الإمام مالك بعيون مغربية

[الدكتورعزالدين المعيار]

بدعوة كريمة من فضيلة الأخ العلامة الدكتور اليزيدالراضي رئيس مؤسسة سوس للمدارس العتيقة كان لي شرف المشاركة في ملتقى المؤسسة السنوي للمدارس العتيقة بمدينة تارودانت - الدورة الأولى "دورة الإمام مالك " - بعرض بعنوان :"الإمام مالك بعيون مغربية ، ونظرا لما فتح الله به على العبد الضعيف فيه من فتوحات لم تكن في الحسبان ، أحببت أن أخص هذا الملتقى الفقهي العتيد الذي أعتز بالانخراط فيه، بهذه المشاركة المتواضع صاحبها ، سائلا الله تعالى ، أن تحظى بالرضى و القبول ... و ستأتي - بحول الله و قوته - في حلقات :

الحلقة الأولى : مقدمة :

تسعى هذه المشاركة - بعون الله و حسن توفيقه- إلى تقديم بعض الجديد المفيد ، و تجنب المكرور المعاد – قدر الإمكان - متوخية الدخول - بفضل الله و كرمه - تحت قوله عليه الصلاة والسلام : "أو علم ينتفع" " و إنما تدخل التواليف في ذلك إذا اشتملت على فائدة زائدة - كما قال أبو عبد الله ابن عرفة - و إلا فذلك تخسير للكاغد" ...
و النفوس ميالة بطبعها إلى الجديد، ضائقة غالبا بالقديم ،كما قال الشاعر الحديث : (جميل صدقي الزهاوي):
سئمت كل قديـــــمٍ * * * عرفته في حَياتي
إن كان عندك شيء* * * من الجديد فهاتِ

و كما قال الآخر حماد الباصوني (شاعر مصري كان حيا سنة 1931م):
مَيلُ النُفوسِ إِلى الجَديدِ تَرامى * * * وَالمَيلُ يوشِكُ أَن يَكونَ غَراما
***
وَالناسُ تَعتَبرُ الطَريفَ تَقَدُّماً * * * وَتَرى الجُمودَ عَلى القَديمِ حَراما
تَذَرُ القَديمَ إِلى الجَديدِ تَوَسُّماً * * * لِلخَيرِ في ظِلِّ الجَديدِ رُكاما

نسأل الله تعالى العصمة من الزلل ، و السلامة في القول و العمل



​

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الثانية:
ترجمةُ الإمام مالك و أخبارُه وتراثُه في المصادر المغربية (1)

تأتي هذه المشاركة بعنوان :"الإمام مالك بعيون مغربية " لتقدم الإمام من خلال المصادر المغربية المباشرة ، وغير المباشرة ، بعيون ملؤها الإعجاب والرضى، لكن دون إقصاء بعض العيون غير الراضية ، أو المريضة أحيانا ، وهي شاذة بل نشاز...
للإمام مالك بن أنس ببلدان الغرب الإسلامي صدى جميل ، و أثُر بعيد في الدين و الحياة ، و تقدير كبير توارثته الأجيال ، جيلا بعد جيل، منذ الرعيل الأول من تلامذته ،الذين رحلوا إليه و أخذوا عنه ، و تعلموامن علمه وسَمته جميعا ، إلى من جاء بعدهم من علماء الغرب الإسلامي الذين ترجموه و اهتموا بتراثه ، عبر مختلف العصور إلى اليوم ...
و تفيد مختلف المصادر أن معاملة مالك لتلامذته المغاربة ،اتسمت في مجملها ، بكثير من المحبة و التقدير، وبزائد من الرعاية والعطف ، الشيء الذي خلدت كتب التراجم بعضه ، عبر نصوص قيمة ، من كلام الإمام في حق هؤلاء الأبناء الأبرار، وفي الوقت ذاته ، من كلام بعضهم في حق أستاذهم المبجل ، مما نسوق منه بعض الشذرات ....
كما أنه كان من نتائج ترسخ مذهب الإمام مالك في بلاد الغرب الإسلامي ، أن توجهت عناية أهلها إلى الاهتمام بإمام دار الهجرة ، و بتراثه العلمي والفقهي، بشكل عز نظيره ، فكتبت في هذا السياق كتب و مقالات في القمة ، كما جادت القرائح بقصائد شعرية ،مترجِمة لتلكم الأحاسيس والعواطف ، مما سنقتطف منه بعض الزهرات ...


يتبع


​

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الثالثة :
ترجمةُ الإمام مالك و أخبارُه و تراثُه في المصادر المغربية - تابع (2)

ينفرد الإمام مالك أو يكاد ، من بين أعلام الشرق الإسلامي عموما وعلمائه على وجه الخصوص ، باهتمام مغربي كبير ، لا يوجد له نظير في مجال كتابة تراجم الرجال و سيرهم بالغرب الإسلامي إلا أن يتعلق الأمر برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو فوق أن يصنف في شرق أو غرب ، ومثل ذلك بالنسبة لكتاب الموطأ ،الذي حظي بعناية فائقة لم يحظ بها كتاب آخر باستثناء كتاب الله عز و جل ...
وعندما نستعرض أسماء المؤلفين ، وعناوين المؤلفات ، نجدها قد صدرت عن أعلام شامخة في دنيا العلم و المعرفة ، وغطت كل الجوانب المتعلقة بالإمام وعلمه وفضله ، وكفى بعالم الأندلس عبدِ الملك بن حبيب و بأبي العرب التميمي و ابن أبي زيد القيواني و أبي عبد الله ابن الحذاء و أبي عمر ابن عبد البر وأبي الوليد الباجي وأبي العباس الداني و أبي بكر بن العربي و أبي الفضل عياض و أبي بكر ابن خلفون الأندلسي وأضرابهم أمثلة مشرقة متألقة ، للتفوق المغربي في الاعتناء بالإمام مالك و تراثه عامة و الفقهي والحديثي خاصة .
و إلى جانب هذه المصادر و غيرِها ، اعتمدت هذه المشاركة عدة نصوص مبثوثة هنا و هناك ، في كتب التراجم و الطبقات خاصة ، و في مختلف المظان عامة من أقوال لمالك ، وأخرى لتلامذته المباشرين بالغرب الإسلامي ، وعددهم غيرُ قليل موزعين بين مختلف أقطار الغرب الإسلامي بنسب متفاوتة ، جرد كاتب هذه السطور - بفضل الله وعونه - أسماء عدد منهم ممن رووا الموطأ فبلغوا نحو العشرين ... و من سائر التلاميذ و عددهم كبير ...
يتبع

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الرابعة:
ترجمةُ الإمام مالك و أخبارُه و تراثُه في المصادر المغربية - تتمة

إلى جانب تلكم المصادر المذكورة سابقا و غيرِها ، اعتمدت هذه المشاركة عدة نصوص مبثوثة هنا وهناك ، في كتب التراجم والطبقات خاصة ، وفي مختلف المظان عامة، من أقوال لمالك ، وأخرى لتلامذته المباشرين بالغرب الإسلامي ، وعددهم غيرُ قليل موزعين بين مختلف أقطار الغرب الإسلامي بنسب متفاوتة ، جرد كاتب هذه السطور - بفضل الله وعونه - أسماء عدد منهم ممن رووا الموطأ و عددهم قريب من العشرين ... ومن سائر التلاميذ وعددهم كبير ...
و تجدر الإشارة – هنا – إلى أن مصطلح "الغرب الإسلامي" مصطلح حديث الاستعمال لم يصبح متداولا إلا منذ أقل من قرن من الزمان للدِلالة على هذا الجناح الغربي من العالم الإسلامي ، ويشمل أقطار المغرب الكبير و الأندلس، و كان الاستعمال السائد في الماضي هو الغرب أو المغرب ، ولعل أبرز من روج لهذا المصطلح و دافع عنه المستشرق الفرنسي المعروف ليفي بروفنسال {1894– 1956} الذي نال الدكتوراه في لغة قبائل شمال المغرب، وعمل أستاذاً بمعهد الدراسات العليا بالرباط، ثم مديراً له...
​

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الخامسة :
مالك و الغرب الإسلامي

عاصر الإمام مالك رحمه الله أهم التحولات الدينية و السياسية التي عرفتها البلاد الإسلامية ما بين {93 –179هـ} فقد فتح عينيه على فتح الأندلس {92هـ} ، وشاهد في عنفوان شبابه سقوط دولة بني أمية ، وقيام دولة بني العباس بالمشرق ، كما شاهد قيام دولة الأمويين بالأندلس {138ه} ، ثم دولة الرستميين الخوارج بالمغرب الأوسط {140هـ} ، ومد الله في عمره ، إلى أن رأى قيام الدولة الإدريسية بالمغرب الأقصى {172هـ}
و كان من الطبيعي أن يتفاعل مع كل ذلك بحكمة وبعد نظر ، مما جعله محل تقدير الجميع ، ومرجوا لكل خير كما سياتي ...
و عاصر على المستوى الديني ، نشأة الفرق الكلامية و المذاهب الفقهية التي كان أحدَ أئمتها ، ورآها وهي تنتشر هنا و هناك ...
و على الرغم من أن الخلافة العباسية كانت ترى فيه و في مذهبه الأمل لتوحيد الصف و جمع الكلمة ، و ذلك بفرض كتابه الموطأ و سير القضاء في الأحكام على مقتضاه ، فإن الإمام مالكا كان يرى غير ذلك فيقول – على سبيل المثال - للخليفة العباسي المنصور :" إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها "
لكنه في الوقت ذاته كان يعرف موقعه و مجال نفوذه، الشيء الذي لم يمنعه أن يقول للمنصور نفسه أو للمهدي من بعده :" أما هذا الصُّقع– وأشار إلى المغرب – فقد كُفيتَه، أو كَفَيتُكَهُ وأما الشام ففيهم من قد علمتَ – يعني الأوزاعي -، وأما العراق، فهم أهل العراق.

---

---

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة السادسة :
مالك و الغرب الإسلامي- 2
لعل فيما سياتي ما يدل على تطلع الإمام مالك إلى وحدة سنية في الغرب الإسلامي ، و هو ما تحقق جزء منه في حياته ، فلم يمت حتى قرت عينُه ببعض ذلك .
و قد ساعدت على بلوغ تلكم الغاية ، عدة عوامل من أبرزها الرحلة المغربية في طلب العلم ، و التي كانت المدينة النبوية المنورة أهم محطاتها ، كما كان الإمام مالك بنُ أنس أشهَرَ شيوخها، و أبعدَهم أثرا في المتلقين من مختلِف البلاد الإسلامية.
و الظاهر أنه لم تكن لمالك أطماع سياسية و لا حتى مذهبية خاصة، وإنما الذي كان يعنيه بالدرجة الأولى ،هو تحقيق وحدة إسلامية سنية ، في وقت تزايدت فيه أطماع الفرق الإسلامية المتطرفة من خوارج و رافضة ، الذين أسسوا بعض الإمارات في جهات مختلفة من بلاد الغربالإسلامي ، و كان يرى جدارةَ أهل المغرب بالقيام بتلكم المهمة و تحقيقِ ذلكم الطموح ، ومن ثم كان يشجع النابهين من تلامذته المغاربة ، على تعليم القرآن و تولي الفتيا والقضاء في بلدانهم إذا عادوا إليها ، ولعل من ذلك تولي عامر بن محمد القيسي القضاء لإدريس الثاني بالمغرب
و كانت لمالك فراسة لا تكاد تخطيء ، نظر يوما إلى ابن فروخ فقال : هذا فقيه بلده ، ونظر إلى ابن غانم فقال : وهذا قاضي بلده ، و نظر إلى البهلول ابن راشد فقال : وهذا عابد بلده
وكان ابن فروخ الفارسي يكاتب مالكا و يجاوبه... و كان الإمام يكرمه و يعظمه، و يقول عنه لأصحابه :"هذا فقيه المغرب "

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة السابعة:
مالك و الغرب الإسلامي - 3

بلغ اهتمام الإمام بأخبار المغرب و علمائه إلى درجة السؤال و التتبع
عن محمد بن بشير المعافري قال : سمعت مالك بن أنس يقول : " تكاد أحاديث ابن عمران تكون سيرا " قال محمد بن حارث الخشني : فلا أدري أي ابن عمران أراد ؟ إن كان مصعب ابن عمران – قاضي قرطبة - لأن ابن بشير كان كاتبه فلعله كان يحكي له أخباره أو أراد محمد بن عمران الطلحي قاضي المدينة ، والأقرب أن يكون المراد مصعب بن عمران لمجالسة ابن بشير له و أنه كان كاتبَه و أعرفَ الناس بأخباره .
و كان الإمام مالك كما قال القاضي عياض كثيرا ما يتمثل :
وخيرُ أمور الدين ما كان سنةً . . . و شرُ الأمور المحدثات البدائع
و نقل قول إسحاق بن عيسى: "رأيت رجلا من أهل المغرب جاء مالك بنَ أنس فقال :إن الأهواء كثرت قِبَلنا، فجعلتُ على نفسي إن أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني به ، فوصف له مالك شرائع الإسلام: الصلاةَ و الزكاةَ والصومَ و الحجَ ، ثم قال :خذ بها ولا تخاصم أحدا "
قال الأستاذ محمد بن إبراهيم الكتاني معقبا على ذلك: "بهذه النصيحة و جه مالك تاريخ الغرب الإسلامي كلِه ، في إفريقيا الشمالية و إفريقيا الغربية و السودان و الأندلس نحو (السنة)، و قطع الطريق على الخارجية والشيعة الغالية و الاعتزال "
و الواقع الذي تؤكده النصوص هو أن وصايا الإمام مالك لتلامذته كانت تسير كلها في هذا الاتجاه ، و تصب في هذا المصب ...
قال يحيى بن يحيى الليثي :" لما ودعت مالكاسألته أن يوصيني فقال لي : عليك بالنصيحة لله ولكتابه و لأئمة المسلمين وعامتهم "
و قال أسد بن الفرات (ت 213هـ) :"كنت أنا و صاحبُ لي نَلزم مالك بنَ أنس، فلما أردنا الخروج إلى العراق أتيناه مودعين له فقلنا له :أوصنا ، فالتفت إلى صاحبي فقال :أوصيك بالقرآن خيرا ، و التفت إلي فقال :أوصيك بهذه الأمة خيرا.
قال أسد : فما مات صاحبي حتى أقبل على القرآن و العبادة "

​

---

​

---

​

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الثامنة
مالك و الغر ب الإسلامي - 4

كان الإمام يتتبع باهتمام كبير ما يجري في بلدان الغرب الإسلامي ، كما يدل على ذلك مثل سؤاله زياد بن عبد الرحمن اللخمي(ت204هـ) فقيه الأندلس المعروف بشبطون ،عن هشام فلما أخبره عن مذاهبه و حسن سيرته قال مالك :"ليت الله زين سمتنا بمثل هذا"
و كان مالك يوصي المغاربة بالحفاظ على الأمن والاستقرار و تجنب الفتن
و من ثم فلا عجب أن يقول طالوت بن عبد الجبار المعافري للحكم الربضي " كيف يحل لي أن أخرج عليك و قد سمعت مالك بن أنس يقول :سلطان جائر مدة ، خير من فتنة ساعة ؟
قال الحكم: الله تعالى لقد سمعت هذا من مالك ؟
قال طالوت : اللهم إني قد سمعته ، قال :فانصرِف إلى منزلك و أنت آمن"
- و كان قرعوس القرطبي الأندلسي (ت220هـ) ممن اتهم بالقيام على خلع الحكم بن هشام الأموي فكلمه شخص على لسان الحكم و قال له :"مثلك من أهل الديانة و الأمانة والعلم يساعد السفلة ، ولو نفد لهم أمركم كان يهتك الستور و يستحل الفروج إلى أن يقوم إمام يزع الناس "
قال :" معاذ الله أن أفعل أو أشايع في مثل هذا بيد أو لسان، و قد سمعت مالكا و الثوري يقولان:"سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من نهار "
ويرى الدكتور حسين مؤنس، أن المالكية امتازت بأنها لم تكن مذهبا فقهيا فحسب ، بل مذهبا سلوكيا أيضا ، و أن الذين تخرجوا بمدرسة الإمام مالك من تلامذته ،المباشرين و غير المباشرين ، عرفوا كيف يقيموا لأنفسهم في البلاد التي استقروا فيها، سلطانا روحيا معنويا وسياسيا ، دون أن يثيروا مخاوف أهل السلطان "

---

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة التاسعة
مالك و الغرب الإسلامي - 5

رأى ولاة الأمر بالغرب الإسلامي ، في الأخذ بمذهب مالك النجاة ، فقال إدريس الأكبر مؤسس الدولة المغربية في حياة الإمام مالك : "نحن أولى بمالك ..."
قال محمد بن جعفر الكتاني في سياق ترجمته عبد الله الكامل والد إدريس الأكبر :" روى عنه مالك في الموطأ في المسح على الخفين"
و قال عبد الرحمن بن محمد الجيلالي:"كان إدريس يقول:" نحن أحق باتباع مذهب مالك و قراءة كتابه " و ذلك لرواية الإمام مالك في الموطأ عن والده عبد الله "
و هذه الرواية لا يوجد فيما بين أيدينا من روايات الموطأ ما يؤكدها ، و قد تكون في رواية أخرى لم يكشف عنها بعد ، أو خارج الموطأ ...
المهم هو أن صلة مالك بعبد الله الكامل العلمية ، ترجع إلى التلمذة له والرواية عنه، والاقتداء به في بعض الأمور الفقهية كالسدل في الصلاة …
ثم إنه من المعلوم تاريخيا ، أن الإمام مالكا كان متعاطفا مع آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،متصلا بهم، و تتلمذ لإمامين بارزين منهم هما : عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب ، و جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ولما ظهر العباسيون اعتبرهم الإمام مالك مغتصبين للخلافة من محمد النفس الزكية ولد عبد الله الكامل الأكبر، لأن بني هاشم ، كانوا قد بايعوه قبل ذلك ، و من جملتهم المنصور العباسي ، ومن ثم رجح مالك وأبو حنيفة إمامة محمد النفس الزكية على إمامة أبي جعفر. وكان الإمام مالك يفتي بعد ذلك بعدم جواز طلاق المكره، تعريضا بالمنصور لذلك، مما سبب له المضايقة والأذى من قبله.
وفي قول إدريس الأكبر السابق :" نحن أحق باتباع مذهب مالك و قراءة كتابه" ما يوحي بأنه ربما كان يعرض بالعباسيين ، حين طلبوا من الإمام مالك ، فرض موطئه على العالم الإسلامي ، الشيء الذي رفضه مالك رحمه الله تورعا ...

---

 

[سمية]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

تقديم بعض الجديد المفيد، وتجنب المكرور المعاد

هذا ما نتطلع إليه شيخنا الفاضل.

قال محمد بن جعفر الكتاني في سياق ترجمته عبد الله الكامل والد إدريس الأكبر :" روى عنه مالك في الموطأ في المسح على الخفين"
و قال عبد الرحمن بن محمد الجيلالي:"كان إدريس يقول:" نحن أحق باتباع مذهب مالك و قراءة كتابه " و ذلك لرواية الإمام مالك في الموطأ عن والده عبد الله "
و هذه الرواية لا يوجد فيما بين أيدينا من روايات الموطأ ما يؤكدها ، و قد تكون في رواية أخرى لم يكشف عنها بعد ، أو خارج الموطأ ...

جزاكم الله خيرًا، وهذا بعض جديد عرضكم- فلم يسبق لي قراءة هذه المعلومة من قبل- وإن كانت طريقة العرض في حد ذاتها جديدة من حيث الطرح.
متابعة بإذن الله، وأرجو تثبيت الموضوع بعد الفراغ منه.

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

هذا من نبل أخلاق الأخت الفاضلة ، وحسن ظنها بأخيها -كعادتها - بارك الله فيها ، وجعل أعمالنا جميعا خالصة لوجهه الكريم ...

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة العاشرة
مالك و الغرب الإسلامي - 6

لا شك أن اتباع مذهب مالك ببلاد الغرب الإسلامي منحها الوحدة و الاستقرار و جنبها كثيرا من البدع ...
كتب الحكم المستنصر - بعد انتشار المذهب المالكي في بلاد الغرب الإسلامي- إلى الفقيه أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التجيبي: "وكل من زاغ عن مذهب مالك فإنه ممن رين على قلبه و زين له سوء عمله وقد نظرنا طويلا في أخبار الفقهاء ، وقرأنا ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا فلم نر مذهبا من المذاهب غيره أسلم منه ، فإنا ما سمعنا أنأحدا ممن تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع فالاستمساك به نجاة إن شاء الله تعالى"
و الملاحظ - فعلا - ندرة من يمكن تسميتهم مبتدعة بين أتباع مالك ، لا يكاد الباحث يعثر منهم إلا على الآحاد ،كالفقيه المالكي عبد الأعلى بن وهب بن عبد الأعلى الأندلسي {261هـ} الذي كان ينسب إلى القدر، والقول بأن الأرواح تموت ، وكأبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حزم الغافقي{ت403هـ} الذي فات المقري أن يعرف غيره فقال:"ما سمعت بمالكي معتزلي غير هذا"

---

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الحادية عشرة
مالك و الغرب الإسلامي - 7:

من الأمور التي أكبرها تلامذة مالك عموما و تلامذته المغاربة على وجه الخصوص في شيخهم ، وأثرت في نفوسهم وظلوا يذكرونها بإعجاب و يتمثلونها في سلوكهم، ما أعطى للعلم ومجالسه في عصره ، من هيبة كبيرة ، حتى قال سعيد بن أبي هند الأندلسي، وكان مالك يسميه الحكيم :" ما هبت أحدا هيبتي عبد الرحمان بن معاوية ، حتى حججت فدخلت على مالك ،فهبته هيبة شديدة صغرت هيبة ابن معاوية.
قال ابن وضاح :"... و كان مالك يسأل عنه يقول : ما فعل الحكيم عندكم بالأندلس ؟ لكلمة سمعها منه وهي أن مالكا قال يوما : ما أحسن السكوت وأزينه بأهله ،فقال ابن أبي هند : و كل من شاء سكت يا أبا عبد الله ؟ فأعجبت مالكا كلمته"
وكان مجلس الإمام مالك مهيبا ، يعطي فيه المثال في إجلال العلم ،و وقار العلماء
عن أبي الوليد هشام بن عمار بن نصير الدمشقي قال :باع أبي عمار بن نصير بيتا له بعشرين دينارا ، و جهزني للحج ، فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك بن أنس و معي مسائل أريد أن أسأله عنها ، فأتيته و هو جالس في هيبة الملوك و غلمان قيام والناس يسألونه و هو يجيبهم فلما انفض المجلس قال لي بعض أضحاب الحديث : سل عما معك إلى آخر القصة كما رواها ابن الأبار في المعجم في أصحاب الصدفي ...
قال يحيى بن يحيى الأندلسي :"كنت جالسا عند مالك فوقعت على رأسه وزغتان فمرتا على قَلَنسُوَتِه ، ثم دنتا إلى عنقه حتى دخلتامن تحت طوقه ، حتى خرجتا من تحت ثيابه ، و ما نفضهما و لا حل حبوته "
وكان يحيى الليثي أنموذجا لهذا المثال في الأندلس بعد عودته من المشرق و جلوسه للعلم ، و كان كما قال تلميذه ابن باز : أخذ بزي مالك و سمته .

---

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة الثانية عشرة
مالك و الغرب الإسلامي - 8

كان مالك يفسح المجال لتلامذته المغاربة بعد التخرج ، لحضور مجلسه و المشاركة في العملية التعليمية ،و في الإجابة على أسئلة السائلين .
وعلى الرغم من هيبة مالك – التي تحامل بعضهم و لم ينصف فسماها تكبرا - فقد كانت علاقة الإمام بتلامذته ، تتميز بكثير من المحبة و المودة بسبب أخلاقه العالية ، ورحابة صدره، وعظيم عنايته بالراحلين إليه ،خصوصا من بلاد المغرب الذين كانت علاقته بهم تتسم بكثير من الاهتمام الموصول، حتى بعد رجوعهم إلى بلدانهم .
فهذا عبد الله بن غانم القاضي الإفريقي (190هـ) كان مالك يجله ، وإذا جاء أقعده إلى جانبه، ويسأله عن أخبار المغرب، فكان إذا رآه ابن القاسم و أصحابه من طلبة العلم قالوا: شغله المغربي عنا ، ولما ولي القضاء ،أعلم مالك بذلك أصحابه ، وسر به.
و يقال إن مالكا عرض عليه أن يزوجه ابنته ، و يقيم عنده فامتنع من المقام وقال له : إن أخرجتها إلى القيروان تزوجتها"
و عندما قدم المدينة زائرا بعد حجه ، توجه إلى قبر النبي صلى الله عليه فسلم عليه ، ثم أتى مالك بن أنس فلما رآه قام إليه ، و كان لا يكاد يفعل ذلك لكثير من الناس وأجلسه إلى جانبه وسأله عن أحواله وقدومه ، فأعلمه أن قدومه كان في الوقت ، فقال: صدقت ، لو كان قدومك تقدم لعلمت ، ولو علمت لأتيتك ، وجعل مالك لا ترد عليه مسألة و عبد الله حاضر إلا قال له : أجب يا أبا محمد فيجيب ، فيقول مالك للسائل : هو كما ذكر لك ...
ثم التفت مالك إلى أصحابه فقال :هذا فقيه المغرب .
قال عياض :" و في خبر آخر أنه أتى مالكا فأجلسه معه على دكان فأتاه سائل من أهل المغرب بمسائل في الجنايات فقرئت عليه ، فقال له مالك: أجبهم يا أبا محمد، فهم أهل بلدك ، فقال له ابن فروخ : بحضرتك ؟ قال : نعم، عزمت عليك .
و ربما أثرت هيبة المجلس على أحدهم فلا يلبت الإمام مالك أن يشجعه وينافح عنه كما حدث لزياد شبطون عندما دخل مرة على الإمام مالك بالمدينة زائرا و عنده ابن كنانة ، فلم يعرفه ابن كنانة ، فسأله ابن كنانة عن بلده فذكره ، فقال له من فقيه بلدكم ؟ قال : أنا ،أو نحو ذلك ، فجاراه ابن كنانة في المسائل فلم يات منه ما أحب ، فقال مع الشاعر:
وإنّ بقوم سوّدوك لفاقةً ... إلى سيدّ لو يظفرون بسيّد
فقال له مالك :أحفظت الرجل و أسأت أدبه ،فلما استقر المجلس بزياد جاراه ابن كنانة ، ففجر منه بحرا ، فعلم أن ما كان منه أولا كان لهيبة المجلس .
و من تواضع مالك أنه لم يتردد ، في الإخبار بأنه روى عن تلميذه يحيى بن مضر القيسي القرطبي (ت189هـ) حكاية عن سفيان الثوري :أن الطلح المنضود هو الموز ، و قال :أخبرني بذلك عن سفيان يحيى بن مضر فقيه الأندلس .

 

[أمير فوزي بن عبد الكريم]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

جزيتم خيرا شيخنا, درر وللآلئ

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

العفو أخي الكريم بارك الله فيكم و نفع العبد بدعائكم

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة 13
مالك و الغرب الإسلامي - 9

حاز مالك ثقة تلامذته في علمه و عمله ، فكانوا يرحلون في سبيل ذلك ، ويسعون إلى أخذه عنه في حياته ثم عن تلامذته بعد وفاته ...
عن سحنون قال:" قرأ علينا ابن غانم كتابا من الموطأ فقال له رجل :
"يا أبا عبد الرحمن ، أيعجبك هذا من قول مالك ؟ فقام ابن غانم ، وألقى الكتاب من يده وقال :" أو ليس وصمة علي في ديني وعقلي أن أرد على مالك قولة قالها ؟ والله لقد أدركت العباد يتورعون عن الذر فما فوقه – سفيان و دون سفيان – فما رأيت بعيني أورع من مالك"
و ظل هذا دأب طلبة العلم المغاربة حتى بعد موت مالك
فهذا سحنون بن سعيد يوصي ابنه محمدا عندما أراد أن يرحل قائلا :
"إذا أردت الحج تقدم أطرابلس وكان فيها رجال مدنيون و مصر و فيها الرواة و المدينة وفيها عشيرة مالك و مكة ، فاجتهد جهدك فإن قدمت علي بلفظة خرجت من دماغ مالك، ليس عند شيخك أصلها، فاعلم أن شيخك كان مفرطا"
قال سعيد بن الحداد – المغربي -: "كان مالك من الراسخين في الإسلام ، فقال له أبو طالب يوما : ففي العلم يا أبا عثمان؟ قال: كان والله أرسخ في العلم من الجبال الراسيات "

---

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

الحلقة 14
مالك و الغرب الإسلامي - 10

صورة مالك بعيون مغربية :
قال الحافظ ابن عبد البر في سياق حديثه عن الإمام مالك :" كان أشقر شديد البياض ، ربعة إلى الطول ، كبير الرأس أصلع ، و لم يكن بالطويل رحمة الله ورضوانه عليه "
و جاء في أزهار الرياض للمقري وصف مالك وهو فتى يافع في مجلس شيخه جعفر الصادق بعد أن أذن له في حضور مجلسه:" كان مالك وسيما ، أبيض أحمر ، و كان له في صدره نهدان كنهدي البكر ..."
و وصفه عبد الله بن أبي حسان في كبره، و هو خارج إلى المجلس من بيته، في لقطة معبرة قال:
" لما أتيت مالكا وجدته قد ارتفع ، و باب داره مغلق ، فقرعت الباب فخرجت إلي جارية صفراء فقالت :
من أهل المسائل أنت أم من أهل الحوائج؟
قلت :غريب أتيته قاصدا .
فقالت : ليس هذا وقتك ، ادخل السقيفة
فدخلت فلما كان وقت خروجه فتحت الباب- و وصف صورة المجلس - ثم خرج مالك بين تلك الجارية و فتى ، تخط رجلاه في الأرض كبَرا ، كأني أنظر إلى جماله و بهائه ، و شعر رأسه قد تعقف جعودة ..."

 

[أم طارق]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

أحببت أن أخص هذا الملتقى الفقهي العتيد الذي أعتز بالانخراط فيه،

جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل
والملتقى وأهله محظوظون باختصاصكم له بهذه الدرر النفيسة
ونحن متابعون لكم وبانتظار انتهائكم من جميع حلقاته لتجميعه في ملف واحد مذيل بشعار الملتقى حتى يكون ضمن إصدارات الشبكة المستقبلية

وأرجو تثبيت الموضوع بعد الفراغ منه.

سيتم التثبيت فور الانتهاء بإذن الله

 

[الدكتورعزالدين المعيار]

رد: الإمام مالك بعيون مغربية

شكرا للأخت الفاضلة أم طارق ، ولكل الإخوة الأفاضل ، و الأخوات الفضليات ، الذين تجاوبوا جميعا مع هذا الموضوع ، على ثقتهم الغالية في أخيهم ، وتشجيعهم له ، وحسب المرء في هذا الزمان ، أن يجد إذا أحسن ، من يقول له أحسنت ... بارك الله فيكم