رد: سلسلة دروس في مباحث الحكم الشرعي
رفع الله تعالى قدرك في الدارين يا أم طارق ونفع بك
لي تعقيب على بعض ما تفضلت بذكره اعلاه
[FONT="]أما الحرام لغيره، فإن كان التحريم فيه متعلقاً بصفة جوهرية، فالأثر هو فساد العقد لا بطلانه، والفساد عند الحنفية مرتبة بين البطلان والكراهة، لأن العقد الفاسد منعقد بالجملة بخلاف الباطل، فهو غير منعقد أصلا[FONT="](4)http://www.feqhweb.com/vb/#_ftn4. [/FONT]
[FONT="]وإذا كان الحرام لغيره متعلقا بصفة عارضة جوهرية كان أثره الكراهة فقط دون البطلان أو الفساد. [/FONT]
[FONT="]وهذا كله عند الحنفية، أما الجمهور، فإنهم يسوون بين الفساد والبطلان، فيجعلون التصرف الحرام لذاته والحرام لغيره الذي انصب التحريم فيه على صفة غير -تحذف- جوهرية، باطلا وهو الفاسد عندهم، لاشتراكهما في المعنى، أما إذا انصب التحريم فيه على صفة غير جوهرية، فأثره الكراهة فقط كما عند الحنفية تماما.[/FONT]
[FONT="]وأما الحنبلية[/FONT][FONT="] الذين لا يفرقون بين الحرام لذاته والحرام لغيره مطلقاً، فيجعلون أثره التحريم والبطلان مطلقاً في كل أقسامه
[/FONT][/FONT]
[FONT="]حرام لغيره[FONT="]:[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]بمعنى أن يكون النهي لغير المنهي عنه[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، وهو نوعان[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]:[/FONT][/FONT]
[FONT="] [FONT="]
النوع الأول[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: أن يكون منهيا عنه لمعنى في غيره اتصل به وصفا، وذلك كصوم يوم عيد الفطر والنحر، فالنهي ورد لمعنى اتصل بالوقت -[/FONT][FONT="] و[/FONT][FONT="]هو ظرف أداء الصوم- وصفا[/FONT][FONT="]- [/FONT][FONT="]وهو أنهما يوم عيد وضيافة[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="] وقد نقل [/FONT][FONT="]الحافظ [/FONT][FONT="]ابن حجر الإجماع على تحريم صومهما بأي حال كان الصيام[/FONT][FONT="] ،[/FONT][FONT="] نذر[/FONT][FONT="]ا أو[/FONT][FONT="] كفارة أو تطوعا[/FONT][FONT="][/FONT][FONT="] أو قضاء[/FONT]
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="] [FONT="] [/FONT][FONT="]وهذا النوع من النهي اختلف فيه العلماء على مذاهب[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]:[/FONT][/FONT]
[FONT="]منها[FONT="] [/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]أنه يفيد الفساد الذي [/FONT][FONT="]يـرادف[/FONT][FONT="] البطلان كالمنهي عنه لعينه[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، وهو[/FONT][FONT="] مذهب أكثر[/FONT][FONT="] أصحاب الشافعي[/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] وا[/FONT][FONT="]لحنابلة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][3][/FONT][/FONT][FONT="] والمالكية[/FONT]
[FONT="][FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="]وقال آخرون [FONT="]وهم[/FONT][FONT="][/FONT][FONT="] عامة الحنفية: إن النهي يدل على فساد ذلك الوصف لا فساد المنهي عنه[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]لأنه الأص[/FONT][FONT="]ـ[/FONT][FONT="]ل وهو مشروع بدون الوصف[/FONT]
[FONT="][FONT="][5][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][/FONT]
[FONT="] [FONT="]و[/FONT][FONT="] ذكر الزركشي أن الخلاف بين الجمهور والحنفية في هذا النوع[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، فرع لمسألة أخرى[/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وهي أن الشارع إذا أمر بشيء مطلقا ثم نهى عنه في بعض أحواله[/FONT][FONT="] ، [/FONT][FONT="]هل يقتضي ذلك إلحاق شرط المأمور به[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، حتى يقال[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: إنه لا يصح[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]بدون ذلك الشرط، ويصير الفعل الواقع بدونه كالعدم[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، كما في الفعل الذي اختل منه شرط[/FONT][FONT="]ه[/FONT][FONT="] الثابث بشرطيته بدليل آخر، أم لا يكون كذلك؟[/FONT][/FONT]
[FONT="] [FONT="]مثاله الأمر بالصوم والنهي عن إيقاعه يوم النحر، والأمر بالطواف والنهي عن إيقاعه في حال الحيض وغيره[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، فالشافعي والجمهور قالوا[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: النهي على هذا الوجه يقتضي الفساد[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، وإلحاق شرط بالمأمور به لا يثبت صحته بدونه.[/FONT][/FONT]
[FONT="]وذهب الحنفية[FONT="] إلى تخصيص الفساد بالوصف المنه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="] عن[/FONT][FONT="]ه[/FONT][FONT="] دو[/FONT][FONT="]ن[/FONT][FONT="] الأصل المتصف به[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، حتى لو أتى به المكلف على الوجه المنه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="] عنه [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]يكون صحيحا بحسب الأصل[/FONT][FONT="] ،[/FONT][FONT="] فاسدا بحسب الوصف[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، والفساد عندهم لا يقت[/FONT][FONT="]ضي البطلان[/FONT]
[FONT="][FONT="][6][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][/FONT]
[FONT="]فقاعدة الحنفية أن ما لم يشرع بأصله باطل[FONT="] [/FONT][FONT="]، وما شرع بأصله دون و[/FONT][FONT="]صفه[/FONT][FONT="] فاسد[/FONT][FONT="] "[/FONT]
[FONT="][FONT="][7][/FONT][/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] بمعنى أن الشرعية مانعة عندهم عن الفساد الذي يرادف البطلان[/FONT]
[FONT="][FONT="][8][/FONT][/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] ولذلك قالوا بصحة انعقاد نذر من نذر صوم يوم العيد [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ويجب عليه [/FONT][FONT="]إيقاعه في غير يوم العيد ، فإن أوقعه فيه كان آثما، وبرئت ذمته من النذر، وعللوا هذا بأن [/FONT][FONT="]الصوم في أصله مشروع لكونه قربة وطاعة لله تعالى[/FONT][FONT="] فمن نذر فعله نذر بالطاعة ،[/FONT][FONT="] لكنه[/FONT][FONT="] لما [/FONT][FONT="]اتصل [/FONT][FONT="] به وصف هو معصية [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]أي الإعراض عن ضيافة الله يوم العيد [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]صار الصوم فاسدا من جهة وصفه وبقي مشروعا بأصله، وهذا معنى قولهم: صحيح بأصله فاسد بوصفه[/FONT]
[FONT="][FONT="][9][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][/FONT]
[FONT="]أما الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم [FONT="]، [/FONT][FONT="]فذهبوا إلى بطلان هذا الن[/FONT][FONT="]ـ[/FONT][FONT="]ذر لكون أيام العيد ليست[/FONT][FONT="][/FONT][FONT="] محلا[/FONT][FONT="] للصيام في الش[/FONT][FONT="]ـ[/FONT][FONT="]رع[/FONT][FONT="] ، [/FONT][FONT="]والمنهي عنه شرعا لا يكون[/FONT][FONT="] فعله مشروعا [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ومن حججهم أن الن[/FONT][FONT="]ف[/FONT][FONT="]ل المطلق إذا نه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="] عن فعله [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]لم ينعقد لأن المنه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="] مطلوب الترك سواء كان للتحريم أو للتنزيه والن[/FONT][FONT="]ف[/FONT][FONT="]ل مطلوب الفعل فلا يجتمع الضدان[/FONT][FONT="] "[/FONT]
[FONT="][FONT="][10][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][/FONT]
[FONT="]ومن حججهم أيضا في كون هذا النوع من النهي يقتضي البطلان حديث عائشة[FONT="] [/FONT][FONT="]رضي الله عنه[/FONT][FONT="]ا قالت :"[/FONT][FONT="] قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]فقال[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="]فعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري[/FONT][FONT="]"[/FONT]
[FONT="][FONT="][11][/FONT][/FONT][FONT="]، فالحديث ظاهر في نهي الحائض [/FONT][FONT="]عن الطواف حتى تطهر وتغتسل ، [/FONT][FONT="]وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته.[/FONT][FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="]فالطواف ل[FONT="]ي[/FONT][FONT="]س منه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="]ا عنه لذاته، وإنما نه[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="] عنه لمعنى آخر [/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="]تصل به وصفا [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وهو الحيض[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، والجمهور جعلوا فساد الوصف مبطلا للأصل ما دام م[/FONT][FONT="]تص[/FONT][FONT="]لا به فقالوا ببطلان طواف الحائض وتحريمه.[/FONT][FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="] أما الحنفية فبناء على قاعدتهم في الفصل بين الأصل والوصف [FONT="]، [/FONT][FONT="]قالوا[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="] إن طافت الحائض أجزأها ذلك عن طواف الفرض ولحقها الإثم.[/FONT][/FONT]
[FONT="]النوع الثاني[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: أن يكون التحريم لمعنى جاور المنهي عنه جمعا غير متصل به وصفا، وذلك كا[/FONT][FONT="]لنهي عن ا[/FONT][FONT="]لبيع وقت النداء لصلاة الجمعة للا[/FONT][FONT="]ش[/FONT][FONT="]تغلال عن السعي إليها بهذا البيع،[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]فالنهي ليس راجعا إلى ذات البيع ولا إلى صفة لازمة له، بل هو راجع إلى سبب خارج عن البيع جاوره، ومنفك عنه[/FONT][FONT="] وهو تفويت صلاة الجمعة،[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]وكا[/FONT][FONT="]لنهي عن ا[/FONT][FONT="]لصلاة في الدار المغصوبة وفي الأماكن المكروهة[/FONT][FONT="]، أو [/FONT][FONT="]ك[/FONT][FONT="]النهي عن [/FONT][FONT="]بيع الحاضر للبادي وغيره [/FONT][FONT="]. [/FONT]
[FONT="]فهذا النوع من النهي لا يقتضي البطلان عند جمهور أهل العلم[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]إلا الحنابلة،[/FONT][FONT="] لأن جهة المشروعية تخالف جهة النهي ولا تلازم بينهما، فيبقى المنهي عنه[/FONT][FONT="] صحيحا تترتب عليه آثاره المقصودة ، إلا أن فاعله يلحقه الإثم ، قال الآمدي :" ولا نعرف خلافا في أن ما نهي عنه لغيره أنه لا يفسد، كالنهي عن البيع في وقت النداء يوم الجمعة ، إلا ما نقل عن مذهب مالك وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه "[/FONT]
[FONT="][FONT="][12][/FONT][/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وقد احتج الجمهور بإجماع السلف[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، فإنهم ما أمروا الظلمة بقضاء الصلاة المؤداة في الدور المغصوبة مع كثرة وقوعها [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ولا نهوا الظالمين عن الصلاة في الأرض المغصوبة[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]، إذ لو أمروا به ونهو[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] عنها لانتشر[/FONT]
[FONT="][FONT="][13][/FONT][/FONT][FONT="]. ثم إن المنهي عنه غير الصلاة [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وهو الإقامة في المكان المغصوب [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]فالنهي متعلق بما ليس بوصف للصلاة وهو شغل المكان [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وهذا أمر منفك عن الصلاة [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]لكنه لما كان مجاورا لها ثبتت فيها الكراهة دون التحريم [/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="][1][/FONT][FONT="] - ينظر فتح الباري 4/374.[/FONT]
[FONT="][2][/FONT][FONT="] - ينظر التبصرة ص: 100 واللمع ص: 25 وقواطع الأدلة 1/140.[/FONT]
[FONT="][3][/FONT][FONT="] - ينظر روضة الناظر 2/652.[/FONT]
[FONT="][4][/FONT][FONT="] - ينظر[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]إحكام الفصول ص: 126.[/FONT]
[FONT="][5][/FONT][FONT="] - ينظر البحر المحيط 3/381.[/FONT]
[FONT="][6][/FONT][FONT="] -ينظر البحر المحيط 3/382.[/FONT]
[FONT="][7][/FONT][FONT="] -فتح الباري 2/334.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][8][/FONT][FONT="] -ينظر فوات[/FONT][FONT="]ح[/FONT][FONT="] الرحموت بهامش المستصفى 1/701. [/FONT]
[FONT="][9][/FONT][FONT="] -ينظر كشف الأسرار1/553-554 وأصول السر[/FONT][FONT="]خسي[/FONT][FONT="]1/88.[/FONT]
[FONT="][10][/FONT][FONT="] -فتح الباري 4/238.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][11][/FONT][FONT="] -أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الحج)[/FONT][FONT="]2/510 رقم 1650[/FONT]
[FONT="][12][/FONT][FONT="] -[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]ال[/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]حكام 2/276.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][13][/FONT][FONT="] -[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]ينظر كشف الأسرار 1/567 والمحصول للرازي 2/485.[/FONT][FONT="][/FONT]