العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل يسوغ الخلاف في حكم إعفاء اللحية ؟؟

إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
هل صح الإجماع الذي نقله ابن حزم على وجوب إعفاء اللحية ؟
وهل الخلاف في حكمها مما يسوغ ؟
progress.gif
 
إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

. . . . . ؟؟؟؟؟ . . . . .
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

دعوى الإجماع في ذلك دونها خرط القتاد، أما دعوى عدم العلم بالمخالف فربما، لكنه ثمة خلاف شديد في حجية "الإجماع السكوتي".
وأما أن الخلاف في المسألة هل هو سائغ أم لا، فالأرجح، في نظري، أنه سائغ؛ لأنه ليس ثمة قرينة قاطعة دالة على تحريم الحلق في أدلة الموجبين للإعفاء، بل أقصى ما يتمسكون به هو مقتضى الأصل في الأمر أنه للوجوب. ولو سُلِّمت هذه القاعدة، وهي محل خلاف معتبر بين الأصوليين، فيرد على ذلك أنَّ ظهور الأمر المجرَّد في الوجوب، مع التسليم به، هو ظهورٌ ضعيف، كظهور العام في الاستغراق، ينصرف إلى الندب بأدنى دليل. وقد صَرَف المجيزون للحلق أدلة الأمر بالإعفاء عن الوجوب إلى الندب بثلاث قرائن:
إحداها: ثبوت تعليل هذه الأوامر بالنص بمخالفة المشركين، والأصل في مخالفة المشركين، لا سيما في باب العادات، الندب؛ لأن أكثر الأوامر التي جاءت معللة بمخالفة المشركين واليهود والنصارى تدل على الندب لا أكثر، كالأمر بالصلاة في النعال، وبصبغ الشعر، وصيام تاسوعاء، وتعجيل الفطر وغير ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالملاحظ هذه الأيام على اليهود، وهم ألصق المشركين بنا وأشدهم علينا، لا سيما المتدينين منهم، أنهم يعفون لحاهم ولا يأخذون منها شيئا، وكذا بعض طوائف المشركين كبعض طوائف النصارى والسيخ وغيرهم، والأحكام تدور مع عللها.
والقرينة الثانية: ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء.
والقرينة الثالثة: أن الأمر بإعفاء اللحية إنما يقع في باب المظاهر والتحسينيات والتكميليات وهذه الغالب فيها الندب والإرشاد لا الإيجاب.
فهذه ثلاث قرائن إحداها كفيل بصرف الأمر إلى الندب، وقد صرف الفقهاء بأقل منها كثيرا من الأوامر المطلقة، فكيف بها مجتمعة.
والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

دعوى الإجماع في ذلك دونها خرط القتاد، أما دعوى عدم العلم بالمخالف فربما، لكنه ثمة خلاف شديد في حجية "الإجماع السكوتي".
وأما أن الخلاف في المسألة هل هو سائغ أم لا، فالأرجح، في نظري، أنه سائغ؛ لأنه ليس ثمة قرينة قاطعة دالة على تحريم الحلق في أدلة الموجبين للإعفاء، بل أقصى ما يتمسكون به هو مقتضى الأصل في الأمر أنه للوجوب. ولو سُلِّمت هذه القاعدة، وهي محل خلاف معتبر بين الأصوليين، فيرد على ذلك أنَّ ظهور الأمر المجرَّد في الوجوب، مع التسليم به، هو ظهورٌ ضعيف، كظهور العام في الاستغراق، ينصرف إلى الندب بأدنى دليل. وقد صَرَف المجيزون للحلق أدلة الأمر بالإعفاء عن الوجوب إلى الندب بثلاث قرائن:
إحداها: ثبوت تعليل هذه الأوامر بالنص بمخالفة المشركين، والأصل في مخالفة المشركين، لا سيما في باب العادات، الندب؛ لأن أكثر الأوامر التي جاءت معللة بمخالفة المشركين واليهود والنصارى تدل على الندب لا أكثر، كالأمر بالصلاة في النعال، وبصبغ الشعر، وصيام تاسوعاء، وتعجيل الفطر وغير ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالملاحظ هذه الأيام على اليهود، وهم ألصق المشركين بنا وأشدهم علينا، لا سيما المتدينين منهم، أنهم يعفون لحاهم ولا يأخذون منها شيئا، وكذا بعض طوائف المشركين كبعض طوائف النصارى والسيخ وغيرهم، والأحكام تدور مع عللها.
والقرينة الثانية: ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء.
والقرينة الثالثة: أن الأمر بإعفاء اللحية إنما يقع في باب المظاهر والتحسينيات والتكميليات وهذه الغالب فيها الندب والإرشاد لا الإيجاب.
فهذه ثلاث قرائن إحداها كفيل بصرف الأمر إلى الندب، وقد صرف الفقهاء بأقل منها كثيرا من الأوامر المطلقة، فكيف بها مجتمعة.
والله أعلم.
شكر الله لكم فضيلة الدكتور أيمن
1- عندي أن من لم يعلم بمخالف بعد بحث وحسن اطلاع فإنه لا يباح له أن يخالف فيخرج عن القول الذي رأى الناس عليه.

2- صرف الأمر عن الوجوب بالتعليل بكونه مما يخالَف به المشركون محل نظر؛ إذ الحكم فيما يخالَف به المشركون ليس مطرداً، بل جاء لعن من شابههم في غير ما حديث، وعلى من يدعي أنه غالب ما جاء على هذا النحو يدل على الندب أن يعمِل الاستقراء التام ليثبت هذه الأكثرية الغالبة.

3- اعتبار الأمر بها -في هذا المقام- من العادات مصادرة على المطلوب.

4- قلتم بارك الله فيكم: "ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء"
قلت: أولاً: هذا في الأخذ، ولا يلزم من تجويز الأخذ تجويز الحلق؛ لما علم من أن الإعفاء يحتمل أن يكون بمعنى التكثير، ولا تعارض بين الأخذ الذي لا يمس جناب وفرتها وكثرتها وبين الائتمار بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك على هذا الوجه الحسن، وجمهور الفقهاء على تحريم الحلق وتجويز الأخذ.
وثانياً: لم يثبت الأخذ من الطول والعرض عن أحد من الصحابة، وإنما جاء الأخذ مما زاد عن القبضة عن ابن عمر رضي الله عنهما في النسك خاصة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مطلقاً ، وعن جابر رضي الله عنه من طولها في النسك، وجزاكم الله خيراً.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

حياكم الله شيخنا الفاضل أبا بكر وأشكركم على هذا التعقيب النافع.
1- عندي أن من لم يعلم بمخالف بعد بحث وحسن اطلاع فإنه لا يباح له أن يخالف فيخرج عن القول الذي رأى الناس عليه.
لسنا هنا بصدد البحث في حكم الإعفاء وإنما في الخلاف فيه هل هو سائغ له مجال في النظر أم لا. وعليه فقولكم: "عندي" لا يُلزم الغير لا سيما مع الخلاف الأصولي الكبير في حجية الإجماع السكوتي.

2- صرف الأمر عن الوجوب بالتعليل بكونه مما يخالَف به المشركون محل نظر؛ إذ الحكم فيما يخالَف به المشركون ليس مطرداً، بل جاء لعن من شابههم في غير ما حديث، وعلى من يدعي أنه غالب ما جاء على هذا النحو يدل على الندب أن يعمِل الاستقراء التام ليثبت هذه الأكثرية الغالبة.
هذا يمكن قلبه على محرم الحلق أيضا فهو لم يقم بعمل الاستقراء كذلك، ومع هذا جزم بالتحريم.
ثم إن الخلاف ليس في النهي عن مخالفة المشركين باللفظ الصريح كـ "لعن" ونحوه، بل في مطلق الأمر أو النهي المعلل بالمخالفة دون قرينة لفظية ناصة على الوجوب أو التحريم. فما تفضلت به من لعن من شابههم في شيء مثل: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" خارج عن محل النزاع، ولا يدخل في مجال الاستقراء.
ثم لا ننسى أنا هنا بصدد الكلام على تسويغ الخلاف لا ترجيح قول في المسألة.
وفي ظني أن مسألة الأصل في موافقة المشركين هل هو الحرمة أو الكراهة أو هو يتوقف على المجال كالعادات أو العبادات وغير ذلك، مسألة تحتمل الخلاف، وتنبني عليها مسائل كثيرة فيها جدال طويل بين المعاصرين كلبس ربطة العنق والبنطال والاحتفال بالمناسبات الوطنية والشخصية ونحو ذلك. وحتى الآن لم أقف على من ضَبَطَ، بناء على دلائل استقرائية، مسألة موافقة المشركين ومخالفتهم علما بأني لم أبذل في البحث عن ذلك الجهد اللازم.

3- اعتبار الأمر بها -في هذا المقام- من العادات مصادرة على المطلوب.
قصدت بالعادات كونها مما يتعلق بالمظهر والهيئة وهذا لا تعبد فيه بالمعنى الخاص بل بالمعنى العام الذي يدخل في كل الأوامر والنواهي، ثم هي معللة وما كان تعبدا فالأصل فيه عدم التعليل.

4- قلتم بارك الله فيكم: "ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء"
قلت: أولاً: هذا في الأخذ، ولا يلزم من تجويز الأخذ تجويز الحلق؛ لما علم من أن الإعفاء يحتمل أن يكون بمعنى التكثير، ولا تعارض بين الأخذ الذي لا يمس جناب وفرتها وكثرتها وبين الائتمار بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك على هذا الوجه الحسن، وجمهور الفقهاء على تحريم الحلق وتجويز الأخذ.
وثانياً: لم يثبت الأخذ من الطول والعرض عن أحد من الصحابة، وإنما جاء الأخذ مما زاد عن القبضة عن ابن عمر رضي الله عنهما في النسك خاصة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مطلقاً ، وعن جابر رضي الله عنه من طولها في النسك، وجزاكم الله خيراً.
قلت: الظاهر لغة من الإعفاء أنه الترك، وحمله على التكثير لا يستقيم لغة وإنما قيل به بسبب رواية "وفروا اللحى". والمنهج الصواب فيما قامت القرائن على أنه رواية بالمعنى سلوك مسلك الترجيح بين الألفاظ لا سلوك مسلك الجمع؛ لأن الغالب على الظن هو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال واحدا من اللفظين، والآخر إنما هو من تصرف الرواة وفهمهم للنص والحجة في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة. وإذا ترجح لفظ الإعفاء حديثيا ـ وهذا يحتاج إلى بحث وموازنة ـ فَيَرِدُ على الحديث أيضا تأويل الباجي للإعفاء بأنه الإعفاء من الإحفاء، أي أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى من الإحفاء.
وعلى أية حال كان قصدنا هنا بيان أن من قال بكراهة الحلق، كالنووي والرافعي وغيرهم من العلماء، له حظ من النظر في المسألة إن لم يكن راجحا فهو مواز وإن لم يكن موازيا فهو قريب معتبر لا شاذا ساقطا كما يحلو للبعض تصويره. والله أعلم.


 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

قال ابن عبد البر في التمهيذ : قال أهل اللغة أبو عبيد والأخفش وجماعة : الإحفاء : الاستئصال ، والإعفاء : ترك الشعر لا يحلقه.اهــ
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

قال ابن عبد البر في التمهيذ : قال أهل اللغة أبو عبيد والأخفش وجماعة : الإحفاء : الاستئصال ، والإعفاء : ترك الشعر لا يحلقه.اهــ
ما رأيك -أخي الفاضل- فيما جاء في "إكمال المعلم" إذ يقول صاحبه فيه: وقال أبو عبيد في إعفاء اللحى: هو أن توفر وتكثر، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد. أهـ ؟
ومن ذلك قوله تعالى: {حتى عَفَوا}، والله أعلم
 
إنضم
16 أبريل 2010
المشاركات
187
التخصص
إنجليزية
المدينة
تلمسان
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

بارك الله فيكم
تبقى المسألة اجتهادية ولا يمكن القطع فيها لأنه إهدار لفتاوى المخالفين ممن يقول بالأخذ منها أو بحلقها كأبي زهرة رحمه الله
مناقشة علمية ذات مستوى عال مفيد نفعنا الله بعلمكم
 
إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

شكر الله لشيوخنا
دائما يتحفونا بالفوائد
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

ما رأيك -أخي الفاضل- فيما جاء في "إكمال المعلم" إذ يقول صاحبه فيه: وقال أبو عبيد في إعفاء اللحى: هو أن توفر وتكثر، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد. أهـ ؟
ومن ذلك قوله تعالى: {حتى عَفَوا}، والله أعلم


هذا القول يتطابق مع ما نقله ابن عبد البر لأن ترك الشعر دون الحلق يوفره و لا يمكن توفير الشعر إلا بترك حلقه.

- هذه المسألة لا يسوع فيها الخلاف لأنه لا دليل يعارض به الإجماع المنقول.

- فعل الصحابة رضي الله عنهم لا يرتقي لمعارضة حديث الإعفاء لأن فعلهم أخص من الدعوى فهم لم يحلقوا جميع اللحية إنما قصوا منها, فغاية ما يفهم من فعلهم أنه جائز قص اللحية دون القبضة.

- لا يقال أن اللحية من باب المظاهر والتحسينيات بل هي كنتف الحاجب و الوشم, التحريم فيهم مغلظ لأنه من باب تغيير خلق الله و كل ما يدخل في باب تغيير الجسد فليس من باب التحسينيات.

- لا يقال أن اللحية معللة بمخالفة المشركين لأنها من سنن الفطرة و الفطرة لا تتغير بالعلل :
قال رسول الله أمره صلى الله عليه وسلم :" عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَنَتْفُ الإِبِطِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ " ، قَالَ زَكَرِيَّاءُ : قَالَ مُصْعَبٌ : وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ : الْمَضْمَضَةَ. صحيح مسلم


الخلاصة لا يوجد دليل معتبر يمكن أن ينزل الأمر في حديث الإعفاء إلى الندب و لا يوجد قائل بذلك عند المتقدمين إنما هي مسألة قال بها المتأخرون على هذا المسألة ليست من المسائل الخلافية فيعتبر قول المخالف فيها شاذا
و الله أعلم


- ملاحظة يعتبر قول المخالف فيها شاذا إذا كانت أصوله متزنة فمثلا إذا رد الإجماع السابق وجب أن يتزن في نظرته للأجماع و أن لا يستدل بإجماع من نفس النوع في أماكن أخرى و يقال نفس الشيء على من يستدل بهذا الإجماع ثم يطعن في إجماع مشابه له كالإجماع على نجاسة الدم مثلا فعندي من يطعن في إجماع نجاسة الدم يطعن من باب أولى في إجماع تحريم حلق اللحية.

نفس الشيء يقال على الأمر هل يحمل على الوجوب أو الندب.

إذن المسألة هي أكبر من مسألة إعفاء لحية أو حلقها لكنها مسألة أصول الفقيه و الله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

الشيخ عبد الحكيم.. أنا وأنت متفقان في هذه النقطة كما هو ظاهر
وبدل أن أوجه الرد بالاقتباس إلى الدكتور أيمن وجهته إليك.. فالمعذرة منك
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

بارك الله فيكم
تبقى المسألة اجتهادية ولا يمكن القطع فيها لأنه إهدار لفتاوى المخالفين ممن يقول بالأخذ منها أو بحلقها كأبي زهرة رحمه الله
مناقشة علمية ذات مستوى عال مفيد نفعنا الله بعلمكم
وفيكم بارك الله
إذا ذكرنا الخلاف والاحتجاج فلا تعترض -أخي الكريم- بإيراد أقوال المعاصرين؛ لأن هذا لا يمحو الإجماع السابق لو ثبت.

وإلا فإهدار قول المخالف من المتأخرين في مشروعية حجاب المسلمة وفي ثبوت حد الردة ومسائل غيرها واجب شرعي، ومجرد وجود الخلاف لا يعني أنه معتبر. والله الموفق
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

لسنا هنا بصدد البحث في حكم الإعفاء وإنما في الخلاف فيه هل هو سائغ له مجال في النظر أم لا. وعليه فقولكم: "عندي" لا يُلزم الغير لا سيما مع الخلاف الأصولي الكبير في حجية الإجماع السكوتي.
شكر الله لكم فضيلة الشيخ أيمن، ولكنَّ الذي يقابل الإجماع السكوتي أين هو في الواقع؟!
وعدم العلم بالمخالف إن نطق به أئمةٌ أجلاءُ عُرِفوا بالاستقراء والإحاطة فذاك هو الإجماع، لا سيما إن لم يعرَف -بعد الاستقراء- مخالِفٌ من أئمة الدين في القرون المفضلة.


هذا يمكن قلبه على محرم الحلق أيضا فهو لم يقم بعمل الاستقراء كذلك، ومع هذا جزم بالتحريم.
ثم إن الخلاف ليس في النهي عن مخالفة المشركين باللفظ الصريح كـ "لعن" ونحوه، بل في مطلق الأمر أو النهي المعلل بالمخالفة دون قرينة لفظية ناصة على الوجوب أو التحريم.

هذا ليس في محله؛ فمحرِّم الحلق يأوي إلى ركن شديد من اعتماد أن الأصل في المنهي عنه التحريم وفي المأمور به الوجوب، فلا قلب.
ولكنَّ هذا إنما يلزم من صرف الأمر إلى الندب والنهي عن التشبه إلى الكراهة باعتبار الغالب؛ فيقال له: أثبِت ما بنيتَ عليه واستندتَ في مقام المناظرة إليه.
ثم إن اللعن تغليظٌ للتحريم، فلا يصح التنصُّل من التحريم بمجرد انتفائه.

وأمر آخر، إنكم تقولون بارك الله فيكم: إن الأصل في مخالفة المشركين في باب العادات الندب، وقلتم: إنها معللة، وما كان تعبداً فالأصل فيه عدم التعليل
قيل:
1- هذا الأصل ننازع فيه، بل وننازع في كون التعليل علامةً على عدم التعبد.

قال الله تعالى في التعليل لعبادة الوضوء والغسل والتيمم: { ولكن يريد ليطهِّرَكم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون }، وللصلاة: { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }، وللزكاة: { تطهرهم وتزكيهم بها }، وللصيام: { لعلكم تتقون }، وللحج: { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله }.

ولكننا نوافق على أن التعليل الذي يرجع إلى ما هو مندوب يدل على الندب، كما في حديث: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، ومن المعلوم بالاتفاق أن غسل اليد المشكوك في تنجسها غير واجب، فصار التعليل راجعاً إلى ما لا يجب، فكان صارفاً عن الوجوب.

2- يقول الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام": ( ثبت في الأصول الشرعية أنه لا بد في كل عادي من شائبة التعبد، لأن ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه؛ فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي، والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي، لأن أحكامها معقولة المعنى، ولا بد فيها من التعبد، إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها؛ كانت اقتضاء أو تخييرا؛ فإن التخيير في التعبدات إلزام، كما أن الاقتضاء إلزام ـ حسبما تقرر برهانه في كتاب " الموافقات " ـ وإذا كان كذلك - فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد، فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه؛ صح دخوله في العاديات كالعباديات، وإلا فلا ) فلا بد من شوب تعبد في هذه العاديّات التي تفضلتم بالتمثيل لها، حتى قال ابن تيمية رحمه الله: (فإن أصل الدفن من الأمور المشروعة، في الأمور العادية، ثم قد اختلفت الشرائع في صفته، وهو أيضا فيه عبادات، ولباس النعل (3) في الصلاة فيه عبادة وعادة).

3- من الأمثلة التي لا ينطبق عليها
ما ذكرتم من تأصيل -وفق رأي جماهير العلماء- :
* النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وختِم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )، وهو للتحريم في مشهور المذاهب الأربعة، وحكي الإجماع عليه في الأكل والشرب خاصة، وفي الأكل خلاف لداود.

4- أن مخالفتهم مقصود شرعاً.
قال السيوطي -رحمه الله- في "الأمر بالاتباع": ( فموافقتهم فيما هو منسوخ بشريعتنا قبيح، وأقبح منه ما أحدثوه من العبادات أو العادات؛ فإنه مما أحدثه الكافرون، وموافقة المسلمين
لهم فيه من أعظم المنكرات. فكل ما يتشبهون بهم من عبادة أو عادة، فهو من المحدثات والمنكرات).

قلت: الظاهر لغة من الإعفاء أنه الترك، وحمله على التكثير لا يستقيم لغة وإنما قيل به بسبب رواية "وفروا اللحى".
قد سبق الجواب عن هذا الوهم أعلاه.

وعلى أية حال كان قصدنا هنا بيان أن من قال بكراهة الحلق، كالنووي
هذا غلط على الإمام النووي، بل قال بكراهة الأخذ منها مطلقاً.

وعلى كل حال؛ فالقول بكونها مندوباً إليها مستحبةً مع كونه مخالفاً للقول وللعمل في عصر النبوة والخلافة الراشدة، إلا أن مأخذه أقل خطأ من مأخذ من يرى أنها عادة في زمانهم وليست مطلوبة شرعاً في زماننا، فهذا خارق للنص والإجماع بلا ريب، والله أعلم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

إخواني الكرام.... لا زال في كلامي وكلامكم بعض الخلط في هذه المسألة.
الموضوع هنا، في الدرجة الأولى، ليس في إيراد أدلة كراهة أو تحريم حلق اللحية أو مناقشتها. الموضوع هو هل الخلاف في ذلك من الخلاف السائغ أم لا؟
لا يمكن أن نصل إلى رأي فصل هنا إلا إذا اتفقنا قبل ذلك على ضابط الخلاف السائغ ومحدداته، ثم بعد ذلك ننزِّل مسألة الخلاف في حلق اللحية بين التحريم والكراهة على ذلك.
ثمة أنماط مختلفة قديما وحديثا في تحديد الخلاف الفقهي السائغ. وهي في نظري تنقسم إلى ثلاثة أقسام: طرفان وواسطة:
الطرف الأول: التوسُّع في تسويغ الخلاف ما دام صاحبه يستند إلى شبهة دليل أو تأويل، مع عدم وجود إجماع مقطوع به في محل البحث.
ولعل هذا هو ما يمكن استخلاصه من قول الشافعي في الأم: "والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا تردُّ شهادته، وكذلك لو كان موسراً فنكح أمة مستحلاً لنكاحها مسلمة أو مشركة؛ لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا، وهكذا المستحل الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين يداً بيد، والعامل به؛ لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به، ويعمل به، ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن؛ فهذا كله عندنا مكروه محرم؛ وإن خالفنا الناس فيه، فرغبنا عن قولهم، ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم، ونقول لهم إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم؛ لأنهم يدَّعون علينا الخطأ كما ندَّعيه عليهم، وينسبون من قال قولنا إلى أن حرَّم ما أحل الله عز وجل"
فالخلاف في هذه المسائل (نكاح المتعة، والدرهم بالدرهمين يبدا بيد، وإتيان النساء في أدبارهن) من الخلاف الشاذ الضعيف جدا، ومع هذا فقد اعتبرها الشافعي من المسائل التي:
1. لا ترد شهادة العامل لها والمفتي بها بسبب ذلك.
2. لا يجرح العامل لها والمفتي بها.
3. لا يعنَّف عليه بالقول: إنك أحللت ما حرم الله وأخطأت.​
والسبب في ذلك، بحسب الشافعي، أنه وجد من أعلام الناس من يفتي بذلك ويعمل به ويرويه.
الطرف الثاني: التضييق في تسويغ الخلاف، بحيث لا يسوغ منه إلا ما كان منشؤه التعارض الظاهري بين النصوص مع عدم الوقوف على الناسخ، وهذا منهج ابن حزم.
والواسطة: التوسُّط في تسويغ الخلاف بحيث يقر الخلاف إذا كانت المسألة ظنية تتعارض فيها الأمارات وتتقارب، فيكون الخلاف حينئذ قويا. وهذا ما يفيده قول الناظم:
وليس كل خلاف جاء معتبرا.....إلا خلافا له حظّ من النظر
وربما دل عليه قول أحمد: لا أعنِّف أحدا قال شيئا له وجهٌ وإن خالفناه.

وشخصيا أميل إلى تسويغ الخلاف الضعيف والذي هو دون الخلاف القوي الذي ذكرته عن أحمد، وفوق الخلاف الشاذ الذي ذكرته عن الشافعي.
والسبب هو أن معايير الحكم على خلاف ما قوة وضعفا تتفاوت، فحيث يرى البعض خلافا ما في مسألة ضعيفا يراه الآخرون قويا فيصعب ضبط الضعيف والقوي. أما الخلاف الشاذ فهذا يمكن ضبطه بمخالفة العدد المحدود لجماهير أهل العلم من السَّلف الكرام مخالفة صريحة، مع ضعف المأخذ، ومناقضته للقواعد الأصولية المتفق عليها.
وعلى كل حال فالخلاف في مسألة ما مهما كان قويا أو ضعيفا ليس حجة بنفسه، وعلى من تأهل للنظر وانبرى للحجاج أن يتمسَّك بالدليل لا بأقوال الرجال قلوا أو كثروا.

وبالتأسيس على هذا رأيت أن الخلاف في حلق اللحية بين التحريم والكراهة هو من الخلاف السائغ، وذلك لأن:
القول بتحريم حلق اللحية لا يصح إلا بعد إثبات أصلين:​
أحدهما: أن صيغة "افعل" المجردة ظاهرة في الوجوب مؤولة في غيره
والآخر: أن الإجماع السكوتي حجة.​
وكلا الأصلين فيه خلاف قوي بين الأصوليين تتجاذبه الأدلة والاعتراضات، فكان خلافا سائغا معتبرا.
وما بني على مختلف فيه خلافا معتبرا لا يصح القول فيه بأنه لا يسوغ فيه الاجتهاد إلا عند من يُسلم بالأصلين المذكورين
فإن سَلَّم بهما فينبغي عليه أن يذكر ما دعاه إلى الخروج عليهما.
أما قاعدة الأمر فبإيراد قرينة صارفة للوجوب. وأما الإجماع السكوتي فببيان عدم صحته، أو عدم توفر شروطه إن كان ممن يقول به بشروط.
وهذا متيسر جدا في موضوع حلق اللحية.
- أما القرائن الصارفة للوجوب فقد ذكرنا منها ثلاثا، ونزيد هنا قرينة رابعة، وهي "دلالة الاقتران"، وذلك من وجهين:​
أحدهما: اقترانها بخصال الفطرة العشر في حديث عائشة (إن صح) وأكثر هذه الخصال في قول الجمهور مندوبة إلا الختان فالجمهور على الوجوب. قال ابن دقيق العيد في حديث خمس من الفطرة:"وأما الاستدلال بالاقتران: فهو ضعيف إلا أنه في هذا المكان قوي لأن لفظة: ( الفطرة) لفظة واحدة استعملت في هذه الأشياء الخمسة فلو افترقت في الحكم - أعني أن تستعمل في بعض هذه الأشياء لإفادة الوجوب وفي بعضها لإفادة الندب - لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين. وفي ذلك ما عرف في علم الأصول، وإنما تضعف دلالة الاقتران ضعفا إذا استقلت الجمل في الكلام، ولم يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنيين كما جاء في الحديث: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة ) حيث استدل به بعض الفقهاء على أن اغتسال الجنب في الماء يفسده لكونه مقرونا بالنهي عن البول فيه؛ والله أعلم".
والوجه الثاني: اقتران الأمر بإعفاء اللحية بالأمر بإحفاء الشارب في جميع روايات حديث الإعفاء. وإحفاء الشارب مندوب عند الجمهور لا واجب.
ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة لا سيما في الاقتران بين الجمل كما هو في هذا الحديث، لكنها مع ذلك تثير نوعا من الظن ينضاف إلى القرائن الثلاث السابقة التي ذكرناها فيقويها.
- وأما الإجماع السكوتي المدعى في المسألة فهو محل نظر، لثلاثة أسباب:​
أحدها: لم يرد نقل صحيح عن أحد من الصحابة أو التابعين يُصَرِّح بتحريم حلق اللحية، وإنما هي حكاية أفعال في الإعفاء وترك الحلق لا أكثر وهذا لا يقوى على إفادة التحريم.
والثاني: أن توفير اللحية عادة عربية قبل مجيء الإسلام وبعده، وكانت العرب تعتز بشعورها وتطيلها، وتراه من أشد العيب عدم وجود اللحية حتى كان يود من لم تكن له لحية لو يشتريها بآلاف الدنانير. وكان الأمراء يعاقبون بحلق الرأس واللحية، لشدة وقع مثل هذا الفعل على العربي. وعليه فإنَّ تركهم الحلق لا يتمحض دينيا حتى يُقال بأنهم امتنعوا عنه لأنه حرام عندهم.
والثالث: أن حلق اللحية تعزيرا كان شائعا من فعل الولاة والأمراء في زمنهم. وبحسب ما رواه مجالد (وهو ضعيف) عن الشعبي فإن أول من عزر بحلق اللحية مصعب بن الزبير، وهو ممن يُذكر في علماء الأمصار وفضلائهم وقضاتهم. والتعزير بمحرم لا يجوز، ومع هذا فلم يرد عنهم إنكار هذا الفعل (حلق اللحية عقوبة). وامتناع البعض عن هذه العقوبة كعمر بن عبد العزيز،رحمه الله تعالى، لا يدل على التحريم لأنه قال: إياي وحلق الرأس واللحية، فنهى عن المعاقبة بحلق الرأس أيضا وهو ليس بحرام. فدل سكوتهم عن إنكار هذا الأمر، أنه جائز ضمنا بالإجماع السكوتي. فهذا إجماع سكوتي ضمني مقابل الإجماع السكوتي المدعى على تحريم الحلق فيتساقطا، وينظر في دليل آخر.
والصواب من الإجماع هنا في نظري أن يقال أنهم أجمعوا على أن إعفاء اللحية مطلوبٌ حسنٌ شرعا، لأن هذا هو أقصى ما تفيده النقولات عن السلف من الصحابة والتابعين.

وفيما يلي بعض تعقيبات على ما تفضل به الشيخ باجنيد بارك الله فيه.​

شكر الله لكم فضيلة الشيخ أيمن، ولكنَّ الذي يقابل الإجماع السكوتي أين هو في الواقع؟!
وعدم العلم بالمخالف إن نطق به أئمةٌ أجلاءُ عُرِفوا بالاستقراء والإحاطة فذاك هو الإجماع، لا سيما إن لم يعرَف -بعد الاستقراء- مخالِفٌ من أئمة الدين في القرون المفضلة.
الإجماع الصريح هو الذي لا تلقى أحدا إلا قاله لك كتحريم الخمر ووجوب الظهر ونحوها كما ذكر الشافعي في الرسالة. وهو حجة قطعية يكفر المخالف فيها. وما عداه فسكوتي حجيته ظنية على الراجح (بشروط ليس هذا مكان الخوض فيها). وظنيته هذا هي أدنى من ظنية خبر الواحد. وأكثر الإجماعات المحكية فيما ليس فيه نص صريح هي من هذا القبيل.

فمحرِّم الحلق يأوي إلى ركن شديد من اعتماد أن الأصل في المنهي عنه التحريم وفي المأمور به الوجوب
هذا ليس ركنا شديدا بل هو محل خلاف عميق بين الأصوليين، علما بأن حلق اللحية لم يرد فيه نهي، بل أمر بالإعفاء، والأمر أخف من النهي، والقول بأن دلالة صيغة الأمر لا تدل على الوجوب بل تتوقف على القرينة هو أحد قولي الشافعي وقول الباقلاني والجويني والغزالي وغيرهم وقال الآمدي إنه الأصح، ومال إليه الشاطبي، فأين هو الركن الشديد؟ الركن الشديد هو ما لا تكاد تجد أحدا يخالف فيه.
والخوض فيما هو الأصل في دلالة الأمر يحتاج إلى فتح موضوع جديد. المهم أن الخلاف في دلالة الأمر قائم وهو خلاف قوي معتبر لا شاذ.

ولكنَّ هذا إنما يلزم من صرف الأمر إلى الندب والنهي عن التشبه إلى الكراهة باعتبار الغالب؛ فيقال له: أثبِت ما بنيتَ عليه واستندتَ في مقام المناظرة إليه.
أكثر ما ورد تعليله بمجرد مشابهة المشركين دال على الندب لا أكثر، ولعل رواية إبي أمامة الباهلي لحديث الحلق توضح جانبا من ذلك:
مسند أحمد ط الرسالة (36/613)
"عن الْقَاسِمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ".قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَوَلْا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ". قَالَ:فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَايَنْتَعِلُونَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ". قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُواأَهْلَ الْكِتَابِ" قال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
ومن ذلك أيضا
ما رواه أحمد وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ، فَفَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». صححه الألباني والشيخ الأرناؤوط
وكذا الأمر بتعجيل الفطر ، وتناول السحور ولبس المعصفر وغير ذلك مما عُلِّل بمخالفة المشركين.
وأقرب شيء إلى مسألتنا هنا هو صبغ شعر اللحية والرأس لأنه يتعلق باللحية ذاتها وهيئتها والجمهور في ذلك على الندب لا الوجوب.

وأمر آخر، إنكم تقولون بارك الله فيكم: إن الأصل في مخالفة المشركين في باب العادات الندب، وقلتم: إنها معللة، وما كان تعبداً فالأصل فيه عدم التعليل
قيل:
1- هذا الأصل ننازع فيه، بل وننازع في كون التعليل علامةً على عدم التعبد.
ولكننا نوافق على أن التعليل الذي يرجع إلى ما هو مندوب يدل على الندب، كما في حديث: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، ومن المعلوم بالاتفاق أن غسل اليد المشكوك في تنجسها غير واجب، فصار التعليل راجعاً إلى ما لا يجب، فكان صارفاً عن الوجوب.
ما وافقتمونا فيه هو حسبنا فالتعليل بمخالفة المشركين يدل على الندب لأن أكثر ما ورد معللا بذلك مجردا فهم منه أكثر العلماء الندب لا الإيجاب.

3- من الأمثلة التي لا ينطبق عليها ما ذكرتم من تأصيل -وفق رأي جماهير العلماء- :
* النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وختِم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )، وهو للتحريم في مشهور المذاهب الأربعة، وحكي الإجماع عليه في الأكل والشرب خاصة، وفي الأكل خلاف لداود.
المثال الواحد والإثنين والثلاثة لا ينقض القاعدة الأغلبية، لأنا لم ندع فيها الاطراد. ثم المثال هنا في صيغة النهي لا الأمر والنهي أشد من الأمر. وكذا التعليل بالمخالفة هنا غير صريح ولا متمحض لذلك اختلفت تعليلات العلماء لهذا النهي وليس هذا هو موضع الخوض في ذلك.

4- أن مخالفتهم مقصود شرعاً.
لا خلاف في أنه مقصود؛ لكن الخلاف في أنه هل يصل هذا في باب العادات إلى حد إيجاب المخالفة وتحريم الموافقة. هذا هو مورد النزاع وأكثر ما ورد في هذا الباب كما ذكرنا دال على ندب المخالفة لا إيجابها لا سيما في الشكليات كصبغ الشعر ولبس الثياب وغير ذلك. وعليه فأكثر أهل العلم على أن من لبس البنطال أو ربطة العنق وغير ذلك مما هو أصلا من عادات الكفار، ولم ينو تشبُّها، فليس بآثم. فمخالفتهم المجردة مقصودة نعم، لكن لا إلى حد الإيجاب والتحريم بل يكفي الندب والكراهة إلا أن توجد علة أخرى في الفعل المخالف فيه كشرك ونحوه، فهذا يقال فيه بالإيجاب والتحريم.

قد سبق الجواب عن هذا الوهم [عدم جواز تفسير الإعفاء بالتكثير] أعلاه.
أقر بخطأي في هذا، وأشكركم على التنبيه، ومع ذلك فحلق اللحية أو قصها أو الأخذ منها كل هذا ينافي الإعفاء المأمور به في الحديث. قال النووي: "فَحَصَلَ خَمْسُ رِوَايَاتٍ: أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ ألفاظُه"​
أما منافاة الحلق للإعفاء فواضحٌ لا خلاف فيه.
وأما القص والأخذ فقد قال جابر: كنا نعفي اللحى إلا في حج أو عمرة. وفي حديث أبي أمامة الذي أوردناه آنفا لما قالوا عن أهل الكتاب أنهم يقصون لحاهم فقال أعفوها وخالفوهم.
فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث. ولما ورد عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يأخذون من لحاهم، فهذا من فعلهم يحتمل أمرين:
أحدهما: أنهم وقفوا على فعل للنبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ من لحيته فحملوا المطلق على المقيد. وهذا مجرد تخمين وهو ليس بظاهر لأنه فعل يتكرر وما شأنه هكذا تتوفر الدواعي على نقله، كما أن لحية النبي صلى الله عليه وسلم كانت عظيمة تملأ نحره وما بين منكبيه كما ورد في وصفها فيبعد كونه كان يقص ما زاد على القبضة منها.
والثاني: أنهم حملوا الأمر بالإعفاء على مجرد الندب للتميُّز عن المشركين فحسب فخالفوه استرخاصا أو لانتفاء علة التشبه كما خالف كثير منهم الأمر بالصبغ فتركوا لحاهم بيضا. جاء في الآثار لأبي يوسف: قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ لِحْيَتِهِ، مَا لَمْ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ». وقَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّارِبَيْنِ: «إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ».
ولو فهموا بأن الأمر بالإعفاء حتْمٌ لما أخذوا من لحاهم قليلا أو كثيرا.
ومن الغريب فتوى بعض لمعاصرين ممن يحرمون الحلق أنهم يوجبون مع ذلك الأخذ فجمعوا بين النقيضين: تحريم مخالفة الإعفاء ووجوب مخالفة الإعفاء!!!!

هذا غلط على الإمام النووي، بل قال بكراهة الأخذ منها مطلقاً.
ليس غلطا بل نقل بالمعنى لأن الحلق داخل في مطلق الأخذ. وقد ذكر النووي في شرحه على مسلم الخصال المكروهة في اللحية وذكر منها نتفها وحلقها. ولذلك قال في تحفة المحتاج: "قال الشيخان: يكره حلق اللحية". وأهل مكة أدرى بشعابها. وقول الشيخين هو المعتمد عند المتأخرين في المذهب وإن كان بخلاف نص الشافعي. قال في إعانة الطالبين: "المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة". وكذا أفتى به معظم مشايخ الأزهر كأبي زهرة وجاد الحق وشلتوت. بل حتى محمد رشيد رضا أفتى بمجرد الكراهة ومما قال في ذلك:
"وأما حلق اللحية فهو مكروه، فإن من آداب السنة قص الشارب وإعفاء اللحية، وفي ذلك عدة أحاديث فيالصحيحين والسنن، وقد علل ذلك فيها؛ بمخالفة المشركين والمجوس واليهودوالنصارى، وذلك أن الأمم تتميز بآدابها وعاداتها وأزيائها، وإنما يتشبه الضعيف بالقوي، والواطئ بالعلي، وقد يفضي إسراف الضعيف في التقليد والتشبه إلى ضياع استقلاله، وتمكين من يتشبه بهم ويقلدهم من التصرف بجميع أمره، فلا يقولن قائل: إن هذا من أمور العادات لا من أمور الدين، وقد فقه حكمته وفائدته للمتبعين، وأشهر الأحاديث في ذلك حديث ابن عمر مرفوعًا (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفروا اللحى) رواه الشيخان، وإذا زال الاختصاص زال معنى التمايز، وقد صار بعض المسلمين لا يعفي لحيته تشبهًا بالإفرنج".

فهذا كله وغيره مما لا مجال لذكره يدعونا إلى تسويغ الخلاف في حلق اللحية بين الكراهة والتحريم. والله أعلم.
.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

شكر الله لك وجزاك خيراً

بخصوص عِلِّيَّة الأمر بالإعفاء أود أن أورد نصاً لابن تيمية حيث يقول عقب ذكره حديث: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس": ( فعقَّبَ الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم أو علةٌ أخرى أو بعضُ علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنها علة تامة ).
قلت: وهذا هنا فيما أعتقد بعضُ علة، وفي هذا التعليل بمخالفتهم تنفيرٌ بليغٌ من مخالفة الأمر بإعفاء اللحية. والله أعلم.

ولأعقب على بعض ما ذكره فضيلة الشيخ أيمن وفقه الله
لإجماع الصريح هو الذي لا تلقى أحدا إلا قاله لك كتحريم الخمر ووجوب الظهر ونحوها
أقول: حتى هذا ليس إجماعاً تصريحياً.

علما بأن حلق اللحية لم يرد فيه نهي، بل أمر بالإعفاء، والأمر أخف من النهي
الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، وضد الإعفاء: الإزالة بحلق أو نتف أو تنوير.
والقول بأن الأمر أخف من النهي ليس على إطلاقه، بل لو قيل إن الأصل أن مخالفة المأمور به أعظم من الإتيان بالمنهي عنه لكان له وجه بل هو منصوص كلام بعض الأئمة بدلالة أن جنس معصية إبليس الذي أُمِر بالسجود أعظم من معصية الذي نهي عن الأكل من الشجرة، على أن هذا ليس على إطلاقه.


وأكثر الإجماعات المحكية فيما ليس فيه نص صريح هي من هذا القبيل.
أخالفك في هذا شيخنا الفاضل، فالقطعية نسبية يحكمها الاستقراء للنصوص والأقاويل، وقد يحصل في نفس المجتهد المستقرئ القطعُ بتحقق الإجماع، ولا يقدح في القطعية كونُ الإجماع سكوتياً. بل الظاهر أنه لا وجود للإجماع التصريحي في الواقع. والله أعلم

أقر بخطأي في هذا، وأشكركم على التنبيه
ما هذه بأول حسناتكم، فجزاكم الله خيراً.

وأما القص والأخذ فقد قال جابر: كنا نعفي اللحى إلا في حج أو عمرة. وفي حديث أبي أمامة الذي أوردناه آنفا لما قالوا عن أهل الكتاب أنهم يقصون لحاهم فقال أعفوها وخالفوهم.
فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث.
أولاً: لفظ هذا الأثر عند أبي داود: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
وفي معنى السبال سبعة أقوال، منها: أن السبَلة مقدم اللحية وما نزل على الصدر منها، ومنها: الدائرة في وسط الشفة العليا، ومنها: طرف الشارب، ومنها: مجتمع الشاربين. وقد جاء في حديث أبي أمامة الذي أوردتموه : إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم.
فدل على أن هذا اللفظ مشترك، والاستدلال به محتمل.

ثانياً: على التسليم بأن المراد اللحية.. فقولكم: (فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث) غير قاطع؛ لأن الاستثناء في الأثر قد يكون منقطعاً كما هو مشهور في العربية، وعليه فليس بحُجَّةٍ على ما ذُكِر.

ولو فهموا بأن الأمر بالإعفاء حتم لما أخذوا من لحاهم قليلا أو كثيرا.
ومن الغريب فتوى بعض لمعاصرين ممن يحرمون الحلق أنهم يوجبون مع ذلك الأخذ فجمعوا بين النقيضين: تحريم مخالفة الإعفاء ووجوب مخالفة الإعفاء!!!!
هذا استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه.. والصحيح فيما يبدو: أن بعض الأخذ لا يخالف الإعفاء المأمور به، والعلم عند الله تعالى.
بل الغريب حقاً -فضيلة الدكتور- أن نتصور أن جمهور الصحابة رضي الله عنهم -أو كثيراً منهم- قد خالفوا ما ندبهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا بعيد عما عُهِد عنهم وعُرِف واشتهر. ومجرد الوصول إلى ما يفيد هذه النتيجة دليل على فساد المقدمات.


وامتناع البعض عن هذه العقوبة كعمر بن عبد العزيز،رحمه الله تعالى، لا يدل على التحريم لأنه قال: إياي وحلق الرأس واللحية، فنهى عن المعاقبة بحلق الرأس أيضا وهو ليس بحرام. فدل سكوتهم عن إنكار هذا الأمر، أنه جائز ضمنا بالإجماع السكوتي.
هذا غلط على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ فقد روى ابن عساكر عنه أنه قال: إنَّ حلق اللحية مُثْلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلة.
فتبين أن دعوى الإباحة المبنية على دعوى سكوتهم باطلة، فما بني على باطل فهو باطل. ولي عودة إن شاء الله تعالى
 
التعديل الأخير:

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

شكر الله لك وجزاك خيراً
وشكر لكم وأحسن إليكم فضيلة الشيخ.
بخصوص عِلِّيَّة الأمر بالإعفاء أود أن أورد نصاً لابن تيمية حيث يقول عقب ذكره حديث: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس": ( فعقَّبَ الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم أو علةٌ أخرى أو بعضُ علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنها علة تامة ).
قلت: وهذا هنا فيما أعتقد بعضُ علة، وفي هذا التعليل بمخالفتهم تنفيرٌ بليغٌ من مخالفة الأمر بإعفاء اللحية. والله أعلم.
الظاهر أنه علة تامة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد يُضاف إلى هذه العلة أيضا بأن ذلك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، فإذا زالت علة المخالفة لسبب ما فيثبت الحكم بالعلة الأخرى. وهذا أولى من جعل المخالفة جزء علة لأن الحكم يزول بزوال العلة أو جزئها.
أقول: حتى هذا ليس إجماعاً تصريحياً.
سمه ما شئت لكنه مقطوع به يكفر المخالف في حكمه.
الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، وضد الإعفاء: الإزالة بحلق أو نتف أو تنوير.
والقول بأن الأمر أخف من النهي ليس على إطلاقه، بل لو قيل إن الأصل أن مخالفة المأمور به أعظم من الإتيان بالمنهي عنه لكان له وجه بل هو منصوص كلام بعض الأئمة بدلالة أن جنس معصية إبليس الذي أُمِر بالسجود أعظم من معصية الذي نهي عن الأكل من الشجرة، على أن هذا ليس على إطلاقه.
هذه مسألة مُشكلة عندي، وأسلِّم لكم بوجود الخلاف فيها. وأنا لم أقصدها بالذات، وإنما قصدت أن دلالة صيغة الأمر أقل ظهورا في الوجوب من ظهور دلالة النهي في التحريم، ولذلك تردد الشافعي في ما هو الأصل في الأمر: الوجوب أو الندب، فخرَّج له أصحابه قولين، بينما في النهي القول عنده واحد وهو أن الأصل فيه التحريم. (يُنظر الزركشي)
أخالفك في هذا شيخنا الفاضل، فالقطعية نسبية يحكمها الاستقراء للنصوص والأقاويل، وقد يحصل في نفس المجتهد المستقرئ القطعُ بتحقق الإجماع، ولا يقدح في القطعية كونُ الإجماع سكوتياً. بل الظاهر أنه لا وجود للإجماع التصريحي في الواقع. والله أعلم
ما دام الاستقراء ناقصا لا يتحقق القطع. وأكثر الإجماعات السكوتية فيما ليس فيه نص قاطع لا يمكن فيها استقراء أقوال أكثر من عشرين أو حتى خمسين من الصحابة والتابعين، لعزة الرواية عن كثير منهم، مع أن المفتين في تلك العصور بلغوا المئات. ولذلك فإن الشافعي يقدم خبر الواحد على الإجماع السكوتي، ولو كان قاطعا ما قدَّمه عليه. أما التصريحي بمعنى الوقوف على تصريح كل أهل الاجتهاد من الصحابة أو التابعين في المسألة، فهو كما تفضَّلت خيال لا وجود له، ولكنه يُتصور تقديرا في المسائل التي عُلِمت من الدين بالضرورة لقطعيتها وظهورها.
أولاً: لفظ هذا الأثر عند أبي داود: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
وفي معنى السبال سبعة أقوال، منها: أن السبَلة مقدم اللحية وما نزل على الصدر منها، ومنها: الدائرة في وسط الشفة العليا، ومنها: طرف الشارب، ومنها: مجتمع الشاربين. وقد جاء في حديث أبي أمامة الذي أوردتموه : إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم.
فدل على أن هذا اللفظ مشترك، والاستدلال به محتمل.
إذا سلكت مسلك الجمع بين الروايات فينبغي أن تحمل المجمل على المفسر، فتفسر السبال باللحى، وأنت قمت بالعكس.
وإذا سلكت مسلك الترجيح فينبغي أن توازن بين الأسانيد وترجح بالكثرة والحفظ والشواهد. وأنت لم تفعل.
والظاهر أن السبال في رواية أبي داود هي اللحى بدليل فعل ابن عمر وأبي هريرة وغيرهم في الأخذ منها.
ثم إنه لا يصح حمل السبال هنا على الشارب لأن فيه أن الصحابة كانوا يعفون شواربهم إلا في الحج والعمرة. وهذا المعنى فيه ما فيه.
نحن استدللنا بالأثر على أن القص ينافي الإعفاء لا أكثر. وهذا الاستدلال لا يتغير سواء أقلتَ السِّبال هي الشوارب أو اللحى.
ثانياً: على التسليم بأن المراد اللحية.. فقولكم: (فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث) غير قاطع؛ لأن الاستثناء في الأثر قد يكون منقطعاً كما هو مشهور في العربية، وعليه فليس بحُجَّةٍ على ما ذُكِر.
لا أدري كيف يكون الاستثناء هنا منقطعا؟!. فسِّر لي كيف يكون معنى النص حينئذ، فإني لم أجد لذلك وجها.
ثم إن دعوى الانقطاع في الاستثناء خلاف الظاهر والأصل أن يحمل الاستثناء على الاتصال. ووجود الاحتمال في الدلالة لا يؤثر إذ كل الظواهر محتملة للتأويل. ولا يصار إليه إلا بالقرينة فأين هي القرينة هنا التي أحوجت إلى دعوى الانقطاع؟ هذا على فرض أن معنى الأثر يقبل الحمل على الانقطاع أصلا.
سلمنا أن الأثر لا يدل على منافاة الإعفاء للقص والأخذ، فما شأن حديث أبي أمامة وفيه أن اليهود يقصون فقال خالفوهم وأعفوا أو كما قال.

هذا استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه.. والصحيح فيما يبدو: أن بعض الأخذ لا يخالف الإعفاء المأمور به، والعلم عند الله تعالى.
بل الغريب حقاً -فضيلة الدكتور- أن نتصور أن جمهور الصحابة رضي الله عنهم -أو كثيراً منهم- قد خالفوا ما ندبهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا بعيد عما عُهِد عنهم وعُرِف واشتهر. ومجرد الوصول إلى ما يفيد هذه النتيجة دليل على فساد المقدمات.
قد قلتم، بارك الله فيكم، سابقا أن الأخذ لم يصح إلا عن عدد محدود منهم، وأنه كان في النسك خاصة.
سلمنا أنه ورد عن كثير منهم فكان ماذا إذا تركوه لعلّة كما ترك كثير منهم صبغ الشعر واللحية، وكذا ترك كثير منهم إحفاء الشوارب، وترك كثير منهم الاستنجاء بالماء، حتى قال بعضهم إنه بدعة، وكل هذا من خصال الفطرة، ولا فرق بينه وبين إعفاء اللحى.
هذا غلط على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ فقد روى ابن عساكر عنه أنه قال: إنَّ حلق اللحية مُثْلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلة.
فتبين أن دعوى الإباحة المبنية على دعوى سكوتهم باطلة، فما بني على باطل فهو باطل. ولي عودة إن شاء الله تعالى
ليس غطا إن شاء الله تعالى، وما روي عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة فهذا يورده كثير ممن يحشدون ما هب ودب من الأدلة على تحريم حلق اللحية. ومنهم ـ للأسف ـ ممن اشتهر اعتناؤه بالتصحيح والتضعيف، لما أرود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز سكت على خلاف عادته عن إسناده مع أنه تالف فيه مجاهيل وضعفاء، ثم بتر النص مما أثر في معناه.
والأثر في ابن عساكر (45/ 3)كما يلي:"عمر بن خيران الجذامي حكى عنعمر بن عبد العزيز. روى عنه أبو خالد يزيد بن يحيى بن الصباغ القرشي الدمشقيأخبرنا أبو محمد بن الأكفاني نا عبد العزيز الكتاني أنا أبو الحسن علي بن محمد بنطوق الطبراني أنا عبد الجبار بن محمد بن مهنى الخولاني أنا أحمد بن عمير نا يزيد بن محمد بن عبد الصمد نا سليمان بن عبدالرحمن نا يزيد بن يحيى أبو خالد القرشي حدثني عمر بن خيران الجذامي وسليمان بنداود قالا كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبيدة بن عبد الرحمن السلمي بأذربيجان إنهبلغني أنك تحلق الرأس واللحية وإنه بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قالإن الله عز وجل جعل هذا الشعر نسكا وسيجعله الظالمون نكالا فإياك والمثلة جزِّالرأس واللحية فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن المثلة".
وهو واضح في أنه حول العقوبة بحلق الرأس واللحية كما قلنا. وكثير ممن كتبوا في تحريم حلق اللحية يروون الأثر هكذا: "إن حلق اللحية مثلة، وإن رسول الله نهى عن المثلة" وهذا نوع من التحريف غير المقبول.
مع أن "المثلة" فيها ما هو نسبي يختلف باختلاف العادات والبيئات، ولذلك عد مالك إحفاء الشوارب مثلة مع أنه وارد عن الأكابر. وكذا حلق الرأس عنده مثلة. وحلق المرأة رأسها مثلة وفيه نهي شرعي، والمرجَّح عند الشافعية والحنابلة وغيرهم أنه مكروه لا حرام، والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

شكر الله لكم فضيلةَ الدكتور، ونفع بما تكتبون

الظاهر أنه علة تامة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد يُضاف إلى هذه العلة أيضا بأن ذلك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، فإذا زالت علة المخالفة لسبب ما فيثبت الحكم بالعلة الأخرى. وهذا أولى من جعل المخالفة جزء علة لأن الحكم يزول بزوال العلة أو جزئها.
بيِّن لنا -أثابك الله- كيف للحكم أن يزول بزوال جزء العلة؟!

يقول صاحب "كشف الأسرار" على أصول البزدوي: وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّحْرِيمِ. أهـ الغرض منه
ويقول أبو إسحاق الشيرازي في "التبصرة": وَمَتى تعلق الحكم بوصفين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض الْعلَّة، فَلَا يجوز تعلق الحكم على أَحدهمَا على الِانْفِرَاد. أهـ
ويقول أيضاً: وَبَعض الْعلَّة لَا يخلف جَمِيعهَا فِي إِثْبَات الحكم فَافْتَرقَا. أهـ
وفرق بعض الأصوليين بين العلة المنصوصة والمستنبطة، والتفريق محل نظر، وكلامنا هنا عن التعليل بمجموع علتين؛ فالعلة مركبة منهما ولا تخرج عن كونها ذينك الوصفين المجتمعين، ولا يتميز واحد منهما بعينه، فيتعين اعتبار مجموعها.

وهنا نقول أيضاً لمزيد بيان: إن (مخالفة المشركين والمجوس) أمرٌ لا ينقطع بكون بعضهم -أو أكثرهم- وافق سنة الأنبياء، وكأن المقصود -والله أعلم- أن نخرج عن مضادة سنة الأنبياء والمرسلين، وهي علة تشبه ما جاء في بعض النصوص؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ( من رفع علينا السلاح فليس منا )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ).

سمه ما شئت لكنه مقطوع به يكفر المخالف في حكمه.
يقال: إنما كفر مخالفه لا لكونه إجماعاً غير سكوتي، وإنما لدليل خارجي.. وبهذا ينتقض ما أصلتم.
وعليه؛ فيكون بعض السكوتي قطعياً، كذاك الذي مثلتم به، فلا وجه بعدئذ لمنازعة دعوى حجية إجماعٍ ما بمجرد كونه سكوتياً.

ما دام الاستقراء ناقصا لا يتحقق القطع. وأكثر الإجماعات السكوتية فيما ليس فيه نص قاطع لا يمكن فيها استقراء أقوال أكثر من عشرين أو حتى خمسين من الصحابة والتابعين، لعزة الرواية عن كثير منهم، مع أن المفتين في تلك العصور بلغوا المئات.
ائذن لي -حفظك الله- بأن لا أسلِّم بهذا؛ لأنه يمكن أن يقال: لو خالف أحد من الصحابة في مثل هذا لانتشر قوله واشتهر، والاستقراء التام متعذر أبداً في جميع صور الإجماع، ويلزم من اشتراطه إبطال وجود الإجماع جملة وتفصيلاً، وهو شذوذ.

ولذلك فإن الشافعي يقدم خبر الواحد على الإجماع السكوتي، ولو كان قاطعا ما قدَّمه عليه.
ليس هذا على إطلاقه، وقد علمتم أن الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يقدم خبر الواحد على بعض صور الإجماع السكوتي.

إذا سلكت مسلك الجمع بين الروايات فينبغي أن تحمل المجمل على المفسر، فتفسر السبال باللحى، وأنت قمت بالعكس.
وإذا سلكت مسلك الترجيح فينبغي أن توازن بين الأسانيد وترجح بالكثرة والحفظ والشواهد. وأنت لم تفعل.
والظاهر أن السبال في رواية أبي داود هي اللحى بدليل فعل ابن عمر وأبي هريرة وغيرهم في الأخذ منها.
ثم إنه لا يصح حمل السبال هنا على الشارب لأن فيه أن الصحابة كانوا يعفون شواربهم إلا في الحج والعمرة. وهذا المعنى فيه ما فيه.
نحن استدللنا بالأثر على أن القص ينافي الإعفاء لا أكثر.
قلت: إن هذا محتمل، ولم أجزم فيه بمعارضة ما رجحتم.

قال في "طرح التثريب": (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ: هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ؟ أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟
فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتُرُ الْفَمَ وَلَا يُبْقِي فِيهِ غَمْرَةَ الطَّعَامِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ انْتَهَى.وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُعْفِي السِّبَالَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسُ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ»، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ سِبَالَهُ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» ، وَالْعَثَانِينُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَكْرَارِ النُّونِ جَمْعُ عُثْنُونٍ: اللِّحْيَةُ. أهـ
ولكنَّ قول جابر رضي الله عنه : "كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة" إن كان الاستثناء فيه متصلاً فيقال: قال الحافظ في "الفتح": وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن بن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. أهـ

فإذا كان المراد هو الزائد من شعر اللحية أو المسترسل كما قال الحافظ، أو مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر، فهذا موافق لكلامنا آنفاً لا يعارضه بحال.

ووجه ثانٍ باعتبار اتصال الاستثناء أن يقال: أراد بالإعفاء هنا عدم الأخذ مطلقاً، وإن كان يرد في كلامهم بمعنى إبقائها وافرة.
ولا يلزم من هذا أن يحاكم النص النبوي بهذا الحكم، وهذا لا أظن أن أحداً ينازع في أنه لا يلزم.

وإن كان منقطعاً فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو مَحْرم)؛ فإنه إذا كان ثَمَّ محرم معها فلا خلوة تكون، ويشبه قول جابر: قد كنا في زمن النبي لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلاً. فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا ثم نصلي ولا نتوضأ. يعني أنهم لا يمسحون بالمناديل لكن يمسحون ما بقي من ذلك الطعام بما تقدم.
وهنا يكون المعنى: كنا نعفي لحانا دون أخذ، لكننا نأخذ منها في الحج والعمرة.

فإن قيل: فما ذهبنا إليه أولى، فلمَ لا تقول به؟
قلتُ: إذا كان جابر -رضي الله عنه- يعبر بلفظ "كنا" والتي تعود -في أقل أحوالها- إلى جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- وهو فعلٌ لابن عمر -رضي الله عنه- وهو أعلم الناس بما روى، فإن دعوى مخالفة الصحابة للحديث ممجوجة، وعلى ما قررنا سار جمهور العلماء وأكابر الفقهاء ..

فممن رأى إباحة الأخذ منها من غير الصحابة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وعطاء، والشعبي، والقاسم بن محمد، وطاووس، وإبراهيم النخعي.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، واستحبه الشافعي في النسك، واستحسنه القاضي عياض.

قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى "أعفوا اللحى" وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا ويأخذ من طرفها ما خرج عن القبضة. أهـ
وفي حاشية السندي على سنن النَّسائي: المنهي قصها كصنع الأعاجم وشعار كثير من الكفرة، فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولاً ولا عرضاً للإصلاح. أهـ

سلمنا أنه ورد عن كثير منهم فكان ماذا إذا تركوه لعلّة كما ترك كثير منهم صبغ الشعر واللحية، وكذا ترك كثير منهم إحفاء الشوارب، وترك كثير منهم الاستنجاء بالماء، حتى قال بعضهم إنه بدعة، وكل هذا من خصال الفطرة، ولا فرق بينه وبين إعفاء اللحى.
لا مشابهة البتة؛ فما ذكرتموه من أمثلة وُجِد من يخالفهم فيها منهم.. وأما المذكور فما نازعهم فيه أحد فيما نعلم.

ليس غلطا إن شاء الله تعالى، وما روي عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة فهذا يورده كثير ممن يحشدون ما هب ودب من الأدلة على تحريم حلق اللحية. ومنهم ـ للأسف ـ ممن اشتهر اعتناؤه بالتصحيح والتضعيف، لما أرود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز سكت على خلاف عادته عن إسناده مع أنه تالف فيه مجاهيل وضعفاء، ثم بتر النص مما أثر في معناه.
نعم. ما نقلتُه عن عمر بن عبد العزيز عند ابن عساكر هو في حاشية "آداب الزفاف" للشيخ الألباني هكذا :
وروى ابن عساكر 13/101/2 عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُثلة. أهـ

والحق أنني لم أبحث عنه عند ابن عساكر، فجزاكم الله خيراً على التنبيه.
وأقول: نعم. المُثلة تختلف باختلاف العادة في كثير من الأحوال، ولكنَّ دعوى أنهم أجمعوا سكوتياً على جواز ذلك كبيرةٌ في حق مثلكم فضيلةَ الدكتور؛ فمع أنه لم يسبق إليه أحد فيما أعلم، إلا أنه قد نص على خلافه جماعةٌ من العلماء .. ولا يخفاكم قول بعض الحنفية: والأخذ من اللحية -وهو دون ذلك- كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يُبِحه أحد، وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الإعاجم. أهـ يعني الأخذَ منها وهي دون القبضة. وبالله التوفيق
 
التعديل الأخير:

علي سلمان عبود

:: متابع ::
إنضم
2 مارس 2010
المشاركات
24
التخصص
اصول الفقه
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

سعادة الدكتور أيمن ،المشايخ الكرام:نعلم جميعا أن هذا الموضوع فيه خلاف ،ولاأعتقد ينتهي بهذه الطريقة،من له إمكانية في أن يثبت الأجماع في هذه المسألة فقد أقام الحجة ،وإلا ستبقى المسألة مما يسوغ فيها الخلاف،والله تعالى الموفق،تقبلوا سادتي كامل أحترامي
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

سعادة الدكتور أيمن ،المشايخ الكرام:نعلم جميعا أن هذا الموضوع فيه خلاف ،ولاأعتقد ينتهي بهذه الطريقة،من له إمكانية في أن يثبت الأجماع في هذه المسألة فقد أقام الحجة ،وإلا ستبقى المسألة مما يسوغ فيها الخلاف،والله تعالى الموفق،تقبلوا سادتي كامل أحترامي
جزاك الله خيراً فضيلة الدكتور
فما الوسيلة التي من خلالها يمكن إثبات إجماعٍ ما؟ بارك الله فيك
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

رد: هل الخلاف في حكم إعفاء اللحية يسوغ ؟؟

بيِّن لنا -أثابك الله- كيف للحكم أن يزول بزوال جزء العلة؟!

يقول صاحب "كشف الأسرار" على أصول البزدوي: وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّحْرِيمِ. أهـ الغرض منه
ويقول أبو إسحاق الشيرازي في "التبصرة": وَمَتى تعلق الحكم بوصفين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض الْعلَّة، فَلَا يجوز تعلق الحكم على أَحدهمَا على الِانْفِرَاد. أهـ
ويقول أيضاً: وَبَعض الْعلَّة لَا يخلف جَمِيعهَا فِي إِثْبَات الحكم فَافْتَرقَا. أهـ
وفرق بعض الأصوليين بين العلة المنصوصة والمستنبطة، والتفريق محل نظر، وكلامنا هنا عن التعليل بمجموع علتين؛ فالعلة مركبة منهما ولا تخرج عن كونها ذينك الوصفين المجتمعين، ولا يتميز واحد منهما بعينه، فيتعين اعتبار مجموعها.
أخي "أبو بكر" جزاك الله خيرا، يبدو أنه التبس عليك الفرق بين تعليل الحكم بعلتين مستقلتين وبين تعليله بعلة مركبة من وصفين. فَما عُلِّل بعلتين يطَّرد مع علله ولكنه لا ينعكس مع إحداهما. بعبارة أخرى: يدور الحكم مع إحدى العلتين وجودا ولا يدور معها عدما، لأنها إن زالت بقيت العلة الأخرى فيثبت الحكم بها.
ومثال ذلك: تعليل الأمر بإعفاء اللحية بكونه مخالفة للمشركين (علة أولى) وبكونه من خصال الفطرة (علة ثانية). فالحكم يدور مع العلة الأولى وجودا أي أنه يثبت حكم الأمر (الوجوب أو الاستحباب) حيث وجد فعل الحلق والقص من المشركين. وإذا افترضنا أن هذا الفعل من المشركين لم يعد موجودا لا يرتفع حكم الإعفاء، لأنه يثبت بالعلة الثانية وهي أن الإعفاء من خصال الفطرة بغض النظر عن موافقة المشركين أو مخالفتهم.
مثال آخر لتعليل الحكم بعلة مركبة من وصفين: تعليل وجوب القتل قصاصا بالأوصاف: القتل والعمدية والعدوان، فإذا وجد أحد هذه الأوصاف (=بعض العلة) دون الوصفين الآخرين لا يثبت معه حكم القتل قصاصا، كمن قتل بلا قصد ( انتفى وصف العمدية)، أو قتل دفاعا عن النفس (انتفى وصف العدوان)، أو حاول القتل فلم ينجح (انتفى وصف القتل). فالحكم المناط بعلة مركبة من أوصاف لا يثبت إلا إذا وجدت جميع هذه الأوصاف وينتفي بانتفاء أحدها، بخلاف ما لو كان كل وصف من هذه الأوصاف علة مستقلة. وما أوردتموه نقلا عن الأصوليين فهو دليل على هذا المعنى بارك الله فيكم. فقول البزدوي "إن بعض العلة لا يخلف جميعها في إثبات الحكم" معناه أن الحكم لا يدور مع بعض العلة، لأن بعضها لا يسد مسد جميعها. وهذا كما لو قتل دون قصد أو دون عدوان لا يدور معه حكم القصاص. وكذا قول الشيرازي،: وَمَتى تعلق الحكم بوصفين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض الْعلَّة، فَلَا يجوز تعلق الحكم على أَحدهمَا على الِانْفِرَاد. أهـ فهو واضح جدا في أن الحكم لا يتعلق وجودا وعدما بجزء العلة منفردا عن جزئه الآخر بلا لا بد من وجودهما معا كما سبق شرحه.

والحاصل هنا أن ابن تيمية رحمه الله تعالى وضع ثلاثة احتمالات لكون "مخالفة المشركين" علة للأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب:
أحدها: أن تكون علة تامَّة. أي وحيدة لا تصاحبها أخرى في اقتضاء الحكم (اشتراكا أو استقلالا)، وهو ما قال: إنه الأظهر (بسبب التصريح بها في النص).
والثاني: أن تكون علة أخرى. أي أن هناك علة غيرها للأمر بالإعفاء، والمخالفة علة أخرى تضاف إلى تلك العلة. وهو ما أميل إليه، والعلة الأخرى هي كون اللحية من خصال الفطرة (إن صح ذلك).
والثالث: أن تكون المخالفة جزء من علة مركبة من وصفين أو أكثر، كأن تكون العلة هي مجموع وصفين: أحدهما أن إعفاء اللحية من خصال الفطرة والثاني أن فيه مخالفة للمشركين.
ومما يشهد لقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في كون المخالفة علة تامة قول إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: «لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ لِحْيَتِهِ، مَا لَمْ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ». وقَالَ فِي الشَّارِبَيْنِ: «إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ». فمن الواضح أن إبراهيم ينيط حكمي الإعفاء والحف بالتشبه دون سواه لأنه قال: "فأما ما سوى ذلك فلا بأس به"، فنفى الحكم إذا انتفت العلة.
وكذا بوَّب ابن حبان في صحيحه بعد ذكر الأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب: "ذِكْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أَمَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ" ثم أورد الحديث الذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: ذِكْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ يُوفُونَ سِبَالَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ،فَخَالِفُوهُمْ"
ويشهد له أيضا ما ورد بأسانيد مرسلة صحيحة من أن سبب حديث الإعفاء هو وفود المجوس على النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا قد حلقوا لحاهم.
وكذا يشهد له حديث أبي أمامة في ذكر مخالفة أهل الكتاب في الصبغ ثم جر ذلك إلى الأمر بإعفاء اللحية وحف الشوارب جوابا على سؤال الصحابة.
وقد نقل ابن حجر ما يدل عليه عن الطبري: "وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها".
وقال ابن الهمام عن قوله صلى الله عليه وسلم في آخر حديث الأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب: "وخالفوا المجوس": قال: "فهذه الجملة واقعة موقع التعليل".
وما مِلتُ إليه من أنها ليست علة تامة، بحسب الظاهر، بل علةٌ أخرى سببه أمران:
أحدهما: ورود نص آخر في وصف الإعفاء بكونه من خصال الفطرة، فحصل لدينا علتان منصوصتان.
والثاني: أن مشركي العرب كانوا يوفرون لحاهم ولم يعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخالفتهم، مع أنهم أولى بالمخالفة من المجوس بحكم القرب والمخالطة.

يقال: إنما كفر مخالفه لا لكونه إجماعاً غير سكوتي، وإنما لدليل خارجي.. وبهذا ينتقض ما أصلتم.
وعليه؛ فيكون بعض السكوتي قطعياً، كذاك الذي مثلتم به، فلا وجه بعدئذ لمنازعة دعوى حجية إجماعٍ ما بمجرد كونه سكوتياً.
ليست المشكلة في المسميات بل في الحقائق يا شيخ أبو بكر.
ومن الغريب أنكم لحظتم، بارك الله فيكم، بأن تكفير مخالف حكم هذا الإجماع إنما هو لدليل خارجي لا لمجرد كونه إجماعا سكوتيا، ثم لم تلحظوا أن قطعية حكم هذه الإجماع جاءت كذلك من دليل خارجي لا لمجرد كونه إجماعا سكوتيا؟!
والحاصل عندي ههنا، ولك أن تخالفني فيه:
1. أن الإجماع على ما وردت فيه نصوص قطعية كالمعلوم من الدين بالضرورة من تحريم الخمر ووجوب الصلاة فهذا مقطوع بحكمه لا لكونه إجماعا بل لأنه يستند إلى نصوص قطعية. وسواء أسميناه سكوتيا أو غير ذلك فهذا ليس مشكلة إلا أنه قد يكون تغييرا للمصطلح الشائع عند الأصوليين من كونهم لا يسمون مثل هذا الإجماع سكوتيا. ولا فائدة فقهية لمثل هذا النوع من الإجماع، اللهم إلا في مسألة إعذار المخالف في حكمه بالجهل.
2. أن الإجماع بعدم معرفة المخالف فيما لا يستند إلى نصوص قطعية، كله ظني لا يتحقق فيه القطع لعدم إمكان الاستقراء التام لأقوال المجتهدين ولا النقل المتواتر عنهم (هذا إذا سُلِّم بأن الإجماع نهضت بحجيته أدلة قطعية). وهو ما يسميه الأصوليون بالإجماع السكوتي. وفي اعتباره حجة اختلاف شديد بينهم حتى قال السمعاني بعد أن خاض في مناقشة أدلة النافين لحجيته. "وَالْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِالْإِشْكَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ".
3. أن تحريم حلق اللحية ليس فيه إجماع لا قطعي ولا ظني، وإنما الغاية هنا أن يقال أنهم أجمعوا على أن إعفاء اللحية مطلوب شرعا في الجملة

ائذن لي -حفظك الله- بأن لا أسلِّم بهذا؛ لأنه يمكن أن يقال: لو خالف أحد من الصحابة في مثل هذا لانتشر قوله واشتهر، والاستقراء التام متعذر أبداً في جميع صور الإجماع، ويلزم من اشتراطه إبطال وجود الإجماع جملة وتفصيلاً، وهو شذوذ.
خالف في ماذا، بارك الله فيكم؟
أما الإعفاء، فقد خالف فيه كثيرون فكانوا يأخذون من لحاهم ويقصونها
أما الحلق فتركهم إياه لا يدل على اعتقاد تحريمه لأنه كان عيبا ومعرة في عرفهم قبل الإسلام وبعده كما ذكرنا، فاجتمع فيه مقتضى العرف وندب الدين فكيف يتركونه؟!
أما كون الاستقراء التام في الإجماع متعذرا فنوافقكم عليه، ولذلك قلنا هو ظني عند من يقول بحجيته. ونحن لا نشترطه إلا لإرادة القطع أما في إفادة الظن فالاستقراء الناقص يفيد الظن.
وكل من خالف من الأصوليين في حجية الإجماع السكوتي، وهم كثيرون، قائل، من حيث المحصلة، بعدم حجية الإجماع جملة، لأنه على التحقيق لا إجماع يُتصور نقله إلا السكوتي. وما أجمع عليه وفيه نص قطعي فالنص مغن عنه.
وقولكم "لو خالف أحد من الصحابة في مثل هذا لانتشر قوله واشتهر" غريب فأين القول المنتشر لمن قال بوجوب الإعفاء أو بحرمة الحلق من الصحابة أو التابعين؟! ومدعي الإجماع هو الذي يأتي بالبينات عليه لا نافيه. وقد انساق الناس في دعوى الإجماع على حلق اللحية خلف ابن حزم فهو أول من زعمه من غير أن يصح قول لواحد من الصحابة والتابعين يدل عليه.

ليس هذا على إطلاقه، وقد علمتم أن الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يقدم خبر الواحد على بعض صور الإجماع السكوتي.
لم أعلمه فإذا وقفتم على مثال منه فأخبرونا مأجورين

قلت: إن هذا محتمل، ولم أجزم فيه بمعارضة ما رجحتم.

قال في "طرح التثريب": (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ: هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ؟ أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟
فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتُرُ الْفَمَ وَلَا يُبْقِي فِيهِ غَمْرَةَ الطَّعَامِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ انْتَهَى.وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُعْفِي السِّبَالَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسُ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ»، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ سِبَالَهُ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» ، وَالْعَثَانِينُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَكْرَارِ النُّونِ جَمْعُ عُثْنُونٍ: اللِّحْيَةُ. أهـ
ولكنَّ قول جابر رضي الله عنه : "كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة" إن كان الاستثناء فيه متصلاً فيقال: قال الحافظ في "الفتح": وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن بن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. أهـ

فإذا كان المراد هو الزائد من شعر اللحية أو المسترسل كما قال الحافظ، أو مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر، فهذا موافق لكلامنا آنفاً لا يعارضه بحال.

ووجه ثانٍ باعتبار اتصال الاستثناء أن يقال: أراد بالإعفاء هنا عدم الأخذ مطلقاً، وإن كان يرد في كلامهم بمعنى إبقائها وافرة.
ولا يلزم من هذا أن يحاكم النص النبوي بهذا الحكم، وهذا لا أظن أن أحداً ينازع في أنه لا يلزم.
ما دمتم تقولونه احتمالا لا تحقيقا فلن أناقشكم فيه، وهو في نظري احتمال ضعيف جدا يلزم من المضي معه القفز على جميع قواعد الجمع بين النصوص والروايات فلا أدري لِمَ التطويل فيه


وإن كان منقطعاً فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو مَحْرم)؛ فإنه إذا كان ثَمَّ محرم معها فلا خلوة تكون، ويشبه قول جابر: قد كنا في زمن النبي لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلاً. فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا ثم نصلي ولا نتوضأ. يعني أنهم لا يمسحون بالمناديل لكن يمسحون ما بقي من ذلك الطعام بما تقدم.
وهنا يكون المعنى: كنا نعفي لحانا دون أخذ، لكننا نأخذ منها في الحج والعمرة.
المعنى الذي ذكرتموه بارك الله فيكم هو على الاستثناء المتصل أيضا، لأن المنفصل هو ما لا يكون المستثنى جزءاً من المستثنى منه. وقوله: "كنا لا نعفي لحانا" أي في كل وقت وحين وحال، وقوله: "إلا في حج أو عمرة" فمعناه استثناء من ذلك الوقت والحين والحال. وقولكم بأن المعنى "كنا نعفي لحانا دون أخذ، لكننا نأخذ منها في الحج والعمرة" هو نفس هذا المعنى ولم تأتوا بشيء جديد.
وقد جركم إلى مثل هذه المزالق الاحتمال السابق الذي أبديتموه.


فإن قيل: فما ذهبنا إليه أولى، فلمَ لا تقول به؟
قلتُ: إذا كان جابر -رضي الله عنه- يعبر بلفظ "كنا" والتي تعود -في أقل أحوالها- إلى جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- وهو فعلٌ لابن عمر -رضي الله عنه- وهو أعلم الناس بما روى، فإن دعوى مخالفة الصحابة للحديث ممجوجة، وعلى ما قررنا سار جمهور العلماء وأكابر الفقهاء ..
فممن رأى إباحة الأخذ منها من غير الصحابة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وعطاء، والشعبي، والقاسم بن محمد، وطاووس، وإبراهيم النخعي.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، واستحبه الشافعي في النسك، واستحسنه القاضي عياض.
ليست ممجوجة بالأخذ في الحسبان أنهم خالفوا الظاهر من النص لأنهم فهموا الأمر معللا بمجرد مخالفة المشركين، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: «لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ لِحْيَتِهِ، مَا لَمْ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ». وقَالَ فِي الشَّارِبَيْنِ: «إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ». وقال الطبري: "وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها".
وأمثلة مخالفة الصحابة لظواهر النصوص بالتعليل أكثر من أن تحصى وقد أسهبنا في ذكر أمثلتها في "أثر تعليل النص على دلالته" وأبرزها مثالا تأويلهم لظاهر الأمر بالصلاة في بني قريظة بأنه إنما أراد الاستعجال لا تأخير الصلاة.

لا مشابهة البتة؛ فما ذكرتموه من أمثلة وُجِد من يخالفهم فيها منهم.. وأما المذكور فما نازعهم فيه أحد فيما نعلم.
إن كنت تعني بالمخالفة أنهم أنكروا عليهم أو نازعوهم فما أعلم أحدا أنكر على أحد في الأمثلة التي سقتها وإن كان لديك نقل في ذلك فأفدناه مشكورا، وإن كنت تعني بالمخالفة أنهم فعلوا بخلافهم فكانوا يحفون شواربهم ولا يكتفون بالقص مثلا وكانوا يستنجون بالماء لا بالأحجار، فهذا هو الشأن نفسه في اللحية لقول جابر كنا نعفي اللحى إلا في حج أو عمرة فالإعفاء هو الأصل عندهم والأخذ إنما كان استثناء والظاهر أنه للنسك لا غير. وقال الطبراني حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي (صدوق) ثنا أبي ثنا اسماعيل بن عياش (ثقة في الشاميين) عن شرحبيل بن مسلم [الشامي](وثقه أحمد وغيره وضعفه ابن معين والعمل على توثيقه) قال : رأيت خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقمون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها منهم المقدام بن معدي كرب. وعند البيهقي: رأيت خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبو أمامة الباهلى وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمى والحجاج بن عامر الثمالى والمقدام بن معديكرب الكندى، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة.

ولكنَّ دعوى أنهم أجمعوا سكوتياً على جواز ذلك كبيرةٌ في حق مثلكم فضيلةَ الدكتور؛ فمع أنه لم يسبق إليه أحد فيما أعلم، إلا أنه قد نص على خلافه جماعةٌ من العلماء
قلتُه تنـزُّلا في الحجاج لا اعتقادا، معارضةً للإجماع المدَّعى على تحريم حلق اللحية بمثله، فإن من التزم الأخذ بذلك الإجماع يلزمه الأخذ بهذا الإجماع لأنه على طريقته في التقوُّل على الصحابة والتابعين بالحزر والتخمين. وكم من مسألة ادعي فيها الإجماع على النقيضين.
وإلا فأنا شخصيا أميل إلى عدم حجية الإجماع السكوتي بذاته إلا أن يكون قرينة على وجود نص في عهد الصحابة لم يبلغنا أو بلغنا ضعيفا، وفي هذا تفصيل ليس هذا موضعه.

ولقد طال الكلام والاستطراد في هذه المسألة بما لا تحتمله، ودخلنا في قضايا جانبية كثيرة، وكان الأجدى أن نركز جهدنا في ضوابط الخلاف المستساغ.
والحاصل عندي أخيرا أن الخلاف في حلق اللحية تحريما وكراهة مستساغ: فأما مدعي التحريم فمستمسك بظاهر الأمر، وأما مدعي الكراهة فيتأول الأمر بالتعليل وغيره من قرائن صرف الأمر عن الوجوب وهي كثيرة في هذه المسألة كما ذكرنا. والله أعلم.​
 
أعلى