العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في الفلسفة تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي

تم الفراغ منه بتاريخ 23-7-2018
حمله في كتاب من هنا
http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=24479&p=160742#post160742


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد...
فإن من أجلّ وأنفس ما صنفه العلماء هو ما خطته يد الإمام بقية السلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد اشتملت كتبه على تحقيقات عالية في علوم دقيقة عجز عن مثلها فحول العلماء والله يختص بفضله من يشاء.
ومن ذلك ما كتبه في الرد على الفلاسفة فقد أجاد فيه وأفاد وأتى بالعجب العجاب، ولكنه قد خفي أكثره وغمض على كثير من الفضلاء من المنشغلين بالفقه والسنة لا بسبب تعقيد في كلام الإمام ولكن لعدم تصور المسألة من أصلها.
فرأيت أن أعلق تعليقات خفيفة على مواطن من كلامه بحسب ما يفتح الله به، والله الموفق.

تعريف الفلسفة لغة

الفلسفة كلمة معربة من أصل يوناني هو: ( فيلاسُوفيّا ) وفيلا تعني محبة وسوفيا تعني الحكمة أي محبة الحكمة، والفيلسوف هو محب الحكمة وأصله اليوناني هو فيلاسوفوس.
قال الشيخ الإمام: والفلسفة لفظ يوناني ومعناها محبة الحكمة والفيلسوف في لغتهم محبّ الحكمة. الصفدية- ج2- ص323.

تعريف الفلسفة اصطلاحا

الفلسفة ويقال لها الحكمة أيضا لها تعريفان أحدهما بالمعني العلمي والثاني بالمعنى العملي.
فأما تعريفها بالمعنى العلمي فهو: علم بأحوال الموجودات الخارجية على ما هي عليه في الواقع بقدر الطاقة البشرية.
بمعنى أن يبذل الإنسان جهده بالبحث عن الكون وما فيه ليحصل له العلم بها علما مطابقا للواقع فيدرس الفيلسوف علم النبات والحيوان والطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وغيرها فكلها من الفلسفة والحكمة.
وتنقسم الفلسفة إلى فلسفة نظرية وفلسفة عملية.
فالنظرية تضم الطبيعيات والرياضيات والإلهيات ( ما يتكلمون فيه عن خالق الكون وصفاته وأبحاث الوجود كتقسيم الوجود إلى قديم لم يسبق بعدم وحادث مسبوق بالعدم، وكتقسيمه إلى واجب الوجود مستغن في وجوده عن الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى وممكن يحتاج إلى فاعل وهو ما عدا الله )
والعملية تضم علم الأخلاق ( يتعلق بالشخص ) وعلم تدبير المنزل ( يتعلق بالعائلة ) وعلم السياسة ( يتعلق بالمجتمع ).
وأما علم المنطق فبعضهم أخرجه من الفلسفة وجعله مقدمة لدراسة الفلسفة، وبعضهم أدرجه فيها كابن سينا.
وأما العلوم الأدبية كالنحو والصرف فليست من الفلسفة لأنها علوم تواضعية اصطلاحية.
قال الشيخ الإمام:
وأكثر المصنفين فى الفلسفة -كابن سينا- يبتدىء بالمنطق ثم الطبيعي والرياضي، أو لا يذكره ثم ينتقل إلى ما عنده من الإلهي. وتجد المصنفين فى الكلام يبتدئون بمقدماته فى الكلام: في النظر والعلم والدليل- وهو من جنس المنطق- ثم ينتقلون إلى حدوث العالم واثبات محدثه، ومنهم من ينتقل إلى تقسيم المعلومات إلى الموجود والمعدوم وينظر فى الوجود وأقسامه كما قد يفعله الفيلسوف فى أول العلم الإلهي.
فأما الانبياء فأول دعوتهم شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله. مجموع الفتاوى ج2- ص 23.
والفلاسفة يبتدئون بالأقل شرفا فالطبيعيات أقلها منزلة لأنها تبحث في عالم الأجسام والمادة والرياضيات أشرف منها لأنها تبحث في الأعداد والأشكال وهي مستغنية عن المادة كتصور الأعداد والأشكال من مربع ومستطيل ومثلث ودائرة فكلها مستغنية عن الأجسام ثم العلم الإلهي وهو أشرفها.
قال الشيخ الإمام: إن تقسيمهم العلوم إلى الطبيعي وإلى الرياضي وإلى الإلهي وجعلهم الرياضي أشرف من الطبيعي والإلهي أشرف من الرياضي هو مما قلبوا به الحقائق.
فإن العلم الطبيعي وهو: العلم بالأجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال إلى حال وما فيها من الطبائع، أشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة.. الرد على المنطقيين- ص 133.
فتحصل أن الفلسفة تضم المنطقيات- على رأي- والطبيعيات والرياضيات والإلهيات والأخلاقيات والأسريات والسياسات.
وأهم ما فيها عند الفلاسفة هو الإلهيات ويسمونها الفلسفة الأولى والعلم الأعلى والعلم الإلهي ويعرفونها بأنها: علم يبحث فيه عن الأحوال العامة للوجود.
فيعرفون الوجود ثم يقسمونه إلى الأقسام الكلية الشاملة كتقسيم الوجود إلى واجب وممكن وقديم ومحدث وعلة ومعلول ( فالعلة كالنار والمعلول كالحرارة ).
وقولهم العامة احتراز عن الأحوال الخاصة فإن بحث الفلسفة الأولى إنما هو عن الوجود العام المشترك الذي ينقسم إلى واجب وممكن وغيره وليس عن موجود خاص فلا يبحث عن أحوال الجسم مثلا لأنها لا تشمل غير الأجسام وإنما هو بحث الطبيعيات لكن يبحث عن أحوال ومحمولات عامة تحمل على الوجود يندرج فيها الجسم وغيره، ولذلك يقولون في تعريفه أيضا هو: علم يبحث في الموجود من حيث هو موجود، أي بنحو مطلق لا بنحو خاص من حيث إنه جسم أو مادة أو نبات أو حيوان أو إنسان.
فموضوع هذا العلم هو الموجود من حيث هو موجود.
والفلسفة الأولى أي الإلهيات هي الفلسفة بإصطلاح المتأخرين.
وأما تلك العلوم فقد أخرجت من الفلسفة وصارت تبحث مستقلة في العلوم فلم يعد الطب مثلا جزء من الفلسفة كما كان في السابق.

فتحصل أن الفلسفة بمعناها العام القديم تشمل العلوم جميعا عدا العلوم الأدبية الوضعية، وأما بمعناها الخاص الذي استقر الأمر عليه فهي تضم مبحثين:
الأول: مبحث الوجود وتقسيماته الكلية.
الثاني: مبحث الباري سبحانه وصفاته.
قال الشيخ الإمام: و يسمونه ( أي الإلهيات ) الفلسفة الأولى والحكمة العليا لكونهم يتكلمون فيه على الأمور الكلية العامة كالوجود وانقسامه إلى جوهر و عرض ( الموجود إما أن يكون قائما بنفسه وهو الجوهر أو قائما بغيره وهو العرض فالجوهر هو الأجسام والأعراض هي الصفات فمثلا الإنسان جوهر لأنه قائم بنفسه ليس قائما بمحل ولونه عرض لأنه يقوم بالجسم وكذا صوته ورائحته وكذا علمه وكرمه صفات وأعرض لا توجد في الخارج طافية في الفضاء لوحدها بل تحتاج إلى محل تقوم فيه فهي أعراض ) وعلة ومعلول وقديم وحادث وواجب و ممكن. الرد على البكري- ج2 – ص 581.
وقال: وهو الوجود العام الكلي الذي ينقسم الى جوهر وعرض وهذا الوجود هو عندهم موضوع العلم الأعلى الناظر في الوجود ولواحقه وهي الفلسفة الأولى والحكمة العليا عندهم. مجموع الفتاوى- ج9- ص 274.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الغرض من الفلسفة

والغرض من الفلسفة عندهم هو كمال النفس بالعلم أي بالعلم بالموجودات على ما هي عليه في الواقع ونفس الأمر.
وهذا هو الغرض الأصلي لها وإن ذكر بعض المعاصرين بعض الفوائد الأخرى كرد الشبهات عن العقائد فإنها بالتبع.
قال الشيخ الإمام : فإن كمال الإنسان عندهم أن يصير عالَما معقولا موازيا للعالم الموجود يتمثل فيه صورة الوجود على ما هو عليه ( أي أن تنعكس صورة الموجودات في الذهن حينما يعلم الواقع حتى تصير النفوس عالما معقولا ذهنيا مطابقا للعالم الخارجي ومرآة له ).
ثم إنهم يجعلون ذلك هو العلم بالوجود المطلق، والمطلق إنما هو في الأذهان لا في الأعيان ( أي أن الوجود المطلق الذي هو موضوع الفلسفة لا وجود له في الخارج لأنه وجود عام مشترك بين سائر الموجودات وليس في الخارج إلا الوجود الخاص بكل موجود ).
ويقولون: الفلسفة الأولى هي: العلم بالوجود ولواحقه، فيقسمون الوجود إلى واجب وممكن وجوهر وعرض والجوهر خمسة أنواع والعرض تسعة أنواع ونحو ذلك وهذا كله علم بأمور كلية مطلقة لا وجود لها في الخارج.... فهم ضلوا من وجوه منها: ظنهم أن النفس كمالها في مجرد العلم، وأن العبادات الشرعية مقصودها تهذيب الأخلاق ورياضة النفس حتى تستعد للعلم فإن هذا باطل قطعا.
وذلك أن النفس لها قوتان: قوة علمية وقوة عملية قوة الشعور والعلم والإحسان وقوة الحب والإرادة والطلب والعمل فالنفس ليس كمالها في أن تعلم ربها فقط بل في أن تعرفه وتحبه وإلا فإذا قدر أن النفس تعرف الواجب وهي تبغضه وتنفر عنه وتذمه كانت شقية معذبة بل هذا الضرب من أعظم الناس شقاء وعذابا وهي حال إبليس وفرعون وكثير من الكفار فإنهم عرفوا الحق ولم يحبوه ولم يتبعوه وكانوا أشد الناس عذابا.
بل حب الله تعالى هو الكمال المطلوب من معرفته وهو من تمام عبادته فإن العبادة متضمنة لكمال الحب مع كمال الذل... فنفس عبادة الله وحده ومحبته وتعظيمه هو من أعظم كمال النفس وسعادتها لا أن سعادتها في مجرد العلم الخالي عن حب وعبادة وتأله. الصفدية - ج2- ص 233- 234.
وحاصله أنه لو قدر أن كمال النفس في مجرد العلم فليس هو العلم بالوجود المطلق وتقسيماته بل العلم بموجود خاص من العلم بالله وملائكته ورسله. هذا أولا.
ثانيا إذا فرضنا أن الفلسفة توفر المعرفة الصحيحة بالله فليس سعادة النفس وكمالها بمجرد العلم به دون عبادته وحبه وتعظيمه سبحانه وتعالى.
ولهذا قال الشيخ: فهؤلاء المتفلسفة ضلالهم في كمال النفس وسعادتها مركَّبٌ من أصلين ظَنُّهم أن الكمال هو مجرَّد العلم، وظنهم أن ذلك العلم هو ما عندهم من العلم الإلهي الذي ليس فيه علم بالإله بل هو من أعظم الجهل بالإله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. الرد على الشاذلي- ص 197.

التعريف العملي للفلسفة


وأما تعريف الفلسفة بالمعنى العملي فهو: التشبّه بالإله على قدر الطاقة.
جاء في رسائل إخوان الصفا: واعلم بأن معنى قولهم طاقة الإنسان، هو أن يجتهد الانسان ويتحرز من الكذب في أقاويله ويتجنب من الباطل في اعتقاده، ومن الخطأ في معلوماته، ومن الرداءة في أخلاقه، ومن الشر في أفعاله، ومن الزلل في أعماله، ومن النقص في صناعته. هذا معنى قولهم التشبه بالإله حسب طاقة الإنسان، لأن الله عز وجل، لا يقول إلا الصدق ولا يفعل إلا الخير. ج1- ص 427.
وقال أرسطو: إن النفوس الإنسانية إذا استكملت قوتي العلم والعمل تشبهت بالإله تعالى ووصلت إلى كمالها، وإنما هذا التشبه بقدر الطاقة يكون إما بحسب الاستعداد وإما بحسب الاجتهاد فإذا فارق البدن اتصل بالروحانيين وانخرط في سلك الملائكة المقربين ويتم له الالتذاذ والابتهاج. الملل والنحل للشهرستاني ج 2– ص 134.
قال الشيخ الإمام: وعندهم كمال النفس في الفلسفة التشبّه بالإله. الرد على الشاذلي- ص 58.
وقال: وليس في كتب المشّائين ( أتباع أرسطو سموا كذلك لكون أرسطو كان يشرح تعاليمه وهو يمشي ) دعوة إلى عبادة الله ومحبته أصلا بل غايتهم أنهم يقولون: "الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة" ولفظ إله في كلامهم يعني هذا المعنى ( أي الإله هو المقتدى به الذي يتشبه به الغير ولهذا يكون الأستاذ إلها بالنسبه لتلميذه ) ...ثم قال: فالإلهية عند القوم ( كما نقله عنهم الكندي ) أمر مشترك بين الله وبين الملائكة وبين المعلمين ومن نقتدي به لكن إلهية الله أفضل وأكمل ( فهو إله الآلهة عندهم ) كما أن الوجود مشترك بين الموجودات لكن الوجود الواجب أكمل.
وهذا الشرك شر من شرك مشركي العرب فإن أولئك وإن أشركوا بالوسائط وقالوا هم شفعاؤنا عند الله وقالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فلم يكن التأله عندهم بمعنى التشبه والإقتداء بل بمعنى العبادة والذل والمحبة وهؤلاء - مع عظيم شركهم مع الله بمخلوقاته- جعلوا التأله لنا هو التشبه بالإله لا أنه يحب ويعبد ويدعى ويسأل ولهذا لم تكن الآلهة مختصة بالله عندهم لأن التشبه مبناه على أن الأدنى يتشبه بالذي فوقه والذي فوقه يتشبه بمن فوقه حتى ينتهي إلى الغاية ولهذا سموه إله الآلهة.
...ثم لما كان مقصود القوم التشبه به فهم في الحقيقة لا يعبدونه ولا يستعينونه فهم خارجون عن دين المرسلين القائلين إياك نعبد وإياك نستعين فإن التشبه بغيره مقصوده أن يكون مثله بحسب قدرته، فلو قدر أن يكون مثله من كل وجه لفعل ذلك لكن يفعل ما يقدر عليه، وليس مراده محبة نفس ذلك المتشبه به ولا الذل له بل مماثلته كما يقوم التلميذ مقام أستاذه والابن مقام أبيه.
وهذا لا يستلزم حب المتشبه ولا بغضه بل كثيرا ما يكون مع البغض الحسد والمنافسة كما قد يكون مع عدم ذلك، والغالب أنه مع وجود الإثنين لا بد من المنافسة والمنادة وهذا هو الند، والكمال عند القوم أن يجعل أحدهم نفسه لله ندًا. الصفدية- ج2- ص 332- 334- 335-336.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

نبذة عن تاريخ الفلاسفة اليونانية

كانت بداية الفلسفة في العصر اليوناني، وقد ظهر التساؤل عن الأصل الذي نشأ منه الكون فنشأت حينئذ مدارس:
أولا: المدرسة الأيونية ( نسبة إلى أيونية مدينة على شاطئ آسيا الصغرى ) وكان أعلام تلك المدرسة أربعة نشأوا في مدينة ملطية في تركيا هم: طاليس ( 624-546 ق . م ) القائل إن عنصر الماء هو مصدر جميع الأشياء، وأنكسيماندرس( 610- 547 ق . م ) تلميذ طاليس القائل إن عنصرا غير محدد لا شكل له ولا نهاية نشأ منه الكون! ولم يفسر لنا كيف ظهر الحديد والنحاس والخشب بصفاتها المعينة من مادة لا شكل لها ولا صفة، وأنكسيمانس ( 588-524 ق . م ) تلميذ أنكسيماندرس القائل إن عنصر الهواء هو مبدأ الكائنات ، وهيراقليطس ( 540-475 ق . م ) القائل إن مبدأ الكون من النار ولكنها ليست هذه النار المحسوسة بل نار إلهية حية عاقلة أبدية وكل ما في الكون هو شعلة من تلك النار!.
ثانيا: المدرسة الفيثوغورية وهي تضم فيثاغورس وتلامذته في إيطاليا الجنوبية وكان يغلب عليهم التقشف والزهد، وفيثاغورس ( 572-497 ق . م ) وهو أبو الرياضيات يذهب إلى أن أصل الكون هو العدد فهو كالماء والنار عند من سبقه! لأن كل الأشياء بغض النظر عن أشكالها وصفاتها معدودة محسوبة، فقابلية العدد صفة لازمة لها لا تزوال إلا بزوال الأشياء ذاتها، فكان ينظر إلى العدد لا على أنه مفهوم رياضي ذهني بل على أنه شيء موجود محسوس تتركب منه كل الموجودات من إنسان وحيوان وشجر وقمر وغيره.
قال الشيخ الإمام: لكن هؤلاء المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم كثيرا ما يشتبه عليهم ما يتصورونه في الأذهان بما يوجد في الأعيان، كما أثبت من أثبت من قدمائهم مثل فيثاغورس وأتباعه أعدادا مجردة موجودة في الخارج.
وقد رد ذلك عليهم سائر العقلاء كما رده من بعده منهم، وقالوا: إن العدد المجرد والمقدار المجرد إنما يوجد في الذهن لا في الخارج وإنما يوجد في الخارج المعدودات والمقدرات. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح- ج3- ص 284- 285.
ثالثا: المدرسة الإيلية ( نسبة إلى مدينة إيليا على الشاطئ الغربي في إيطاليا الجنوبية ) وأعلام هذه المدرسة هم:
كزينوفانس ( 570-480 ق . م ) وقد عاب على اليونانيين آلهتهم المتعددة الناقصة وأثبت إلها وربا واحدا كاملا للوجود.
وبارمنيدس ( ولد 540 ق . م ) وهو تلميذ كزينوفانس وقد ذهب إلى القول بأن الوجود موجود يعني أن هنالك خلف هذا الكون والكثرة الفانية التي فيه وجود مطلق حقيقي دائم أزلي لا يتغير، فليس الوجود الذي يقصده هو المفهوم الذهني الذي ينتزعه العقل من الأشياء الخارجية بل هو موجود حقيقي خارجي ليس له صفة إلا الوجود!.
زينون ( 490-430 ق . م ) وهو من تلاميذ بارمنيدس وقد تبنى نظرية أستاذه ودافع عنها، والمدرسة الإيلية رفضت تعدد الآلهة.
وهنالك أيضا فلاسفة آخرون كبار هم:
1- إمْبِذُقْليس أو بندقليس ( 495-435 ق . م ) وهو يذهب إلى أن المبدأ الأول هي أربعة عناصر: الماء والهوء والنار والتراب، ونتيجة اجتماعها وافتراقها بمقدار معين نشأت الأشياء والعالم.
2- ديمقريطس ( 460-361 ق . م ) وهو يعد مؤسس لنظرية الجزء الذي لا يتجزأ فهو يقول لو حللنا المادة إلى جزئياتها وأخذنا نقسمها إلى أجزاء صغيرة لانتهينا إلى وحدات لا تقبل التقسيم هي ما يسمى الذرات أو الجواهر الفردة وهي التي تتكون من مجموعها مادة الكون وهي لا نهائية العدد ولا تدرك بالحس فليست عناصر الكون أربعة بل عنصر واحد متجانس؛ لأن الذرات الأولى متشابهة متجانسة تتساوى جميعها في انعدام الصفات والخصائص، وعند ائتلاف الذرات مع بعضها تنشأ الصفات والخصائص للموجودات المختلفة، وهذه الذرات ليست متلاصقة إلا في رأي العين وإلا في الحقيقة يوجد فراغ بينها ليتيسر للذرات الحركة.
3- أناكسجوراس ( 500- 428 ق . م ) وقد رفض نظرية العناصر الأربعة وقال إن أنواع المادة على اختلافها سواء في الأصالة والأولية ولم لا يكون الذهب والحديد والتراب والخشب والعظم والشعر والماء ونحوها عناصر أولية لم ينشأ أحدها من الآخر، كما رفض نظرية الجزء الذي لا يتجزأ بل المادة تتجزأ إلى ما لا نهاية، وقال إن الكون بملايين العناصر التي فيه كانت خليطا متماسكا قديما أزليا ثم بفعل الحركة بدأت المواد سيرها فأخذت تنحل وينفصل بعضها عن بعض ليسعى كل شبيه إلى شبيهه فذرات الذهب إلى ذرات الذهب، وأجزاء النحاس إلى أجزاء النحاس وهكذا، والقوة التي حركت ذلك الخليط المتماسك هي العقل وهو موجود حكيم رشيد بصير قدير متحرك بذاته.
ثم بدأت حلقة جديدة في الفلسفة اليونانية بدأت فيها فلسفتهم بالاستقرار والنضوج بظهور الفلاسفة الثلاثة سقراط وأفلاطون وأرسطو ويعد هولاء الثلاثة أشهر الفلاسفة في العالم.
فأما سقراط ( 470- 399 ق . م ) فقد قام بتنظيم فلسفة ما قبله وذكر أرائه الجديدة، وقاوم السوفسطائيين وأرجع الناس إلى الإيمان بالحقائق وبالدليل العقلي، اتهم بإنكار آلهة اليونان ونهي الناس عن عبادتها فقام عليه الناس فسجن وأعدم بالسم، ولم يصل إلينا شيء من كتبه.
وأما أفلاطون ( 427- 347 ق . م ) تلميذ سقراط وأستاذ أرسطو فقد خلف كتبا عديدة ضمنها آرائه ومن أبرز وأشهر نظرياته نظرية المُثُل وفحواها يتلخص: بأن جميع الموجودات إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو جمادا أو غيرها كالمعاني والأعراض كالجمال والخير والسواد والبياض لكل فرد جزئي منها مثال في عالم غيبي يمثل صورته الكلية، فمثلا أفراد الإنسان زيد وعمرو وهند وغيرهم موجودون في الخارج ولكن المعنى الكلي وهو الحيوان الناطق المنطبق على جميع الأفراد أيضا له وجود في عالم ما وراء الطبيعة ففي ذلك العالم يوجد إنسان كلي لا يمثل أي فرد من الأفراد بل يمثل نوع الإنسان! وهذا الذي ذكره من المعنى الكلي لا وجود له في الخارج إنما في الذهن فالعقل يجرد الأفراد الخارجية من المشخصات ويستخرج المعنى الكلي المنطبق على الكل.
قال الشيخ الإمام: .. ولكنهم يظنون ثبوت ذلك ( أي الكليات ) في الخارج كما يظن شيعة أفلاطون ثبوت المُثُل الأفلاطونية في الخارج فتثبت كليات قديمة أزلية أبدية مفارقة كإنسان كلي وهذا هو غلطهم حيث ظنوا ما هو في الأذهان موجودا في الأعيان. منهاج السنة- ج 5- ص 448.
وأما أرسطو ( 384- 322 ق . م ) فقد تكاملت على يديه الفلسفة اليونانية وبلغت الذروة في نضوجها فأخذ يدرّس في مدرسته ويكتب كتبا عديدة في الفلسفة صارت قبلة أتباعه من بعده كما أنه يعد الواضع لعلم المنطق ولذا سمي المعلم الأول وأكثر ما في كتب الفلاسفة الإسلاميين هي آراء أرسطو وسيمر عليك بعض منها.
وقد سميت مدرسة أرسطو تاريخيا باسم المدرسة المشائية وأتباعها باسم المشائيين؛ لأن أرسطو كان يدرس تلاميذه وهو يمشي وتميزت باعتمادها البرهان العقلي في الوصول إلى نتائجها، ومن اتباع هذه المدرسة الفارابي وابن سينا وابن رشد.
وقد ظهرت مدرسة أخرى مشهورة باسم الإشراقيين تعتمد إضافة على البرهان على تصفية القلوب والتصوف لتشرق بها المعارف ويقال إنهم أتباع أفلاطون وحجر الأساس في هذه المدرسة هو السهروردي المقتول الذي قد رد على المشائين.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

المذهب السوفسطائي

في عهد سقراط ظهرت طائفة تنكر الحقائق وتشكك فيها سموا باسم السوفسطائيين وهم طائفة احترفوا تعليم الناس الخطابة وفنون الجدل والإقناع وتربية المحامين للمحاكم وكانت تدور عقائدهم على إنكار الحقائق الخارجية وأن كل شيء تابع لمقياس الإنسان فما تراه حقا يراه غيرك باطلا وما تراه خيرا وفضيلة يراه غيرك شرا ورذيلة وأن المعرفة العقلية لا قيمة لها وأن المعرفة الحسية كثيرا ما تخطئ وقد ترى الشي مستقيما ويراه غيرك أعوج فهكذا أنكروا الدين والإله والأخلاق وقوانين الدولة وكل شيء وأحدثوا فوضى عارمة واعتمدوا أسلوب المغالطة حتى صارت كلمة السفسطة اسما على المغالطات كمن ينظر إلى فرس منقوش على جدار ويقول: هذا فرس- وكل فرس صاهل- فهذا صاهل.
ومن أشهر السوفسطائيين بروتاغوراس وغورجياس وبروديقوس وهيباس.
قال الشيخ الإمام: فمن الناس من صار في طرفي نقيض فحكى عن بعض السوفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد وجعل الحقائق تابعة للعقائد، وهذا القول على إطلاقه وعمومه لا يقوله عاقل سليم العقل وإنما هو من جنس ما يحكى أن السوفسطائية أنكروا الحقائق ولم يثبتوا حقيقة ولا علما بحقيقة وأن لهم مقدّما يقال له: سوفسطا كما يذكره فريق من أهل الكلام ( ظن بعض أهل الكلام أن السوفسطائيين نسبوا لرجل اسمه سوفسطا وهذا لا واقع له ).
وزعم آخرون أن هذا القول لا يعرف أن عاقلا قاله ولا طائفة تسمى بهذا الاسم وإنما هي كلمة معربة من اللغة اليونانية ومعناها: الحكمة المموهة يعنون الكلام الباطل الذي قد يشبه الحق كما قد يتخيله الإنسان لفساد عقله أو مزاجه أو اشتباه الأمر عليه وجعلوا هذا نوعا من الكلام والرأي يعرض للنفوس لا أنه صنف من الآدميين . مجموع الفتاوى- ج19- ص75.
وقال أيضا: ويقال إن طائفة تسمى السوفسطائية أنكرت الحقائق ولم تقر بشيء مما تحسه أو تعقله وهذا لا يمكن أن تعيش عليه أمة من الأمم مدة من الزمان فإن الناس إن لم يعرف بعضهم بعضا ويميز الشخص منهم بين غيره وبين نفسه وبين يومه وأمسه ومأكوله ومشروبه وبين زوجته وولده وغير زوجته وولده وبين ثوبه وثوب غيره وكلامه وكلام غيره ونحو ذلك وإلا كان مجنونا بل أكثر المجانين لا بد لهم من نوع تمييز كما للبهائم تمييز فكيف يتصور أن يكون في الوجود طائفة تنكر كل شيء ولا تقر بثبوت شيء، وإنما السفسطة حال تعرض لبعض الناس فيجحد فيها بعض الحقائق ويلبس الحق بالباطل.
وقيل: إن السفسطة كلمة معربة من اليونانية وإن أصلها سوفسطا أي حكمة مموهة وغيرت بالتعريب كسائر ما عربته العرب من ألفاظ العجم ولا ريب أن في الناس من يسفسط في بعض الأمور فيجحد الحق بعدما تبين أو يجحد علمه به أو يقر ببعضه دون بعض أو يجعل الحقائق تبعا للعقائد أي ما يعتقده هو فيقال السوفسطائية أربعة أقسام:
قسم يجحد الحقائق، وقسم يجحد العلم بها، وقسم متجاهل لا أدرية واقفة، وقسم جاعل الحقائق تبعا للعقائد.
فهذه الأقسام الأربعة لا توجد في غالب في كثير من الأمور ( عبارة مضطربة لعلها فهذه الأقسام الأربعة توجد غالبا في كثير من الأمور ) : إما أن ينفي الحق الثابت، أو ينكر علمه به ويقول ما أعرفه، أو يقف في وجوده وفي علمه به، أو يجعل الحقائق تبعا لما يعتقده. تلخيص الاستغاثة- ج1-ص178-179.

الفرق بين الفلسفة والكلام والمنطق والمناظرة

أما علم المنطق فهو يبحث عن صياغة التعريف والدليل بشكل عام فهو لا يبحث عن تعريف معين أو دليل في علم معين وإنما يبحث في التعاريف والأدلة كقالب كلي كيف يمكن أن نصوغ تعريفا ودليلا صحيحا.
وأما علم المناظرة فهو يعلمك الأساليب والوسائل التي تدافع بها عن تعريفك الذي تبنيته أو دليلك الذي اعتمدته وكيف تهاجم كلام خصمك.
ومسائل المنطق والمناظرة واضحة ومتميزة عن الفلسفة والكلام لا تكاد تشتبه.
وأما علم الكلام فهو يبحث في العقائد الدينية من حيث إثباتها بدليلها.
فالفرق بينه وبين علم الفلسفة هو:
1- المتكلم ينطلق من وجهة نظر دينية بحتة فعلمه مبني على خدمة الدين بينما الفيلسوف ينطلق من البحث العلمي الحر ولا يبالي خالف الدين أم لم يخالف بينما المتكلم لا يستطيع أن يخالف قطعيات الدين ( باعتقاده ).
2- الأصل في علم الكلام أن يقتصر في مسائله على ما يخدم غرضه وهو حماية المعتقدات الدينية ورد الشبه عنها ولا يبحث إلا ما له تعلق بذلك من المسائل الخادمة لهذا الغرض بينما بحث الفيلسوف لا يقتصر على ذلك فمجال عمله من هذه الجهة أوسع.
وبعد فإن كتب علم الكلام العالية متضمنة للفلسفة ولأبحاث الوجود وأحواله، وغرضها من ذلك إما الاستعانة بتلك الأبحاث على غرضهم من الدفاع عن العقائد الدينية بالأسلوب العقلي وإما للرد على الفلاسفة فيما ذهبوا إليه، وبين المتكلمين والفلاسفة صراع قديم وردود فيما بينهم.
ثم إن المتكلمين ينقسمون على حسب الاعتقاد الديني إلى فرق عرفت بأسماء أئمتها كالأشعرية والمعتزلة، بينما الفلاسفة لا يصنفون هكذا وإنما ينقسمون إلى مذاهب مختلفة فينقسمون إلى مشائيين أتباع مدرسة أرسطو وإشراقيين أتباع مدرسة أفلاطون واليوم صار للفلاسفة مدارس متعددة حديثة ينتسب لأرائها هذا الفليسوف أو ذاك.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

المفهوم والمصداق

المفهوم: المعنى الحاصل في الذهن.
المصداق: ما ينطبق عليه المفهوم.
فمثلا إذا سمعت لفظ عسل فسيتبادر إلى ذهنك تلك المادة الذهبية الحلوة التي تخرج من بطون النحل، فهذا هو مفهوم العسل، وأما نفس العسل الخارجي الذي يمكن أن تتذوقه فهذا مصداقه الذي انتزع منه ذلك المفهوم، فالمصاديق هي التي تنتزع منها المفاهيم الذهنية أي هي التي تأتي منها معلوماتنا.

المفهوم الكلي والجزئي

المفهوم قد يكون كليا يصدق على كثيرين كالعسل الذي يصدق على هذا العسل أو ذاك.
وقد يكون جزئيا كمفهوم زيد فإنك إذا سمعت لفظ زيد فهمت منه معنى هو شخص واحد معين.

المصداق الحقيقي والإضافي

المفهوم الواحد قد يكون له مصداقان أحدهما جزئي حقيقي والآخر كلي إضافي، وذلك كما في الأجناس بالنسبة لأنواعها وأفرادها، كالحيوان فمفهومه هو: جسم نام حساس متحرك بالإرادة، ومصداقه زيد وهذا الفرس وهذا الأسد، ومصداقه أيضا أنواعه أي الإنسان والفرس والأسد ونحوها.

المصداق الخارجي والمصداق الذهني

المصداق قد يكون خارجيا وقد يكون ذهنيا، فالمصداق الخارجي هو تلك الجزئيات الحقيقية الموجودة في العالم الخارجي كزيد وعمرو وهند فإنها مصاديق لمفهوم الإنسان الكلي.
والمصداق الذهني هو الذي لا يكون له في نفسه تحقق في الخارج كالعدم فإن له مفهوما ومعنى نفهمه بعقولنا فأين مصداقه؟ الجواب: في الذهن كعدم زيد وكعدم عمرو وعدم جبل من ذهب.
فالمصداق هو كل ما ينطبق عليه المفهوم ولو كان لا وجود له في الخارج.

المفهوم الأولي والمفهوم الثانوي

المفهوم أو قل المعقول ينقسم إلى قسمين:
أولا: مفهوم أولي وهو: الذي تم انتزاعه من مصاديق خارجية.
كالإنسان فإنه مفهوم ذهني تم انتزاعه من زيد وعمرو وهند فيكون مفهوما أوليا.
ثانيا: مفهوم ثانوي وهو: الذي تم انتزاعه من مصاديق ذهنية.
كالكلي فإن له مفهوما هو: ما يصدق على كثير، وأين مصاديقه ؟ هي قطعا ليست الأفراد الخارجية كزيد وعمرو وهند لأنها جزئيات، وإنما مصاديقه الإنسان والفرس والكتاب والجبل ونحوها.
وإذا لاحظنا مفهوم الإنسان نجده مفهوما ذهنيا لأن الإنسان الكلي الذي يصدق على كثيرين لا وجود له في الخارج لأنه لا وجود في الخارج إلا للجزئيات، وكذا قل في الفرس والكتاب والجبل، فالذهن البشري نظر إلى جزئيات الإنسان ( زيد وعمرو وهند.. ) فانتزع منها مفهوما هو الإنسان، ونظر إلى جزئيات الكتاب ( هذا الكتاب المشخص وذاك الكتاب ... ) فانتزع منها مفهوما عاما هو الكتاب، فحصل في الذهن مفهومان ( الإنسان والكتاب ) ثم نظر إليهما محاولا أن يستخلص منهما مفهوما جامعا شاملا لها فوجد أنهما كليان فانتزع مفهوم الكلي من الإنسان والكتاب الذهنيين، فلهذا كان الكلي مفهوما ثانويا.
فالمفهوم الكلي تم انتراعه من الماهيات الطبيعية كالإنسان والفرس التي تم انتراعها من الأفراد الخارجية، ولذا قيل عنه إنه مفهوم ثانوي أو معقول ثانوي.

الحمل الأولي والحمل الشائع

ثم إننا تارة نحكم على مفهوم اللفظ وتارة نحكم على مصداقه.
مثال الأول: الإنسان كليٌّ، فهنا حملنا الكلي على الإنسان وحكمنا به عليه، وأردنا أن مفهوم الإنسان من حيث هو مفهوم ذهني يتصف بالكليه لصدقه على كثيرين، ولم نرد أن الإنسان الخارجي ممثلا بزيد وعمرو كلي لأنه باطل. ويسمى هذا الحمل بالحمل الأولي.
ومثال الثاني قوله تعالى: إن الإنسان لفي خسر. فالحكم هنا منصب على الأفراد الخارجية أي زيد وعمرو فالأنسان ذكر على أنه وسيلة وآلة وعنوان لملاحظة أفراده لا أنه المقصود بالحكم إذْ ليس المقصود أن مفهوم الإنسان الذهني وهو الحيوان الناطق هو الذي في خسر وخسارة. ويسمى هذا الحمل بالحمل الشائع.
فالحكم الأول منظور فيه إلى المفهوم، والثاني منظور فيه إلى المصداق.
واعلم أنه تارة يصدق الحكم بالنظر إلى المفهوم والمصداق معا كما نقول: الإنسان: حيوان ناطق، فمفهوم الإنسان هو حيوان ناطق، وزيد وعمرو وبكر حيوانات ناطقة أيضا لأنه يصح أن تقول: زيدٌ حيوان ناطق، وكما تقول الكلمة: قول مفرد، فمفهوم الكلمة هو كذلك، ومصداقها من زيد ويضرب وهل هو كذلك.
ومن هنا قد يثبت النقيضان لشيء واحد لكن بجهة مختلفة فنقول مثلا: الإنسان كلي ونعني به مفهومه، ونقول الإنسان ليس بكلي ونعني به أفراده.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

مفهوم الوجود

مفهوم الوجود الذي يراد به التحقق والثبوت في قبال العدم مفهوم بديهي كلي مشترك بين الموجودات.
وهل الاشتراك فيه من قبيل الاشتراك اللفظي أو من قبيل الاشتراك المعنوي ؟
قبل البدء في الجواب نقول: إن الاشتراك اللفظي يعني أن لفظا واحدا موضوع لعدة معان كل معنى يغاير المعنى الآخر مثل لفظ العين فهو يطلق على الباصرة والجارية والذهب والفضة، فلم يوضع اللفظ لمعنى واحد عام يشترك فيه الجميع.
والاشتراك المعنوي يعني أن لفظا واحدا موضوع لمعنى واحد ولكنه عام وكلي وله مصاديق متعددة كالإنسان فإن موضوع للدلالة على الحيوان الناطق وله مصاديق كزيد وعمرو وهند.
فحينما يقال: الذهب عين، والفضة عين ليس بين العينين اشتراك سوى باللفظ، ولكن إذا قيل زيد إنسان وعمرو إنسان كانت الإنسانية معنى مشتركا بين الاثنين.
وواضح أن المشترك اللفظي موضوع بوضع متعدد لكل معنى وضعٌ على حدة، بخلاف المشترك المعنوي فإنه موضوع بوضع واحد.
فإذا علم هذا فإذا قيل: الله موجود، والإنسان موجود والقمر موجود فهل لفظ الوجود يقال بالاشتراك اللفظي أو بالاشتراك المعنوي ؟
الجواب: بالاشتراك المعنوي وإلا لما صح تقسيم الوجود إلى واجب وممكن وقديم وحادث فإن التقسيم يقتضي قدرا مشتركا بينهما كما يقال: الكلمة: اسم وفعل وحرف فإن الثلاثة تشترك في أنها قول مفرد.
فإذا أردنا أن نصوغ السؤال بعبارة أخرى نقول: هل الوجود له معنى واحد تشترك فيه الموجودات أو له معنى متعدد؟
فالصواب هو أن له معنى واحدا، وقيل: بل له معنى متعدد فمعناه في الواجب غير معناه في الممكن.
وهنا سؤال آخر وهو: هل الاشتراك المعنوي بين الموجودات في معنى الوجود من قبيل التواطء أو من قبيل التشكيك ؟
وقبل الجواب نوضح ما المقصود بالتواطء والتشكيك.
فالتواطء هو أن تشترك الأفراد في المعنى بلا تفاضل فيه بينها، والتشكيك هو أن تشترك الأفراد في المعنى مع تفاضل فيه بينها.
مثال التواطء: الإنسانية مشتركة بين زيد وعمرو وبكر بلا تفاضل بينهم فيها فليست الحيوانية الناطقية في أحدهم بأقوى منها في الآخر.
ومثال التشكيك: النور فإن النورية مشتركة بين ضوء المصباح والشمس لكن في الشمس أقوى وأتم بمراحل منها في المصباح.
فإذا علم هذا اتضح أن الوجود مشكك فإنه في الواجب أكمل وأتم منه في الممكن.
فالاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي يدور حول نفس مفهوم اللفظ من حيث تعدده أو وحدانيته، بينما تواطء المعنى وتشككه ينظر فيه إلى صدق ذلك المفهوم على الأفراد بمعنى أن حصول المعنى في الأفراد إما أن يكون متساويا في المعنى المشترك فهو المتواطئ أو متفاضلا فهو المشكك.
قال الشيخ الإمام: ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك الذي هو نوع من التواطؤ العام ( التواطء الخاص هو ما ذكرناه من قبل وهو أن تتساوى الأفراد في المفهوم العام، وفي قباله التشكيك الذي هو أن تتفاضل أفراده في المفهوم العام، أما التواطء العام فيراد به الاشتراك المعنوي فيشمل التواطء الخاص والتشكيك، فالمشكك قسم من المتواطئ العام، وقسيم للمتواطئ الخاص ) ليست بطريق الاشتراك اللفظي، ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل أفراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا البياض على هذا البياض.
لكن التفاضل في الأسماء المشككة لا يمنع أن يكون أصل المعنى مشتركا كليا بينهما فلا بد في الأسماء المشككة من معنى كلي مشترك وإن كان ذلك لا يكون إلا في الذهن ( ظن البعض أنه لا بد أن يكون ذلك المشترك موجودا في الخارج ليصح انتزاع مفهوم الوجود العام وهو وهم لا محالة ) وذلك مورد التقسيم تقسيم الكلي إلى جزئياته ( التقسيم نوعان تقسيم الكلي إلى جزئياته وهو تقسيم المفهوم الكلي إلى مصاديقه وضابطه أن يصح الإخبار بالمقسم عن الأقسام كتقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف فيصح أن نخبر ونقول: الاسم كلمة مثلا، ومن هذا القبيل تقسيم الموجود إلى واجب وممكن، والتقسيم الآخر هو تقسيم الكل إلى أجزائه وهو تحليل الشيء إلى مكوناته وضابطه أنه لا يصح الإخبار بالمقسم عن الأقسام مثل تقسيم الكلام إلى اسم وفعل وحرف فلا يصح أن يقال: الاسم كلام، وكتقسيم الكرسي إلى خشب ومسامير وغراء ) إذا قيل الموجود ينقسم إلى واجب وممكن فإن مورد التقسيم مشترك بين الأقسام ثم كون وجود هذا الواجب أكمل من وجود الممكن لا يمنع أن يكون مسمى الوجود معنى كليا مشتركا بينهما.
وهكذا في سائر الأسماء والصفات المطلقة على الخالق والمخلوق كاسم الحي والعليم والقدير والسميع والبصير وكذلك في صفاته كعلمه وقدرته ورحمته ورضاه وغضبه وفرحه وسائر ما نطقت به الرسل من أسمائه وصفاته. الرد على المنطقيين - ص 155.
وقال: وآخرون توهموا أنه إذا قيل الموجودات تشترك فى مسمى الوجود لزم التشبيه والتركيب ( التشبيه لاشتراك الواجب والممكن في مفهوم الوجود فيقتضي تشبيه الخالق الواجب بالمخلوق الممكن، والتركيب لأن اشتراكهما في الوجود يقتضي وجود شي آخر يحصل به التمايز بينهما فيقتضي تركب الواجب من القدر المشترك والقدر المختص ) فقالوا لفظ الوجود مقول بالإشتراك اللفظي فخالفوا ما اتفق عليه العقلاء مع اختلاف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ونحو ذلك من أقسام الموجودات.
وطائفة ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك فى مسمى الوجود لزم أن يكون فى الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه وزعموا أن فى الخارج عن الأذهان كليات مطلقة مثل وجود مطلق وحيوان مطلق وجسم مطلق ونحو ذلك فخالفوا الحس والعقل والشرع وجعلوا ما فى الأذهان ثابتا فى الاعيان وهذا كله من أنواع الاشتباه. التدمرية- ص 108.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الوجود والماهية

اعلم أَن لفظ الوجود له معنيان:
الأول: هو الثبوت والتحقق المقابل للعدم، وهذا هو الوجود المطلق، وهذا مفهوم بديهي كلي اعتباري لا وجود له في الخارج.
الثاني: هو الحقيقة الثابتة في الخارج أي الموجودات الخاصة مثل الإنسان والحيوان وكل الموجودات، فهذه المصاديق هي منشأ انتزاع المعنى الأول فإن العقل ينظر إلى كل هذه الموجودات فينتزع منها مفهوما عاما يشملها كلها لا وجود له إلا في الذهن.
وكذا الماهية لها معنيان أيضا هما:
الأول: ما يقال في جواب ما هو أي الصورة الكلية التي ترتسم في الذهن من الشيء كماهية الإنسان أي مفهوم الحيوان الناطق المتصور في الذهن.
الثاني: ما به الشيء هو هو بالفعل أي الحقائق الموجودة في الخارج. كالإنسان الحقيقي الفعلي الموجود في الخارج.
فالماهية الأولى ذهنية وهي منتزعة من الماهية الخارجية.
والآن علينا أن ننظر لما في الخارج ولما في الذهن:
فما في الخارج شيء واحد لا اثنان سواء سميته وجودا أو ماهية ولذلك قالوا: وجود الشيء عين ماهيته في الخارج.
وأما في الذهن فإن العقل ينظر لزيد وعمرو وبكر فينتزع مفهوما كليا هو ماهية الإنسان، وينتزع من نفس المصاديق مفهوما ذهنيا آخر يسميه الوجود أي الثبوت ثم يصنع قضية: الإنسان موجود أي أن أفراد الحيوان الناطق لها تحقق في الخارج.
قال الشيخ الإمام: وحقيقة الفرق الصحيح أن الماهية هي: ما يرتسم في النفس من الشيء، والوجود هو: نفس ما يكون في الخارج منه، وهذا فرق صحيح، فإنَّ الفرق بين ما في النفس وما في الخارج ثابت معلوم لا ريب فيه، وأما تقدير حقيقة لا تكون ثابتة في العلم ولا في الوجود فهذا باطل.
ومعلوم أن لفظ الماهية يراد به ما في النفس، والموجود في الخارج، ولفظ الوجود يراد به بيان ما في النفس، والموجود في الخارج.
فمتى أريد بهما ما في النفس فالماهية هي الوجود.
وإن أريد بهما ما في الخارج فالماهية هي الوجود أيضا.
وأما إذا أريد بأحدهما ما في النفس وبالآخر ما في الوجود الخارج فالماهية غير الوجود. الرد على المنطقيين- ص 67.
تعدد الوجود
وهنا سؤال وهو هل الوجود حقيقة واحدة أو هو متعدد ؟
قلنا: ماذا تقصد بالوجود أهو المطلق فذاك مفهوم ذهني واحد أو الوجود الخاص فهو متعدد بلا ريب، وليس في الخارج وجود هو مشترك بين الماهيات هو نفسه في هذا وهو نفسه في هذا بل لكل ماهية وجود يخصها فالوجود متعدد بتعدد الموجودات.
وبعضهم ظنّ أن هنالك شيئا آخر في الخارج هو الوجود المطلق فظن أن لذلك المفهوم الذهني الذي يعني التحقق مصداق كلي موجود في الخارج مغاير لوجود المشخصات والأفراد وهذا وهم.

زيادة الوجود

طرح الفلاسفة والمتكلمون مسألة زيادة الوجود وهي عندهم من المسائل المهمة وخلاصة ما فيها هو:
هل وجود الشيء زائد على ماهيته أو عين ماهيته ؟
والجواب: إن كان المقصود هو أن الذهن يتحصل من الواقع الخارجي على شيئين: أحدهما هو مفهوم الوجود المشترك العام، والثاني هو المعنى المختص بذلك الشيء بأن يلاحظ الإنسان والحيوان والنبات الموجودة في الخارج فينتزع مفهوما عاما يسميه الوجود الذي هو الثبوت والتحقق، ثم ينتزع مفهوما عاما هو الإنسان ومفهوما آخر هو الحيوان ومفهوما آخر هو النبات ويسميها ماهيات ويحمل الوجود عليها كأن يقول: الإنسان موجود، فلا ريب ولا شك أن الوجود زائد على الماهية بهذا المعنى أي أن المفهوم من الإنسان غير المفهوم من كلمة الوجود فإن الكلمة الأولى تعني الحيوان الناطق والكلمة الثانية تعني الثبوت والتحقق.
وإن كان يقصد بها أنه في الخارج توجد ماهية ووجود فهذا لا واقع له.
وهم يقولون المذاهب ثلاثة:
أولا: الوجود زائد على الماهية في الواجب والممكن معا وينسب لجمهور المتكلمين.
ثانيا: الوجود زائد على الماهية في الممكن وعينه في الواجب وهو قول الفلاسفة.
ثالثا: الوجود عين الماهية في الواجب والممكن وهو قول الجمهور.
قال الشيخ الإمام: وهذه العبارات بناء على قولهم: إن الوجود يعرض للماهية الممكنة فإن للناس ثلاثة أقوال:
قيل: إن الوجود زائد على الماهية في الواجب والممكن كما يقول ذلك أبو هاشم وغيره وهو أحد قولي الرازي وقد يقوله بعض النظار من أصحاب أحمد وغيرهم. ( لم يذكر القول الثالث للفلاسفة فلعله هناك سقط في المخطوط ).
وقيل: بل الوجود في الخارج هو الحقيقة الثابتة في الخارج ليس هناك شيئان وهذا قول الجمهور من أهل الإثبات وهذا قول عامة النظار من مثبتة الصفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم لكن ظن الشهرستاني والرازي والأمدي ونحوهم أن قائل هذا القول يقول إن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي ونقلوا ذلك عن الأشعري وغيره ( أي ظن الرازي وغيره أن القائل بأن وجود كل شيء عين ماهيته يلزمه أن يقول بالاشتراك اللفظي وليس كذلك ) وهو غلط عليهم فإن أصحاب هذا القول هم جماهير الخلق من الأولين والآخرين وليس فيهم من يقول بأن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي إلا طائفة قليلة وليس هذا قول الأشعري وأصحابه بل هم متفقون على أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث واسم الوجود يعمهما. منهاج النسة النبوية- ج8- ص32.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

العدم

العدم مفهوم ثانوي ينتزع العقل مصاديقه من الذهن وذلك بأن يلاحظ الموجودات ثم يلاحظ انتفائها فيلاحظ عدم زيد وعدم جبل من زئبق وعدم شريك الباري ثم من تصور هذه الأشياء في الذهن ينتزعا مفهوما كليا يسمى العدم ويعني اللاوجود واللاثبوت وهو مفهوم بديهي لا مصداق له في الخارج.
ويسمى العدم المضاف إلى شيء بالعدم المضاف كعدم زيد وعدم السمع، وأما العدم غير المضاف لشيء فيسمى العدم المطلق.
وينقسم المعدوم إلى قسمين:
أولا: معدوم ممكن الوجود كعدم جبل من زئبق.
ثانيا: معدوم ممتنع الوجود كعدم شريك الباري فإنه يستحيل وجوده.

العدم عند المعتزلة

ذهب المعتزلة إلى أن المعدومات الممكنة ثابتة ولكنها ليست موجودة فعندهم أن الثبوت أعم من الوجود فقد يكون الشيء غير موجود في الخارج ولكنه ثابت أي له ثبوت وتحقق قبل وجوده.
وهو كلام يصعب حتى تصوره ولكنهم اضطروا إليه لشبهة طرأت عليهم وهي:
أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل أن يوجدها والعلم بالشيء يستدعي ثبوته حتى يتعلق العلم به فلو كان المعدوم ليس بثابت لما تعلق العلم به. ومعنى الثابت عندهم هو: ما يمكن أن يخبر عنه أو ما يمكن أن يعلم، فالمعدوم شيء من الأشياء لإمكان العلم به والإخبار عنه، والشيء أعم من الموجود فقد يكون الشيء معدوما وقد يكون موجودا، فالثابت يشمل الموجود والمعدوم الممكن.
ولهذا فرقوا بين الماهية والوجود في الخارج فالماهيات كماهية الإنسان والحيوان والنبات لها ثبوت في نفسها ثبوت حقيقي خارج الذهن ثم يعرض عليها الوجود فتوجد.
فتلخص من كلامهم أن هنالك وجودا وأن هنالك عدما محضا لا شيئيّة له وأن هنالك ثبوتا هو محل ظهور الممكنات.
وكلامهم خلاف الضرورة القاضية بأن الوجود والعدم متناقضان ولا واسطة بينهما.
قال الإمام: وشبهتُه ( أي ابن عربي وكذا المعتزلة في جعل المعدوم شيئا ثابتا والتفريق بين الوجود والثبوت ) ثبوتُها ( أي أعيان الممكنات المعدومة ) في علم الحقّ، ولا يلزم من علم الحقّ بها ثبوتُها في نفسها ولا وجودُها. جامع المسائل –ج4-419.
وقال: إذ قد إتفقوا على أن الممتنع ليس بشيء، و إنما النزاع فى الممكن، وعمدة من جعله شيئا إنما هو لأنه ثابت فى العلم. مجموع الفتاوى- ج8- ص 183.
وقال: فهذا ونحوه فيه علم الله بالأشياء قبل كونها وكتابته إياها وإخباره بها وذلك غير وجود أعيانها لأنها لا توجد أعيانها حتى تخلق، ومن لم يفرق بين ثبوت الشيء فى العلم والكلام والكتاب وبين حقيقته فى الخارج وكذلك بين الوجود العلمي والعيني عظم جهله وضلاله.
وأهل العلم قد أعظموا النكبة على من يقول المعدوم شىء ثابت فى الخارج، وإن كان لهؤلاء شبهة عقلية لكونهم ظنوا أن تميزه فى العلم والإرادة يقتضى تمييزه فى الخارج فإنهم أخطأوا فى ذلك.
والتحقيق الفرق بين الثبوت العلمي والعيني، وأما وجود الأشياء قبل خلقها فهذا أعظم فى الجهل والضلال. مجموع الفتاوى-18-ص 370.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

جعل الماهيات

طرح سؤال في علم الفلسفة والكلام هو: هل يتعلق الجعل – أي الإيجاد والخلق- بالماهية أو بالوجود ؟
فذهب الفلاسفة وطوائف من المتكلمين إلى أن الماهيات غير مجعولة.
توضيحه:
إن الماهية تعبر عن ذاتيات الشيء وتلك الذاتيات ثابتة للذات بلا فاعل بمعنى أن الإنسان ما دمنا قد فرضناه إنسانا فالحيوانية والناطقية ثابتان له بلا فاعل وهذا لا ينافي أنه في وجوده يحتاج إلى فاعل.
وإذا قلنا: إن الناهقية أمر ضروري الثبوت للحمار فنعني أن الحمار ما دامت ذاته باقية فالناهقية ثابتة له وهذا لا يتنافى مع كون الحمار يحتاج في وجوده إلى علة.
وإذا أخذنا أي موجود وقسنا ذلك الموجود إلى ذاتياته فهي ضرورية له وهي غير مجعولة.
فليس القصد هو إنكارنا احتياج الإنسان والحمار وغيرهما في وجودهما إلى الخالق فهذا باطل ولكنا قصدنا أن ذاتيات الشيء ثابته له لا يتعلق بها الإيجاد؛ لإن الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة أي إذا لاحظنا الماهية الموجودة فهي موجودة لا غير وإذا لاحظناها معدومة فهي معدومة لا غير ولكن إذا لاحظناها من حيث هي هي أي في نفسها فلا هي موجودة ولا هي معدومة.
فالماهية من حيث هي موجودة مجعولة مخلوقة للباري ولكنها من حيث هي في ذاتها غير مجعولة.
ولهذا يقول ابن سينا: ما جعل الله المشمشة مشمشة بل أوجدها. !
هذا تقرير مذهبهم وهو كما ترى مبني على التفريق بين الماهية والوجود في الخارج فكأنهم تصوروا أن الماهية لها نوع ثبوت في نفسها ثم عرض لها الوجود، وإلا إذا قلنا إن الله سبحانه أوجد زيدا من العدم ولم يكن شيئا قبل ذلك وقد أوجد جسمه النامي الحساس وأوجد نطقه، ثم بعد ذلك جاء العقل واستخرج مفهومين شكلا الماهية الذهنية فما موقع المسألة؟!
قال الشيخ الإمام: وقد تنازع الناس في الماهيات هل هي مجعولة أم لا وهل ماهية كل شيء زائدة على وجوده كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع وبين الصواب في ذلك وأنه ليس إلا ما يتصور فى الذهن ويوجد في الخارج.
فإن أريد الماهية ما يتصور فى الذهن وبالوجود ما في الخارج أو بالعكس فالماهية غير الوجود إذا كان ما في الأعيان مغايرا لما في الأذهان.
و إن أريد بالماهية ما في الذهن أو الخارج أو كلاهما، وكذلك بالوجود، فالذي في الخارج من الوجود هو الماهية الموجودة في الخارج و كذلك ما في الذهن من هذا هو هذا ليس في الخارج شيئان.
وهو سبحانه علّم ما فى الأذهان و خلق ما في الأعيان و كلاهما مجعول له لكن الذي في الخارج جعله جعلا خلقيا والذي في الذهن جعله جعلا تعليميا فهو الذي خلق الإنسان من علق و هو الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم. مجموع الفتاوى- ج 16- ص 265.
وقال: فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة العقلاء أن الماهيات مجعولة وأن ماهية كل شيء عين وجوده، وأنه ليس وجود الشيء قدرا زائدا على ماهيته، بل ليس في الخارج إلا الشيء الذي هو الشيء وهو عينه ونفسه وماهيته وحقيقته، وليس وجوده وثبوته في الخارج زائدا على ذلك.
وأولئك يقولون: الوجود قدر زائد على الماهية، ويقولون الماهيات غير مجعولة، ويقولون وجود كل شيء زائد على ماهيته، ومن المتفلسفة من يفرق بين الوجود والواجب والممكن فيقول: الوجود الواجب عين الماهية. وأما الوجود الممكن فهو زائد على الماهية.
وشبهة هؤلاء ما تقدم من أن الإنسان قد يعلم ماهية الشيء ولا يعلم وجوده، وأن الوجود مشترك بين الموجودات، وماهية كل شىء مختصة به.
ومن تدبر تبين له حقيقة الأمر فإنا قد بيّنا الفرق بين الوجود العلمي والعيني، وهذا الفرق ثابت في الوجود والعين والثبوت والماهية وغير ذلك فثبوت هذه الأمور فى العلم والكتاب والكلام ليس هو ثبوتها في الخارج عن ذلك ( أي الخارج عن الأمور الثلاثة المذكورة أي أن ثبوتها في العلم وهو الوجود الذهني، وفي الكتاب وهو الوجود الكتبي الخطي الموجود في الكتب، والكلام وهو الوجود اللفظي ليس هو وجودها الخارجي الحقيقي الفعلي ) وهو ثبوت حقيقتها وماهيتها التي هي هي،والإنسان إذا تصوّر ماهية فقد علم وجودها الذهني،ولا يلزم من ذلك الوجود الحقيقي الخارجي. فقول القائل: قد تصورت حقيقة الشيء وعينه ونفسه وماهيته وما علمت وجوده حصَّل وجوده العلمي وما حصَّل وجوده العيني الحقيقي، ولم يعلم ماهيته الحقيقية ولا عينه الحقيقية ولا نفسه الحقيقية الخارجية، فلا فرق بين لفظ وجوده ولفظ ماهيته الا أن أحد اللفظين قد يعبر به عن الذهني والآخر عن الخارجي فجاء الفرق من جهة المحل لا من جهة الماهية والوجود. ( فهذا جواب عن الشبهة الأولى وهي أن الإنسان قد يعلم ماهية الشيء ولا يعلم وجوده )
وأما قولهم: إن الوجود مشترك والحقيقة لا اشتراك فيها، فالقول فيه كذلك؛ فإن الوجود المعين الموجود في الخارج لا اشتراك فيه، كما أن الحقيقة المعينة الموجودة في الخارج لا اشتراك فيها. وإنما العلم ( أو العقل ) يدرك الموجود المشترك كما يدرك الماهية المشتركة، فالمشترك ثبوته في الذهن لا في الخارج وما في الخارج ليس فيه اشتراك ألبتة، والذهن إن أدرك الماهية المعينة الموجودة في الخارج لم يكن فيها اشتراك وإنما الاشتراك فيما يدركه من الأمور المطلقة العامة وليس في الخارج شيء مطلق عام بوصف الإطلاق والعموم وإنما فيه المطلق لا بشرط الإطلاق وذلك لا يوجد في الخارج إلا معينا ( أي إذا نظرنا لماهية كالإنسان ولاحظناه بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج لأن ما في الخارج لا يكون إلا معينا، وإذا لاحظناه لا بشرط الإطلاق أي لم نشترط فيه ذلك فإنه يكون موجودا في الخارج بوجود جزئياته من زيد وعمرو )
فينبغي للعاقل أن يفرق بين ثبوت الشيء ووجوده في نفسه، وبين ثبوته ووجوده في العلم، فإن ذاك هو الوجود العيني الخارجي الحقيقي، وأما هذا فيقال له الوجود الذهني والعلمي. وما من شيء إلا له هذان الثبوتان فالعلم يعبر عنه باللفظ ويكتب اللفظ بالخط فيصير لكل شئ أربع مراتب: وجود في الأعيان، ووجود في الاذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان؛ وجود عيني، وعلمي، ولفظي، ورسمي.
ولهذا كان أول ما أنزل الله على نبيه سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق. ذكر فيها النوعين فقال: اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق فذكر جميع المخلوقات بوجودها العيني عموما ثم خصوصا فخص الإنسان بالخلق بعد ما عم غيره ثم قال: اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم فخص التعليم للإنسان بعد تعميم التعليم بالقلم، وذَكرَ القلم؛ لأن التعليم بالقلم هو الخط وهو مستلزم لتعليم اللفظ فإن الخط يطابقه وتعليم اللفظ هو البيان وهو مستلزم لتعليم العلم؛ لأن العبارة تطابق المعنى فصار تعليمه بالقلم مستلزما للمراتب الثلاث: اللفظي، والعلمي، والرسمي، بخلاف ما لو أطلق التعليم أو ذكر تعليم العلم فقط لم يكن ذلك مستوعبا للمراتب.
فذكر فى هذه السورة الوجود العيني والعلمي وأن الله سبحانه هو معطيهما فهو خالق الخلق وخالق الإنسان وهو المعلم بالقلم ومعلم الإنسان.
فأما إثبات وجود الشيء فى الخارج قبل وجوده فهذا أمر معلوم الفساد بالعقل والسمع وهو مخالف للكتاب والسنة والاجماع. مجموعة الرسائل- ج4 – ص 15 -16، وقد نقلته بطوله لما فيه من الفوائد وإلا فأنا أختصر اختصارا.
وقال: فقال لي مرة بعضهم: الإيمان من حيث هو إيمان لا يقبل الزيادة والنقصان. فقلت له: قولك من حيث هو كما تقول الإنسان من حيث هو إنسان، والحيوان من حيث هو حيوان، والوجود من حيث هو وجود، والسواد من حيث هو سواد، وأمثال ذلك لا يقبل الزيادة والنقصان والصفات، فتثبت لهذه المسميات وجودا مطلقا مجردا من جميع القيود والصفات. وهذا لا حقيقة له في الخارج وإنما هو شيء يقدره الإنسان في ذهنه كما يقدر موجودا لا قديما ولا حادثا، ولا قائما بنفسه ولا بغيره، ويقدر إنسانا لا موجودا ولا معدوما، ويقول: الماهية من حيث هي هي لا توصف بوجود ولا عدم.
والماهية من حيث هي هي شيء يقدره الذهن وذلك موجود في الذهن لا فى الخارج، وأما تقدير شيء لا يكون فى الذهن ولا في الخارج فممتنع، وهذا التقدير لا يكون إلا في الذهن كسائر تقدير الأمور الممتنعة مثل: تقدير صدور العالم عن صانعين ونحو ذلك فإن هذه المقدرات في الذهن. مجموع الفتاوى- ج 7- ص 405.
 
إنضم
22 يناير 2018
المشاركات
21
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
القاهره
المذهب الفقهي
شافعي....
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

بارك الله في جهدكم ووقتكم .. نرجو أن تواصلوا الشرح حتي تكمل الفائدة لطلبة العلم
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

شيخنا راسلتكم على الخاص لكن يقول: صفاء الدين العراقي تجاوز المحد له من مساحة الرسائل الخاصة المخزونة ولا يمكنه إستلام رسائل أخرى إلى أن يحرر بعض المساحة.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

شيخنا راسلتكم على الخاص لكن يقول: صفاء الدين العراقي تجاوز المحد له من مساحة الرسائل الخاصة المخزونة ولا يمكنه إستلام رسائل أخرى إلى أن يحرر بعض المساحة.
تم مسح بعض الرسائل، بعض الرسائل فيها معلومات أريد أن احتفظ بها، ثم بعد بعض الرسائل الجديدة يرجع يمتلئ الصندوق.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس العاشر- اعتبارات الماهية

اعلم أن الذهن بما له من قدرة عجيبة على التصرف تارة يلحظ الشيء مطلقا من كل قيد وتارة يلحظه مقيدا.
أولا: المطلق وهو: الذي يؤخذ من غير قيد وشرط بل ينظر إلى مفهومه بنحو يمكن أن يصدق وينطبق على كل مقيد.
ثانيا: المقيد وهو على قسمين:
1- مقيد بقيد وجودي.
2- مقيد بقيد عدمي.
مثال ذلك: الإنسان فإنه تارة ينظر إليه مطلقا من غير إضافة قيد إليه بل بما هو حيوان ناطق، وتارة ينظر إليه بقيد وجوده، وتارة ينظر إليه بقيد عدم وجوده، فنقول الإنسان إما موجود وإما معدوم، فالمقسم هو المطلق، والإنسان الموجود هو المقيد بقيد وجودي، والإنسان المعدوم هو المقيد بقيد عدمي.
ويسمى المطلق ( لا بشرط ) فيقال الإنسان لا بشرط أي لا بشرط شيء معه، والمقيد بقيد وجودي يسمى ( بشرط شيء ) فيقال الإنسان بشرط الوجود، والمقيد بقيد عدمي يسمى ( بشرط لا ) أي بشرط عدم شيء فيقال الإنسان غير الموجود أي المعدوم.
وهذه الاعتبارات يمكن أن تجري في كل موصوف مع صفته.
فمثلا إذا نظرنا للسيارة مع وصف ولون معين كالأحمر فيمكن أن تجري تلك الاعتبارات، فتارة يقول زيد لعمرو: اشتر لي سيارة ( لا بشرط )، وتارة يقول له اشتر لي سيارة حمراء ( بشرط شيء )، وتارة يقول اشتر لي سيارة غير حمراء ( بشرط لا ) أي المهم أنها ليست حمراء كبيضاء أو سوداء أو صفراء.
مثال آخر: تارة يقال: احترم الإنسان ( لا بشرط )، وتارة يقال احترم الإنسان العالم ( بشرط شيء ) وتارة يقال احترم الإنسان غير المجرم ( بشرط لا ).
فتارة يلحظ الشيء والماهية لوحده بحيث يقبل الصدق على كل الأفراد، وتارة يلحظ مع صفة ثبوتية، وتارة يلحظ مع صفة عدمية.
وفي الحقيقية هنالك لحاظ رابع وهو أن يلحظ الشيء بقيد الإطلاق أي بشرط أن يبقى مطلقا من كل وصف ثبوتي أو سلبي.
فالسيارة لوحدها هذه المطلق لا بشرط، والسيارة الحمراء هذه المطلق بشرط شيء، والسيارة غير الحمراء هذه المطلق بشرط لا، والسيارة بشرط كونها مطلقة من كل لون ووصف هي المطلق بشرط الإطلاق وهي لا وجود لها في الخارح فلا يمكن أن تكون السيارة بلا لون ووصف.
وهذا يجري في الوجود فتارة يقال الوجود المطلق وهو الذي يصح تقسيمه إلى واجب وممكن، وتارة يقال الوجود الواجب أو الممكن وهما مقيدان بشرط الوجوب وشرط الإمكان، وتارة يقال الوجود بشرط كونه غير متصف بالصفات الثبوتية وهذا هو المقيد بشرط لا، وتارة يقال الموجود بشرط أن يكون مطلقا فلا هو واجب ولا ممكن ولا قديم ولا محدث.
بعبارة أخرى إن الماهية قد تلاحظ مع الإطلاق وقد تلاحظ مع التقييد.
فإذا لاحظناه بلحاظ الإطلاق فتارة تلحظ على أن الإطلاق شرط فيها وتارة تلاحظ مطلقة حتى من شرط الإطلاق.
وإذا لاحظناها مقيدة فتارة نلاحظها بقيد وجودي وتارة نلاحظها بقيد عدمي.
وينبغي التركيز على الفرق بين المطلق لا بشرط والمطلق بشرط الإطلاق.
فمثلا ما الفرق بين الوجود المطلق بشرط الإطلاق والوجود المطلق لا بشرط الإطلاق ؟
الجواب: الوجود المطلق لا بشرط هذا يمكن أن يصدق على أي وجود ممكن أن يصدق على الوجود الواجب أو على أي وجود من الممكنات، وأما الوجود المطلق بشرط الإطلاق فهذا معناه محض الوجود غير المقيد في الخارج بأي حقيقة واجبة أو ممكنة بل مجرد صرف الوجود وهذا لا حقيقة له في الخارج.
فهذه أربعة أقسام:
1- الماهية لا بشرط، 2- الماهية بشرط شيء، 3- الماهية بشرط لا، 4- الماهية بشرط الإطلاق.
فالماهية لا بشرط موجودة في الخارج بوجود أفرادها الخارجية كالإنسان يوجد في الخارج بوجود زيد وعمرو.
والماهية بشرط شيء موجودة كذلك كالإنسان الرومي كصهيب الرومي رضي الله عنه، والماهية بشرط لا موجودة كذلك كالإنسان غير الرومي كبلال الحبشي رضي الله عنه.
وأما الماهية بشرط الإطلاق والتجرد من كل شيء فلا وجود لها إلا في الذهن كالإنسان الكلي.
قال الشيخ الإمام: وقول القائل: المطلق لا بشرط ينفي اشتراط الإطلاق فإن ذلك هو المطلق بشرط الإطلاق وذاك ليس بموجود في الخارج بلا نزاع من هؤلاء المنطقيين أتباع أرسطو فإن المنطق اليوناني يضاف إليه ولهذا لا يذكرون فيه نزاعا، وإنما يثبته في الخارج أصحاب أفلاطون، وإذا لم يكن الإطلاق شرطا فيه لم يمتنع اقتران القيد به فيكون وجوده مقيدا وإذا كان وجوده مقيدا امتنع أن يكون مطلقا فإن الإطلاق ينافي التقييد، وإن قلتَ: المقيد يدخل في المطلق بلا شرط، قلتُ: وإذا دخل فيه كان هو إياه في الذات مغايرا له في الصفات كما إذا قلت الناطق حيوان لم يكن هناك جوهران أحدهما مطلق والآخر مقيد وهذا أمر يشهد به الحس ولا ينازع فيه من تصوره فليس في الموجودات المعينة إلا صفاتها المعينة القائمة بها وكل ذلك مشخص. درء التعارض- ج5- 92.
وقال: والمطلق بشرط الإطلاق قد سلموا في منطقهم أنه لا يكون إلا في الأذهان والمطلق لا بشرط يسلمون أنه لا يوجد في الخارج مجردا عن الأعيان. درء التعارض- 10- ص257 .

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

تحقيق ابن تيمية حول اعتبارات الماهية

الماهية إما أن تكون مطلقة وإما أن تكون مقيدة، وكلاهما يجريان في المعاني وفي الألفاظ.
فلنبدأ بالبيان الخاص بالمعنى فنقول: المعنى إما أن يكون مطلقا وإما أن يكون مقيدا.
والمطلق إما أن يكون لا بشرط الإطلاق وإما أن يكون بشرط الإطلاق.
والمقيد إما أن يكون بقيد العموم، وإما أن يكون بقيد الخصوص. فهذه أربعة أقسام.
كالإنسان المطلق فإنه يكون في الخارج ذكرا وأنثى فهذا المطلق لا بشرط الإطلاق.
وأما الإنسان المطلق بشرط الإطلاق أي بشرط التجرد من كل الصفات فلا هو موجود ولا هو معدوم ولا هو ذكر ولا هو أنثى ولا هو طويل ولا هو قصير فمثل هذا لا وجود له في الخارج.
وأما الإنسان العام فبأن يلاحظ الإنسان في الذهن صادقا على جميع أفراده، وأما الإنسان الخاص فكزيد أو عمرو.
فأما المقيد بقيد الخصوص فهو موجود في الخارج وفي الذهن.
وأما المقيد بقيد العموم فهو موجود في الذهن لا في الخارج لأن ما في الخارج معين مشخص متميز لا يعم شيئين.
وأما المطلق لا بشرط الإطلاق فهو موجود في الذهن، وأما في الخارج فموجود بوجود أفراده لأن المطلق لا بشرط لا يمنع انطباقه على المقيد المعين، وأما المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له إلا في الذهن.
وأما في اللفظ فكما في قول الفقهاء: الماء ثلاثة أقسام: طهور وهو الماء المطلق، وطاهر، ونجس.
فالمقسم هو الماء لا بشرط الإطلاق، والطهور هو المطلق بشرط الإطلاق أي بشرط أن لا يقيد في اللفظ كأن يقال ماء ورد أو ماء نجس، والمقيد بقيد العموم كقولنا: الماء ثلاثة أقسام، فقد قيد الماء بقيد يفيد الشمول والعموم، والمقيد بقيد الخصوص كماء الورد وماء نجس.
وهذا التقييد بحسب اللفظ لا بحسب المعنى فلا يعترضن معترض قائلا: إنكم قدمتم أن المطلق بشرط الإطلاق لا وجود له في الخارج، والماء المطلق وهو بشرط الإطلاق له وجود في الخارج قطعا؛ لأن هذا تقييد بحسب اللفظ لا بحسب المعنى فإن الماء الطهور الباقي على أصل خلقته له صفاته الخارجية التي تعينه كهذا الماء الخارج من الصنبور فليس هو مجردا من الصفات كما هو الحال في المطلق بشرط الإطلاق المعنوي.
قال الشيخ الإمام: وَالْحَقَائِقُ لَهَا ثَلَاثُ اعْتِبَارَاتٍ: اعْتِبَارُ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَالْإِطْلَاقِ ( بعبارة أخرى الحقائق لها اعتباران اعتبار الإطلاق واعتبار التقييد، واعتبار التقييد قسمان: تقييد بقيد العموم، وتقييد بقيد الخصوص، وإليك الأمثلة: إنسان مطلق وإنسان عام وإنسان خاص، فالأول هو الإنسان مطلقا أي ماهيته التي هي الحيوان الناطق، والثاني هو الإنسان ملاحظا في الذهن بقيد صدقه على كل الأفراد، والثالث كزيد مثلا )
فَإِذَا قُلْنَا: حَيَوَانٌ عَامٌّ أَوْ إنْسَانٌ عَامٌّ أَوْ جِسْمٌ عَامٌّ أَوْ وُجُودٌ عَامٌّ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعِلْمِ وَاللِّسَانِ ( أي في الوجود الذهني العلمي والوجود اللفظي اللساني )، وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنْ ذَلِكَ فَمَا ثَمَّ شَيْءٌ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ يَعُمُّ شَيْئَيْنِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ صِفَاتِ الْحَيِّ. فَيُقَالُ: عِلْمٌ عَامٌّ وَإِرَادَةٌ عَامَّةٌ وَغَضَبٌ عَامٌّ وَخَبَرٌ عَامٌّ وَأَمْرٌ عَامٌّ. وَيُوصَفُ صَاحِبُ الصِّفَةِ بِالْعُمُومِ أَيْضًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَلِيِّ وَهُوَ يَدْعُو فَقَالَ: يَا عَلِيُّ عُمَّ فَإِنَّ فَضْلَ الْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ كَفَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ} وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ {لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} عَمَّ وَخَصَّ} . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَتُوصَفُ الصِّفَةُ بِالْعُمُومِ كَمَا فِي حَدِيثِ التَّشَهُّدِ: {السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. فَإِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِله فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ( فالسلام وهو صفة عمّ جميع الصالحين، فتلخص أن العموم يتعلق بالشخص نحو عمّ الرجلُ القومَ بفضائله، ويتعلق بالصفة نحو عمّ الفرحُ ) وَأَمَّا إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ الْقَائِمَةِ بِالْقَلْبِ أَحَقُّ بِالْعُمُومِ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
وَسَائِرُ الصِّفَاتِ كَالْإِرَادَةِ، وَالْحُبِّ، وَالْبُغْضِ، وَالْغَضَبِ، وَالرِّضَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ مَا يَعْرِضُ لِلْقَوْلِ وَإِنَّمَا الْمَعَانِي الْخَارِجَةُ عَنْ الذِّهْنِ هِيَ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ كَقَوْلِهِمْ: مَطَرٌ عَامٌّ وَخِصْبٌ عَامٌّ؛ هَذِهِ الَّتِي تَنَازَعَ النَّاسُ: هَلْ وَصْفُهَا بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَجَازٌ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ لَا يَقَعُ إلَّا ( لعل الأصح بدون إلا ) حَيْثُ يَقَعُ الْآخَرُ فَلَيْسَ هُنَاكَ عُمُومٌ وَقِيلَ بَلْ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْمَطَرَ الْمُطْلَقَ قَدْ عَمَّ ( وهذا بحث لغوي بحت لا يعني أنه في الخارج عموم حقيقي ).
وَأَمَّا الْخُصُوصُ فَيَعْرِضُ لَهَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ ذَاتٌ وَعَيْنٌ تَخْتَصُّ بِهِ وَيَمْتَازُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ: أَعْنِي الْحَقِيقَةَ الْعَيْنِيَّةَ الشَّخْصِيَّةَ الَّتِي لَا اشْتِرَاكَ فِيهَا مِثْلُ: هَذَا الرَّجُلُ وَهَذِهِ الْحَبَّةُ وَهَذَا الدِّرْهَمُ وَمَا عَرَضَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ لَهَا فِي الذِّهْنِ ( فيتصف ما في الذهن بالخصوص بخلاف العموم فإنه لا يعرض لها في الخارج ). فَإِنَّ تَصَوُّرَ ( الحقيقة ) الذِّهْنِيَّةِ أَوْسَعُ مِنْ الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ فَإِنَّهَا تَشْمَلُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَالْمُمْتَنِعَ وَالْمُقَدَّرَاتِ.
وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَيَعْرِضُ لَهَا إذَا كَانَتْ فِي الذِّهْنِ بِلَا رَيْبٍ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَتَصَوَّرُ إنْسَانًا مُطْلَقًا وَوُجُودًا مُطْلَقًا. وَأَمَّا فِي الْخَارِجِ فَهَلْ يُتَصَوَّرُ شَيْءٌ مُطْلَقٌ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ قِيلَ: الْمُطْلَقُ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ إذْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنٌ مُقَيَّدٌ وَالْمُطْلَقُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدَدُ لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمُطْلَقَ بِلَا شَرْطٍ أَصْلًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ الْمُعَيَّنُ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُعَيَّنُ الْمُقَيَّدُ.
وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّهُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُضَافُ، وَأَمَّا الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُضَافُ. ( وهذا هو الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء ) فَإِذَا قُلْنَا: الْمَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَهُورٍ وَطَاهِرٍ وَنَجِسٍ، فَالثَّلَاثَةُ أَقْسَامُ الْمَاءِ. الطَّهُورُ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ بِطَهُورِ كَالْعُصَارَاتِ وَالْمِيَاهِ النَّجِسَةِ. فَالْمَاءُ الْمَقْسُومُ هُوَ الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطِ، وَالْمَاءُ الَّذِي هُوَ قَسِيمٌ لِلْمَاءَيْنِ هُوَ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ.
لَكِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ الَّذِي قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي اسْمِ الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ كَلَفْظِ مَاءٍ أَوْ فِي اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ كَلَفْظِ مَاءٍ نَجِسٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ. وَأَمَّا مَا كَانَ كَلَامُنَا فِيهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي مَعَانِي اللَّفْظِ فَفَرْقٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فَإِنَّ النَّاسَ يَغْلَطُونَ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ غَلَطًا كَثِيرًا جِدًّا.
وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَمَّاهُ مُعَيَّنًا لَا يَقْبَلُ الشِّرْكَةَ كَأَنَا وَهَذَا وَزَيْدٍ وَيُقَالُ لَهُ الْمُعَيَّنُ وَالْجُزْءُ ( كذا في المطبوع والصواب والجزئي ) وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ الشِّرْكَةَ فَهَذَا الَّذِي يَقْبَلُ الشِّرْكَةَ هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ وَلَهُ ثَلَاثُ اعْتِبَارَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ فَمِثَالُ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَلَمْ تَجِدُوا مَاءً، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى قَدْ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ اللَّفْظِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ ( كالماء الطاهر فإنه يدخل في مطلق الماء ولا يدخل في الماء المطلق ) أَيْ يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ لَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وَلَا يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ كَمَا قُلْنَا فِي لَفْظِ الْمَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَاءَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَنِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} وَيُقَالُ: مَاءُ الْوَرْدِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَكِنْ عِنْدَ التَّقْيِيدِ؛ فَإِذَا أُخِذَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ لَفْظِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَفْظِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ فَهُوَ الْمُطْلَقُ بِلَا شَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَيُقَالُ: الْمَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى مُطْلَقٍ ( وهو المطلق بشرط الإطلاق ) وَمُضَافٍ ( كماء الورد )، وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ مُطْلَقٌ لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ يَقْتَضِي الشُّمُولَ وَالْعُمُومَ وَهُوَ قَوْلُنَا الْمَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. فَهُنَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْعَامُّ وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِلَا شَرْطٍ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ إلَّا لَفْظٌ مُؤَلَّفٌ ( وهو مطلق الماء ) وَالْقِسْمُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ اللَّفْظُ بِشَرْطِ إطْلَاقِهِ ( وهو الذي ينصرف إليه لفظ الماء عند إطلاقه ) وَالثَّانِي اللَّفْظُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ اللَّفْظُ بِشَرْطِ تَقْيِيدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِاللَّفْظِ إمَّا أَنْ يُطْلِقَهُ أَوْ يُقَيِّدَهُ لَيْسَ لَهُ حَالٌ ثَالِثَةٌ فَإِذَا أَطْلَقَهُ كَانَ لَهُ مَفْهُومٌ وَإِذَا قَيَّدَهُ كَانَ لَهُ مَفْهُومٌ ثُمَّ إذَا قَيَّدَهُ إمَّا أَنْ يُقَيِّدَهُ بِقَيْدِ الْعُمُومِ أَوْ بِقَيْدِ الْخُصُوصِ؛ فَقَيْدُ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ: الْمَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَقَيْدُ الْخُصُوصِ كَقَوْلِهِ: مَاءُ الْوَرْدِ. وَإِذَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ وَإِطْلَاقِهِ وَبَيْنَ تَقْيِيدِ الْمَعْنَى وَإِطْلَاقِهِ ( سيأتي بعد قليل كلام للإمام يوضح أكثر الفرق بين الإطلاق والتقييد اللفظيين والإطلاق والتقييد المعنويين ) عُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
إمَّا أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ الْعُمُومِ أَوْ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ الْخُصُوصِ. وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْمَعَانِي نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وَمُطْلَقٌ لَا بِشَرْطِ. وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الْمُطْلَقُ مِنْهَا قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِنَا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَالرَّقَبَةُ الْمُطْلَقَةُ وَقَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِنَا إنْسَانٌ. فَالْمُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِطْلَاقِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ بِمَا يُنَافِي الْإِطْلَاقَ فَلَا يَدْخُلُ مَاءُ الْوَرْدِ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ لَا بِقَيْدِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ كَمَا يَدْخُلُ الْإِنْسَانُ النَّاقِصُ فِي اسْمِ الْإِنْسَانِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ مِنْ الْمَعَانِي لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إنْسَانٌ مُطْلَقٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِهَذَا أَوْ ذَاكَ، وَلَيْسَ فِيهِ حَيَوَانٌ مُطْلَقٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَطَرٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ مِنْ الْأَلْفَاظِ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَمُسَمَّاهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِطْلَاقِ هُنَا فِي اللَّفْظِ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُعَيَّنًا وَبِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ هُنَاكَ فِي الْمَعْنَى، وَالْمُسَمَّى الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ لِكُلِّ مَوْجُودٍ حَقِيقَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ يَتَمَيَّزُ بِهَا لَيْسَ بِشَيْءِ وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا فَتَمْيِيزُهُ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَلَيْسَ لَنَا مَوْجُودٌ هُوَ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ قَدْ يُقَالُ: هُوَ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ تَتَمَيَّزُ وَلَا ذَاتٌ تَتَحَقَّقُ؛ حَتَّى يُقَالَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ تَمْنَعُ غَيْرَهَا بِحَدِّهَا أَنْ تَكُونَ إيَّاهَا. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ مِنْ الْمَعَانِي لَا بِشَرْطِ: فَهَذَا إذَا قِيلَ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّمَا يُوجَدُ مُعَيَّنًا مُتَمَيِّزًا مَخْصُوصًا وَالْمُعَيَّنُ الْمَخْصُوصُ يَدْخُلُ فِي الْمُطْلَقِ لَا بِشَرْطِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُطْلَقِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ إذْ الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطِ أَعَمُّ وَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الْمُطْلَقُ بِلَا شَرْطٍ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ: أَنْ يَكُونَ الْمُطْلَقُ الْمَشْرُوطُ بِالْإِطْلَاقِ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْهُ.
فَإِذَا قُلْنَا: حَيَوَانٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ جِسْمٌ أَوْ وُجُودٌ مُطْلَقٌ فَإِنْ عَنَيْنَا بِهِ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ عَنَيْنَا الْمُطْلَقَ لَا بِشَرْطِ فَلَا يُوجَدُ إلَّا مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ إلَّا مُعَيَّنٌ مُتَمَيِّزٌ مُنْفَصِلٌ عَمَّا سِوَاهُ بِحَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ. مجموع الفتاوى- ج2- ص162 إلى 168.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثاني عشر- الكلي الطبيعي والمنطقي والعقلي

ذكروا في المنطق اليوناني أن الكلي ثلاثة أنواع: المنطقي والطبيعي والعقلي.
فأما المنطقي فهو ما مر بيانه فقد قلنا: إن المفهوم إما أن يقبل الصدق على كثيرين وإما أن لا يقبل الصدق إلا على واحد فالأول الكلي والثاني الجزئي. فالكلي المنطقي هو معقول ثانوي.
وأما الكلي الطبيعي فهو المطلق لا بشرط فأي طبيعية وأي ماهية هي كلي طبيعي كالإنسان والحيوان والنبات والمعدن والجبل، وهو معقول أولي.
وأما الكلي العقلي فهو الكلي الطبيعي + الكلي المنطقي، وهو المطلق بشرط الإطلاق كالإنسان والحيوان بشرط الإطلاق وهو أيضا معقول ثانوي.
بعبارة أخرى إذا قلنا: الإنسان كلي، فهنا العقل يلاحظ هذه القضية بثلاثة اعتبارات:
الأول أن يلاحظ الإنسان بما هو حيوان ناطق ولا يلاحظ كونه كليا أو جزئيا بل يقصر النظر على نفس مفهومه.
الثاني أن يلاحظ الكلي من حيث هو مفهوم منطقي بغض النظر عن أمثلته ومصاديقه كالإنسان والحيوان والكتاب. الثالث أن يلاحظ الإنسان مع وصف الكلية.
فاللحاظ الأول هو الكلي الطبيعي، واللحاظ الثاني هو الكلي المنطقي، واللحاظ الثالث هو الكلي العقلي.
فأما الكلي المنطقي فهو مفهوم ذهني لا وجود له في الخارج.
وأما الكلي العقلي أي الطبيعة بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج أيضا فإن المطلق بشرط الإطلاق لا تحقق له في الخارج.
وذهب أفلاطون وأتباعه إلى وجوده في الخارج وسموها المثل كما تقدم.
قال الشيخ الإمام: وهذا يسمى الكلي العقلي وهذا عند عامة العقلاء لا يوجد إلا في الذهن لا في الخارج، ولكن يحكى عن شيعة أفلاطون أنهم أثبتوا هذه الكليات المجردة عن الأعيان في الخارج وقالوا إنها قديمة أزلية إنسانية مطلقة وحيوانية مطلقة ويسمونها المثل الأفلاطونية والمثل المعلّقة.
وقد رد ذلك عليهم إخوانهم أرسطو وشيعته وجماهير العقلاء وبينوا أن هذه إنما هي متصورة في الأذهان لا موجودة في الأعيان كما يتصور الذهن عددا مطلقا ومقادير مطلقة. الجواب الصحيح- ج5- ص 80-81.
وأما الكلي الطبيعي فقد اختلف فيه:
فظن بعضهم أنه موجود في الخارج؛ لأن المطلق جزء من المعين، فالإنسان المطلق+ قيود مشخصة= الفرد الخارجي، فيكون المطلق الذي هو الإنسان الكلي جزءا من المعين، فإن الإنسان حيوان ناطق، وزيد حيوان ناطق فبالتالي تكون الحيوانية والناطقية جزئين فيه.
فكأنهم تخيلوا أن وجود الكلي الطبيعي في أفراده هو كوجود ماهية معجون الطماطم النازل في علب مختلفة فالأفراد متشخصة كل فرد بعلبته ولكن الطبيعة المعجونية واحدة مشتركة، فتكون الطبيعة موجودة في الخارج كل ما في الأمر أنها لا توجد إلا مخلوطة بأواعيها.
وهو محض وهم فإن معنى أن الكلي الطبيعي موجود أنه موجود بأفراده لا أنه موجود فيهم حال كونه كليا مشتركا.
فإن الكلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، والمعين يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فكيف يكون ذاك جزءا من هذا!
قال الشيخ الإمام: ومن قال إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج فقد يريد به حقا وباطلا فإن أراد بذلك أن ما هو كلي في الذهن موجود في الخارج معينا أي تلك الصورة الذهنية مطابقة للأعيان الموجودة في الخارج كما يطابق الاسم مسماه، والمعنى الذهني الموجود الخارجي فهذا صحيح.
وإن أراد بذلك أن نفس الموجود في الخارج كلي حين وجوده في الخارج فهذا باطل مخالف للحس والعقل؛ فإن الكلي هو الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وكل موجود في الخارج معين متميز بنفسه عن غيره يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه. درء تعارض العقل والنقل- ج1- ص 208-209.
وقال: ثم من الناس من يقول: إن المطلق جزء من المعين، ويقولون: العام جزء من الخاص، فانه حيث وجد هذا الإنسان وهذا الحيوان وجد مسمى الإنسان ومسمى الحيوان وهو المطلق.
ومن الناس من ينكر هذا ويقول المطلق الكلي هو الذي لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فيجوز أن تدخل فيه أفراد كثيرة، والمعين هو جزئي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه فكيف يكون الكبير بعض القليل، وكيف يكون العام أو المطلق الذي يتناول أفرادا كثيرة أو يصلح ليتناول، جزءا من المعين الجزئي الذي لا يتناول إلا ذلك الشخص الجزئي الموجود في الخارج!
وفصل الخطاب أنه ليس في الخارج إلا جزئي معين ليس في الخارج ما هو مطلق عام مع كونه مطلقا عاما، وإذا وجد المعين الجزئي فالإنسان والحيوان وجدت فيه إنسانية معينة مختصة مقيدة غير عامة ولا مطلقة.
فالمطلق إذا قيل هو جزء من المعين فإنما يكون جزءا بشرط أن لا يكون مطلقا عاما، والمعنى أن ما يتصوره الذهن مطلقا عاما يوجد في الخارج لكن لا يوجد إلا مقيدا خاصا، وهذا كما إذا قيل: إن ما في نفسي وجد أو فعل، أو فعلت ما في نفسي فمعناه أن الصور الذهنية وجدت في الخارج أي وجد ما يطابقها. الرد على المنطقيين- ص 83-84.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثالث عشر- الماهية من حيث هي

اشتهرت عند الفلاسفة قاعدة هي: الماهية من حيث هي هي ليست إلا هي وبنوا عليها أحكاما عديدة واحتجوا بها في مواضع متفرقة فإليك ما فيها وما عليها:
الماهية هي: ما تقع في جواب ما هو.
فإذا قلنا: ما هو الإنسان ؟ قيل: حيوان ناطق. فهذا التعريف هو ماهيته.
ولكننا مع هذا نجد أن الإنسان تحمل عليه أحكام عديدة فيقال مثلا: الإنسان موجود، والإنسان معدوم، والإنسان ممكن الوجود، والإنسان كذا وكذا، فهنالك محمولات كثيرة يمكن أن تحمل عليه، لكن هذه الأحكام خارجة عن ذاته وماهيته فليس الوجود جزءا من ماهية الإنسان ولا العدم جزءا منها، فإذا أردنا أن نقصر النظر على الإنسان من حيث هو إنسان لا من حيثية أخرى فإنما هو إنسان فقط أي حيوان ناطق.
فالقاعدة تعني أن الماهية من حيث هي لا يحمل عليها سوى ذاتياتها، وأما حمل غير ذلك فإنما يقع في مرتبة أخرى غير المرتبة الذاتية.
وهنا يرد إشكال وجوابه وهو: حينما نقول الإنسان ليس بموجود ولا معدوم من حيث هو إنسان، وكذا لا واحد ولا كثير ولا هو ضاحك ولا هو لا لا ضاحك أفلا يلزم من ذلك ارتفاع النقيضين ؟
الجواب: كلا فنحن نعني أن الوجود ليس جزءا من الإنسان وإلا لاستحال عليه العدم، وليس العدم جزءا من الإنسان وإلا لاستحال عليه الوجود، وهذا لا ينفي أن الماهية في الواقع الخارجي إما أن تكون موجودة وإما أن تكون معدومة.
هذا تقرير ما ذكروه ولا أجد فيه إشكالا سوى أن كثيرا منهم ينسون أن هذا اعتبار ذهني محض فكيف يفرعون عليه إحكاما حقيقية واقعية!
وهذا البحث في حقيقته يرجع عند التأمل إلى مبحث التصور والتصديق ففي مرحلة التصور لا يطلب سوى تعريف الذات فيقال في تعريف الإنسان مثلا هو حيوان ناطق، وهذه مرحلة الذات عندهم التي يقولون عنها الماهية في مرحلة الذات ليست إلا هي.
ثم مرحلة التصديق وهي يطلب بها إثبات أحكام لتلك الذات المتصورة فيقال: الإنسان موجود، الإنسان ممكن، الإنسان جوهر.
قال الشيخ الإمام: ومن هنا يغلط كثيرا ممن يسلك سبيلهم حيث يظن أن ما عنده من القضايا الكلية صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك، وهم يتصورون الشيء بعقولهم ويكون ما تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون أنهم تكلموا في ماهية مجردة بنفسها من حيث هي هي من غير أن تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن.
فيقولون: الإنسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك ويظنون أن هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة في الخارج على هذا التجريد وذلك غلطٌ كغلط أوليهم فيما جردوه من العدد والمثل الأفلاطونية وغيرها بل هذه المجردات المسلوب عنها كل قيد ثبوتي وسلبي لا تكون إلا مقدرة في الذهن.
وإذا قال القائل: فأنا افرض الإنسان مجردا عن الوجودين الخارجي والذهني.
قيل له: هذا الفرض في الذهن أيضا كما تفرض سائر الممتنعات في الذهن مثل أن يفرض موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا قائما بنفسه ولا بغيره ولا مبائنا لغيره ولا مجانبا له وهذا كله مفروض في الذهن وليس كل ما فرضه الذهن أمكن وجوده في الخارج وليس كل ما حكم به الإنسان على ما يقدره ويفرضه في ذهنه يكون حكما صحيحا على ما يوجد في الخارج ولا كل ما أمكن تصور الذهن له يكون وجوده في الخارج. الرد على المنطقيين-ص 317- 318.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الرابع عشر- الوجود الذهني

يقسم الفلاسفة الوجود إلى خارجي وذهني، ويبحثون في الوجود الذهني عن طبيعة العلم والإدراك الحاصل في نفوسنا وعلاقته بالواقع الخارجي، وقد طرح الفلاسفة والمتكلمون تعريفات عديدة للعلم والإدراك إليك أهمها:
أولا: رأي متـأخري الفلاسفة في العلم هو: حضور ماهية المعلوم لدى العالم.
ولا يقصدون بذلك حضور مثال وصورة عن الواقع الخارجي في أذهاننا فهذا القول ضعيف عندهم! بل يقصدون حضور نفس الماهية في أذهاننا.
ويقولون إن الماهية لها وجودان وحضوران أحدهما الوجود العيني الخارجي، والآخر الوجود الذهني، فالماهية هي نفسها ولكنها تظهر في ظرفين ووجودين وفي كل وجود لها آثار خاصة.
ولهذا ورد عليهم سؤال هو: إذا كانت الماهية حاضرة بنفسها في الذهن فيلزم أن تحترق أذهاننا حينما نتصور النار ؟
فأجابوا: بأن النار هي النار ولكن الإحراق يتبع وجودها الخارجي، ولا يتبع وجودها الذهني.
فأي ماهية في الخارج لها وجودان حقيقيان أحدهما الوجود الخارجي والذي له آثاره، والوجود الذهني وله آثاره كطرد الجهل عن النفس، فلا يوجد ذاتان بل ذات واحدة لها وجودان أي أن الذاتيات واحدة في الوجودين.
فمثلا الإنسان الذهني والإنسان الخارجي واحد من حيث الماهية، فالحيوان الناطق في الذهن البشري هو نفسه الحيوان الناطق في الواقع العيني الخارجي!
وهو - كما ترى- مبني على أن الماهية في الخارج غير وجودها وهذا منشأ كثير من أغلاطهم.
أي هكذا: ماهية النار + وجودها الخارجي، وماهية النار + وجودها الذهني، فالماهية واحدة في وجودين مختلفين.
فلا يزالون يتصورون الماهية في الخارج غير وجودها، ويرددون عبارة: الذاتيات محفوظة للذات في وجودها العيني والخارجي.
ونحن نردد عبارة الماهية هي الوجود في الواقع العيني وإنما الذهن هو الذي يحللهما إلى اثنين.
أما عبارة الذاتيات محفوظة في الوجودين، فمجموع الذاتيات هو الماهية فصار معنى كلامكم الماهية محفوظة في الوجود الذهني والخارجي وهذا عين ما قلنا من أنكم تفرقون بين الماهية ووجودها في الخارج.
وعند التأمل يظهر أن المسألة مبنية على وجود الكلي الطبيعي فإنهم حينما يقولون إن الماهية واحدة في الذهن والخارج يعنون بها الماهية لا بشرط وهي الكلي الطبيعي، فلما كانت الماهية عندهم موجودة بما هي كلية مشتركة في الخارج صح أن يكون لها وجود آخر في الذهن مطابق لها.
فإذا قيل لهم فأي شيء ألجأكم لهذا قالوا: لو لم نقل بحضور نفس الماهية في الذهن للزم انسداد باب العلم بالخارج لأن تلك الصورة ليست هي ما في الخارج.
فهم يرون أننا إذا لم نضع اليد على الماهية فلا علم لنا بالواقع.
فنقول: فقد صرحتم في المنطق اليوناني أن الذاتيات إما أن يتعذر الحصول عليها أو يتعسر فحينئذ لا سبيل لنا بالعلم بالواقع إما دائما أو غالبا جدا.
قال الشيخ الإمام: الخامس أن تصور الماهية إنما يحصل عندهم بالحد الذي هو الحقيقي المؤلف من الذاتيات المشتركة والمميزة وهو المركب من الجنس والفصل وهذا الحد إما متعذر أو متعسر كما قد أقروا بذلك وحينئذ فلا يكون قد تصور حقيقة من الحقائق دائما أو غالبا وقد تصورت الحقائق فعلم استغناء التصورات عن الحد. الرد على المنطقيين- ص 9.
وقال: وأما طريقة أهل المنطق ودعواهم أن الحد التام مقصوده التعريف بالحقيقة وأن الحقيقة مؤلفة من الصفات الذاتية الداخلة في المحدود وهي الجنس والفصل وتقسيمهم الصفات اللازمة للموصوف إلى داخل في الحقيقة وخارج عنها عرضي وجعل العرضى الخارج عنها اللازم على نوعين لازم للماهية ولازم لوجود الماهية وبناءهم ذلك على أن ماهيات الاشياء التي هي حقائقها ثابتة في الخارج وهي مغايرة للموجودات المعينة الثابتة في الخارج...درء التعارض- 3-ص 321.
وقال:وهم في هذا التقسيم جعلوا الماهيات النوعية زائدا في الخارج على الموجودات العينية وليس هذا قول من قال المعدوم شيء فإن أولئك يثبتون ذواتا معينة ثابتة في العدم تقبل الوجود المعين وهؤلاء يثبتون ماهيات كلية لا معينة وأرسطو وأتباعه إنما يثبتونها مقارنة للموجودات المعينة لا مفارفة لها وأما شيعة أفلاطن فيثبتونها مفارقة ويدعون أنها أزلية أبدية. درء التعارض- 4- ص 280.
وقد طرحت نظرية التطابق الماهوي عند متأخري الفلاسفة وأما الأقدمون فلا يوجد في كلامهم تفسير العلم بحضور الماهية لا في كلام الفارابي ولا في كلام ابن سينا، وإنما حاولوا تفسير كلامهم بما يوافق رأيهم وقد نازعهم غيرهم.
ثانيا: العلم هو: حصول صورة الشيء في الذهن أو الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن، فلا يوجد حضور لنفس الماهية لأن ما في الخارج لا يأتي للذهن بنفسه، فدور العقل كدور كاميرات التصوير التي لا تحضر الشخص في العقل وإنما تلتقط له صورة في العقل، وهو اختيار جمهور النظار.
ولا نعني بالصورة هو الأشكال ذات الأبعاد الثلاثية بل نعني المعنى المطابق لما في الخارج أي الذي له بإزاء في الخارج.
فإن أمكن تفسير نظرية متأخري الفلاسفة بهذا المعنى وهو أن ما في الخارج عين وأن ما في الذهن صورة ومفهوم عقلي بينهما تطابق فلا ينبغي أن يكون هنالك خلاف حقيقي.
ثالثا: العلم هو: نوع إضافة وتعلق بين العالم والمعلوم. فلا يوجد شيء يحصل في الذهن لا ماهية الشيء ولا صورته بل هو نسبة بين النفس المدركة والشيء الخارجي.
وهو قول الأشعري ومن تبعه من المتكلمين. وحاصله أنه لا يوجد شيء يقوم بالذهن ولهذا أنكروا الوجود الذهني وفسروا العلوم التي ندركها بأنها نسبة بين النفس المدركة والشيء الخارجي من غير أن يحضر شيء في أذهاننا لا صورة ولا ماهية.
وقد ردوا عليهم بأن النفس تدرك الكليات وهي غير موجودة في الخارج فأين النسبة بين العالم والمعلوم في الخارج والكليات لا خارج لها، وكذاك يدرك الذهن المعدوم فأين النسبة بينهما؟!
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الخامس عشر- الواجب والممكن

الموجود إما أن يكون واجب الوجود بذاته بحيث يستحيل عدمه وهو الله سبحانه وتعالى، وإما أن يكون يكون ممكنا بذاته بحيث لا يستحيل عدمه كالإنسان.
وأما ما يستحيل وجوده لذاته فيسمى الممتنع كشريك البارئ.
الواجب بغيره

الممكن الوجود هو الذي تتساوى ذاته إلى الوجود والعدم، كالإنسان، ولكنه قد يقال عليه الواجب بغيره باعتبار أن الممكن وجبَ وجوده بخالقه وفاعله أي أن الممكن الموجود حال وجوده واجب الوجود لا بذاته ولكن بغيره؛ لأنه لو لم يجب وجوده بخالقه لما وجد أصلا، ولهذا يقولون: إن الشيء ما لم يجب لم يوجد.
الإمكان الخاص والإمكان العام

الإمكان الخاص هو: سلب الضرورة عن الطرفين معا أي لا يجب وجوده ولا يجب عدمه وهو ما تقدم.
وأما الإمكان العام فهو: سلب الضرورة عن الطرف المخالف أي ما لا يستحيل وجوده فيشمل الخالق سبحانه وتعالى، والممكن الوجود.
فحينما تتكلم مثلا مع ملحد تقول له: الله سبحانه وتعالى ممكن بالإمكان العام. أي لا توجد ضرورة في عدمه ثم تنتقل لإثبات وجوده ووجوبه بنفسه.
قال الشيخ الإمام: وذلك أن لفظ الممكن فيه إجمال: قد يراد بالممكن ما ليس بممتنع فيكون الواجب بنفسه ممكنا.
ويراد بالممكن ما ليس بموجود مع إمكان وجوده، فيكون ما وجد ليس بممكن بل واجب بغيره...
ويراد بالممكن ما ليس له من نفسه وجود، بل يكون قابلا للعدم هو وكل جزء من أجزائه. درء التعارض- ج3-ص234
الممتنع لذاته ولغيره

الممتنع لذاته هو: ما يستحيل وجوده لذاته كشريك البارئ، وأما الممتنع لغيره فهو الممكن المعدوم كالغول، أي هو امتنع لا لذاتع بل لأن إرادة الخالق لم تتعلق بإيجاده فامتنع وجوده.
فتحصل أن الموجود إما واجب لذاته أو لغيره، والمعدوم إما ممتنع لذاته أو لغيره، وأن الممكن هو ممكن بالنظر لذاته ولكنه إما واجب لغيره إن وجد وإما ممتنع لغيره إن لم يوجد.
قال الشيخ الإمام: فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن وكان ممتنعًا بنفسه أو ممتنعًا لغيره، فما ثَمَّ إلا موجود واجب إما بنفسه وإما بغيره، أو معدوم إما لنفسه وإما لغيره، والممكن إن حصل مقتضيه التام: وجب بغيره، وإلا كان ممتنعًا لغيره، والممكن بنفسه: إما واجب لغيره، وإما ممتنع لغيره. الرسالة الأكملية- ص 15.

الإمكان الذهني والإمكان الخارجي

الإمكان الذهني هو: أن يقدّر إمكان الشي في الخارج لعدم علمه بما يمنع عقلا منه.
والإمكان الخارجي هو: أن يعلم بإمكان الشيء في الخارج. وهذا يكون بطريقة من ثلاث طرق:
الأولى: أن يعلم وجود الشيء في الخارج فيعرف إمكانه. ومنه استدلاله سبحانه على إمكان إحياء الموتى بوقوعه كما وقع لمن أماتهم ثم أحياهم كقوم موسى.
الثانية: أن يعلم وجود نظيره. ومنه إحياء الطير لإبراهيم. فإحياء بني آدم نظير إحياء الطير.
الثالثة: أن يعلم وجود ما هو أبعد عن الوجود منه فبالأولى يثبت إمكانه. ومنه استدلاله سبحانه على المعاد بخلق ما هو أكبر من ذلك من خلق السموات والأرض.
قال الشيخ الإمام: وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّيْءَ مُمْكِنٌ فَهَذَا يُعْنَى بِهِ شَيْئَانِ: يُعْنَى بِهِ الْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ، وَالْإِمْكَانُ الْخَارِجِيُّ.
فَالْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ هُوَ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْلَمِ امْتِنَاعَ شَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ مُمْكِنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعِلْمٍ بِإِمْكَانِهِ، وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِمْكَانِ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ انْتِفَاءِ لُزُومِ كُلِّ مُحَالٍ، كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْآمِدِيِّ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ فِيمَا ذَكَرَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْعِلْمُ بِإِمْكَانِ الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ، فَهَذَا يُعْلَمُ بِأَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ، أَوْ وُجُودُ نَظِيرِهِ، أَوْ وُجُودُ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ حَمْلُ الْبَعِيرِ لِلْقِنْطَارِ مُمْكِنًا كَانَ حَمْلُهُ لِتِسْعِينَ رِطْلًا أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ، وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يُبَيِّنُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِمْكَانَ مَا يُرِيدُ بَيَانَ إِمْكَانِهِ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَالْمَعَادِ، فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ تَارَةً بِبَيَانِ وُقُوعِهِ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ قَوْمَ مُوسَى قَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55] . .
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات: 44] ، ثُمَّ بَعَثَهُمُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.
وَكَمَا أَخْبَرَ عَنِ الْمَقْتُولِ الَّذِي ضَرَبُوهُ بِالْبَقَرَةِ فَأَحْيَاهُ الله... وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ قَالَ:
{. . . رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260] .
وَاسْتَدَلَّ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ النَّشْأَةُ الْأُولَى، وَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَقَوْلِهِ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}. الجواب الصحيح- ج6- ص 404- 405-406-407.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس السادس عشر- القديم والحادث

الموجود إما قديم وإما حادث، فالقديم: هو غير المسبوق بعدم، والحادث هو المسبوق بعدم.
وهنا مسألة مهمة للغاية وهي: ما هي العلاقة بين الممكن والحادث، وبين الواجب والقديم ؟
الذي يقوله المسلمون بل أهل الملل جميعا أن كل ممكن فهو حادث وكل حادث فهو ممكن فهما مختلفان مفهوما متحدان مصداقا فتكون النسبة هي التساوي.
وكذا كل قديم فهو واجب الوجود، وكل واجب الوجود فهو قديم فهما مختلفان مفهوما متحدان مصداقا فتكون النسبة بينهما هي التساوي أيضا.
فكل ما عدا الله فهو حادث وممكن، وأما الله سبحانه فهو وحده الواجب الوجود لذاته القديم الأزلي الذي ليس لوجوده ابتداء.
وأما الفلاسفة أرسطو وأتباعه فقد قالوا أن كل ممكن فهو حادث، ولكنهم قالوا بقدم الأفلاك ومع قولهم بقدمها لم يجعلوها ممكنة محتاجة إلى فاعل مبدع، وإنما جعلوها تتحرك وتدور للتشبّه بالأول.
وأما ابن سينا ومن وافقه فقد جعلوا النسبة بين الممكن والحادث هي العموم والخصوص المطلق يجتمعان في الإنسان ونحوه من الحوادث، وينفرد الممكن في الأفلاك فهي قديمة ولكنها ممكنة تحتاج في وجودها إلى فاعل، ولكنه لا يتقدمها زمانا وشبهوا ذلك بالإصبع إذا تحرك فتحرك معه الخاتم، فحركة الخاتم معلولة للإصبع ولكن مع التقارن في الزمان.
وكذا النسبة بين واجب الوجود والقديم هي العموم والخصوص المطلق يجتمعان في الباري وينفرد القديم في الأفلاك.
فأرسطو وأتباعه لم يقسموا الوجود إلى واجب وممكن، فالأفلاك كلها قديمة وكلها مستغنية في ابتداء وجودها عن الصانع وإنما تتحرك بإرادتها- فالأفلاك عندهم مريدة حيّة!- للتشبه بالأول.
وأما ابن سينا فقد أراد أن يجمع بين قول المسلمين كل ما عدا الله فهو مخلوق، وبين قول الفلاسفة بقدم العالم فادعى أن الأفلاك مع قدمها فهي ممكنة الوجود تحتاج إلى فاعل لا يتقدمها زمانا مخالفا سائر العقلاء.
وأما قول قدماء الفلاسفة قبل أرسطو فهم لا يقولون بقدم الأفلاك بل هي عندهم محدثة على ما نقل عنهم.
قال الشيخ الإمام: وهذا مما عليه جماهير العقلاء من جميع الأمم حتى أرسطو واتباعه فإنهم وإن قالوا بقدم العالم فهم لم يثبتوا له مبدعا ولا علة فاعلة بل علة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها لأن حركة الفلك إرادية.
وهذا القول وهو "أن الأول ليس مبدعا للعالم وإنما هو علة غائية للتشبه به" وان كان في غاية الجهل والكفر فالمقصود أنهم وافقوا سائر العقلاء في أن الممكن المعلول لا يكون قديما بقدم علته كما يقول ذلك ابن سينا وموافقوه.
ولهذا أنكر هذا القول ابن رشد وأمثاله من الفلاسفة الذين اتبعوا طريقة أرسطو وسائر العقلاء في ذلك وبينوا أن ما ذكره ابن سينا مما خالف به سلفه وجماهير العقلاء وكان قصده أن يركب مذهبا من مذهب المتكلمين ومذهب سلفه فيجعل الموجود الممكن "معلول الواجب" مفعولا له مع كونه أزليا قديما بقدمه واتبعه على إمكان ذلك أتباعه في ذلك كالسهروردي الحلبي والرازي والآمدي والطوسي وغيرهم.
وزعمُ الرازي ما ذكره في محصله أن القول بكون الممكن المفعول المعلول يكون قديما للموجب بالذات ( أي الفاعل بلا إرادة كالنار في صدور الحرق منها ) مما اتفق عليه الفلاسفة والمتكلمون لكن المتكلمون يقولون بالحدوث لكون الفاعل عندهم فاعلا بالاختيار.
وهذا غلط على الطائفتين بل لم يقل ذلك أحد لا من المتكلمين ولا من الفلاسفة المتقدمين الذين نقلت إلينا أقوالهم كأرسطو وأمثاله وإنما قاله ابن سينا وأمثاله. الرد على المنطقيين- 147-148.
وقال: وأما أرسطو وأتباعه فإنما في كلامهم إثبات العلة الأولى من حيث هي غاية وأن الفلك يتحرك للتشبه بها فأوجب وجودها من هذه الجهة لم يثبت وجودها من حيث إن الفلك معلول علة فاعلة كما فعله ابن سينا ومن سلك سبيله فإنه سلك سبيلا بعضها من أصول سلفه الفلاسفة وبعضها أخذه من أصول المعتزلة ونحوهم. الصفدية- 2- ص 159.
وقال: فإن أكثر المشركين يقرون بأن العالم محدث وأن الله يفعل بمشيئته وقدرته، وكذلك الصابئة الحنفاء على هذا القول وهو قول أساطين الفلاسفة القدماء الذين كانوا قبل أرسطو طاليس وإنما ظهر القول بقدم العالم من الفلاسفة المشهورين من جهة أرسطو وأتباعه وهو المعلم الأول الذي وضع التعاليم التي يقرونها من المنطق والطبيعي والإلهي وظهر القول بقدم العالم من الفلاسفة من هذه الجهة. الصفدية- ج1- ص236-237.
علة احتياج الممكن إلى الصانع

اختلف أهل النظر في سبب احتياج الممكن للصانع، فقال ابن سينا وموافقوه: إن العلة هي الإمكان فلأجل كون الشي ممكنا يستوى لذاته الوجود والعدم احتاج للعلة لتخرجه من العدم إلى الوجود.
وذلك لأجل أن يثبتوا أن الأفلاك مع كونها قديمة غير محدثة فإنها ممكنة تحتاج إلى الصانع.
وقال المتكلمون: بل العلة هي الحدوث فلأجل كون الشيء حادثا بعد أن لم يكن احتاج للعلة لتخرجه من العدم للوجود.
وقال بعضهم: الإمكان والحدوث معا.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن العلة هي الفقر الذاتي فكل ما عداه سبحانه فهو فقير فقرا نابعا من ذاته ثابت له لا لعلة اقتضته، وأما الإمكان والحدوث فهي علامات وأدلة الحدوث.
قال رحمه الله: فان المتأخرين من النظار تكلموا في علة الافتقار إلى المؤثر وان شئت قلت إلى الصانع هل هو الإمكان أو الحدوث أو مجموعهما ؟
فالأول: قول المتفلسفة المتأخرين ومن وافقهم كالرازي ومقصودهم بذلك أن مجرد الإمكان بدون الحدوث يوجب الافتقار إلى الصانع فيمكن كون الممكن قديما لا محدثا مع كونه مفتقرا إلى المؤثر وهذا القول مما اتفق جماهير العقلاء من الأولين والآخرين على فساده حتى أرسطو وقدماء الفلاسفة ومن اتبعه من متأخريهم كابن رشد الحفيد وغيره كلهم يقولون أن ما أمكن وجوده وأمكن عدمه لا يكون إلا محدثا، وإنما قال هذا القول ابن سينا وأمثاله واتبعهم الرازي وأمثاله وهؤلاء يجعلون الشيء الممكن مفتقرا إلى الفاعل في حال بقائه فقط فانه لم يكن له حال حدوث ولهذا لما جعلوا مثل هذا ممكنا اضطرب كلامهم في الممكن وورد عليهم إشكالات لا جواب لهم عنها كما ذكر ( أي الرازي ) في كتبه كلها الكبار والصغار كالأربعين ونهاية العقول والمطالب العالية والمحصل وغيرها وقد بسطناه في غير هذا الموضع.
والقول الثاني: أن علة الافتقار مجرد الحدوث وأن المحدث يفتقر إلى الفاعل حال حدوثه لا حال بقائه وهذا قول طائفة من أهل الكلام المعتزلة وغيرهم وهذا أيضا قول فاسد.
والقول الثالث: أن علة الافتقار هي الإمكان والحدوث. ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر، وقد يجعل أحد الشطرين. ( فيقولون: العلة هي الإمكان بشرط الحدوث ) وقد بينا في غير هذا الموضع أن كل واحد من الحدوث والإمكان دليل على الافتقار إلى الصانع وإن كانا متلازمين فإذا علمنا أن هذا محدث علمنا أنه مفتقر إلى من يحدثه وإذا علمنا أن هذا ممكن وجوده وممكن عدمه علمنا أنه لا يرجح وجوده على عدمه إلا بفاعل يجعله موجودا.
وكونه مفتقرا إلى الفاعل هو من لوازم حقيقته لا يحتاج أن يعلل بعلة جعلته مفتقرا بل الفقر لازم لذاته فكل ما سوى الله فقير إليه دائما لا يستغني عنه طرفة عين وهذا من معاني اسمه الصمد فالصمد الذي يحتاج إليه كل شيء وهو مستغن عن كل شيء وكما أن غنى الرب ثبت له لنفسه لا لعلة جعلته غنيا فكذلك فقر المخلوقات وحاجتها إليه ثبت لذواتها لا لعلة جعلتها مفتقرة إليه.
فمن قال علة الافتقار إلى الفاعل هي الحدوث أو الإمكان أو مجموعهما إن أراد أن هذه المعاني جعلت الذات فقيرة لم يصح شيء من ذلك وإن أراد أن هذه المعاني يعلم بها فقر الذات فهو حق فكل منهما مستلزم لفقر الذات وهي مفتقرة إليه حال حدوثها وحال بقائها لا يمكن استغناؤها عنه لا في هذه الحال ولا في هذه الحال.
وأما تقدير ممكن يقبل أن يكون موجودا ويقبل أن يكون معدوما مع أنه واجب الوجود لغيره أزلا وأبدا فهذا جمع بين المتناقضين فإن ما يجب وجوده أزلا وأبدا لا يقبل العدم أصلا. الرد على المنطقيين- ص 345-346.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس السابع عشر- السبق واللحوق

حينما يقال هذا الشي متقدم على ذلك الشيء، أو هذا سابق على ذاك فنعني اشتراك شيئين في أمر معين بحيث يكون لأحدهما امتياز بالأولية على الآخر بلحاظ نفس هذا الأمر.
فهذا التقدم والتأخر والسبق واللحوق عند الفلاسفة على أنحاء:
1- السبق واللحوق الزماني، كتقدم الأمس على اليوم، والقرن التاسع عشر على القرن العشـرين، وكتقدم آدم على نوح عليهما السلام.
2- السبق بالرتبة بالنسبة لمبدأ معين ومحدد.
مثال ذلك: إذا نسبنا الإمام والمأموم إلى مبدأ معين هو المحراب فنجد أن الإمام أقرب وأسبق إلى المحراب من المأموم، ولكنا إذا قسناهما إلى مبدء آخر هو الباب -لو كان يقع في الجهة المعاكسة لمحراب المسجد- فنقول: المأموم أقرب وأسبق إلى الباب من الإمام.
مثال آخر: سلسلة الأجناس وهي: جوهر- جسم مطلق- جسم نام- جسم نام حساس متحرك بالإرادة- إنسان، فهذه السلسلة إذا نظرنا إليها من جهة جنس الأجناس فيكون الجوهر متقدما على الجسم المطلق، والجسم المطلق متقدما على الجسم النامي وهكذا، ولو نظرنا إليها من جهة نوع الأنواع فالإنسان متقدم على الجسم النام الحساس المتحرك بالإرادة، وهكذا الذي يليه.
فالسبق بالترتيب يعني وجود شيئين يقاسان على شيء ثالث وهو يشمل الترتيب المكاني والترتيب العقلي كما في المثالين.
3- السبق بالشرف وهو السبق في الصفات الكمالية، كتقدم العالم على الجاهل، والشجاع على الجبان، والكريم على البخيل، ونحو: زيد أفقه من عمرو، وأبو بكر أفضل من عمر.
4- السبق بالطبع بحيث يمكن أن يوجد المتقدم ولا يوجد المتأخر ولكنه لا يمكن أن يوجد المتأخر بدون وجود المتقدم، كتقدم الشرط على المشروط فيمكن أن يوجد ولا يوجد المشروط ولكن لا يمكن أن يوجد المشروط بدون الشـرط.
ومنه تقدم الواحد على الاثنين فإن الواحد يوجد بدون الاثنين، ولا يمكن أن يوجد الاثنين بدون الواحد، وكتقدم التصور على التصديق، وكتقدم الجزء على الكل وكتقدم الطهارة على الصلاة.
5- السبق بالعلية وهو يكون بتقدم العلة على معلولها؛ لأن المعلول لا يجب وجوده إلا إذا وجدت علته التامة، وقد مثلوا لذلك بتقدم حركة اليد على حركة الخاتم، أو كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح، فلو كان زيد يمسك مفتاحا يريد أن يفتح به الباب فحركة المفتاح معلولة لحركة يد زيد فحرك زيد يده أولا ثم تحرك المفتاح ولا يوجد هنا تقدم بالزمن بل هو تقدم بالذات.
ويسمى هذا النوع بالتقدم بالذات أيضا.
وقد ذكر بعضهم أنواعا أخر للتقدم، ويمكن الزيادة عليها أيضا فإنها استقرائية وليست عقلية.
هذا تقرير ما قالوه وفي بعضه نظر.
الرد المختصر للإمام

قال الشيخ الإمام: وما يذكرونه من أن التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة كحركة الإصبع، ويكون بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين، ويكون بالمكانة كتقدم العالم على الجاهل، ويكون بالمكان ( ويقال له بالرتبة أيضا ) كتقدم الصف الأول على الثاني وتقدم مقدم المسجد على مؤخره، ويكون بالزمان كلام مستدرك؛ فإن التقدم والتأخر المعروف هو التقدم والتأخر بالزمان فإن قبل وبعد ومع ونحو ذلك معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني ( هذا بالنسبة لقبل وبعد، وأما بالنسبة لمع فهي تقتضي المقارنة الزمانية، والمقارنة قسيمة للتقدم والتأخر الزمانيين كما بينه الإمام في موضع آخر )
وأما التقدم بالعليّة أو الذات مع المقارنة في الزمان فهذا لا يعقل ألبتة ولا له مثال مطابق في الوجود بل هو مجرد تخيل لا حقيقة له ( وما ذكروه من الأمثلة يرجع إلى تقدم الشرط على المشروط )
وأما تقدم الواحد على الاثنين فإن عني به الواحد المطلق ( أي المفهوم الرياضي المجرد عن المواد ) فهذا لا وجود له في الخارج ولكن في الذهن، والذهن يتصور الواحد المطلق قبل الاثنين المطلق فيكون متقدما في التصور تقدما زمانيا.
وإن لم يعن به هذا فلا تقدم بل الواحد شرط في الاثنين مع كون الشرط لا يتأخر عن المشروط بل قد يقارنه وقد يكون معه ( الصواب قبله ) فليس هنا تقدم واجب غير التقدم الزماني.
وأما التقدم بالمكان فذاك نوع آخر وأصله من التقدم بالزمان فإن مُقَدَّم المسجد تكون فيه الأفعال المتقدمة بالزمان على مؤخره؛ فالإمام يتقدم فعله بالزمان على فعل المأموم فسمي محل الفعل المتقدم متقدما ( الصواب مقدما ) وأصله هذا.
وكذلك التقدم بالرتبة فإن أهل الفضائل مقدمون في الأفعال الشريفة والأماكن وغير ذلك على من هو دونهم فسمي ذلك تقدما وأصله هذا. منهاج السنة النبوية- ج1- ص 170- 171-172.
قال: والمثال الذي يذكرونه من قولهم: حركت يدي فتحرك خاتمي، أو كُمِّي، أو المفتاح ونحو ذلك، حجة عليهم لا لهم؛ فإنَّ حركة اليد ليست هي العلة التامة ولا الفاعل لحركة الخاتم بل الخاتم مع الإصبع كالإصبع مع الكف فالخاتم متصل بالإصبع والإصبع متصلة بالكف لكن الخاتم يمكن نزعها بلا ألم بخلاف الإصبع وقد يعرض بين الإصبع والخاتم خلو يسير بخلاف أبعاض الكف.
ولكن حركة الإصبع شرط في حركة الخاتم كما أن حركة الكف شرط في حركة الإصبع أعني في الحركة المعينة التي مبدؤها من اليد بخلاف الحركة التي تكون للخاتم أو للإصبع إبتداء فإن هذه متصلة منها إلى الكف كمن يجر إصبع غيره فيجر معه كفه. منهاج السنة-ج1-ص170.
وخلاصته أن التقدم بالعلة والتقدم بالطبع ممنوعان، وحيث قدر حصول تقدم فهو تقدم زماني لا غير.
 
أعلى