العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم


وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين، أيها الأحبة الكرام في هذا الملتقى المبارك، بإذن الله سنبدأ في هذا الدرس في شرح كتاب البيوع من عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي، وبإذن الله سأحاول قدر المستطاع أن يكون هذا الدرس منتظما بحيث أقوم بإنزال درسين أسبوعيا بصورة منتظمة على قدر الوسع والطاقة، مراعيا في هذه الدرس أن يكون مناسبا في عبارته للمبتدئين من طلبة العلم، ونافعا للمتوسطين، ولن يخلو من فائدة للمتقدمين منهم، وبإذن الله سنتطرق في هذه الدرس إلى الخلاف في حدود ما في كتب المذاهب الأربعة، وربما ذكرت اختيار بعض المحققين من المتقدمين، وسأحرص بخاصة على ذكر ترجيحات شيخنا العثيمين رحمة الله تعالى، ولن ألتزم الترجيح في كل مسألة قناعة مني بأنه مسائل البيوع بخاصة لا يصار إلى الجزم فيها بالراجح في كثير من مسائلها لما يشوب هذا الباب من العلم من سعة الخلاف فيه، وقلة النصوص الصريحة التي يمكن أن يصار إليها في تحقيق الراجح في كل مسألة، فللقياس في هذا الباب -من العلم- والنظر في المقاصد والكليات الشرعية مقام لا يخفى على كل من له عناية به، ومما سأحرص عليه في هذا الدرس بإذن الله التعرض للمسائل المعاصرة والنوازل ومحاولة ذكر ما يتيسر منها تحت ما يناسبه من مواضيع الكتاب، ورجائي من الإخوة أن يعينوا أخاهم بما يتفضلون به عليه من استدراك أو تصحيح أو مناقشة، سائلا الله العلي العظيم لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل عملنا حجة لنا لا حجة علينا.


(وإن أردت أخي الكريم الوصول السريع إلى المبحث المطلوب يمكنك الرجوع إلى الفهرس)
هنا

------------------------------

وهذا هو الدرس الأول من هذه السلسلة:

قال المصنف رحمة الله تعالى: (كتاب البيع)
البيع مصدر, يقال: باعَه يَبِيعهُ بَيْعاً ومَبيعاً, والأصل أن المصادر لا تجمع, وإنما يجمع هذا اللفظ فيقال "البيوع" لاختلاف أنواعه.

والبيع لغة: ضد الشراء, ويرد بمعنى الشراء, فهو من الأضداد.
وهو مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء, ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة.
وشرعاً: مبادلة المال بالمال على التأبيد غير ربا ولا قرض.
وجواز البيع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس, والأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه, وجميع المعاملات المحرمة ترجع إلى ثلاثة أصول:
الأول: الربا.
الثاني: الجهالة والغرر.
قال القرافي (الفروق 3/265): « الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء وقليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل, وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة»
الثالث: الظلم.
قال المصنف : (قال الله تعالى: (وأحل الله البيع))
في الآية دليل على مشروعية البيع, وأل في البيع للاستغراق دالة على أن الأصل في البيوع الحل إ ما دل الدليل على منعه، ولذا يقول العلماء "الأصل في البيوع الإباحة".
قال الشافعي(الأم 3/3): «فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا, إلا ما نهى عنه رسول الله t منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله t محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه, وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى».
وقال ابن تيمية: «الأصل في العقود الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله ولم يحرم الله عقدا فيه مصلحة للمسلمين بلا مفسدة تقاوم ذلك».
وأصل حل البيع مما قام الإجماع عليه ، ولا زال الناس يعاملون بالبيع والشراء من لدن عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو مقتضى القياس فالناس لا غنى لهم عما في أيدي غيرهم، ولا سبيل لتحصيل ذلك إلا بالبيع والشراء.
- وهنا مقدمات ينبغي التنبه لها قبل الشروع في الكلام على كتاب البيوع:
المقدمة الأولى: اعلم أن العقود في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى عدة أقسام:
عقود معاوضات: كالبيع و الإجارة.
عقود التبرعات: كالهبة و الوصية والعارية.
عقود التوثيقات: مثل كالضمان و الوكالة و الرهن.
عقود المشاركات : كالمزارعة والمساقاة .
المقدمة الثانية: أقسام البيع:
يمكن أن يقسم البيع إلى عدة أقسام باعتبارات متعددة:
أولا: أقسام البيع باعتبار عوضي العقد:
المقايضة وهي مبادلة عرَض بعرَض، والعرض كل ما ليس بنقد، كبر بشعير.
الصرف وحقيقته مبادلة النقد بالنقد.
مبادلة النقد بالعرض وإلا هذا ينصرف لفظ البيع عند الإطلاق.
بيع المنافع وحقيقته مبادلة العين بالمنفعة كالإجارة.

ثانيا: أقسام البيع باعتبار الأجل:
البيع الحال المنجز بأن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا.
البيع إلى أجل بأن يؤخر الثمن ويعجل المثمن.
بيع السلم بأن يعجل الثمن ويؤخر المثمن
بيع الدين بالدين بأن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلا وهو ما يعبر عنه ببيع الكالئ.
ثالثا: أقسام البيع باعتبار كيفية تحديد الثمن:
بيوع الأمانات وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- بيع المرابحة
: أن يبيع البائع السلعة برأس لمال وبزيادة معلومة، فيخبر المشتري بالثمن الذي أخذها به ويضيف عليه زيادة معلومة.
- بيع الوضيعة
: أن يبيع السلعة برأس المال ناقص نقصا معلوما.
- بيع التولية: أن يبيع السلعة برأس المال.

المقدمة الثالثة: أركان البيع

أركان البيع ثلاثة:
- الصيغة.
- العاقدان.
- المعقود عليه.
الركن الأول: الصيغة
الصيغة ماصدر من المتعاقدين من قول أو فعل دال على إردتهما الباطنة إنشاء العقد وللبيع صيغتان:
1. الصيغة القولية
و هي الإيجاب و القبول.
الإيجاب وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من البائع أو من يقوم مقامه.
القبول: وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه.
والذي عليه جماهير أهل العلم أن الصيغة القولية ليس لها لفظ محدد بل كل لفظ دل على انتقال ملكية المبيع فهو داخل في الصيغة القولية، فليست الصيغة محصورة مثلا في لفظ بعت واشتريت ونحوه، ولذا ذكر أهل العلم أن الكتابة والإشارة المفهوم الدالة على الرضا ملحقة بالصيغة القولية.
2. المعاطاة
وصفة بيع المعاطاة أن تتم المبادلة بين البائع والمشتري من غير تلفظ بإيجاب أو قبول كما يحصل الآن في كثير من المتاجر تأخذ السلعة المعروف ثمنها وتعطي البائع المال دون تلفظ بإيجاب أو قبول.
وقد اختلف أهل العلم في صحة بيع المعاطاة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
ذهب الجمهور من الأحناف و المالكية و الحنابلة إلى صحة بيع المعاطاة، و استدلوا لذلك بمايلي:
1- قول الله تعالى "ياأيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، فالعبرة في العقود هي حصول التراضي بغض النظر عن الصيغة.
2- أن عمل الناس لا زال على اعتبار بيوع المعاطاة والعمل بها منذ القدم دون نكير، قال ابن قدامة ( المغني 4/4): " ولنا ، أن الله أحل البيع ، ولم يبين كيفيته ، فوجب الرجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق ، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ، ولأن البيع كان موجودا بينهم ، معلوما عندهم ، وإنما علق الشرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، مع كثرة وقوع البيع بينهم ، استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ، ولو كان ذلك شرطا ، لوجب نقله ، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأن البيع مما تعم به البلوى ، فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولم يخف حكمه ; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا ، وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ، ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعا"
القول الثاني: ذهب الشافعية إلى أن البيع بالمعاطاة لا يصح، واستدلوا على ذلك بضعف دلالة المعاطاة على الرضا فهي دون القول الصريح في الدلالة على الرضا وإرادة العقد لاحتمال إرادة غير العقد في التعاطي، ولا يخفى ما في هذا القول من الضعف، ومخالفة ما جرى عليه عمل الناس.
ومن ثم أعرض عنه جماعة من متأخري فقهاء الشافعية وذهبوا إلى ترجيح صحية بيع المعاطاة منهم النووي والبغوي.
القول الثالث: ما ذهب إليه بعض الشافعية كابن سريج والروياني من جواز بيع التعاطي في المحقرات، وما جرى عرف الناس وعادتهم على ببيعه معاطاة دون الأشياء النفيسة.
-شروط الصيغة:
1- أن يكون الإيجاب والقبول واضحين في الدلالة على إرادة إنشاء العاقدين العقد.
2- أن يكون القبول مطابقا للإيجاب بأن ينصبا على شيء واحد فيتفقان في المحل والمقدار فلا يصح بعتك السيارة بعشرة فيقول المشتري قبلتها بخمسة، أو يقول بعتك السيارة فيقول اشتريت الدار.
3- أن يكون الإيجاب والقبول متصلين عرفا بأن يقعا في مجلس العقد دون أن يتخلل ذلك ما يدل على إعراض أحدهما عن العقد.
1. 2. 3. 4. 1) 2) 3) 4) 1- 2- 3- 4- 1- 1) 2)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس الثاني من دروس شرح كتاب البيوع من عمدة الفقه:
الركن الثاني من أركان البيع: العاقدان
وهما البائع والمشتري أو من يقوم مقامهما ويشترط فيهما الشروط التالية:
الشرط الأول: أهلية المتعاقدين

بأن يكونا بالغين عاقلين في الجملة فأما غير العاقل فغير مكلف أصلا، وأما غيرا لبالغ فهو ناقص الأهلية، وهنا يحسن الإشارة إلى الأهلية وأقسامها حتى يتضح ما تحت هذا الشرط.
فيمكن أن يقال أن أهل العلم يقسمون الأهلية إلى قسمين رئيسيين ثم كل قسم منهما ينقسم إلى قسمين وأقسام الأهلية الرئيسية كالآتي:
1- أهلية الوجوب وهي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له أو عليه، وتنقسم إلى قسمين:
أ) أهلية وجوب ناقصة وهي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له، وتبدأ من كونه جنينا في بطن أمه إلى ولادته، فيثبت له من الحقوق النسب والميراث والوصية.
ب) أهلية وجوب كاملة وهي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له وعليه، وتبدأ من ولادته إلى موته، فمما ثبت له النسب والميراث والوصية ومما ثبت عليه الزكاة وأروش الجنايات ونحوها، فمثل هذه تثبت عليها ولو كان دون البلوغ.
2- أهلية أداء وهي صلاحية الشخص للاعتداد شرعا بما يصدر منه من أقول أو أفعال، تبدأ هذه الأهلية من سن التمييز، وهي على قسمين:
أ) أهلية أداء ناقصة وتكون من سن التمييز إلى البلوغ، وفي هذه المدة لا تخلو تصرفات المميز أما أن تكون تصرفات نافعة له نفعا محضا فلا خلاف في صحتها، وذلك كقبول الهدية ونحوها، أو أن تكون ضارة ضررا محضا كما لو تصدق أو أهدى هدية، وهذه لا تصح بلا خلاف، وبقي القسم الأخير وهو الأفعال المترددة بين المنفعة والمضرة كبالبيع والشراء ونحوها، فهذه محل خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: أن مثل هذه التصرفات صحيحة ولكن تكون معلقة النفوذ على إذن الولي، ولا فرق في ذلك بين اليسير والقليل، وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
القول الثان: أن مثل هذه التصرفات صحيحة ونافذة إذا كانت في الأشياء اليسيرة التي جرت عادة الناس فيها المسامحة فيها، وعادة ما يكون بيد المميز ثمنها.
ب) أهلية أداء كاملة يكون في الشخص أهلا للاعتداد بكل ما يصدر منه من قول أو فعل، وهي من البلوغ إلى الموت.
الشرط الثاني: الرشد

وحقيته أن يكون ممن يحسن التصرف في المال، فلا ينفق ماله فيما لا نفع فيه، يدل على ذلك قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)، وقوله تعالى في حق الأيتام: (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم).
الشرط الثالث: الحرية

فلا يصح البيع من العبد، لأنه لا يملك، يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( من ابتاع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)، فجعل المال الذي بيد العبد ملكا لسيده.
الشرط الرابع: رضا المتعاقدين

فلا يصح البيع ممن أكره عليه بدون حق، يدل على ذلك قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، وقوله صلى الله عليه وسلم عند ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (إنما البيع عن تراض).
الركن الثالث: المعقود عليه

والمراد به هنا السلعة والثمن، وللمعقود عليه شروط عدة تركت الكلام فيها هنا لطول الكلام فيها من جهة، ولأن جملة منها ستأتي في كلام المصنف.

ثم نرجع بعد هذه المقدمة إلى كلام ابن قدامة.

- قال المصنف: (والبيع معاوضة المال بالمال) وعرفه الحجاوي في زاد المستقنع بقوله: (هو مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة كممر في دار بمثل أحدهما على التأبيد غير رباً وقرض). وهو أشمل وأوعب مما عرفه المصنف.
فخرج بقول صاحب الزاد : على التأبيد عقد الإجارة.
أما خروج الربا من حد البيع مع كونه مبادلة مال بمال فلقوله تعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا(, فجعل البيع قسيم الربا.
وأما خروج القرض فلكونه لوحظ فيه معنى الإرفاق والإحسان ، ولو كان بيعا لما صح القرض في الأموال الربوية.
وقول ابن قدامة: (معاوضة المال) ظاهره العموم فيشمل ما لو كان المال المبيع معينا مثل لو قال بعتك بيتي هذا، أو كان في الذمة، والمال الذي في الذمة هو ما تم تحديده بالوصف لا بالتعيين كأن يقول بعتك سيارة صفتها كذا دون أن يعين عين السيارة.
ولم يذكر المصنف النوع الثالث من أنواع المبيع وهو المنفعة بخلاف صاحب الزاد فقد نص عليها، فالأصل جواز بيع كل منفعة مباحة، ومن ثم ترى أهل العلم يذكرون أن المبيع أما أن يكون عينا أو منفعة مباحة، ومن صور بيع المنافع ما ذكره الفقهاء من بيع حق المرور في طريق معين، وبيع حق الشفعة، ويدخل فيه هذه الأيام بيع الحقوق الفكرية والمعنوية وحقوق الاختراع.
- قال المصنف: (
ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح)هذا الشرط الأول والثاني من شروط صحة البيع, فالأول: أن يكون المبيع مملوكاً لصاحبه أو مأذونا له فيه، يدل على ذلك ما روى حكيم بن حزام قال : { قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ، ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك . } رواه الخمسة .
والمأذون لهم أحد أربعة: الوصي، والولي، والوكيل، والناظر على الوقف.
الثاني: أن يكون فيه نفع مباح، فخرج بذلك ما لا نفع فيه أو ما فيه نفع محرم، يدل على ذلك ما ما ثبت في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ،فقام رجل فقال:يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟فقال:لاهو حرام،ثم قال:قاتل الله اليهود لما حرمت عليهم شحومها جملوه (أي أذابوه)ثم باعوه وأكلوا ثمنه.
كما يدل عليه ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.متفق عليه.

قال ابن القيم رحمه الله زاد المعاد - (5 / 676): "قوله : إن الله إذا حرم شيئا أو حرم أكل شيء حرم ثمنه يراد به أمران أحدهما : ما هو حرام العين والانتفاع جملة كالخمر والميتة والدم والخنزير وآلات الشرك فهذه ثمنها حرام كيفما اتفقت.
والثاني : ما يباح الانتفاع به في غير الأكل وإنما يحرم أكله كجلد الميتة بعد الدباغ وكالحمر الأهلية والبغال ونحوها مما يحرم أكله دون الإنتفاع به فهذا قد يقال : إنه لا يدخل في الحديث وإنما يدخل فيه ما هو حرام على الإطلاق وقد يقال : إنه داخل فيه ويكون تحريم ثمنه إذا بيع لأجل المنفعة التي حرمت منه فإذا بيع البغل والحمار لأكلهما حرم ثمنهما بخلاف ما إذا بيعا للركوب وغيره، وإذا بيع جلد الميتة للانتفاع به حل ثمنه وإذا بيع لأكله حرم ثمنه، وطرد هذا ما قاله جمهور من الفقهاء كأحمد ومالك وأتباعهما : إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله، وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه، وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات، وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه حرم أكل ثمنها بخلاف بيعها ممن يحل له لبسها".

- قال المصنف: (لا الكلب فإنه لا يجوز بيعه) هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة من أن الكلب لا يجوز بيعه، وبهذا قال المالكية، والشافعية سواء كان الكلب كلب ماشية أو صيد أو زرع، أو غير ذلك، واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ".
و بما أخرجه مسلم من حديث أبي الزبير قال سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر النبي r عن ذلك.
وبما أخرجه مسلم من حديث رافع بن خديج t قال: قال رسول الله r: (ثمن الكلب خبيث).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى النبي r عن ثمن الكلب, وقال: (إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا), قال النووي: «رواه أبو داود بإسناد صحيح».
وأما القول الثاني:
فهو ما ذهب إليه الحنفية من جواز بيع كل كلب فيه نفع, واستدلوا بما أخرجه النسائي من حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد.
ولكن هذا الحديث لا يصح ضعفه جماعة من أهل العلم منهم الإمام أحمد، والترمذي، والبيهقي، ويحتمل أن المراد بقوله في الحديث: (إلا كلب صيد) أي ولا كلب صيد , وقد جاءت اللغة بمثل ذلك، ثم إنهم لم يعلموا بمقتضى الحديث وهو استثناء كلب الصيد فقط، بل عمموا ذلك في كل كلب فيه نفع.
قال النووي (المجموع 9/273): «وأما الجواب عما احتجوا به من الأحاديث والآثار, فكلها ضعيفة باتفاق المحدثين, وهكذا وضح الترمذي والدارقطني والبيهقي ضعفها».
كما استدلوا بقياسه على الحمار بجامع كونهما مما يباح الانتفاع بهما مع تحريم أكلهما، وأجيب عنه بوجود الفارق إذ الحمار طاهر بخلاف الكلب فهو نجس العين.

قال المصنف: (ولا غرم على متلفه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب
وقال: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان))
أي أن من أتلف كلبا فإنه لا يغرم ثمنه لصاحبه، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم على أقوال:
القول الأول:
وهو ما ذكره المصنف من عدم الضمان وهو مذهب الحنابلة والشافعية, واحتجوا بأحاديث النهي عن بيع الكلب وهي عامة في المعلم وغيره, فيدل على أنه لا قيمة له.
القول الثاني:
الكلب المعلم من كلب الصيد أو الماشية أو الحرث له قيمته, أما غيره فلا قيمة له, وهو مذهب المالكية، واحتجوا عليه بأن الكلب المعلم مباح في اتخاذه, فيحرم إتلافه, وفيه الضمان.
القول الثالث:
في الكلب قيمته مطلقاً, وهو مذهب الحنفية بناء على قولهم بجواز بيعه.
وذكر الحافظ ابن حجر وغيره أن مبنى الخلاف في المسألة أن الحنابلة والشافعية يرون نجاسة الكلب نجاسة عينية فلذا لا يصح بيعه, وقيمته متلفة ولا يباح بحال.
أما المالكية فلا يرون نجاسته, وإنما يرون منع بيعه لما ورد من الأحاديث, وما كان مأذونا في اتخاذه شرعاً فله القيمة, وهو كلب الصيد والماشية والحرث.
قال المصنف: (ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه)
هذا تفريع لما تقدم من قول المصنف (ويجوز بيع كل مملوك) وقد تقدم أن من شروط البيع أن يكون المبيع مملوكا للبائع أو مأذونا له فيه فلا يجوز بيع ما ليس مملوكا للبائع أو مأذونا له بأن يكون وصيا أو وليا أو ناظرا أو وكيلا كما تقدم، وبهذا قال جماهير أهل العلم وعليه في الجملة المذاهب الأربعة، لما تقدم من حديث حكيم بن حزام t قال: أتيت رسول الله r فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندى أبتاع له من السوق ثم أبيعه, قال: (لا تبع ما ليس عندك).
ولأنه عقد على ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء.
والقول الثاني في ذلك: أنه يصح أن يبيع الإنسان ما لا يملك ويكون موقوفاً على إجازة المالك لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار والشاة وأخبرته فقال : بارك الله لك في صفقة يمينك" رواه ابن ماجه.
وأجيب عن هذا بأن حديث عروة محمول على أنه كانت وكالته مطلقة بدليل أنه سلم وتسلم وليس ذلك لغير المالك باتفاق.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

بارك الله فيكم، أستاذنا الكريم، ونفع بعلكم، وجعلكم قرة عين لأمتكم.
بالمناسبة أخي العزيز الشيخ أمين هو رفيقي في أثناء دراستي في القصيم، سكنا سوياً في عنيزة وفي بريدة، ورأيته نعم الرجل، ذو اهتمام بالغ بالتقعيد الفقهي والأصولي مع بعد في النظر وعمق في الرؤية، وأهم من هذا كله أنه من ألين الناس معشرا، زادنا الله وإياه من فضله.
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

أقترح على فضيلتكم إفراد كل درس بموضوع مستقل...
وجزاكم الله خيرا ونفع بكم...
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

ولن ألتزم الترجيح في كل مسألة قناعة مني بأنه مسائل البيوع بخاصة لا يصار إلى الجزم فيها بالراجح في كثير من مسائلها لما يشوب هذا الباب من العلم من سعة الخلاف فيه، وقلة النصوص الصريحة التي يمكن أن يصار إليها في تحقيق الراجح في كل مسألة، فللقياس في هذا الباب -من العلم- والنظر في المقاصد والكليات الشرعية مقام لا يخفى على كل من له عناية به

جزاكم الله خيرا على هذه الفائدة وما رأيكم بالعبارة التالية:
ما لا يتغير بتغير الزمان والمكان كمسائل العقيدة والعبادات جاءت نصوص الشريعة فيها مفصلة وما يتغير بتغير الزمان والمكان جاءت الشريعة فيها بقواعد ومبادئ عامة.
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

أولا: أخي أبا فراس جزاك الله عني خيرا، أما ما ذكرت فذاك كله من حسن ظنك بصاحبك، وقد قيل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أما وقد قلت ما قلت فالله يعلم أنك من خير من عاشرته وساكنته، غفر لله لي ولك.
ثانيا: أخي عبد العزيز الكويكبي
سرني تفاعلك في هذا الدرس وحسن ظنك بصاحبه، أما ما ذكرت من إفراد كل درس بموضوع فهذا كان في ذهني لكن أخشى أن تتشتت الدروس، فأرى أن جمعها في مكان واحد قد يكون أسهل في الوصول إليها، لكن الذي احب أن استفسر عنه إخواننا في الملتقى المشرفين، هل يمكن أن أضيف الدرس الثاني مثلا تحت الدرس الأول مباشرة في نفس الموضوع الأول دون إضافة رد جديد، وعلى العموم الأمر في الترتيب هذا أحيله على المشرفين على الموقع يختاروا ما يكون أنسب في العرض.
وأما بالنسبة للعبارة التي ذكرتها فعند بادئ الرأي والنظرة الأولى لها أرى أنها لا غبار عليها، ولكن هل ذكر ذلك أحد من أهل العلم نحتاج أن تفيدنا بذلك.
وأما إطلاق البيع على الشراء فهو وارد وقد ذكره أهل العلم ففي لسان العرب - (8 / 23)
"البيعُ ضدّ الشراء والبَيْع الشراء أَيضاً وهو من الأَضْداد وبِعْتُ الشيء شَرَيْتُه أَبيعُه بَيْعاً ومَبيعاً وهو شاذ وقياسه مَباعاً والابْتِياعُ الاشْتراء وفي الحديث لا يخْطُبِ الرجلُ على خِطْبة أَخِيه ولا يَبِعْ على بَيْعِ أَخِيه قال أَبو عبيد كان أَبو عبيدة وأَبو زيد وغيرهما من أَهل العلم يقولون إِنما النهي في قوله لا يبع على بيع أَخيه إِنما هو لا يشتر على شراء أَخيه فإِنما وقع النهي على المشتري لا على البائع لأَن العرب تقول بعت الشيء بمعنى اشتريته"
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس الثالث:

قال المصنف: (ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات)
اتفقت المذاهب الأربعة على أن ما لا نفع فيه لا يجوز بيعه، ومن هنا قالوا بعدم صحة بيع الحشرات، قال ابن قدامة (4/174): «ولا يجوز بيع ما لا منفعة فيه.... لأنه لا نفع فيه ، فأخذ ثمنه أكل مال بالباطل». أما ما فيه نفع من الحشرات فقد نص الفقهاء على صور جائزة منه، فعلى هذا لا مانع من بيع ما فيه نفع من الحشرات كالحشرات المستخدمة في المختبرات أو الدود المستخدم للصيد، ومثل دودة القز.
قال المصنف: (ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة)
وهذا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة، لما ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ).
ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه). متفق عليه
وتقدم النقل عن ابن القيم في التعليق على هذا الحديث
وقد نقل ابن المنذر الإجماع على تحريم بيع الخنزير والميتة.
وقول المصنف: (والميته) عام أريد به الخصوص فيستثنى منه ميتة السمك والجراد, لما رواه ابن ماجه عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله قال: (أحلت لكم ميتتان ودمان, فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال).
وأما ما ذكر في الحديث من تحريم الأصنام فقد قال عنه ابن القيم (زاد المعاد 5/675): «وأما تحريم بيع الأصنام فيستفاد منه تحريم بيع كل آلة متخذة للشرك على أي وجه ومن أي نوع كانت صنما أو وثنا أو صليبا، وكذلك الكتب المشتملة على شرك غير الله، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها».
ومما يذكره أهل العلم تحت هذه المسألة هاتان القاعدتان:
الأولى:كل عين يحرم الانتفاع بها يحرم بيعها ولا عكس ، فليس كل ما يحرم بيعه يحرم الانتفاع به مثل الكلب والميتة.
الثانية:كل عين يحرم الانتفاع بها يحرم أكلها ولا عكس، فليس كل عين يحرم أكلها يحرم الانتفاع بها فالحمار يحرم أكله ويجوز الانتفاع به.
قال المصنف: (ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أو مجهول كالحمل)
هذا هو الشرط الثالث من شروط البيع التي ذكرها المصنف وهو كون المبيع معلوما، فلا يصح بيع المعدوم والمجهول، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم في الجملة، وذلك لما في ذلك من الغرر والجهالة، والأصل المنع من كل معاملة تضمنت جهالة أو غرر معتبرين، وهذا المعنى قد دلت عليه جملة من النصوص منها:
1-ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر.
2- ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة.متفق عليه
وحبل الحبلة أن يبيعه نتاج ما في بطن الناقة.
3- ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع.وفي رواية نهى عن بيع الثمر حتى يزهو وعن بيع الحب حتى يشتد ويأمن العاهة.
4- ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع.
قال المصنف: (والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته)
يتكلم المصنف هنا عما إذا كان المبيع عينا غائبة غير موصوفة في الذمة، كأن يقول بعتك سيارتي المعينة دون أن يصفها له أو يراها، فذكر رحمه الله أن مثل هذا مما لا يجوز بيعه، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم على أقوال:
قال الشيخ يوسف الشبيلي (بتصرف):
"القول الأول :جواز بيع العين الغائبة إذا علم المشتري جنسها مطلقاً، ولو لم يرها أو توصف له.
وهذا مذهب الحنفية واختيار ابن تيمية إلا أنه ضعفه في موضع آخر،ثم إن أصحاب هذا القول أثبتوا للمشتري خيار الرؤية مطلقا، بمعنى ان له الخيار في إمضاء البيع أو فسخه عندما يرى السلعة، سواء وجد المبيع كما وصف له أم لا، وسواء شرط ذلك في العقد أم لا.
القول الثاني: المنع من بيع العين الغائبة ولو عرف جنسها ووصفها .
وهذا مذهب الشافعي في الجديد.
القول الثالث:جواز بيع العين الغائبة بشرط أن يصفها وصفاً منضبطا بحيث يبين جنسها وصفاتها كاملة.
وهذا مذهب المالكية والحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى هذا القول فليس للمشتري خيار رؤية إلا إذا جاء المبيع على غير ما وصف له وتسميته خيار رؤية تجوز وإلا فإنه خيار خلف في الصفة وليس خيار رؤية.
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1-بنهيه r عن الغرر ومن الغرر أن يشتري ما لم يره أو يوصف له.
2-أن الصفة تقوم مقام رؤية الموصوف،ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) أخرجه البخاري.
الترجيح:
الراجح والله أعلم أنه يجوز بيع العين الغائبة إذا تحقق أحد أمرين:
الأول:وصف العين وصفاً منضبطاً،ولا يكون للمشتري في هذه الحالة الخيار إلا إذا تبينت السلعة على خلاف ما وصف له.
الثاني:أن يكون للمشتري الخيار برؤية المبيع بحيث يتفق العاقدان على أن للمشتري الخيار عند رؤية المبيع فيصح البيع وإن لم توصف له السلعة وصفاً منضبطاًَ؛ لأن هذا البيع وإن تضمن غرراً إلا أنه غير مؤثر لأنه لا يضر بأي من العاقدين.
وبهذا يعلم أن خيار الرؤية يثبت بالشرط لا بأصل الشرع.
تطبيقات معاصرة على هذه المسألة:
1-جواز استئجار الإنسان في فندق أو شقق عبر الهاتف مثلاً وإن لم ير الغرفة أو الشقة بشرط أن توصف وصفاُمنضبطاً.
2-بيع البضائع البحرية عن طريق تظهير بوليصة الشحن،حيث اعتاد التجار على بيع البضائع وهي في السفن عن طريق تسجيل بوليصة الشحن باسم المشتري دون أن ينظر المشتري إلى البضاعة. وبوليصة الشحن هي سند الشحن وهي بمثابة الإيصال المعتمد دوليا ًباستلام الجهة الشاحنة للبضاعة"
قال المصنف: (ولا معجوز عن تسليمه)

ذكر المصنف رحمة الله هنا الشرط الرابع من شروط البيع، وهو أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه، والدليل على ذلك ما تقدم من النهي عن الغرر فلا شك أن بيع ما لا يقدر على تسليمه هو من جملة بيوع الغرر، كما أنه داخل في النهي عن الميسر في قوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه..)، وما لا يقدر على تسليمه عادة يباع بأقل من سعره، فالمشتري فيه دائر بين الغنم إن وجده، والغرم إن لم يجده، وهذه هي حقيقة الميسر، ثم إن مثل هذه البيوع غالبا مدعاة للعداوة والبغضاء.
قال المصنف: (كالآبق والشارد)
الآبق هو العبد الهارب من سيده، وظاهر كلام المصنف أنه يصح بيعه سواء كان المشتري عالما بمكانه وقادرا عليه، أولا.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى جواز بيع العبد الآبق إذا كان المشتري قادرا على رده، وهو ما اختاره شيخنا العثيمين، شريطة أن يُبين للبائع أنه قادر على رده حتى لا يغر البائع فيبيعه بدون ثمنه المعتاد.
قال المصنف: (والطير في الهواء)
فلا يصح يبع الطير في الهواء لعدم القدرة عليه، وفرق بعض أهل العلم بين أن يكون الطير من عادته الرجوع كالحمام المعتاد للرجوع إلى صاحبه، وبين ما لا يعتاد الرجوع، فأجاز بيع الأول، ويكون للمشتري خيار الفسخ إن لم يعد الطير، وهو اختيار شيخنا العثيمين.
قال المصنف: (والسمك في الماء)
فلا يصح بيع السمك في الماء للغرر الحاصل بسبب عدم القدرة على تسليمه، ولما أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)، ولكن الحديث لا يصح مرفوعا.
قال ابن قدامة (المغني 4/142): "لا يجوز بيعه –أي السمك- في الماء إلا أن يجتمع ثلاثة شروط أحدها: أن يكون مملوكا. الثاني: أن يكون الماء رقيقا, لا يمنع مشاهدته ومعرفته . الثالث: أن يمكن اصطياده وإمساكه . فإن اجتمعت هذه الشروط , جاز بيعه ; لأنه مملوك معلوم مقدور على تسليمه ; فجاز بيعه , كالموضوع في الطست".
قال المصنف: (ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه)
لأنه بيعه لغيرهم من جملة الغرر إذ لا يقدر المشتري على تسلمه، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، وأجاز الحنفية بيع المغصوب من غير غاصبة سواء كان قادراً على أخذه أو لا، ويكون نفاذ العقد موقوفا على التسليم، فإن سلم نفذ، وإلا فلا.
قال المصنف: (ولا بيع غير معين)
هذا هو الشرط الخامس من شروط البيع وهو أن يكون المعقود عليه معلوما وهذا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة.
ويحصل العلم بالمبيع بأحد أمرين:
الأول: رؤيته وقت العقد أو قبله بمدة لا يتغير المبيع معها .
الثاني: وصفه بما يكفي في السلم بحيث يذكر الأوصاف التي يختلف الثمن بها غالبا، وهذا في حال كون المبيع غائبا عن مجلس العقد، وهذا لا إشكال فيه بين أهل العلم إذا كان المبيع الغائب موصوفا في الذمة غير معين، فأهل العلم متفقون على جواز بيع الموصوف في الذمة بشرط كونه مملوكا للبائع حال البيع، أما إن كان المبيع الغائب معينا غير موصوف في الذمة فهو محل خلاف بين أهل العلم وتقدم الكلام فيه عند قول المصنف: (والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته)

قال المصنف: (كعبد من عبيده أو شاة من قطيع)
وذلك لعدم تعيين المبيع، ومثل هذا لا يخلو من غرر، وعاقبته الاختلاف والعداوة والخصام، وظاهر كلام المصنف ولو تساوت قيم العبيد أو الشياه، قال شيخنا العثيمين(الشرح الممتع 8 / 161): "وهذا فيه خلاف بين أهل العلم، فإن منهم من قال: إذا تساوت القيم صح البيع، وفي هذا القول ـ أيضاً ـ شيء من النظر؛ لأنها قد تتساوى القيم مع اختلاف الصفات، فمثلاً هذا قيمته مائة لأنه سمين، والثاني قيمته مائة؛ لأنه حامل... فتساوي القيم في الواقع لا يرفع الجهالة إذا كان المقصود عين المبيع، أما إذا كان المقصود التجارة فإنه إذا تساوت القيم فلا جهالة؛ لأن التجارة يُراد بها الثمن أو القيمة"
قال المصنف: ( إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة)
لأنه يكون معلوما حينئذ، فيجوز بيعه.
والقفيز: هو نوع من المكاييل. وأما الصبرة: فهي الكومة من الطعام.
-
مسألة: حكم بيع الأنموذج:
بيع الأنموذج هو أن يري البائع المشتري عينة من السلعة التي يريد بيعها له، ويبيعه إياها على أن السلعة من جنس النموذج دون وصف لها، وأهل العلم في هذه المسألة على قولين:
الأول: ذهب الحنابلة إلى عدم صحة البيع، وإلى ذلك ذهب الشافعية في الجملة، لما في ذلك من الغرر.
الثاني: ذهب الحنفية والمالكية إلى جوازه لأن ضبط الأنموذج كذكر الصفات، ولأن مثل هذا يحصل به العلم المشترط في المبيع، وهذا هو اختيار شيخنا العثيمين.
ويدخل تحت هذا الباب من المسائل المعاصرة السلع المعروضة في مواقع الإنترنت فهي في حكم بيع الأنموذج.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس الرابع:

فصل
قال المصنف: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة)
يدل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المنابذة ونهى عن بيع الملامسة.
قال ابن قدامة (4/145): "لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذين البيعين".
قال المصنف: (وهي أن يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا)

ما ذكره المصنف هو إحدى صور بيع الملامسة، وقد ذكر أهل العلم لهذا البيع صورا:
الأولى: ما ذكره المصنف بأن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه لزم البيع.
الثانية: وهذا التفسير هو تفسير الشافعي أن يلمس ثوبا مطويا , أو في ظلمة , ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه , اكتفاء بلمسه عن رؤيته، وفي صحيح مسلم: «والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك» .
قال المصنف: (وعن المنابذة وهي أن يقول: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا)

وكون هذا البيع من البيوع المنهي عنها محل إجماع بين أهل العلم، يدل على ذلك ما تقدم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولما في مثل هذا البيع من الجهالة والغرر المنهي عنهما، وقد اختلف أهل العلم في تفسير بيع المنابذة، قال في الموسوعة الكويتية: "صورها الفقهاء فيما يأتي :
أ - أن ينبذ كل واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر , ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه - أو ينبذه إليه بلا تأمل كما عبر المالكية - على جعل النبذ بيعا . وهذا التفسير المأثور عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في رواية مسلم : { فيكون ذلك بيعهما , من غير نظر ولا تراض } وهو المنقول عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى .
ب - أن يجعلا النبذ بيعا , اكتفاء به عن الصيغة , فيقول أحدهما : أنبذ إليك ثوبا بعشرة , فيأخذه الآخر ( والصورة الأولى فيها مشاركة بخلاف هذه ) .
ج - أن يقول : بعتك هذا بكذا , على أني إذا نبذته إليك , لزم البيع وانقطع الخيار .
د - أن يقول : أي ثوب نبذته إلي فقد اشتريته بكذا , وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمه الله تعالى".
قال المصنف: (وعن بيع الحصاة)
وهو من البيوع المنهي عنها بإجماع أهل العلم، يدل على ذلك ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر.أخرجه مسلم
قال المنصف: (وهو أن يقول: أرم هذه الحصاة فأي ثوب وقعت عليه فهو عليك بكذا، أو بعتك ما تبلغ هذه الحصاة من هذه الأرض إذا رميتها بكذا)
وهناك صورة ثالثة لهذا البيع ذكرها أهل العلم وهي أن يقول: بعتك هذا بكذا, على أني متى رميت هذه الحصاة, وجب البيع .
قال ابن قدامة بعد أن ساق هذه الصور (المغني 4/146): "وكل هذه البيوع فاسدة ; لما فيها من الغرر والجهل . ولا نعلم فيه خلاف"
قال المصنف: (وعن بيع الرجل على بيع أخيه)
صورة بيع الرجل على بيع أخيه ذكرها ابن قدامة بقوله (المغني 4/149): «معناه أن الرجلين إذا تبايعا , فجاء آخر إلى المشتري في مدة الخيار فقال : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون هذا الثمن , أو أبيعك خيرا منها بثمنها , أو دونه أو عرض عليه سلعة رغب فيها المشتري , ففسخ البيع , واشترى».
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، وحكى النووي والعراقي الإجماع على تحريمه، يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض). وفي لفظ آخر عن مسلم: ( لا يبع الرجل على بيع أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه , إلا أن يأذن له) . وفي لفظ آخر عند النسائي: (لا يبع بعضكم على بيع بعض , حتى يبتاع أو يذر).
وإنما الخلاف في صحة البيع من بطلانه:
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية على أن البيع صحيح مع التحريم، لتحقق شروط البيع وأركانه، والنهي إنما جاء لأجل ما في هذا البيع من إيذاء المسلم لأخيه، وليس النهي راجعا لذات العقد، ولأن المحرم هو عرض سلعته على المشتري, أو قوله الذي فسخ البيع من أجله , وذلك سابق على البيع.
القول الثاني: ذهب الحنابلة إلى بطلانه, للنهي الوارد في الحديث والنهي يقتضي الفساد، واختاره شيخنا العثيمين
-
مسألة:
هل النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه مختص بزمن الخيارين أعني خيار المجلس والشرط، أو هو عام ولو بعد مدة الخيارين؟
جمهور أهل العلم على أن النهي مختص بزمن الخيارين، لأنه هو الزمن الذي يمكن للمشتري فيه فسخ البيع، واختار شيخنا العثيمين أن النهي عام لا يختص بزمن الخيارين وذلك لأمور:
لعموم حديث "لا يبع أحدكم على بيع أخيه". 2- لأنه ربما يتحايل على الفسخ كأن يدعي عيباً. 3- أنه يؤدي إلى العداوة .
لكن إن كان بعد مدة طويلة فلا بأس بذلك.
- مسألة: هل يجوز بيع المسلم على بيع الكافر؟
الذي عليه عامة أهل العلم أن النهي عام ولا يختص ببيع المسلم على بيع أخيه قال ابن عبد البر (التمهيد 13/318-319): «لا أعلم خلافا في أن الذمي لا يجوز لأحد أن يبيع على بيعه ولا يسوم على سومه, وأنه والمسلم في ذلك سواء, إلا الأوزاعي فإنه قال: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خاطب المسلمين في أن لا يبيع بعضهم على بيع بعض, وخاطب المسلم أن لا يبيع على بيع أخيه المسلم, فليس الذمي كذلك, وقال سائر العلماء لا يجوز ذلك, والحجة لهم أنه كما دخل الذمي في النهي عن النجش, وفي ربح ما لم يضمن, ونحوه, كلذلك يدخل في هذا,».
مسألة:
حكم الشراء على شراء أخيه:
لا يجوز عند جمهور أهل العلم شراء الرجل على شراء أخيه بأن يأتي المشتري للبائع بعد أن باع السلعة لمشتر آخر فيقول له أنا أشتريها منك بكذا، وذلك قياسا على بيعه على بيع أخيه، ثم إنه قد تقدم أن البيع يطلق على في اللغة على الشراء ، وهل هو مختص بزمن الخيارين أو بعدهما؟ فيه ما تقدم من الخلاف.
مسألة:
حكم السوم على سوم أخيه
وهو أن يتساوم رجلان , فطلب البائع بسلعته ثمنا , ورضي المشتري بذلك الثمن , واتفقا عليه ولكن لم يتم العقد بعد، فجاء مشتر آخر , ودخل على سوم الأول , فاشتراه بزيادة أو بذلك الثمن نفسه، فهذا البيع محرم عند جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة واستدلوا بظاهر النهي عنه كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (لا يسم المسلم على سوم أخيه). ولما في مثل هذا من نشر العداوة والبغضاء بين المسلمين.
وذهب الحنفية إلى كراهة مثل هذا البيع دون تحريمه.
وأما من حيث صحة البيع وفساده فالجمهور على صحته، وذهب الحنابلة إلى فساد العقد لظاهر النهي.
فائدة:
النهي عن السوم على سوم أخيه مقيد بأمرين:
الأول:ألا يكون بيع مزايدة كما في المزادات العلنية فإن كان كذلك فهو جائز بالإجماع .
الثاني:أن يكون بعد رضا المالك والمستام وركون كل واحد منهما للآخر.
قال المصنف: (وعن بيع حاضر لباد وهو أن يكون له سمسارا)

السمسار هو: الوسيط بين البائع والمشتري لإتمام البيع بأجر
صورة بيع الحاضر للباد أشار إليها ابن دقيق بقوله (إحكام الإحكام 2/114): «صورته: أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ليبيعه بسعر يومه ويرجع فيأتيه البلدي فيقول : ضعه عندي لأبيعه على التدريج بزيادة سعر».
و
هذا البيع حرام باتفاق الأئمة الأربعة؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد) قال طاووس: فقلت لابن عباس: ما قوله لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا.
ثم إن هذا البيع يؤدي إلى الإضرار بأهل البلد, والتضييق على الناس لأنه متى تُرك البدوي يبيع سلعته, فسيشتريها الناس منه بسعر يومها أو ما هو أرخص من ذلك، فيحصل لهم بذلك سعة في السعر، أما إذا تولى الحاضر ذلك فإنه سيبيعها بسعر البلد لا سعر اليوم، ويتحين فيها الربح، فيحصل بذلك التضييق على أهل البلد، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض).
ثم اختلف بعد ذلك القائلون بالتحريم في صحة العقد على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية، والشافعية إلى أن البيع صحيح مع التحريم وذلك لأن النهي ليس متعلقا بذات البيع وإنما بوصف طارئ عليه، ثم إن أركان البيع وشروطه متوفرة فيه.
القول الثاني: ذهب المالكية والحنابلة إلى بطلان البيع وذلك لظاهر النهي في الحديث، والأصل في النهي الفساد.
مسألة: قيد الحنابلة حرمة بيع الحاضر للباد وبطلان البيع بخمسة شروط:
أن يكون البادي قاصداً بيع سلعته فإن قدم لتخزينها او أكلها فلا يحرم على الحاضر أن يعرض عليه بيعها له.
أن يكون قاصدا لبيعها بسعر يومها، فلو كان يقصد بيعها بأزيد من ذلك لم يحرم.
أن يكون جاهلا بسعرها في البلد.
أن يقصده الحاضر، فلو كان البادي هو القاصد فلا يحرم.
أن يكون بالناس حاجة إليها، فلا تكون من الكماليات التي لا يحصل التضييق على الناس ببيع الحاضر لها.
قال الشيخ يوسف الشبيلي: "مما تقدم يعلم حكم الوكالات التجارية،وعقود التوزيع فإنها لاتعتبر من بيع الحاضر للبادي لأمرين:
الأول:أن الشركة المنتجة على علم مسبق بالأسعار.
الثاني:أن الشركة المنتجة هي التي تقصد الموزعين وليس العكس".
مسألة:
هل يقيد المنع من بيع الحاضر للباد بأن يكون ذلك بأجر؟
ظاهر النهي في الحديث أن ذلك عام سواء باع له بأجر أو بدون أجر وهو الأرجح لأن علة التضييق على أهل البلد قائمة، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إن كان بدون أجر أخذا بقول ابن عباس: لا يكون له سمساراً. فإن ظاهره جواز ذلك لغير السمسار الذي لا يأخذ أجرا وإنما يفعل ذلك نصحا للبائع، وهذا القول هو ظاهر ترجمة البخاري فإنه قال: "باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر، وكرهه ابن عباس".
مسألة:
هل للحاضر أن يشير على البادي؟
مذهب الحنابلة والشافعية جواز ذلك، لأنه لم يبع له فلا يدخل في النهي، ولأنه من نصح المسلم لأخيه المسلم، ورويت الكراهة عن مالك والليث، قال ابن قدامة (المغني 4/152): "رخص فيه طلحة بن عبيد الله والأوزاعي وابن المنذر , وكرهه مالك والليث وقول الصحابي حجة , ما لم يثبت خلافه ."
مسألة:
شراء الحاضر للباد
المشهور من مذهب الحنابلة جواز شراء الحاضر للباد ، وبه قال الحسن، وذهب طائفة من أهل العلم إلى المنع منه، وهو رواية عن مالك، وروي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: هي كلمة جامعة, يقول : لا تبيعن له شيئا , ولا تبتاعن له شيئا .
قال ابن قدامة مرجحا ما ذهب إليه الحنابلة (المغني 4/151): "النهي غير متناول للشراء بلفظه , ولا هو في معناه , فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر , ليتسع عليهم السعر , ويزول عنهم الضرر , وليس ذلك في الشراء لهم , إذ لا يتضررون , لعدم الغبن للبادين , بل هو دفع الضرر عنهم , والخلق في نظر الشارع على السواء , فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر , لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر"
1- 1. 2. 3. 4. 5.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

أولا: أخي أبا فراس جزاك الله عني خيرا، أما ما ذكرت فذاك كله من حسن ظنك بصاحبك، وقد قيل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أما وقد قلت ما قلت فالله يعلم أنك من خير من عاشرته وساكنته، غفر لله لي ولك.
ثانيا: أخي عبد العزيز الكويكبي
سرني تفاعلك في هذا الدرس وحسن ظنك بصاحبه، أما ما ذكرت من إفراد كل درس بموضوع فهذا كان في ذهني لكن أخشى أن تتشتت الدروس، فأرى أن جمعها في مكان واحد قد يكون أسهل في الوصول إليها، لكن الذي احب أن استفسر عنه إخواننا في الملتقى المشرفين، هل يمكن أن أضيف الدرس الثاني مثلا تحت الدرس الأول مباشرة في نفس الموضوع الأول دون إضافة رد جديد، وعلى العموم الأمر في الترتيب هذا أحيله على المشرفين على الموقع يختاروا ما يكون أنسب في العرض.
وأما بالنسبة للعبارة التي ذكرتها فعند بادئ الرأي والنظرة الأولى لها أرى أنها لا غبار عليها، ولكن هل ذكر ذلك أحد من أهل العلم نحتاج أن تفيدنا بذلك.
وأما إطلاق البيع على الشراء فهو وارد وقد ذكره أهل العلم ففي لسان العرب - (8 / 23)
"البيعُ ضدّ الشراء والبَيْع الشراء أَيضاً وهو من الأَضْداد وبِعْتُ الشيء شَرَيْتُه أَبيعُه بَيْعاً ومَبيعاً وهو شاذ وقياسه مَباعاً والابْتِياعُ الاشْتراء وفي الحديث لا يخْطُبِ الرجلُ على خِطْبة أَخِيه ولا يَبِعْ على بَيْعِ أَخِيه قال أَبو عبيد كان أَبو عبيدة وأَبو زيد وغيرهما من أَهل العلم يقولون إِنما النهي في قوله لا يبع على بيع أَخيه إِنما هو لا يشتر على شراء أَخيه فإِنما وقع النهي على المشتري لا على البائع لأَن العرب تقول بعت الشيء بمعنى اشتريته"
وفي الحديث (البيِّعان بالخيار)
والله أعلم
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه


الدرس الخامس
قال المصنف: (وعن النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شرائها)
النَّجْش بفتح النون المشددة, وسكون الجيم: هو في اللغة بمعنى استثارة الشيء، يقال : نجش الطائر : إذا أثاره من مكانه، وسمي به هذا البيع لأن الناجش يستثير المشتري ويدفعه للزيادة.
وأما في الاصطلاح الفقهي فالنجش هو كما ذكر المصنف: الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها وسواء كان قصده نفع البائع بزيادة الثمن, أو الضرر بالمشتري, أو كلا الأمرين.
وبيع النجش محرم بإجماع أهل العلم كما حكاه النووي و العراقي وغيرهم، يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش.
وهل بيع النجش فاسد أولا؟ قولان عند أهل العلم:
القول الأول: مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة أن البيع صحيح إذ النجش فعل الناجش لا العاقد، لكن ذهب بعض القائلين بصحة البيع إلى أنه وإن صححنا البيع إلا أن للمشتري خيار الفسخ في حال كان الغبن فاحشا.
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن بيع النجش فاسد؛ وذلك لظاهر النهي، فالأصل أن النهي يقتضي الفساد.
قال المصنف: (وعن بيعتين في بيعة)

اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم بيع العينة، وإن كانوا يختلفون فيما يدخل من الصور في هذا البيع، يدل على تحريم هذا البيع ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة", رواه أحمد والنسائي, ولأبي داود: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا".
قال المصنف: (وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة، أو يقول بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا)

ذكر المصنف هنا صورتين من الصور التي فُسر بها هذا البيع:
الأولى: أن يبيع السلعة بسعرين من غير أن يبت في أحدهما، ويفترقا دون أن يحددا أحد السعرين، وأشار المصنف إلى هذه الصورة بقوله: (وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة) وهذه الصورة قال بها جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
الثانية: أن المراد ببيعتين في بيعة أن يشترط عقداً في عقد البيع، وهي ما أشار إليه بقوله: (أو يقول بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا) وبهذا التفسير قال الشافعية والحنابلة والحنفية أيضاً.
وهناك صور أخرى فسر بها هذا البيع أيضا:
الثالثة: أن المراد به قلب الدين على المعسر فيبيع الدين المؤجل على المدين إلى أجل آخر مع الزيادة عليه، وبهذا التفسير قال الخطابي.
الرابعة: أن يعرض السلعة بسعرين كأن يقول: هذه السلعة بمائة نقداً أو بمائة وعشرين نسيئة. فلا يجوز ولو تم البيع بأحد السعرين، وهذه الصورة هي التي اختارها الشيخ الألباني رحمه الله، ولهذا حرم بيع التقسيط.
الخامسة: أن المراد بهذا البيع بيع العينة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ا بن تيمية، وابن القيم، واختاره شيخنا العثيمين، وصورة بيع العينية أن يبيع شخصا سلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها منه نقدا بدون الثمن الذي باعها له به، واستدلوا بما أخرجه ابو داود من عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا "، وهذا ينطبق على بيع العينة فإن البائع إما أن يأخذ الثمن الزائد فيكون آخذا للربا، أو يأخذ الأقل فيكون قد أخذ بالأوكس.

قال المصنف: (وقال: (لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق))

ما نقله المصنف رحمه الله هنا هو ما ثبت في البخاري من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق )
وأشار المصنف رحمه الله بهذا الحديث إلى النهي عن تلقي الركبان, والنهي عن تلقي الركبان جاء النهي عنه في السنة المطهرة بألفاظ مختلفة، فتارة يعبر بالنهي عن تلقي الجلب، وتارة بالنهي عن تلقي الركبان، وأخرى بالنهي عن تلقي السلع، وجميع هذه الألفاظ تدور حول معنى واحد، ومن ثم فقد عبر كل مذهب من المذهب الفقهية بأحد هذه الألفاظ، فترى الحنفية يعبرون بتلقي الجلب، والمالكية بتلقي السلع، وأما الشافعية والحنابلة فبتلقي الركبان.
واختلف أهل العلم في حكم هذا البيع على قولين: :
القول الأول: ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى تحريم تلقي الركبان؛ لظاهر النهي كما في حديث ابن عمر المتقدم , وما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، والأصل في النهي التحريم، ولما في ذلك من الضرر إما بالبائع بأن يغبن غبنا بينا، أو بأهل البلد؛ لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم بما تيسر، والذين يتلقونهم ويشترون منهم يتربصون بالسلعة الربح فيحصل الضرر بأهل البلد
القول الثاني: ذهب الحنفية إلى جواز بيع التلقي ما لم يضر بأهل البلد أو يحصل به غلاء السعر على الواردين ببضائعهم على البلد، لأن البيع مشروع في ذاته , والنهي لغيره وهو الإضرار بالعامة لما يحصل لهم من غلاء السعر، ثم إنه قد يكون فيه تغرير بأصحاب السلع فقد يشتري المتلقي منهم بدون سعر البلد، فمتى ما لم يحصل شيء من ذلك جاز البيع، وقالوا مما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام".
وأجيب عن هذا الحديث بأنه محمول على أن الصحابة كانوا يتلقونهم بأعلى السوق، لا أنهم كانوا يتلقونهم خارج البلد، ولذا قال البخاري بعد أن ساق حديث ابن عمر: هذا في أعلى السوق يبينه حديث عبيد الله.
ومراده بحديث عبيد الله ما أخرجه أبو داود من حديث عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه.
مسألة:
ذهب عامة أهل العلم و الذي عليه المذاهب الأربعة إلى صحة هذا البيع وذلك لثبوت الخيار فيه في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، ولأن النهي ليس عائداً على ذات المبيع وإنما هو عائد لمعنى فيه من جهة ما في هذا البيع من الخديعة والتغرير، ومثل هذا يمكن تداركه بالخيار كما في بيع المصراة.
قال المصنف: (وقال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه))

ما ذكره المصنف هنا هو ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه )، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه، للنهي الثابت في حديث الباب، قال النووي (شرح مسلم 10/170): «أما مذهب عثمان البتي –يعني من جوازه في كل مبيع- فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون، بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه، قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه. فهو شاذ متروك والله أعلم».
واختلفوا فيما عدا الطعام من المبيعات هل يشملها هذه الحكم أم لا على أقوال:
القول الأول: لا يصح بيع المبيع قبل قبضه, سواء كان طعاما أو منقولا أو عقارا، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بما ثبت في صحيح مسلم من قول ابن عباس رضي الله عنهما بعد ذكره للحديث: (وأحسب كل شيء مثله).
فجعل ما سوى الطعام كالطعام في المنع من بيعه قبل قبضه، وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه.
كما استدلوا بما أخرجه أبو داود في سننه من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
واستدلوا أيضاً بما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك).
وما بيع قبل قبضه هو من ربح ما لم يضمن، لأن السلعة قبل قبضها من ضمان البائع وليست من ضمان المشتري حتى يبيعها، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو اختيار شيخنا العثيمين.
القول الثاني:
لا يجوز بيع المنقولات قبل قبضها، وأما العقارات فيجوز بيعها قبل قبضها، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية.
فقاسوا المنقولات على الطعام، ، وأجازوا بيع العقار قبل قبضه استحسانا , مستدلين بعمومات حل البيع، ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك بخلاف المنقول، إذ من النادر الهلاك في العقار بخلاف المنقولات.
القول الثالث:
أن النهي مختص بالطعام فقط فما عدا الطعام منقولا كان أو عقار يجوز بيعه قبل قبضه، وهو مذهب المالكية.
لظاهر حديث الباب، وأما ما روي عن ابن عباس فهو محل اجتهاد منه.
القول الرابع:
ذهب الحنابلة في المشهور من مذهبهم إلى أنه لا يجوز بيع المكيل، والموزون، والمذروع والمعدود قبل قبضها، واستدلوا بظاهر حديث ان عباس فهو خاص في الأطعمة، والأطعمة في ذلك الزمن إما مكيلة أو موزونة، وقيس عليهما المعدود والمذروع بجامع أن كلا منها يحتاج إلى التوفية، بخلاف غيرها من السلع التي لا تحتاج لذلك فيجوز بيعها قبل قبضها.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]وفي هذه المدة لا تخلو تصرفات المميز أما أن تكون تصرفات نافعة له نفعا محضا فلا خلاف في صحتها، وذلك كقبول الهدية ونحوها، [/font]

شيخنا الكريم:
جاء في كشاف القناع ما نصه:
( ولا يصح منهما ) أي من المميز والسفيه ( قبول هبة ) ونحوها
( ووصية بلا إذن ) ولي كالبيع
( واختار الموفق وجمع ) منهم الشارح والحارثي
( صحته ) أي صحة قبول هبة ووصية ( من مميز ) بلا إذن وليه ( كعبد ) أي كما يصح في العبد قبول الهبة والوصية بلا إذن سيده نصا
ويكونان لسيده أ.هـ كلامه

فهذا الكلام في ظني لا يتفق مع ما ذكرته من عدم الخلاف في صحة تصرفات المميز النافعة فما رأيكم؟
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot] فقال لا تبع ما ليس عندك . } رواه الخمسة .[/font]


إضافة:
قال في تحفة الأحوذي عند شرحه لهذا الحديث ( أي شيئا ليس في ملكك حال العقد)
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه


قال القرافي (الفروق 3/265): « الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء وقليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل, وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة»

ذكر النووي رحمه الله في المجموع ما نصه:
(قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرا جاز البيع وإلا فلا )

هل نفهم من هذا النص أن الغرر يجوز في حالتين:
1-
إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة (ولو كان الغرر كثيرا)
2-إذا
كان الغرر حقيرا.؟

وجزاكم الله خير الجزاء.

 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]نعم هو كما ذكرت بارك الله فيك، ومن باب إتمام الفائدة فقد ذكر أهل العلم أن الغرر المؤثر والممنوع في العقود له أربعة شروط: [/font]
[font=&quot]الأول:[/font][font=&quot] أن يكون الغرر كثيرا أما إذا كان الغرر يسيرا فإنه لا تأثير له على العقد. قال القرافي (الفروق 3/265) : "الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام : كثير ممتنع إجماعا , كالطير في الهواء , وقليل جائز إجماعا , كأساس الدار وقطن الجبة , ومتوسط اختلف فيه , هل يلحق بالأول أم بالثاني" وقال النووي (9/311): " نقل العلماء الإجماع أيضا في أشياء غررها حقير منها أن الأمة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة , وإن لم ير ; حشوها ولو باع حشوها منفردا لم يصح . وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا , مع أنه قد يكون ثلاثين يوما , وقد يكون تسعة وعشرين . وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام"[/font]
[font=&quot]الثاني: أن يكون في المعقود عليه أصالة، أما إذا كان الغرر فيما يكون تابعا للمقصود بالعقد فإنه لا يؤثر في العقد . ومن القواعد الفقهية أنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في الأصول، ولذا جاز بيع الحمل تبعا لأمه، ولم يجز بيعه منفردا، وجاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إن بيعت مع أصلها ولم يجز بيعها منفردة، وجاز بيع الحيوان في ضرعه اللبن، ولم يجز بيع اللبن في الضرع، ونظائر ذلك كثيرة. [/font]
[font=&quot]الثالث: أن لا يكون بالناس حاجة في ذلك العقد المتضمن للغرر، قال النووي (9/311) : "الأصل أن بيع الغرر باطل . لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر } . والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه , فأما ما تدعو إليه الحاجة . ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار , وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر , وذكر أو أنثى , وكامل الأعضاء أو ناقصها , وكشراء الشاة في ضرعها لبن , ونحو ذلك , فهذا يصح بيعه بالإجماع" . [/font]
[font=&quot]الرابع: أن يكون الغرر في عقود المعاوضات، أما إن كان في عقود التبرعات فلا يمنع، منه وهذا الشرط محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال به، ومنهم من طرد المنع من الغرر في المعاوضات والتبرعات. [/font]
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

شيخنا الكريم:
جاء في كشاف القناع ما نصه:
( ولا يصح منهما ) أي من المميز والسفيه ( قبول هبة ) ونحوها
( ووصية بلا إذن ) ولي كالبيع
( واختار الموفق وجمع ) منهم الشارح والحارثي
( صحته ) أي صحة قبول هبة ووصية ( من مميز ) بلا إذن وليه ( كعبد ) أي كما يصح في العبد قبول الهبة والوصية بلا إذن سيده نصا
ويكونان لسيده أ.هـ كلامه

فهذا الكلام في ظني لا يتفق مع ما ذكرته من عدم الخلاف في صحة تصرفات المميز النافعة فما رأيكم؟

بارك الله فيك ظاهر العبارة كما قلت فعلى هذا تكون أفدتنا بوجود الخلاف، إلا أن يحمل كلام صاحب الكشاف على الهبة التي يخشى منها المنه والضرر، وأما ما كان محل نفع محض لا ضرر فيه، فيقال ما المانع منه، وعلى العموم جزاك الله خيرا على هذا التنبيه المفيد، ولكن السؤال هل يمكن أن نحذف العبارة المشكلة من المشاركة الأصل أم أنه لا يمكن التعديل بعد الرفع في الموقع، نحتاج فتوى تقنية في ذلك، لأن ذلك مفيد في مثل هذا التنبيه الذي ذكرته، وبعض الأحيان بعد إنزال الدرس يخطر لي إضافة شيء يكون محل المناسب في صلب المشاركة.
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

ولكن السؤال هل يمكن أن نحذف العبارة المشكلة من المشاركة الأصل أم أنه لا يمكن التعديل بعد الرفع في الموقع، نحتاج فتوى تقنية في ذلك، لأن ذلك مفيد في مثل هذا التنبيه الذي ذكرته، وبعض الأحيان بعد إنزال الدرس يخطر لي إضافة شيء يكون محل المناسب في صلب المشاركة.

شيخنا الفاضل:
أي عبارة تودون حدفها أو إضافتها أو تعديلها في هذا الدرس المبارك فاذكروها لي تكرما ومكان إضافتها وسأقوم بذلك بإذن الله.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,140
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

بارك الله فيكم جميعاً.
وكتب الله أجركم.
 
إنضم
22 نوفمبر 2010
المشاركات
16
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]وقول المصنف: (والميته) عام أريد به الخصوص فيستثنى منه ميتة السمك والجراد,[/font][font=&quot][/font]
جزاك الله خيراً على هذه الدروس القيمة .
قولك : " والميتة عام أريد به الخصوص " لا يستقيم مع قولك " فيستثنى منه ميتة السمك والجراد " . والصواب عام مخصوص .
كما أرجو العناية بتصحيح أخطاء الطباعة ، وذكر مصادر المعلومات الواردة في الشرح لتكمل الفائدة .
وبارك الله فيك ، ونفع بعلمك .
 
أعلى