خيار النقد مصطلح سائد عند الحنفية،
بوصفه فرعًا من فروع فقه الخيارات في البيوع، فقد عرفه الحنفية بأنه: "حق يشترطه العاقد للتمكن من الفسخ
لعدم النقد". [حاشية ابن عابدين: 4/ 571].
خيار النقد عند الحنفية
فرع عن خيار الشرط، وهو أن يشترط المتبايعان في عقد البيع بالنسيئة أن المشتري إذا لم يدفع الثمن في الأجل المعين،
وهو ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما. فإن اشترى على هذا النحو
على أنه إن لم ينقد (يدفع) الثمن إلى أربعة أيام، لم يصح خلافاً لمحمد؛ لأن هذه هي المدة المشروعة في خيار الشرط. وراعى محمد مصلحة العاقدين في اشتراطه إلى أي مدة كانت.
إن نقد في مدة الثلاثة أيام، جاز باتفاق الحنفية؛ لأن خيار النقد ملحق بخيار الشرط. وهو جائز أيضاً عند الحنابلة كشرط الخيار، لكن ينفسخ البيع عندهم إن لم ينقد المشتري الثمن في المدة. أو هو أن يشترط البائع على المشتري أنه إذا رد الثمن إلى المشتري في مدة ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما، فله وجهان إذن.
ويسقط: بموت المشتري أثناء مدة الخيار، فإذا مات المشتري بطل البيع. أو: إذا تصرف المشتري بالمبيع بالبيع ونحوه في مدة الخيار، قبل أن ينقد الثمن. أو: إذا أتلف المشتري أو الأجنبي المبيع في مدة الخيار بعد القبض، للعجز عن الرد. أو: إذا أحدث المشتري في المبيع عيباً يمنع رده للبائع، ولم ينقد الثمن، ويخير البائع حينئذ بين أخذ المبيع ناقصاً، ولا شيء له من الثمن، وبين تركه وأخذ الثمن.
وراجع: المبسوط: (13/ 50)، وفتح القدير مع العناية: (5/ 114 - ومابعدها)، رد المحتار والدر المختار: (4/ 51) .
انظر: الفقه الإسلام وأدلته، للزحيلي (
اضغط هنا) ، وفيه:
((الفرق بينه وبين خيار الشرط:
أن الأصل في خيار الشرط اللزوم، فإذا انتهت المدة المشروطة دون فسخ، لزم. أما خيار النقد فالأصل فيه عدم اللزوم، فإذا لم ينقد الثمن في الثلاث فسد البيع إذا بقي المبيع على حاله، ولاينفسخ، بدليل أن المشتري يتملك المبيع بالقبض. وعند الحنابلة: ينفسخ البيع،
وقد أجازه الحنفية عدا زفر؛ لأنه داخل في خيار الشرط، ولم يجزه زفر؛ لأنه شرط ليس من مقتضى العقد، وفيه مصلحة لمن شرط له. )). اهـ.
وجاء في "
خيار النقد في الفقه الإسلامي وتطبيقاته الاقتصادية المعاصرة" للدكتور/ محمد نجدات المحمد، وهي عبارة عن رسالة ضمن مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية (المجلد 29-العدد الأول-2013 / الصفحات 386 - وما بعدها):
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/law/images/stories/1-2013/383-410.pdf
((ولخيار النقد صورتان عند الحنفية:
-الصورة الأولى: وهي أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة على أنك إن لم تنقدني الثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيننا. ومستعمل الخيار في هذه الصورة هو المشتري، وإن كانت فائدته الكبرى للبائع. وقد وصفوا هذه الصورة أنها بمنزلة اشتراط (خيار الشرط) للمشتري. [حاشية ابن عابدين: 4/ 751].
-الصورة الثانية: وهي أن يقول الشتري للبائع بعد أن ينقده الثمن: اشتريت منك هذه السلعة بثمن كذا، على أنك إن رددت إلي الثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيننا، ومستعمل الخيار هنا هو البائع، وهو وحده المنتفع بالخيار. وهذه الحالة الثانية ذات شبه تام ببيع الوفاء، مما جعل بعضهم يُدخل بيع الوفاء في خيار النقد، وهو قول البائع للمشتري: بعتك هذه الدار بكذا بشرط أني متى رددت الثمن في موعد كذا ترد المبيع، وهذه الصورة بمنزلة اشتراط (خيار الشرط) للبائع. [المرجع السابق. الفتاوى الهندية: 3/ 39].
والأصل فيه عند الحنفية، أي البيع بخيار النقد -وهو القياس- عدم جواز البيع الذي يُشترط فيه خيار النقد، إلا أنه جُوِّز استحسانًا، ووجه الاستحسان الاحتراز من مماطلة المشتري؛ لأن المشتري إن لم يدفع فالحاجة تمس إلى فسخ البيع، وإذا حصل البيع بشرط خيار النقد، يكون لكل من البائع والمشتري
ويجب تعيين المدة فيه، ويفسد البيع إذا لم يؤده الثمن في المدة المعينة. [أحكام المعاملات، د. كامل موسى، ص: 177].
...
وقد عدّ بعض فقهاء الحنفية خيار النقد بمنزلة خيار الشرط إذا كان في صورته الأولى [فتح الباري، ابن حجر: 1: 113]،
وذهب بعضهم إلى أن هناك فرقًا بين خيار الشرط وخيار النقد.
والراجح في ذلك إلى أن هناك فرقًا بين الخيارين بدليل:
-أن خيار الشرط ثبت بالنص في الحديث السابق وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا" -صحيح البخاري (2113)-. أمّا خيار النقد فقد ثبت بالاجتهاد.
-أن
الأصل في خيار الشرط اللزوم، فإن انتهت المدة المشروطة دون فسخ، لزم. أمّا خيار النقد فالأصل فيه عدم اللزوم، فإذا لم ينقد الثمن في الثلاث فسد البيع إذا بقي المبيع على حاله، ولا ينفسخ بدليل أن المشتري يتملك المبيع بالقبض. وعند الحنابلة: ينفسخ البيع.
[البحر الرائق، ابن نجيم: 6/ 7].
-كما أن
من لم يثبتوا خيار النقد قالوا هو ليس شرط خيار، بل هو شرط فاسد مفسد للعقد، لأنه شرط في العقد شرطًا مطلقًا وعلق فسخه على غرر فأشبه ما لو عقد بيعًا مثلاً بشرط أنه إن قدم فلان اليوم فلا بيع بيننا. [
تبيين الحقائق، الزيلعي: 4/ 15]. )). انتهى.
هذا، والله أعلم.