العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم


وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين، أيها الأحبة الكرام في هذا الملتقى المبارك، بإذن الله سنبدأ في هذا الدرس في شرح كتاب البيوع من عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي، وبإذن الله سأحاول قدر المستطاع أن يكون هذا الدرس منتظما بحيث أقوم بإنزال درسين أسبوعيا بصورة منتظمة على قدر الوسع والطاقة، مراعيا في هذه الدرس أن يكون مناسبا في عبارته للمبتدئين من طلبة العلم، ونافعا للمتوسطين، ولن يخلو من فائدة للمتقدمين منهم، وبإذن الله سنتطرق في هذه الدرس إلى الخلاف في حدود ما في كتب المذاهب الأربعة، وربما ذكرت اختيار بعض المحققين من المتقدمين، وسأحرص بخاصة على ذكر ترجيحات شيخنا العثيمين رحمة الله تعالى، ولن ألتزم الترجيح في كل مسألة قناعة مني بأنه مسائل البيوع بخاصة لا يصار إلى الجزم فيها بالراجح في كثير من مسائلها لما يشوب هذا الباب من العلم من سعة الخلاف فيه، وقلة النصوص الصريحة التي يمكن أن يصار إليها في تحقيق الراجح في كل مسألة، فللقياس في هذا الباب -من العلم- والنظر في المقاصد والكليات الشرعية مقام لا يخفى على كل من له عناية به، ومما سأحرص عليه في هذا الدرس بإذن الله التعرض للمسائل المعاصرة والنوازل ومحاولة ذكر ما يتيسر منها تحت ما يناسبه من مواضيع الكتاب، ورجائي من الإخوة أن يعينوا أخاهم بما يتفضلون به عليه من استدراك أو تصحيح أو مناقشة، سائلا الله العلي العظيم لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل عملنا حجة لنا لا حجة علينا.


(وإن أردت أخي الكريم الوصول السريع إلى المبحث المطلوب يمكنك الرجوع إلى الفهرس)
هنا

------------------------------

وهذا هو الدرس الأول من هذه السلسلة:

قال المصنف رحمة الله تعالى: (كتاب البيع)
البيع مصدر, يقال: باعَه يَبِيعهُ بَيْعاً ومَبيعاً, والأصل أن المصادر لا تجمع, وإنما يجمع هذا اللفظ فيقال "البيوع" لاختلاف أنواعه.

والبيع لغة: ضد الشراء, ويرد بمعنى الشراء, فهو من الأضداد.
وهو مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء, ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة.
وشرعاً: مبادلة المال بالمال على التأبيد غير ربا ولا قرض.
وجواز البيع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس, والأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه, وجميع المعاملات المحرمة ترجع إلى ثلاثة أصول:
الأول: الربا.
الثاني: الجهالة والغرر.
قال القرافي (الفروق 3/265): « الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء وقليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل, وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة»
الثالث: الظلم.
قال المصنف : (قال الله تعالى: (وأحل الله البيع))
في الآية دليل على مشروعية البيع, وأل في البيع للاستغراق دالة على أن الأصل في البيوع الحل إ ما دل الدليل على منعه، ولذا يقول العلماء "الأصل في البيوع الإباحة".
قال الشافعي(الأم 3/3): «فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا, إلا ما نهى عنه رسول الله t منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله t محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه, وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى».
وقال ابن تيمية: «الأصل في العقود الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله ولم يحرم الله عقدا فيه مصلحة للمسلمين بلا مفسدة تقاوم ذلك».
وأصل حل البيع مما قام الإجماع عليه ، ولا زال الناس يعاملون بالبيع والشراء من لدن عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو مقتضى القياس فالناس لا غنى لهم عما في أيدي غيرهم، ولا سبيل لتحصيل ذلك إلا بالبيع والشراء.
- وهنا مقدمات ينبغي التنبه لها قبل الشروع في الكلام على كتاب البيوع:
المقدمة الأولى: اعلم أن العقود في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى عدة أقسام:
عقود معاوضات: كالبيع و الإجارة.
عقود التبرعات: كالهبة و الوصية والعارية.
عقود التوثيقات: مثل كالضمان و الوكالة و الرهن.
عقود المشاركات : كالمزارعة والمساقاة .
المقدمة الثانية: أقسام البيع:
يمكن أن يقسم البيع إلى عدة أقسام باعتبارات متعددة:
أولا: أقسام البيع باعتبار عوضي العقد:
المقايضة وهي مبادلة عرَض بعرَض، والعرض كل ما ليس بنقد، كبر بشعير.
الصرف وحقيقته مبادلة النقد بالنقد.
مبادلة النقد بالعرض وإلا هذا ينصرف لفظ البيع عند الإطلاق.
بيع المنافع وحقيقته مبادلة العين بالمنفعة كالإجارة.

ثانيا: أقسام البيع باعتبار الأجل:
البيع الحال المنجز بأن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا.
البيع إلى أجل بأن يؤخر الثمن ويعجل المثمن.
بيع السلم بأن يعجل الثمن ويؤخر المثمن
بيع الدين بالدين بأن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلا وهو ما يعبر عنه ببيع الكالئ.
ثالثا: أقسام البيع باعتبار كيفية تحديد الثمن:
بيوع الأمانات وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- بيع المرابحة
: أن يبيع البائع السلعة برأس لمال وبزيادة معلومة، فيخبر المشتري بالثمن الذي أخذها به ويضيف عليه زيادة معلومة.
- بيع الوضيعة
: أن يبيع السلعة برأس المال ناقص نقصا معلوما.
- بيع التولية: أن يبيع السلعة برأس المال.

المقدمة الثالثة: أركان البيع

أركان البيع ثلاثة:
- الصيغة.
- العاقدان.
- المعقود عليه.
الركن الأول: الصيغة
الصيغة ماصدر من المتعاقدين من قول أو فعل دال على إردتهما الباطنة إنشاء العقد وللبيع صيغتان:
1. الصيغة القولية
و هي الإيجاب و القبول.
الإيجاب وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من البائع أو من يقوم مقامه.
القبول: وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه.
والذي عليه جماهير أهل العلم أن الصيغة القولية ليس لها لفظ محدد بل كل لفظ دل على انتقال ملكية المبيع فهو داخل في الصيغة القولية، فليست الصيغة محصورة مثلا في لفظ بعت واشتريت ونحوه، ولذا ذكر أهل العلم أن الكتابة والإشارة المفهوم الدالة على الرضا ملحقة بالصيغة القولية.
2. المعاطاة
وصفة بيع المعاطاة أن تتم المبادلة بين البائع والمشتري من غير تلفظ بإيجاب أو قبول كما يحصل الآن في كثير من المتاجر تأخذ السلعة المعروف ثمنها وتعطي البائع المال دون تلفظ بإيجاب أو قبول.
وقد اختلف أهل العلم في صحة بيع المعاطاة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
ذهب الجمهور من الأحناف و المالكية و الحنابلة إلى صحة بيع المعاطاة، و استدلوا لذلك بمايلي:
1- قول الله تعالى "ياأيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، فالعبرة في العقود هي حصول التراضي بغض النظر عن الصيغة.
2- أن عمل الناس لا زال على اعتبار بيوع المعاطاة والعمل بها منذ القدم دون نكير، قال ابن قدامة ( المغني 4/4): " ولنا ، أن الله أحل البيع ، ولم يبين كيفيته ، فوجب الرجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق ، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ، ولأن البيع كان موجودا بينهم ، معلوما عندهم ، وإنما علق الشرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، مع كثرة وقوع البيع بينهم ، استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ، ولو كان ذلك شرطا ، لوجب نقله ، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأن البيع مما تعم به البلوى ، فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولم يخف حكمه ; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا ، وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ، ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعا"
القول الثاني: ذهب الشافعية إلى أن البيع بالمعاطاة لا يصح، واستدلوا على ذلك بضعف دلالة المعاطاة على الرضا فهي دون القول الصريح في الدلالة على الرضا وإرادة العقد لاحتمال إرادة غير العقد في التعاطي، ولا يخفى ما في هذا القول من الضعف، ومخالفة ما جرى عليه عمل الناس.
ومن ثم أعرض عنه جماعة من متأخري فقهاء الشافعية وذهبوا إلى ترجيح صحية بيع المعاطاة منهم النووي والبغوي.
القول الثالث: ما ذهب إليه بعض الشافعية كابن سريج والروياني من جواز بيع التعاطي في المحقرات، وما جرى عرف الناس وعادتهم على ببيعه معاطاة دون الأشياء النفيسة.
-شروط الصيغة:
1- أن يكون الإيجاب والقبول واضحين في الدلالة على إرادة إنشاء العاقدين العقد.
2- أن يكون القبول مطابقا للإيجاب بأن ينصبا على شيء واحد فيتفقان في المحل والمقدار فلا يصح بعتك السيارة بعشرة فيقول المشتري قبلتها بخمسة، أو يقول بعتك السيارة فيقول اشتريت الدار.
3- أن يكون الإيجاب والقبول متصلين عرفا بأن يقعا في مجلس العقد دون أن يتخلل ذلك ما يدل على إعراض أحدهما عن العقد.
1. 2. 3. 4. 1) 2) 3) 4) 1- 2- 3- 4- 1- 1) 2)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس السادس

باب الربا
قال المصنف: (عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى))
هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه, إلا أن زيادة (فمن زاد أو استزاد فقد أربى) لم تأت في حديث عبادة بن الصامت وإنما جاءت من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وقد أجمع أهل العلم قاطبة على أن الربا جار في هذه الأصناف الستة المنصوص عليها, قال ابن قدامة (المغني 4/27): "فهذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع . واختلف أهل العلم فيما سواها" أي واختلف أهل العلم فيما سواها هل يلحق بها أم لا على قولين:
القول الأول:
أن تحريم الربا مختص بالأصناف الستة المنصوص عليها، وهذا القول محكي عن طاوس وقتادة، وبه قال الظاهرية، مستدلين بعموم قوله تعالى: ﴿وأحل الله البيع﴾، وجريا على عادتهم في نفي القياس.
القول الثاني:
إلحاق ما شارك هذه الأصناف الستة في العلة في حكمها في تحريم الربا، وهذا قول عامة أهل العلم ممن يرى القياس، قال ابن قدامة (المغني 4/27): "واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة , وعلة الأعيان الأربعة واحدة , ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما"، وسيأتي الخلاف في المسألة القادمة من قول المصنف.
قال المصنف:
(ولا يجوز بيع مطعوم - مكيل أو موزون - بجنسه إلا مثلاً بمثل)
هنا شرع المصنف في الكلام على علة الربا في الأصناف الأربعة، وما ذكره رحمة الله من كون علة الربا فيها هي الطعم مع الكيل والوزن هو رواية في مذهب الإمام أحمد، والحاصل أن أهل العلم اختلفوا في علة الربا في على أقوال كثيرة هذه أهمها:
القول الأول:
أن العلة في الأصناف الأربعة الكيل والجنس وفي الذهب والفضة الوزن مع الجنس، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية والحنابلة فكل مكيلين أو موزونين اتفقا جنسا لم يجز التفاضل والنساء فيهما سواء كانا مطعومين أو غير مطعومين كالحناء والصابون، وكذلك الحديد والنحاس ونحوها مما يوزن، فخرج بذلك المعدودات كالفواكه والبيض ونحوها، وكذلك يخرج على هذا القول الفلوس والأوراق النقدية، واستدل أصحاب هذا القول بما ثبت عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا). وقال في الميزان مثل ذلك . متفق عليه ولمسلم " وكذلك الميزان ".
ووجه الدلالة أن الأصناف الأربعة جميعها مما يكال بدليل ذكر الصاع فيها وهو وحدة للكيل، ودليل الوزن قوله في الحديث: (وكذلك الميزان). ونوقش هذا لأخير بأنه ليس مرفوعا وإنما هو من قول أبي سعيد رضي الله عنه.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم شرط التماثل بقوله: (مثلا بمثل) والتماثيل إنما يحصل بالكيل أو الوزن، فعلم من ذلك أن ما لا يكال ولا يوزن ليس من الأموال الربوية، وأن الأموال الربوية هي ما يمكن تحقق المثلية فيها، ونوقش بأن المثلية قد تحصل بغير ذلك كالعد ونحوه، ثم إن يشكل في ذلك أن بعض الأمور قد تكون موزونة في بلاد مكيلة في أخرى، إلا أنه يمكن أن يجاب عن هذا باعتبار الكيل والوزن في العهد النبوي.
القول الثاني:
أن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية، وفي الأصناف الأربعة الاقتيات والادخار، الاقتيات والادخار، والمقصود بالاقتيات ما يقتات به وتقوم به بنية البدن، والمقصود بالادخار أن يكون مما لا يفسد بالتأخير، وقد ذكر العلماء أن في معنى القوت ما يصلح به القوت كالملح، والتوابل فخرج بالاقتيات ما لا يقتات كالفواكه، وبالادخار ما يقتات ولا يدخر كاللحم، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية، فعلى هذا تكون العلة قاصرة على الذهب والفضة سواء كانت تبراً أو مضروبة أو حلياً أو أوانياً، أما ما عدا الذهب والفضة فليس من الأموال الربوية فخرج بذلك الفلوس والأوراق النقدية.
واستدل أصحاب هذا القول بالنسبة لعلة الذهب والفضة بأنهما نقدان وجوهران نفيسان بهما تقدر الأشياء فهما ثمن المبيعات وبهما يتوصل إلى سائر الأشياء، وهما الرائجان في كل زمان ومكان، وأيضا مما يدل على ذلك جواز إسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الأموال، فإن هذا يدل على أن العلة فيهما معنى خاص فيهما لا يتعادهما وهو كونهما جنسا للأثمان، وإلا لما جاز إسلامهما بغيرهما من الموزونات والمكيلات.
أما بالنسبة للأصناف فاستدلوا على كون علتها الاقتيات والادخار بأنها أخص علة ممكن أن يعلل بها ذكر هذه الأصناف الأربعة، قال الباجي (المنتقى 4/240): " لما نص على أربعة أشياء مختلفة الأسماء والجنس علمنا أنه قصد إلى ذكر أنواع الجنس الذي يجري فيه الربا ... ووجه ثان وهو أنه لا خلاف أنه قصد بذكر هذه الأربع المسميات إلى التنبيه على علة الربا فيها فأتى بألفاظ مختلفة الجنس والمعنى وهذا يقتضي أن العلة أخص صفة توجد فيها، ووجدنا التمر يؤكل قوتا ويؤكل حلاوة وتفكها فلولا اقتران الحنطة والشعير به للحقت به الحلاوات والفواكه خاصة، ووجدنا الشعير يؤكل من أدنى الأقوات ويكون علفا فلولا اقتران الحنطة والتمر به لجاز أن يلحق به أدنى الأقوات خاصة دون أعلاها ولجاز أن يلحق به العلف من القضب والقرط، ووجدنا الملح مما يصلح الأقوات ويطيبها فلولا اقتران القمح والشعير به لجاز أن يلحق به الأقوات المصلحة ولجاز أن يلحق به الماء والبقول التي يصلح بها البطيخ، ووجدنا البر أرفع الأقوات وما يقتات عاما فلولا اقتران التمر والشعير به لقصرنا حكمه على رفيع الأقوات ومنعنا الربا أن يجري في أدونها أو يجري في الأرز وغيره مما لا يعم اقتياته، ولو أراد عموم العلة لاكتفى باسم واحد منها ; لأنه لا خلاف أن كلما كثرت أوصاف العلة كانت أخص وكلما قلت كانت أعم" .
القول الثالث:
أن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية، وفي الأصناف الأربعة كونها مطعومة، وسواء كانت مقتاتة أو غير مقتاتة، مكيلة أو غير مكيلة، موزونة أو غير موزونه، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، واستدلوا بالنسبة لعلة الذهب والفضة بما سبق واستدل به المالكية، أما الأصناف الأربعة فقالوا يدل على أن العلة فيها الطعم ما أخرجه مسلم من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل.
وأجيب عنه بأنه جاء في الحديث قول معمر: (وكان طعامنا يومئذ الشعير) فدل على أن الطعام يراد به في عرفهم الشعير، وقد ذكر الأصوليون من مخصصات العموم العرف المقارن، فيكون الطعام هنا عاما أريد به الخصوص، ثم لو كانت العلة هي الطعم لما جاز بيع البر بالشعير، ومعلوم بالإجماع جوازه، ولو متفاضلاً.
القول الرابع:
أن العلة في الذهب والفضة مطلق الثمنية مع الاقتيات والادخار، وهذا القول هو رواية عن المالكية، والقول بأن العلة في الذهب والفضة مطلق الثمنية هو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واختار ذلك أيضا شيخنا العثيمين.
فعلى هذا يدخل في هذه العلة الذهب والفضة والفلوس والأوراق النقدية وغيرها مما يستخدم ثمنا للتبادل، فيكون الفرق بين الذهب والفضية وغيرهما من الأثمان أن الذهب والفضة يجري فيها الربا مطلقا على أي شكل كانا مضروبين أو غير مضروبين تبراً (خاما) كان أو غير ذلك، أما ما عداهما فلا يلحق بهما إلا إذا شاركهما في كونه ثمنا عاما للتبادل، وهذا القول هو الذي عليه عامة أهل العلم المعاصرين، وبه أفتت المجامع الفقهية.
هذه هي أهم الأقوال في المسألة، وقد اختار شيخنا العثيمين أن العلة في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وفي الأصناف الأربعة كونها مكيلة مطعومة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلا أنه جعل العلة في الأصناف الأربعة الطعم مع الكيل والوزن أيضاً وهو كذلك رواية عن الإمام أحمد وهي التي اختارها ابن قدامة في هذا الكتاب كما تقدم، والقصد أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وإن كان القول بأن العلة في الذهب والفضة مطلق الثمنية ولا شك هو الأقوى، أما في الأصناف الأربعة فقول شيخ الإسلام محل قوة عندي، وكذلك لا يبعد عنه قول المالكية بالادخار والاقتيات.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الإخوة الكرام في هذا الملتقى المبارك:
أولا: أشكر لمن قرأ هذا الدرس المتواضع وعلق عليه او استدرك وللجميع مني جزيل الشكر، ووافر الامتنان.
ثانيا: لا أخفيكم أني في كثير من الأحيان أسارق الوقت حتى أستطيع كتابة ما بين ايديكم فمقدما اعتذر عن بعض الأخطاء المطبعية التي لا أظنها ستنتهي، وكذلك قد يحصل مع العجلة ركاكة في العبارة أو تشويش غير مقصود، كما ادعو كل من يجد ملاحظة أو خطأ أو تنبيه أن لا يبخل به علي، فالمقام هنا مقام استفادة ومدارسة، ورحم الله امرأ أهدى لي عيوبي.
 
إنضم
30 يونيو 2010
المشاركات
10
التخصص
أصول الفقه
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

مدارسة مباركة..
وأضم صوتي إلى من قال بإفراد كل درس على حدة حتى يتسنى التعليق عليه لمن يدخل متأخرًا، وإلا طال الفصل..
ولعل ذلك أيضًا يكون أعون على المذاكرة.. والله أعلم.
 

سلوى

:: متابع ::
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
51
التخصص
أصول فقه
المدينة
الخرطوم بحري
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الأخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية استأذنكم في المشاركة في هذه الدروس القيمة وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق، ولدي بعض الاستفسارات:
أولاً: ذكرت شيخنا على مذهب الحنفية أن في الكلب قيمته مطلقاً؛ هل كلمة (مطلقاً) تشمل الكلب المباح (كلب الصيد أو الماشية أو الحرث) والكلب غير المباح، فإذا كان الأمر كذلك فهو يخالف ما ذهب إليه الأحناف في القول الثاني أعلاه من جواز بيع كل كلب فيه نفع.
ثانياً:لا أسلم بما رجحه الشيخ أمين في أنه[font=&quot] ([/font]يجوز بيع العين الغائبة إذا تحقق أحد أمرين وذكر في الأمر الثاني: على أن للمشتري الخيار عند رؤية المبيع فيصح البيع وإن لم توصف له السلعة وصفاً منضبطاً، في أعتقادي أن جواز بيع العين الغائبة يتحقق بوصف العين الغائبة وصفاً منضبطاً ومع ذلك لا بدَّ أن يكون للمشتري الخيار عند رؤية المبيع ولا يصح البيع إلا إذا كانت الصفة موافقة للعين المبيعة سداً لباب الغرر واستغلال الغير الذي انتشر في عصرنا، وتفادياً للنزاع بين البائع والمشتري الذي يؤدي إلى حدوث العداوة والبغضاء.
ثالثاً: لم أفهم المقصود من عبارة المصنف: (ولا بيع المغصوب إلالغاصبه أو من يقدر على أخذه منه) أرجو شاكرة التوضيح بذكر أمثلة.
وأثابكم الله خيراً
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]الأخت سلوى سلمك االله:
أولا: أشكر لك اهتمامك وتفاعلك ويسرني مشاركتك وإثراؤك لهذا المدارسة. [/font]
[font=&quot]ثانيا: قولي: (مطلقا) أي سواء كان كلب صيد أو ماشية أو حرث أو لا، معلما أو غير معلم، فيضمن عند الأحناف لأنه وإن لم يكن معلما فهو قابل للتعليم، ثم هو أيضا يمكن الانتفاع بجلده عندهم، فصور الانتفاع عندهم اعم من كونه الكلب كلب ماشية أو صيد أو زرع، وهذا نص عليه الأحناف في كتبهم ويراجع في ذلك حاشية ابن عابدين وغيرها. [/font]
[font=&quot]ثالثا: قولك سلمك الله: (لا أسلم بما رجحه الشيخ أمين) أنا لم أرجح بارك الله فيك وإنما نقلت كلام الشيخ يوسف الشبيلي حفظه الله وما رجحه، وكلامه موضوع بين علامتي تنصيص، وعلى العموم ما ذكرتي قد قيل به وعندئذ يكون الخيار خيار خلف في الصفة. [/font]
[font=&quot]رابعا: قول المصنف: (ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه[/font]([font=&quot] معناه أنه لا يجوز بيع العين المغصوبه إلا لمن غصبها لأنه في هذه الحالة إمكانية تسليم المبيع متحققه إذ هي أصلا في يد المشتري الذي هو الغاصب، فمثلا لو غصب زيد من عمرو ثوبا ثم تصالحا على أن يشتريه زيد فذلك جائز.[/font]
[font=&quot](أو من يقدر على أخذه منه) أي يجوز بيع العين المغصوب لمن يقدر على استنقاذها من يد الغاصب، لأن تسلم السلعة غير متعذر، ففي المثال السابق لو باع عمرو الثوب على شخص آخر يدعى خالدا مع كون الثوب لا زال مغصوبا عند زيد جاز ذلك إذا كان خالد قادرا على استنقاذ الثوب منه وتسلمه. [/font]
 

سلوى

:: متابع ::
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
51
التخصص
أصول فقه
المدينة
الخرطوم بحري
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot][/font]
[font=&quot] لا يجوز بيع العين المغصوبه إلا لمن غصبها لأنه في هذه الحالة إمكانية تسليم المبيع متحققه إذ هي أصلا في يد المشتري الذي هو الغاصب، [/font][font=&quot]. [/font]
أشكرك شيخنا الفاضل للشرح والتوضيح ولكن مازالت هنالك مسألة لم أفهمها وهي أن الشخص الذي
أغتصب العين جاز له بيعها والاستفادة من ثمنها! فبدلاً من أن يعاقب المغتصب يسمح له ببيعها. ألم يكن الأولى أن تنزع منه العين المغتصبة، ويحاسب على ذنبه، بدلاً من أن نقول له يجوز لك بيع العين المغتصبة! ألا يبدو هذا كأنه إقرار ضمني على اغتصابه للعين؟.
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الأخت سلوى سلمك الله:
يبدو أنك فهمت المسألة على غير وجهها، الذي يبيع هنا ليس الغاصب وإنما هو صاحب السلعة المغصوبة، فالمراد أن صاحب السلعة المغصوبة لا يجوز له بيعها على أحد إلآ على من غصبها منه وذلك يحصل كثيرا فيكون الغاصب معترفا بغصبه ولكنه يريد أن يبقي السلعة في يده فيتصالح هو وصاحبها على أن يبيعها صاحبها على الغاصب فهذا جائز إذا كان برضا صاحبها ولم يحصل في ذلك غرر عليه.
 

سلوى

:: متابع ::
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
51
التخصص
أصول فقه
المدينة
الخرطوم بحري
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الأخت سلوى سلمك الله:
يبدو أنك فهمت المسألة على غير وجهها، الذي يبيع هنا ليس الغاصب وإنما هو صاحب السلعة المغصوبة، فالمراد أن صاحب السلعة المغصوبة لا يجوز له بيعها على أحد إلآ على من غصبها منه وذلك يحصل كثيرا فيكون الغاصب معترفا بغصبه ولكنه يريد أن يبقي السلعة في يده فيتصالح هو وصاحبها على أن يبيعها صاحبها على الغاصب فهذا جائز إذا كان برضا صاحبها ولم يحصل في ذلك غرر عليه.

الآن وضحت المسألة، بارك الله فيك شيخنا الفاضل وأثابك خيراً
 
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]- [/font][font=&quot]مسألة: حكم بيع الأنموذج:[/font]
[font=&quot]بيع الأنموذج هو أن يري البائع المشتري عينة من السلعة التي يريد بيعها له، ويبيعه إياها على أن السلعة من جنس النموذج دون وصف لها، وأهل العلم في هذه المسألة على قولين: [/font]
[font=&quot]الأول: ذهب الحنابلة إلى عدم صحة البيع، وإلى ذلك ذهب الشافعية في الجملة، لما في ذلك من الغرر.[/font]

جاء في الروض المربع مانصه:
(و ) الشرط السادس ( أن يكون ) المبيع معلوما عند المتعاقدين لأن جهالة المبيع غرر ومعرفة المبيع إما ( برؤية ) له أو لبعضه الدال عليه...
ولا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه)

فهل نفهم من هذا النص بأن رؤية بعض المبيع تنقسم في المذهب إلى قسمين:
القسم الأول:أن تكون رؤية بعض المبيع تدل على بقيته فيصح البيع.
القسم الثاني:أن تكون رؤية بعض المبيع لا تدل على بقيته فلا يصح البيع.
وهل القسم الثاني هو عينه بيع الأنموذج؟

وجزاكم الباري خيرا ونفع بكم..
 
إنضم
30 أكتوبر 2010
المشاركات
15
الكنية
أبو العباس
التخصص
ليس بعد
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

جزاكم الله خيرا ..

كيف السبيل الى التفاعل والمشاركة (نرجو توضيح طريقة ومنهج للتفاعل)؟
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه


جاء في الروض المربع مانصه:
(و ) الشرط السادس ( أن يكون ) المبيع معلوما عند المتعاقدين لأن جهالة المبيع غرر ومعرفة المبيع إما ( برؤية ) له أو لبعضه الدال عليه...
ولا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه)

فهل نفهم من هذا النص بأن رؤية بعض المبيع تنقسم في المذهب إلى قسمين:
القسم الأول:أن تكون رؤية بعض المبيع تدل على بقيته فيصح البيع.
القسم الثاني:أن تكون رؤية بعض المبيع لا تدل على بقيته فلا يصح البيع.
وهل القسم الثاني هو عينه بيع الأنموذج؟

وجزاكم الباري خيرا ونفع بكم..
[font=&quot]الأخ عبد العزيز سلمه الله: ما ذكرته من القسمين صحيح، أما بيع الأنموذج فلا يدخل في القسم الأول ولا الثاني، لأن مذهب الحنابلة يشترطون في الرؤية أن تكون الرؤية لبعض المبيع وأن تكون الرؤية مقارنة للعقد أو قبله بزمن لا يتغير فيه المبيع، أما في بيع الأنموذج فهو لا يريه السلعة المبيعة التي يتم عليه العقد ولا يريه بعضها وإنما يريه نموذجا يدل على جنس المبيع فهو حقيقة لم ير السلعة التي وقع عليها العقد حين العقد ولا بعضها، ولهذا قال صاحب الإنصاف عند كلامه على شروط البيع (4/295): "( السادس : أن يكون معلوما برؤية ) يعني من المتعاقدين، يصح البيع بالرؤية، وهي تارة تكون مقارنة للبيع، وتارة تكون غير مقارنة، فإن كانت مقارنة لجميعه صح البيع بلا نزاع، وإن كانت مقارنة لبعضه فإن دلت على بقيته : صح البيع . نص عليه . فرؤية أحد وجهي ثوب تكفي فيه إذا كان غير منقوش، وكذا رؤية وجه الرقيق، وظاهر الصبرة المتساوية الأجزاء من حب وتمر ونحوهما، وما في الظروف من مائع متساوي الأجزاء، وما في الأعدال من جنس واحد ونحو ذلك . ولا يصح بيع الأنموذج , بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه , على الصحيح من المذهب"[/font]

[font=&quot]هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة،ومن كان لديه توضيح أكثر فليفدنا به مأجورا.[/font]
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الأخ أحمد سلامه سلمه الله:
طريقة ومنهج هذا الدرس هو أن أخاك يقوم بإعداد درسين أسبوعين تقريبا كحد أدنى يتم إنزالهما في الملتقى، وبعد ذلك يكون المجال مفتوحا لجميع الإخوة بالسؤال أو الاستدراك أو الإفادة بمعلومة، أو ضابط أو توضيح ، وإن شاء الله بعد كل عشرة دروس تقريبا - وهذا ما أتمنى أن أن يتيسر- سوف أقوم بإرفاق ملف فيه مجموعة من الأسئلة تستوعب الدروس العشرة السابقة، بحيث يستطيع المتابع أن يقيم مدى استفادته من الدرس وتكون كالمراجعة لما سبق.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
26 مارس 2009
المشاركات
753
الكنية
أبو عمر
التخصص
(LL.M) Master of Laws
المدينة
القريات
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

[font=&quot]الأخ عبد العزيز سلمه الله: ما ذكرته من القسمين صحيح، أما بيع الأنموذج فلا يدخل في القسم الأول ولا الثاني، لأن مذهب الحنابلة يشترطون في الرؤية أن تكون الرؤية لبعض المبيع وأن تكون الرؤية مقارنة للعقد أو قبله بزمن لا يتغير فيه المبيع، أما في بيع الأنموذج فهو لا يريه السلعة المبيعة التي يتم عليه العقد ولا يريه بعضها وإنما يريه نموذجا يدل على جنس المبيع فهو حقيقة لم ير السلعة التي وقع عليها العقد حين العقد ولا بعضها، ولهذا قال صاحب الإنصاف عند كلامه على شروط البيع (4/295): "( السادس : أن يكون معلوما برؤية ) يعني من المتعاقدين، يصح البيع بالرؤية، وهي تارة تكون مقارنة للبيع، وتارة تكون غير مقارنة، فإن كانت مقارنة لجميعه صح البيع بلا نزاع، وإن كانت مقارنة لبعضه فإن دلت على بقيته : صح البيع . نص عليه . فرؤية أحد وجهي ثوب تكفي فيه إذا كان غير منقوش، وكذا رؤية وجه الرقيق، وظاهر الصبرة المتساوية الأجزاء من حب وتمر ونحوهما، وما في الظروف من مائع متساوي الأجزاء، وما في الأعدال من جنس واحد ونحو ذلك . ولا يصح بيع الأنموذج , بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه , على الصحيح من المذهب"[/font]

[font=&quot]هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة،ومن كان لديه توضيح أكثر فليفدنا به مأجورا.[/font]


شيخنا الكريم:
عند قراءتي لهذا الجواب المتقن خطر ببالي السؤال التالي:
إذا كان البيع عن طريق وصف المبيع جائزا على المذهب الحنبلي فلماذا لا يجوز بيع الأنموذج وهو فيما أظن أقوى من البيع بالصفة؟
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه


إذا كان البيع عن طريق وصف المبيع جائزا على المذهب الحنبلي فلماذا لا يجوز بيع الأنموذج وهو فيما أظن أقوى من البيع بالصفة؟
لما ذكرته لك أخي عبد العزيز من التفريق الذي ذكره صاحب الإنصاف، وإن كان ما ذكرته سلمك الله متوجه بقوة، ولذا ذهب إليه جمع من الحنابلة لقوته، وقد تقدم أنه جواز بيع الأنموذج هو قول جمهور أهل العلم.
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس السابع:

قال المصنف: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزون كيلاً)
أي لا يجوز بيع ربوي مكيل بمثله إلا كيلا فلا بد أن يتساويا بمعيار الكيل، وكذلك لا يجوز بيع ربوي موزون بمثله إلا وزنا فلا بد من أن يتساويا بمعيار الوزن، وهذا هو المشهور من مذهب الأئمة الأربعة، واستدلوا بما أخرجه البيهقي من حديث عبادة رضي الله عنه مرفوعا: (الذهب بالذهب وزنا بوزن ، والفضة بالفضة وزنا بوزن ، والبر بالبر كيلا بكيل ، والشعير بالشعير كيلا بكيل).
فأمر بالمساوة في الموزونات المذكورة في الوزن، والمساواة في المكيلات بالكيل.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز بيع المكيل وزنا والموزون كيلا إذا تحقق التماثل لأنه هو المقصود، قال في الإنصاف (5/16): "وقال في الفائق : وقال شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه الله إن بيع المكيل بجنسه وزنا شاع . وقال في الفروع : ويتوجه من جواز بيع حب بدقيقه وسويقه جواز بيع مكيل وزنا وموزن كيلا، اختاره شيخنا "
قال شيخنا العثيمين (الشرح الممتع 8/402): "الاحتياط أن لا يباع المكيل إلا كيلاً ولا يباع الموزون بمثله إلا وزناً إلا ما يتساوى فيه الوزن والكيل فلا شك في أن بيعه كيلاً أو وزناً جائز".
مسألة: ما هو المرجع في معرفة المكيل من الموزون؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أن المرجع في ذلك إلى العرف بالحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكل شيء كان موزونا أو مكيلا إنما يأتم الناس فيهما بأهل مكة وأهل المدينة وإن تغير في سائر الأمصار فما كان موزونا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدرا بالوزن يقدر به في سائر الأمصار ولا يجوز تقديره بالكيل، ويوزن بالوزن السائد في مكة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان مكيلا في عهده صلى الله عليه وسلم يقدر بالكيل في سائر البلدان وبمعيار المدينة ولا يقدر بالوزن.
واستدلوا لذلك بما أخرجه النسائي في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة).
وقد نص الحنابلة على أن ما لم يكن له عرف في مكة والمدينة يعمل فيه بالعرف في موضعه.
القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أن ما نص الشارع على كونه موزونا كذهب وفضة فهو كذلك لا يتغير أبدا , وما نص على كونه مكيلا كبر وشعير وتمر وملح فإنه كذلك لا يتغير أبدا ولو مع التساوي , لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى بالأدنى , وما لم ينص الشارع عليه حمل على العرف، وقريب من ذلك قال المالكية إلى أنهم عبروا في ما لا نص فيه بأن المعتبر فيه العادة العامة، وما قال به الحنفية هو الذي كان يميل إليه شيخنا العثيمين رحمه الله.
القول الثالث: ذهب بعض أهل العلم إلى أن المعتبر هو العرف مطلقا ولو في المنصوص عليه، وهو قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، لأن النص جاء بما كانت عليه العادة والعرف في ذلك الزمان، فإذا تغير العرف والعادة بعد ذلك عمل بهما إذ المقصود تحقق المماثلة.
قال المصنف: (وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد)
فمتى اختلف الجنسان جاز البيع كيفما يشاء كيلا أو وزنا أو جزافا إذ التساوي غير مشترط، وإنما الشرط هنا عدم النساء، وهذا محل إجماع بين أهل العلم، قال ابن قدامة (المغني 4/26): «ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد , إلا سعيد بن جبير , فإنه قال : كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا , كالحنطة بالشعير , والتمر بالزبيب , والذرة بالدخن ; لأنهما يتقارب نفعهما , فجريا مجرى نوعي جنس واحد . وهذا يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد , وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم) فلا يعول عليه . ثم يبطل بالذهب بالفضة , فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما».
ودليل ذلك ما تقدم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
وتلخيصا لهذه المسألة يمكن القول بأن لها ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يتحد الصنفان في الجنس والعلة, كذهب بذهب, أو بُر ببر, فهنا لا بد من التقابض والتساوي، وهو محل إجماع بين أهل العلم.
الحال الثانية: أن يختلف الصنفان في الجنس ويتحدا في العلة, كذهب بفضة, أو تمر بشعير, فالواجب التقابض فقط، وهذا محل إجماع بين أهل العلم.
الحال الثالثة: أن يختلف الصنفان في الجنس والعلة, كذهب بتمر, أو فضة بشعير, فلا يشترط لا التقابض والتساوي، وهذا محل إجماع بين أهل العلم أيضا.
قال المصنف: (وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد)
مراد المصنف هنا أن كل شيئين يجمعهما اسم خاص بأصل الخلقة فهما جنس واحد، فمثلا التمور كلها جنس واحد فالتمر العجوة والتمر السكري والتمر البرني كلها جنس واحد، لأنها يجمعها الاسم الخاص وهو التمر، وكذلك الشعير وإن اختلفت أنواعه يجمعها اسم واحد، فإن اختلف الشيئان في الاسم الخاص فهما جنسان، فالتمر جنس والبر جنس، والشعير جنس والملح جنس وهكذا، ولذا تراه صلى الله عليه وسلم قال: (التمر بالتمر مثلا بمثل ، والبر بالبر مثلا بمثل.....)، وفي حديث أبي هريرة قال: (بع الجمع بالدراهم ثم اشتر به جنيبا) فجعل التمر جمعه وجنيبه جنسا واحدا، وهذا الذي ذكرناه هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة، وخالفهم الحنفية والمالكية، وقد تعمدت أن لا أذكر قولهما دفعا للتشويش الذي قد يعرض للمبتدئ ، ولأن بعض الأقوال فيها مخالفة لظاهر الأحاديث.
قال المصنف: (فإن فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان)
مراد المصنف هنا أن فروع الأجناس تعتبر بأجناسها فلا يعني الاتفاق في اسم الفروع أنها متفقة في الجنس، فمثلا دقيق البر ودقيق الشعير متفقان في اسم الدقيق ولا يعني ذلك انهما صارا جنسا واحد باعتبار هذا الاسم وإنما المعتبر هو أصولهما فأصل دقيق البر هو البر، وأصل دقيق الشعير هو الشعير، والبر جنس والشعير جنس آخر، فعلى هذا يجوز بيع دقيق البر بدقيق الشعير متفاضلا، وكذلك يقال مثلا في زيت الزيتون وزيت السمسم هما جنسان باعتبار أصلهما.
قال المصنف: (ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه)
أي لا يجوز بيع رطب من الأجناس الربويه بيابس من جنسه فلا يجوز بيع الرطب بالتمر، أو العنب بالزبيب، ولا البر المبلول باليابس وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين:
القول الأول: عدم جواز ذلك وهذا هو المشهور من مذهب المالكية, والشافعية, والحنابلة, وقول صاحبي أبي حنيفة، واستدلوا بما رواه الإمام أحمد من حديث سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عن شراء التمر بالرطب فقال صلى الله عليه وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس)؟ قالوا: نعم, فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
كما استدلوا بأحاديث النهي عن المزابنة, والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا ، وبيع العنب بالزبيب كيلا, ولأنه يشترط التماثل في بيع الربوي بجنسه، وهو غير متحقق هنا لنقص اليابس في المقدار عن الرطب.
القول الثاني: جواز بيع الرطب باليابس, وبه قال أبو حنيفة مستدلا بعموم حديث عبادة بن الصامت: (الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيد) .
والرُّطَب إمّا أن يكون تمراً ، أو لا يكون, فإن كان تمراً ، جاز العقد عليه ، لدخول في عموم أوّل الحديث : (التّمر بالتّمر)، وإن كان غير تمر، جاز العقد عليه أيضاً ، لقوله في آخر الحديث : (فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيد).
وأما ما استدل به الجمهور من حديث سعد رضي الله عنه فأعله أبو حنيفة من وجهين:
الأول: أنّه دائر على زيد بن عيّاش ، وزيد بن عيّاش ممّن لا يقبل حديثه وهو مجهول.
قال ابن قدامة (المغني 4/32): « قال الخطابي:وقد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في بيع الرطب بالتمر.
وقال : زيد أبو عياش راويه ضعيف . وليس الأمر على ما توهمه ، وأبو عياش مولى بني زهرة معروف ، وقد ذكره مالك في " الموطأ " ، وهو لا يروي عن متروك الحديث»
الثاني: على فرض الصحة، فقد ورد الحديث بلفظ « نهى عن بيع الرّطب بالتّمر نسيئةً » وهذه زيادة يجب قبولها، وأجاب الجمهور على ذلك بأن لفظ: (نسيئة) غير محفوظ في الحديث، وقد تكلم فيها الإمام الدارقطني.
فالراجح في هذه المسألة قول الجمهور.
قال المصنف: (ولا خالصة بمشوبة)
وهذا مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، فلا تباع حنطة خالصة بحنطة فيها شعير، أو فضة خالصة بفضة مغشوشة، لعدم التماثل في القدر، قال شيخنا العثيمين (الشرح الممتع 8/417): " إلا أنه يستثنى من ذلك الخلط اليسير أو ما كان لإصلاح المخلوط فإنك لا تكاد تجد براً خالصاً ليس فيه حبة شعيرة".
ومثل ذلك الذهب فإنه من المعلوم أن الذهب لا يستمسك إلا بإضافة معدن يسير كالنحاس، فمثلا هذا الخلط اليسير الذي لا يلتفت إليه الناس ولا يعد غشا معفو عنه.
وذهب الحنفية إلى جواز بيع الخالص بالمشوب إذا علم أن الخالص أكثر لكي يقابل ما شيب في المشوب.
قال المصنف: (ولا نيئة بمطبوخة)
فلا يجوز بيع بر نيئ ببر مطبوخ، أو لحم نيئ بلحم مطبوخ، لعدم التماثل إذ النار تنعقد بها أجزاء الطعام وتؤثر في قدره، وهذا هو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
19 أكتوبر 2010
المشاركات
55
الكنية
أبو أحمد
التخصص
العام:(الفقه و أصول الفقه)، الخاص:(السياسة الشرعية و الأنظمة- الدراسات القضائية)
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الحنفي، و الدراسة: الفقه المقارن
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

بارك الله فيكم و يجزيكم الخير
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس الثامن:

قال المصنف: (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة)

لا خلاف بين أهل العلم في تحريم بيع المزابنة، وإن كانوا يختلفون في صوره، قال النووي (شرح مسلم 10/188): «وقد اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وأنه ربا, وأجمعوا أيضا على تحريم بيع العنب بالزبيب, وأجمعوا أيضا على تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية وهي المحاقلة».
يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، أو كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام، ونهى عن ذلك كله.
كما أن هذا البيع فيه شبهة الربا من جهة كونه بيعا لربوي بجنسة مع احتمال عدم المساوة، ولما فيه من الغرر أيضا.
قال المصنف: (وهو شراء التمر بالتمر في رؤس النخل)

هذا هو التعريف المشهور للمزابنة عند جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة، أن بيع المزابنة أن يبيع التمر في رؤوس النخل بتمر على الأرض خرصا، فيخرص الخارص كم على النخلة من تمر فإذا قدره مثلا بصاعين، يشتري المشتري ما على النخل من التمر بصاعين منه على الأرض، وهذا التعريف هو الذي جاءت به النصوص في حديث ابن عمر المتقدم، ولذا قال ابن عبد البر (13/309): «ولا خلاف بين العلماء أن المزابنة ما ذكر في هذه الأحاديث تفسيره عن ابن عمر من قوله أو مرفوعا، وأقل ذلك أن يكون من قوله وهو راوي الحديث فيسلم له, فكيف ولا مخالف في ذلك».
وذهب المالكية إلى أن المزابنة تشمل بيع كل معلوم بمجهول، أو مجهول بمعلوم.
قال المصنف: (ورخص في بيع العرايا)

العرايا في اللغة أصلها من العَرِيَّة : فَعيلة بمعنى مَفْعُولة من عَرَاه يعْرُوه إذا قصَده.
ويَحتَمِل أن تَكُون فَعيلة بمعنى فَاعِلَة من عَرِيَ يَعْرَى إذا خَلَع ثوبه كأنَّها عُرِّيت من جُمْلة التَّحْريم ، فكأنها سميت بذلك من جهة أن صاحب النخل يخلي نخله من ثمره من بين سائر نخله.
وجواز بيع العرايا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة من حيث الأصل، وإن كانوا يختلفون في تفسيره على قولين:
القول الأول:
أن بيع العرايا هو أن يكون لرجل نخيل فيعطي رجلا منها ثمرة نخلة أو نخلتين، ثم يثقل على المالك دخول المهدى إليه حائطه, فيسأله أن يتجاوز له عنها على أن يعطيه بمكيلتها تمرا عند إصرام النخل، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، والمالكية، فعلى هذا التفسير لا تعدوا العرايا أن تكون نوعا من أنواع العطية، ويكون تسميتها بالبيع على سبيل التجوز.
االقول الثاني: أن العرايا ما هي إلا صورة من صور بيع المزابنة, وإنما استثنيت بالجواز من جهة النص للحاجة إليها، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة، فتفسير العرايا عندهم هو بيع الرطب على رؤوس النخل بما يؤول إليه من التمر يابساً خرصا.
وصورة ذلك أن يخرص الخارص الرطب الذي على النخل ويقدر قدره إذا جف مثلا بأنه سيكون منه أربعة أوسق من التمر، فيبيع صاحب النخل هذا الرطب بأربعة أوسق من التمر ، ويتقابضان في المجلس فيسلم المشتري الثمن ويسلم بائع الرطب الرطب بالتخلية.
وهذه الصورة غير جائزة عند الحنفية والمالكية، ويجعلونها من صور المزابنة الممنوعة.
استدل الشافعية والحنابلة على الجواز بما ثبت في الصحيحين من حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه أذن لهم.
وبما ثبت في الصحيح من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا
فهذه الأحاديث صريحة في الرخصة في بيع العرايا وأنه مستثنى من تحريم المزابنة، ولذا قال ابن المنذر ( المغني 4/58): « الذي نهى عن المزابنة هو الذي أرخص في العرايا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى».
قال المصنف: (فيما دون خمسة أوسق)

أي أن جواز العرايا مشروط في أن تكون فيما دون خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، وبهذا قال الحنابلة، فاشترطوا لجواز العرايا أن تكون فيما دون خمسة أوسق، وذهب الشافعية في المشهور من مذهبهم أنه يشترط في العرايا أن تكون في خمسة أوسق أو فيما دونها، وموجب الخلاف هو الخلاف في تفسير ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله r رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة" ( يشك داود قال خمسة أو دون خمسة).
فالشك الذي وقع فيه داود بن الحصين حصل الخلاف بناء عليه بين المذهبين، فالحنابلة عملوا باليقين وهو مادون الخمسة أوسق، فيبقى المشكوك فيه على التحريم، قال ابن حجر (فتح الباري 4/388): «وسبب الخلاف أن النهى عن بيع المزابنة هل ورد متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهى عن بيع المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في بيع العرايا، فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم ويرجح الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله».
قال المصنف: (أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً)

المعنى أن الرطب على النخل في العرايا يباع بقدره من التمر خرصا، فيخرص كم يكون قدر الرطب الذي على النخل من التمر لو يبس ويبيع الرطب به لا أقل ولا أكثر، فيأتي الخراص الماهر ويقول هذا الرطب إذا جف يكون مساوياً لهذا التمر الذي اشتري به، قال ابن قدامة (4/59): "إنما يجوز بيعها بخرصها من التمر , لا أقل منه ولا أكثر ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل , ولا يجوز جزافا . لا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافا"
فائدة: اشترط الحنابلة لجواز العرايا خمسة شروط:
- أن يكون فيما دون خمسة أوسق.
- أن يكون بيعها بخرصها من التمر, فتخرص النخلة بما تؤول إليه تمراً
- وأن يقبض ثمنها قبل التفرق؛ لأنها تمر بتمر فشرط فيها التقابض.
- أن يكون للمشتري حاجة للرطب بأن يكون قصده أكله والتفكه به لا ادخاره .
- أن لا يكون معه ما يشتري به سوى التمر.
مسألة:
هل تجوز العرايا في غير النخل؟
القول الأول:
المشهور من مذهب الحنابلة أن جواز العرايا مختص بالنخل، فعلى هذا لا يجوز بيع العنب على الشجر خرصا بزبيب، ولا المشمش على الشجر بيابس منه، وهكذا، وقالوا الرخصة وردت في النخل فلا يقاس عليها.
القول الثاني:
ذهب الشافعية إلى جواز ذلك في النخل والعنب خاصة، فيقاس العنب على الرطب بجامع كونه يدخر يابسه ويمكن خرصه , فأشبه الرطب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الرطب والعنب في إيجاب العشر , وفي سن الخرص فيهما، وبهذا قال بعض الحنابلة.
والقول الثالث:
جواز العرايا في كل ثمر وهو قول عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، قال في الإنصاف (5/33): "وهو مقتضى اختيار الشيخ تقي الدين" ، وكذلك اختار هذا القول شيخنا العثيمين؛ لأن العلة التي من أجلها رخص في عرايا النخل موجودة في غيرها من الثمار، ويؤيد ذلك ما ذكره البيهقي في سسننه أن الشافعي قال: "وقيل لمحمود بن لبيد ، أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إما زيد بن ثابت وإما غيره : ما عراياكم هذه ؟ قال : فلان وفلان ، وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول من قوتهم من التمر ، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا".
وهذه الحاجة في النخل وفي غيره مما يقصد الناس إلى التفكه به.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الدرس التاسع

باب بيع الأصول والثمار
قال المصنف: (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع))
هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والتأبير هو تلقيح النخل بأن يوضع شيء من طلع فحل النخل في طلع الأنثى إذا انشق فتصلح ثمرته بإذن الله تعالى، واستدل به على أن الثمر بعد التأبير يكون للبائع إلا إن اشترطه المشتري، وسيأتي الكلام على المسألة.

قال المصنف: (وكذلك سائر الشجر إذا كان ثمره بادياً)

أي في كونه بعد التأبير يكون الثمر فيه للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم على أقوال:
القول الأول:
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الثمرة التي تكون على الشجرة عند البيع إن كانت مؤبرة فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري ، واستدلوا بما ثبت من حديث ابن عمر المتقدم، فمنطوقه صريح في كون الثمرة بعد التأبير للبائع، ومفهومه أنها قبل التأبير تكون للمشتري.
فإن اشترط أحدهم كون الثمرة له كانت له مؤبرة كانت أم غير مؤبرة، إذ المسلمون على شروطهم، وبهذا قال الشافعية والحنابلة، ومنع المالكية اشتراط البائع للثمرة قبل التأبير وجعلوا ذلك من بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وقد أجاب الشافعية والحنابلة أن هذا من باب استثناء بعض المعقود عليه، ولا مانع منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الثنيا ما لم تعلم فإذا عُلمت فلا بأس.
القول الثاني:
ذهب الحنفية إلى أن الثمرة التي تكون على الشجرة عند البيع للبائع إلا أن يشترطها المشتري, سواء أبرت أم لم تؤبر، وهذا فرع عن إنكار الحنفية لمفهوم المخالفة.
القول الثالث:
وذهب ابن أبي ليلى إلى أن الثمرة تكون للمشتري مطلقا وذلك لاتصالها بالأصل خلقة أشبهت الأغصان، قال النووي (طرح التثريب 6/120): «قوله باطل منابذ لصريح السنة ولعله لم يبلغه الحديث».
قال المصنف: (وإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع)
ومثال ما يحصد مرة الحنطة والشعير ، فإذا بيعت الأرض وفيها مثل هذا فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة، قال ابن قدامة (المغني 4/67): « ولا أعلم فيه مخالفا»
قال المصنف: (وإن يُجزَّ مرة بعد مرة فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع)

وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة أن ما يجز من النباتات مرارا كالبرسيم ونحوه، فإن أصوله تكون للمشتري والجزة الظاهرة تكون للبائع، لأن مثل هذا يجنى مرارا مع بقاء أصله أشبه الثمرة المؤبرة، وإذا قيل بهذا فإن الجزة الظاهرة تكون للبائع مبقاة إلى وقت جذاذها.

فصل
قال المصنف: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها)
هذا النهي ثابت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع". ومقتضى هذا الحديث من النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وهذا في الجملة محل إجماع بين أهل العلم، قال ابن المنذر (المغني 4/72): "أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث".
ويمكن تحرير هذا المسألة بأن يقال بيع الثمر قبل بدو صلاحه له حالات أربع:
الأولى:
أن يبيعه قبل بدو صلاحه بشرط تبقيته، وهذا محرم ولا يصح البيع معه إجماعاً، لظاهر حديث ابن عمر.
الثانية:
أن يبيعه قبل بدو صلاحه ولكن بشرط القطع، فالذي عليه عامة أهل العلم جواز مثل ذلك، وحكاه ابن قدامة إجماعا، وإن كان الإجماع غير متحقق فقد روي الخلاف فيه عن سفيان الثوري، وابن أبي ليلى.
ولا شك أن قول عامة أهل العلم هو الصواب هنا لأن المنع من بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إنما كان لخوف التلف وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، بدليل ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، فقيل له: وما تزهي؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه).
الثالثة:
أن يبيع الثمرة قبل بدو صلاحها مطلقا بلا اشتراط قطع أو تبقية، فالذي عليه جمهور أهل العلم من المالكية, والشافعية، والحنابلة هو بطلان البيع، وذلك لدخوله في عموم النهي الوارد.
وذهب الحنفية إلى صحة البيع حال الإطلاق، ثم على المشتري قطعها بعد ذلك في الحال، واستدلوا بأن إطلاق العقد مقتض للقطع، إذ من جملة حقوق العقد حصول التسليم دون تأخير، ومعلوم أن التسليم في بيع الثمار لا يكون إلا بالقطع، فهو كما لو اشترط القطع.
وأجاب الجمهور بأن الصواب أن إطلاق العقد مقتض للتبقية لا للقطع، فإن العقود تجري على ما تعارف عليه الناس، ومعلوم أن المتعارف هو أخذ الثمر في أوان الجذاذ لا قبله إلا بقرينة .
الرابعة:
أن يبيع الثمرة قبل بدو الصلاح ولكن مع أصلها, فمثلا يبيع التمر على النخل قبل بدو صلاحه ولكن مع النخلة، فهذا جائز بإجماع أهل العلم, ودليله ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع). فيفهم منه أنه لو باعها قبل أن تؤبر فهي للمشتري، ومعلوم أن الثمرة قبل التأبير لم يبدو صلاحها بعد.
قال المصنف: (وإن باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز)

وهذا هو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، لأن الثمرة حينئذ قد بدا صلاحها وأمنت العاهة عليها، ولأن هذا هو مفهوم حديث ابن عمر المتقدم في النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، فمفهومه الجواز.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى المنع من ذلك تمسكا بما تقدم عنده من أن مقتضى العقد هو القطع، وقد تقدم الجواب عنه.
قال المصنف: (وإن أصابتها جائحة رُجع بها على البائع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق))
الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمرة وتستأصلها، قال الشوكاني (نيل الأوطار 5/210-211): «لا خلاف أن البرد والقحط والعطش جائحة، وكذلك كل ما كان آفة سماوية، وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف، منهم من لم يره جائحة لقوله في الحديث السابق عن أنس: (إذا منع الله الثمرة فبما تستحل مال أخيك) ومنهم من قال : إنه جائحة تشبيها بالآفة السماوية».
وهذه المسألة التي أشار إليها المصنف هي ما يعبر عنه الفقهاء بمسألة وضع الجوائح، وقد اختلف فيها أهل العلم على قولين:
القول الأول: ذهب المالكية، والحنابلة إلى القول بوضع الجوائح في الجملة وأن الثمر إذا أصابته جائحة فهو من ضمان البائع سواء كان ذلك قبل التخلية أو بعدها، وإن كان المالكية يقيدون ذلك بأن تكون الجائحة أصابت ثلث الثمر فأكثر، فإن كانت دون ذلك لم توضع، واستدل أصحاب هذا القول بما ذكره المصنف من حديث جابر رضي الله عنه، وهو من المتفق عليه، كما استدلوا بما أخرجه مسلم أيضا من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضح الجوائح.
القول الثاني: ذهب الحنفية والشافعية إلى التفريق بين أن تكون الجائحة قبل التخلية أو بعدها، فإن كانت قبل التخليلة فالثمر من ضمان البائع، وإن كان ذلك بعد التخلية فالضمان على المشتري؛ لحصول القبض بالتخلية، وحملوا الأمر بوضع الجوائح على الندب، أو على ما قبل التخلية.
وقالوا إن وضع الجوائح فيه مخالفة لأصول شرعية, إذ الخراج بالضمان فكيف تكون من ضمان البائع، وقد تولى الإجابة عن هذا ابن القيم بقوله (إعلام الموقعين 2/257): « رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وضع الجوائح , بأنها خلاف الأصول فقالوا : هذه خلاف الأصول ; فإن المشتري قد ملك الثمرة وملك التصرف فيها , وثم نقل الملك إليه , ولو ربح فيها كان الربح له , فكيف تكون من ضمان البائع ؟ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال : "أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها , فكثر دينه , فقال رسول الله r: تصدقوا عليه فتصدقوا عليه , فلم يبلغ ذلك وفاء دينه , فقال رسول الله r: (خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك), والجواب: أن وضع الجوائح لا يخالف شيئا من الأصول الصحيحة , بل هو مقتضى أصول الشريعة , ونحن بحمد الله نبين هذا بمقامين:
أما الأول فحديث وضع الجوائح لا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا , وهو أصل بنفسه ; فيجب قبوله , وأما ما ذكرتم من القياس فيكفي في فساده شهادة النص له بالإهدار , كيف وهو فاسد في نفسه ؟
وهذا يتبين بالمقام الثاني , وهو أن وضع الجوائح كما هو موافق للسنة الصحيحة الصريحة فهو مقتضى القياس الصحيح ; فإن المشتري لم يتسلم الثمرة ولم يقبضها القبض التام الذي يوجب نقل الضمان إليه ; فإن قبض كل شيء بحسبه , وقبض الثمار إنما يكون عند كمال إدراكها شيئا فشيئا فهو كقبض المنافع في الإجارة , وتسليم الشجرة إليه كتسليم العين المؤجرة من الأرض والعقار والحيوان , وعلق البائع لم تنقطع عن المبيع , فإن له سقي الأصل وتعاهده , كما لم تنقطع علق المؤجر عن العين المستأجرة , والمشتري لم يتسلم التسليم التام كما لم يتسلم المستأجر التسليم التام , فإذا جاء أمر غالب اجتاح الثمرة من غير تفريط من المشتري لم يحل للبائع إلزامه بثمن ما أتلفه الله سبحانه منها قبل تمكنه من قبضها القبض المعتاد . وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أرأيت إن منع الله الثمرة ؟ فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ؟) فذكر الحكم وهو قوله : (فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا) وعلة الحكم وهو قوله : (أرأيت إن منع الله الثمرة) إلى آخرة . وهذا الحكم نص لا يحتمل التأويل , والتعليل وصف مناسب لا يقبل الإلغاء ولا المعارضة . وقياس الأصول لا يقتضي غير ذلك , ولهذا لو تمكن من القبض المعتاد في وقته ثم أخره لتفريط منه أو لانتظار غلاء السعر كان التلف من ضمانه ولم توضع عنه الجائحة.
وأما معارضة هذه السنة بحديث الذي أصيب في ثمار ابتاعها فمن باب رد المحكم بالمتشابه ; فإنه ليس فيه أنه أصيب فيها بجائحة , فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة , بل لعله أصيب فيها بانحطاط سعرها . وإن قدر أن المصيبة كانت جائحة فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة , بل لعلها جائحة خاصة كسرقة اللصوص التي يمكن الاحتراز منها , ومثل هذا لا يكون جائحة تسقط الثمن عن المشتري , بخلاف نهب الجيوش والتلف بآفة سماوية , وإن قدر أن الجائحة عامة فليس في الحديث ما يبين أن التلف لم يكن بتفريطه في التأخير , ولو قدر أن التلف لم يكن بتفريطه فليس فيه أنه طلب الفسخ وأن توضع عند الجائحة , بل لعله رضي بالمبيع ولم يطلب الوضع , والحق في ذلك له : إن شاء طلبه , وإن شاء تركه , فأين في الحديث أنه طلب ذلك , وأن النبي صلى الله عليه وسلم منع منه ؟ ولا يتم الدليل إلا بثبوت المقدمتين , فكيف يعارض نص قوله الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير معنى واحد وهو نص فيه بهذا الحديث المتشابه ؟ ثم قوله فيه : (ليس لكم فيه إلا ذلك) دليل على أنه لم يبق لبائعي الثمار من ذمة المشتري غير ما أخذه , وعندكم المال كله في ذمته ; فالحديث حجة عليكم».
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

سلوى

:: متابع ::
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
51
التخصص
أصول فقه
المدينة
الخرطوم بحري
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

شخنا الفاضل بارك الله في جهودكم وأفادنا منكم علماً وفقهاً. عندي اقتراح إذا لم تكن هذه المدارسة المباركة مقيدة بفترة زمنية محددة فإني أقترح أن تفرد كل جزئية منها بدرس منفصل حتى نتمكن من استيعابها ثم مناقشتها، فما قمت بعرضه شيخنا كم هائل من المادة العلمية عجزت مداركي عن متابعته فكل جزئية منها قد تكون محل استفسار ومناقشة.
 
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الأخت سلوى سلمها الله:
اشكر لك تفاعلك واهتمامك، وفي الحقيقة ما ذكرتيه له وجه من جهة أن المادة التي تم استعراضها في الدروس السابقة كبيرة وفيها مسائل متشعبه، وحقيقة أن تحديد زمن محدد لهذه المدراسة يصعب علي لأني أقوم بتحضير المادة وإنزالها درسا درسا، ولكن فيما أحسب أن المشي الذي جرينا عليه في هذه الدرس مناسب وليس فيه بطء لا سيما أن الدرس على فترتين أسبوعيا، ولكن بقي ما ذكرت من إفراد كل جزئية بدرس منفصل فهذا جيد لكن بعض الإخوان استشكل أن فيه تشتيتا لمادة الدرس بخلاف ما لو كانت مجموعة في مكان واحد، والمسألة أحيلها إلى المشرفين في الموقع ينظروا ما هو الأصلح، ولكن على العموم هناك الآن حل إن شاء الله سيكون مناسبا، ألا وهو ما ذكرته سابقا أنه تقريبا بعد كل عشرة دروس سنتوقف درسا لمراجعة ما سبق، وهذا تقريبا سيكون بمعدل مراجعة شهرية دورية لك ما أخذ في الشهر فإن الدروس تقريبا في الشهر تتراوح ما بين ثمانية دروس إلى عشرة، ففي الدرس العاشر القادم لن تتعرض إلا لمسألة واحدة ففقط نتم بها الفصل الذي نحن فيه، وسنتوقف على باب الخيار، وسأقوم بإرفاق ملف فيه أسئلة على جميع ما سبق من الدروس، وسنتوقف درسا حتى يتسنى مراجعة ما سبق والسؤال عنه، ثم نستأنف بعد ذلك، هذا بالنسبة لما سبق.
أما ما يستأنف بعد ذلك من الدروس فالأمر إليكم إن شئتم ان تجرى المراجعة كل شهر كما ذكرت فالأمر لكم، وإن شئتم أن تجرى المراجعة بعد كل باب أو فصل، بحيث يتم إرفاق ملف فيه أسئلة مراجعة للباب يستفاد منها في التقييم ومعرفة مدى الإستفادة فالأمر إليكم ما عندي إشكال، أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
 
أعلى