العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في الفلسفة تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي

تم الفراغ منه بتاريخ 23-7-2018
حمله في كتاب من هنا
http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=24479&p=160742#post160742


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد...
فإن من أجلّ وأنفس ما صنفه العلماء هو ما خطته يد الإمام بقية السلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد اشتملت كتبه على تحقيقات عالية في علوم دقيقة عجز عن مثلها فحول العلماء والله يختص بفضله من يشاء.
ومن ذلك ما كتبه في الرد على الفلاسفة فقد أجاد فيه وأفاد وأتى بالعجب العجاب، ولكنه قد خفي أكثره وغمض على كثير من الفضلاء من المنشغلين بالفقه والسنة لا بسبب تعقيد في كلام الإمام ولكن لعدم تصور المسألة من أصلها.
فرأيت أن أعلق تعليقات خفيفة على مواطن من كلامه بحسب ما يفتح الله به، والله الموفق.

تعريف الفلسفة لغة

الفلسفة كلمة معربة من أصل يوناني هو: ( فيلاسُوفيّا ) وفيلا تعني محبة وسوفيا تعني الحكمة أي محبة الحكمة، والفيلسوف هو محب الحكمة وأصله اليوناني هو فيلاسوفوس.
قال الشيخ الإمام: والفلسفة لفظ يوناني ومعناها محبة الحكمة والفيلسوف في لغتهم محبّ الحكمة. الصفدية- ج2- ص323.

تعريف الفلسفة اصطلاحا

الفلسفة ويقال لها الحكمة أيضا لها تعريفان أحدهما بالمعني العلمي والثاني بالمعنى العملي.
فأما تعريفها بالمعنى العلمي فهو: علم بأحوال الموجودات الخارجية على ما هي عليه في الواقع بقدر الطاقة البشرية.
بمعنى أن يبذل الإنسان جهده بالبحث عن الكون وما فيه ليحصل له العلم بها علما مطابقا للواقع فيدرس الفيلسوف علم النبات والحيوان والطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وغيرها فكلها من الفلسفة والحكمة.
وتنقسم الفلسفة إلى فلسفة نظرية وفلسفة عملية.
فالنظرية تضم الطبيعيات والرياضيات والإلهيات ( ما يتكلمون فيه عن خالق الكون وصفاته وأبحاث الوجود كتقسيم الوجود إلى قديم لم يسبق بعدم وحادث مسبوق بالعدم، وكتقسيمه إلى واجب الوجود مستغن في وجوده عن الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى وممكن يحتاج إلى فاعل وهو ما عدا الله )
والعملية تضم علم الأخلاق ( يتعلق بالشخص ) وعلم تدبير المنزل ( يتعلق بالعائلة ) وعلم السياسة ( يتعلق بالمجتمع ).
وأما علم المنطق فبعضهم أخرجه من الفلسفة وجعله مقدمة لدراسة الفلسفة، وبعضهم أدرجه فيها كابن سينا.
وأما العلوم الأدبية كالنحو والصرف فليست من الفلسفة لأنها علوم تواضعية اصطلاحية.
قال الشيخ الإمام:
وأكثر المصنفين فى الفلسفة -كابن سينا- يبتدىء بالمنطق ثم الطبيعي والرياضي، أو لا يذكره ثم ينتقل إلى ما عنده من الإلهي. وتجد المصنفين فى الكلام يبتدئون بمقدماته فى الكلام: في النظر والعلم والدليل- وهو من جنس المنطق- ثم ينتقلون إلى حدوث العالم واثبات محدثه، ومنهم من ينتقل إلى تقسيم المعلومات إلى الموجود والمعدوم وينظر فى الوجود وأقسامه كما قد يفعله الفيلسوف فى أول العلم الإلهي.
فأما الانبياء فأول دعوتهم شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله. مجموع الفتاوى ج2- ص 23.
والفلاسفة يبتدئون بالأقل شرفا فالطبيعيات أقلها منزلة لأنها تبحث في عالم الأجسام والمادة والرياضيات أشرف منها لأنها تبحث في الأعداد والأشكال وهي مستغنية عن المادة كتصور الأعداد والأشكال من مربع ومستطيل ومثلث ودائرة فكلها مستغنية عن الأجسام ثم العلم الإلهي وهو أشرفها.
قال الشيخ الإمام: إن تقسيمهم العلوم إلى الطبيعي وإلى الرياضي وإلى الإلهي وجعلهم الرياضي أشرف من الطبيعي والإلهي أشرف من الرياضي هو مما قلبوا به الحقائق.
فإن العلم الطبيعي وهو: العلم بالأجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال إلى حال وما فيها من الطبائع، أشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة.. الرد على المنطقيين- ص 133.
فتحصل أن الفلسفة تضم المنطقيات- على رأي- والطبيعيات والرياضيات والإلهيات والأخلاقيات والأسريات والسياسات.
وأهم ما فيها عند الفلاسفة هو الإلهيات ويسمونها الفلسفة الأولى والعلم الأعلى والعلم الإلهي ويعرفونها بأنها: علم يبحث فيه عن الأحوال العامة للوجود.
فيعرفون الوجود ثم يقسمونه إلى الأقسام الكلية الشاملة كتقسيم الوجود إلى واجب وممكن وقديم ومحدث وعلة ومعلول ( فالعلة كالنار والمعلول كالحرارة ).
وقولهم العامة احتراز عن الأحوال الخاصة فإن بحث الفلسفة الأولى إنما هو عن الوجود العام المشترك الذي ينقسم إلى واجب وممكن وغيره وليس عن موجود خاص فلا يبحث عن أحوال الجسم مثلا لأنها لا تشمل غير الأجسام وإنما هو بحث الطبيعيات لكن يبحث عن أحوال ومحمولات عامة تحمل على الوجود يندرج فيها الجسم وغيره، ولذلك يقولون في تعريفه أيضا هو: علم يبحث في الموجود من حيث هو موجود، أي بنحو مطلق لا بنحو خاص من حيث إنه جسم أو مادة أو نبات أو حيوان أو إنسان.
فموضوع هذا العلم هو الموجود من حيث هو موجود.
والفلسفة الأولى أي الإلهيات هي الفلسفة بإصطلاح المتأخرين.
وأما تلك العلوم فقد أخرجت من الفلسفة وصارت تبحث مستقلة في العلوم فلم يعد الطب مثلا جزء من الفلسفة كما كان في السابق.

فتحصل أن الفلسفة بمعناها العام القديم تشمل العلوم جميعا عدا العلوم الأدبية الوضعية، وأما بمعناها الخاص الذي استقر الأمر عليه فهي تضم مبحثين:
الأول: مبحث الوجود وتقسيماته الكلية.
الثاني: مبحث الباري سبحانه وصفاته.
قال الشيخ الإمام: و يسمونه ( أي الإلهيات ) الفلسفة الأولى والحكمة العليا لكونهم يتكلمون فيه على الأمور الكلية العامة كالوجود وانقسامه إلى جوهر و عرض ( الموجود إما أن يكون قائما بنفسه وهو الجوهر أو قائما بغيره وهو العرض فالجوهر هو الأجسام والأعراض هي الصفات فمثلا الإنسان جوهر لأنه قائم بنفسه ليس قائما بمحل ولونه عرض لأنه يقوم بالجسم وكذا صوته ورائحته وكذا علمه وكرمه صفات وأعرض لا توجد في الخارج طافية في الفضاء لوحدها بل تحتاج إلى محل تقوم فيه فهي أعراض ) وعلة ومعلول وقديم وحادث وواجب و ممكن. الرد على البكري- ج2 – ص 581.
وقال: وهو الوجود العام الكلي الذي ينقسم الى جوهر وعرض وهذا الوجود هو عندهم موضوع العلم الأعلى الناظر في الوجود ولواحقه وهي الفلسفة الأولى والحكمة العليا عندهم. مجموع الفتاوى- ج9- ص 274.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثامن عشر- رد ابن تيمية المفصل على أقسام التقدم

قال رحمه الله: وذلك أن هؤلاء ( المتفلسفة ) قالوا: التقدم والتأخر خمسة أنواع: الأول: التقدم بالعلية كتقدُّم السـراج على ضوء السراج، وتقدم الشمس على شعاعها؛ فإن العقل يدرك تقدم وجود السراج على ضوء السـراج وإن امتنع تأخُّر أحدهما عن الآخر في الزمان. الثاني: التقدم بالطبع وهو تقدم الشرط على المشروط مثل تقدم الواحد على الاثنين، والفرق بينه وبين ما قبله بعد اشتراكهما فالمتأخر ( لعله في أن المتأخر ) لا يوجد إلا بعد وجود المتقدم إذْ العلة ( لعله أنَّ العلة ) تستلزم وجود المعلول، والشرط لا يستلزم وجود المشروط ( خلاصته أن تقدم الطبع لا يكون فيه المتقدم علة تامة للمتأخر بخلاف التقدم بالعلية ). الثالث: التقدم بالشرف والرتبة كتقديم ( أو تقدّم ) العالم والقادر على الجاهل والعاجز.الرابع التقدم بالمكان ( ويقال له تقدم بالرتبة ) كتقدم الإمام على المأموم.وخامسها التقدم بالزمان كتقدم الشيخ على الشاب.
... وبيان ذلك أن يقال: لا ريب أنه يقال: إن التقدم والتأخر والمقارنة من الأمور التي فيها إضافة، كما يقال: هذا إما أن يكون متقدمًا على هذا أو متأخرًا عنه أو مقارنًا له... والتقدم والتأخر قسيمان للمقارنة التي يعبر عنها بلفظ مع فيقال هو متقدم عليه أو متأخر عنه أو هو معه وإذا كان كذلك فالتقدم والتأخر والمقارنة في الأصل إنما هي بالزمان والمكان...
فأما التقدم والتأخر بالمكان كقول سمرة بن جندب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا. رواه الترمذي. وكقول أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه الذي في الصحيحين لما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم التقدم بالرتبة والشرف هو من هذا فإن المكانة والرتبة مأخوذة من المكان لأن صاحب الرتبة المتقدمة يكون متقدمًا في المكان والمكانة على صاحب الرتبة المتأخرة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. والتقدم بالرتبة كالعلو بالرتبة والدرجة والمكانة، وأصله من المكان...والنوع الثاني: التقدم والسبق والأولية بالزمان كقوله سبحانه وتعالى: حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس 39] وقوله: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف 11] وقول إبراهيم عليه السلام: أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ {75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ {76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ {77} .... وأما ما ذكروه من التقدم بالعلية والشرط فهذا قد نُوزِعوا فيه وقيل لهم: يمتنع في المقارنة الزمانية أن يكون أحدهما متقدمًا على الآخر بوجه من الوجوه؛ فإن التقدم إذا كان من عوارض الزمان وهو ضد المقارنة، واجتماع ( لعله فاجتماع ) التقدم والتأخر مع المقارنة في شيئين لأعيانهما جمع بين الضدين، فكما أنه يمتنع أن يكون أمامه ويكون معه في ظروف المكان والمكانة وموانعهما ( لعله وتوابعهما ) فإنه يمتنع أن يكون قبله ويكون معه في ظرف الزمان وتوابعه... وأما المتقدم ( أو التقدم ) بالشرط كما مثلوه من تقدم الواحد على الاثنين فإن الواحد ليس له وجود خارجي محدد ( لعله مجرد ) عن المواد بل ليس في الخارج من الوحدان إلا ما له حقيقة تتميز بها، ولكن الإنسان يتصور في ذهنه الواحد قبل الاثنين ويتكلم بلفظ الواحد قبل الاثنين وهذا ترتيب زماني محسوس، ثم إذا قُدِّر اجتماع تصوره للواحد والاثنين أو اجتماع نطقه بهما فهو كاجتماع أعيانهما في الخارج كما لو اجتمع درهم ودرهمان وثلاثة دراهم ونحو ذلك فليس هناك ترتيب أصلا وليس الدرهم متقدما على الدرهمين ولا الدرهمان متقدمين على الثلاثة.وقول القائل: لا توجد الدرهمان إلا بوجود الدرهم، أو لا يوجد الاثنان إلا بوجود الواحد. يقال له: أما الدرهمان الموجودان في الخارج فهما مستغنيان في وجودهما عن الدرهم المنفرد عنهما لا يشترط وجودُهما وجودَه بحال؛ ولكن هما متوقفان على وجود أنفسهما، كتوقف الدرهم الواحد على وجود نفسه، فليس بأن يجعل تقدمه عليهما- لكون الاثنين واحدًا وواحدًا- بأولى من أن يجعل متقدمًا على نفسه لأن الواحد واحد وكل هذا غلط ( يقصد أن الشيء متوقف على نفسه بالضرورة، فإذا كان الواحد متقدما على الاثنين لكون الاثنين واحدا وواحدا، فليجعل الواحد متقدما على نفسه أيضا لأن الواحد واحد بالضرورة القائلة الشيء يثبت لنفسه )... فتوقُّف الاثنين على الواحد وتوقف الثلاثة على الاثنين هو توقف الجملة على بعض أفرادها وهو كتوقف الشيء على نفسه كتوقف الاثنين على الاثنين والثلاثة على الثلاثة وإذا لم تكن الجملة إلا هذه الأفراد وهذا التأليف لم يكن المتوقف غير المتوقف عليه ولم يكن هناك شيء متقدمًا على شيء بوجه من الوجوه في الخارج إلا إذا وجد أحدهما قبل الآخر فيكون الترتيب زمانيًّا وهو حق، ولكن الذهن قد يدرك المفرد قبل الجملة والبسيط قبل المركب والواحد قبل العدد وننطق بذلك فيكون الترتيب في علمنا ونطقنا لا في الحقيقة نفسها فهذا هو التقدم بالشرط الذي يجعلونه في الأعداد والمقادير والمركبات ونحو ذلك ( خلاصته أن التقدم إنما في الذهن بأن يدرك هذا قبل هذا أو في النطق حينما نرتب الأعداد لا في الواقع العيني الخارجي)وكذلك هو في الصفات والكيفيات فإنه إذا قيل العلم والقدرة مشروطة بالحياة، والشرط متقدم على المشروط، فليس في الموصوف ترتيب بحال بل الحياة والعلم والقدرة موجودة معًا بكل وجه، لكن العلم يستلزم وجود الحياة فلا يوجد إلا معها، لا أنه لا يوجد إلا بعدها، وإذا لم يوجد إلا معها- سواء كانت قبله أو لم تكن- لم يقتض ذلك أنه يجب تأخره عنها، بل إذا قارنها فهو مقارن لها، وإذا قدر حياة لا علم لها ثم حصل معها علم فهنا هو متأخر عنها في الزمان أيضًا، ونحن لا ننازع في أن الصفات يعرض لها الترتيب الزمني كما يعرض الأعداد كما تقدم ولكن ليس هذا بواجب ومتى انتفى هذا الترتيب لم تكن مرتبة أصلا بل تكون متقارنة. وأما الترتيب في علم الإنسان بالصفات فهذا لا ينضبط فقد يعلم الإنسان العلم ويستدل به على الحياة، وقد يعلم الحياة ويستدل بها على العلم، وحيث وجد ذلك الترتيب فهو ترتيب زماني وهو ترتيب في العلم بها والتعبير عنها لا في ذاتها. وأما ما ذكروه من التقدم بالعلية فيقال لهم: ليس هذا أيضًا حقيقة، وليس في المخلوق شيء واحد هو علة تامة لشيء أصلا لكن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمراده بها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما سوى ذلك من الأسباب الموجودة فليس شيء منها بمفرده علة تامة لشيء ولكن يكون سببًا والسبب بمنزلة الشرط الذي إذا ضم إليه غيره من الأسباب صار المجموع علة، ولكن ذلك المجموع لا يكون إلا بمشيئة الله لا يكون المجموع بعلة غير مشيئة الله قط، فإذًا وصف العلية التامة لا تقوم بشيء من المخلوقات، وإذا لم يكن شيء من المخلوقات علة تامة امتنع بطريق الأولى أن يكون متقدمًا بالعلية لكن يكون سببًا وهو كالشرط والشرط لا يجب تقدمه على المشروط بل قد يقارنه وقد يسبقه كما تقدم وإذا قارنه فليس هو متقدمًا عليه بوجه من الوجوه، فكذلك ما يسمونه علة إنما هو في الحقيقة شرط وسبب ويكون متقدمًا عليه وإذا كان مقارنًا لم يكن متقدمًا فلا يجتمع الضدان ( فلا حجة لكم فيما قلتم أنه متقدم عليه بالذات مع كونه مقارنا له بالزمن )وذلك يظهر فيما يذكرونه من الأمثلة وأشهرها الشمس مع الشعاع،والشعاع عندهم إما أن يراد به ما يقوم بذات الشمس من الضوء، أو ما يقوم بالأجسام المقابلة للشمس وهو المسمى بالشعاع عندهم وهو شعاع منعكس. فإذا أريد به الضوء القائم بذات الشمس فذاك صفة من صفاتها ليست متقدمة عليه بوجه من الوجوه... وإن أرادوا بالشعاع الضوء الموجود في الأجسام المقابلة للشمس من الجدران والأرض والهواء وغير ذلك فيقال هذا الشعاع لم يحدث لمجرد الشمس وليست الشمس وحدها علة مولدة له بل لابد فيه من شيئين أحدهما الشمس والثاني جسم آخر يقابل الشمس لينعكس الشعاع عليه، وإذا لم تكن الشمس علة تامة لم يـحصل المقصود بل هي جزء العلة وهي سبب وشرط فإن الشعاع يتوقف على الشمس المستنيرة وعلى المحل الذي ينعكس عليه الشعاع وإذا كان كذلك كان توقفه على هذين توقف المشروط على شرطه فإنهم فرقوا بين التقدم بالعلة والتقدم بالطبع والشرط بأن المتقدم بالعلة يستلزم وجود المتأخر بخلاف المتقدم بالشرط وقد تقدم قولنا إنه ليس في المخلوقات شيء منفرد يستلزم وجود شيء متأخر عنه لكن مشيئته مستلزمة لمرادها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقد ظهر في الشعاع الذي ضربوه مثلا أن نفس الشمس وحدها لو قُدِّر وجودها بدون ما يقابلها لم يكن للشعاع وجود ولكن وجوده بشرط الشمس وشرط ما يقابلها فيكونان شرطين وإذا كان كل منهما شرطًا فالشرط قد يتقدم على المشروط وقد لا يتقدم عليه فلا ريب أن الجدار والأرض والهواء موجود قبل الشعاع وكذلك الشمس موجودة قبل هذا الشعاع وذلك تقدم بالزمان لكن إذا حصلت حصل الشعاع وتولد عن اجتماع هذين الأصلين له كتولُّد غيره من المتولدات عن أصلين وكل منهما متقدم عليه ومتى ظهر هذا في شعاع الشمس ظهر أنه في شعاع السراج وغيره من النيرات؛ إذ النار يكون لها شعاع كما يكون للشمس شعاع فهذا ما يمثلون به من المرئيات... وكذلك القول في مثالهم الآخر وهو تولد الحركة عن الحركة كقول القائل حركت يدي فتحرك خاتمي أو كمي فإنه من هذا الباب ليس مجرد حركة اليد علة تامة لحركة الخاتم أو الكم بل نفس وجود محل الحركة الذي هو الخاتم والكم هو شرط أو سبب في وجود الحركة فالحركة تتوقف على المحل الذي يقوم به كما تتوقف على السبب الذي يطلبها وإذا كانت هذه الحركة تتوقف على أمرين فصاعدًا فالقولُ في وجود هذه الحركة مع حركة اليد كالقول في الحركة والصوت إما أن يقال هما متقارنان في الزمان فلا يكون أحدهما علة للآخر وإن كان شرطًا مقارنًا له،وإما أن يكونا متعاقبين فيكونان متعاقبين في الزمان وإن كان سريعًا فحركة الخاتم لليد كحركة بعض اليد مع بعض مثل حركة الأصابع مع الكف أو حركة الظفر مع الأنملة. وأما قولهم العقل يدرك هذا قبل هذا قيل لهم العقل يدرك الأمور على ما هي عليه وإلا كان ذلك جهلا لا عقلا؛فإن كان ذلك الشيء في نفسه مرتبًا فأدركه العقل مرتبًا وإلا كان إدراكه جهلا ومتى كان المدرَك مرتبًا بحيث يكون بعضه قبل بعض فهذا هو الترتيب الزماني والتقدم الزماني ويمتنع مع وجود هذا الترتيب الخارجي أن يكون زمانهما واحدًا ويمتنع مع كونهما غير متميزين في الزمان أن يكونا متميزين فالجمع بين الضدين ممتنع إما ترتيب وتقدم وتأخر وإما مقارنة ليس فيها تقدم وتأخر وإذا تبين ذلك ظهر أنه ليس فيما يعلمه الإنسان شيء متقدم على غيره بالعلية أو الشرط مع مقارنته له بالزمان بل المتقدم سواء سُمّي شرطًا أو علة أو غير ذلك إن كان مقارنًا في الزمان غير متقدم فيه فليس متقدمًا بحال وإذا كان متقدمًا فيه وهو متقدم في الزمان فهو متقدم غير مقارن. بيان التأسيس- ج5-ص 188 إلى 209. فلتكرر القراءة والنظر فإن مراد الإمام واضح.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس التاسع عشر- الجوهر والعرض

الجوهر هو: ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع. كالكتاب يوجد في الخارج مستقلا أي قائما بنفسه.
والعرض هو: ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع. كاللون الذي يوجد في الكتاب لا يقوم بنفسه.
وهنا مسألة وهي: هل الجوهر والعرض من الأقسام الأولية للموجود بما هو موجود فنقول: الموجود إما أن يكون جوهرا أو عرضا، أو هو من الأقسام الثانوية فنقول: الموجود إما أن يكون واجبا أو ممكنا، ثم الممكن إما أن يكون جوهرا أو عرضا.
المشهور هو القول الثاني وأن الله سبحانه لا يتصف بكونه جوهرا أو عرضا لأن هذين القسمين هما للماهية الممكنة.
ولكن ذكر أرسطو وأتباعه أن الموجود بما هو موجود ينقسم إلى جوهر وعرض.
قال الشيخ الإمام: فَإِنَّهُمْ قَالُوا ( أي الفلاسفة ): لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ أَيُّ أَمْرٍ نَظَرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ إِمَّا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْجَوْهَرُ، وَإِمَّا مُفْتَقِرٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لَا قِوَامَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ " الْعَرَضُ " قَالُوا: " وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَيْنَ قِسْمٌ ثَالِثٌ ".
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ تَقْسِيمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ يُسَمِّي الْمَبْدَأَ الْأَوَّلَ جَوْهَرًا وَهَذَا تَقْسِيمُ سَائِرِ النُّظَّارِ. لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُدْخِلُونَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مُسَمَّى الْجَوْهَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُهُ فِيهِ، وَبَعْضُ النِّزَاعِ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ. الجواب الصحيح- ج5-ص 44.
أقسام الجوهر

قسم بعض الفلاسفة الجوهر إلى خمسة أقسام هي: العقل والنفس والمادة والصورة والجسم.
فالعقل عندهم هو: جوهر مجرد عن المادة ذاتا وفعلا.
والنفس عندهم هي: جوهر مجرد عن المادة ذاتا لا فعلا.
ولا يقصدون بالعقل هو عقل الإنسان وإنما شيء وراء ذلك، وذلك أنهم يقسمون الموجود إلى مادي ومجرد، فالمادي هو الذي له مادة يتكون منها من عظم ولحم أو معدن أو أي شيء يضم عنصرا من العناصر الطبيعية، وأما المجرد فهو شيء روحاني لا جسم له ولا مادة لا يقع تحت الحس، فهذا العقل له وجود مجرد عن المادة وهو كائن عظيم عاقل مدرك للمبدأ الأول- الله سبحانه- ومدرك لنفسه جامع للكمال وهو يفعل بلا حاجة إلى جسم وأعضاء وهذا معنى أنه مجرد ذاتا وفعلا، بخلاف النفس فإنها مجردة في ذاتها عن المادة ولكنها تحتاج للبدن لتعمل كالنفس الإنسانية التي تدبر البدن.
فالعقل الأول- وهو الصادر الأول عن الله عندهم وبعض المصنفين يروون فيه حديثا موضوعا أول ما خلق الله العقل- في العالم صدر عنه ثلاثة أشياء: عقل ثان مثل العقل الأول في تجرده، وفلك أول، ونفس متعلقة بالفلك تدبر أمره.
والفلك هو: جسم كروي متحرك بذاته ذو نفس.
وهذا الفلك يسمونه الفلك الأعظم أو الفلك المحيط أو السماء الأولى.
وهذا الجسم الكروي مجوف من الداخل ويوجد داخله فلك والفلك داخله فلك وهكذا فالعالم كله بما فيه داخل كرة كحلقات البصلة.
فتحصل أن المبدأ الأول صدر عنه شيء واحد هو العقل الأول، ثم العقل الأول هذا صدر عنه ثلاثة أشياء: العقل الثاني، والفلك المحيط، والنفس المدبرة له.
ثم العقل الثاني صدر عنه عقل ثالث وفلك ثان ونفس متعلقة بالفلك، ويسمى هذا الفلك بفلك الثوابت.
ثم العقل الثالث صدر عنه عقل رابع وفلك ثالث ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك زحل.
ثم العقل الرابع صدر عنه عقل خامس وفلك رابع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك المشتري.
ثم العقل الخامس صدر عنه عقل سادس وفلك خامس ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك المريخ.
ثم العقل السادس صدر عنه عقل سابع وفلك سادس ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك الشمس.
ثم العقل السابع صدر عنه عقل ثامن وفلك سابع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك الزهرة.
ثم العقل الثامن صدر عنه عقل تاسع وفلك ثامن ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك عطارد وفيه نجوم كثيرة.
ثم العقل التاسع ويسمى العقل الفعال صدر عنه عقل عاشر وفلك تاسع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك القمر والفلك الأطلس.
ثم تحت فلك القمر يوجد الهواء المحيط بالكرة الأرضية من جميع الجهات كإحاطة قشرة البيضة ببياضها والأرض في جوف الهواء كالمخ في بياضه.
والعقل العاشر الذي هو آخر العقول هو الذي أبدع كل شيء في العالم السفلي عالم الأرض فهو المدبر لها وهو المعتني بشؤوننا - تعالى الله عما يقول الظالمون- والعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها التسعة كلها قديمة أزلية كالمبدأ الأول.
فالأفلاك تسعة والكواكب سبعة والفلك الثامن فيه نجوم ثابتة كثيرة، والفلك التاسع أطلس لا نجوم فيه وهذه الأفلاك أجسام شفافة تضيء بما فيها وغير قابلة للخرق والنفوذ من خلالها.
هذه هي النظرية المشهورة عن الفلاسفة حول العالم العلوي والسفلي
وهي محض خرافة.
قال الشيخ الإمام: والعرب كانوا مع شركهم وكفرهم يقولون: إن الملائكة مخلوقون، وكان من يقول منهم إن الملائكة بنات يقولون أيضا إنهم محدثون ويقولون إنه صاهر إلى الجن فولدت له الملائكة، وقولهم من جنس قول النصارى في أن المسيح ابن الله مع أن مريم أمه ولهذا قرن سبحانه بين هؤلاء وهؤلاء. وقول هؤلاء الفلاسفة شر من قول هؤلاء كلهم.
فان الملائكة عند من آمن بالنبوات منهم هي العقول العشرة وتلك عندهم قديمة أزلية والعقل رب كل ما سوى الرب عندهم وهذا لم يقل مثله أحد من اليهود والنصارى ومشركي العرب لم يقل أحد أن ملكا من الملائكة رب العالم كله.
ويقولون إن العقل الفعال مبدع لما تحت فلك القمر وهذا أيضا كفر لم يصل إليه أحد من كفار أهل الكتاب ومشركي العرب. الرد على المنطقيين- ج1- ص 102.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس العشرون- ما يصدر عن الواحد

استند الفلاسفة على قاعدة قعدوها وهي الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ليبرروا نشأة العقول، خلاصة ما فيها باختصار هو: أن الواحد -كالحق سبحانه- لا يصدر عنه من خلق سوى شيء واحد لإنه لا بد أن يكون بين العلة والمعلول تناسب وخصوصية فالحرارة تصدر من النار لا من الثلج، والبرودة تصدر من الثلج لا من النار، فإذا كانت العلة ذات خاصية واحدة فلا يمكن أن يكون معلولها ذات خاصتين، فلو صدر من الواحد أكثر من واحد فهذا يعني تكثر الخصوصيات التي فيه فيكون مركبا لا بسيطا.
ولهذا لم يصدر من المبدأ الأول إلا شيء واحد هو العقل، والعقل الأول صدر عنه أكثر من شيء باعتبارات متعددة فباعتبار أنه واجب صدر عنه عقل آخر وباعتبار أنه موجود صدر عنه نفس وباعتبار أنه ممكن في ذاته صدر عنه فلك!
قال الشيخ الإمام: مثال ذلك إذا ذكروا العقول العشرة والنفوس التسعة وقالوا إن العقلَ الأول هو الصَّادرُ الأولُ عن الواجب بذاته وأنه من لوازم ذاته ومعلولٌ له وكذلك الثاني عن الأول وإن لكل فلَكٍ عقلًا ونفسًا.
قيل: قولكم عقل ونفس لغةٌ لكم فلا بدَّ من ترجمتها وإن كان اللفظُ عربيًّا فلا بدَّ من ترجمة المعنى فيقولون: العقلُ هو الرُّوح المجرَّدة عن المادَّة وهي الجسدُ وعلائقها سمَّوه عقلًا ويسمُّونه مفارِقًا ويسمُّون تلك المفارِقات للموادِّ لأنها مفارِقةٌ للأجساد كما أن روحَ الإنسان إذا فارقت جسدَه كانت مفارِقةً للمادَّة التي هي الجسد.
والنفسُ هي الروحُ المدبِّرةُ للجسم مثل نفس الإنسان إذا كانت في جسمه فمتى إذا كانت في الجسم كانت محرِّكةً له فإذا فارقَتْه صارت عقلًا محضًا أي يَعْقِلُ العلومَ من غير تحريكٍ بشيء من الأجسام.
فهذه العقولُ والنفوس وهذا الذي ذكرناه مِن أحسن الترجمة عن معنى العقل والنفس وأكثرُهم لا يحصِّلون ذلك.
قالوا: وأثبتنا لكلِّ فلَكٍ نفسًا لأن الحركة اختياريةٌ فلا تكونُ إلا لنفسٍ ولكلِّ نفسٍ عقلًا لأن العقلَ كاملٌ لا يحتاجُ إلى حركة والمتحرِّكُ يطلبُ الكمالَ فلا بدَّ أن يكون فوقه ما يتشبَّه به وما يكونُ علةً له ولهذا كانت حركةُ أنفسنا للتشبُّه بما فوقنا من العقول وكلُّ ذلك تشبُّهٌ بواجب الوجود بحسب الإمكان.
والأول لا يَصْدُر عنه إلا عقل لأن النفسَ تقتضي جسمًا والجسمُ فيه كثرة والصَّادرُ عنه لا يكونُ إلا واحدًا ولهم في الصُّدور اختلافٌ كثيرٌ ليس هذا موضعه. نقض المنطق- ص 173.
وقال: وقد كنت في أوائل معرفتي بأقوالهم بعد بلوغي بقريب وعندي من الرغبة في طلب العلم وتحقيق هذه الأمور ما أوجب أني كنت أرى في منامي ابن سينا وأنا أناظره في هذا المقام وأقول له: أنتم تزعمون أنكم عقلاء العالم وأذكياء الخلق وتقولون مثل هذا الكلام الذي لايقوله أضعف الناس عقلا وأورد عليه مثل هذا الكلام فأقول:
العقل الأول إن كان واحدا من جميع الجهات فلا يصدر عنه إلا واحد لايصدر عنه عقل ونفس وفلك وإن كان فيه كثرة فقد صدر عن الواحد أكثر من واحد ولو قيل تلك الكثرة هي أمور عدمية فالأمور العدمية لايصدر عنها وجود ثم إذا جوَّزوا صدور الكثرة عن العقل الواحد باعتبارٍ ما فليجوِّزوا صدورَها عن المبدع الأول بمثل ذلك الاعتبار بدون هذه الواسطة كقولهم باعتبار وجوبه صدر عنه عقل وباعتبار وجوده صدر عن نفس وباعتبار إمكانه صدر عنه فلك فإن هذه الصفات إن كانت أمورا ثبوتية فقد صدر عن الواحد أكثر من واحد وإن كانت إضافة أو سلبا أو مركبا منهما فالمبدع الأول عندهم يتصف بالسلب والإضافة والمركب منهما فبطلانُ كلامهم في هذا المقام الذي هو أصل توحيدهم يظهر من وجوه كثيرة متعددة تبيَّن فيها أن القوم من أجهل الخلق وأضلهم وأبعدهم عن معرفة الله وتوحيده فإن عوام اليهود والنصارى الذين لم نوافقهم أعلم بالله من خواص هؤلاء الفلاسفة المبدلين الصابئين. بيان تلبيس الجهمية- ج5- ص 263-264.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الحادي والعشرون- المادة والصورة

النوع الثالث والرابع هما المادة والصورة فالمادة هي: جوهر حامل للقوة. والصورة هي: جوهر يمنح المادةَ الفعليةَ.
وهذا كلام يحتاج إلى بيان فنقول:
إن القوة هي: استعداد الشيء لأن يكون شيئا آخر.
والفعل هو: وجود الشيء في أحد الأزمنة بحيث تترتب عليه آثاره.
فالبذرة مثلا شجرة بالقوة أي لها قوة وقابلية واستعداد لأن تصير شجرة بالمستقبل، والشجرة شجرة بالفعل أي قد تحققت شجريتها واقعا الآن مثلا.
والنطفة إنسان بالقوة، والإنسان إنسان بالفعل.
والبذرة هي المادة الحاملة للقوة والقابلية، والنطفة المادة الحاملة للقوة والقابلية.
ففي كل المواد والعناصر الطبيعية استعداد خاص مختزن في داخل جزئياتها يعطيها القوة لأن تكون شيئا آخر في ظرف معين.
فإذا علم هذا فنقول: إن العالم بما فيه من مواد ترجع - عندهم- إلى مادة واحدة تسمى المادة الأولى ( الهيولى الأولى ) فهذه المادة منها خلق العالم، وإذا أردنا أن نحلل تلك المادة فنجدها جسما من الأجسام ولكنه جسم غير معين فلا هو حديد ولا هو خشب ولا ماء ولا أي شيء لحد الآن، ثم حتى يكون الجسم جسما لا بد فيه من جزئين: جزء يحمل القوة والاستعداد وجزء يحمل الفعلية، وفعلية الجسم هي امتداده طولا وعرضا وعمقا، فالمادة الأولى نتصورها كطين اصطناعي، وهذا الطين عبارة عن مادة حاملة للقوة حلّ فيها جوهر أعطاها الفعلية وهو الصورة الجسمية، فالمادة الأولى= مادة مبهمة خالية من الامتدادت الثلاثة+ جوهر حل وانطبع فيها. فالمبهم يسمى مادة ومحل، ومانح الفعلية يسمى صورة جسمية وحال، فعندنا حال ومحل، ولا تتصور الصورة على أنها الشكل والهيئة كصورة الإنسان وصورة الثوب، فهذا ليس مقصودهم فتلك الصور أعراض والصورة الجسمية جوهر، تخيلها كأنها جوهر عقلي روحي حل في تلك المادة الخاملة الحاملة للقوة فقط فجعلها تكتسب الفعلية وتصير جسما.
وهذا المادة الأولى تلبس أربع صور تمثل عناصر العالم كله وهي: الماء والهواء والنار والتراب، فالصورة النوعية حلت في شيء من المادة الأولى فصارت ماء أو هواء أو نارا أو ترابا، فالمادة الأولى مشتركة فيما بين الأربع ولكنها تلبس أثوابا مختلفة فهذه العناصر الأربعة فيها صورتان: الصورة الجسمية التي أعطت المادة الأولى فعليتها الامتدادية، والصورة النوعية التي أعطت لهذه العناصر فعليتها العنصرية، فالماء مثلا = مادة أولى+ صورة جسمية+ صورة مائية 3 جواهر وقس عليه الباقي.
ثم من اختلاط بعض هذه العناصر ببعض بنسب معينة نشأ كل شيء فنشأت المعادن والنباتات والحيوان والإنسان.
فالإنسان الأول نشأ من طين أي من ماء + تراب فصار جسدا له قوة ليصير إنسانا ولكنه ليس هو الإنسان الفعلي ثم تعلقت به النفس الناطقة المجردة عن المواد فصار إنسانا بالفعل فالإنسان هو مادة+ صورة، وصورته هي نفسه الناطقة.
ثم نشأ الإنسان نشأة أخرى فالعناصر الأربع انقلبت نباتا ثم النبات غذاء، والغذاء أخلاطا، والأخلاط منيا، والمني علقة، والعلقة، مضغة، وهكذا شيئا فشيئا إلى أن ينقلب حيوانا ناطقا.
فالنطفة مثلا نطفة بالفعل ولها كمالها الوجودي من حيث كونها تحمل خصائص النطفة حقيقة فهي مادة وصورة منوية، وهي أيضا علقة بالقوة تنتظر الصورة العلقية، فإذا حلت الصورة العلقية فسدت الصورة المنوية، فالمادة هي المادة بينهما ولكن الصور تتجدد تفسد صورة ويحل مكانها أخرى، فكل شيء في الكون المادي عبارة عن مادة واحدة وصور مختلفة.
وقد اتضح الجوهر الخامس عندهم وهو الجسم، فإنه من حلول الصورة الجسمية في المادة ينشأ الجسم، ويعرفونه بأنه: جوهر ممتد في جهاته الثلاث. فتحصل أن الجواهر خمسة هي: الجوهر العقلي، والجوهر النفسي، والجوهر المادي، والجوهر الصوري، والجوهر الجسماني. وفي الحقيقة في ضوء معطيات العلم الحديث نسلم أن في العناصر الطبيعية قوة واستعداد وأنها تكتسب الفعلية لكن لا نسلم أن الجسم مركب من مادة وصورة فالجسم شيء واحد غير مركب من مادة وصورة؛ لأنه لا يوجد إلا الجسم وصفاته ولا يمكن قبول أن الصورة جوهر بل الصواب أن المواد والأجسام تستحيل من شيء إلى شيء آخر لا أنها تبقى فيها المادة الأولى مشتركة، بل تتبدل حقيقتها وجوهرها بالكلية إلى شي آخر فليس الإنسان نطفة لأنه قد استحالت النطفة وفسدت وجاء شيء آخر، فالخشب مثلا هو جسم وفيه خصائصه وصفاته، وهو يقبل أن يحترق ويصير رمادا فلا نقول إن المادة الأولى مشتركة بين الخشب والرماد وإن الذي اختلف هو الصورة الخشبية أو الصورة الرمادية كما يقولون فهذا لا يصح عليه دليل نعم الخشب فيه قوة لأن يصير رمادا ولكن هذه القوة إما أن تكون صفة حقيقية وعرض في الخشب أو أمر ذهني انتزاعي ينتزعه الذهن بالمقارنة والقياس بين الخشب والرماد وعلى التقديرين فقد استحالت أجزاء الخشب إلى شيء آخر وحقيقة أخرى وجسم آخر له صفاته الفعلية ولهذا يسمى هذا العالم عالم الكون والفساد أي التغير، ثم لا يخفى أن الفلاسفة يجعلون المادة الأولى قديمة أزلية وإنما الصور التي تعرض عليها حادثة فالمادة وإن تحولت إلى عناصر ومعادن وكائنات حية إلا أن المادة الأولى محفوظة فيها والصور هي الحادثة حدوثا زمانيا. وإثبات ذات قديمة غير الله باطل.
قال الشيخ الإمام: كذلك لما قسموا الجوهر إلى خمسة أقسام العقل والنفس والمادة والصورة والجسم، وجعلوا الجسم قسمين: فلكيا وعنصريا، والعنصري الأركان التي هي الأسطقسات ( لفظ يوناني بمعنى العناصر ) والمولدات: الحيوان والنبات والمعدن، كان هذا التقسيم مع فساده في الإثبات ليس حصر الموجودات فيه معلوما فإنه لا دليل لهم على حصر الأجسام في الفلكيات والعنصريات وهم معترفون بإمكان وجود أجسام وراء لأفلاك فلا يمكن الحصر فيما ذكر حتى يعلم انتفاء ذلك وهم لا يعلمون انتفاءه فكيف وقد قامت الأدلة على ثبوت أعيان قائمة بأنفسها فوق الأفلاك كما قد بسط في موضعه ( وهم الملائكة الكرام ) وهم منازعون في واجب الوجود هل هو داخل في مقولة الجوهر فأرسطو والقدماء كانوا يجعلونه من مقولة الجوهر وابن سينا امتنع من ذلك... الرد على المنطقيين- ج1-ص303-ص 304.
وقال: وليس في مجرد العلم بذلك ( أي مسمى الوجود ) ما يوجب كمال النفس بل ولا في العلم بأقسامه العامة فإنا إذا علمنا أن الوجود ينقسم إلى جوهر وعرض وأن أقسام الجوهر خمسة كما زعموه مع أن ذلك ليس بصحيح ولا يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل فلا يثبت لها حقيقة في الخارج إلا أن يكون جسما اوعرضا ولكن ما يثبتونه يعود إلى أمر مقدر في النفس لا في الخارج كما قد بسط في موضعه. وقد اعترف بذلك من ينصرهم ويعظمهم كأبي محمد بن حزم وغيره. الرد على المنطقيين- ج1-ص131.
وقال: فإن الفلاسفة يقولون بإثبات المادة والصورة، ويجعلون المادة والصورة جوهرين، وهؤلاء ( المتكلمون ) يقولون: ليست الصورة إلا عرضا قائما بجسم.
والتحقيق: أن المادة والصورة لفظ يقع على معان: كالمادة والصورة الصناعية، والطبيعية، والكلية والأولية.
فالأول: مثل الفضة إذا جعلت درهما وخاتما وسبيكة، والخشب إذا جعل كرسيا، واللبن والحجر إذا جعل بيتا، والغزل إذا نسج ثوبا، ونحو ذلك، فلا ريب أن المادة هنا التي يسمونها الهيولى: هي أجسام قائمة بنفسها، وأن الصورة أعراض قائمة بها، فتحول الفضة من صورة إلى صورة هو تحولها من شكل إلى شكل، مع أن حقيقتها لم تتغير أصلا.
...والثاني: من معاني المادة والصورة: هي الطبيعية، وهي صورة الحيوانات والنباتات والمعادن ونحو ذلك، فهذه إن أريد بالصورة فيها نفس الشكل الذي لها فهو عرض قائم بجسم، وليس هذا مراد الفلاسفة، وإن أريد بالصورة نفس هذا الجسم المتصور، فلا ريب أنه جوهر محسوس قائم بنفسه.
ومن قال: إن هذا عرض قائم بجوهر من أهل الكلام فقد غلط، وحينئذ فقول المتفلسف: إن هذه الصورة قائمة بالمادة والهيولى، إن أراد بذلك ما خلق منه الإنسان كالمني - وهو لم يرد ذلك - فلا ريب أن ذاك جسم آخر فسد واستحال، وليس هو الآن موجودا، بل ذاك صورة، وهذا صورة، والله تعالى خلق إحداهما من الأخرى وإن أراد أن هنا جوهرا بنفسه غير هذا الجسم المشهود الذي هو صورة، وأن هذا الجسم المشهود - الذي هو صورة - قائم بذلك الجوهر العقلي، فهذا من خيالاتهم الفاسدة.
ومن هنا تعرف قولهم في الهيولى الكلية ( الأولى ) حيث ادعوا أن بين أجسام العالم جوهرا قائما بنفسه،تشترك فيه الأجسام.
ومن تصور الأمور وعرف ما يقول علم أنه ليس بين هذا الجسم المعين وهذا الجسم المعين قدر مشترك موجود في الخارج أصلا، بل كل منهما متميز عن الآخر بنفسه المتناولة لذاته وصفاته، ولكن يشتركان في المقدارية وغيرها، من الأحكام اللازمة للأجسام، وعلم أن اتصال الجسم بعد انفصاله هو نوع من التفرق، والتفرق والاجتماع هما من الأعراض التي يوصف بها الجسم، فالإتصال والإنفصال عرضان، والقابل لهما نفس الجسم الذي يكون متصلا تارة، ومنفصلا تارة أخرى، كما يكون مجتمعا تارة ومفترقا أخرى ومتحركا تارة وساكنا أخرى، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. درء تعارض العقل والنقل- ج3-ص84-85-86.
تنبيه: يتفق كثير من علماء الفيزياء مع قول مشهور الفلاسفة بقدم المادة، ويقولون: المادة لا تفنى ولا تبيد.
ونحن نقول: قد عجز الخلق أجمعين عن خلق أي مادة مهما صغرت، وعجزوا كذلك عن إعدام أي مادة ولو خيط أبرة فكما أن حيلة الخلق في الإيجاد هو تحويلها من صورة إلى صورة فكذلك في الإعدام ليس لنا قدرة على إفنائها وتحويلها إلى عدم محض، وهذا دليل على القدرة الإلهية وأنه سبحانه وحده هو الذي يخلق وهو الذي يفني لا إله غيره ولا رب سواه.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثاني والعشرون- مزيد تحقيق حول المادة والصورة والجنس والفصل

اعلم أن مبنى القول بالمادة والصورة هو على الاعتقاد بوجود الكلي الطبيعي في الخارج.
بيانه:
ما الفرق بين المادة والصورة والجنس والفصل ؟
الجواب: لا يوجد فرق حقيقي بينهما بل فرق اعتباري. فإن المادة هي الجنس، والصورة هي الفصل.
مثال ذلك: الحيوان الناطق، فالحيوان إذا أخذناه لا بشرط من الحمل كان جنسا فنستطيع أن نقول: الحيوان إما إنسان أو غيره.
وإذا نظرنا للحيوان بشرط الإباء عن الحمل أي بشرط لا كان مادة.
وكذا الناطق إذا نظرنا إليه لا بشرط الإباء عن الحمل كان فصلا، وإذا نظرنا إليه بشرط لا أي عدم الحمل كان صورة.
بعبارة أخرى تارة ننظر للحيوان والناطق على أنهما شيئان متغايران فإن الحيوان غير الناطق، والناطق غير الحيوان، فيكون كل منهما جزئين في تركيب الجسم الإنساني وهما المادة والصورة.
وتارة ننظر للحيوان على أنه قابل للحمل والصدق على الإنسان وغيره، ولهذا كان جنسا لأنه أعم من الإنسان، ولهذا كان الناطق فصلا لأنه مساو للإنسان فنقول الناطق إنسان.
فتحصل أن المادة هي الجنس بشرط لا، وأن الجنس هو المادة لا بشرط، وأن الصورة هي الفصل بشرط لا، والفصل هو الصورة لا بشرط.
فإذا علم هذا فالجنس + الفصل= الماهية، والفرق بينهما في الاعتبار الحد مفصل والماهية مجملة.
والماهية هي الماهية فإذا وجدت في الخارج كان مادة وصورة وإذا وجدت في الذهن كانت جنسا وفصلا.
ووجود الماهية في الخارج هو بعينه القول بالكلي الطبيعي فإن الكلي الطبيعي المراد به مصاديقه أي الطبائع والماهيات كالإنسان والحيوان والشجر.
فمتى نفينا وجود الكلي الطبيعي في الخارج لزم القول بنفي المادة والصورة. وقد تقدم نفيه فيما سبق.
فالقائلون بالمادة والصورة يجعلون الجسم الإنساني منطبعا في الماهية أي في المادة والصورة الكليتين العقليتين.
تذكر أننا قلنا إن القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج بما هو كلي يعني وجود زيد بمشخصاته مع ماهيته الكلية العقلية التي هي الحيوان الناطق.
فتحصل أن المادة والصورة هما جوهران كليان ولكنهما مقارنان للأفراد الخارجية.
قال الشيخ العلامة ابن القره داغي الكردي رحمه الله: ومبنى نفي الهيولى والصورة على نفي الكلي الطبيعي في الخارج، بل النفيان متحدان؛ لأن التغاير بينهما وبين الجنس والفصل اعتباري؛ إذْ ما به يتقوّم الشيء إن أخذ بشرط لا كان جزءا خارجيا غير محمول وهو الأوليانِ، أو لا بشرط شيء كان جزءا ذهنيا محمولا وهو الأخيران..اهـ البدر العلاة في كشف غوامض المقولات- ص 13.
ومن هنا يتبين لنا شيء آخر متعلق بالمنطق وهو أن القول بتركب الماهية من الجنس والفصل المساوي لتركبها من المادة والصورة يعني أن القول بتركب الحد من الذاتيات: الجنس والفصل مبني على القول بوجود الكلي الطبيعي أي بوجود الماهية الكلية في الخارج مقرونة مع الأفراد المشخصة فيطلب العقل البشري معرفة الماهية وذلك بوضع اليد على الجنس والفصل، فيتحصل أن من لا يؤمن بالكلي الطبيعي كما هو مشهور قول المتكلمين وبعض الفلاسفة كيف يؤمن بتركب الماهية من الجنس والفصل وكيف يفرق بين الذاتيات والعرضيات؟!
فأي قيمة للحد الأرسطي إذا نفينا الكلي الطبيعي؟! ولا يمكنني تصور القبول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج إطلاقا!
قال الشيخ الإمام: ومن علم هذا علم كثيرا مما دخل في المنطق من الخطأ في كلامهم في الكليات والجزئيات، مثل الكليات الخمس: الجنس، والفصل، والنوع، والخاصة، والعرض العام.
وما ذكروه من الفرق بين الذاتيات واللوازم للماهية، وما ادعوه من تركيب الأنواع من الذاتيات المشتركة المميزة التي يسمونها الجنس والفصل، وتسمية هذه الصفات أجزاء الماهية، ودعواهم أن هذه الصفات التي يسمونها أجزاء تسبق الموصوف في الوجود الذهني والخارجي جميعا، وإثباتهم في الأعيان الموجودة في الخارج حقيقة عقلية مغايرة للشيء المعين الموجود، وأمثال ذلك من أغاليطهم التي تقود من اتبعها إلى الخطأ في الإلهيات، حتى يعتقد في الموجود الواجب: أنه وجود مطلق بشرط الإطلاق كما قاله طائفة من الملاحدة ( فيكون الله محض وجود لا صفة له إلا الوجود ولا حقيقة له غير الوجود )، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية كلها كما قاله ابن سينا وأمثاله، مع العلم بصريح العقل أن المطلق بشرط الإطلاق أو بشرط سلب الأمور الثبوتية يمتنع وجوده في الخارج، فيكون الواجب الوجود ممتنع الوجود ( فإنهم لما آمنوا بوجود الماهية العقلية في الخارح التي هي مطلقة بشرط الإطلاق أمكنهم أن يؤمنوا بأن الله هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق أو بشرط سلب الصفات الحقيقية الثبوتية عنه كي يثبتوا للباري حقيقة تخالف سائر الحقائق ). درء تعارض العقل والنقل- ج1-ص217.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثالث والعشرون- الجسم

تقدم أن الجسم عند بعض الفلاسفة مركب من مادة وصورة أي هو مركب من ثلاثة جواهر: مادة، وصورة جسمية، وصورة نوعية. وتقدم الرد عليهم.
وهنالك آراء أخرى حول الجسم أهمها هو قول جمهور المتكلمين بأن الجسم مركب من جواهر صغيرة جدا تسمى الجواهر الفردة.
بيانه: الأجسام تتجزأ إلى أجزاء أصغر وأصغر حتى تصل إلى حد تقف عنده التجزئة ولا يمكن بعد قسمتها، فهذا الجزء الذي لا يمكن تجزئته بعد يسمى الجزء الذي لا يتجزأ، فالأجسام تتكون من ذرات صغيرة جدا لا يمكن أن تنقسم، وبضم بعضها إلى بعض يحصل الجسم. وإنما تتفاوت الأجسام بكبرها وصغرها بناء على عدد ذراتها، فكل ما في الكون من كواكب ونجوم وجبال ومعدن ونبات وحيوان وإنسان عبارة عن ذرات صغيرة مجتمعة تختلف في عدد جواهرها.
ثم إن هذه الجواهر عند أكثرهم متماثلة فيما بينها فلا فرق بين الأجسام في ذواتها لا فرق بين الماء والتراب والشجر والحجر والإنسان والذهب كلها متماثلة في ذواتها وحقيقتها وجواهرها الفردة ولكنها تختلف باختلاف الأعراض التي تعرض عليها.
وقد اختلفوا بعد ذلك في عدد الذرات اللازمة لتشكيل أصغر جسم.
فقيل: اثنان. وقيل: أربعة. وقيل: ستة. وقيل: ثمانية. وقيل: ستة عشر. وقيل: اثنان وثلاثون.
هذه خلاصة نظريتهم التي نافحوا ولا يزالون ينافحون عنها.
وبالمقارنة بين مشهور مذهب الفلاسفة ومذهب المتكلمين نجد أن الفريقين متفقان على بقاء شيء مشترك.
فمثلا لو قارنا بين ( النطفة والعلقة ) فالمادة عند الفلاسفة، والجواهر الفردة عند المتكلمين باقية في الحالتين وإنما تحدث صورة جديدة عند الفلاسفة أو أعراض جديدة عند المتكلمين.
كما أن المتكلمين يرون أن الله خلق الجواهر الفردة في زمان بعيد جدا خارج عن معرفتنا وحواسنا ثم بعد ذلك كان الله يخلق الأشياء لا بطريقة الإيجاد والإختراع لذواتها بل بطريق إحداث الأعراض فيها لأن الجواهر الفردة موجودة في الكون منذ آلاف أو ملايين السنين وكل ما نشاهده في الكون من إحداث خلق الإنسان والحيوان والنبات هو عبارة عن إحداث أعراض في تلك الجواهر!
قال الشيخ الإمام: والناس قد تنازعوا في الأجسام المخلوقة كالكواكب والفلك والهواء والماء وغير ذلك، فقيل: هي مركبة من الجواهر المنفردة، وقيل: مركبة من المادة والصورة، ومنهم من فرق بين الجسم الفلكي والعنصري ( فالجسم الفلكي ليس مركبا من مادة وصورة بخلاف الجسم العنصري الذي تتولد منه المولدات ).
والصواب عند محققي الطوائف أنها ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا. وهذا قول أكثر أهل الطوائف أهل النظر مثل: الهشامية والضرارية والنجارية والكلابية وطائفة من الكرامية وغيرهم.
وقد تنازع الناس في الجسم هل يقبل القسمة إلى غاية محدودة هي الجوهر الفرد، أو يقبل القسمة إلى غير غاية ( كما يقوله الفلاسفة )، أو يقبل القسمة إلى غاية من غير إثبات الجوهر الفرد على ثلاثة أقوال.
والثالث هو الصواب؛ فإن إثبات الجوهر الفرد الذي لا يقبل القسمة باطل بوجوه كثيرة؛ إذ ما من موجود إلا ويتميز منه شيء عن شيء.
وإثبات انقسامات لا تتناهى فيما هو محصور بين حاصرين ممتنع لامتناع وجود ما لا يتناهى فيما يتناهى وامتناع انحصاره فيه. لكن الجسم كالماء يقبل انقسامات متناهية إلى أن تتصاغر أجزاؤه فإذا تصاغرت استحالت إلى جسم آخر فلا يبقى ما ينقسم ولا ينقسم ( كذا في المطبوع ولعل الصواب فلا يبقى ينقسم وينقسم ) إلى غير غاية بل يستحيل عند تصاغره، فلا يقبل الانقسام بالفعل مع كونه في نفسه يتميز منه شيء عن شيء، وليس كل ما تميز منه شيء عن شيء لزم أن يقبل الانقسام بالفعل بل قد يضعف عن ذلك ولا يقبل البقاء مع فرط تصاغر الاجزاء لكن يستحيل إذ الجسم الموجود لا بد له من قدر ما ولا بد له من صفة ما فإذا ضعفت قُدَرُهُ عن اتصافه بتلك الصفة انضم إلى غيره إما مع استحالة إن كان ذلك من غير جنسه وإما بدون الإستحالة إن كان من جنسه كالقطرة الصغيرة من الماء إذا صغرت جدا فلا بد أن تستحيل هواء أو ترابا أو أن تنضم إلى ماء آخر وإلا فلا تبقى القطرة الصغيرة جدا وحدها وكذلك سائر الأجزاء الصغيرة جدا من سائر الأجسام. الصفدية- ج1- ص117-118.
وقال: وهؤلاء، وهؤلاء ( الفلاسفة والمتكلمون ) تحيّروا في خلق الشيء من مادة؛ كخلق الإنسان من النطفة، والحب من الحب، والشجرة من النواة، وظنّوا أنّ هذا لا يكون إلا مع بقاء أصل تلك المادّة؛ إمّا الجواهر عند قوم ( وهم المتكلمون ) وإمّا المادّة المشتركة عند قوم ( وهم الفلاسفة ).
وهم في الحقيقة يُنكرون أن يخلق الله شيئا من شيء؛ فإنّه عندهم لم يُحدِث إلا الصورة التي هي عرض عند قوم، أو جوهر عقليّ عند قوم. وكلاهما لم يخلق من مادّة، والمادّة عندهم باقية بعينها، لم تخلق. النبوات- ج1-ص312.
وقال: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ، بَلِ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ الْجَوَاهِرَ الْمُنْفَرِدَةَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، لَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا، وَلَا حَيَوَانًا وَلَا نَبَاتًا، وَلَا مَعَادِنَ، وَلَا إِنْسَانًا وَلَا غَيْرَ إِنْسَانٍ، بَلْ إِنَّمَا يُحْدِثُ تَرْكِيبَ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْقَدِيمَةِ فَيَجْمَعُهَا وَيُفَرِّقُهَا، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِتِلْكَ الْجَوَاهِرِ، لَا أَعْيَانًا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا. فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا خَلَقَ السَّحَابَ وَالْمَطَرَ وَالْإِنْسَانَ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ، لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ وَالْعِيَانُ، وَوُجُودُ جَوَاهِرَ لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْأَجْسَامِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا إِلَّا ذَلِكَ، وهؤلاء ( المتكلمون ) يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ لَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، بَلِ الْجَوَاهِرُ الَّتِي كَانَتْ مَثَلًا فِي الْأَوَّلِ هِيَ بِعَيْنِهَا بَاقِيَةٌ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا.
وَهَذَا خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ - مِنِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، كَاسْتِحَالَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ النَّجِسَةِ مِلْحًا أَوْ رَمَادًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَذِرَاتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، ثُمَّ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَاسْتِحَالَةِ مَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ بَوْلًا وَدَمًا وَغَائِطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّجَاسَةِ: هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الِاسْتِحَالَةَ. المنهاج- 2- ص139- 140.
وقال: وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ: الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ؛ بِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ؛ بَلْ وَيَقُولُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُتَمَاثِلَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَعْرَاضِ وَتِلْكَ صِفَاتٌ عَارِضَةٌ لَهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً فَلَا تَنْفِي التَّمَاثُلَ فَإِنَّ حَدَّ الْمِثْلَيْنِ أَنْ يَجُوزَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَجُوزُ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مَا جَازَ عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ. مجموع الفتاوى- 17- 244-245.
وقال: قلت: هذا بناء على أصل تلقوه من المعتزلة، وهو أن الجواهر والأجسام متماثلة، بخلاف الأعراض، فإنها قد تختلف وقد تتماثل.
وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه، لا تختلف من وجه دون وجه، بل الثلج مماثل للنار من كل وجه، والتراب مماثل للذهب من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم.
وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه، بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال، بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها، فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى. درء تعارض العقل والنقل- ج5- ص 192.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الرابع والعشرون- الأعراض

تقدم أن الماهية إما أن تكون جوهرا أو عرضا وأن الجوهر عندهم خمسة ، وأما الأعراض فهي تسعة: الكم والكيف والأين والمتى والوضع والملك والإضافة والفعل والانفعال.
والسؤال الذي يطرح على أي أساس تم حصر هذه المقولات ؟
والجواب: على أساس الاستقراء فلا يوجد دليل عقلي، فلذا يمكن الزيادة عليها.
ولكن حتى مع التسليم بأن الحصر استقرائي لا يفيد إلا الظن يبقى السؤال لم عدت عشرة فيمكن عدها بطرق مختلفة، فلم لا يقال: إن المقولات اثنان: جوهر وعرض كما ذهب إليه بعضهم، فكما قسمتم الجوهر إلى خمسة فقسموا العرض إلى تسعة أقسام، أو قولوا إن المقولات خمسة + تسعة= 14.
ثم إن بعضهم قال بل المقولات أربعة الجوهر والكم والكيف والنسبة، وأما سائر المقولات العرضية فترجع إلى النسبة.
وذهب السهروردي إلى إثبات مقولة سماها الحركة فعد الحركة مقولة برأسها وقال المقولات خمسة: الجوهر والكم والكيف والحركة والنسبة.
وبعضهم قال غير ذلك، فالاضطراب فيها ظاهر.
وأرسطو وأتباعه عندهم هذه المقولات أجناس عالية فلا جنس فوقها وهذا يعني أنها متباينة بتمام الذات، فمثلا إذا قلنا إن الإنسان يباين الحمار فإن التباين هنا بجزء الذات وهو الفصل، ولكنهما مشتركان في الجنس الذي هو الحيوان، فالتباين ليس بتمام الذات.
أما بالنسبة للمقولات فهي أجناس عالية فلا اشتراك بينها في جنس فمثلا الكم يباين الكيف بتمام الذات فلا وجود لجزء مشترك.
ويقولون: هنالك فرق بين صدق الجوهر على ما تحته وصدق العرض على ما تحته؛ فإن الجوهر جنس تحته خمسة أنواع فبالتالي لا يكون التباين بين أنواعه تباينا تاما فمثلا الجوهر العقلي والجوهر النفسي كلاهما جوهر، والجوهرية داخلة في حدهما فحينما نعرف تلك الأنواع نذكر كلمة الجوهر في أولها ليكون جنسا لها، والتباين بينها بالفصل.
وأما العرض فالأمر مختلف فصدقه على ما تحته صدق عرضي وليس صدقا ذاتيا فإذا ذكرنا كلمة العرض في تعريف الكم والكيف وبقية المقولات فيكون من قبيل التعريف بالعرض العام والخاصة.
وكذا صدق النسبة على الأعراض النسبية صدق بالعرض.
ولنبدأ ببيان تلك الأعراض:
أولا: الكم وهو: عرض يقبل القسمة لذاته. وله نوعان:
1- كم منفصل وهو: ما ليس بين أجزائه الوسطى حدود مشتركة. وهو العدد فالعشرة مثلا لو قسمناها إلى نصفين فلا نجد حدا مشتركا فالعدد خمسة نهاية القسم الأول، والعدد ستة بداية القسم الثاني.
2- كم متصل وهو: ما بين أجزائه الوسطى حدود مشتركة. وهو يشمل الخط والسطح والجسم التعليمي والزمان.
بيان ذلك: إن الخط يمثل عندهم الطول والسطح هو الطول والعرض معا والجسم التعليمي يقصدون به الطول والعرض والارتفاع أي الحجم.
خذ مسطرة ولنفرض طولها 30 سم ضع نقطة في المنتصف أي على 15 فسنجد أن هذه النقطة تمثل نهاية الجزء الأول أي من البداية إلى 15 وبداية الجزء الثاني أي من 15 إلى 30.
وكذا الزمن فإن الآن هو نهاية الماضي وبداية المستقبل.
ومعنى قولهم يقبل القسمة لذاته أن المقادير تنقسم بنفسها وأما الأجسام فإنما تنقسم بعروض الكم المتصل عليها فإذا أردت أن تقسم الحائط مثلا فهو ينقسم لعروض المقدار عليه من الأمتار والسنتيمترات لا أنه بنفسه ينقسم.
ومرادهم من القسمة هو القسمة الفرضية بمعنى أن تفرض الانقسام في الشيء المتصل كالخط لا القسمة الخارجية الفعلية كأن تأتي بمتر من مادة معينة وتقصه بالمقص إلى نصفين لأن
المتر سيزول ولا يعد مترا، فالمقصود هنا هو تقدير القسمة ذهنا.
ويقسمون الكم المنفصل إلى قار وغير قار
فالكم المتصل غير القار هو الزمن لعدم اجتماع أجزائه في الوجود تنقضي ثانية وتأتي أخرى ولا يمكن اجتماعها معا لأن الزمان متصرّم، والكم المتصل القار هو الخط والسطح والجسم التعليمي.
هذه خلاصة ما يذكرونه هنا باختصار.
وعد العدد عرضا غير مستقيم عندي فإن العرض هو أمر وجودي، والأعداد إن قصد بها الأعداد المجردة عن المواد أي 2 3 4... إلى آخره فهذه لا وجود لها في الخارج ولم يثبتها إلا فيثاغورس، وإن قصدوا أن المعدودات في الخارج يقوم بها عرض العدد فغير صحيح أيضا، خذ مثلا برتقالة واحدة ثم ضع بجنبها برتقالة أخرى فهل قامت بهما الاثنينية؟ إن قلتم نعم فهل قامت بالبرتقالة الأولى فكيف يقوم الاثنان بالواحد أو بالأخرى فهي واحدة فكيف قامت الاثنينة بها، وإن قلتم قامت بهما فكيف قام عرض واحد في محلين وأين يقوم بهما وهما منفصلتان، ثم جئنا ببرتقالة أخرى فهل ارتفع عنهما عرض الاثنين وحل بها عرض الثلاثة! أنا الآن لوحدي فإذا جاء شخص آخر معي صرنا اثنين لم يقم عرض بي ولا به فإذا جاء شخص ثالث فلم يزل عرض منا ويقم عرض الثلاثة هذه كلها اعتبارات ذهنية.
ولم يثبت المتكلمون لا الكم المنفصل ولا الكم المتصل؛ لأنه لا اتصال حقيقي بين الأجسام باعتبار أن الجواهر الفردة منفصلة ويوجد فراغ بين الذرات وإن كان يتراءى للناظر اتصالها.
قال الشيخ الإمام: وَكَذَلِكَ النُّظَّارُ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ " الْجِسْمِ " تَارَةً الْمِقْدَارَ وَقَدْ يُسَمُّونَهُ الْجِسْمَ التَّعْلِيمِيَّ وَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهِ الشَّيْءَ الْمُقَدَّرَ وَهُوَ الْجِسْمِيُّ الطَّبِيعِيُّ وَالْمِقْدَارُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمُقَدَّرِ كَالْعَدَدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَعْدُودِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْأَذْهَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ. وَكَذَلِكَ السَّطْحُ وَالْخَطُّ وَالنُّقْطَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي تَقُومُ بِهِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الذِّهْنِ. مجموع الفتاوى- ج12- ص 316- 317.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الرابع والعشرون- المقولات النسبية

والأعراض النسبية سبعة هي: الإضافة، والأين، والمتى، والوضع، والملك، والفعل، والانفعال.
وسميت نسبية لأن فيها نسبة قائمة بطرفين فأولها هو: الإضافة وهي: هيئة حاصلة من تكرر النسبة بين شيئين كالأبوة والأخوة والصداقة، فالأبوة هيئة ونسبة حاصلة بين الأب والابن، ولا يمكن تعقلها بدون البنوة، كما لا يمكن تعقل البنوة بدونها فهما متعقلان معا.
وثانيها: الأين وهي: هيئة حاصلة من نسبة الشي إلى المكان. مثل وجود الماء في الكأس، ووجود الشخص في بيته.
ويقسم الفلاسفة الأين إلى قسمين:
أين حقيقي وهو: حصول الجسم في مكان يكون مملوءا به بحيث لا يسع معه غيره ككون الماء في الكوز مالئا له.
والأين غير الحقيقي هو: حصول الجسم الطبيعي في مكان يسعه وغيره ككون محمد في البيت أو السوق أو المدينة.
فحصول الجسم فيما ذكر يسمى أينا غير حقيقي استعمل فيه اسم الأين مجازا لصحة وقوعه في جواب السؤال عنه بـ أين.
وذهب المتكلمون إلى أن مقولة الأين لها أربعة أقسام هي:
الحركة وهي: حصول الشيء في آنين في مكانين.
والسكون هو: حصول الشيء في آنين في مكان واحد.
والاجتماع هو: حصول الجوهرين في مكانين بحيث لا يمكن أن يتخللهما جوهر آخر.
والافتراق هو: حصول الجوهرين في مكانين بحيث يمكن أن يتخللهما جوهر ثالث.
وقالوا إن الجسم أي جسم لا يخلو من هذه الأعراض لأنه إما متحرك أو ساكن، وإما جواهره الفردة مجتمعة أو متفرقة.
وهو مبني على ثبوت تركب الجسم من الجواهر الفردة وقد تقدم الكلام في ذلك.
وثالثها المتى وهي: هيئة حاصلة من نسبة أجزاء الشيء إلى الزمان. مثل حصول الصيام في اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومثل حصول حادثة معينة في زمن ما.
ورابعها: الوضع وهي: هيئة حاصلة من نسبة أجزاء الشيء بعضها إلى بعض، والمجموع إلى الخارج عنها وهي جهات العالم. كأوضاع الجسم كالقيام مثلا فإنه وضع للجسم أي هيئة اعتبر فيها نسبة الأعضاء بعضها إلى بعض ونسبة تلك الأعضاء إلى أمور خارجية عنها ككون الرأس نحو السماء والرجلين نحو الأرض، وكذا بقية الهيئات كالقعود والنوم والركوع فكلها تختلف نسبة الأعضاء بعضها إلى بعض ونسبتها إلى الجهات، وكوضوع الكرسي بوضع يصلح الجلوس عليه ثم تغيير وضعيته، وكوضع الكتاب أو الرف.
وخامسها: الملك وهي: هيئة تعرض للجسم بسبب ما يحيط به وينتقل بانتقاله. مثل التنعل الحاصل من إحاطة الحذاء بالرجل، ومثل التقمص، ومثل التعمم بعمامة والتختم بخاتم ففيها شيء يحيط بالجسم وينتقل بانتقاله.
وسادسها: الفعل وهي: هيئة حاصلة من تأثير المؤثر ما دام يؤثر. وتسمى بمقولة أن يفعل، مثل قطع النجار الخشب ما دام يقطع أي ما دام مستمرا بالفعل، ومثل تسخين النار للماء ما دامت تسخنه، وتقطيع السكين للحم ما دام يقطعه.
وسابعها: الانفعال وهي: هيئة حاصلة من تأثر المتأثر ما دام يتأثر. وتسمى أن ينفعل، مثل انقطاع الخشب مادام ينقطع تحت المنشار، وكتسخن الماء بالنار ما دام يتسخن،وتقطع اللحم بالسكين ما دام يتقطع.
وقد أنكر المتكلمون وجود الإضافات في الخارج وقالوا إنها أمور اعتبارية ومعقولات ثانوية لا وجود لها في الخارج فلا هي جوهر ولا عرض.
وآخر المقولات هو الكيف وهو: عرض لا يقبل القسمة ولا النسبة لذاته.
كالألوان من البياض والسواد والحمرة فإنها لا تقبل القسمة لذاتها لأنها ليست مقدار ولا فيها نسبة بذاتها، ولكنها تقبل القسمة بواسطة الكم كتقسيم اللون العارض على الجسم إلى عدة سنتيمترات.
ولها أربعة أقسام:
1- الكيفيات المحسوسة بإحدى الحواس الخمس الظاهرة كالحرارة والبرودة المدركتين بقوة اللمس، وكالأضواء والألوان المدركة بقوة البصر، وكالأصوات المدركة بقوة السمع، وكالروائح المدركة بقوة الشم، وكالطعوم من حلاوة ومرارة وحموضة المدركة بقوة الذوق.
2- الكيفيات النفسانية وهي المختصة بذوات الأنفس كالحياة والعلم والقدرة والذة والألم والحلم والغضب والفرح والحزن والشجاعة والجبن وسائر الأخلاق.
وما كان من هذه الكيفيات راسخا بحيث لا يزول أو يعسر زواله يسمى ملكة، وما كان غير راسخ يسمى حالا.
وقد يكون بعض الكيفيات النفسانية حالا ثم يصير ملكة، كالكتابة فإنه في ابتداء تعلمها تكون حالا ثم إذا كثر الاشتغال بها تصير ملكة.
3- الكيفيات الاستعدادية: وهي نوعان:
النوع الأول: القوة وهي استعداد الجسم لأن يفعل ويعالج ولا يتأثر بسهولة كالصلابة.
النوع الثاني الضعف وهي استعداد الجسم لأن يفعل ويعالج ويتأثر بسهولة كاللين كلين الشمع يقبل الانغماز باليد والتشكيل بسهولة.
4- الكيفيات المختصة بالكميات كالتثليث والتربيع والتدوير العارضة للسطح، والاستقامة والانحناء العارضين للخط، وكالزوجية والفردية العارضين للعدد.
ويعد الكيف أظهر المقولات العشر وجودا لوقوعه تحت الحس.
قال الشيخ الإمام: وَهُمْ يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ: إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَالْأَعْرَاضُ يَجْعَلُونَهَا " تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ " هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يَجْعَلُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الْحُدُودُ الْمُؤَلَّفَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ فَقَالُوا: " الْكَلَامُ فِي هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَنْطِقِ " فَأَخْرَجُوهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَ ابْنِ سِينَا كَأَبِي حَامِدٍ وَالسُّهْرَوَرْدِي الْمَقْتُولِ وَالرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ " الْمَقُولَاتُ الْعَشْرُ " الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ: الْجَوْهَرُ. وَالْكَمُّ. وَالْكَيْفُ. وَالْأَيْنُ. وَمَتَى وَالْإِضَافَةُ وَالْوَضْعُ وَالْمِلْكُ وَأَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ وَقَدْ جُمِعَتْ فِي بَيْتَيْنِ وَهِيَ:
زَيْدُ الطَّوِيلُ الْأَسْوَدُ ابْنُ مَالِكِ ... فِي دَارِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ متكي
فِي يَدِهِ سَيْفٌ نَضَاهُ فانتضا ... فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ سوا ( زيد جوهر- الطويل كم- الأسود كيف- ابن مالك الإضافة- في داره أين- بالأمس متى- يتكي وضع- في يده سيف ملك- نضاه فعل- فانتضى انفعال، ومعنى نضاه هو أخرجه من غمده )
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَغَيْرِ أَتْبَاعِهِ أَنْكَرُوا حَصْرَ الْأَعْرَاضِ فِي تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ وَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَيُثْبِتُونَ إمْكَانَ رَدِّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْدَادِ. مجموع الفتاوى- ج9- ص 274-275.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الخامس والعشرون- التغيّر

التغير هو: خروج الشيء من القوة إلى الفعل. كتحول البذرة إلى شجرة. وهو قسمان:
1- تغيير تدريجي ويسمى بالحركة وهو يحتاج إلى زمان.
والمقصود بالحركة هو كل تغير تدريجي فيشمل الحركة المعروفة في العرف وهي انتقال الجسم من مكان إلى مكان آخر كتحرك زيد من بيته إلى عمله أو كتحرك السيارة من نقطة إلى نقطة أخرى، ويشمل أيضا الحركة في غيرها كحركة الأعراض كتحول التفاح من أخضر إلى أصفر، فالتفاحة ثابتة في مكانها في الشجرة ولكن يحدث فيها تغيير تدريجي.
2- تغير دفعي وهو يحدث في آن واحد دفعة واحدة ولا يحتاج إلى زمان، ويمثلون له باتصال الأجسام، كما لو حركت أحد إصبعيك ليتصل بالإصبع الآخر فهذه حركة تحتاج إلى زمن ربما تحتاج ثانية أو ثانيتين ولكن لحظة اتصالهما تحصل دفعة واحدة فلا تسمى حركة لأن الحركة تغيير تدريجي لا دفعي.
قال الشيخ الإمام: فإن الحركة في اصطلاحهم ليست هي النقلة من مكان إلى مكان، بل النقلة نوع من الحركة وهم يقولون: حركة في الكم، وحركة في الكيف، وحركة في الأين، وحركة في الوضع.
فالحركة في الكيف هو: تحول الموصوف من صفة إلى صفة إما في لونه وإما في طعمه أو ريحه أو غير ذلك، وكذلك النفس إذا كانت جاهلة فصارت عالمة، أو كانت مبغضة فصارت محبة، أو كانت متألمة فصارت ملتذة فهذا حركة في الكيف.
والحركة في الكم مثل النمو الذي يحصل في أبدان الحيوان والنبات.
والحركة في الوضع مثل حركة الفلك فإن حركته لا توجب خروجه من حيزه.
والحركة في الأين هي: النقلة مثل حركة الماء والتراب والهواء والمولدات من حيز إلى حيز.
وإذا كان كذلك فالنفس بعد الموت لها محبة لشيء وطلب إن حصل التذت به وإلا تألمت فهي متألمة أو ملتذة لما تدركه من مناسب أو مناف وهذه حركة ومن المعلوم بالضرورة أن ما يحدث له آلام ولذات فلا بد له من نوع حركة. الصفدية- 2-270.

شروط الحركة​

إذا ذهب زيد من بيته إلى محل عمله فهنا ستة أمور تتوقف عليها تلك الحركة وتسمى لوازم الحركة وهي:
1- المحرِّك، ويسمى فاعل الحركة كنفس زيد.
2- المتحرك، ويسمى موضوع الحركة كبدن زيد.
3- مبدأ الحركة، ويسمى ما منه الحركة كالبيت.
4- منتهى الحركة، ويسمى ما إليه الحركة كمحل العمل.
5- المسافة، ويسمى ما فيه الحركة وهي طريق الحركة.
6- الزمن، أي زمن وقوع الحركة.

أنواع الحركة​

أولا: الحركة الإرادية وهي: التي تكون بطبيعة الجسم المتحرك مع شعور وإرادة من المتحرك كحركة الحيوان.
ثانيا: الحركة الطبيعية وهي: التي تكون بطبيعة الجسم المتحرك بدون شعور وإرادة من المتحرك كحركة الحجر إلى الأسفل وحركة المياه.
ثالثا: الحركة القسرية وهي: التي تكون على خلاف مقتضى طبيعة المتحرك بقسر القاسر، كحركة الحجر المرمي إلى فوق.
قال الشيخ الإمام: فَإِنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ إنَّمَا صَدَرَتْ عَنْ إرَادَةٍ. فَإِنَّ الْحَرَكَاتِ إمَّا طَبْعِيَّةٌ وَإِمَّا قَسْرِيَّةٌ وَإِمَّا إرَادِيَّةٌ. لِأَنَّ مَبْدَأَ الْحَرَكَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَحَرِّكِ أَوْ مِنْ سَبَبٍ خَارِجٍ. وَمَا كَانَ مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الشُّعُورِ أَوْ بِدُونِ الشُّعُورِ. فَمَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْ خَارِجٍ فَهُوَ الْقَسْرِيُّ وَمَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْهَا بِلَا شُعُورٍ فَهُوَ الطَّبْعِيُّ وَمَا كَانَ مَعَ الشُّعُورِ فَهُوَ الْإِرَادِيُّ. فَالْقَسْرِيُّ تَابِعٌ لِلْقَاسِرِ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّكُ بِطَبْعِهِ كَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ هُوَ سَاكِنٌ فِي مَرْكَزِهِ؛ لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ مَرْكَزِهِ قَسْرًا طَلَب الْعَوْدَ إلَى مَرْكَزِهِ فَأَصْلُ حَرَكَتِهِ الْقَسْرُ. وَلَمْ تَبْقَ حَرَكَةٌ أَصْلِيَّةٌ إلَّا الْإِرَادِيَّةُ. فَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ عَنْ إرَادَةٍ. مجموع الفتاوى- 16- ص131.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس السادس والعشرون- الزمن

في تفسير حقيقة الزمن أقوال أشهرها هو:
1- الزمن هو: مقدار حركة الفلك.
فهنالك ارتباط ولزوم بين الحركة والزمان، فالحركة إذا توقفت توقف الزمان، ومادامت الحركة موجودة ومستمرة فالزمان موجود، فالزمان هو: كم متصل غير قار بالذات يقدر به امتداد الحركة.
والحركة كما تقدم خروج الشيء من القوة إلى الفعل بالتدريج فهي وجود متصل غير قار، ولكنه وجود غير معين وغير مقدر فإذا عرض الزمان على الحركة تعينت الحركة.
وهذا نظير الجسم الطبيعي والجسم التعليمي، فالجسم الطبيعي كمادة له امتداد ولكنه غير معين في الأبعاد الثلاثة حتى يعرض عليه ويحل به الجسم التعليمي الذي هو الطول والعرض والارتفاع.
فكذلك الحركة هي نظير الجسم الطبيعي وجود ممتد غير معين فإذا عرض الزمان على الحركة تعين مقدارها.
فالزمان عرض يعرض على الأجسام بواسطة الحركة يحدد به امتدادها، فهو من مقولة الكم المتصل.
بقي أن نعرف أن الزمان مقدار أي حركة ؟
الجواب هو: مقدار أقدم حركة في عالم الأجسام وهو الفلك الأعظم أول كائن جسماني، فهذا الفلك حركته كانت ولا تزال ولن تنقطع حركة دائرية مستمرة وهو الذي يتحرك في كل يوم وليلة دورة واحدة بالتقريب، فالزمان إذا قديم بقدم الفلك.
والزمان عندهم نوعان:
زمان مطلق وهو الزمان المستمر والدائمي وهو المقصود بالبحث وهو مقدار حركة الفلك الأعظم.
وزمان نسبي معين وهو زمان الحوادث المعينة التي يتواضع الناس عليها بالساعات والأيام والأشهر والسنين والعقود، فالحركات المعينة كحركة السفينة أو حركة عقرب الساعة أيضا لها زمان معين ويعرض لها الزمان، ولكن المقصود بالبحث هو جنس الزمان العام المستمر.
وهذا هو رأي أرسطو من اتبعه.
وببطلان فرضية العقول والأفلاك لا يمكن القبول بكون الزمان مقدار حركة الفلك الأعظم.
2- مقارنة متجدد موهوم لمتجدد معلوم إزالة للإبهام.
مثاله قولك: سآتيك عند طلوع الشمس، فإن طلوع الشمس معلوم، ومجيئك موهوم مبهم، فإذا قرن ذلك الموهوم المبهم بذلك المعلوم زال إبهامه. فليس الزمان جوهر ولا عرض وإنما هو أمر اعتباري لا وجود له في الخارج.
وهذا هو قول المتكلمين.
وقال بعض الفلاسفة إن الزمان هو جوهر مجرد أي هو موجود عيني ولكن وجوده وجود روحي مجرد كالعقول عندهم!
قال الشيخ الإمام: وَإِذَا قِيلَ: الزَّمَانُ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ، فَلَيْسَ هُوَ مِقْدَارَ حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَحَرَكَةِ الشَّمْسِ، أَوِ الْفَلَكِ، بَلِ الزَّمَانُ الْمُطْلَقُ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حَرَكَاتٌ وَأَزْمِنَةٌ، وَبَعْدَ أَنْ يُقِيمَ اللَّهُ الْقِيَامَةَ، فَتَذْهَبُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ حَرَكَاتٌ وَأَزْمِنَةٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}
وَجَاءَ فِي الْآثَارِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ بِأَنْوَارٍ تَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ العرش. منهاج السنة النبوية. ج1- ص 172.
وقال: وأول من عرف عنه من الفلاسفة المشائين القول بقدم الأفلاك هو أرسطو وحججه على ذلك واهية جدا لا تدل على مطلوبه بل استدلاله على قدم الزمان وأنه مقدار الحركة فيلزم قدمها ثم ظن أن جنس الزمان مقدار حركة الفلك وهذا غلط عظيم فإن جنس الزمان إذا قيل الزمان مقدار الحركة فهو مقدار جنس للحركة لا حركة معينة بل الزمان المعين مقدار الحركة المعينة ولهذا كان جنس الزمان باقيا عند المسلمين بعد قيام القيامة وانشقاق السماء وتكوير الشمس ولأهل الجنة أزمنة هي مقادير حركات هناك غير حركة الفلك ولهم في الآخرة يوم المزيد يوم الجمعة مع أن الجنة ليس فيها شمس ولا زمهرير بل أنوار وحركات أخر. الصفدية. ج2- ص 167.
وقال بعد أن سئل عن حديث مسلم: لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله: ... وَلَا يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ الله هُوَ الزَّمَانُ، فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ، وَالْحَرَكَةُ مِقْدَارُهَا مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِغَيْرِهَا كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ فَإِنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا، بَلْ هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى مَحَلٍّ تَقُومُ بِهِ... فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ مِمَّا عُلِمَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ، أَنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ هُوَ الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الزَّمَانِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَذَلِكَ مَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. قَالُوا: عَلَى مِقْدَارِ الْبُكْرَةِ وَالْعَشِيِّ فِي الدُّنْيَا، وَفي الْآخِرَةِ يَوْم الْجُمُعَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ، وَالْجَنَّةُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرٌ، وَلَكِنْ تُعْرَفُ الْأَوْقَاتُ بِأَنْوَارٍ أُخَرَ، قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ تَظْهَرُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَالزَّمَانُ هُنَالِكَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ الَّتِي بِهَا تَظْهَرُ بِهَا تِلْكَ الْأَنْوَارُ.
وَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ سَيَّالٌ هُوَ الدَّهْرُ؟ هَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ، فَأَثْبَتَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَفْلَاطُونَ، كَمَا أَثْبَتُوا الْكُلِّيَّاتِ الْمُجَرَّدَةَ فِي الْخَارِجِ الَّتِي تُسَمَّى الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّة وَالْمُثُلَ الْمُطْلَقَةَ، وَأَثْبَتُوا الْهَيْوُلَى الَّتِي هِيَ مَادَّةٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الصُّوَرِ، وَأَثْبَتُوا الْخَلَاءَ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ يُقَدِّرُهَا الذِّهْنُ وَيَفْرِضُهَا؛ فَيَظُنُّ الْغَالِطُونَ أَنَّ هَذَا الثَّابِتَ فِي الْأَذْهَانِ، هُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَذْهَانِ، كَمَا ظَنُّوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ، مَعَ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ وُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ، وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ وَهِيَ الْأَعْيَانُ وَمَا يَقُومُ بِهَا مِنْ الصِّفَاتِ، فَلَا مَكَانَ إلَّا الْجِسْمَ أَوْ مَا يَقُومُ بِهِ، وَلَا زَمَانَ إلَّا مِقْدَارَ الْحَرَكَةِ، وَلَا مَادَّةَ مُجَرَّدَةً عَنْ الصُّوَرِ، بَلْ وَلَا مَادَّةَ مُقْتَرِنَةً بِهَا غَيْرُ الْجِسْمِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ، وَلَا صُورَةَ إلَّا مَا هُوَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْجِسْمِ، أَوْ مَا هُوَ جِسْمٌ يَقُومُ بِهِ الْعَرَضُ. الفتاوى الكبرى- ج5- ص 64-65-67.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس السابع والعشرون- المكان

في تفسير حقيقة المكان أقوال أشهرها هو:
1- المكان هو: السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهري من الجسم المحوي.
مثاله: الماء في الكأس، فسطح الماء الظاهر يماس سطح الكأس الباطن، فيكون الكأس مكانا للماء، وكذلك الطير في السماء يحيط به الهواء من جميع جهاته فتحصل المماسة، والتفاحة على الأرض يمسها من أسفل سطح الأرض ومن البقية سطوح الهواء، فيحاط بالجسم ستة سطوح.
وقول آخر وهو لأفلاطون ومن وافقه يقول إن المكان هو بعد مجرد، أي هو جوهر موجود روحاني تحل فيه الأشياء. فهو عنده الخلاء والفراغ الذي تحل فيه الأجسام ولكنه ليس شيئا موهوما بل هو موجود جوهري روحاني تقوم فيه الأشياء!
2- المكان هو: الفراغ الموهوم الذي يشغله الجسم. وهذا قول أكثر المتكلمين.
فكل جسم يشغل قدرا وحيزا من الفراغ، وسموه موهوما لأن الذهن يجرده من الأجسام النافذة فيه وإلا في الحقيقة الكون مليء.
فالمكان عند أرسطو عرض من الأعراض، وعند أفلاطون جوهر، وعند المتكلمين لا جوهر ولا عرض بل هو أمر اعتباري ذهني عدمي.
قال الشيخ الإمام: بَلْ لَفْظُ " الْمَكَانِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، كَمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فَوْقَ السَّطْحِ.
وَيُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِ، مِثْلُ كَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْجَوِّ، وَكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ، وَكَوْنِ الطَّيْرِ فَوْقَ الْأَرْضِ...
وَقَدْ يُرَادُ بِالْمَكَانِ مَا يَكُونُ مُحِيطًا بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ.
فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَكَانِ مُجَرَّدُ السَّطْحِ الْبَاطِنِ، أَوْ يُرَادَ بِهِ جَوْهَرٌ لَا يُحَسُّ بِحَالٍ، فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ ذَلِكَ بِلَفْظِ " الْمَكَانِ ".
وَذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ أَرِسْطُو بِلَفْظِ " الْمَكَانِ " عَرَضٌ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِلَفْظِ " الْمَكَانِ " فِي كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، وَلَا فِي كَلَامِ جَمَاهِيرِ الْأُمَمِ: عُلَمَائِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ. وَأَمَّا مَا أَرَادَهُ أَفْلَاطُنُ فَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَ وُجُودَهُ فِي الْخَارِجِ، وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. منهاج السنة- ج2-ص 351.
يقصد أن ما قالوه هو اصطلاح لهم وأما ما في كلام أئمة المسلمين وعامتهم من أهل اللغة والشرع فالمكان يراد به ما كان فوق الشيء سواء كان محتاجا إليه أم لا، ويراد به ما يكون محيطا بالشيء من جميع جوانبة كالكتاب في الصندوق.
وقال: وما ذكره ابن رشد في اسم المكان يتوجه عند من يسلم له مذهب أرسطو، وأن المكان هو السطح الداخل الحاوي المماس للسطح الخارج المحوي.
ومعلوم أن من الناس من يقول: إن للناس في المكان أقوالا آخر، منهم من يقول: إن المكان هو الجسم الذي يتمكن غيره عليه ومنهم من يقول: إن المكان هو ما كان تحت غيره وإن لم يكن ذلك متمكنا عليه ومنهم من يزعم أن المكان هو الخلاء وهو أبعاد.
والنزاع في هذا الباب نوعان: أحدهما معنوي، كمن يدعي وجود مكان هو جوهر قائم بنفسه ليس هو الجسم، وأكثر العقلاء ينكرون ذلك والثاني نزاع لفظي، وهو من يقول المكان من يحيط بغيره، يقول آخر: ما يكون غيره عليه أو ما يتمكن عليه. درء التعارض- ج6-ص 248-249.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثامن والعشرون- العلة والمعلول

العلة هي: ما يتوقف عليه الشيء. كالنار.
والمعلول هو: ما يفتقر في وجوده إلى غيره. كالحرارة.
والعلة تامة وناقصة.
فالتامة هي: ما يجب وجود المعلول عنده، أي هي جميع ما يتوقف عليه وجود الشيء.
والناقصة هي: ما لا يجب وجود المعول عنده، أي هي بعض ما يتوقف عليه وجود الشيء.
والعلة الناقصة على أربعة أقسام:
1- العلة الفاعلية وهي: ما يصدر عنه المعلول. كالنجار للسرير.
2- العلة الغائية وهي: ما لأجله وجود المعلول. كالنوم للسرير.
3- العلة المادية وهي: ما به الشيء بالقوة. كالخشب للسرير.
4- العلة الصورية وهي: ما به الشيء بالفعل. كالهيئة السريرية.
ويصطلح على الفاعل والغاية بالعلل الخارجية.
ويصطلح على المادة والصورة بالعلل الداخلية.
ومتى وجدت العلة التامة وجب وجود المعلول واستحال عدمه.
وهل يجب اقتران المعول بعلته زمانا ؟
قال الفلاسفة الدهرية: يجب اقتران المعلول بعلته.
وقال المتكلمون: يجب تأخر المعلول عن علته.
وقال أهل الإثبات: يجب أن يعقب المعلول علته ولا يجوز اقترانهما زمنا ولا تأخره عنهما.
قال الشيخ الإمام: فإن الناس لهم في مقارنة المعلول لعلته والمفعول لفاعله ثلاثة أقوال:
قيل: يجب أن يقارن الأثر ولتأثيره، بحيث لا يتأخر الأثر عن التأثير في الزمان، فلا يتعقبه ولا يتراخى عنه، وهذا قول هؤلاء الدهرية، القائلين بأن العالم قديم عن موجب قديم، وقولهم أفسد الأقوال الثلاثة، وأعظمها تناقضا، فإنه إذا كان الأثر كذلك لزم أن لا يحدث في العالم شيء، فإن العلة التامة إذا كانت تسلتزم مقارنة معلولها لها في الزمان، وكان الرب علة تامة في الأزل - لزم أن يقارنه كل معلول، وكل ما سواه معلول له: إما بواسطة، وإما بغير واسطة فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء..
وقيل: بل يجب تراخي الأثر عن المؤثر التام، كما يقوله أكثر أهل الكلام، ويلزم من ذلك أن يصير المؤثر مؤثرا تاما، بعد أن لم يكن مؤثرا تاماً، بدون سبب حادث، أو أن الحوادث تحدث بدون مؤثر تام، وأن الممكن يرجح وجوده على عدمه بدون المرجح التام. وهذا قول كثير من أهل الكلام.
والقول الثالث: أن المؤثر التام يستلزم وجود أثره عقبه، لا معه في الزمان، ولا متراخيا عنه، كما قال تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} (النحل: 40) وعلى هذا فيلزم حدوث كل ما سوى الرب، لأنه مسبوق بوجود التأثير، ليس زمنه زمن التأثير، والقادر المريد يستلزم مع وجود القدرة والإرادة وجود المقدور المراد، والقدرة والإرادة حاصلان قبل المقدور المراد، ومع وجود المقدور المراد هما مستلزمان له، وهذا قول أكثر أهل الإثبات. درء التعارض. ج3. ص62-63-64.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس التاسع والعشرون- التقابل

التقابل هو: كون الشيئين بحيث يمتنع اجتماعهما في وقت واحد، في محل واحد، من جهة واحدة.
كالسواد والبياض لا يجتمعان في ورقة واحدة أي في محل واحد في زمن واحد من جهة واحدة.
وكالأبوة والبنوة فزيد لا يمكن أن يكون أبا وابنا من جهة واحدة، فلا يمكن أن يكون أبا لعمرو وابنا له، ولكن يمكن من جهتين أن يكون أبا لعمرو وابنا لبكر.
وينقسم التقابل إلى أربعة أقسام- قيل إنها ثابتة بالاستقراء وقيل بل بالقسمة العقلية الحاصرة- هي:
أولا: تقابل التضاد: أن يكون المتقابلان وجوديين ولا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر. كالسواد والبياض.
ثانيا: تقابل التضايف: أن يكون المتقابلان وجوديين ويتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر. كالأبوة والبنوة.
قالوا والمراد بالوجودي هاهنا: ما لا يكون السلب والعدم جزءا من مفهومه. سواء أكان موجودا في الخارح أم لا، فالوجودي بهذا المعنى أعم من الموجود، فالعنقاء وشريك الباري مثلا وجوديان لا موجودان.
ثالثا: تقابل العدم والملكة: أن يكون أحد المتقابلين وجوديا والآخر عدميا قابلا للوجود كالبصر والعمى؛ فإن العمى عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا، والعين قابلة للبصر والعمى فلا يوصف الجدار بالعمى لأنه لا يقبل البصر.
رابعا: تقابل النقيضين أو تقابل السلب والإيجاب: أن يكون أحد المتقابلين وجوديا والآخر عدميا غير قابل للوجود أي لا يشترط أن يكون هنالك موضوع قابلا لكل منهما وذلك كالوجود والعدم.
مناقشة هذا التقسيم

أولا: هذا التقسيم غير حاصر لانتقاضه بتقسيم الموجود إلى واجب وممكن وقديم وحادث وجوهر وعرض ونحو ذلك فلا يجتمعان ولا يرتفعان مع أنهما وجوديان، وأنتم قلتم في تقابل النقيضين لا بد من اختلافهما بالسلب والإيجاب.
قال الشيخ الإمام: ( والرد عليهم من وجوه الوجه الأول: أن هذا التقسيم غير حاصر، فإنه يقال للموجود: إما أن يكون واجبا بنفسه وإما أن يكون ممكنا بنفسه، وهذا- الوجوب والإمكان- لا يجتمعان في شيء واحد- بحسب التقدير الذي قدره الدكتور السعوي محقق التدمرية للسقط في هذا المحل، وهو تقدير موفق يشهد له كلام الشيخ ) من جهة واحدة، ولا يصح اجتماعهما في الصدق ولا في الكذب، إذ كون الموجود واجبا بنفسه وممكنا بنفسه لا يجتمعان ولا يرتفعان.
فإذا جعلتم هذا التقسيم ( لعل الصواب القسم كما قال المحقق ) وهما النقيضان ما لا يجتمعان ولا يرتفعان، فهذان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وليس هما السلب والإيجاب، فلا يصح حصر النقيضين اللذين لا يجتمعان ولا يرتفعان في السلب والإيجاب. وحينئذ فقد ثبت وصفان: شيئان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وهو خارج عن الأقسام الأربعة. التدمرية- ص154.
ثانيا: أن هذا التقسيم متداخل لأننا إذا قلنا: المثلث إما موجود وإما معدوم، يكون المثلث باعتباره كونه ممكنا يقبل الوجود والعدم، فينطبق عليها تعريف تقابل العدم والملكة، مع أنه ليس كذلك.
قال الشيخ: الوجه الثاني - أن يقال: هذا التقسيم يتداخل، فإن العدم والملكة يدخل في السلب والإيجاب، وغايته أنه نوع منه، والمتضايفان يدخلان في المتضادين، وإنما هو نوع منه... فالممكنات التي تقبل الوجود والعدم، كقولنا: المثلث إما موجود وإما معدوم، يكون من قسم العدم والملكة، وليس كذلك، فإن ذلك القسم يخلو فيه الموصوف الواحد عن المتقابلين جميعا، ولا يخلو شيء من الممكنات عن الوجود والعدم.
... فعلى هذا إذا قلنا: زيد إما عاقل وإما غير عاقل، وإما عالم وإما ليس بعالم، وإما حي وإما غير حي، وإما ناطق وإما غير ناطق، وأمثال ذلك مما فيه سلب الصفة عن محل قابل لها، لم يكن هذا داخلا في قسم تقابل السلب والإيجاب.
ومعلوم أن هذا خلاف المعلوم بالضرورة، وخلاف اتفاق العقلاء، وخلاف ما ذكروه في المنطق وغيره.
ومعلوم أن مثل هذه القضايا تتناقض بالسلب والإيجاب على وجه يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، فلا يجتمعان في الصدق والكذب، فهذه شروط التناقض موجودة فيها.
وغاية فرقهم أن يقولوا: إذا قلنا: هو إما بصير وإما ليس ببصير، كان إيجابا وسلبا، وإذا قلنا: إما بصير وإما أعمى، كان ملكة وعدما، وهذا منازعة لفظية، وإلا فالمعنى في الموضعين سواء، فعلم أن ذلك نوع من تقابل السلب والإيجاب. التدمرية- ص 155- ص 156- ص 158.
ثالثا: التقسيم الدقيق هو أن يقال: المتقابلان إما أن يختلفا بالسلب والإيجاب، وإما لا، فالأول هما النقيضان ومنه العدم والملكة فهو نوع منه، والثاني إما أن يمكن خلو المحل عنهما، وإما لا، الأول الضدان ومنه المتضايفان فهو نوع منه، والثاني هما في معنى النقيضين وإن كانا ثبوتيين كالقيام بالنفس والقيام بالغير.
قال الشيخ: الوجه الثالث - أن يقال: التقسيم الحاصر أن يقال: المتقابلان إما أن يختلفا بالسلب والإيجاب، وإما أن لا يختلفا بذلك، بل يكونان إيجابين أو سلبين، فالأول هو النقيضان، والثاني: إما أن يمكن خلو المحل عنهما، وإما أن لا يمكن، والأول هما الضدان كالسواد والبياض، والثاني هما في معنى النقيضين وإن كانا ثبوتَين كالوجوب والإمكان، والحدوث والقدم، والقيام بالنفس والقيام بالغير، والمباينة والمجانبة، ونحو ذلك. التدمرية- ص 159.
رابعا: أن قولكم: تقابل العدم والملكة يرتفعان في محل آخر نحو: الحيوان: إما حي وإما ميت، فيرتفعان في الجدار مثلا فلا هو حي ولا ميت؛ لأنه غير قابل لهما، نقول: هذا اصطلاح لكم والعرب والكتاب والسنة تسمي غير الحي ميتا.
قال الشيخ الإمام: الوجه الرابع أن يقال لهؤلاء قولكم: إن هذين يتقابلان تقابل العدم والملكة اصطلاح اصطلحتموه وإلا فكل ما لا حياة فيه يسمى مواتا وميتا قال الله تعالى {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} فسمى الأصنام الجامدات أمواتا وتسمى الأرض مواتا كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحيا أرضا ميتة فهي له. الصفدية- ج1- ص 95.
خامسا: قولكم الجماد لا يقبل الحياة باطل فإن الله سبحانه قد قلب العصا حية تسعى وأخرج من الحجر ناقة لقوم صالح.
قال الشيخ: الوجه الخامس أن يقال كل عين من الأعيان تقبل الحياة فإن الله قادر على خلق الحياة وتوابعها في كل شيء. الصفدية- ج1 – ص 96.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثلاثون- البسيط والمركب

المركب هو: ما له أجزاء. كالماء مركب من أوكسجين وهيدروجين.
والتركيب عندهم خمسة أقسام:
1- التركيب من المادة والصورة. كالجوهر الجسماني.
2- التركيب من الجنس والفصل. كتركب ماهية الإنسان من الحيوان والناطق.
3- التركيب من الأجزاء العنصرية والذرية، كتركب الماء من أوكسجين وهيدروجين.
4- التركب من وجود وماهية، وهذا يعم كل موجود ولذا قالوا كل ممكن زوج تركيبي من الوجود والماهية.
5- التركب من الذات والصفات.
وزاد بعضهم التركب من الأجزاء المقدارية، كتركب الأعداد كتركب العشرة من وحداتها، وكتركب الكم المتصل كأجزاء الخط والسطح والحجم والزمان.
ويقسمون التركيب قسمة أخرى إلى:
أولا: تركيب ذهني وهو: التركيب من الأجزاء الذهنية. وهو التركب من الجنس والفصل، والتركب من الوجود والماهية فإن الممكن يحلله الذهن إلى وجود وماهية وإن كان في الخارج شيء واحد.
ثانيا: تركيب خارجي وهو: التركيب من الأجزاء الخارجية. وهو يشمل البقية.
وأما البسيط فهو: الذي لا أجزاء له. كالنقطة.
وقد يكون بسيطا من جهة ومركبا من جهة أخرى فمثلا الأجناس العالية من المقولات لا جنس له فهي بسيطة لا جنس لها ولا فصل، ولكنها مركبة من وجود وماهية.
ومن أمثلة البسيط عندهم العقول العشرة.
قال الشيخ الإمام: فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب وقد بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من إجمال فان التركيب خمسة أنواع ( كما ذكره ابن سينا وغيره ): أحدها: تركب الذات من وجود وماهية والثاني: تركيبها من وصف عام ووصف خاص كالمركب من الجنس والفصل والثالث: تركيب من ذات وصفات والرابع: تركيب الجسم من المادة والصورة والخامس: تركيبه من الجواهر المنفردة.
وقد بينا أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل وأما تركيب الجسم من هذا وهذا فأكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة لم يبق إلا ذات لها صفات.
وقد بينا أن المركب يقال على ما ركبه غيره وعلى ما كانت أجزاؤه متفرقة فاجتمعت وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا وهذه الأنواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين باتفاق المسلمين.
وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا وهذا اصطلاح لهم وحقيقة الأمر تعود إلى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا اصطلاح لهم والنظر إنما هو في المعاني العقلية وأما الألفاظ فان وردت عن صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة وإلا لم يلتفت إلى من أخذ يعبر عن المعاني الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة توهم معاني فاسدة وقيل لهم البحث في المعاني لا في الألفاظ كما بسط في موضعه. الرد على المنطقيين- ص 314-315.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

رد: تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الحادي والثلاثون- في الكلام على الباري

يبحث الفلاسفة عن واجب الوجود وعن صفاته ويسمون هذا المبحث بالإلهيات بالمعنى الأخص، في قبال الإلهيات بالمعنى الأعم التي هي الأمور العامة التي تقدم الكلام عليها كتقسيم الوجود إلى واجب وممكن وقديم وحادث وعلة ومعلول ونحو ذلك.
وأول أمر يتم البحث فيه هو إقامة البرهان على وجود الخالق.
وقبل ذلك ننبه لأمر ذكره الإمام قال: وأما الفلاسفة؛ فهم في الإلهيات كلامهم قليل، وعلمهم نزر، وعامة كلام أئمتهم كأرسطو وذويه إنما هو في الطبيعيات والرياضيات، وأما كلامهم في الإلهيات؛ فهو قليل مضطرب؛ لأن هذا الباب كان فوق عقولهم. وقد اعترف حذّاقهم بأنه لا سبيل لهم فيه إلى اليقين، وإنما يؤخذ ( في المطبوع يوجد ) فيه بالأولى والأحرى. وإنما كثّر الكلام في الإلهيات من اتصل بأهل الملل؛ فبلغوا منهم أشياء زادوها في فلسفة قدمائهم. مسألة حدوث العالم. ص 158.
وقال: وهذا الرجل ( أرسطو ) وأتباعه إنما عامة كلامهم في الطبيعيات فهي علم القوم الذي شغلوا به زمانهم.
وأما الإلهيات فكلام الرجل فيها وأتباعه قليل جدا إلى غاية ولكن ابن سينا وأمثاله خلطوا كلامهم في الإلهيات بكلام كثير من متكلمي أهل الملل فصار للقوم كلام في الإلهيات، وصار ابن سينا وابن رشد الحفيد وأمثالهما يقربون أصول هؤلاء إلى طريقة الأنبياء ويظهرون أن أصولهم لا تخالف الشرائع النبوية، وهم في الباطن يقولون أن ما أخبرت به الرسل عن الله وعن اليوم الآخر لا حقيقة له في نفس الأمر وإنما هو تخييل وتمثيل وأمثال مضروبة لتفهيم العامة ما ينتفعون به في ذلك بزعمهم وإن كان مخالفا للحق في نفس الأمر وقد يجعلون خاصة النبوة هي التخييل ويزعمون أن العقل دل على صحة أصولهم.
وأكثر الناس لا يجمعون بين معرفة حقيقة ما جاءت به الرسل وحقيقة قول هؤلاء ولا يعقلون لوازم قولهم التي بها يتبين فساد قولهم بالعقل الصريح. ثم إن كثيرا من الناس أخذ مذاهبهم فغير عباراتها وربما عبر عنها بعبارات إسلامية حتى يظن المستمع أن قول هؤلاء هو الحقيقة التي بعثت بها الرسل ودلت عليها العقول كما فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا وأصحاب دعوة القرامطة الباطنية حيث عبروا بالسابق والتالي عن العقل والنفس... الصفدية. ج1- ص 237.
دليل أرسطو

ودليله مبني على وجود حركة الأفلاك القديمة، وأن تلك الحركة القديمة الأزلية لا بد لها من محرك، هو علتها الغائية فهي تتحرك لتتشبه به وبذلك يثبت المبدأ الأول.

برهان ابن سينا

ذكر ابن سينا دليلا على الواجب اعتبره أحكم البراهين وسماه برهان الصديقين وهو:
الموجود إما أن يكون واجب الوجود أو ممكن الوجود، فإن كان واجب الوجود فقد ثبت المطلوب، وإن كان ممكن الوجود فلا بد أن ينتهي إلى واجب الوجود حتى لا يلزم الدور أو التسلسل.
وهو كما ترى منتحل من دليل المتكلمين المستدلين بالحدوث على المحدث وصورة دليلهم: الموجود إما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان قديما فقد ثبت المطلوب، وإن كان حادثا فلا بد أن ينتهي إلى قديم حتى لا يلزم الدور أو التسلسل.
نقد ابن تيمية​

قال: وَمَا يَذْكُرُهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ يُحَرِّكُ الْفَلَكَ حَرَكَةَ الْمَعْشُوقِ لِعَاشِقِهِ، وَأَنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَأَنَّهُ بِذَلِكَ عِلَّةُ الْعِلَلِ وَبِهِ قِوَامُ الْفَلَكِ، إِذْ كَانَ قِوَامُ الْفَلَكِ بِحَرَكَتِهِ، وَقِوَامُ حَرَكَتِهِ بِإِرَادَتِهِ وَشَوْقِهِ، وَقِيَامُ إِرَادَتِهِ وَشَوْقِهِ بِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ السَّابِقِ الْمُرَادَ الَّذِي تَحَرَّكَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، فَهَذَا الْكَلَامُ - مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الَّذِي بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - غَايَتُهُ إِثْبَاتُ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ لِحَرَكَةِ الْفَلَكِ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ... فَلَمَّا رَأَى ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا فِيهَا مِنَ الضَّلَالِ عَدَلُوا إِلَى طَرِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَسَرَقُوهَا مِنْ طَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْمُحْدِثِ، فَاحْتَجَّ أُولَئِكَ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ تَعْيِينِهِ فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ ( فمثلا الدهريون يقولون بقدم العالم وأنه واجب الوجود بنفسه فغاية دليل ابن سينا إثبات واجب وهذا محل تسليم ولكن هل هذا الواجب هو رب العالمين الحي القيوم هذا لا يفيده برهان صديقيهم! ) وَهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَةَ التَّرْكِيبِ ( وهي إثبات أن الواجب الذي يتحدثون عنه ليس مركبا من ذات وصفات وإلا لكان مفتقرا إلى أجزائه والفقير لا يكون واجبا ) وَهِيَ أَيْضًا مَسْرُوقَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَكَلَامُ أَرِسْطُو فِي الْإِلَهِيَّاتِ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ مَعَ كَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ وَسَّعُوهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَأَسْرَارِ الْآيَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، بَلْ وَفِي مَعَادِ الْأَرْوَاحِ بِكَلَامٍ لَا يُوجَدُ لِأُولَئِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَابِ فَجَرَوْا فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا فِيهِ مِنْ خَطَأٍ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الْفَاسِدَةِ.
وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي الْوَحْيِ وَالْمَنَامَاتِ وَأَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ أَمْرُ ذَكَرَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ قَبْلَهُ الْمَشَّاؤونَ سَلَفُهُ. منهاج السنة. ج1- ص 346- 347-348.
وقال: هذا مع أن إثبات الموجود الواجب الغني الخالق، وإثبات الموجود الممكن المحدث الفقير المخلوق هو من أظهر المعارف وأبين العلوم. أما ثبوت الموجود المفتقر المحدث الفقير، فيما نشاهده من كون بعض الموجودات يوجد بعد عدمه، ويعدم بعد وجوده، من الحيوانات والنباتات والمعدن، وما بين السماء والأرض من السحاب والمطر والرعد والبرق وغير ذلك، وما نشاهده من حركات الكواكب، وحدوث الليل بعد النهار، والنهار بعد الليل، فهذا كله فيه من حدوث موجود بعد عدمه، ومعدوم بعد وجوده ما هو مشهود لبني أدم يرونه بأبصارهم.
ثم إذا شهدوا ذلك فنقول: معلوم أن المحدثات لا بد لها من محدث. والعلم بذلك ضروري كما قد بين ولا بد من محدث لا يكون محدثا وكل محدث ممكن والممكنات لا بد لها من واجب، وكل محدث وممكن فقير مربوب مصنوع والمفتقرات لا بد لها من غني والمربوبات لا بد لها من رب والمخلوقات لا بد لها من خالق.
وأيضا فإنه يقال: هذا الموجود إما أن يكون واجبا بنفسه وإما أن لا يكون واجبا بنفسه بل ممكنا بنفسه فهو واجبا بغيره والممكن بنفسه الواجب بغيره لا بد له من واجب بنفسه فلزم ثبوت الواجب بنفسه على التقديرين.
وأيضا فالموجود: إما أن يكون محدثا وإما أن يكون قديما والمحدث لا بد له من قديم فلزم وجود القديم على التقديرين.
وأيضا فالموجود إما إن يكون مخلوقا وإما أن لا يكون والمخلوق لا بد له من خالق، فيلزم ثبوت الموجود الذي ليس بخالق على التقديرين.
وأيضا فإما أن يكون خالقا وإما أن لا يكون وقد علم فيما ليس بخالق- كالموجودات التي علم حدوثها- أنها مخلوقة والمخلوق لا بد له من خالق فعلم ثبوت الخالق على التقديرين.
وأيضا فالموجود إما غني عن كل ما سواه وإما مفتقر إلى غيره والفقير إلى غيره لا بد له من غنى بنفسه فعلم ثبوت الغني بنفسه على التقديرين.
فهذه البراهين وأمثالها كل منها يوجب العلم بوجود الرب سبحانه وتعالى الغني القديم الواجب بنفسه.
وابن سينا وأتباعه كالرازي والآمدي والسهروردي المقتول وأتباعهم سلكوا في إثبات واجب الوجود طريقة الاستدلال بالوجود وعظموها وظن من ظن منهم أنها أشرف الطرق وأنه لا طريق إلا وهو يفتقر إليها حتى ظنوا أن طريقة الحدوث مفتقرة إليها. وكل ذلك غلط بل هي طريقة توجب إثبات واجب الوجود بلا ريب لو كانوا يفسرون الممكن بالممكن الذي هو ممكن عند العقلاء سلفهم وغير سلفهم وهو الذي يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى.
فأما إذا فسر الممكن بالممكن الذي ينقسم إلى قديم واجب بغيره وإلى محدث مسبوق بالعدم كما هو قول ابن سينا وأتباعه فلا يصح لهم على هذا الأصل الفاسد لا إثبات واجب بنفسه ولا إثبات ممكن يدل على الواجب بنفسه.
وهذه الطريقة هي في الحقيقة مأخوذة من طريقة الحدوث
وطريقة الحدوث أكمل وأبين فإن الممكن الذي يعلم أنه ممكن هو ما علم أنه وجد بعد عدمه، أو عدم بعد وجوده.
هذا الذي اتفق العقلاء على أنه ممكن، وهو الذي يستحق أن يسمى ممكنا بلا ريب وهذا محدث فإذًا كل ممكن محدث... درء تعارض العقل والنقل. ج3- 265-266-267-268.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في الفلسفة تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

الدرس الثالث والثلاثون- التوحيد والصفات

التوحيد عند الفلاسفة يعنون به ما يلي:
1- التوحيد في وجوب الوجود ويعنون به إلا أن يكون للمفهوم الكلي واجب الوجود إلا مصداق واحد في الخارج.
2- التوحيد بمعنى نفي التركيب عن الواجب كالتركيب من أجزاء حسية أو من ذات وماهية أو من ذات وصفات.
وأما التوحيد في الأفعال فهم لا يثبتون له إلا خلقا واحدا؛ لأن الواحد لا يصدر منه إلا واحد وهو العقل الأول والباقي تنسب إلى المبدأ الأول بالواسطة؛ لأن علة العلة علة.
وأما الصفات فلا يثبتون له إلا الصفات السلبية مثل ليس بمركب وليس بجسم وليس بجاهل، والصفات الإضافية مثل الخلق والإيجاد، وأما الصفات الثبوتية فلا يصفونه بها سبحانه على المعنى الذي يتصوره مثبتة الصفات وإنما يقولون علمه عين قدرته عين إرادته وهي عين ذاته فلا فرق بين الذات والصفات لئلا يلزم تركب الواجب، فمثلا إذا قلنا: النار حارة. فهنالك في الخارج مصداق لذات النار ومصداق للحرارة العرضية القائمة بذات النار، وأما الحق سبحانه فليس صفاته زائدة على ذاته بل هي عين الذات فكل تلك الصفات كثرتها في الذهن فقط وأما في الخارج فلا يوجد إلا ذات بسيطة.
هذا خلاصة ما ذكروه ها هنا في هذا المقام.
وهذا هو توحيد القوم وهب أن ما ذكروه صحيح فهل هذا هو التوحيد الذي ينجي صاحبه من النار؟ وهل بعث الله الرسل ليخبروا أن الواحد هو البسيط غير المركب وأنه ليس له صفات حقيقة وأن يجب أن ينفوا عنه الكم المتصل والمنفصل؟ وأين الدعوة إلى إفرادة الله بالعبادة والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة الذي دعت إليه الرسل وملئت به الكتب السماوية ؟!
قال الشيخ الإمام: قلت: ليس مراد ابن سينا بالتوحيد الذي جاءت به الرسل، وهو عبادة الله وحدة لا شريك له، مع ما يتضمنه من أنه لا رب لشيء من الممكنات سواه، فإن إخوانه من الفلاسفة من أبعد الناس عن هذا التوحيد، إذ فيهم من الإشراك بالله تعالى، وعبادة ما سواه، وإضافة التأثيرات إلى غيره، ما هو معلوم لكل من عرف حالهم. ولازم قولهم: إخراج الحوادث كلها عن فعله.
وإنما مقصوده التوحيد الذي يذكره في كتبه، وهو نفي الصفات، وهو الذي شارك فيه المعتزلة، وسموه أيضا توحيدا.
وهذا النفي الذي سموه توحيدا، لم ينزل به كتاب، ولا بعث به رسول، ولا كان عليه أحد من سلف الأئمة وأئمتها، بل هو مخالف لصريح المعقول، مع مخالفته لصحيح المنقول. درء تعارض العقل والنقل. ج8- 246-247.
وقال: وَقَدْ رَأَيْت مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْمَلَائِكَةِ وَعِبَادَةِ الْأَنْفُسِ الْمُفَارِقَةِ - أَنْفُسِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ - مَا هُوَ أَصْلُ الشِّرْكِ. وَهُمْ إذَا ادَّعَوْا التَّوْحِيدَ فَإِنَّمَا تَوْحِيدُهُمْ بِالْقَوْلِ؛ لَا بِالْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ. وَالتَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوْحِيدِ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ للهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُونَهُ. وَالتَّوْحِيدُ الَّذِي يَدَّعُونَهُ: إنَّمَا هُوَ تَعْطِيلُ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْإِشْرَاكِ. فَلَوْ كَانُوا مُوَحِّدِينَ بِالْقَوْلِ وَالْكَلَامِ - وَهُوَ أَنْ يَصِفُوا اللَّهَ بِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ - لَكَانَ مَعَهُمْ التَّوْحِيدُ دُونَ الْعَمَلِ. وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ الله وَحْدَهُ وَيُتَّخَذَ إلَهًا؛ دُونَ مَا سِوَاهُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ: " لَا إلَهَ إلَّا الله" فَكَيْفَ وَهُمْ فِي الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ مُعَطِّلُونَ جَاحِدُونَ؛ لَا مُوَحِّدُونَ وَلَا مُخْلِصُونَ؟. وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ: فَلَيْسَ فِيهِ لِلْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ وَذَوِيهِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ. وَاَلَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْمِلَلِ مِنْهُمْ آمَنُوا بِبَعْضِ صِفَاتِ الرُّسُلِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ. وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ: فَأَحْسَنَهُمْ حَالًا مَنْ يُقِرُّ بِمَعَادِ الْأَرْوَاحِ دُونَ الْأَجْسَادِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ الْمَعَادَيْنِ جَمِيعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِمَعَادِ الْأَرْوَاحِ الْعَالِمَةِ دُونَ الْجَاهِلَةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِمُعَلِّمِهِمْ الثَّانِي أَبِي نَصْرٍ الْفَارَابِيِّ. وَلَهُمْ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا فِيهِ إلَى الصَّوَابِ.
وَقَدْ أَضَلُّوا بِشُبُهَاتِهِمْ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمِلَلِ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا الله. نقض المنطق. ص 296-297.
وقال: وَعُمْدَةُ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ عَلَى نَفْيِهَا ( أي الصفات ) هِيَ حُجَّةُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئَيْهِ، وَجُزْءَاهُ غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى إِبْطَالِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ أَنَّ لَفْظَ " التَّرْكِيبِ " وَ " الْجُزْءِ " وَ " الِافْتِقَارِ " وَ " الْغَيْرِ " أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ. فَيُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ مَا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، وَمَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، والله سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتٍ لَازِمَةٍ لَهَا، فَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي هَذَا تَرْكِيبًا، كَانَ هَذَا اصْطِلَاحًا لَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمُرَكَّبِ. وَالْبَحْثُ إِذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى اللَّفْظِ فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّكُمْ سَمَّيْتُمْ هَذَا تَرْكِيبًا فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى نَفْيِهِ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَاظَرَهُمْ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي " التَّهَافُتِ ".... فَهَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ، مُؤَلَّفَةٌ مِنْ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ. فَإِذَا قَالُوا:
" لَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ لكانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئِهِ، وَجُزْؤُهُ غَيْرُهُ وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ".
قِيلَ لَهُمْ: قَوْلُكُمْ: " لَكَانَ مُرَكَّبًا " إِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ: لَكَانَ غَيْرُهُ قَدْ رَكَّبَهُ، أَوْ لَكَانَ مُجْتَمِعًا بَعْدَ افْتِرَاقِهِ، أَوْ لَكَانَ قَابِلًا لِلتَّفْرِيقِ، فَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هُوَ فِي الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا، فَإِنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَهُوَ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ، وَحَيَاتُهُ وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ صِفَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ.
وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْمُرَكَّبِ الْمَوْصُوفَ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. قِيلَ لَكُمْ : وَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؟
قَوْلُهُمْ: " وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ ". قِيلَ: أَمَّا الْمُرَكَّبُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَا يُبَايِنُهُ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى الله. وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ مُرَكَّبًا، فَلَيْسَ فِي اتِّصَافِهِ هُنَا بِهَا مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى مُبَايِنٍ لَهُ. فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ غَيْرُهُ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِهَا، وَهَذَا افْتِقَارٌ إِلَيْهَا. قِيلَ لَكُمْ : إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ: " هِيَ غَيْرُهُ " أَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لَهُ، فَذَلِكَ بَاطِلٌ . وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهُ، قِيلَ لَكُمْ : وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟
فَإِذَا قُلْتُمْ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا.
قِيلَ: أَتُرِيدُونَ بِالِافْتِقَارِ أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى فَاعِلٍ يَفْعَلُهُ، أَوْ مَحَلٍّ يَقْبَلُهُ؟ أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا؟ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِي، قِيلَ: وَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟... منهاج السنة. ج2- ص 164 إلى ص 168.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,652
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في الفلسفة تعليقات على مواضع من كلام الإمام ابن تيمية في العقليات

وبه نختم الكلام ختم الله لنا بالحسنى والحمد لله رب العالمين.
( أنصح الإخوة بالرجوع لنسخة البي دي أف فثم بعض الأوهام اليسيرة أبقيتها بحالها ولم أعدلها ).
 
أعلى