محمد رمضان عبد المنعم
:: مشارك ::
- إنضم
- 21 أغسطس 2009
- المشاركات
- 213
- التخصص
- طويلب علم مبتديء
- المدينة
- الثغر الإسكندري
- المذهب الفقهي
- شافعي
العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،
مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.
شكر الله لكم فضيلة الدكتور أيمندعوى الإجماع في ذلك دونها خرط القتاد، أما دعوى عدم العلم بالمخالف فربما، لكنه ثمة خلاف شديد في حجية "الإجماع السكوتي".
وأما أن الخلاف في المسألة هل هو سائغ أم لا، فالأرجح، في نظري، أنه سائغ؛ لأنه ليس ثمة قرينة قاطعة دالة على تحريم الحلق في أدلة الموجبين للإعفاء، بل أقصى ما يتمسكون به هو مقتضى الأصل في الأمر أنه للوجوب. ولو سُلِّمت هذه القاعدة، وهي محل خلاف معتبر بين الأصوليين، فيرد على ذلك أنَّ ظهور الأمر المجرَّد في الوجوب، مع التسليم به، هو ظهورٌ ضعيف، كظهور العام في الاستغراق، ينصرف إلى الندب بأدنى دليل. وقد صَرَف المجيزون للحلق أدلة الأمر بالإعفاء عن الوجوب إلى الندب بثلاث قرائن:
إحداها: ثبوت تعليل هذه الأوامر بالنص بمخالفة المشركين، والأصل في مخالفة المشركين، لا سيما في باب العادات، الندب؛ لأن أكثر الأوامر التي جاءت معللة بمخالفة المشركين واليهود والنصارى تدل على الندب لا أكثر، كالأمر بالصلاة في النعال، وبصبغ الشعر، وصيام تاسوعاء، وتعجيل الفطر وغير ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالملاحظ هذه الأيام على اليهود، وهم ألصق المشركين بنا وأشدهم علينا، لا سيما المتدينين منهم، أنهم يعفون لحاهم ولا يأخذون منها شيئا، وكذا بعض طوائف المشركين كبعض طوائف النصارى والسيخ وغيرهم، والأحكام تدور مع عللها.
والقرينة الثانية: ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء.
والقرينة الثالثة: أن الأمر بإعفاء اللحية إنما يقع في باب المظاهر والتحسينيات والتكميليات وهذه الغالب فيها الندب والإرشاد لا الإيجاب.
فهذه ثلاث قرائن إحداها كفيل بصرف الأمر إلى الندب، وقد صرف الفقهاء بأقل منها كثيرا من الأوامر المطلقة، فكيف بها مجتمعة.
والله أعلم.
لسنا هنا بصدد البحث في حكم الإعفاء وإنما في الخلاف فيه هل هو سائغ له مجال في النظر أم لا. وعليه فقولكم: "عندي" لا يُلزم الغير لا سيما مع الخلاف الأصولي الكبير في حجية الإجماع السكوتي.1- عندي أن من لم يعلم بمخالف بعد بحث وحسن اطلاع فإنه لا يباح له أن يخالف فيخرج عن القول الذي رأى الناس عليه.
هذا يمكن قلبه على محرم الحلق أيضا فهو لم يقم بعمل الاستقراء كذلك، ومع هذا جزم بالتحريم.2- صرف الأمر عن الوجوب بالتعليل بكونه مما يخالَف به المشركون محل نظر؛ إذ الحكم فيما يخالَف به المشركون ليس مطرداً، بل جاء لعن من شابههم في غير ما حديث، وعلى من يدعي أنه غالب ما جاء على هذا النحو يدل على الندب أن يعمِل الاستقراء التام ليثبت هذه الأكثرية الغالبة.
قصدت بالعادات كونها مما يتعلق بالمظهر والهيئة وهذا لا تعبد فيه بالمعنى الخاص بل بالمعنى العام الذي يدخل في كل الأوامر والنواهي، ثم هي معللة وما كان تعبدا فالأصل فيه عدم التعليل.3- اعتبار الأمر بها -في هذا المقام- من العادات مصادرة على المطلوب.
قلت: الظاهر لغة من الإعفاء أنه الترك، وحمله على التكثير لا يستقيم لغة وإنما قيل به بسبب رواية "وفروا اللحى". والمنهج الصواب فيما قامت القرائن على أنه رواية بالمعنى سلوك مسلك الترجيح بين الألفاظ لا سلوك مسلك الجمع؛ لأن الغالب على الظن هو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال واحدا من اللفظين، والآخر إنما هو من تصرف الرواة وفهمهم للنص والحجة في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة. وإذا ترجح لفظ الإعفاء حديثيا ـ وهذا يحتاج إلى بحث وموازنة ـ فَيَرِدُ على الحديث أيضا تأويل الباجي للإعفاء بأنه الإعفاء من الإحفاء، أي أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى من الإحفاء.4- قلتم بارك الله فيكم: "ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء"
قلت: أولاً: هذا في الأخذ، ولا يلزم من تجويز الأخذ تجويز الحلق؛ لما علم من أن الإعفاء يحتمل أن يكون بمعنى التكثير، ولا تعارض بين الأخذ الذي لا يمس جناب وفرتها وكثرتها وبين الائتمار بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك على هذا الوجه الحسن، وجمهور الفقهاء على تحريم الحلق وتجويز الأخذ.
وثانياً: لم يثبت الأخذ من الطول والعرض عن أحد من الصحابة، وإنما جاء الأخذ مما زاد عن القبضة عن ابن عمر رضي الله عنهما في النسك خاصة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مطلقاً ، وعن جابر رضي الله عنه من طولها في النسك، وجزاكم الله خيراً.
ما رأيك -أخي الفاضل- فيما جاء في "إكمال المعلم" إذ يقول صاحبه فيه: وقال أبو عبيد في إعفاء اللحى: هو أن توفر وتكثر، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد. أهـ ؟قال ابن عبد البر في التمهيذ : قال أهل اللغة أبو عبيد والأخفش وجماعة : الإحفاء : الاستئصال ، والإعفاء : ترك الشعر لا يحلقه.اهــ
ما رأيك -أخي الفاضل- فيما جاء في "إكمال المعلم" إذ يقول صاحبه فيه: وقال أبو عبيد في إعفاء اللحى: هو أن توفر وتكثر، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد. أهـ ؟
ومن ذلك قوله تعالى: {حتى عَفَوا}، والله أعلم
وفيكم بارك اللهبارك الله فيكم
تبقى المسألة اجتهادية ولا يمكن القطع فيها لأنه إهدار لفتاوى المخالفين ممن يقول بالأخذ منها أو بحلقها كأبي زهرة رحمه الله
مناقشة علمية ذات مستوى عال مفيد نفعنا الله بعلمكم
شكر الله لكم فضيلة الشيخ أيمن، ولكنَّ الذي يقابل الإجماع السكوتي أين هو في الواقع؟!لسنا هنا بصدد البحث في حكم الإعفاء وإنما في الخلاف فيه هل هو سائغ له مجال في النظر أم لا. وعليه فقولكم: "عندي" لا يُلزم الغير لا سيما مع الخلاف الأصولي الكبير في حجية الإجماع السكوتي.
هذا يمكن قلبه على محرم الحلق أيضا فهو لم يقم بعمل الاستقراء كذلك، ومع هذا جزم بالتحريم.
ثم إن الخلاف ليس في النهي عن مخالفة المشركين باللفظ الصريح كـ "لعن" ونحوه، بل في مطلق الأمر أو النهي المعلل بالمخالفة دون قرينة لفظية ناصة على الوجوب أو التحريم.
قد سبق الجواب عن هذا الوهم أعلاه.قلت: الظاهر لغة من الإعفاء أنه الترك، وحمله على التكثير لا يستقيم لغة وإنما قيل به بسبب رواية "وفروا اللحى".
هذا غلط على الإمام النووي، بل قال بكراهة الأخذ منها مطلقاً.وعلى أية حال كان قصدنا هنا بيان أن من قال بكراهة الحلق، كالنووي
الإجماع الصريح هو الذي لا تلقى أحدا إلا قاله لك كتحريم الخمر ووجوب الظهر ونحوها كما ذكر الشافعي في الرسالة. وهو حجة قطعية يكفر المخالف فيها. وما عداه فسكوتي حجيته ظنية على الراجح (بشروط ليس هذا مكان الخوض فيها). وظنيته هذا هي أدنى من ظنية خبر الواحد. وأكثر الإجماعات المحكية فيما ليس فيه نص صريح هي من هذا القبيل.شكر الله لكم فضيلة الشيخ أيمن، ولكنَّ الذي يقابل الإجماع السكوتي أين هو في الواقع؟!
وعدم العلم بالمخالف إن نطق به أئمةٌ أجلاءُ عُرِفوا بالاستقراء والإحاطة فذاك هو الإجماع، لا سيما إن لم يعرَف -بعد الاستقراء- مخالِفٌ من أئمة الدين في القرون المفضلة.
هذا ليس ركنا شديدا بل هو محل خلاف عميق بين الأصوليين، علما بأن حلق اللحية لم يرد فيه نهي، بل أمر بالإعفاء، والأمر أخف من النهي، والقول بأن دلالة صيغة الأمر لا تدل على الوجوب بل تتوقف على القرينة هو أحد قولي الشافعي وقول الباقلاني والجويني والغزالي وغيرهم وقال الآمدي إنه الأصح، ومال إليه الشاطبي، فأين هو الركن الشديد؟ الركن الشديد هو ما لا تكاد تجد أحدا يخالف فيه.فمحرِّم الحلق يأوي إلى ركن شديد من اعتماد أن الأصل في المنهي عنه التحريم وفي المأمور به الوجوب
أكثر ما ورد تعليله بمجرد مشابهة المشركين دال على الندب لا أكثر، ولعل رواية إبي أمامة الباهلي لحديث الحلق توضح جانبا من ذلك:ولكنَّ هذا إنما يلزم من صرف الأمر إلى الندب والنهي عن التشبه إلى الكراهة باعتبار الغالب؛ فيقال له: أثبِت ما بنيتَ عليه واستندتَ في مقام المناظرة إليه.
ما وافقتمونا فيه هو حسبنا فالتعليل بمخالفة المشركين يدل على الندب لأن أكثر ما ورد معللا بذلك مجردا فهم منه أكثر العلماء الندب لا الإيجاب.وأمر آخر، إنكم تقولون بارك الله فيكم: إن الأصل في مخالفة المشركين في باب العادات الندب، وقلتم: إنها معللة، وما كان تعبداً فالأصل فيه عدم التعليل
قيل:
1- هذا الأصل ننازع فيه، بل وننازع في كون التعليل علامةً على عدم التعبد.
ولكننا نوافق على أن التعليل الذي يرجع إلى ما هو مندوب يدل على الندب، كما في حديث: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، ومن المعلوم بالاتفاق أن غسل اليد المشكوك في تنجسها غير واجب، فصار التعليل راجعاً إلى ما لا يجب، فكان صارفاً عن الوجوب.
المثال الواحد والإثنين والثلاثة لا ينقض القاعدة الأغلبية، لأنا لم ندع فيها الاطراد. ثم المثال هنا في صيغة النهي لا الأمر والنهي أشد من الأمر. وكذا التعليل بالمخالفة هنا غير صريح ولا متمحض لذلك اختلفت تعليلات العلماء لهذا النهي وليس هذا هو موضع الخوض في ذلك.3- من الأمثلة التي لا ينطبق عليها ما ذكرتم من تأصيل -وفق رأي جماهير العلماء- :
* النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وختِم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )، وهو للتحريم في مشهور المذاهب الأربعة، وحكي الإجماع عليه في الأكل والشرب خاصة، وفي الأكل خلاف لداود.
لا خلاف في أنه مقصود؛ لكن الخلاف في أنه هل يصل هذا في باب العادات إلى حد إيجاب المخالفة وتحريم الموافقة. هذا هو مورد النزاع وأكثر ما ورد في هذا الباب كما ذكرنا دال على ندب المخالفة لا إيجابها لا سيما في الشكليات كصبغ الشعر ولبس الثياب وغير ذلك. وعليه فأكثر أهل العلم على أن من لبس البنطال أو ربطة العنق وغير ذلك مما هو أصلا من عادات الكفار، ولم ينو تشبُّها، فليس بآثم. فمخالفتهم المجردة مقصودة نعم، لكن لا إلى حد الإيجاب والتحريم بل يكفي الندب والكراهة إلا أن توجد علة أخرى في الفعل المخالف فيه كشرك ونحوه، فهذا يقال فيه بالإيجاب والتحريم.4- أن مخالفتهم مقصود شرعاً.
أقر بخطأي في هذا، وأشكركم على التنبيه، ومع ذلك فحلق اللحية أو قصها أو الأخذ منها كل هذا ينافي الإعفاء المأمور به في الحديث. قال النووي: "فَحَصَلَ خَمْسُ رِوَايَاتٍ: أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ ألفاظُه"قد سبق الجواب عن هذا الوهم [عدم جواز تفسير الإعفاء بالتكثير] أعلاه.
ليس غلطا بل نقل بالمعنى لأن الحلق داخل في مطلق الأخذ. وقد ذكر النووي في شرحه على مسلم الخصال المكروهة في اللحية وذكر منها نتفها وحلقها. ولذلك قال في تحفة المحتاج: "قال الشيخان: يكره حلق اللحية". وأهل مكة أدرى بشعابها. وقول الشيخين هو المعتمد عند المتأخرين في المذهب وإن كان بخلاف نص الشافعي. قال في إعانة الطالبين: "المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة". وكذا أفتى به معظم مشايخ الأزهر كأبي زهرة وجاد الحق وشلتوت. بل حتى محمد رشيد رضا أفتى بمجرد الكراهة ومما قال في ذلك:هذا غلط على الإمام النووي، بل قال بكراهة الأخذ منها مطلقاً.
أقول: حتى هذا ليس إجماعاً تصريحياً.لإجماع الصريح هو الذي لا تلقى أحدا إلا قاله لك كتحريم الخمر ووجوب الظهر ونحوها
الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، وضد الإعفاء: الإزالة بحلق أو نتف أو تنوير.علما بأن حلق اللحية لم يرد فيه نهي، بل أمر بالإعفاء، والأمر أخف من النهي
أخالفك في هذا شيخنا الفاضل، فالقطعية نسبية يحكمها الاستقراء للنصوص والأقاويل، وقد يحصل في نفس المجتهد المستقرئ القطعُ بتحقق الإجماع، ولا يقدح في القطعية كونُ الإجماع سكوتياً. بل الظاهر أنه لا وجود للإجماع التصريحي في الواقع. والله أعلموأكثر الإجماعات المحكية فيما ليس فيه نص صريح هي من هذا القبيل.
ما هذه بأول حسناتكم، فجزاكم الله خيراً.أقر بخطأي في هذا، وأشكركم على التنبيه
أولاً: لفظ هذا الأثر عند أبي داود: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.وأما القص والأخذ فقد قال جابر: كنا نعفي اللحى إلا في حج أو عمرة. وفي حديث أبي أمامة الذي أوردناه آنفا لما قالوا عن أهل الكتاب أنهم يقصون لحاهم فقال أعفوها وخالفوهم.
فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث.
هذا استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه.. والصحيح فيما يبدو: أن بعض الأخذ لا يخالف الإعفاء المأمور به، والعلم عند الله تعالى.ولو فهموا بأن الأمر بالإعفاء حتم لما أخذوا من لحاهم قليلا أو كثيرا.
ومن الغريب فتوى بعض لمعاصرين ممن يحرمون الحلق أنهم يوجبون مع ذلك الأخذ فجمعوا بين النقيضين: تحريم مخالفة الإعفاء ووجوب مخالفة الإعفاء!!!!
هذا غلط على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ فقد روى ابن عساكر عنه أنه قال: إنَّ حلق اللحية مُثْلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلة.وامتناع البعض عن هذه العقوبة كعمر بن عبد العزيز،رحمه الله تعالى، لا يدل على التحريم لأنه قال: إياي وحلق الرأس واللحية، فنهى عن المعاقبة بحلق الرأس أيضا وهو ليس بحرام. فدل سكوتهم عن إنكار هذا الأمر، أنه جائز ضمنا بالإجماع السكوتي.
وشكر لكم وأحسن إليكم فضيلة الشيخ.شكر الله لك وجزاك خيراً
الظاهر أنه علة تامة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد يُضاف إلى هذه العلة أيضا بأن ذلك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، فإذا زالت علة المخالفة لسبب ما فيثبت الحكم بالعلة الأخرى. وهذا أولى من جعل المخالفة جزء علة لأن الحكم يزول بزوال العلة أو جزئها.بخصوص عِلِّيَّة الأمر بالإعفاء أود أن أورد نصاً لابن تيمية حيث يقول عقب ذكره حديث: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس": ( فعقَّبَ الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم أو علةٌ أخرى أو بعضُ علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنها علة تامة ).
قلت: وهذا هنا فيما أعتقد بعضُ علة، وفي هذا التعليل بمخالفتهم تنفيرٌ بليغٌ من مخالفة الأمر بإعفاء اللحية. والله أعلم.
سمه ما شئت لكنه مقطوع به يكفر المخالف في حكمه.أقول: حتى هذا ليس إجماعاً تصريحياً.
هذه مسألة مُشكلة عندي، وأسلِّم لكم بوجود الخلاف فيها. وأنا لم أقصدها بالذات، وإنما قصدت أن دلالة صيغة الأمر أقل ظهورا في الوجوب من ظهور دلالة النهي في التحريم، ولذلك تردد الشافعي في ما هو الأصل في الأمر: الوجوب أو الندب، فخرَّج له أصحابه قولين، بينما في النهي القول عنده واحد وهو أن الأصل فيه التحريم. (يُنظر الزركشي)الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، وضد الإعفاء: الإزالة بحلق أو نتف أو تنوير.
والقول بأن الأمر أخف من النهي ليس على إطلاقه، بل لو قيل إن الأصل أن مخالفة المأمور به أعظم من الإتيان بالمنهي عنه لكان له وجه بل هو منصوص كلام بعض الأئمة بدلالة أن جنس معصية إبليس الذي أُمِر بالسجود أعظم من معصية الذي نهي عن الأكل من الشجرة، على أن هذا ليس على إطلاقه.
ما دام الاستقراء ناقصا لا يتحقق القطع. وأكثر الإجماعات السكوتية فيما ليس فيه نص قاطع لا يمكن فيها استقراء أقوال أكثر من عشرين أو حتى خمسين من الصحابة والتابعين، لعزة الرواية عن كثير منهم، مع أن المفتين في تلك العصور بلغوا المئات. ولذلك فإن الشافعي يقدم خبر الواحد على الإجماع السكوتي، ولو كان قاطعا ما قدَّمه عليه. أما التصريحي بمعنى الوقوف على تصريح كل أهل الاجتهاد من الصحابة أو التابعين في المسألة، فهو كما تفضَّلت خيال لا وجود له، ولكنه يُتصور تقديرا في المسائل التي عُلِمت من الدين بالضرورة لقطعيتها وظهورها.أخالفك في هذا شيخنا الفاضل، فالقطعية نسبية يحكمها الاستقراء للنصوص والأقاويل، وقد يحصل في نفس المجتهد المستقرئ القطعُ بتحقق الإجماع، ولا يقدح في القطعية كونُ الإجماع سكوتياً. بل الظاهر أنه لا وجود للإجماع التصريحي في الواقع. والله أعلم
إذا سلكت مسلك الجمع بين الروايات فينبغي أن تحمل المجمل على المفسر، فتفسر السبال باللحى، وأنت قمت بالعكس.أولاً: لفظ هذا الأثر عند أبي داود: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
وفي معنى السبال سبعة أقوال، منها: أن السبَلة مقدم اللحية وما نزل على الصدر منها، ومنها: الدائرة في وسط الشفة العليا، ومنها: طرف الشارب، ومنها: مجتمع الشاربين. وقد جاء في حديث أبي أمامة الذي أوردتموه : إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم.
فدل على أن هذا اللفظ مشترك، والاستدلال به محتمل.
لا أدري كيف يكون الاستثناء هنا منقطعا؟!. فسِّر لي كيف يكون معنى النص حينئذ، فإني لم أجد لذلك وجها.ثانياً: على التسليم بأن المراد اللحية.. فقولكم: (فدل هذا على أن الحالق للحيته والآخذ منها كلاهما لم يمتثل الأمر في الحديث) غير قاطع؛ لأن الاستثناء في الأثر قد يكون منقطعاً كما هو مشهور في العربية، وعليه فليس بحُجَّةٍ على ما ذُكِر.
قد قلتم، بارك الله فيكم، سابقا أن الأخذ لم يصح إلا عن عدد محدود منهم، وأنه كان في النسك خاصة.هذا استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه.. والصحيح فيما يبدو: أن بعض الأخذ لا يخالف الإعفاء المأمور به، والعلم عند الله تعالى.
بل الغريب حقاً -فضيلة الدكتور- أن نتصور أن جمهور الصحابة رضي الله عنهم -أو كثيراً منهم- قد خالفوا ما ندبهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا بعيد عما عُهِد عنهم وعُرِف واشتهر. ومجرد الوصول إلى ما يفيد هذه النتيجة دليل على فساد المقدمات.
ليس غطا إن شاء الله تعالى، وما روي عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة فهذا يورده كثير ممن يحشدون ما هب ودب من الأدلة على تحريم حلق اللحية. ومنهم ـ للأسف ـ ممن اشتهر اعتناؤه بالتصحيح والتضعيف، لما أرود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز سكت على خلاف عادته عن إسناده مع أنه تالف فيه مجاهيل وضعفاء، ثم بتر النص مما أثر في معناه.هذا غلط على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ فقد روى ابن عساكر عنه أنه قال: إنَّ حلق اللحية مُثْلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المُثْلة.
فتبين أن دعوى الإباحة المبنية على دعوى سكوتهم باطلة، فما بني على باطل فهو باطل. ولي عودة إن شاء الله تعالى
بيِّن لنا -أثابك الله- كيف للحكم أن يزول بزوال جزء العلة؟!الظاهر أنه علة تامة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد يُضاف إلى هذه العلة أيضا بأن ذلك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، فإذا زالت علة المخالفة لسبب ما فيثبت الحكم بالعلة الأخرى. وهذا أولى من جعل المخالفة جزء علة لأن الحكم يزول بزوال العلة أو جزئها.
يقال: إنما كفر مخالفه لا لكونه إجماعاً غير سكوتي، وإنما لدليل خارجي.. وبهذا ينتقض ما أصلتم.سمه ما شئت لكنه مقطوع به يكفر المخالف في حكمه.
ائذن لي -حفظك الله- بأن لا أسلِّم بهذا؛ لأنه يمكن أن يقال: لو خالف أحد من الصحابة في مثل هذا لانتشر قوله واشتهر، والاستقراء التام متعذر أبداً في جميع صور الإجماع، ويلزم من اشتراطه إبطال وجود الإجماع جملة وتفصيلاً، وهو شذوذ.ما دام الاستقراء ناقصا لا يتحقق القطع. وأكثر الإجماعات السكوتية فيما ليس فيه نص قاطع لا يمكن فيها استقراء أقوال أكثر من عشرين أو حتى خمسين من الصحابة والتابعين، لعزة الرواية عن كثير منهم، مع أن المفتين في تلك العصور بلغوا المئات.
ليس هذا على إطلاقه، وقد علمتم أن الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يقدم خبر الواحد على بعض صور الإجماع السكوتي.ولذلك فإن الشافعي يقدم خبر الواحد على الإجماع السكوتي، ولو كان قاطعا ما قدَّمه عليه.
قلت: إن هذا محتمل، ولم أجزم فيه بمعارضة ما رجحتم.إذا سلكت مسلك الجمع بين الروايات فينبغي أن تحمل المجمل على المفسر، فتفسر السبال باللحى، وأنت قمت بالعكس.
وإذا سلكت مسلك الترجيح فينبغي أن توازن بين الأسانيد وترجح بالكثرة والحفظ والشواهد. وأنت لم تفعل.
والظاهر أن السبال في رواية أبي داود هي اللحى بدليل فعل ابن عمر وأبي هريرة وغيرهم في الأخذ منها.
ثم إنه لا يصح حمل السبال هنا على الشارب لأن فيه أن الصحابة كانوا يعفون شواربهم إلا في الحج والعمرة. وهذا المعنى فيه ما فيه.
نحن استدللنا بالأثر على أن القص ينافي الإعفاء لا أكثر.
لا مشابهة البتة؛ فما ذكرتموه من أمثلة وُجِد من يخالفهم فيها منهم.. وأما المذكور فما نازعهم فيه أحد فيما نعلم.سلمنا أنه ورد عن كثير منهم فكان ماذا إذا تركوه لعلّة كما ترك كثير منهم صبغ الشعر واللحية، وكذا ترك كثير منهم إحفاء الشوارب، وترك كثير منهم الاستنجاء بالماء، حتى قال بعضهم إنه بدعة، وكل هذا من خصال الفطرة، ولا فرق بينه وبين إعفاء اللحى.
نعم. ما نقلتُه عن عمر بن عبد العزيز عند ابن عساكر هو في حاشية "آداب الزفاف" للشيخ الألباني هكذا : وروى ابن عساكر 13/101/2 عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُثلة. أهـليس غلطا إن شاء الله تعالى، وما روي عن عمر بن عبد العزيز أن حلق اللحية مُثلة فهذا يورده كثير ممن يحشدون ما هب ودب من الأدلة على تحريم حلق اللحية. ومنهم ـ للأسف ـ ممن اشتهر اعتناؤه بالتصحيح والتضعيف، لما أرود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز سكت على خلاف عادته عن إسناده مع أنه تالف فيه مجاهيل وضعفاء، ثم بتر النص مما أثر في معناه.
جزاك الله خيراً فضيلة الدكتورسعادة الدكتور أيمن ،المشايخ الكرام:نعلم جميعا أن هذا الموضوع فيه خلاف ،ولاأعتقد ينتهي بهذه الطريقة،من له إمكانية في أن يثبت الأجماع في هذه المسألة فقد أقام الحجة ،وإلا ستبقى المسألة مما يسوغ فيها الخلاف،والله تعالى الموفق،تقبلوا سادتي كامل أحترامي
أخي "أبو بكر" جزاك الله خيرا، يبدو أنه التبس عليك الفرق بين تعليل الحكم بعلتين مستقلتين وبين تعليله بعلة مركبة من وصفين. فَما عُلِّل بعلتين يطَّرد مع علله ولكنه لا ينعكس مع إحداهما. بعبارة أخرى: يدور الحكم مع إحدى العلتين وجودا ولا يدور معها عدما، لأنها إن زالت بقيت العلة الأخرى فيثبت الحكم بها.بيِّن لنا -أثابك الله- كيف للحكم أن يزول بزوال جزء العلة؟!
يقول صاحب "كشف الأسرار" على أصول البزدوي: وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّحْرِيمِ. أهـ الغرض منه
ويقول أبو إسحاق الشيرازي في "التبصرة": وَمَتى تعلق الحكم بوصفين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض الْعلَّة، فَلَا يجوز تعلق الحكم على أَحدهمَا على الِانْفِرَاد. أهـ
ويقول أيضاً: وَبَعض الْعلَّة لَا يخلف جَمِيعهَا فِي إِثْبَات الحكم فَافْتَرقَا. أهـ
وفرق بعض الأصوليين بين العلة المنصوصة والمستنبطة، والتفريق محل نظر، وكلامنا هنا عن التعليل بمجموع علتين؛ فالعلة مركبة منهما ولا تخرج عن كونها ذينك الوصفين المجتمعين، ولا يتميز واحد منهما بعينه، فيتعين اعتبار مجموعها.
ليست المشكلة في المسميات بل في الحقائق يا شيخ أبو بكر.يقال: إنما كفر مخالفه لا لكونه إجماعاً غير سكوتي، وإنما لدليل خارجي.. وبهذا ينتقض ما أصلتم.
وعليه؛ فيكون بعض السكوتي قطعياً، كذاك الذي مثلتم به، فلا وجه بعدئذ لمنازعة دعوى حجية إجماعٍ ما بمجرد كونه سكوتياً.
خالف في ماذا، بارك الله فيكم؟ائذن لي -حفظك الله- بأن لا أسلِّم بهذا؛ لأنه يمكن أن يقال: لو خالف أحد من الصحابة في مثل هذا لانتشر قوله واشتهر، والاستقراء التام متعذر أبداً في جميع صور الإجماع، ويلزم من اشتراطه إبطال وجود الإجماع جملة وتفصيلاً، وهو شذوذ.
لم أعلمه فإذا وقفتم على مثال منه فأخبرونا مأجورينليس هذا على إطلاقه، وقد علمتم أن الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يقدم خبر الواحد على بعض صور الإجماع السكوتي.
ما دمتم تقولونه احتمالا لا تحقيقا فلن أناقشكم فيه، وهو في نظري احتمال ضعيف جدا يلزم من المضي معه القفز على جميع قواعد الجمع بين النصوص والروايات فلا أدري لِمَ التطويل فيهقلت: إن هذا محتمل، ولم أجزم فيه بمعارضة ما رجحتم.
قال في "طرح التثريب": (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ: هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ؟ أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟
فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتُرُ الْفَمَ وَلَا يُبْقِي فِيهِ غَمْرَةَ الطَّعَامِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ انْتَهَى.وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُعْفِي السِّبَالَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسُ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ»، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ سِبَالَهُ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» ، وَالْعَثَانِينُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَكْرَارِ النُّونِ جَمْعُ عُثْنُونٍ: اللِّحْيَةُ. أهـ
ولكنَّ قول جابر رضي الله عنه : "كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة" إن كان الاستثناء فيه متصلاً فيقال: قال الحافظ في "الفتح": وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن بن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك. أهـ
فإذا كان المراد هو الزائد من شعر اللحية أو المسترسل كما قال الحافظ، أو مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر، فهذا موافق لكلامنا آنفاً لا يعارضه بحال.
ووجه ثانٍ باعتبار اتصال الاستثناء أن يقال: أراد بالإعفاء هنا عدم الأخذ مطلقاً، وإن كان يرد في كلامهم بمعنى إبقائها وافرة.
ولا يلزم من هذا أن يحاكم النص النبوي بهذا الحكم، وهذا لا أظن أن أحداً ينازع في أنه لا يلزم.
المعنى الذي ذكرتموه بارك الله فيكم هو على الاستثناء المتصل أيضا، لأن المنفصل هو ما لا يكون المستثنى جزءاً من المستثنى منه. وقوله: "كنا لا نعفي لحانا" أي في كل وقت وحين وحال، وقوله: "إلا في حج أو عمرة" فمعناه استثناء من ذلك الوقت والحين والحال. وقولكم بأن المعنى "كنا نعفي لحانا دون أخذ، لكننا نأخذ منها في الحج والعمرة" هو نفس هذا المعنى ولم تأتوا بشيء جديد.وإن كان منقطعاً فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو مَحْرم)؛ فإنه إذا كان ثَمَّ محرم معها فلا خلوة تكون، ويشبه قول جابر: قد كنا في زمن النبي لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلاً. فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا ثم نصلي ولا نتوضأ. يعني أنهم لا يمسحون بالمناديل لكن يمسحون ما بقي من ذلك الطعام بما تقدم.
وهنا يكون المعنى: كنا نعفي لحانا دون أخذ، لكننا نأخذ منها في الحج والعمرة.
ليست ممجوجة بالأخذ في الحسبان أنهم خالفوا الظاهر من النص لأنهم فهموا الأمر معللا بمجرد مخالفة المشركين، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: «لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ لِحْيَتِهِ، مَا لَمْ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ». وقَالَ فِي الشَّارِبَيْنِ: «إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ». وقال الطبري: "وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها".فإن قيل: فما ذهبنا إليه أولى، فلمَ لا تقول به؟
قلتُ: إذا كان جابر -رضي الله عنه- يعبر بلفظ "كنا" والتي تعود -في أقل أحوالها- إلى جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- وهو فعلٌ لابن عمر -رضي الله عنه- وهو أعلم الناس بما روى، فإن دعوى مخالفة الصحابة للحديث ممجوجة، وعلى ما قررنا سار جمهور العلماء وأكابر الفقهاء ..
فممن رأى إباحة الأخذ منها من غير الصحابة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وعطاء، والشعبي، والقاسم بن محمد، وطاووس، وإبراهيم النخعي.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، واستحبه الشافعي في النسك، واستحسنه القاضي عياض.
إن كنت تعني بالمخالفة أنهم أنكروا عليهم أو نازعوهم فما أعلم أحدا أنكر على أحد في الأمثلة التي سقتها وإن كان لديك نقل في ذلك فأفدناه مشكورا، وإن كنت تعني بالمخالفة أنهم فعلوا بخلافهم فكانوا يحفون شواربهم ولا يكتفون بالقص مثلا وكانوا يستنجون بالماء لا بالأحجار، فهذا هو الشأن نفسه في اللحية لقول جابر كنا نعفي اللحى إلا في حج أو عمرة فالإعفاء هو الأصل عندهم والأخذ إنما كان استثناء والظاهر أنه للنسك لا غير. وقال الطبراني حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي (صدوق) ثنا أبي ثنا اسماعيل بن عياش (ثقة في الشاميين) عن شرحبيل بن مسلم [الشامي](وثقه أحمد وغيره وضعفه ابن معين والعمل على توثيقه) قال : رأيت خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقمون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها منهم المقدام بن معدي كرب. وعند البيهقي: رأيت خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبو أمامة الباهلى وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمى والحجاج بن عامر الثمالى والمقدام بن معديكرب الكندى، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة.لا مشابهة البتة؛ فما ذكرتموه من أمثلة وُجِد من يخالفهم فيها منهم.. وأما المذكور فما نازعهم فيه أحد فيما نعلم.
قلتُه تنـزُّلا في الحجاج لا اعتقادا، معارضةً للإجماع المدَّعى على تحريم حلق اللحية بمثله، فإن من التزم الأخذ بذلك الإجماع يلزمه الأخذ بهذا الإجماع لأنه على طريقته في التقوُّل على الصحابة والتابعين بالحزر والتخمين. وكم من مسألة ادعي فيها الإجماع على النقيضين.ولكنَّ دعوى أنهم أجمعوا سكوتياً على جواز ذلك كبيرةٌ في حق مثلكم فضيلةَ الدكتور؛ فمع أنه لم يسبق إليه أحد فيما أعلم، إلا أنه قد نص على خلافه جماعةٌ من العلماء