العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم


وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين، أيها الأحبة الكرام في هذا الملتقى المبارك، بإذن الله سنبدأ في هذا الدرس في شرح كتاب البيوع من عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي، وبإذن الله سأحاول قدر المستطاع أن يكون هذا الدرس منتظما بحيث أقوم بإنزال درسين أسبوعيا بصورة منتظمة على قدر الوسع والطاقة، مراعيا في هذه الدرس أن يكون مناسبا في عبارته للمبتدئين من طلبة العلم، ونافعا للمتوسطين، ولن يخلو من فائدة للمتقدمين منهم، وبإذن الله سنتطرق في هذه الدرس إلى الخلاف في حدود ما في كتب المذاهب الأربعة، وربما ذكرت اختيار بعض المحققين من المتقدمين، وسأحرص بخاصة على ذكر ترجيحات شيخنا العثيمين رحمة الله تعالى، ولن ألتزم الترجيح في كل مسألة قناعة مني بأنه مسائل البيوع بخاصة لا يصار إلى الجزم فيها بالراجح في كثير من مسائلها لما يشوب هذا الباب من العلم من سعة الخلاف فيه، وقلة النصوص الصريحة التي يمكن أن يصار إليها في تحقيق الراجح في كل مسألة، فللقياس في هذا الباب -من العلم- والنظر في المقاصد والكليات الشرعية مقام لا يخفى على كل من له عناية به، ومما سأحرص عليه في هذا الدرس بإذن الله التعرض للمسائل المعاصرة والنوازل ومحاولة ذكر ما يتيسر منها تحت ما يناسبه من مواضيع الكتاب، ورجائي من الإخوة أن يعينوا أخاهم بما يتفضلون به عليه من استدراك أو تصحيح أو مناقشة، سائلا الله العلي العظيم لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل عملنا حجة لنا لا حجة علينا.


(وإن أردت أخي الكريم الوصول السريع إلى المبحث المطلوب يمكنك الرجوع إلى الفهرس)
هنا

------------------------------

وهذا هو الدرس الأول من هذه السلسلة:

قال المصنف رحمة الله تعالى: (كتاب البيع)
البيع مصدر, يقال: باعَه يَبِيعهُ بَيْعاً ومَبيعاً, والأصل أن المصادر لا تجمع, وإنما يجمع هذا اللفظ فيقال "البيوع" لاختلاف أنواعه.

والبيع لغة: ضد الشراء, ويرد بمعنى الشراء, فهو من الأضداد.
وهو مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء, ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة.
وشرعاً: مبادلة المال بالمال على التأبيد غير ربا ولا قرض.
وجواز البيع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس, والأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه, وجميع المعاملات المحرمة ترجع إلى ثلاثة أصول:
الأول: الربا.
الثاني: الجهالة والغرر.
قال القرافي (الفروق 3/265): « الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء وقليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل, وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة»
الثالث: الظلم.
قال المصنف : (قال الله تعالى: (وأحل الله البيع))
في الآية دليل على مشروعية البيع, وأل في البيع للاستغراق دالة على أن الأصل في البيوع الحل إ ما دل الدليل على منعه، ولذا يقول العلماء "الأصل في البيوع الإباحة".
قال الشافعي(الأم 3/3): «فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا, إلا ما نهى عنه رسول الله t منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله t محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه, وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى».
وقال ابن تيمية: «الأصل في العقود الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله ولم يحرم الله عقدا فيه مصلحة للمسلمين بلا مفسدة تقاوم ذلك».
وأصل حل البيع مما قام الإجماع عليه ، ولا زال الناس يعاملون بالبيع والشراء من لدن عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو مقتضى القياس فالناس لا غنى لهم عما في أيدي غيرهم، ولا سبيل لتحصيل ذلك إلا بالبيع والشراء.
- وهنا مقدمات ينبغي التنبه لها قبل الشروع في الكلام على كتاب البيوع:
المقدمة الأولى: اعلم أن العقود في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى عدة أقسام:
عقود معاوضات: كالبيع و الإجارة.
عقود التبرعات: كالهبة و الوصية والعارية.
عقود التوثيقات: مثل كالضمان و الوكالة و الرهن.
عقود المشاركات : كالمزارعة والمساقاة .
المقدمة الثانية: أقسام البيع:
يمكن أن يقسم البيع إلى عدة أقسام باعتبارات متعددة:
أولا: أقسام البيع باعتبار عوضي العقد:
المقايضة وهي مبادلة عرَض بعرَض، والعرض كل ما ليس بنقد، كبر بشعير.
الصرف وحقيقته مبادلة النقد بالنقد.
مبادلة النقد بالعرض وإلا هذا ينصرف لفظ البيع عند الإطلاق.
بيع المنافع وحقيقته مبادلة العين بالمنفعة كالإجارة.

ثانيا: أقسام البيع باعتبار الأجل:
البيع الحال المنجز بأن يكون كل من الثمن و المثمن معجلا.
البيع إلى أجل بأن يؤخر الثمن ويعجل المثمن.
بيع السلم بأن يعجل الثمن ويؤخر المثمن
بيع الدين بالدين بأن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلا وهو ما يعبر عنه ببيع الكالئ.
ثالثا: أقسام البيع باعتبار كيفية تحديد الثمن:
بيوع الأمانات وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- بيع المرابحة
: أن يبيع البائع السلعة برأس لمال وبزيادة معلومة، فيخبر المشتري بالثمن الذي أخذها به ويضيف عليه زيادة معلومة.
- بيع الوضيعة
: أن يبيع السلعة برأس المال ناقص نقصا معلوما.
- بيع التولية: أن يبيع السلعة برأس المال.

المقدمة الثالثة: أركان البيع

أركان البيع ثلاثة:
- الصيغة.
- العاقدان.
- المعقود عليه.
الركن الأول: الصيغة
الصيغة ماصدر من المتعاقدين من قول أو فعل دال على إردتهما الباطنة إنشاء العقد وللبيع صيغتان:
1. الصيغة القولية
و هي الإيجاب و القبول.
الإيجاب وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من البائع أو من يقوم مقامه.
القبول: وهو عند جمهور أهل العلم اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه.
والذي عليه جماهير أهل العلم أن الصيغة القولية ليس لها لفظ محدد بل كل لفظ دل على انتقال ملكية المبيع فهو داخل في الصيغة القولية، فليست الصيغة محصورة مثلا في لفظ بعت واشتريت ونحوه، ولذا ذكر أهل العلم أن الكتابة والإشارة المفهوم الدالة على الرضا ملحقة بالصيغة القولية.
2. المعاطاة
وصفة بيع المعاطاة أن تتم المبادلة بين البائع والمشتري من غير تلفظ بإيجاب أو قبول كما يحصل الآن في كثير من المتاجر تأخذ السلعة المعروف ثمنها وتعطي البائع المال دون تلفظ بإيجاب أو قبول.
وقد اختلف أهل العلم في صحة بيع المعاطاة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
ذهب الجمهور من الأحناف و المالكية و الحنابلة إلى صحة بيع المعاطاة، و استدلوا لذلك بمايلي:
1- قول الله تعالى "ياأيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، فالعبرة في العقود هي حصول التراضي بغض النظر عن الصيغة.
2- أن عمل الناس لا زال على اعتبار بيوع المعاطاة والعمل بها منذ القدم دون نكير، قال ابن قدامة ( المغني 4/4): " ولنا ، أن الله أحل البيع ، ولم يبين كيفيته ، فوجب الرجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق ، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ، ولأن البيع كان موجودا بينهم ، معلوما عندهم ، وإنما علق الشرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، مع كثرة وقوع البيع بينهم ، استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ، ولو كان ذلك شرطا ، لوجب نقله ، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأن البيع مما تعم به البلوى ، فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ، ولم يخف حكمه ; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا ، وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ، ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعا"
القول الثاني: ذهب الشافعية إلى أن البيع بالمعاطاة لا يصح، واستدلوا على ذلك بضعف دلالة المعاطاة على الرضا فهي دون القول الصريح في الدلالة على الرضا وإرادة العقد لاحتمال إرادة غير العقد في التعاطي، ولا يخفى ما في هذا القول من الضعف، ومخالفة ما جرى عليه عمل الناس.
ومن ثم أعرض عنه جماعة من متأخري فقهاء الشافعية وذهبوا إلى ترجيح صحية بيع المعاطاة منهم النووي والبغوي.
القول الثالث: ما ذهب إليه بعض الشافعية كابن سريج والروياني من جواز بيع التعاطي في المحقرات، وما جرى عرف الناس وعادتهم على ببيعه معاطاة دون الأشياء النفيسة.
-شروط الصيغة:
1- أن يكون الإيجاب والقبول واضحين في الدلالة على إرادة إنشاء العاقدين العقد.
2- أن يكون القبول مطابقا للإيجاب بأن ينصبا على شيء واحد فيتفقان في المحل والمقدار فلا يصح بعتك السيارة بعشرة فيقول المشتري قبلتها بخمسة، أو يقول بعتك السيارة فيقول اشتريت الدار.
3- أن يكون الإيجاب والقبول متصلين عرفا بأن يقعا في مجلس العقد دون أن يتخلل ذلك ما يدل على إعراض أحدهما عن العقد.
1. 2. 3. 4. 1) 2) 3) 4) 1- 2- 3- 4- 1- 1) 2)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

فاطمة الجزائر

:: مشارك ::
إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
204
الكنية
فاطمة الجزائر
التخصص
فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

الله يبارك فيكم
 

فاطمة الجزائر

:: مشارك ::
إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
204
الكنية
فاطمة الجزائر
التخصص
فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

شكرا لكم
 
إنضم
2 ديسمبر 2009
المشاركات
23
التخصص
اصول الدين
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

وفقكم الله ونفع بكم
 
إنضم
21 مارس 2011
المشاركات
41
الكنية
ابو حنظلة
التخصص
الحديث الشريف وعلومه
المدينة
اربد
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

السلام عليكم أخي أمين

جزيت الجنة يا صاحب الهمة والمنة
 
إنضم
25 ديسمبر 2009
المشاركات
22
التخصص
شريعة
المدينة
السعودية
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

جهد موفق باذن الله تشكرون عليه
لكن حبذا لو تختصروا في ذكر الخلاف باشارة موجزة بارك الله فيكم
 

فاطمة الجزائر

:: مشارك ::
إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
204
الكنية
فاطمة الجزائر
التخصص
فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

بارك الله فيك
 

أمنة محمد سعيد

:: مطـًـلع ::
إنضم
24 يونيو 2011
المشاركات
162
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
سني
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

أتقدم بالشكر إلى من بادر في هذا الموضوع
وانا واجهتني صعوبة في دراسة منهج كتاب البيوع مع أني كنت بشوق كبير جدا إلا أن أتعلمه وبعد أن قرأت هذه المدارسة أحسست بأني بدأت أفهم فاشكركم جزيل الشكر على هذا الموضوع الجد نافع ومفيد
 
إنضم
8 يناير 2008
المشاركات
4
التخصص
لغة عربية- دراسات إسلامية
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مدارسة كتاب البيوع من عمدة الفقه

تعقيب على ما يتعلق ببيع أنموذج المتماثل "وإلى ذلك ذهب الشافعية في الجملة، لما في ذلك من الغرر."
بل المشهور من مذهب الشافعية الجواز ، قال النووي في المنهاج:"وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة، وأنموذج المتماثل"
قال في مغني المحتاج :"أي المتساوي الأجزاء كالحبوب، فإن رؤيته تكفي عن رؤية باقي المبيع فلا بد من إدخاله في المبيع، ولا يشترط خلطه في المبيع قبله".(2/358)
وقال الغمرواي في السراج الوهاج:"وتكفي رؤية أنموذج المتماثل بضم الهمزة والميم وفتح الذال ما تسميه التجار بالعينة فتكفي رؤية عينة مثل الحبوب والأدهان عن رؤية باقي المبيع ولا بد من إدخالها في المبيع أما إذا لم يدخلها بأن قال بعتك من هذا النوع من الحنطة مثلا مائة أردب فلا يصح البيع إلا إذا قال منها هذه العينة فليتفطن لهذا"(ص176)
فالظاهر والله أعلم أنهم يجوزونه في الجملة ولا يمنعونه
"
 
أعلى