مسألة: القتل بالعين:
العين حق ولها تأثير على الإنسان فمنها ما يقتل ومنها ما يمرض ومنها ما يمنع عن الإنسان الخير أو يوقعه في البلاء.
ومن الأدلة على العين:
قوله تعالى: {و إن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر" أي يحسدونك بأبصارهم}
قال غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآية:
إنه الإصابة بالعين فأرادوا أن يصيبوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه قوم من العائنين وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته.
وكان طائفة منهم تمر به الناقة والبقرة السمينة فيعينها ثم يقول لخادمه: خذ المكتل والدرهم وآتنا بشيء من لحمها فما تبرح حتى تقع.
وقالت طائفة أخرى منهم ابن قتيبة:
ليس المراد أنهم يصيبونك بالعين كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن الكريم نظرا شديدا بالعداواة والبغضاء يكاد يسقطك .
قال:
ويدل على صحة هذا المعنى أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن الكريم، وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة فيحدون إليه النظر بالبغضاء.
ولا مانع من حمل الآية على كلا المعنيين إذ العين كما يكون سببها الإعجاب قد يكون سببها الحسد، فالكفار كانوا ينظرون إليه نظر حاسد شديد العداوة فهو نظر يكاد يزلقه لولا حفظ الله وعصمته فهذا أشد من نظر العائن بل هو جنس نظر العائن.
- اختلف الناس في حقيقة العين على مذاهب متعددة:
1- فأبطلت طائفة أمر العين وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، يقول ابن القيم: وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وتأثيراتها.
2- وقالت طائفة: إن العائن إذا تكيف نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك.
3- وقالت فرقة أخرى: قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا وهذا مذهب منكري الأسباب والتأثيرات.
4- وقال ابن القيم: إن هذا التأثير بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها، وليست هي الفاعلة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ولهذا أمر الله سبحانه ورسوله أن يستعيذ من شره وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية وأشبه الأشياء بهذا الأفعى فإن السم كامن فيها بالقوة فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما تؤثر في طمس البصر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر ذي الطيفتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان....
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره.
1- العين المعجبة: وهذه لا يكاد يسلم منها أحد، لأنها تصدر بسبب الإعجاب ولهذا شرع التبريك إذا رأى الإنسان ما يعحبه.
2- العين الحاسدة: وهذه لا تصدر إلا من ضعيف الإيمان ومن نفس خبيثة.
قال ابن القيم:
إذا عرف الرجل بالأذى بالعين ساغ بل وجب حبسه وإفراده عن الناس ويطعم ويسقى حتى يموت . ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف لأن هذا من نصيحة المسلمين ودفع الأذى عنهم."
فإن لم يندفع أذاه بالسجن وظل يقذف بشره خارج السجن فللإمام أن يقتله تعزيراً.
- الاستقامة على طاعة الله.
- المحافظة على الأوراد الشرعية.
- الرقية الشرعية لمن أصابته العين.
- التبريك وقول: ما شاء الله.
- أخذ أثر من العائن : فيؤمر بغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره واختلف فيه فقيل: إنه فرجه وقيل: إنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده.
- ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه:
ذكر البغوي في شرح السنة: أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال: دسموا نونته لئلا تصيبه العين.
ثم قال في تفسيره: ومعنى دسموا نونته: أي سودوا نونته ، والنونة النقرة التي تكون في ذن الصبي الصغير. أراد سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين.
هل القتل بالعين يوجب القصاص؟
اختلف أهل العلم في ذلك، وسبب اختلافهم:
أن القتل بالعين أمر خفي، فقد يكون موت المعيون وقع اتفاقا وليس بسبب العين، وعلى أقل الأحوال فالأمر محتمل وليس ثمت يقين.
وأصح الأقوال في المسألة:
ما ذهب إليه جمع من محققي أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم:
وهو التفصيل بين ما إذا كان العائن قاصدا مختارا للقتل وهو يعلم أن عينه تقتل، وبين من حصلت منه الجناية بالعين من غير قصد ولا اختيار.
فالأولى فيها القصاص دون الثانية.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"إن كان ذلك بغير اختياره بل غلب على نفسه لم يقتص منه وعليه الدية وإن تعمد وقدر على رده وعلم أنه يقتل به ساغ للوالي أن يقتله بمثل ما قتل به فيعينه إن شاء كما عان هو المقتول ، وسألت شيخنا أبا العباس ابن تيمية قدس الله روحه عن القتل بالحال هل يوجب القصاص، فقال: للولي أن يقتله بالحال، كما قتل به.
فإن قيل:
فما الفرق بين القتل بهذا وبين القتل بالسحر حيث توجبون القصاص به بالسيف؟
قلنا :
الفرق من وجهين:
أحدهما : أن السحر الذي يقتل به هو السحر الذي يقتل مثله غالباً ولا ريب أن هذا كثير في السحر وفيه مقالات وأبواب معروفة للقتل عند أربابه.
الثاني: أنه لا يمكن أن يقتص منه بمثل ما فعل لكونه محرماً لحق الله ، فهو كما لو قتله باللواط وتجريع الخمر فإنه يقتص منه بالسيف" .
القصاص من العائن:
فالمشروع في القصاص كما سيأتي هو المماثلة، فهل ينسحب هذا الحكم على القتل بالعين أيضاً.
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقتل بالسيف ، وهذا القول ضعيف ، والصحيح أنه يقتل بمثل ما قتل به ما أمكن ذلك، فيؤتى بعائن مثله، ويطلب منه أن يعينه ، وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الولي والصوفي: "إذا قتل معصوما بحالهما المحرمة فعليهما القود بمثل حالهما كقتل العائن بعين مثله".
*******************************************************************
انتهينا من النوع الأول من أنواع القتل
وفي الدرس التالي سوف نتحدث عن النوع الثاني وهو: (القتل شبه العمد)