال: (كان رسول الله يأخذ اللحية، فما طلع على الكف جزه) ، وهذا الحديث وإن كان في إسناده نظر فهو جميل من الأمر وحسن من الفعال)([46]).
  4. وقال ابن عبد البر: (روى أصبغ عن ابن القاسم قال: سمعت مالكا يقول: لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ، وقال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر)([47]).
  5. وقال الباجي: (يحتمل عندي أن يريد أن تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضا ليس بمأمور بتركه)([48]).
وقال في تفسير أخذ ابن عمر من لحيته وشاربه: (يريد أنه كان يقص منهما مع حلق رأسه وقد استحب ذلك مالك - رحمه الله - لأن الأخذ منهما على وجه لا يغير الخلقة من الجمال والاستئصال لهما مثلة كحلق رأس المرأة فمنع من استئصالها أو أن يقع منهما ما يغير الخلقة ويؤدي إلى المثلة وأما ما تزايد منها وخرج عن حد الجمال إلى حد التشعث وبقاؤه مثلة فإن أخذه مشروع فلما كانت من الشعور التي يجوز الأخذ منها تعلق بها حكم النسك على وجه الاستحباب)([49]).

  1. وقال الغزالي: (وقد اختلفوا فيما طال منها، فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس...والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب؛ فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين ... فإن التوسط في كل شيء حسن)([50]).
  2. وقال ابن رشد الجد: (ما استحسنه مالك من أن يؤخذ من اللحى إذا طالت جدا حسن ليس فيه ما يخالف أمر النبي – عليه الصالة والسلام - بإعفائها، بل فيه ما يدل على ذلك بالمعنى، لأنه إنما أمر – صلى الله عليه وسلم - بإعفاء اللحى لأن حلقها أو قصها تشويه ومثله، وكذلك طولها نعما سماجة وشهرة، ولو ترك بعض الناس الأخذ من لحيته لانتهت إلى سرته أو إلى ما هو أسفل من ذلك، وذلك مما يستقبح)([51]).
  3. وقال القاضي عياض: (أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وقد اختلف السلف هل في ذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جداً، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة)([52]).
  4. وقال ابن التين: (ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته)([53]).
  5. قال أبو العباس القرطبي: (لا يجوز حلقُها، ولا نتفُها ، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها وما يُشوِّهُ ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضًا فحسنٌ عند مالك وغيره من السلف)([54]).
  6. وقال الطيبي: (المنهي عنه قصها كالأعاجم، أو وصلها كذنب الحمار)([55]).
  7. وقال ابن حجر: (المنهي عنه الاستئصال، أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور)([56]).
وقال: (الذي يظهر أن بن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه)([57]).

  1. وقال الزُرْقاني: (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها بالسوية»، أي ليقرب من التدوير من كل جانب ; لأن الاعتدال محبوب، والطول المفرط قد يشوه الخلق، ويطلق ألسنة المغتابين، ففعل ذلك مندوب ما لم ينته إلى تقصيص اللحية، وجعلها طاقات فيكره، أو يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء، فلا منافاة بين فعله وأمره ; لأنه في الأخذ منها لغير حاجة، أو لنحو تزين، وفعله فيما احتيج إليه لتشعث أو إفراط طول يتأذى به)([58]).
  2. وقال صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري: (المعروف لا حد للأخذ منها إلا أنه لا يتركها لنحو الشهرة)([59]).
  3. وقال العدوي: (المعروف منهما أنه لا حد للأخذ أي فيقتصر على ما تحسن به الهيئة)([60]).
وقال سيد سابق: (إعفاء اللحية وتركها حتى تكثر، بحيث تكون مظهرا من مظاهر الوقار، فلا تقصر تقصيرا يكون قريبا من الحلق ولا تترك حتى تفحش، بل يحسن التوسط فإنه في كل شيء حسن، ثم إنها من تمام الرجولة، وكمال الفحولة)([61]).

([1]) وقد بالغ بعض الناس أكثر من ذلك، يقول ابن دقيق العيد: (لا أعلم أحداً فهم من الأمر في قوله: «أعفوا اللحى» تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس قال : وكأن الصارف عن ذلك قرينة السياق في قوله في نفس الخبر: «أحفو الشوارب» (فتح الباري لابن حجر (10/ 351).

([2]) قال البخاري في صحيحه: (باب إعفاء اللحى كثروا وكثرت أموالهم). صحيح البخاري (كتاب اللباس: باب إعفاء اللحى).
وقال ابن عبد البر: (وأما قوله: «واعفوا اللحى» فقال أبو عبيد: يعني وفروا اللحى لتكثر يقال فيه عفا الشعر إذا كثر). الاستذكار (8/ 429)، وينظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 266).
وقال البغوي: (وإعفاء اللحية: توفيرها، من قولك: عفا النبت: إذا طال، يعفو عفوا، ويقال: عفا الشيء، بمعنى: كثر، وأعفيت أنا، قال الله سبحانه وتعالى: {حتى عفوا} [الأعراف: 95] أي كثروا، ويقال في غير هذا: عفا الشيء: إذا درس وانمحى، وهو من الأضداد). شرح السنة للبغوي (12/ 108).
وقال ابن الأثير: (وفيه «أنه أمر بإعفاء اللحى» هو أن يوفر شعرها ولا يقص كالشوارب، من عفا الشيء إذا كثر وزاد. يقال: أعفيته وعفيته). النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عفا).
وقال ابن منظور: (عفا القوم كثروا وفي التنزيل: {حتى عفوا} أي كثروا وعفا النبت والشعر وغيره يعفو فهو عاف كثر وطال وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى هو أن يوفر شعرها ويكثر ولا يقصر كالشوارب من عفا الشيء إذا كثر وزاد). لسان العرب (مادة: عفا).
وقال ابن دقيق العيد: (تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب لأن حقيقة الإعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها). فتح الباري لابن حجر (10/ 351).

([3]) قال ابن حجر: (ذهب الأكثر على أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب). فتح الباري لابن حجر (10/ 351).

([4]) قال ابن عبد البر: (قد صح عن ابن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وهو أعلم بما روى). الاستذكار (8/ 430)
وقال: (ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أعفوا اللحى»، وهو أعلم بمعنى ما روى فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير والله أعلم). الاستذكار (4/ 317).

([5]) أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 449).

([6]) قال ابن باز: (أما ما رواه الترمذي رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها » فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد تشبث به بعض الناس , وهو خبر لا يصح; لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب). مجموع فتاوى ابن باز (4/ 443)

([7]) قال الألباني: (لا يوجد حديث صحيح ولا ضعيف في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ من لحيته، نعم، هناك حديث ضعيف في أنه كان يأخذ من لحيته من طولها ولا من عرضها فتأمل الفرق). سلسلة الأحاديث الضعيفة (5/ 378- 380).

([8]) عن البراء رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا عريض ما بين المنكبين كث اللحية تعلوه حمرة جمته إلى شحمتي أذنيه لقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت أحسن منه)). أخرجه النسائي (8/ 565 رقم 5247)، وجاء وصف لحيته عليه الصلاة بأنها كثة في حديث علي وابن مسعود وهند بن أبي هالة ، وحديث أم معبد رضي الله عنهم أجمعين.

([9]) قال ابن الأثير: (في صفته عليه الصلاة والسلام «كث اللحية» الكثاثة في اللحية: أن تكون غير رقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة). النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: كثث).
وقال ابن منظور: (في صفته صلى الله عليه وسلم أَنه كان كَثَّ اللحية أَراد كَثرةَ أُصولها وشعرها وأَنها ليست بدقيقة ولا طويلة وفيها كثافة). لسان العرب (مادة: كثث).

([10]) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية). أخرجه مسلم (رقم 2344).

([11]) عن يزيد الفارسي، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم زمن ابن عباس، قال: وكان يزيد يكتب المصاحف، قال: فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم قال ابن عباس: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم، فقد رآني " فهل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت؟ قال: قلت: نعم، " رأيت رجلا بين الرجلين، جسمه ولحمه، أسمر إلى البياض، حسن المضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته، من هذه إلى هذه، حتى كادت تملأ نحره فقال ابن عباس لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا). أخرجه أحمد ( رقم 3410)، وضعفه الأرناؤوط وجوده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 515).

([12]) عن علي رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير ضخم الرأس واللحية شثن الكفين والقدمين مشرب وجهه حمرة طويل المسربة ضخم الكراديس إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم). أخرجه أحمد (رقم 746)، وصححه الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين (2/ 711رقم 4253).

([13]) قال الكمال ابن الهمام: (يحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم كما يشاهد في الهنود وبعض أجناس الفرنج، فيقع بذلك الجمع بين الروايات، ويؤيد إرادة هذا ما في مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام -: «جزوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المجوس» فهذه الجملة واقعة موقع التعليل). فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348).

([14]) أخرجه أبو يوسف في الآثار (ص 235).

([15]) قال ابن عبد البر: (قال أهل اللغة أبو عبيد والأخفش وجماعة الإحفاء الاستئصال والإعفاء ترك الشعر لا يحلقه. وإلى هذا ذهبت طائفة من علماء المسلمين وفقهائهم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم). التمهيد (24/ 143).
وقال الباجي: (يحتمل عندي أن يريد أن تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضا ليس بمأمور بتركه). المنتقى شرح الموطأ (7/266).

([16]) الهداية شرح البداية (1/ 161)، فتح القدير للكمال ابن الهمام (3/ 31).

([17]) أخرجه البخاري (رقم 5892).

([18]) أخرجه أبو داود (رقم 2359)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم 2355).

([19]) أخرجه مالك في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 531 رقم 1178).

([20]) أخرجه مالك في الموطأ الإمام مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 531رقم 1179).

([21]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 220رقم 6435).

([22]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 220 رقم 6433).

([23]) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 181)، وحسنه الجديع في كتابه "اللحية دراسة حديثية فقهية" ص131.

([24]) اللحية دراسة حديثية فقهية للجديع ص 130.

([25]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25992)، وصححه الألباني على شرط مسلم في سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم 2355).

([26]) معنى نعفِّي: أي نتركه وافرا، والسبال: هي ما طال من شعر اللحية. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: سبل)، فتح الباري لابن حجر (10/350).

([27]) أخرجه أبو داود ( رقم 4203)، وابن أبي شيبة (رقم 26016) بلفظ: (كنا نؤمر أن نوفي ...)، وحسنه ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([28]) عن عطاء بن أبي رباح قال: (كانوا يحبون أن يعفوا للحية إلا في حج أو عمرة) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 15917) والطبري في تفسيره (18/ 613)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (11/ 783، 13/ 441).

([29]) عن مجاهد في قوله تعالى في المناسك: {ثم ليقضوا تفثهم} قال: (حلق الرأس وحلق العانة وقص الأظفار وقص الشارب ورمي الجمار وقص اللحية) أخرجه ابن جرير في التفسير (18/ 613)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([30]) عن محمد بن كعب القرظي في تفسير الآية: (رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار) أخرجه ابن جرير في التفسير (18/ 612)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([31]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25993)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441، 442)، وقال الطبري: (قال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كثرت). شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/146، 147)، وينظر: فتح الباري لابن حجر (10/350).

([32]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25995).

([33]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25996).

([34]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 26000)، وقال ابن حجر: (عن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه). فتح الباري لابن حجر (10/350).

([35]) عن ابن طاووس عن أبيه: (أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه) أخرجه ابن أبي شيبة ( رقم 25994).
وعنه أيضا: (كان أبي يأمرني أن آخذ من هذا وأشار إلى باطن لحيته) أخرجه أحمد في الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص 130).

([36]) جاء في بعض الروايات: "يبطنون لحاهم" وفي بعضها: "ينظفون لحاهم" وربما يكون هناك تصحيف، وأن المراد إحدى الكلمتين.

([37]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 26001).

([38]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 220رقم 6438)، وجود إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 440).

([39]) سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441).

([40]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25993)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 441، 442).

([41]) أخرجه أبو يوسف في الآثار (ص 235).

([42]) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 318)، وقال ابن عبد البر: (كان قتادة يأخذ من عارضيه). الاستذكار (8/ 429).

([43]) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 25996).

([44]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/146، 147)، فتح الباري لابن حجر (10/350)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 46، 47).

([45]) الرسالة للقيرواني (ص: 156).

([46]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 147).

([47]) الاستذكار (8/ 429).

([48]) المنتقى شرح الموطأ (7/266).

([49]) المنتقى شرح الموطأ (3/32).


([50]) إحياء علوم الدين (1/ 143).

([51]) البيان والتحصيل (17/ 391).

([52]) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (2/ 36).

([53]) فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([54]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 139).

([55]) شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).

([56]) شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).

([57]) فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([58]) شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 530).

([59]) الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 683)، وينظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 445).

([60]) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/445).

([61]) فقه السنة (1/ 38).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة السادسة
وجوب أخذ ما فضل عن القبضة (الطرف الثالث)



  • القول بوجوب أخذ ما زاد على القبضة، هو أحد القولين في مذهب الحنفية([1])، وقد انتصر له الألباني([2]).
  • مأخذ هذا القول أمران:
المأخذ الأول: اعتبار تفسير السلف التطبيقي لمعنى الإعفاء، وأنه يعني التكثير وأخذ ما فضل عن القبضة، فوجب اعتباره في الإعفاء والأخذ.
المأخذ الثاني: أن إعفاء اللحية عبادة، ولا يجوز الزيادة فيما كان بابه التعبد.

  • هذا القول ضعيف؛ فإن أخذ ما فضل عن القبضة لو كان محظورا لبينه الشارع بيانا عاما لا لبس فيه، فإنه مما تعم به البلوى لاسيما العرب الذين كانت اللحية من سيماهم، وهو أمر مشهور بينهم.
  • ورد عن في صفة بعض الصحابة أنه كان طويل اللحية، منهم الخليفة الراشد: عثمان بن عفان رضي الله عنه([3]) وكذا ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن لحيته كانت تملأ صدره([4])، إلا أنه روي عنه كان يأخذ مما يلي وجهه([5])، وقد جاء عن طاووس أنه وإن كان يأخذ من لحيته إلا أنه لا يوجبه([6]).
  • ذهب جماعة من أهل العلم إلى ترك اللحية على حالها، وعدم التعرض لها بالأخذ، وقد جاء عن جماعة من الصحابة والتابعين ما يدل على إطلاقهم اللحى من غير أخذ، فكما استفدنا جواز الأخذ ممن أخذ، فإننا نستفيد عدم تحتمه ممن لم يأخذ، فنكون بذلك أخذنا بجميع الآثار.
  • حكى الطبري عن طائفة أنهم كرهوا أخذ شيء من اللحية([7])، واختاره النووي([8])، وحكاه العراقي عن الجمهور([9]).
  • نلاحظ مما سبق أن الأمر في الكراهة فحسب، ولعل الجديد عند المعاصرين هو رفع درجة الكراهة إلى الحظر([10])، أما الصحابة والتابعين وأئمة الفقهاء المتقدمين فإنه لم يأت عن أحد منهم النهي عن أخذ شيء من اللحية، والله أعلم.


([1]) القول الآخر عندهم هو استحباب أخذ ما فضل عن القبضة. حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 331)، فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 347)، حاشية ابن عابدين (2/417).

([2]) لم أجد في كتب الألباني ما يفيد التصريح بوجوب أخذ ما زاد عن القبضة، وما اطلعت عليه من كتاباته في المسألة فإنما يفيد جواز الأخذ من اللحية، إلا ان القول الوجوب كان صريحا في مناقشته مع أبي إسحاق الحويني، وقد نقل الحويني عن الألباني أنه كان يقول بجواز الأخذ ثم اختار القول بالوجوب، والمناقشة مسجلة ومنشورة على الشبكة العالمية.
ومن تقريرات الألباني المكتوبة:
قال الألباني: (في هذه الآثار الصحيحة ما يدل على أن قص اللحية، أو الأخذ منها كان أمرا معروفا عند السلف، خلافا لظن بعض إخواننا من أهل الحديث الذين يتشددون في الأخذ منها، متمسكين بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " وأعفوا اللحى "، غير منتبهين لما فهموه من العموم أنه غير مراد لعدم جريان عمل السلف عليه وفيهم من روى العموم المذكور، وهم عبد الله بن عمر، وحديثه في " الصحيحين "، وأبو هريرة، وحديثه عن مسلم، وهما مخرجان في " جلباب المرأة المسلمة "، وابن عباس، وحديثه في " مجمع الزوائد ومما لا شك أن راوي الحديث أعرف بالمراد منه من الذين لم يسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرص على اتباعه منهم. وهذا على فرض أن المراد بـ (الإعفاء) التوفير والتكثير كما هو مشهور...ومن المعلوم أن الراوي أدرى بمرويه من غيره، ولا سيما إذا كان حريصا على السنة كابن عمر، وهو يرى نبيه صلى الله عليه وسلم - الآمر بالإعفاء - ليلا نهارا. فتأمل. لقد توسعت قليلا بذكر هذه النصوص عن بعض السلف والأئمة؛ لعزتها، ولظن الكثير من الناس أنها مخالفة لعموم: " وأعفوا اللحى "، ولم يتنبهوا القاعدة أن الفرد من أفراد العموم إذا لم يجر العمل به، دليل على أنه غير مراد منه، وما أكثر البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية) إلا من هذا القبيل، ومع ذلك فهي عند أهل العلم مردودة، لأنها لم تكن من عمل السلف، وهم أتقى وأعلم من الخلف، فيرجى الانتباه لهذا فإن الأمر دقيق ومهم. لا يوجد حديث صحيح ولا ضعيف في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ من لحيته، نعم، هناك حديث ضعيف في أنه كان يأخذ من لحيته من طولها ولا من عرضها فتأمل الفرق). سلسلة الأحاديث الضعيفة (5/ 378- 380).
وقال: (العجب كل العجب من الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين بغير حق، كيف يتجرأون على مخالفة هذه الآثار السلفية؟! فيذهبون إلى عدم جواز تهذيب اللحية مطلقاً؛ ولو عند التحلل من الإحرام، ولا حجة لهم تذكر سوى الوقوف عند عموم حديث: « وأعفوا اللحى»، كأنهم عرفوا شيئاً فات أولئك السلف معرفته، وبخاصة أن فيهم عبد الله ابن عمر الراوي لهذا الحديث؛ كما تقدم، وهم يعلمون أن الراوي أدرى بمرويه من غيره، وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه؛ كما توهم البعض، فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على أهل العلم والنهى؛ فإن هؤلاء يعلمون أن العمل بالعمومات التي لم يجر العمل بها على عمومها هو أصل كل بدعة في الدين، وليس هنا تفصيل القول في ذلك، فحسبنا أن نذكر بقول العلماء وفي مثل هذا المجال؛ "لو كان خيراً؛ لسبقونا إليه ". أضف إلى ما تقدم أن من أولئك السلف الأول الذين خالفهم أولئك المتشددون ابن عباس ترجمان القرآن الذي يحتجون بتفسيره؛ إذا وافق هواهم، بل وجعلوه في حكم المرفوع؛ ولو لم يصح السند به إليه، كما فعلوا بما روي عنه في تفسير قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: (يبدين عيناً واحدة)! ثم تراهم هنا لا يعبأون بتفسيره لآية (التفث) هذه، مع ثبوته عنه وعن جمع من تلامذته، وقول ابن الجوزي في "زاد المسير بأنه أصح الأقوال في تفسير الآية). سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/ 442).

([3]) عن عامر قال: (ما رأيت رجلا قط أعرض لحية من علي قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء).
وعن رزام بن سعد الضبي قال سمعت أبي ينعت عليا قال كان رجلا فوق الربعة ضخم المنكبين طويل اللحية وإن شئت قلت إذا نظرت إليه هو آدم وإن تبينته من قريب قلت أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم).
وعن أبي رجاء العطاردي: (رأيت عليا ربعة ضخم البطن كبير اللحية قد ملأت صدره أصلع شديد الصلع(.
وقال: (الصحيح عن علي رضي الله عنه أنه كانت لحيته بيضاء وقد ملأت ما بين منكبيه ذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال رأيت علي بن أبي طالب أبيض الرأس واللحية قد ملأت ما بين منكبيه) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (21/ 84).

([4]) عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد قال: (رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار، عدني، غليظ، ثمن أربعة دراهم، أو خمسة، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم - يعني خفيف اللحم - طويل اللحية , حسن الوجه» أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 75 رقم 92) وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 87)، وينظر: الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 260)، تاريخ المدينة لابن شبة (4/ 1284)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 103 رقم 4532)، شعب الإيمان للبيهقي (5/ 159 رقم 6188).

([5]) عن سماك بن يزيد، قال: (كان علي يأخذ من لحيته مما يلي وجهه) أخرجه ابن أبي شيبة ( رقم 25991)، وأورده عنه ابن عبد البر في الاستذكار (4/317).

([6]) عن ابن طاووس عن أبيه: (أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه) أخرجه ابن أبي شيبة ( رقم 25994).

([7]) قال الطبري: (ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها). فتح الباري لابن حجر (10/ 350).

([8]) قال النووي: (الصحيح كراهة الاخذ منها مطلقا بل يتركها على حالها كيف كانت للحديث الصحيح: «واعفوا اللحى»، وأما الحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها فرواه الترمذي بإسناد ضعيف لا يحتج به). المجموع للنووي (1/ 290).
وقال: (فحصل خمس روايات: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، ومعناها كلها: اتركها على حالها، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه، وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء المختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا). شرح النووي على مسلم (3/151).

([9]) طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 83).

([10]) قال ابن باز: (الواجب إعفاء اللحية وتوفيرها وإرخاؤها وعدم التعرض لها بشيء ...أما ما رواه الترمذي رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها » فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد تشبث به بعض الناس , وهو خبر لا يصح; لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب). مجموع فتاوى ابن باز (4/ 443).
وقال ابن عثيمين: (هذه الأحاديث تدل على وجوب ترك اللحية على ما هي عليه وافية موفرة عافية مستوفية... أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة ، فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة ، وقالوا : إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه . ولكن الأولى الأخذ بما دل عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن حالاً من حال). مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11/127، 128).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة السابعة
معالم الوسطية في القول بتحتم إعفاء اللحى مع جواز الأخذ منها



  • بعده عن أطراف المسألة: فهو يتعارض مع القول بإباحة الحلق لما في ذلك من مخالفة النص والإجماع وعمل الصحابة، والفطرة، ولا يذهب – مبالغة - إلى وجوب أخذ ما فضل عن القبضة فيقع من الحرج على الناس ما لم يحرج فيه الشارع، ولا هو بحظر الأخذ منها مطلقا، فيفارق بذلك عمل الصحابة والسلف من بعدهم.
  • أن هذا القول هو الأمر الوسط عملا: فيتعين الإعفاء، ويجوز أخذ ما طال منها إذا حصل معنى توفية اللحية وتوفيرها.
  • أن هذا القول هو الوسط هيئة وحسنا: فإن تمام الشعر الذي هو جمال في الإنسان، أن يكون بتوفيره مع إكرامه بترتيبه وإزالة ما شعث منه، وأخذ ما طال منه.
  • القياس على الأمر بإحفاء الشارب:

  1. فكما أمرنا بإحفاء الشوارب لا الحلق ولا الترك فكذلك أمرنا بإعفاء اللحى لا الحلق ولا الترك، فالإعفاء مع جواز الأخذ هو وسط بين الطرفين، كما أن الإحفاء في الشارب لا الاستئصال ولا الترك هو وسط بين الطرفين.
  2. أنه كما أمرنا بحف الشوارب لأنها جمال وكمال فكذلك أمرنا بإعفاء اللحى لأنها جمال وكمال، وقد وردا في موضع واحد وفي نصوص كثيرة وبمخالفة المجوس والمشركين فيهما، ولم نؤمر فيهما بالحلق المطلق ولا بالترك المطلق، فالشارب يحف ولا يحلق، واللحية تعفى ويجوز أخذ ما طال منها.

  • أشار بعض العلماء إلى وسطية القول بالإعفاء وجواز الأخذ، وأن ذلك من الحسن والاعتدال، نذكر منهم: الطبري، وابن بطال، والباجي، والغزالي، والزرقاني، وسيد سابق، وسبق ذكر النقولات عنهم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة الثامنة
إشارات


  • عجبا من أولئك الذين يستأصلون لحاهم وشواربهم في دفعة واحدة والسؤال: لم أنزلتموهما على درجة واحدة وقد خالفت النصوص كلها بينهما في اللفظ والمعنى؟
  • العجيب أن كثيرا ممن يحرمون الأخذ من اللحية يوفرون شواربهم؛ فأين هم عن نصوص الجز والإحفاء والإنهاك؟ لماذا أخذوا بطرف منها دون طرف؟
  • إعفاء اللحى في بلاد الكفار أو في البلاد التي تشبهها - أو دونها حقيقة- حيث يكون فيها أهل الإسلام مقهورين؛ فإن هذا له حكم يناسبه، وقد لا يكون إعفاء اللحى فيها مشروعا، وقد بين ابن تيمية رحمه الله أن مخالفة الكفار لا تكون إلا مع علو الدين وظهوره ولذا لم تشرع المخالفة في مكة لما كان المسلمون ضعفاء، ولما ظهر الدين وعلا في المدينة شرعت المخالفة حينئذ، كما بين أن المسلم في دار الكفر لا يأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وقد يشرع مشاركتهم في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية([1]).
المقصود أن هذه المسألة استثناء ولها فقهها المناسب، وينبغي أن يكون المقام فيها وسطا بين طرفين، فلا نحظر الرخصة وقد قام سببها، وانتفى مانعها ولا نجعل من الرخصة أصلا قائما برأسه يزاحم عُمَد الأدلة في حكم الإعفاء في مقام السعة.


  • هل الخلاف في اللحية سائغ؟
الخلاف في حلق اللحية واستئصالها غير سائغ لأنه مخالف للنص والإجماع وعمل السلف، وإن كان المخالف في المسألة مجتهد متأول، وله في المسألة نظره الفقهي ومأخذه الأصولي ومسلكه العملي، والله يتولانا وإياه برحمته ولطفه.
وبذلك نعرف: أنه لا تلازم بين سواغ الخلاف وبين إعذار المجتهدين، فقد لا يكون الخلاف سائغا، ويكون المخالف مجتهدا متأولا، والله أعلم.


  • اللحية زينة ووقار:
قال ابن القيم: (أما شعر اللحية ففيه منافع منها الزينة والوقار والهيبة ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يرى على ذوي اللحى ومنها التمييز بين الرجال والنساء، فإن قيل لو كان شعر اللحية زينة لكان النساء أولى به من الرجال لحاجتهن إلى الزينة وكان التمييز يحصل بخلو الرجال منه ولكان أهل الجنة أولى به وقد ثبت أنهم جرد مرد، قيل: الجواب أن النساء لما كن محل الاستمتاع والتقبيل كان الأحسن والأولى خلوهن عن اللحى فإن محل الاستمتاع إذا خلا عن الشعر كان أتم ولهذا المعنى والله أعلم كان أهل الجنة مرداً ليكمل استمتاع نسائهم بهم كما يكمل استمتاعهم بهن وأيضاً فإنه أكشف لمحاسن الوجوه فإن الشعر يستر ما تحته من البشرة أن يمس بشرة المرأة والله أعلم بحكمته في خلقه). التبيان في أقسام القرآن (ص: 317).

  • لطيفة:
  • جاء في ترجمة ضياء بن سعيد بن محمد بن عثمان القزويني: (كان إماما عالما بالتفسير والعربية والمعاني والبيان ...وكانت لحيته طويلة بحيث تصل إلى قدميه، ولا ينام إلا وهي في كيس، وإذا ركب تتفرق فرقتين، وكان عوام مصر إذا راوه يقولون : سبحان الخالق! فكان يقول: عوام مصر مؤمنون حقا لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع(!([2]).







([1]) قال ابن تيمية: (المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء؛ لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا؛ شرع بذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب؛ لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة). اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 471).
([2]) طبقات المفسرين للداودي (1/222).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة التاسعة
مظان مسألة اللحية حلقا وإعفاء في أبواب الفقهاء



  • مسألة تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء: فإنها أول مناسبة يتعرضون لها لحكم إعفاء اللحية بحسب التبويب الفقهي.
  • الأخذ منها في النسك:
نص الفقهاء أن حكمه حكم أخذ شعر الرأس في الحظر على المحرم، وعلل ذلك فقهاء الحنفية أنه مما يرتفق به، وأن الأخذ من اللحية مقدار الربع وما يشبهه معتاد بالعراق وأرض العرب([1]).

  • هل يسن الأخذ من اللحية لمن حج أو اعتمر؟
عن نافع أن عبدالله بن عمر: (كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئاً حتى يحج قال مالك: ليس ذلك على الناس) ([2]).

  • قال الشافعي: (وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربيه حتى يضع من شعره شيئا لله وإن لم يفعل فلا شيء عليه لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية)([3])، ومذهب الشافعية على كراهة الأخذ في غير النسك.
  • وفي المدونة: (قلت: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب له إذا حلق أن يقلم وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله)([4]).
  • أبواب الديات: فيما إذا نتفت اللحية ولم تنبت فإن فيها دية كاملة، وهذا مذهب الحنفية([5])، والحنابلة([6])، وبه قال سفيان الثوري([7])، وذلك لأنه أزال جمالا على الكمال، وهو مثلة، فإن الله قد زين الرجال باللحى، ولأن فيه تشبها بالنصارى([8])، بينما ذهب المالكية والشافعية واختاره ابن المنذر([9])، أنه لا تجب فيها الدية وإنما تجب فيها حكومة عدل؛ لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا ينمو بعد كمال الخلقة ولأنه إتلاف جمال من غير منفعة؛ فلم تجب فيه الدية، كاليد الشلاء والعين القائمة([10]).
  • التعزير بحلق اللحى: وهذا جاء عن بعض الأمراء المتقدمين في دولة بني أمية، وهو ما أنكره عمر بن عبد العزيز، ونص عليه الفقهاء([11])، وعلى رأسهم الشافعي في الأم، وهو مما يدل على بشاعة حلق اللحى، حتى كان الأمراء يعزرون به، بينما كان العلماء ينهون عنه؛ لأنه مثلة.
  • في مسألة عدالة الشاهد: فمنهم من لم يقبل شهادة من يحلق لحتيه فإنه حيث أدمن فعل هذا المحرم فإنه يفسق([12])، ومنهم من قال إذا لم يكن ذلك مما يخرم المروءة فإنها تقبل شهادته.


([1]) قال البابرتي: (أما حلق اللحية فهو متعارف، فإن الأكاسرة كانوا يحلقون لحى شجعانهم، وكذلك الأخذ من اللحية مقدار الربع وما يشبهه معتاد بالعراق وأرض العرب، فكان مقصودا بالارتفاق كحلق الرأس). العناية شرح الهداية (3/32)

([2]) الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي (1/ 531 رقم 1178).

([3]) الأم للشافعي (2/232)

([4]) المدونة الكبرى (1/ 441).

([5]) البحر الرائق (8/ 377).

([6]) المغني لابن قدامة (8/ 443).

([7]) المغني لابن قدامة (8/ 443)

([8]) بدائع الصنائع (6/ 18).

([9]) المغني لابن قدامة (8/ 443).

([10]) المغني لابن قدامة (8/ 443)، البحر الرائق (8/ 377).

([11]) قال الباجي: (الاستئصال لهما مثلة كحلق رأس المرأة فمنع من استئصالها أو أن يقع منهما ما يغير الخلقة ويؤدي إلى المثلة وأما ما تزايد منها وخرج عن حد الجمال إلى حد التشعث وبقاؤه مثلة فإن أخذه مشروع فلما كانت من الشعور التي يجوز الأخذ منها تعلق بها حكم النسك على وجه الاستحباب). المنتقى شرح الموطأ (3/ 32).
وقال ابن تيمية: (أما إعفاء اللحية فإنه يترك ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه كما تقدم عن ابن عمر، وكذلك أخذ ما تطاير منها...فأما حلقها فمثل حلق المرأة رأسها وأشد لأنه من المثلة المنهي عنها وهي محرمة). شرح عمدة الفقه لابن تيمية - كتاب الطهارة والحج - (1/ 236).

([12])العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/329).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الحلقة العاشرة
المؤلفات المعاصر – استفدت من هؤلاء



  • من المؤلفات المعاصرة في إعفاء اللحية:

  • الإنصاف في ما جاء في الأخذ من اللحية وتغيير الشيب من الخلاف لدبيان الدبيان.
  • تعزيز كتاب الإنصاف في بيان أن الأخذ من اللحية ليس فيه خلاف لدبيان الدبيان.
  • شمس الضحى في حكم الأخذ من اللحى لصادق بن محمد البيضاني.
  • الحلية في حكم أخذ ما زاد من اللحية لباسم الجوابرة
  • اللحية دراسة حديثية فقهية لعبد الله بن يوسف الجديع.

  • استفدت من هؤلاء:

  • استفدت من كتاب الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع: "اللحية دراسة حديثية فقهية"، وهو مع تخصصه الفقهي أستاذ في النظر الفقهي، أتفق معه غالبا في مقدماته الأولى، منبهرا من سعة نظره، ولغته الراقية، وتحرره في البحث والنظر، ثم أختلف معه في النتيجة الأم! فأجده واسع الخطو، وقد تجد بين النتيجة الأم وبين مقدماتها من الانفكاك ما يستعصي معه الردم! فتبقى بعد تلك الحقبة السعيدة من الانبهار، في حقبة أخرى من الاندهاش!
ولذا فالوصية تملها نفسها بالاستفادة من فقه هذا الرجل كأنموذج في البحث والتحرير، والتأني والتريث فيما ينتهي إليه من الأمور.


  • استفدت من نقاش الشيخين: "أبي بكر باجنيد"، و د. أيمن علي صالح في موضوعهم في الملتقى الفقهي: هل الخلاف في اللحية سائغ؟ ومع بعد الشقة بين الاعتبارين، فقد كان النقاش غاية في الجمال علما وأدبا.
  • استفدت من تعليقات ثلاثة من الإخوة الأعضاء في ملتقى أهل الحديث:

  1. عبد الرحمن فقيه، المشرف العام.
  2. ابن وهب العضو المخضرم.
  3. تلخيص الأخ محمد الأمين لبحث الشيخ الدبيان الإنصاف وتعزيز الإنصاف.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

الخلاصة


  1. يجب إعفاء اللحى بالنص والإجماع، والخلاف المذكور بالكراهة إنما هو عن متأخري الشافعية، وقد نص الشافعي في الأم على تحريم حلق اللحى.
  2. لا يصح التعليل لإباحة حلق اللحى بأن الأمر مناط بمخالفة المجوس؛ وذلك لأن مقصد المخالفة وحكمتها لا تقوى على الانفراد بأمر يتعلق بشعار المسلم وهيئته ، وهي من سنن الفطرة، ومن هدي الأنبياء([1])، وقد جاء الأمر بها صريحا، وقد قرن بحف الشوارب الذي هو من سنن الفطرة بيقين.
  3. الأمر بالمخالفة يتأكد اليوم لتبينه شعارا للكفار أكثر من ذي قبل.
  4. حد إعفاء اللحى مما اختلفت فيه أنظار الفقهاء، فمنهم من لم يحده، اعتبارا بدلالة الإعفاء لغة، والنظر إلى مجموع الروايات ، وأنه يكفي من ذلك ما يحصل به توفية اللحية وتكثيرها ولو كان دون القبضة.
  5. ومنهم من ضبطه بالقبضة، وذلك لأنه أضبط لأمر الناس، لإناطته بأمر لائح لا يختلف الناس فيه.
  6. أكثرهم نص على جواز أخذ ما تفاحش منها وما شذ وتطاير من طولها وعرضها.
  7. ذهب بعضهم إلى وجوب أخذ ما زاد على القبضة، وهذه طريقة مشهورة للحنفية واختارها الألباني، وهذا يَرِد عليه أنه لو كان لازما لبينه الشارع لأنه مما تعم به البلوى لاسيما العرب الذين عرف عنهم توفير اللحى.
خلاصة الخلاصة
يجب إعفاء اللحى ويجوز الأخذ منها، وهذا وسط بين ثلاثة أطراف:


  1. طرف يجيز حلق اللحية: وهذا مخالف للنص والإجماع.
  2. وطرف يحرم أخذ شيء منها: وهذا مخالف لتفسير الصحابة للنص، ولمذاهب عامة الفقهاء.
  3. وطرف يوجب أخذ ما زاد على القبضة: وهذا مخالف لمذهب جمهور الفقهاء.



([1]) إعفاء اللحى من هدي الأنبياء :قال الله تعالى: {قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي}.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

بارك الله فيكم وزادكم علما وفقها
تحقيق رائع ماتع
هل البحث مجموع عندكم على هيئة وورد أو بي دي إف ؟
ليتكم ترفقونه حتى يكون من إصدارات الملتقى فنضع له الترويسة الخاصة ثم ننشره في الخزانة
أو نجعله نشرة تضاف للنشرات السابقة
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

سأفعل إن شاء الله تعالى...
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

لله درك .. هداك الله وسددك، ونور بصيرتك.
 
إنضم
26 يوليو 2012
المشاركات
2
الكنية
ابو أحمد
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
الأحساء - الهفوف
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

اشكرك اخي العزيز على موضوعك المفيد والعظيم
لكن أود استفسر عن أمرين
1- ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعرفون قراءة النبي صلى اللله عليه وسلم في السرية بترحك جوانب لحيته صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على أن الأخذ يكون من الطول وليس من العوارض الاما كان منها شاذ أو متطاير اقصد تكون غير مرتبة فيقال أن يأخذ من الزائد والشاذ كبعض الشعرات الناتئة في العوارض وليس الأخذ الكثير من جميعها
2- من الناس من تكون لحيته قصيرة في الأصل مقدار اصبعين أو ثلاثة فهل هذا يأخذ أيضا لأني فهمت من أثار التي أوردتها في الاتجاه الثالث الذي هو عدم التحديد، فيجب الإعفاء، ويجوز الأخذ، وكأن العبرة بحصول مسمى اللحية إعفاء وتوفيرا أن اللحية التي يؤخذمنها تكون طويلة وكثيرة وهذا في عرف الناس يكون بشكل تقريبي من زادت على مقدار أربعة اصابع ولذلك قلت حفظك الله في ذكر قول هذا الإتجاة وكأن العبرة بحصول مسمى اللحية إعفاء وتوفيرا والآخذ من كانت مقدار لحيته اصبعين أو ثلاثة قد يشبه من حلقها أو أخذ منها بالآلة المكينة رقم 3 أو 2
 
إنضم
23 فبراير 2012
المشاركات
126
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
كويت
المذهب الفقهي
القرآن والسنة
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

بارك الله فيك.

لكن قد جاء من النصوص ما يدل على أن الأمر يتجاوز المخالفة.

مثل ؟

  • استشكال وجوابه:

استدل القائل بإباحة حلق اللحى: بأن كثيرا من الأوامر التي جاءت للمخالفة: كان الحكم فيها للندب والاستحباب، فيكون الأصل في هذا الباب هو الاستحباب.
والجواب: أن منها ما كان لمجرد المخالفة في الصورة؛ فمثلا: «إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم»، و«إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم»، فهذه النصوص ونحوها ظاهر أن المقصود بها المخالفة؛ ولذا كان التعليل فيها صريحا بالمخالفة، ومن هنا تقدمت علة الحكم وهي أن اليهود لا يفعلون، وأن نخالفهم في ذلك، فالمخالفة هنا هي المقصد الأول، ولذا لم تكن الصلاة في النعال مستحبة إذا لم تتحقق بها المخالفة، أما صبغ الشيب فهو في موضع الاستحباب – لنصوص أخر - ما لم تتحقق المخالفة فيرقى الحكم إلى الوجوب؛ بخلاف الأمر في اللحية فإن الأمر بها لم يأت على هذا النظم من ترتيب الحكم على المخالفة، وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.

ظاهر كلامك ان الأمر يغلظ بالمخالفة ، أليس كذلك ؟
وظاهره أن الأمر هو للوجوب ولو لم يكن فيه ذكر المخالفة بل المخالفة لا تدل على شيء عندكم ؟ وهذا فيه نظر ، فالأمر للاستحاب لأنه جاء لمعنى الآداب وهو صريح لفظكم أن الإعفاء والإحفاء إنما هو لتحسين الهيئة ، إلا إذا كنت ترى أن ذلك ليس قرينة لصرف الأمر ، فلك ذلك ، لكن ثمة شيء آخر وهو الإجماع على إستحباب الإحفاء ، الإحفاء والإعفاء جاءا في سياق واحد ، نعم ، هذا من دلالة الإقتران لكن ما كل دلالتها ضعيفة كما هو معلوم.
ثم آخر كلمك :

وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.

تأمل في العبارة الأخيرة أراها مناقضة للعبارة الاولى الملونة.
على العبارة الاولى أن الحف والإعفاء مقصد أصلي ففيه نظر فالأحكام لا تكون مقاصد ، فكون الشارع يأمر بالصوم ، بالصلاة ، بالحلق ، بالإعفاء .. وهذا ليس مقصدا. فإن قلت تحسين الصورة فهذا لا يكون مقصدا أصلية بتاتا ، إنما هو مقصد تكميلي أو جزئي ، لذا كل ما كان تحت هذا المقصد هو مستحب لا غير ومنه الترجل وغيره.

ثم ما الضابط للتقدم والتاخر عندكم لكي يتميز للناظر الفروع المعلقة بالمخالفة أهي أصلية أم فرعية ؟ وأحسب أن ضبطه فيه عسر.

ثم معلوم أن المقاصد غالبا ما تكون للعلل الظاهرة للنص أو المستنبطة ، ولا شك ان الظاهرة لا يعدل عنها . فنصوص اللحية كلها جاءت إما مطلقة أو معللة بالمخالفة ، لماذا عدلت عن العلة المنصوص إلى علة استنبطتها ليست في النص لا من قريب ولا من بعيد ؟ ولو قلت ان المخالفة مقصد أصلي وتحسين الصورة مقصد تابع كان أفضل.

يبقى - هو محل خليق بالنظر فيه وأحسبه لب الموضوع - هل المخالفة واجبة أو مستحبة ؟
وهل يصح حديث " من تشبه بقوم فهو منهم " ؟
إن صح الحديث فلا شك بحرمتها ، لكن الحديث ضعيف وإن جوده شيخ الإسلام ، فتكون اللحية من مخالفاتهم في عاداتهم وهو أمر مستحب وحلقها مكروه. والله أعلم .
 
إنضم
23 فبراير 2012
المشاركات
126
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
كويت
المذهب الفقهي
القرآن والسنة
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

ثم بدا لي معنى كلامك الملون الذي ظننت فيه التناقض خطأ ، وهو لن يغير شيء والحمدلله ، لكن قاتل الله الضمائر والإشارات .
 
إنضم
16 سبتمبر 2009
المشاركات
1
التخصص
سياسةشرعية
المدينة
السليمانية
المذهب الفقهي
شافعي
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

السلام عليكم
أخي العزيز بارك الله فيك عندي ملاحظة
كيف يكون الإجماع صحيحا وقد خالف كل الشافعية الجمهور في عدم وجوب اعفاء اللحية - كما نقلت أنت- ، فأي إجماع هذا يخالفه فطاحل علماء مذهب من المذاهب !!، وإعفاء اللحية كانت موجودة قبل الإسلام أيضا فأبو جهل كان ملتحيا كالنبي صلى الله عليه وسلم فالجانب العرفي فيه قوي
الرابعة

(الطرف الأول: إباحة حلق اللحى)


طعن جماعة من المعاصرين: في دلالة الأمر بإعفاء اللحى على المشروعية، فضلا عن الوجوب، وذلك لأن علة الأمر بإعفاء اللحى هي مخالفة المجوس، وأنه كذلك ورد في الحديث، وأن مدار الروايات كلها ترجع إلى ربط الأمرين معا، وأن حلق اللحية قد شاع بين المسلمين، ولم يعد من خصائص الكفار، بل إن من الكفار من يعفي لحيته([1]).
وهذا ضعيف لأمور، أجملها فيما يلي:
أولا: أن اللحية كانت شائعة في بلاد العرب؛ بل لا يعرف عنهم حلق اللحى؛ فلو كان إعفاء اللحى ليس من الشريعة، لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتم، وحثنا بذلك على مخالفة جماعة من الكفار في ناحية أخرى؛ ولكان هذا خلاف البيان الذي كلف به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيه ترسيخا لعادة مباحة عند العرب، ورفع درجتها إلى الأمر الشرعي، وهي ليست كذلك، ومن تأمل في طريقة الشارع في تبيين أحكام ما كان من عادات الناس يومئذ: عرف تعذر الأمر الحتمي بعادة مستقرة لهم لا لغرض التشريع التأسيسي للحكم، وإنما لمجرد المخالفة.
ثانيا: لم يذكر القائلون بإناطة إعفاء اللحى على مخالفة الكفار: من قال بذلك من علماء المسلمين، فإن المدونات الفقهية والشروح الحديثية لم تلفت أدنى التفاتة إلى هذا القول ولو بطرف خفي! غاية ما لديهم إبراز عدة نصوص محدودة عن الفقهاء في ندبية الإعفاء، وهذه النصوص – على ندرتها – تؤكد حكم مشروعية اللحى، وأنها من المأمور بها شرعا، وأقصى ما فيها انحطاط رتبتها من رتبة الحتم والإيجاب إلى درجة الندب والاستحباب، وليس فيها إناطة أمر الندب بمخالفة الكفار، فهي نصوص تورد للتشويش على الإجماعات المحكية في حرمة حلق اللحى لا على إناطة حكم إعفاء اللحى بوقوع مخالفة الكفار.
ثالثا: الشأن في أمر اللحية يتعلق بشعار ظاهر في صورة المسلم وهيئته، وهو مدرجٌ في الفطرة نصا ومعنى([2])، وهو أحد الفروق الجوهرية بين الذكر والأنثى، وهو معتبر ضمن محاسن ما يتميز به الرجال، فكيف يأمر الشارع بأمر بهذا الظهور، وبألفاظ شتى، وفي مناسبات متعددة، ليس إلا من أجل مخالفة المجوس! وأين؟ في أرض فارس! ولا وجود لهم في المدينة البتة! إلا رجلين جاءا رسولين من كسرى!
هل من المناسب إناطة أمر يتعلق بهيئة المسلم وجمالة بمخالفة الكفار في بلاد المسلمين التي أعزها الله وفيها علو الدين وظهوره! والحال أن هؤلاء الكفار الذين أمرنا بمخالفتهم في بلاد أخرى؟
لو كانت المسألة مناطة بمجرد المخالفة لأمرنا بحلقها مخالفة للمشركين الذين كانوا يعفون لحاهم! وهم ظاهرون في بلاد العرب، وهم أولى بالتمايز عنهم من مجوس فارس!
ويمكن أن يقال: لم يقم مقتضى مخالفة الكفار في بلاد العرب، وهو الظهور والانتشار وعدم التمايز، فلو كان الأمر – لمجرد المخالفة في الصورة – لما أمر به الناس يومئذ، ولعلقه على حصول المخالفة، لكن لما كان إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى من الشريعة وهو في نهاية الحسن، ناسب الأمر به ابتداء، وتأكيد حكمه بمخالفة الكفار في الجملة، فمن سيما المسلمين التي يختصون بها إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى معا، وهم أيضا يخالفون غيرهم من الطوائف في كل واحدة منهما على حدة.
رابعا: مخالفة المجوس الواردة في الحديث هي علة مستقلة من جملة علل، يؤكد وجودُها الحكمَ، ولا يستقل به:

  • وليست هي علة تامة يتيمة تناط بها لحية المسلم! ثم تدار بها وجودا وعدما حلقا وقصا أو إعفاء وتحديدا! تنقاس درجتها بمقياس ريختر للحى الكفار!! وعديدهم كعديد الحصى!! في أصناف وألوان شتى!!
  • وليست هي أيضا علة مركبة، بحيث تكون علة مؤثرة، ينعدم الحكم بانعدامها، فالعلة المركبة لا تؤثر في بناء الحكم إلا إذا اجتمع أوصافها، والتأم أبعاضها، وما قام على وصفين فإنه يقعد إذا فات أحدهما.
خامسا: دخل كثير من الفرس والروم في الإسلام، واستمر عمل المسلمين المتوارث على إعفاء اللحى، ولم يحفظ عن أحدٍ من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين أنه كان يحلق لحيته، وإن وقع يوما فهو فلتة! وهو أندر من النادر نفسه!
وأنت ترى تهاوي أكبر إمبراطوريتين في الدنيا أمام جحافل جيوش أهل الإسلام شرقا وغربا ومع ذلك فإن الأئمة والمسلمين لم يلتفتوا - مع كل التغيرات الهائلة في تركيبة المجتمع اتساعا وعمقا- إلى النظر في تحقيق وجود المخالفة أو عدمها، بل أهملوا ذلك امتثالا لأمر الإعفاء الموافق للفطرة، وعلى هذا الفقهاء في كلمة واحدة لا يختلفون فيها، فإناطة الإعفاء على المخالفة هو من محدثات المعاصرين، غاية ما عند الفقهاء هو النظر إلى المخالفة في تفسير معنى الإعفاء، وأن المخالفة تحصل بإعفاء اللحية كلها أو غالبها من القص([3]).
والخلاصة: أطبق الفقهاء – في كلمة واحدة لا يختلفون فيها – على مشروعية إعفاء اللحى، وأجمعوا أمرهم على إهمال شأن المخالفة، وعامتهم على أن الأمر أمر وجوب، وأن حلق اللحى محظور، وحكى الأئمةُ الكبار المتخصصون في الإجماع والخلاف: اتفاقَ الأمة على ذلك، وسلمت إجماعاتهم المحكية من شوائب النقد والاستدراك.
سادسا: التعليل بالمخالفة يؤكد الحكم اليوم لشيوع حلق اللحى عند الكفار أكثر منه من ذي قبل، ففي السابق إنما كان يعرف عن المجوس في بلاد فارس، ونحو ذلك، أما اليوم فهو شائع، بل هو ماركة غريبة عن التقدم والتطور! حتى صار هو الأصل في بلاد الكفار في الأعم الأغلب، وقد تشبه بهم كثير من المسلمين، فحلقوا لحاهم وشواربهم دفعة واحدة!
وبطريقة أخرى: إذا كان الأمر بإعفاء اللحى مناطا بمخالفة المجوس في بلاد فارس مع أن أكثر الكفار يومئذ كانوا يعفون لحاهم؛ فلأن يجب اليوم إعفاء اللحى على المسلمين فإنه أولى وأحرى وآكد؛ وذلك لأن الأعم الأغلب من الكفار هو الحلق حتى صار شعارهم الذي لا يختلفون فيه، وهذه الطريقة تسمى في آداب البحث والجدل بالموجب، وهو التسليم بمقدمة الخصم، وأنها تقتضي خلاف دعواه.
سابعا: لو كان الأمر مناطا بمجرد المخالفة للكفار لم ينضبط الأمر بإعفاء اللحى وحف الشوارب، فمن الكفار من يعفي لحيته ومنهم من لا يعفي، ومنهم من يحف شواربه ومنهم من لا يحفها، وقد جاء الأمر الكريم بحف الشوارب وإعفاء اللحى مع شيوع الأمرين معا عند الكفار حلقا وإعفاء.
ثامنا: اقتران توفير اللحى بقص الشوارب في سائر النصوص، وليس قص الشارب قاصرا على مخالفة الكفار بإجماعنا وإجماعهم، وهذا يبين بوضوح لا لبس فيه أن بابهما واحد، ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة – من حيث الأصل- إلا أنها تكون قرينة مساعدة في الكشف عن فقه المسألة؛ لاسيما إذا تكاتفت مع أصول الباب، وتكشفت لها نوافذ الاعتبار.
تاسعا: نعم، جاء ما يدل على أن المقصود المخالفة وذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه([4]) في توفير العثانين([5])، وقص السبال([6])، وهذا الحديث صريح في اعتبار المخالفة، ولو لم يكن إلا هذا الحديث؛ لكان الحكم في إعفاء اللحى وقص الشوارب مثل الأمر في الصلاة بالنعال، لكن قد جاء من النصوص ما يدل على أن الأمر يتجاوز المخالفة.

  • استشكال وجوابه:
استدل القائل بإباحة حلق اللحى: بأن كثيرا من الأوامر التي جاءت للمخالفة: كان الحكم فيها للندب والاستحباب، فيكون الأصل في هذا الباب هو الاستحباب.
والجواب: أن منها ما كان لمجرد المخالفة في الصورة؛ فمثلا: «إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم»، و«إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم»، فهذه النصوص ونحوها ظاهر أن المقصود بها المخالفة؛ ولذا كان التعليل فيها صريحا بالمخالفة، ومن هنا تقدمت علة الحكم وهي أن اليهود لا يفعلون، وأن نخالفهم في ذلك، فالمخالفة هنا هي المقصد الأول، ولذا لم تكن الصلاة في النعال مستحبة إذا لم تتحقق بها المخالفة، أما صبغ الشيب فهو في موضع الاستحباب – لنصوص أخر - ما لم تتحقق المخالفة فيرقى الحكم إلى الوجوب؛ بخلاف الأمر في اللحية فإن الأمر بها لم يأت على هذا النظم من ترتيب الحكم على المخالفة، وإنما جاء الأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأن نخالف الكفار بذلك ، فهنا المقصود الأول هو الحف والإعفاء، فهو أمر مباشر بتحسين صورة المسلم وهيئته، أما المخالفة فهي مقصد ثان وتابع، ولذا أخرها واعتبر أنه بذلك تتحقق المخالفة لا أن الأمر محصور للمخالفة، فالمخالفة في اللحية والشارب أمر تبعي بخلاف اعتبار المخالفة هناك فهي مقصد أصلي.



([1]) من المبالغات: تفسير الإعفاء بمعنى إصلاح ما شذ منها، يقول ابن حجر: (وقد أغرب ابن السيد فقال: حمل بعضهم قوله (أعفوا اللحى) على الأخذ منها بإصلاح ما شذ منها طولاً وعرضاً واستشهد بقول زهير "على آثار من ذهب العناء" وذهب الأكثر على أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب). فتح الباري لابن حجر (10/ 351).

([2]) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية...». أخرجه مسلم (رقم 525)، على أن هذا الحديث من جملة النصوص اليسيرة التي انتقدت على صحيح مسلم، فإن لم يصح الحديث فلا شك أن إعفاء اللحية من جملة الأمور التي هي من سنة الأنبياء، وقد أمر بها الشارع مقرونة بمسائل الفطرة كقص الشارب، وفيها تحسين لصورة المسلم، وهي تتفق مع ما قدره الله للذكور من إنبات الشعر في وجوههم خلافا للنساء، فأمروا بقص الشوارب لا حلقها، وبإعفاء اللحى وتكثيرها لا تركها مطلقا.
والخلاصة: أن إعفاء اللحى إن لم يكن من الفطرة نصا؛ فهو من الفطرة معنىً.
وقد قال البيضاوي: (الفطرة: السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليها)، ووصف السيوطي هذا التعريف بأنه أحسن ما قيل في تفسير الفطرة وأجمعه. فتح الباري لابن حجر (10/ 339) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/2814).

([3]) قال الكمال ابن الهمام: (يحمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم كما يشاهد في الهنود وبعض أجناس الفرنج، فيقع بذلك الجمع بين الروايات). فتح القدير للكمال ابن الهمام (2/ 348).
وقال السندي: (إعفاء اللحية توفيرها وأن لا تقص كالشوارب، قيل: والمنهي قصها كصنع الأعاجم وشعار كثير من الكفرة فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولا ولا عرضا للإصلاح). حاشية السندي على سنن النسائي (1/18).

([4]) عن أبي أمامة قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلت: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلت: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب). أخرجه أحمد (رقم 22283).

([5]) العثانين: جمع عثنون، وهي اللحية. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عثن)، طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 77).

([6]) السبال: جمع سَبَلَة، وهي الشارب، وتطلق على الشعرات التي تحت اللحى، وما أسبل منها على الصدر. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: سبل).
[/QUOTE]
 
إنضم
10 فبراير 2010
المشاركات
88
التخصص
لا يوجد
المدينة
الإسكندرية
المذهب الفقهي
حنبلى
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

وهل فقهاءالسلف الذين يحرمون حلق اللحية يحرمونها لحديث أعفوا اللحى
لا أظن ذلك ولكنهم يحرمونها للتشبه بالنساء ولتغيير خلق الله
لذلك قال الحنابلة مثل ابن مفلح (ويسن إعفاء اللحية وحرم حلقها) فمسألة إعفاء اللحية وعكسه الأخذ منها شئ و الحلق شئ آخر
ومفهوم الإعفاء عند متأخرى الحنابلة وهو عدم الأخذ مطلقا مغاير لمفهوم أحمد فى الإعفاء كما فى الروايات السابقة عنه
والله أعلم
 
إنضم
1 أبريل 2012
المشاركات
11
التخصص
الشريعة و القانون
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
مالكي
رد: إعفاء اللحية .. فقهٌ وسط .. في مثلث الأطراف!

أحسن الله إليك و بارك لك في تحقيقك و جهدك، و نفعك بالعلم و نفع بك.
 
أعلى