محمد رمضان عبد المنعم
:: مشارك ::
- إنضم
- 21 أغسطس 2009
- المشاركات
- 213
- التخصص
- طويلب علم مبتديء
- المدينة
- الثغر الإسكندري
- المذهب الفقهي
- شافعي
العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،
مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.
وإياك فضيلة الدكتورأخي "أبو بكر" جزاك الله خيرا، يبدو أنه التبس عليك الفرق بين تعليل الحكم بعلتين مستقلتين وبين تعليله بعلة مركبة من وصفين. فَما عُلِّل بعلتين يطَّرد مع علله ولكنه لا ينعكس مع إحداهما. بعبارة أخرى: يدور الحكم مع إحدى العلتين وجودا ولا يدور معها عدما، لأنها إن زالت بقيت العلة الأخرى فيثبت الحكم بها.
ومثال ذلك: تعليل الأمر بإعفاء اللحية بكونه مخالفة للمشركين (علة أولى) وبكونه من خصال الفطرة (علة ثانية). فالحكم يدور مع العلة الأولى وجودا أي أنه يثبت حكم الأمر (الوجوب أو الاستحباب) حيث وجد فعل الحلق والقص من المشركين. وإذا افترضنا أن هذا الفعل من المشركين لم يعد موجودا لا يرتفع حكم الإعفاء، لأنه يثبت بالعلة الثانية وهي أن الإعفاء من خصال الفطرة بغض النظر عن موافقة المشركين أو مخالفتهم.
مثال آخر لتعليل الحكم بعلة مركبة من وصفين: تعليل وجوب القتل قصاصا بالأوصاف: القتل والعمدية والعدوان، فإذا وجد أحد هذه الأوصاف (=بعض العلة) دون الوصفين الآخرين لا يثبت معه حكم القتل قصاصا، كمن قتل بلا قصد ( انتفى وصف العمدية)، أو قتل دفاعا عن النفس (انتفى وصف العدوان)، أو حاول القتل فلم ينجح (انتفى وصف القتل). فالحكم المناط بعلة مركبة من أوصاف لا يثبت إلا إذا وجدت جميع هذه الأوصاف وينتفي بانتفاء أحدها، بخلاف ما لو كان كل وصف من هذه الأوصاف علة مستقلة. وما أوردتموه نقلا عن الأصوليين فهو دليل على هذا المعنى بارك الله فيكم. فقول البزدوي "إن بعض العلة لا يخلف جميعها في إثبات الحكم" معناه أن الحكم لا يدور مع بعض العلة، لأن بعضها لا يسد مسد جميعها. وهذا كما لو قتل دون قصد أو دون عدوان لا يدور معه حكم القصاص. وكذا قول الشيرازي،: وَمَتى تعلق الحكم بوصفين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعض الْعلَّة، فَلَا يجوز تعلق الحكم على أَحدهمَا على الِانْفِرَاد. أهـ فهو واضح جدا في أن الحكم لا يتعلق وجودا وعدما بجزء العلة منفردا عن جزئه الآخر بلا لا بد من وجودهما معا كما سبق شرحه.
والحاصل هنا أن ابن تيمية رحمه الله تعالى وضع ثلاثة احتمالات لكون "مخالفة المشركين" علة للأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب:
أحدها: أن تكون علة تامَّة. أي وحيدة لا تصاحبها أخرى في اقتضاء الحكم (اشتراكا أو استقلالا)، وهو ما قال: إنه الأظهر (بسبب التصريح بها في النص).
والثاني: أن تكون علة أخرى. أي أن هناك علة غيرها للأمر بالإعفاء، والمخالفة علة أخرى تضاف إلى تلك العلة. وهو ما أميل إليه، والعلة الأخرى هي كون اللحية من خصال الفطرة (إن صح ذلك).
والثالث: أن تكون المخالفة جزء من علة مركبة من وصفين أو أكثر، كأن تكون العلة هي مجموع وصفين: أحدهما أن إعفاء اللحية من خصال الفطرة والثاني أن فيه مخالفة للمشركين.
قلتم في مشاركة قبلها إنها علة تامة!!وما مِلتُ إليه من أنها ليست علة تامة،
القطعية مبنية على استقراء الأقوال، واستقراء الأقوال عمل المجتهد ولا يسمى دليلاً خارجياً.. فإذا ثبت لدى المجتهد أن الإجماع السكوتي متحقق صار قطعياً ولزمه الخضوع لحكم ذلك الإجماع.ومن الغريب أنكم لحظتم، بارك الله فيكم، بأن تكفير مخالف حكم هذا الإجماع إنما هو لدليل خارجي لا لمجرد كونه إجماعا سكوتيا، ثم لم تلحظوا أن قطعية حكم هذه الإجماع جاءت كذلك من دليل خارجي لا لمجرد كونه إجماعا سكوتيا؟!
ها هو قد آلَ قولكم إلى ما يشبه إنكار حجية الإجماع، أو التردد في حجيته، وهذا القول من الشذوذ بمكان كما لا يخفاكم.أما كون الاستقراء التام في الإجماع متعذرا فنوافقكم عليه، ولذلك قلنا هو ظني عند من يقول بحجيته. ونحن لا نشترطه إلا لإرادة القطع أما في إفادة الظن فالاستقراء الناقص يفيد الظن.
وكل من خالف من الأصوليين في حجية الإجماع السكوتي، وهم كثيرون، قائل، من حيث المحصلة، بعدم حجية الإجماع جملة، لأنه على التحقيق لا إجماع يُتصور نقله إلا السكوتي. وما أجمع عليه وفيه نص قطعي فالنص مغن عنه.
الإمام الشافعي ذكر إجماعات يبعد أن تكون من الإجماع التصريحي، فكانت من السكوتي يقيناً، وهي كثيرة لا تخفى.لم أعلمه فإذا وقفتم على مثال منه فأخبرونا مأجورين
هذه معضِلة.. كيف يمكن القول بأن كثيراً من الصحابة خالف الأمر؟! حتى لو قلنا بالندب؛ فهذا غير متصور من جمهورهم رضي الله عنهم.أما الإعفاء، فقد خالف فيه كثيرون فكانوا يأخذون من لحاهم ويقصونها
قلت:ليست ممجوجة بالأخذ في الحسبان أنهم خالفوا الظاهر من النص لأنهم فهموا الأمر معللا بمجرد مخالفة المشركين، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: «لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ لِحْيَتِهِ، مَا لَمْ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ». وقَالَ فِي الشَّارِبَيْنِ: «إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ». وقال الطبري: "وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها".
وأمثلة مخالفة الصحابة لظواهر النصوص بالتعليل أكثر من أن تحصى
ذكرتُ وجهاً للاتصال وآخر للانقطاع. فلا يلزم من ذلك أن يفسِد هذا الوجهُ -إن لم يتجه- ذلك الوجهَ.المعنى الذي ذكرتموه بارك الله فيكم هو على الاستثناء المتصل أيضا، لأن المنفصل هو ما لا يكون المستثنى جزءاً من المستثنى منه.
ألم تقل: بارك الله فيك:لكن أين هو الالتباس عندي؟!! لم أرَ شيئاً من ذلك، فكل ما ذكرتموه هنا لا أرى أنه يخالف ما ذكرتُ.
ثم لما لم يعجبك قولنا بأن الحكم يزول بزوال جزء علته قلت مستنكرا مُتعجِّبا:قلت: وهذا هنا فيما أعتقد بعضُ علة، وفي هذا التعليل بمخالفتهم تنفيرٌ بليغٌ من مخالفة الأمر بإعفاء اللحية. والله أعلم.
فهذا ظاهر بارك الله فيكم أنكم تخلطون بين تعليل الحكم الواحد بعلتين وبين تعليله بعلة مركبة من وصفين وهو ما قصدته بالالتباس الذي دخل عليكم. وأعتذر إن كنت مخطئا في فهم كلامكم. المهم الآن ماذا تقولون في المخالفة للمشركين هل هي بعض علة أو علة تامة أو علة أخرى؟ ولماذا؟بيِّن لنا -أثابك الله- كيف للحكم أن يزول بزوال جزء العلة؟!
أرجو التدقيق في الكلام، فإني لم أقل ذلك بل قلت بالضبط:قلتم في مشاركة قبلها إنها علة تامة!!
والمقصود أن الظاهر ـ أي بحسب النص الوارد ـ أنه علة تامة، ولكني رجَّحت وجود علة أخرى وإن كان ذلك مخالفا لهذا الظاهر للأسباب التي ذكرتُها. ففرقٌ بين ما فهمتَه شيخي الكريم وما أردتُّه من الكلام. ولا أدري ما الذي جر إلى سوء الفهم هذا هل هو كلامي غير الواضح أو تعجلكم في الرد من غير تدبر للقول أو هما معا؟الظاهر أنه علة تامة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد يُضاف إلى هذه العلة أيضا بأن ذلك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، فإذا زالت علة المخالفة لسبب ما فيثبت الحكم بالعلة الأخرى. وهذا أولى من جعل المخالفة جزء علة لأن الحكم يزول بزوال العلة أو جزئها.
هذا مصادرة على المطلوب، وهو محل النزاع، والاستقراء الناقص لأقوال محصورة معدودة لا تعدو العشرات بنقل آحادي مع عدم إمكان القطع بثبات اجتهاد المجتهد أو تغيُّره، لا يفيد قطعا ولا حتى ظنا قويا. ومن هنا قلنا بأن الإجماع السكوتي أضعف من خبر الواحد، ولذا فقد أخره الشافعي عنه في ترتيب الأدلة.القطعية مبنية على استقراء الأقوال، واستقراء الأقوال عمل المجتهد ولا يسمى دليلاً خارجياً.. فإذا ثبت لدى المجتهد أن الإجماع السكوتي متحقق صار قطعياً ولزمه الخضوع لحكم ذلك الإجماع.
لا أنكر حجية الإجماع جملة ولا حتى السكوتي ولكني أنزله منزلته في الظن، ومع هذا فلا أرى أن من يخالفني في ذلك شاذا ولا حتى من أنكر حجية الإجماع برمته كالشوكاني والصنعاني ونحوهما والسبب هو احتمالية الأدلة الدالة على حجية الاجتماع.ها هو قد آلَ قولكم إلى ما يشبه إنكار حجية الإجماع، أو التردد في حجيته، وهذا القول من الشذوذ بمكان كما لا يخفاكم.
وهذا دليل على خلل في تأصيلكم الذي أصلتموه أولاً في الباب.
أخي الكريم النزاع لم يكن في أن الشافعي يحتج بالإجماع السكوتي أو لا، فهذا يعرفه المبتدئ في الأصول فضلا عن المتوسط، وأمثلته "كثيرة لا تخفى" كما تفضلتم.الإمام الشافعي ذكر إجماعات يبعد أن تكون من الإجماع التصريحي، فكانت من السكوتي يقيناً، وهي كثيرة لا تخفى.
رددتم عليَّ بالقول:إن الشافعي يقدم خبر الواحد على الإجماع السكوتي، ولو كان قاطعا ما قدَّمه عليه
فقلت لكم:ليس هذا على إطلاقه، وقد علمتم أن الإمام الشافعي -رحمه الله- لم يقدم خبر الواحد على بعض صور الإجماع السكوتي.
ثم بعد ذلك أوردتم مثالا من الأمثلة "الكثيرة التي لا تخفى" على غير المطلوب مع أن المطلوب واضح جدا.لم أعلمه فإذا وقفتم على مثال منه فأخبرونا مأجورين
أولا: هناك فرق بين قولنا "كثيرا منهم" وبين قولك "جمهورهم" يا شيخي الفاضل. فلا تقوِّلني ما لم أقل، ولا تلزمني بأشياء تفهمها لا يدل عليها الكلام.هذه معضِلة.. كيف يمكن القول بأن كثيراً من الصحابة خالف الأمر؟! حتى لو قلنا بالندب؛ فهذا غير متصور من جمهورهم رضي الله عنهم.
ثم لما ذكرنا لك أن ما تعلمه هنا خطأ وأن منهم من كان يعفي وأن أكثر من ورد عنه الأخذ فذلك في النسك خاصة لجأت إلى التهويل اللفظي: بقولك "كثير من الصحابة خالفوا الأمر" ثم قلت "هذا غير متصور من جمهورهم"لا مشابهة البتة؛ فما ذكرتموه من أمثلة وُجِد من يخالفهم فيها منهم.. وأما المذكور فما نازعهم فيه أحد فيما نعلم.
وأنا حائر في هذه الأقوال وشدة اضطرابها.لم يثبت الأخذ من الطول والعرض عن أحد من الصحابة، وإنما جاء الأخذ مما زاد عن القبضة عن ابن عمر رضي الله عنهما في النسك خاصة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مطلقاً ، وعن جابر رضي الله عنه من طولها في النسك.
لا أدري بما ضعفت أثر إبراهيم وهو مسلسل بالأئمة إلا أن تكون ممن يضعفون أبا حنيفة رحمه الله تعالى، أو حمادا الإمام، تبعا لبعض أهل الحديث، فهذا مما لا نرتضيه ولا نعتقده. وقد رُدَّ عليه كثيرا، وكلام أهل الحديث في أهل الرأي لا يُقبل إلا مفسرا مبرهنا عليه لشدة ما كان بين الفريقين من خصومات.أثر إبراهيم لا يثبت، وأعجب لإنكاركم على من يورد آثاراً لا تصح من أهل الحديث ثم أنتم توردونها، وعلى فرض صحته ففيه ما قلنا من جواز الأخذ وأنه لا يعارض الأمر بالإعفاء.
شيخنا الفاضل المبتدئ في علم اللغة والنحو يعرف معنى الاستثناء المنقطع، وما هي أمثلته، وليس الخلاف في هذاذكرتُ وجهاً للاتصال وآخر للانقطاع. فلا يلزم من ذلك أن يفسِد هذا الوجهُ -إن لم يتجه- ذلك الوجهَ.
ثم إن المقصود هنا أنه في معنى الاستثناء المنقطع وهو ما كانت "إلا" فيه بمعنى: "لكنْ" وذلك للاستدراك ودفع التوهم، ومن ذلك قول الله تعالى: { ما أنزَلنا عليك القرآنَ لِتشقى، إلا تَذكرَةً لِمن يخشى } أي: لكنْ أنزلناه تذكرةً لمن يخشى. ولعل الأمثلة التي وضعتُها مع تنصيص عدد من العلماء على كونها من المنقطع تغني عن إطالة الخوض في مثل ذلك.
لا زلت على الذي نصصتُ عليه، ووضعتَه -بارك الله فيك - ضمن اقتباساتك في المشاركة الأخيرة.فهذا ظاهر بارك الله فيكم أنكم تخلطون بين تعليل الحكم الواحد بعلتين وبين تعليله بعلة مركبة من وصفين وهو ما قصدته بالالتباس الذي دخل عليكم. وأعتذر إن كنت مخطئا في فهم كلامكم.
هو الثاني بلا شك، فالضعف والجهل وقلة التدبر صفات تلازمني، أسأل الله العفو والعافية، وأن يصلح لي شأني كله.ففرقٌ بين ما فهمتَه شيخي الكريم وما أردتُّه من الكلام. ولا أدري ما الذي جر إلى سوء الفهم هذا هل هو كلامي غير الواضح أو تعجلكم في الرد من غير تدبر للقول أو هما معا؟
وعليه: فلا يوجد إجماع قطعي البتة!! وهذا ما لا يمكن أن أرتضيه.لا أنكر حجية الإجماع جملة ولا حتى السكوتي ولكني أنزلها منزلتها في الظن،
وهذا ما أقرره من أول الحوار: أن التحريم في الحلق (إزالة جميعها)، وأما الأخذ منها فليس في حكم حلق جميعها، وعليه مشهور المذاهب الأربعة.ثم إنهم نقلوا كلام ابن حزم بالمعنى وبعضهم يحرِّف فيه. فما قال ابن حزم مراتب الإجماع (ص: 157)كالآتي:
"وَاتَّفَقُوا أَن حلق جَمِيع اللِّحْيَة مثلَة لَا تجوز"
وظاهر هذا أن من حلق بعض اللحية أو كثيرا منها ـ كما يفعله كثيرون ـ لا يدخل في الاتِّفاق المذكور. وأكثر من تكلموا في حلق اللحية لم يفرقوا بين حلقها جملة وحلق بعضها بل حرموا الجميع، ومع ذلك استدلوا للمسألة بالإجماع الذي ذكره ابن حزم؟!. وقد رأيت منهم من نقل قول ابن حزم فأسقط منه لفظ "جميع"، وهذا تحريف لا يحل. وبعضهم ينقل بالمعنى بحسب ما فهمه
إنما يكون أقرب لو ثبت أنها بالياء، وأما والحال على خلاف ذلك فالتخطئة خلاف الأصل وتحتاج إلى دليل.ويُردّ على ذلك بأن السياق الأقرب أولى بالاعتبار.
أوافقك -سددني الله وإياك- على أن هناك فرقاً بين اللفظتين، ولكنَّ إيراد لفظ جابر: كنا نعفي .. إلا في حج أو عمرة.أولا: هناك فرق بين قولنا "كثيرا منهم" وبين قولك "جمهورهم" يا شيخي الفاضل. فلا تقوِّلني ما لم أقل، ولا تلزمني بأشياء تفهمها لا يدل عليها الكلام.
هنا مسألة: هل كل مَن أخذ من لحيته في النسك لم يكن يرى جواز ذلك في غير النسك؟ هذا لا أظنه يمكن الجزم به ولا ادعاؤه.. فلا تستغرب أني لا أعول على ذلك كثيراً.وأن أكثر من ورد عنه الأخذ فذلك في النسك خاصة
إذا لم نقبل كلام أهل الحديث في صنعتهم فمن الذين سنرجع إليهم، والإمامة في القراءة أو الفقه أو الوعظ شيء، وضبط الراوي شيء آخر، ثم هو مفسَّرٌ مبرهَنٌ، ومن نازع في ضعف الإمام أبي حنيفة فكلامه في غاية الوهاء.لا أدري بما ضعفت أثر إبراهيم وهو مسلسل بالأئمة إلا أن تكون ممن يضعفون أبا حنيفة رحمه الله تعالى، أو حمادا الإمام، تبعا لبعض أهل الحديث، فهذا مما لا نرتضيه ولا نعتقده. وقد رُدَّ عليه كثيرا، وكلام أهل الحديث في أهل الرأي لا يقبل إلا مفسرا مبرهنا عليه لشدة ما كان بين الفريقين من خصومات.
أي أن مخالفة المشركين بعض علة!!لا زلت على الذي نصصتُ عليه، ووضعتَه -بارك الله فيك - ضمن اقتباساتك في المشاركة الأخيرة.
شيخنا الفاضل؟ المفهوم المخالف لـ "حلق جميع اللحية مُثلة لا تجوز" هو "حلق بعض اللحية ليس مثلة فيجوز". وهو المفهوم المخالف للقيد "جميع". ومما يُستغرب حملكم مفهوم القيد على جواز الأخذ من اللحية أو قصها، فهذا مما لم يتعرَّض له نص ابن حزم لا بمنطوقه ولا بمفهومه.وهذا ما أقرره من أول الحوار: أن التحريم في الحلق (إزالة جميعها)، وأما الأخذ منها فليس في حكم حلق جميعها، وعليه مشهور المذاهب الأربعة.
وهنا تؤكدون على كلمة (جميع) وهي التي التزمتُها في حكاية الإجماع في كل ما قررتُ
اليقين في هذا متعذر إلا أن نقف على ما كتبه ابن حزم بخطه، والقرائن التي ذكرناها تثير ظنا أو شكا في كتابة النص وفهمه. والاحتمال القريب مسقط للاستدلال.وأما ما ملتم إليه من قلب التاء ياءً فيكفي في الإجابة عنه أنه يحتاج إلى برهنة وإثبات.
تفيد ـ كما تفضلتم سابقا ـ أن جمعا منهم كانوا يعفون طوال السنة إلا في الحج والعمرة. هذا هو الظاهر. وتقرير هذا ليس انتقاصا فيهم رضوان الله عليهم، لأنهم تأولوا الأمر أو حملوه على الندب كما تأولوا كثيرا من الأوامر والنواهي الأخرى. ألم يقل جابر في شأن نكاح المتعة: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر فى شأن عمرو بن حريث". (رواه مسلم). فهل هذا يعني أن أكثرهم أو جمهورهم كان يفعل المتعة إلى عهد عمر رضي الله عنه؟!أوافقك -سددني الله وإياك- على أن هناك فرقاً بين اللفظتين، ولكنَّ إيراد لفظ جابر: كنا نعفي .. إلا في حج أو عمرة.
ما الذي تفيده (كُنَّا) في كلام الصحابة الكرام ؟
إذا كان محمل الأمر على الندب، كا رجحناه، جاز الأخذ في النسك وفي غير النسك، وإذا كان محمله على الوجوب لم يجز الأخذ في النسك ولا في غير النسك.هنا مسألة: هل كل مَن أخذ من لحيته في النسك لم يكن يرى جواز ذلك في غير النسك؟ هذا لا أظنه يمكن الجزم به ولا ادعاؤه.. فلا تستغرب أني لا أعول على ذلك كثيراً.
يظل أبو حنيفة رحمه الله تعالى مختلفا فيه بين أهل الحديث قديما وحديثا. وفي رسالة علمية خاصة بالإمام في أم القرى انتهى الباحث بعد سبر مروياته إلى أنه في درجة الصدوق.إذا لم نقبل كلام أهل الحديث في صنعتهم فمن الذين سنرجع إليهم، والإمامة في القراءة أو الفقه أو الوعظ شيء، وضبط الراوي شيء آخر، ثم هو مفسَّرٌ مبرهَنٌ، ومن نازع في ضعف الإمام أبي حنيفة فكلامه في غاية الوهاء.
لا بد من دليل لما تختار. وكل ما تفضلت به لا يدفع في صرائح أقوال أهل اللغة وصرائح الآثار التي ميزت بين الإعفاء والأخذ، وبين الإعفاء والقص.وأما نقولكم الأخيرة -جزاكم الله خيراً- فأعرفها جيداً، ولم أقل بأن ذلك لا خلاف فيه، بل أقر أن من العلماء من فسر الإعفاء بعدم أخذ شيء منها، ولكني أختار هنا ما يخالفه..
ممن قال أنه على سبيل العوائد علماء كبار كجاد الحق وشلتوت وغيرهم، ويكاد يكون هذا هو رأي أكثر مشيخة الأزهر ولا يصح أن يقال في هؤلاء جهلة. بل لهم وجهة نظر معقولة وهو أن الأمر ـ كما هو ظاهر النص ـ معلل بالمخالفة فهو يدور معها وجودا وعدما. أما كون الإعفاء من سنن الفطرة فهذا مما ينازعون فيه لا سيما وقد أعلَّ كبار الحفاظ حديث مسلم الذي ذكر في إعفاء اللحية خصلة من سنن الفطرة. ولازم تعليل الأمر بعلة واحدة مستقلة هي المخالفة للمشركين ـ كما استظهره ابن تيمية رحمه الله ـ يقتضي صواب ما قالوه.ويبقى أن الصحابة عندما أعفوا لحاهم كانوا قد امتثلوا الأمر النبوي، ولا يمكن أن يقال بأن أمره صلى الله عليه وسلم خاص بزمانهم وما شابهه، كما لا يمكن أن يقال إنه كان على سبيل موافقة العوائد وأن لا علاقة له بالتشريع كما يدعي بعض الجهلة متناسين أنه منسوب إلى الفطرة ومأمور به على لسان الشارع.
أخي الكريم الظاهر من إطلاق الكراهة في كلام المتأخرين هو الكراهة التنزيهية أما في كلام السلف والأئمة المتقدمين كالشافعي فالكراهة مشتركة بين التنزيه والتحريم. ويكفي في نسبة القول إلى النووي التعلق بظاهر قوله. وقد نسب ذلك إليه أدرى الناس بأقواله ابن حجر والرملي. وهذا هو المعتمد عند متأخري المذهب.وأحب أن أعود لكلام النووي -رحمه الله تعالى- حيث ادعيتم أنه يرى أن الأمر بالإعفاء إنما هو للندب عنده وأن الحلق عنده مكروه، فقلتم: ( وعلى أية حال كان قصدنا هنا بيان أن من قال بكراهة الحلق، كالنووي) وهذا في نظري لا يمكن الجزم به.
ومما يعتمد عليه في ذلك ما قال في شرح مسلم: وأما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها، وهو معنى أوفوا اللحى في الرواية الأخرى، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك، وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض؛ إحداها: خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد، الثانية: خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة، الثالثة: تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام أنه من المشايخ، الرابعة: نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة، الخامسة: نتف الشيب السادسة تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن، السابعة: الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك، الثامنة: تسريحها تصنعا لأجل الناس، التاسعة: تركها شعثة ملبدة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه، العاشرة: النظر إلى سوادها وبياضها إعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب، الحادية عشر: عقدها وضفرها، الثانية عشر: حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها والله أعلم. أهـ
قلت: ليس في هذا أنه يرى أن حلقها لا يحرم، فقد ذكر هنا الخضاب بالسواد ضمن الخصال المكروهة وهو ينص على تحريمه.
قال في شرح مسلم: ويحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم واجتنبوا السواد هذا مذهبنا. أهـ
وقال في شرح المهذب: اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد، ثم قال الغزالي في الإحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه: وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه: والصحيح بل الصواب أنه حرام. أهـ
ثم هو لا يستبعد تحريم نتف الشيب وقد ذكره ضمن الخصال المكروهة أعلاه..
قال في شرح المهذب: يكره نتف الشيب؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة) حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد حسنة. قال الترمذي حديث حسن. هكذا قال أصحابنا: يكره، صرح به الغزالي كما سبق والبغوي وآخرون، ولو قيل: يحرم للنهي الصريح الصحيح لم يبعد. أهـ وهو دليل على أن ذكر الكراهة أعلاه ليس يراد به التنصيص على ما لا يأثم فاعله مما يطلَب تركه.
ثم إن النووي يرى كراهة أن تؤخذ شعيرات من اللحية، فما بالكم بالحلق؟!
يقول في شرح مسلم: والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً. أهـ
ويقول في شرح المهذب: قال الغزالي في الإحياء: اختلف السلف فيما طال من اللحية؛ فقيل: لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة: فعله ابن عمر ثم جماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي وابن سيرين.
وكرهه الحسن وقتادة، وقالوا: يتركها عافية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وأعفوا اللحى ). قال الغزالي: والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيصها لأن الطول المفرط قد يشوه الخلقة. هذا كلام الغزالي، والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقاً بل يتركها على حالها كيف كانت؛ للحديث الصحيح: ( وأعفوا اللحى ). أهـ
هذا كلام النووي، وهو يرى كراهة أخذ شيء من اللحية؛ لأنه يرى أن الإعفاء هنا هو عدم الأخذ مطلقاً.. وبجميع ما سبق فلا يمكن تحقق نسبة القول بكراهة حلق جميع اللحية -دون تحريم- إلى الإمام النووي. والله الموفق.
الرجل يقول حسب علمه القاصر المتواضع، وأنت تريد أن تجعل من قوله بيانا لواقع مذهب الشافعية؟؟!!!. كيف وقد صرح عمدتا المتأخرين: الهيثمي والرملي بالكراهة وقد نقلنا المعتمد في المذهب سابقا فليُرجع إليه.ويقول د. أحمد المقرمي من الشافعية: أما الحلق فليس في المذهب منه شيء حسب علمي القاصر المتواضع. أهـ
قصدتُ بالتركيب في كلامي: التركيب من علل مستقلة، بخلاف ما بنيتم عليه إلزامكم.أي أن مخالفة المشركين بعض علة!!
إذا أصررت على هذا فينبغي ـ بارك الله فيكم ـ أن تسلِّم بزوال الحكم لزوال علته أو جزئها كما قرره الأصوليون ونقلتَه من كلامهم.
وعلى ذلك ينتفي حكم وجوب الإعفاء حيث لا توجد المخالفة، وبهذا تلتقون ـ بارك الله فيكم ـ مع من يقولون بأن هذا الحكم كان معللا بمخالفة المشركين عندما كانت دولة الإسلام ناشئة وتكاد تكون قاصرة على العرب الذين من عادتهم توفير اللحى. أما اليوم فقد انتشر الحلق بين المسلمين وانتشر توفير اللحى بين كثير من المشركين فلم تعد العلة وهي المخالفة والتميز متحققة بالإعفاء أو الحلق، فصار الأمر كلبس البنطال وربطة العنق لما انتشرت بين المسلمين انتفى عن لبسها حكم الكراهة كما يقوله الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ومما قال: (الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/ 29): التشبه أن يأتي الإنسان بما هو من خصائصهم بحيث لا يشاركهم فيه أحد كلباس لا يلبسه إلا الكفار، فإن كان اللباس شائعاً بين الكفار والمسلمين فليس تشبهاً، لكن إذا كان لباساً خاصاً بالكفار، سواء كان يرمز إلى شيء ديني كلباس الرهبان، أو إلى شيء عادي لكن من رآه قال: هذا كافر بناء على لباسه فهذا حرام.أهـ.
يكفيني قول ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : "لما عليه في ذلك من الضرر".كذلك يلزمكم أيضا بارك الله فيكم ما قاله ابن تيمية رحمه الله، من:
"أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار [وهذا غير حاصل الآن فلا جهاد ولا جزية والمسلمون في آخر الركب ومن أهون الأمم حالا]، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء؛ لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا؛ شرع بذلك.
ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب [وهو حال أكثر دول الإسلام اليوم]؛ لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة".أهـ اقتضاء الصراط المستقيم وما بين المعقوفتين من تعلقاتي.
أقول: منطوق كلامه= تحريم حلق جميع اللحية هو اتفاقشيخنا الفاضل؟ المفهوم المخالف لـ "حلق جميع اللحية مُثلة لا تجوز" هو "حلق بعض اللحية ليس مثلة فيجوز". وهو المفهوم المخالف للقيد "جميع". ومما يُستغرب حملكم مفهوم القيد على جواز الأخذ من اللحية أو قصها، فهذا مما لم يتعرَّض له نص ابن حزم لا بمنطوقه ولا بمفهومه.
هذا الاحتمال معارض بنص مكتوب ينبغي أن يكون احتمال صحته أقوى، فكيف يسقط احتمالٌ كهذا استدلالاً بالأقوى؟!اليقين في هذا متعذر إلا أن نقف على ما كتبه ابن حزم بخطه، والقرائن التي ذكرناها تثير ظنا أو شكا في كتابة النص وفهمه. والاحتمال القريب مسقط للاستدلال.
هذا المثال لا يتحد في الصورة مع مثالنا؛ فالمعنى هنا: إن أكثر من استمتع كان يستمتع بالقبضة من الطعام الأيامَ .. ، أو فلتقل: جمهور من استمتع كان يستمتع بالقبضة الأيامَ ..تفيد ـ كما تفضلتم سابقا ـ أن جمعا منهم كانوا يعفون طوال السنة إلا في الحج والعمرة. هذا هو الظاهر. وتقرير هذا ليس انتقاصا فيهم رضوان الله عليهم، لأنهم تأولوا الأمر أو حملوه على الندب كما تأولوا كثيرا من الأوامر والنواهي الأخرى. ألم يقل جابر في شأن نكاح المتعة: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر فى شأن عمرو بن حريث". (رواه مسلم). فهل هذا يعني أن أكثرهم أو جمهورهم كان يفعل المتعة إلى عهد عمر رضي الله عنه؟!
وعليه: فلا اضطراب فيما قلتُه، وبهذا التنوع يعرَف محمل ما ظننتموه اضطراباً.إذا كان محمل الأمر على الندب، كا رجحناه، جاز الأخذ في النسك وفي غير النسك، وإذا كان محمله على الوجوب لم يجز الأخذ في النسك ولا في غير النسك.
أما ما كان من الصحابة بالفعل فالظاهر هو أنهم كانوا يأخذون منها في النسك خاصة دون باقي السنة.
1- قد نقلتُ عن جمع من أهل اللغة ما يفيد أن الإعفاء يأتي بمعنى التكثير والتوفير، وقد اعترفتم بخطأ اعتراضكم على كون ذلك لم يأتِ في اللغة.لا بد من دليل لما تختار. وكل ما تفضلت به لا يدفع في صرائح أقوال أهل اللغة وصرائح الآثار التي ميزت بين الإعفاء والأخذ، وبين الإعفاء والقص.
بعد هذا كله أطالَب بقرائن؟!!أخي الكريم الظاهر من إطلاق الكراهة في كلام المتأخرين هو الكراهة التنزيهية أما في كلام السلف والأئمة المتقدمين كالشافعي فالكراهة مشتركة بين التنزيه والتحريم. ويكفي في نسبة القول إلى النووي التعلق بظاهر قوله. وقد نسب ذلك إليه أدرى الناس بأقواله ابن حجر والرملي. وهذا هو المعتمد عند متأخري المذهب.
وأحب التنبيه إلى أمر جدلي هنا وهو أن إبداء الاحتمال في القول أو الدليل من غير شفع ذلك بقرائن تدل عليه لا يكفي وحده في مصادمة الظاهر، إذ ما من ظاهر إلا وهو محتمل. إذا أردت أن تسقط الدليل فعليك بإيراد احتمال قوي بذاته أو قرائنه بحيث يعادل الظاهر أو يفوقه وإلا فلا عبرة به.
وما من أحد يقرر شيئاً -بعد سبر وتحقيق وطول نظر- إلا وهو حسب علمه القاصر المتواضع، وما من بشر إلا وهو صاحب علم قاصر متواضع.الرجل يقول حسب علمه القاصر المتواضع، وأنت تريد أن تجعل من قوله بيانا لواقع مذهب الشافعية؟؟!!!. كيف وقد صرح عمدتا المتأخرين: الهيثمي والرملي بالكراهة وقد نقلنا المعتمد في المذهب سابقا فليُرجع إليه.
إذن نحن نتفق في هذه النقطة، واعذروني على سوء فهم مرادكم بارك الله فيكم.قصدتُ بالتركيب في كلامي: التركيب من علل مستقلة، بخلاف ما بنيتم عليه إلزامكم.
هذا طيب، علما بأن كثير ممن لهم فتاوى في حلق اللحى لا يرخصون بحلق اللحية للضرر. وقد قرأت لبعضهم فتوى لسائل يسأل أنه إذا لم يحلق لحيته فسوف يطرد من عمله فأفتوه بالتحريم والبحث عن عمل جديد. ولا داعي للتذكير هنا أن الضرر ليس هو الضرورة وهذا لا يخفى عليكم. ثم إن في كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ضوابط أخرى غير دفع الضرر من أهمها قوله: "قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين"يكفيني قول ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : "لما عليه في ذلك من الضرر".
وإذا كان ثَمَّ ضررٌ فلا خلاف بيننا في جواز حلقه لحيته، وهذا في حكم الضرورات فلا حاجة لإيراده هنا.
عذرا على سوء الفهم مرة أخرى.أقول: منطوق كلامه= تحريم حلق جميع اللحية هو اتفاق
ومفهومه= ليس في تحريم حلق بعضها اتفاق
لا ما فهمتموه من أني أدعي أنه يجوز ذلك.
لك أن تقول هذا لأن القرائن قد تثير ظنا ينافي الظاهر عند بعض الناس ولا تثيره عند آخرين. الظاهر أن كلمة "يجوز" في كلام ابن حزم بالياء لا بالتاء، واحتمال أن تكون بالتاء وارد لكثرة التصحيف وقوعا بالمخطوط والمطبوع، لكنك تراه احتمالا ضعيفا وأراه، بما أوردتُ من قرائن، قويا مقاربا. ولا حرج أن نختلف في هذا ونترك للقراء الحكم كل بحسب ما يراه.هذا الاحتمال معارض بنص مكتوب ينبغي أن يكون احتمال صحته أقوى، فكيف يسقط احتمالٌ كهذا استدلالاً بالأقوى؟!
هذا التأويل لا يستقيم يا شيخنا لسببين:هذا المثال لا يتحد في الصورة مع مثالنا؛ فالمعنى هنا: إن أكثر من استمتع كان يستمتع بالقبضة من الطعام الأيامَ .. ، أو فلتقل: جمهور من استمتع كان يستمتع بالقبضة الأيامَ ..
عذرا هنا فإني لم أفهم وجه كلامكم هذا.وعليه: فلا اضطراب فيما قلتُه، وبهذا التنوع يعرَف محمل ما ظننتموه اضطراباً.
هذا التلخيص جميل بارك الله فيكم.1- قد نقلتُ عن جمع من أهل اللغة ما يفيد أن الإعفاء يأتي بمعنى التكثير والتوفير، وقد اعترفتم بخطأ اعتراضكم على كون ذلك لم يأتِ في اللغة.
2- ظاهر فعل كثير من الصحابة جواز الأخذ، والأصل وجوب الأمر بالإعفاء لا كونه مندوباً إليه فحسب.
وقد نقلتُ كلام ابن الهمام بأن هذا ما يجمَع به بين الروايات، وكلام ابن عبد البر من أن ابن عمر لم يخالف ما روى.
3- مشهور المذاهب وجمهور الفقهاء على جواز الأخذ -على اختلاف بينهم في تحديده- وتحريم الحلق.
هذا مجمل ما استدللتُ به.
تلخيص جميل كالذي قبله.بعد هذا كله أطالَب بقرائن؟!!
وسألخص القرائن:
1- النووي -كما بيَّنتُ- إنما ينقل عن غيره أن هذه الصفات مكروهة.
2- النووي في مواطن أخرى يبين أن بعض هذه المكروهات هي حرام عنده صراحةً! كالخضاب بالسواد، ولا يستبعِد تحريم نتف الشيب فهو لا يجزم بالكراهة التي تعتمد عليها في أول نقله.
3- النووي ينص على كراهة أخذ شيء يسير من اللحية (وهذا لا يكفي وحده، ولكنه مما قد يستأنس به مع ما قبله).
وما أدراك يا أخي الكريم أن الرجل قرر ما قرر بعد سبر وتحقيق وطول نظر؟ وما هي منزلة هذا الرجل في المذهب حتى نأخذ بحكمه الذي تفضلت به؟ وكيف يكون سابرا للمذهب وهو لا يدري ما هو القول في الكتب التي هي معتمد المتأخرين في المذهب؟ إذا أردنا أن نحسن الظن في قوله ـ وهذا هو الأصل ـ فنحمل كلامه على أن المذهب هو ما قرره الشافعي ولا يعتد بمن خالف نصه من الأصحاب فمن دونهم، فهذا صواب وقد قال ذلك الأذرعي من قبل كما نقلنا كلامه فكان الأولى أن تنقل كلام الآذرعي لا قول هذا الرجل كونه غير معروف في أهل المذهب.وما من أحد يقرر شيئاً -بعد سبر وتحقيق وطول نظر- إلا وهو حسب علمه القاصر المتواضع، وما من بشر إلا وهو صاحب علم قاصر متواضع.
وكون الهيتمي والرملي عمدتا المتأخرين لا يعني أن ينسَب ذلك للإمام النووي دون تتبع؛ لأن من كبار أئمة الشافعية من اعترض على كلامهما، فكيف لنا أن ننسب قولاً للنووي دون تحقق؟!
بارك الله فيك وأحبك الذي أحببتني له.جزى الله الشيخين خير الجزاء على هذه المساجلة الماتعة الرائعة المليئة بالدرر واليواقيت وكذلك محاسن الأخلاق والأدب الجم
نقاش تعلمنا منه العلم والأدب شكر الله لكم
أسأل الله أن يبارك في شيخي ومعلمي ومن أحبه في الله كثيرا الشيخ أبي بكر باجنيد حفظه الله ونفع بعمله
كما أسأله جل في علاه أن يبارك في الشيخ أيمن علي حفظه الله والذي أود أيضا أن أخبره أني أحبه في الله
حفظكم الله، ما فعلتُ هذا إلا اختصاراً لا لهذا الغرض الذي لا أظن أنني كنتُ يوماً من أهل التدليس لصالح قول أو رأي أو شخص.وقد لجأتم إلى حذف باقي الأثر حتى لا يظهر ضعف التأويل،
لا يلزم -جزاك الله خيراً- أن يكون المعنى بالصورة التي ذكرتم، وأنا أتحاشى أن يطول الجدل في مسائل متعلقة باللغة والجرح والتعديل ستأخذ وقتاً وتخرجنا عن صلب المقصود، لا عجزاً عن المناقشة فيها.فسيكون المعنى كالتالي: إن أكثر من استمتع كان يستمتع بالقبضة من الطعام الأيامَ حتى نهانا عمر عنه (أي الاستمتاع بالقبضة الأيام). وهذا معنى باطل اتفاقا،
لم نقل إن ذات الأخذ هو التكثير والتوفير، وإنما التكثير والتوفير أن لا يجزها إلى حد لا تكون معه وفيرة..ولو سلمنا أنه مشترك بين التكثير والترك فالأخذ من اللحية ينافي التكثير؛ لأن الأخذ والقص من اللحية فيه تقليل لا تكثير، وهذا ثابت بالحس، والحديث يأمر بالتكثير مطلقا.
هذا محمول عندي على الجز والإنهاكحديث أبي أمامة الباهلي وقد جاء فيه أن اليهود يقصون لحاهم فقال أعفوها وخالفوهم (بمعناه) وهو ظاهر في التنافي بين القص والإعفاء.
الصواب في دلالة الاقتران -والله أعلم- أنها ليست على رتبة واحدة، ولا أدري إن كنتم تقولون بوجوب الختان مع اقترانه بأربع خصال مسنونة (الاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب) في حديث الصحيحين، ولا أظنكم تقولون بضعف القول بوجوبه كذلك..وأما القرينة الثانية فضعيفة جدا لأن حكم الاقتران إن سلمنا به يدور مع الأغلب لا مع الأقل، وأكثر الخصال المذكورة مكروهة لا محرمة، فلماذا جعلته يدور مع خصلة واحدة أو اثنتين وتركت سبع خصال.
نعم، وأكرر الاعتراف بذلك، ولكنَّ القلب هنا ليس قوياً؛ لأن من عرف طريقة الإمام النووي -رحمه الله- في الاستدلال، فلا أظنه يجزم بأنه يرى مجرد كراهة الحلق. ولبيان هذا سيتطلب الأمر مني كتابةَ بحثٍ مطولٍ استقرائي لا أجد وقتاً ولا همةً لكتابته، وجزاكم الله خيراً على هذا المحاورة الماتعة والمناظرة النافعة.وأما القرينة الثالثة، فقد اعترفتم بأنها لا تكفي، وأقول بل هي قرينة مضادة يمكن قلبُها عليكم،
وجزاك خيراً، وأحبك، وشكر لك أن كنتَ سبباً في هذه الإفادات والإضاءات..جزى الله الشيخين خير الجزاء على هذه المساجلة الماتعة الرائعة المليئة بالدرر واليواقيت وكذلك محاسن الأخلاق والأدب الجم
نقاش تعلمنا منه العلم والأدب شكر الله لكم
أسأل الله أن يبارك في شيخي ومعلمي ومن أحبه في الله كثيرا الشيخ أبي بكر باجنيد حفظه الله ونفع بعمله
كما أسأله جل في علاه أن يبارك في الشيخ أيمن علي حفظه الله والذي أود أيضا أن أخبره أني أحبه في الله
ما خالف النص الصريح أو الإجماع المتحقق فليس القول به سائغاً.. والظاهر هنا -والله أعلم- أن الإجماع متحقق، وعليه فلا يسوغ القول بجواز حلق اللحية بالكلية.عرفنا رأي شيخنا أيمن في أن الخلاف في حلق اللحية خلاف سائغ فما هو رأي شيخنا باجنيد؟
كالأمر بالصلاة في النعال
: ثبوت الأخذ من اللحية من طولها وعرضها عن بعض الصحابة والسلف منهم ابن عمر رضي الله عنه راوي حديث الإعفاء، وهذا مناف لظاهر الإعفاء المذكور في الحديث فدل هذا على أنهم فهموا أن الأمر للندب لا الإيجاب، لأنه لو كان للإيجاب لحرم الأخذ والقص والحلق سواء.
أن الأمر بإعفاء اللحية إنما يقع في باب المظاهر والتحسينيات والتكميليات وهذه الغالب فيها الندب والإرشاد لا الإيجاب