العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أمابعد.

فقد اطلعت على فتوى في موقع الإسلام سؤال وجواب عن حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار, وبدا لي - والعلم عند الله - أن السؤال كان يحتاج لاستفصال وتفصيل, فظاهر الفتوى فيه شيء من الإشكال, وتحتاج لنقاش.

وهذا نص الفتوى:

السؤال:
ما حكم استخدام المخدر عند خروج روح الإنسان ؟



الجواب :
الحمد لله
الموت أحد العوارض التي تلحق الإنسان ، يتمثل في نزع روحه ، وانتقاله من قيد البدن الدنيوي وارتباطه الأرضي ، إلى سعة عالم الآخرة ، وحينها تنفصل به الروح عن الجسد فلا تملك عليه تصرفا بعدئذ .
وفي "الطبقات الكبرى" ، لابن سعد (4/260) ، و" المستدرك " للحاكم (5915):
"عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ : " كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ : عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لَا يَصِفُهُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ: عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لَا يَصِفُهُ , فَصِفْ لَنَا الْمَوْتَ وَعَقْلُكُ مَعَكَ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ الْمَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوصَفَ ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا : أَجِدُنِي كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبَالُ رَضْوَى ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَ السِّلَاءِ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ !!" انتهى .
ومع هذه المرحلة العظيمة الشديدة من مراحل الإنسان تغدو أنواع العلاجات والمسكنات ضربا من العبث ، فالموت عملية غيبية للفصل بين الروح والجسد ، والمخدر أو المسكن إنما يعمل على تخفيف آلام الجسد التي يصاب بها في نفسه ، أي بأسبابه البدنية ، فيما يتعلق بعالم الشهادة الحسي ، وعالم الموت الغيبي خارج عن تلك الأسباب ، وغير خاضع للتجارب ، والمعالجات .
وعلى ذلك ، فالذي يظهر لنا هنا : المنع من استعمال المخدر في حالة الاحتضار ؛ وذلك للأسباب الآتية :
السبب الأول : أن الأصل في التخدير المنع إلا لحاجة أو ضرورة ، ولا حاجة له هنا ، فقد سبق تقرير أن المخدر لا يرفع آلام النزع ؛ بل لا علاقة لهذه الحالة الغيبية بما يكون من حال الناس وأسبابهم وتجاربهم ؛ وحينئذ : يبقى استعمال المخدر : تناولا للمحذور ، من غير مبيح شرعي ، ولا سبب داع إليه ، بحيث نعلم تحقق نفعه والحاجة إليه ، أو غلبة الظن بذلك ، في مثل تلك الحال .
وينظر جواب السؤال رقم : (46050) .
السبب الثاني : أنه لا يمكن لأحد الجزم بتوقيت الموت وميعاده ، والتخدير له أضراره الصحية ومضاعفاته على الجسد ، بل يقول الأطباء إنه نوع من السموم الخاصة ، فمن غير المقبول أن ندخل الضرر المحقق في سبيل دفع شك أو ظن متوهم ؛ بل في سبيل التعامل مع أمر لا علم لنا بحقيقته ، ولا خبرة لنا به أصلا ، ولا نعلم لنفع المخدر فيه سبيلا .
ثم إنه في حالة العبد الصالح الذي يختم الله له بالطاعة والعبادة ، ونرى فيه الإقبال على الله تعالى ، وترطب لسانه بذكره ، فمثل هذا ننتظر منه النطق بالشهادة التي تكون له ذخرا عند ربه ، والتخدير قد يحرمه هذه الفضيلة . فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه أبوداود (3116) يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " أي : من غير عذاب مطلقا ، أو من بعض الوجوه . وإنما أوّلناه بذلك ؛ لأن كل مسلم لا بد وأن يدخل الجنة وإن عذب ، فليس للإخبار فائدة بأن ختم الكلام بكلمة الإخلاص يقتضي دخول الجنة ، إلا أن فيه مزية اقتضت تخصيصه بذلك ، وتلك المزية هي : إما دخوله لها مع الناجين من غير عذاب ، أو أن الله سبحانه يخفف عنه مما استحقه من العذاب ، فيدخل الجنة قبل الأوان الذي كان يستحقه لو لم يختم له بهذه الكلمة " انتهى من " الزواجر " (2/333).
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب


التعليق:

المعلوم أن المريض الذي شارف على الموت يتعرض لآلام لها علاقة بوضعه الصحي, ويصاب بعضهم مثلا بالغثيان والإسهال والجفاف واللالتهابات المختلفة وتقرحات الجسد, وصعوبات التنفس, والفشل المتعدد للأعضاء, ويصاحب ذلك كله آلام تحتاج لما يخففها, وقد يكون هناك حاجة لبعض المرخيات والأدوية التي تضعف وعي المريض, فهل هذا داخل في الفتوى بالتحريم كما قد يُتوهّم, هذا الأمر يحتاج لتوضيح لأنه قد يكون حقيقة محل السؤال, ويكون السائل قد عبّر عنه بمصطلح التخدير, فلا أظن أن هناك طبيب يخدّر لأجل خروج الروح, فهم لا يعلمون لحظة خروجها ولا يستهدفون ذلك بعينه, بل يستهدفون ما يظهر أمامهم من أعراض بغض النظر عن اللحظة التي تخرج فيها الروح والتي تكون مفاجأة في كثير من الأحيان.
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

لا بد من لحظ ملحظين:
أولهما: هو مأجور في ألمه، ترتفع منزته، وتحط خطيئته
ثانيهما وهو الأهم: أين النطق بالشهادتين، وكونها آخر عهده من الدنيا بها، وبالتخدير حرمته منها.
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

لا بد من لحظ ملحظين:
أولهما: هو مأجور في ألمه، ترتفع منزته، وتحط خطيئته
ثانيهما وهو الأهم: أين النطق بالشهادتين، وكونها آخر عهده من الدنيا بها، وبالتخدير حرمته منها.
سائق سيارات سباق ، تعرض لحادث ، أدخل على أثره في غيبوبة صناعية ، إن أُفيِقَ منها ، سيموت ، لأن الأوكسجين الواصل الى الدماغ لا يكفي .
علما أنه مضى على حادثه ستة أشهر .
فما رأيكم في هذا الإجراء .
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

لا بد من لحظ ملحظين:
أولهما: هو مأجور في ألمه، ترتفع منزته، وتحط خطيئته
ثانيهما وهو الأهم: أين النطق بالشهادتين، وكونها آخر عهده من الدنيا بها، وبالتخدير حرمته منها.

جزاك الله خيرا على مشاركتك

عندما يتوقع الأطباء أن مريضا ما أوشك أن يموت فإن ذلك لا يعني أنه سيموت في يومه, فقد يستمر لأسابيع مثلا وهو يعاني من تدهورات صحية تنتهي بموته, ويصاحب ذلك آلاما شديدة يمكن تخفيفها, وتخفيف الألم من التداوي كما هو معلوم, فلماذا يُحرم منه المريض؟ وهذا الذي تفضلتم به قد يكون من باب تحصيل المصالح المندوب إليه أما أن يقال بوجوب أن يصبر الإنسان على الألم الشديد الذي يبيح التداوي فهذا شأن آخر. وقبل ذلك كله لا بد أن يعلم أنّ الذي يستعمل ليس كالتخدير الذي يكون في العمليات ويغيب به المريض عن الوعي تماما لفترة العملية, بل أدوية آلام ومخدرات كالمورفين مثلا تسبب ضعفا في الوعي, فالمريض يكون واعيا أحيانا وأحيانا لا, وأحيانا بين وبين ولذلك كان تحفظي على الفتوى أنها لم تستفصل في المقصود بلفظ تخدير, وكان الأولى أن يرجع لمراجع طبية يفهم منها طبيعة ما يعطى للمريض قبل الحكم عليه بالتحريم.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

سائق سيارات سباق ، تعرض لحادث ، أدخل على أثره في غيبوبة صناعية ، إن أُفيِقَ منها ، سيموت ، لأن الأوكسجين الواصل الى الدماغ لا يكفي .
علما أنه مضى على حادثه ستة أشهر .
فما رأيكم في هذا الإجراء .

أخي زياد هذه الصورة كما صورتها لا تبدو صحيحة, فلعلك تتبثت من التفاصيل بوركت.
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

هذا رابط أحد الأخبار عن السائق
http://www.albawabhnews.com/363024
ويمكنكم البحث عن المزيد من أخباره ومعرفة تفاصيلها

أخي هنا شرح مبسط علمي لما تحدثت عنه:
http://www.scientificamerican.com/article/what-is-a-medically-induced-coma/

خلاصة الأمر أنّهم يدخلونه في غيبوبة عن طريق التخدير لكي ينخفض احتياج الخلايا للأكسجين أثناء تعافي الدماغ من آثار الإصابة, على أمل أن يفيق بأقل قدر ممكن من الضرر الدماغ بعد أن يقرر الأطباء إيقاف التخدير بعد مرور المدة التي يرونها مناسبة حسب معطيات الحالة.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

جزاك الله خيرا على مشاركتك

عندما يتوقع الأطباء أن مريضا ما أوشك أن يموت فإن ذلك لا يعني أنه سيموت في يومه, فقد يستمر لأسابيع مثلا وهو يعاني من تدهورات صحية تنتهي بموته, ويصاحب ذلك آلاما شديدة يمكن تخفيفها, وتخفيف الألم من التداوي كما هو معلوم, فلماذا يُحرم منه المريض؟ وهذا الذي تفضلتم به قد يكون من باب تحصيل المصالح المندوب إليه أما أن يقال بوجوب أن يصبر الإنسان على الألم الشديد الذي يبيح التداوي فهذا شأن آخر. وقبل ذلك كله لا بد أن يعلم أنّ الذي يستعمل ليس كالتخدير الذي يكون في العمليات ويغيب به المريض عن الوعي تماما لفترة العملية, بل أدوية آلام ومخدرات كالمورفين مثلا تسبب ضعفا في الوعي, فالمريض يكون واعيا أحيانا وأحيانا لا, وأحيانا بين وبين ولذلك كان تحفظي على الفتوى أنها لم تستفصل في المقصود بلفظ تخدير, وكان الأولى أن يرجع لمراجع طبية يفهم منها طبيعة ما يعطى للمريض قبل الحكم عليه بالتحريم.

لمزيد من الإيضاح أقول: تختلف الأعراض في الدقائق الأخيرة التي تسبق موت المريض عن هذاالمشروح أعلاه, فتظهر لديه عدم كفاية التنفس الاحتضاري أو تنفس الاحتضار, وهو عرَض يعذب المريض ومن حوله, وإذا لم يعالج فسيكافح المريض لأجل التنفس حتى تخور قواه ويموت, وفي تلك الثناء يلتزم المريض بالجلوس ولا يستطيع الكلام إلا بصعوبة وقد يستمر هكذا لساعات أو حتى لأيام, ولا يوجد وصفة علاجية يمكن أن تزيل هذه الأعراض, لذا تؤخذ موافقة المريض وأهله على استعمال المورفين بكميات قليلة كل ربع ساعة إلى عشرين دقيقة حتى يحصل شيء من الارتياح للمريض, حيث يتباطئ تنفس المريض بعض الشيء في العادة ويكون أعمق بعض الشيء, ويزول عنه الخوف, وقد لا يحتاج للمزيد من جرعات المورفين, وإذا ما كان قد أرهق لحد كبير فسيسبب التباطؤ في التنفس ارتفاع ثاني أكسيد الكربون الذي يديم التسكين ويموت المريض أثناء النوم الناتج عن ذلك. وإذا كان لدى المريض المزيد من المقاومة سيعود له ضيق التنفس ويمكن أن يعالج مجددا بالمورفين. والهدف من كل هذه المعالجة تخفيف معاناة المريض في هذه الساعات الأخيرة من حياته. رغم أن استعمال المورفين قد يسرّع وفاة المريض في بعض الأحيان.

ولذلك أعود فأقول: السؤال مجمل والجواب مجمل, والأمر يحتاج لتفصيل ودراسة بناء على تصور دقيق. والله أعلم
 
أعلى