العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما رأيكم في تأصيل الشيخ الغرياني لمسألة إسبال الثوب

إنضم
16 نوفمبر 2008
المشاركات
142
التخصص
هندسة كهرباء
المدينة
غريان
المذهب الفقهي
مالكي
besm3.gif




السؤال



سؤالي هو أن فضيلتكم أفتيتم حول مسألة الإسبال بأنها خلافية وأجزتم كما فهمت بأنها ليست حراما إذا لم تكن خيلاء.مع كل الأدلة والأحاديث الصحيحة التي وردت في الإزار والتي منها بما معناه(ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) و (ثلاثة لاينظر الله إليهم وذكر المسبل) وغيرها. مع صراحة الأحاديث وشدت تخويفها من الإسبال كيف يمكن أن تكون خلافية أو يتم تاويلها . والسلام عليكم ورحمة الله وكل غايتي أن أفهم وليس الجدال والمراء






الجواب






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أحاديث التحذير من الإسبال، منها ما هو مطلق، كحديث: (مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ)، ومنها ما هو مقيّد بالخيُلاء، كحديث الموطأ وغيره: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)( البخاري حديث رقم 3665)، وكحديث أبي بكر حين شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أحد شقَّيْ ثيابه يسترخي، فقال له: (إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاءَ) (البخاري)، وكخروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس يجر ثوبه مستعجلا (البخاري حديث رقم 5785، وانظر التمهيد 3/249)، فإن هذه الأحاديث المقيَّدة تدل على أن الإسبال لغير الخيلاء غير داخل في النهي، وذلك بحمل المطلق على المقيَّد. قال البويطي في مختصره عن الشافعي: (لا يجوز السبل في الصلاة، ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء) (نيل الأوطار شرح حديث رقم 585). قال ابن عبد البر في شرح حديث الموطأ السابق: (هذا الحديث يدل على أن من جرّ إزاره من غير خيلاء ولا بطر، أنه لا يلحقه الوعيد المذكور، غير أن جرَّ إزار القميص وسائرِ الثياب مذموم على كل حال) (التمهيد 3/244). وقال الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي يجر ثوبه خيلاء) يقتضي تعلق هذا الحكم بمن جرّه خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو لعذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد) (المنتقى 7/226). وقال ابن بطال في شرحه للبخاري: (في حديث أبي بكر بيان أن من سقط ثوبُه بغير قصده وفعلِه، ولم يقصد بذلك الخيلاء، فإنه لا حرج عليه في ذلك... ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم جرّ ثوبه حين استعجل المسير إلى صلاة الخسوف، وهو مبيِّن لأمته بقوله وفعله، وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يكره أن يجرّ الرجل ثوبه على كل حال، وهذه من شدائد ابن عمر، لأنه لم تخف عليه قصة أبي بكر، وهو الراوي لها، والحجة في السنة، لا في ما خالفها) (شرح البخاري لابن بطال 9/78). وقال القاضي عياض: (قوله خيلاء، دل أن النهي إنما تعلق لمن جرَّه لهذه العلة، فأما لغيرها فلا، من استعجال الرجل لحاجته، وجرَّ ثوبه خلفه، أو من قلة ثياب ردائه على كتفيه فلا حرج، وقد جاءت في ذلك كلِّه أحاديث صحيحة في الرخصة، وكذلك إن كان جرَّه خيلاء على الكفار أو في الحرب لأن فيه إعزازاً للإسلام) (إكمال المعلم لفوائد مسلم 6/598). وفي شرح الحديث نفسه عند مسلم يقول النووي: (وظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خُيلاء تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء، وهكذا نص الشافعي على الفرق) (النووي على مسلم 14/62، 2/116، والمفهم 1/303، ومرقاة المفاتيح 8/129)،


ثم قسّم هيئة الإزار إلى سُنّة، وهو ما كان إلى نصف الساق، وجائزٍ، وهو ما دون ذلك إلى الكعبين، ومكروه، وهو ما دون الكعبين لغير الخيلاء، وحرام وهو ما كان أسفل الكعبين للخيلاء. وفي حديث مسلم في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، وذكر فيهم المسبل إزاره، قال القرطبي: (أي الجارُّه خيلاء كما جاء في الحديث الآخر مقيَّدا مفسَّرا... ويدل هذا الحديث بمفهومه على أن من جر ثوبه على غير وجه الخيلاء لم يدخل في هذا الوعيد) (المفهم 1/303). وفي الإنصاف، لخّص المرداوي الصحيح عند الحنابلة بعد أن ذكر الخلاف في حمل كراهة الإسبال على وجه الخيلاء على التحريم أو التنزيه قال: (يجوز الإسبال من غير خيلاء لحاجة) (الإنصاف 1/ 472). وقال العيني في (عمدة القارئ) عند شرح حديث جرّ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه حين خرج مستعجلا لصلاة الكسوف، قال: (فيه دلالة على أن جرّ الإزار إذا لم يكن خُيلاء جائز، وليس عليه بأس) (عمدة القارئ 21/296). وقال الحافظ في الفتح: (أما إن كان الثوب على قدر لابسه، ولكن يسدله، فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولا سيما إن كان من غير قصد، كالذي وقع لأبي بكر رضي الله عنه، وإن كان الثوب زائدا حتى لامس الأرض، فإنه مذموم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجر) (فتح الباري 11/436). وهذا فيما يبدو هو مقصود ابن عبد البر في قوله السابق بالذم لمن جر ثوبه على كل حال، فإن المراد به الثوب الذي يُلامس الأرض، الزائدُ على قدر لابسه، لما فيه من السّرف والتشبّه بالمتكبرين، وإن لم يكن منهم، ولما فيه من التشبّه بالنساء، وأنه لا يؤمن تعلق النجاسة به. وقال القاري في المرقاة: (قال ابن الملك: ويُفهم منه أن جره لغير ذلك لا يكون حراما، لكنه مكروه كراهة تنزيه) (مرقاة المفاتيح 8/128)، وقال: (والمعنى أن استرخاءه من غير قصد لا يضر لا سيما ممن لا يكون من شيمته الخيلاء، ولكن الأفضل هو المتابعة، وبه يظهر أن سبب الحرمة في جر الإزار هو الخيلاء كما هو مقيد في الشرطية من الحديث المُصدَّر به) (مرقاة المفاتيح 8/170). وقال الشوكاني بعد أن ذكر الأحاديث التي أطلقت المنع، وقولَ ابن العربي الذي يرى أن الإسبال لا يكون إلا للخيلاء، وأنه متوعّد عليه مطلقا، قال: (قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ... لستَ ممن يفعل ذلك، هو تصريح بأن مناط التحريم الخُيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره، فلا بد من حمل قوله: ـ (فإنها المخيلة) في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجِّها إلى من فعل ذلك اختيالا، والقولُ بأن كل إسبال من المَخيلة ـ أخذا بظاهر حديث جابر ـ تَردُّه الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم حضور الخيلاء بباله، ويردُّه ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث، وعدمُ إهدار قيد الخيلاء المصرَّح به في الصحيحين، وحملُ المطلق على المقيَّد واجب) (نيل الأوطار حديث رقم 585). وحديث جابر الذي أشار إليه الشوكاني هو ما خرجه أبو داود وغيره من حديث جابر بن سليم، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (... وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ) (أبو داود حديث رقم 4084). وقد روى ابن أبي شيبة بسند جيد أن عبد الله بن مسعود كان يُسبل إزاره ويقول: (إني رجل حَمْش الساقين) (مصنف ابن أبي شيبة 6/27) ـ أي دقيقُهما ـ قال ابن عبد البر: (لعله أذن له كما أذن لِعَرْفَجة أن يتخذ أنفا من ذهب (التمهيد 20/228)، وكانت قُمُص عمر بن عبد العزيز وثيابه فيما بين الكعب والشَّراك ـ وهو سير النعل على ظهر القدم ـ وكل منهما كان إمام هدي، ففعلهما مما يتأيد به حمل المطلق على المقيد في الحديث، قال ابن عبد البر: (لكن عمر ليس منهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: لست منهم، أي لست ممن يجر ثوبه خيلاء وبطرا) (التمهيد 20/229)، والله أعلم.


الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
 
إنضم
16 نوفمبر 2008
المشاركات
142
التخصص
هندسة كهرباء
المدينة
غريان
المذهب الفقهي
مالكي
بارك الله فيك اخي , ولعلي تسرعت عندما لم أبحث في الملتقى !
 
إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
جماهير أهل العلم والدين على عدم التحريم إلا أن يكون خيلاء، وهو ما ذهب إليه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية وفي الفروع، وهو مذهب ابن عبد البر، والذي يظهر من صنيع البخاري في صحيحه.

وممن ذهب إلى إطلاق التحريم فيما يظهر، ابن العربي المالكي، والسندي صاحب الحاشية على شرح السيوطي على سنن النسائي.

رضي الله عن جمسع أئمتنا.
 
أعلى