رد: قتل المرتد, رجم الزاني, قتل فاعل فعل قوم لوط
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب عن السؤال الأول ـ والله أعلم ـ لا لم يوجد ، وقد نقل غير واحد الإجماع على الحد بالرجم، وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في (تهذيب الآثار) : "فأما نسخ رجم كان واجبا في وقت فذلك ما لا نعلم قائلا له قاله ولا ادعاه"
وعلى فرض عدم الإجماع فعدم العلم بالمخالف مانع من إحداث قول ثالث بلا مستند.
أما الدليل من كتاب الله سبحانه فقوله : { الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}
ولم يأتِ دليل أصلاً على نسخ الحكم مطلقاً ، وسيأتي مزيد تفصيل لأهمية هذه الآية.
ونسخ التلاوة ليس بدليل على نسخ الحكم ، ويكفي للدلالة عليه أنه لا يوجد مانع في العقل على نسخ التلاوة وإبقاء الحكم ، لأن المحفوظ للتلاوة قد يحتوي على حكمة غير موجودة في المعرض لنسخ تلاوته كبقاء التحدي بالمتلو دون المنسوخ تلاوته ، أو غيرها من الحكم ، ألا ترى أن عقل عمر لم يستنكر عدم كتابتها في المصحف مع بقاء حكمها ، مع ما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر من العلم.
والأصل بقاء الشرائع والأحكام ، ولا تترك إلا بدليل بين.
وهناك دقيقة أشار إليها عمر رضي الله عنه في حديث زَيْد بن ثابت قال : "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ» ، فَقَالَ عُمَرُ: لَمَّا أُنْزِلَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَكْتِبْنِيهَا، قَالَ شُعْبَةُ:، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ إِذَا لَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ، وَأَنَّ الشَّابَّ إِذَا زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ"
فنبه رضي الله عنه على أن الحكم المعلوم مخالف لظاهر الآية ، فإن ظاهرها اختصاص الشيخ بالرجم دون الشاب ، لكن العمل المعلوم ـ ولا يقصد هنا سوى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن الشيخ إن لم يحصن جلد ، وأن الشاب إن أحصن رجم ، فلعل الآية نُسِخَتْ إلى التسوية بين الشاب والشيخ بعد التفرقة بينهما بتخصيص الشيخ بالرجم والشاب بالجلد، وإنما ذكره عمر رضي الله عنه في معرض تفسيره لسبب كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتابة ، أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن في كتابتها لهذا النسخ. والله أعلم.
ويبعد أن يكون حكماً واحداً نسخ ثلاث مرات ، فأولاً كان الحكم الحبسَ حتى يجعل الله لهن سبيلا ، ثم رجم الشيخين مطلقاً وجلد الشابين مطلقاً ، ثم رجم المحصن وجلد غيره من غير فرق . بل لو قلنا : الرجم منسوخ كان نسخاً رابعاً.
وقبل أن يعترض معترض بأنه مجرد احتمال ، فليعلم بأن مبناه ألفاظ هذه الآثار ، فهو أقرب من القول بالتعزير لمجرد الظن المبني على هوى النفس بناءً على أن النبي رحمة مهداة لا يمكن أن يشرع مثل هذا ، مع مجيء النصوص القاطعة بتشريع الرحمن الرحيم الرجم وبأمر الرحمة المهداة برجم عدد ممن ثبت عليهم الزنا.
وهو بلا شك خير من رد الجميع لمجرد أن هناك احتمال ، وإلا نقضنا الشريعة لأن مبناها على الآحاد والظواهر وكلها محتمل.
وقد جوز ابن جرير الطبري في الآية وجه آخر وهي أن لا تكون آية كباقي آيات القرآن بناءً على عدم الإذن بالكتابة ، وإن كانت من المتلو في زمن محدد بناءً على ثبوت القراءة بالأسانيد الصحيحة ، ووجهه يشبه ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من إنكار كتابة المعوذتين في المصحف ، لا لكونه ينكر أنها قرآن ، بل لأنها ظن ـ فيما قيل ـ أن السورتين إنما نزلتا ليعوذ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنين لا لتتلى وتسطر في كتاب الله.
فتكون الآية عند الطبري كالسورتين عند ابن مسعود . والله أعلم.
أما السنة :
فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ»،
والأمر للوجوب ، وليس هذا شأن التعزير ، وقوله صلى الله عليه وسلم "جعل الله لهن سبيلا" ظاهره أن من ترك الرجم فقد خالف السبيل.
ويدل عليه أيضاً رجمه ماعزاً والغامدية والمرأة التي وجه إليها أنيساً ، وكلهم اعترف به وتاب عنه ، ثم يُفْتَرَضُ أن الرحمة المهداة قتلهم تعزيراً ، وكان له ـ لو شاء ـ أن يعفو ويصفح.
لننظر لرواية من روايات حديث ماعز وهي صحيحة بمجموع طرقها عن يَزِيدَ بْنُ نُعَيْمِ بنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنَ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ. ... قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، ... قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي حِينَ رَآهُ: «وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ»
فإن كان الرجم تعزيراً ، فإنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مندوحة عن رجمه ، فإن كان هو اختار رجمه مع إمكان تركه كان هو صلى الله عليه وسلم الذي صنع به ما صنع وليس هزال ، وما كان له عليه الصلاة والسلام أن يلومَ هزالاً على فعلِ نفسه .
بل لو قلنا أن الرجم تعزير كان هزال أرحم بماعز من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث رجى له مخرجاً وأن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن ظنه في رحمة الرسول الله صلى الله عليه وسلم خاب ، حيث كان صلى الله عليه وسلم أقسى قلباً من أن تسمح نفسه بما رجاه هزال من العفو والاستغفار أو إيجاد مخرج.
ثم مع شديد شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال ماعز تأتيه بعده امرأة فتعترف تائبة نادمة ، وقد كان يمكنه صلى الله عليه وسلم لو شاء أن يصفح أو يضرب أو يجلد أو ينفي أو يعاقب بما شاء ، فلم يرقّ لا لحالها ولا لحال ولدها واختار أن يعزرها بالقتل رجماً!!
إن هذا التنزيه للنبي عن القسوة أشبه بسبه ووصمه بالوحشية من تنزيهه ووصفة بالرحمة المهداة.
فإن قيل : هذه الأحاديث كانت قبل النسخ .
قلنا : هذه الأحاديث دالة على رجم الشاب والشابة ، والآية المنسوخة دالة على رجم الشيخ والشيخة ، فإما أن نقول أن هذه الأحاديث ناسخة للآية فيكون نسخٌ لاختصاص الشيوخ بالرجم إلى تعميمه في كل محصن أو يقال هو نسخ رابع ، فنسخ أولاً الحبس ، ثم تخصيص الشيوخ بالرجم ، ثم التسوية في الرجم ، ثم إسقاط حكم الرجم من كونه حداً إلى التعزير.
ومن سمح له رأيه بذلك فظني أنه لا يصلح للفتوى ، إذ شرطها فيما قيل فقه النفس ، ومن يختار مثل هذا التأويل فغايته أنه متبع لهوى نفسه في رفع حكم الرجم لما يراه فيه من القسوة من غير أن يهتم بمعاني النصوص .
أما ما قيل في الردة وكونها تعزيراً ، فهذا أيضاً لا دليل عليه ، إذ غاية ما جاء به المستدل هو توهمه أن هناك ثمة تعارض بين الأمر بقتله وبين قوله سبحانه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، ثم رأى أن قتل المرتد تعزيراً يزيل هذا التعارض ، مع أن إباحة قتله للإمام هو في نفسه إكراه ، انظر إلى هذا ، كيف يقول قائل : يا فلان لك كامل الحرية في اعتناق ما شئت من الأديان ، ولنا كامل الحرية في قتلك إذا شئنا ، إنظر إلى رحمتنا بك وتخييرنا لك من غير إكراه!
وكيف لا يكون هذا إكراهاً وأنت تعتبر اعتناقه لغير الإسلام جريمة تبيح لنا سفك دمه ؟
فإن قيل : نحن لا نعتبر ذلك جريمة.
قلنا : فعلام استبحتم دمه ؟
ونحن نتخلص من ذلك بأن نخيره قبل اعتناقه الإسلام بين قبول دين يمنعه من الخروج منه أو عدم قبوله والبقاء على ما هو عليه ، ثم قد نختلف فيمن ولد مسلماً بما هو مذكور في كتب الفقهاء.
وأحاديث "من بدل دينه فاقتلوه" أكثر طرقاً من آية {لا إكراه في الدين} فلو جاز ردها بدعوى التعارض جاز رد الآية من باب أولى.
والله أعلم