طارق يوسف المحيميد
:: متخصص ::
- إنضم
- 29 مايو 2010
- المشاركات
- 159
- التخصص
- مقاصد الشريعة
- المدينة
- حلب
- المذهب الفقهي
- شافعي
آراء معاصرة في حد الردة :
هناك اتجاه فكري معاصر حول الردة , وهو اتجاه بدأ يأخذ بالاتساع , وربما كان لحركة البحث التخصصي والرسائل البحثية والمقارنة مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان تأثير على هذا الاتجاه , في بداية تكونه على الأقل , إلا أنه وأيا كان الدافع فإنه لا يلغي أحقية أصحابه بتقديم آرائهم , خاصة وأنهم رأوا أن نصوص القرآن لا تحمل أية عقوبة دنيوية للمرتد كما سبق بيانه, بينما يمكن تأويل نصوص السنة وحملها على الحرابة والخروج على نظام الدولة المسلمة , ويحمل هؤلاء نصوص السنة التي ورد ذكرها أعلاه على من قصد تقويض نظام المجتمع الإسلامي وهدم مقوماته مما يدخل في مفهوم ( الخيانة العظمى ) [1] , أو أن تقترن الردة بمقاصد عدوانية تكون الردة مجرد مدخل إليها وهو مسلك يتخذ في أساسه طابع التمرد على النظام والعدوان على المصلحة العامة [2] وذلك بجمع الأحاديث بعضها مع بعض .
وكان الدكتور محمود شلتوت قد قدم لمثل هذه الفكرة لكن على سبيل التساؤلات فقط دون تقرير لرأيه فقال :
هل المراد بمن بدل دينه فاقتلوه من المسلمين فقط ؟ أم يشمل من تنصر بعد أن كان يهوديا مثلا ؟
وهل يشمل هذا العموم الرجل والمرأة ؟
وهل يقتل المرتد فورا أو يستتاب ؟
وانتهى إلى أن وجهة النظر قد تتغير إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد , وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم [3] “ .
وتابع الدكتور محمد عمارة في هذا الاتجاه فقال بعد أن رصد مجموع الآيات التي تحدثت عن الردة :” وهكذا خلت تجربة المدينة المنورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة عقوبة دنيوية على جريمة الردة لأن أصحابها قد وقفوا بها عند حدود ( الخيار الفكري) ولم يفارقوا الأمة أو ينشروا زندقتهم علانية بين الناس “ [4] .
ومن هنا يرى هؤلاء ومن نهج نهجهم أن عقوبة الردة هي عقوبة تعزيرية وليست حدا , ويرجع تقديرها للحاكم المسلم [5] .
ومثل هذا الرأي بدأ يصل مداه إلى أروقة المجمع الفقهي الإسلامي , فقد قدم الدكتور قطب سانو نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي ورقة بحث للمؤتمر الذي عقده المجمع بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة عام 2009م بعنوان “ موقف الشرع من الحرية الدينية في ضوء الأصول والمقاصد والمآلات “ ذهب فيها إلى القول أن الردة ما لم تقترن بحرابة لا يجب أن تصل عقوبتها للقتل [6] .
ويستند هذا الاتجاه بالإضافة إلى ما سبق من عدم تقرير القرآن لعقوبة دنيوية وحمل الأحاديث السابقة على الحرابة المقرونة بالردة , يستندون كذلك إلى نصوص من السنة النبوية وأفعال الصحابة تؤيد قولهم وهي :
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه [7] أَنَّ رَجُلًا كَانَ نصرانيا فأسلم و قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فكان يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,فعاد نصرانيا فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له , فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه , فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض , فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب فألقوه خارج القبر , فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا , فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه " [8] .
وقد يرد على أصحاب هذا الاستدلال بأن هذا الرجل ارتد لكنه لحق بالمشركين فلم يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من إقامة حد الردة عليه .
2-عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه [9] : أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام , فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتي الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم جاء فقال : أقلني بيعتي فأبى , ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها “ [10] .
قال شراح الحديث : ظاهر في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام , كما يحتمل أن يكون طلب الإقالة من شرط البقاء في المدينة , أو الهجرة [11].
3-ومن الآثار التي أوردها أصحاب هذا الاتجاه وأيدوا بها قولهم بأن عقوبة الردة تعزيرية , ما رواه عبد الرزاق [12] في مصنفه عن أنس رضي الله عنه قال :”: ( بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضي الله عنه , فسألني عمر - وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين - فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قال : فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قلت: يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل , فقال عمر : لأن أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء قال: قلت: يا أمير المؤمنين وما كنت صانعا بهم لو أخذتهم؟ قال: كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن ) [13] .
5- ويمكن أن نضيف لهذا الاستدلالات ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية من أن من جاء من المدينة هاربا إلى قريش لا ترده قريش للرسول صلى الله عليه وسلم و وكان ذلك في السنة السادسة للهجرة [16] .
والحقيقة أنه لا يمكن أن يتهم هؤلاء بالمحاباة والمداهنة للغرب أو للأديان الأخرى , حيث إن ضغط مثل هذه الفكرة يخف إذا علمنا أن بعض هؤلاء جردوا جزءا كبيرا من حياتهم وجهدهم الفكري لمحاربة التغريب الثقافي , و إذا علمنا أيضا أن كل الأديان تعاقب من يرتد عنها , فقد جاء في جاء في سفر التثنية “ 13 : 6 ] “ وإذا أضلك سرا أخوك ابن أمك , أو ابنك أو ابنتك , أو زوجتك المحبوبة , أو صديقك الحميم , قائلا : لنذهب ونعبد آلهة أخرى غريبة عنك وعن آبائك من آلهة الشعوب الأخرى المحيطة بك أو البعيدة عنك من أقصى الأرض إلى أقصاها فلا تستمع له ولا تصغ إليه و لا يشفق قلبك عليه ولا تترأف به , ولا تتستر عليه , بل حتما تقتله , كن أنت أول قاتليه , ثم يعقبك بقية الشعب , ارجمه بالحجارة حتى يموت “ .
نعم قد تكون منظمات ومبادئ حقوق الإنسان قد أسهمت بشكل غير مباشر في محاولات البحث حول هذا الحد , وربما تكون مبادئ حرية الرأي والاعتقاد التي أصبحت فكرة سائدة قد أجبرت هؤلاء على تجديد البحث وتكراره , والتنقيب عن شيء يتوافق وفكرة الحرية الاعتقادية واختيار الدين , ومما يؤكد هذا الظن أن بقية الحدود لم تحظ بما حظي به حد الردة من العناية والبحث , وكانت المادة 18 من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن : “ لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة “ [17] . وهو إعلان وافقت عليه أغلب الدول العربية والإسلامية مع تحفظ على عبارة ( حرية تغيير ديانته أو عقيدته ) .
فكان أن عثر هؤلاء الباحثون المعاصرون على نصوص ومواقف تؤيد ما ذهبوا إليه أو رغبوا به , واكتفوا بوصف الردة بأنها كبيرة من الكبائر وأن لها عقوبة أخروية هي النار , وأن هناك عقوبة دنيوية تعزيرية يرجع تقديرها للقاضي , وذلك خلافا لما استقر عليه حال الفقه الإسلامي من قتل المرتد حدا بعد استيفاء شروط الردة عليه , ومن ثم فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين [18] .
-ينظر الجنايات وعقوباتها في الاسلام وحقوق الإنسان للدكتور محمد بلتاجي 20 دار السلام ط1/2003 م . [1]
-عقوبة الإعدام –محمد عبد اللطيف عبد العال 171 دار النهضة العربية 1989م . [2]
- ينظر : الإسلام عقيدة وشريعة –محمود شلتوت 281 . – دار الشروق –مصر ط18/ 2001 م .[3]
- التفسير الماركسي للإسلام – محمد عمارة 27 – ط2/2002م . دار الشروق – القاهرة . [4]
- دعائم الحكم في الشريعة الإسلامية – اسماعيل بدوي 166 . [5]
-ينظر ص 21 من البحث المذكور . والأوراق لم تطبع لكن لدي نسخة من الورقة المذكورة حيث إني حضرت المؤتمر . [6]
-أنس بن مالك : أنس: أنس بن مالك ابن النضر, خادم رسول الله صلى الله علي وسلم وقرابته من النساء وآخر أصحابه موتا , قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر ومات وهو ابن عشرين, فصحب أنس نبيه صلى الله عليه وسلم أتم الصحبة ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر وإلى أن مات وغزا مرة وبايع تحت الشجرة.السير3/395.[7]
[8] -رواه البخاري في صحيحه 890 كتاب المناقب باب علامات النبوة في الاسلام , رقم 3617 .ومسلم 1283في كتاب صفا ت المنافقين وأحكامهم – رقم 2781 .
[9]-حابر بن عبد الله : جابر بن عبد الله بن عمرو بن مرام ، صاحب النبي وابن صاحبه " عبد الله الأنصاري الخزرجي السلمي " ، من أهل بيعة الرضوان شهد العقبة والخندق وقيل شهد بدراً وعمره 18 سنة والده من النقباء البدريين ت 78 هـ السيرة 3-189.
-رواه البخاري في صحيحه 1782 كتاب الأحكام باب من بايع ثم استقال البيعة رقم 7211 .[10]
[11]- ينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري –ابن حجر 13/247 مكتبة دار السلام – الرياض , ط3/2000م وشرح النووي على مسلم5/132دار الكتب العلمية –بيروت , ط1/2000م
[12] -عبد الرزاق : عبد الرزاق : عبد الرزاق بن همام الصنعاني ولد عام 126 هـ , وهو من حفاظ الحديث ولقب بمحدث اليمن , له من الملفات المصنف وله تفسير للقرآن
-رواه عبد الرزاق في مصنفه 10/165-166 , رقم 18696 , ط2/1983 . المجلس العلمي –جنوب أقريقيا وبيروت . [13]
[14] -عمر بن عبد العزيز : عمر بن عبد العزيز الأموي القرشي ولد سنة 61 هـ بالمدينة , يكنى بأبي حفص , ثامن الخلفاء الأمويين , ويرجع نسبه لأمه إلى عمر بن الخطاب , تعلم في المدينة ثم انتقل إلى الشام وصار واليا على دير سمعان قرب حلب ثم واليا على المدينة المنورة والطائف . بويع بالخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك , لقب بخامس الخلفاء الراشدين لعدله , توفي سنة 101هـ . سير أعلام النبلاء 5/144 .
- مصنف عبد الرزاق 10/171 . رقم 18714[15]
- الرحيق المختوم للمباركفوري 293 . دار السلام –الرياض- لاذكر لتاريخ ورقم الطبعة [16]
- http://www.un.org/ar/documents/udhr/[17]
-ينظر : أحكام المرتد للدكتور نعمان السامرائي 183 دار العلوم ط2/1983 / الرياض , التشريع الجنائي الاسلامي لعبد القادر عودة 2/720 . [18]