فشُعَبُ الإيمان المتعدِّدة بعضها دعائم وأصول؛ يزول الإيمان بزوالها، مثل: إنكار الإيمان باليوم الآخر، كما قال الله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [التغابن:٧].
وبعضها فروع لا يزول الإيمان بزوالها، وإن كان يوجب تركها نقصًا في الإيمان أو فسقًا.
مثل: عدم إكرام الجار؛ كما قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»([1]).
ومثله: عدم احتقار الهديَّة ولو صغرت؛ كما قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ»([2]).
ومثلها: ما رواه أبو ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قال: قال رَسُولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلاَلِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» ([3]).
وعلى ذلك تتعدَّدُ شُعَبُ الإيمان وتتفاوت؛ كشأن الأعمال الصَّالحة المتفاوتة زمانًا ومكانًا وحالًا، وقد يجتمع في الإنسان شُعَبُ إيمان، وشُعَبُ نفاق، فيستحقُّ بشُعَبِ النِّفاق العذاب، ولا يخلَّد في النَّار؛ لما في قلبه من الإيمان، ومن هذه حاله لا يستحقُّ اسم الإيمان المطلق؛ المعلَّق به الوعد بالجنَّة والرَّحمة في الآخرة، والنَّجاة من العذاب، مع تفاوت أصحاب هذا الإيمان المطلق في درجاتهم.
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (8/11)، كتاب: الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، برقم: (6019).
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (3/153)، كتاب: كتاب الهبة وفضلها والتَّحريض عليها، برقم: (2566)، ومسلم (2/714)، كتاب: الزَّكاة، باب الحثِّ على الصَّدقة، ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره، برقم: (1030).
قوله:
«فِرْسِنَ شَاةٍ»، أي: ما دون الرِّسغ من يدها، وقيل هو عظمٌ قليل الَّلحم، والمقصود المبالغة في الحثِّ على الإهداء، ولو في الشَّيء اليسير، وخصَّ النِّساء بالخطاب؛ لأَنَّهنَّ يغلب عليهنَّ استصغار الشَّيء اليسير، والتَّباهي بالكثرة، وأشباه ذلك.
([3]) أخرجه التِّرمذي في سننه (4/339)، أبواب: البرِّ والصِّلة عن رسول الله e، باب: ما جاء في صنائع المعروف، برقم: (1956)،
وقال التِّرمذي: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)، وصحَّحه الألباني.