العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:

ابن تيمية .. تلك الشخصية الفذة التي أَعْجَبُ لها كثيراً وأُعجَبُ بها كثيراً ..

1- ما يقول في حجية الإجماع؟

2- ثم ما الإجماع المعتبر عنده؟ فهو يحكي إجماعات يدعي غيره أنها مسائل خلاف، ويعيب على أناس حكايتهم الإجماع في مسائل يدعي أن ليس معهم فيها إلا قصور الاطلاع وعدم العلم بالمخالف.

3- ثم هل هو ذاك الرجل الذي يخرق الإجماعات ويمزق الاتفاقات كما يصوره بعض خصومه؟ فإن كان قد خالف الإجماع في مسائل فما كَمُّ ذلك؟


هذه الأسئلة سنتركها على مائدة البحث والنقاش مع مراعاة أن لا نخلي كلامنا من نصوص صاحب المائدة "ابن تيمية". والله الموفق

راجين من جميع الإخوة والأخوات التفضل بإثراء الموضوع وإحياء الحوار فيه، مبتدئين بالنقطة الأولى حسب الترتيب أعلاه، فحياكم الله.
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

جاء في فتاوى ابن تيمية :
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - :عَنْ مَعْنَى إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَهَلْ يَسُوغُ لِلْمُجْتَهِدِ خِلَافُهُمْ ؟ وَمَا مَعْنَاهُ ؟ وَهَلْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ ؟

.فَأَجَابَ :الْحَمْدُ لِلَّهِ ،
مَعْنَى الْإِجْمَاعِ : أَنْ تَجْتَمِعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ . وَإِذَا ثَبَتَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ إجْمَاعِهِمْ ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ
وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَرْجَحَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا أَقْوَالُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ ؛ فَلَيْسَ حُجَّةً لَازِمَةً وَلَا إجْمَاعًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ نَهَوْا النَّاسَ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ ؛ وَأَمَرُوا إذَا رَأَوْا قَوْلًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ : أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيَدَعُوا أَقْوَالَهُمْ . وَلِهَذَا كَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَزَالُونَ إذَا ظَهَرَ لَهُمْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ عَلَى مَا يُخَالِفُ قَوْلَ مَتْبُوعِهِمْ اتَّبَعُوا ذَلِكَ مِثْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ؛ فَإِنَّ تَحْدِيدَهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا لَمَّا كَانَ قَوْلًا ضَعِيفًا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ تَرَى قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ الَّذِي هُوَ دُونَ ذَلِكَ كَالسَّفَرِ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَصَرُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنَى وَعَرَفَةَ . وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد قَالُوا : إنَّ جَمْعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ وَبِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفُوا أَئِمَّتَهُمْ . وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَأَوْا غَسْلَ الدُّهْنِ النَّجِسِ ؛ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَأَوْا تَحْلِيفَ النَّاسِ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِهِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا : مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِالْعِتَاقِ وَكَذَلِكَ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ؛ قَالُوا : إنَّ مَنْ قَالَ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَمَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا : إنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ؛ بَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِخِلَافِهِ فَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِهَذَا كَانَ مَنْ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ يَقُولُ : الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَيَجْعَلُهُ يَمِينًا فِيهِ الْكَفَّارَةُ . وَهَذَا بِخِلَافِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَقَعَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ كَفَّارَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ بَلْ لَا كَفَّارَةَ فِي الْإِيقَاعِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ خَاصَّةً فِي الْحَلِفِ .

فَإِذَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ كَقَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالْقِيَاسُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى { إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } وَذَكَرَ حُكْمَ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ } . فَمَنْ جَعَلَ الْيَمِينَ بِهَا لَهَا حُكْمٌ وَالنَّذْرَ وَالْإِعْتَاقَ وَالتَّطْلِيقَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ كَانَ قَوْلُهُ مُوَافِقًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَمَنْ جَعَلَ هَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ . وَمَنْ ظَنَّ فِي هَذَا إجْمَاعًا كَانَ ظَنُّهُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا وَكَيْفَ تَجْتَمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ مَرْجُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ بَلْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ يُخَالِفُهُ . وَالصِّيَغُ ثَلَاثَةٌ : صِيغَةُ إيقَاعٍ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ : فَهَذِهِ لَيْسَتْ يَمِينًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ . وَصِيغَةُ قَسَمٍ كَقَوْلِهِ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَن كَذَا فَهَذِهِ صِيغَةُ يَمِينٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ . وَصِيغَةُ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ : إنْ زَنَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَاعَ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ . بِأَنْ يَكُونَ يُرِيدُ إذَا زَنَتْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَلَا يُقِيمُ مَعَ زَانِيَةٍ ؛ فَهَذَا إيقَاعٌ وَلَيْسَ بِيَمِينِ وَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهَا وَزَجْرَهَا وَلَا يُرِيدُ طَلَاقَهَا إذَا زَنَتْ فَهَذَا يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ .

وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ ؛ فَإِنْ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فِي زَمَانِهِمْ فَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ تَنَازَعُوا رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَنْتَشِرْ ؛ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَحْتَجُّونَ بِهِ كَأَبِي حَنِيفَةَ . وَمَالِكٍ ؛ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

شكر الله لك -أخانا الشيخ فهد- وقد نسقت مشاركتكم بعض الشيء لتيسير قراءتها على الإخوة والأخوات، وظني بكم أن تأذنوا بذلك.
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

شكر الله لك -أخانا الشيخ فهد- وقد نسقت مشاركتكم بعض الشيء لتيسير قراءتها على الإخوة والأخوات، وظني بكم أن تأذنوا بذلك.
لا بأس شيخنا الكريم ..
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

قال رحمه الله :وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ - أي أحد العلماء - قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ ..... إلى أن قال :

السَّبَبُ التَّاسِعُ : اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ ؛ أَوْ نَسْخِهِ ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بالِاتِّفَاقِ مِثْلَ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ مِثْلَ إجْمَاعٍ وَهَذَا نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الْمُعَارِضَ رَاجِحٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا . وَتَارَةً يُعَيِّنُ أَحَدَهَا بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ؛ أَوْ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ . ثُمَّ قَدْ يَغْلَطُ فِي النَّسْخِ فَيَعْتَقِدُ الْمُتَأَخِّرَ مُتَقَدِّمًا وَقَدْ يَغْلَطُ فِي التَّأْوِيلِ بِأَنْ يَحْمِلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ أَوْ هُنَاكَ مَا يَدْفَعُهُ وَإِذَا عَارَضَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَقَدْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمُعَارِضُ دَالًّا وَقَدْ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ الْمُعَارِضُ فِي قُوَّةِ الْأَوَّلِ إسْنَادًا أَوْ مَتْنًا وَتَجِيءُ هُنَا الْأَسْبَابُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالْإِجْمَاعُ الْمُدَّعِي فِي الْغَالِبِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ . وَقَدْ وَجَدْنَا مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مَنْ صَارُوا إلَى الْقَوْلِ بِأَشْيَاءَ مُتَمَسَّكُهُمْ فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ قَوْلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا ؛ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا خِلَافَهُ حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّقُ الْقَوْلَ فَيَقُولُ : إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَحَقُّ مَا يَتْبَعُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجَازَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ . وَقَبُولُهَا مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وشريح وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ لَا يَرِثُ وَتَوْرِيثُهُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَقُولُ آخَرُ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَإِيجَابُهَا مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ غَايَةَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ فِي بِلَادِهِ وَأَقْوَالَ جَمَاعَاتٍ غَيْرِهِمْ كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا وَمَا زَالَ يَقْرَعُ سَمْعَهُ خِلَافُهُ فَهَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَدِيثٍ يُخَالِفُ هَذَا ؛ لِخَوْفِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَالْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ الْحُجَجِ . وَهَذَا عُذْرُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَتْرُكُونَهُ وَبَعْضُهُمْ مَعْذُورٌ فِيهِ حَقِيقَةً ؛ وَبَعْضُهُمْ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَعْذُورِ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَسْبَابِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ .
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

الحمد لله..
أولاً: شيخ الإسلام يعتبر الإجماع دليلاً شرعياً.

وقد تقدم ما في "الفتاوى الكبرى": "الحمد لله معنى الإجماع أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام، وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيرا من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة" .. إلى آخر ما قال.

ثانياً: شيخ الإسلام ينقم على بعض من يحتج بالإجماع في مسائل لم يتحقق فيها الإجماع ولم يعرف المحتج بالإجماع فيها أقوالَ السلف على سبيل الإحاطة، وإليك -أخي القارئ- هذه النصوص:

يقول رحمه الله تعالى: والإجماع المدعى في الغالب إنما هو عدم العلم بالمخالف، وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف, مع أن ظاهر الأدلة عندهم يقتضي خلاف ذلك.
لكن لا يمكن العالم أن يبتدئ قولا لم يعلم به قائلا؛ مع علمه بأن الناس قد قالوا خلافه, حتى إن منهم من يعلق القول فيقول: "إن كان في المسألة إجماع فهو أحق ما يتبع, وإلا فالقول عندي كذا وكذا".

إلى أن قال: وذلك أن غاية كثير من العلماء أن يعلم قول أهل العلم الذين أدركهم في بلاده ولا يعلم أقوال جماعات غيرهم, كما تجد كثيرا من المتقدمين لا يعلم إلا قول المدنيين والكوفيين, وكثيرا من المتأخرين لا يعلم إلا قول اثنين أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين وما خرج عن ذلك فإنه عنده يخالف الإجماع؛ لأنه لا يعلم به قائلا, وما زال يقرع سمعه خلافه. فهذا لا يمكنه أن يصير إلى حديث يخالف هذا؛ لخوفه أن يكون هذا خلافا للإجماع, أو لاعتقاده أنه مخالف للإجماع, والإجماع أعظم الحجج. وهذا عذر كثير من الناس في كثير مما يتركونه.
وبعضهم معذور فيه حقيقة؛ وبعضهم معذور فيه وليس في الحقيقة بمعذور. وكذلك كثير من الأسباب قبله وبعده. أهـ

وفي "الحسبة": "ولا ريب أنه إذا ثبت الإجماع كان ذلك دليلًا على أنه منسوخ؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن لا يعرف إجماع على ترك نص إلا وقد عرف النص الناسخ له، ولهذا كان أكثر من يدعي نسخ النصوص بما يدعيه من الإجماع إذ حقق الأمر عليه لم يكن الإجماع الذي ادعاه صحيحًا، بل غايته أنه لم يعرف فيه نزاعًا، ثم من ذلك ما يكون أكثر أهل العلم على خلاف قول أصحابه، ولكن هو نفسه لم يعرف أقوال العلماء. أهـ

وقال في "درء التعارض": ومعلوم أن أئمة الجهمية النفاة والمعتزلة وأمثالهم، من أبعد الناس عن العلم بمعاني القرآن والأخبار وأقوال السلف، وتجد أئمتهم من أبعد الناس عن الاستدلال بالكتاب والسنة، وإنما عمدتهم في الشرعيات على ما يظنونه إجماعاً، مع كثرة خطئهم فيما يظنونه إجماعاً، وليس بإجماع، وعمدتهم في أصول الدين على ما يظنونه عقليات، وهي جهليات، لا سيما مثل الرازي وأمثاله، الذين يمنعون أن يستدل في هذه المسائل بالكتاب والسنة. أهـ

وقال في مجموع فتاويه (13/25): وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف. فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم وقول من ينازعهم من الطوائف المتأخرين؛ طائفة أو طائفتين أو ثلاث وتارة عرفوا أقوال بعض السلف، والأول كثير في " مسائل أصول الدين وفروعه " كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك يحكون إجماعاً ونزاعاً ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك البتة؛ بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته؛ مثل مسألة القرآن والرؤية والقدر وغير ذلك. وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به؛ لعدم علمهم بأقوال السلف فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا. وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً؛ لأن كثيراً من أصول المتأخرين محدَث مبتدَع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة المعلومة وإجماع الصحابة. بخلاف ما يعرف من نزاع السلف فإنه لا يمكن أن يقال: إنه خلاف الإجماع وإنما يرد بالنص. أهـ إلى آخره
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

ثالثاً: إن ابن تيمية يحكي إجماع السلف إذا لم يعلم مخالفاً في الصدر الأول أو غلب على ظنه عدم المخالف.

ومن ذلك ما نص عليه في "مجموع الفتاوى" في مسألة أبوال مأكول اللحم: وقد نقل عن بعضهم ألفاظ إن ثبتت فليست صريحة بنجاسة محل النزاع، مثل ما روى عنه الحسن أنه قال: البول كله يغسل، وقد روي عنه أنه قال: لا بأ...س بأبوال الغنم، فعلم أنه أراد بول الإنسان، الذكر والأنثى، والكبير والصغير.
وكذلك ما روي عن أبي الشعثاء أنه قال: الأبوال كلها أنجاس. فلعله أراد ذلك إن ثبت عنه، وقد ذكرنا عن ابن المنذر وغيره: أنه لم يعرف عن أحد من السلف القول بنجاستها.

ومن المعلوم الذي لا شك فيه: أن هذا إجماع على عدم النجاسة، بل مقتضاه أن التنجيس من الأقوال المحدثة فيكون مردودا بالأدلة الدالة على إبطال الحوادث، لا سيما مقالة محدثة مخالفة لما عليه الصدر الأول، ومن المعلوم أن الأعيان الموجودة في زمانهم ومكانهم، إذا أمسكوا عن تحريمها وتنجيسها، مع الحاجة إلى بيان ذلك كان تحريمها وتنجيسها ممن بعدهم بمنزلة أن يمسكوا عن بيان أفعال يحتاج إلى بيان وجوبها لو كان ثابتا، فيجيء من بعدهم فيوجبها، ومتى قام المقتضي للتحريم أو الوجوب، ولم يذكروا وجوبا ولا تحريما، كان إجماعا منهم على عدم اعتقاد الوجوب والتحريم،
وهو المطلوب. وهذه الطريقة معتمدة في كثير من الأحكام، وهي أصل عظيم ينبغي للفقيه أن يتأملها، ولا يغفل عن غورها، لكن لا يسلم إلا بعدم ظهور الخلاف في الصدر الأول، فإن كان فيه خلاف محقق بطلت هذه الطريقة. والحق أحق أن يتبع. أهـ
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

في آخر المشاركة السابقة نقلتُ قول الشيخ تقي الدين -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى (21/581): لكن لا يسلم إلا بعدم ظهور الخلاف في الصدر الأول، فإن كان فيه خلاف محقق بطلت هذه الطريقة. أهـ

وقال أيضاً فيه (11/341) عند ذكره طرق الأحكام الشرعية في أصول الفقه من كتاب وسنة:الطريق الرابع: الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة، لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالباً؛ ولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الإجماعات الحادثة بعد الصحابة، واختلف في مسائل منه كإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة، والإجماع الذي لم ينقرض عصر أهله حتى خالفهم بعضهم، والإجماع السكوتي وغير ذلك. أهـ


هذا يسوقنا للكلام على الإجماع الذي يعتبره ابن تيمية، وعلى مسألة إمكان انعقاد الإجماع ووقوعه، وفي هذه المسألة أقوالٌ ثلاثةٌ مشهورة:
الأول: إمكانه، وهو قول الجمهور.
الثاني: تعذر ذلك مطلقاً، وهو قول بعض أهل البدع.
الثالث: إمكانه في عصر الصحابة فقط، وتعذر ذلك بعدهم في الغالب. وهو الذي يجنح إليه ابن تيمية وبعض أهل العلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

يقول الصنعاني في إجابة السائل شرح بغية الآمل :
وقال ابن تيمية إن الإجماع ثلاثة أنواع :
الأول : الإحاطي وهو الإحاطة بأقوال العلماء جميعا في المسألة وهذا علمه متعذر مطلقا
الثاني : الإجماع الإستقرائي وهو أنك تتبعت أقوال العلماء فلم تجد مخالفا وهذا يحتاج إلى استقراء قول عامة المجتهدين وهذا إذا أمكن ففي غاية الصعوبة وأسهل منه الثالث وهو : الإجماع الإقراري وهو لا يعلم أن الأمة أقرت عليه إلا بعد البحث التام هل أنكر ذلك القول منكر وغايته العلم بعدم المنازع والمنكر وهو صعب جدا ولا يعلمه إن علمه إلا الأفراد .. انتهى
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

قال الزركشي في البحر المحيط :
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ في إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عليه - يعني الإجماع -
وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ في نَفْسِهِ فَاخْتَلَفُوا في إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عليه فَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِاتِّسَاعِ خُطَّةِ الْإِسْلَامِ وَانْتِشَارِهِمْ في أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَتَهَاوُنِ الْفَطِنِ وَتَعَذُّرِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ في تَفَاصِيلَ لَا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي على نَقْلِهَا وَلِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَى أَن يَفْنَى الْآخَرُ وَالصَّحِيحُ إمْكَانُهُ عَادَةً فَقَدْ اجْتَمَعَ على الشَّبَهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ زَائِدُونَ على عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَالْإِجْمَاعُ على الْحَقِّ مع ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ أَوْلَى نعم الْعَادَةُ مَنَعَتْ اجْتِمَاعَ الْكَافَّةِ فَأَمَّا الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ بِوَجْهٍ ما وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي على من أَنْكَرَ تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ عَادَةً وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بين كُلِّيَّاتِ الدِّينِ فَلَا يَمْنَعُ من تَصَوُّرِ الدَّوَاعِي الْمُسْتَحَثَّةِ وَكَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي في اجْتِمَاعِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَبَيْنَ الْمَسَائِلَ الْمَظْنُونَةِ مع تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَانْتِفَاءِ الدَّوَاعِي فَلَا تُتَصَوَّرُ عَادَةً وَنُقِلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ما يَقْتَضِي إنْكَارَهُ قال في رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد اللَّهِ من ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ لَعَلَّ الناس قد اخْتَلَفُوا وَلَكِنْ يقول لَا يَعْلَمُ الناس اخْتَلَفُوا إذْ لم يَبْلُغْهُ قال أَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا قال هذا على جِهَةِ الْوَرَعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لم يَبْلُغْهُ أو قال هذا في حَقِّ من ليس له مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ لِأَنَّ أَحْمَدَ قد أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَأَجْرَاهُ ابن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ على ظَاهِرِهِ وقال ابن تَيْمِيَّةَ أَرَادَ غير إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ أَمَّا من بَعْدَهُمْ فَقَدْ كَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ وَانْتَشَرُوا قال وَإِنَّمَا قال ذلك لِأَنَّهُ كان يَذْكُرُ الحديث فَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ فيقول إجْمَاعُ من إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ حتى قال ابن عُلَيَّةَ وَالْأَصَمُّ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ في غَيْرِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وقال الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ على الْإِجْمَاعِ لَا إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كان الْمُجْمِعُونَ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ في قِلَّةٍ أَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا مَطْمَعَ لِلْعِلْمِ بِهِ قال وهو اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مع قُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ من الصَّحَابَةِ وَقُوَّةِ حِفْظِهِ وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ على الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ قال وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ له من الْإِجْمَاعِ إلَّا ما يَجِدُهُ مَكْتُوبًا في الْكُتُبِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عليه إلَّا بِالسَّمَاعِ منهم أو بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذلك إلَّا في عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا .. انتهى
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

وقال رحمه الله في العقيدة الواسطية :
والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح , إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة .

 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

هل نتفق الآن على أن الإجماع المعتبر عند ابن تيمية هو إجماع الصحابة في الغالب؟ أم أن أحداً يخالف في هذا؟
ثم ما القول الصواب في هذه المسألة؟
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

وقال رحمه الله في العقيدة الواسطية :
والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح , إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة .

من المقصود بالسلف الصالح
وفي أي طبقة يتوقفون
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

من المقصود بالسلف الصالح
وفي أي طبقة يتوقفون
اختلفت عبارات العلماء في مصطلح السلف؛ فمن ذلك:

1- منهم من يقصره على جيل الصحابة، وهو مذهب البغدادي وجماعة من المالكية وغيرهم.

2- ومنهم من يجعل ذلك مختصاً بجيل الصحابة والتابعين، وهو مذهب أبي حامد الغزالي.

3- ومنهم من يقول: هم المشهود لهم بالإمامة في الدين من أهل القرون الثلاثة الأولى، وهو مذهب السفاريني كما في "لوامع الأنوار"، وقول الشوكاني، وجماعة.

- وهنا إشكال بيانه في قولنا: إن خير الأمة: الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، فمتى ينتهي عصر أتباع التابعين؟
*فذهب بعضهم إلى أنه ينتهي بنهاية عام 220 هـ وهو تاريخ وفاة آخر أتباع التابعين، والقرن عند هؤلاء وآخرين لا ينضبط بمدة بل لهم فيه اعتبارات أُخَر كموت آخر تابعي التابعين.

*وذهب بعضهم إلى أنه إلى آخر المائة الثالثة من الهجرة، وهو قول ضعيف، وتنكبه الأكثرون.

*وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ج10 ص357: (فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل ، وجمهور التابعين باحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابِعِي التَّابِعِين انقرضوا في أواخر الدولة الأُمَوِيَّة وأوائل الدولة العَبَّاسيَّة). ومعلومٌ أن نهاية الدولة الأموية كانت سنة 132 هـ.

*وفي المسألة أقوالٌ أُخَر.
قال الحافظ ابن رجب في "فضل علم السلف": (وفي زماننا يتعين كتابة كلام السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبَيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة) فأحمد بن حنبل متوفى سنة 241هـ وقد اعتبر الحجة في كلام أئمة الدين إلى ذلكم الزمان، وأن ما بعدهم كان زمن حدَث وبدعة.
وقال ابن تيمية أيضاً: (وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان)، وهذه إشارة تشبه إشارة الحافظ ابن رجب في المنقول عنه آنفاً.

4- ومنهم من يقول: هم أهل القرون الخمسة الأولى- إلى آخر المائة الخامسة من الهجرة، وهو قول بعض الأشاعرة.

5- ومنهم من يقول: هم أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر؛ فكل من اتبع نهج أهل السنة والجماعة وسلك سبيلهم فهو داخل في مسمى السلف الاصطلاحي.

يقول الشيخ د. عبد الرحمن المحمود في كتابه "موقف ابن تيمية من الأشاعرة": والخلاصة أن مصطلح السلف صار له مدلولان:
* مدلول خاص: وهذا ينطبق على مذهب الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان، ممن لم يبتدعوا، وهذا فيه حصر تاريخي.
* ومدلول أعم: يشمل ما بعد هذه القرون المفضلة، وهذا شامل لكل من سار على طريقة ومنهج خير القرون، والتزم النصوص والفهم الذي فهموه . أهـ

وطريقة ابن تيمية -رحمه الله- في ذلك فيما يبدو لي -فليكن تحت عدسة التحقيق- "أنه يطلق السلف ويريد بهم تارةً: الصحابة وحدهم، وتارةً: مَن شهد لهم بالإمامة في الدين من القرون الثلاثة الأولى، وتارةً يريد المعنى اللغوي للسلف وهُم مَن سبق المخالف، أو المردود عليه، مِن أئمة الدين"، وثمَّ احتمال أيضاً أن يريد بذلك أحياناً الصحابة وتابعيهم فقط كما هو قول الغزالي..

ومما يجلي ذلك هذه الأمثلة:
الوجه الأول: في مسألتنا هذه يمكن القول بأن المراد بالسلف في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية هنا: الصحابة، وقد قال في مجموع الفتاوى عن الإجماع: "المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة". وهذا أقل الوجهين وروداً في كلامه رحمه الله تعالى.


الوجه الثاني: أن يريد بالسلف الصحابة والتابعين وتابعيهم، أو المعنى اللغوي للفظة السلف

وقد سبق ذِكر تقريره -رحمه الله- أن جمهور تابعي التابعين قد انقرضوا في أواخر دولة بني أمية، وبانقراضهم انقرض عصر تابعي التابعين، ولكنه في بعض نصوصه يدخِل في مصطلح السلف من جاء بعد ذلك من أئمة الدين كأحمد بن حنبل؛ فهذا الأخير محمول فيما يظهر على المعنى اللغوي للفظة السلف.

قال في "مجموع الفتاوى" ج33 ص8: وإن طلقها ثلاثاً في طهر واحد بكلمة واحدة أو كلمات؛ مثل أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً. أو أنت طالق وطالق وطالق. أو أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق. أو يقول: أنت طالق، ثم يقول: أنت طالق، ثم يقول: أنت طالق، أو يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو عشر طلقات، أو مائة طلقة. أو ألف طلقة، ونحو ذلك من العبارات.. فهذا للعلماء من السلف والخلف فيه ثلاثة أقوال، سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها، ومن السلف من فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها. وفيه قول رابع محدث مبتدع.
أحدها: أنه طلاق مباح لازم، وهو قول الشافعي، وأحمد في الرواية القديمة عنه: اختارها الخرقي.
الثاني: أنه طلاق محرم لازم. وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد في الرواية المتأخرة عنه. اختارها أكثر أصحابه، وهذا القول منقول عن كثير من السلف؛ من الصحابة والتابعين. والذي قبله منقول عن بعضهم. أهـ
ولكنَّ قوله: "من الصحابة والتابعين" محتمل جداً لأن لا يختص بالصحابة وتابعيهم؛ إذ قد يطلق التابعون ولا يراد بهم خصوص القرن الذي تلا قرن الصحابة، بل قد يشمل تابعي التابعين بهذا اللفظ، والله أعلم.

وقال أيضاً: (إذا حلف الرجل بالطلاق فقال: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا؛ أو لا أفعله. أو الطلاق لازم لي لأفعلنه، أو إن لم أفعله فالطلاق يلزمني. أو لازم، ونحو هذه العبارات التي تتضمن التزام الطلاق في يمينه، ثم حنث في يمينه: فهل يقع به الطلاق؟
فيه قولان لعلماء المسلمين في المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهب علماء المسلمين.
أحدهما: أنه لا يقع الطلاق، وهذا منصوص عن أبي حنيفة نفسه، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي: كالقفال، وأبي سعيد المتولي صاحب " التتمة "، وبه يفتي ويقضي في هذه الأزمنة المتأخرة طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أهل السنة والشيعة في بلاد الشرق والجزيرة والعراق وخراسان والحجاز واليمن وغيرها.

وهو قول داود وأصحابه - كابن حزم وغيره - كانوا يفتون ويقضون في بلاد فارس والعراق والشام ومصر وبلاد المغرب إلى اليوم، فإنهم خلق عظيم، وفيهم قضاة ومفتون عدد كثير. وهو قول طائفة من السلف: كطاوس وغير طاوس. وبه يفتي كثير من علماء المغرب في هذه الأزمنة المتأخرة من المالكية وغيرهم، وكان بعض شيوخ مصر يفتي بذلك، وقد دل على ذلك كلام الإمام أحمد بن حنبل المنصوص عنه وأصول مذهبه في غير موضع. أهـ
وطاوس -رحمه الله- من التابعين، توفي سنة 105 أو 106 للهجرة؛ فليس من الصحابة قطعاً. ولكنَّ هذا النص لا يدل على الحصر أو القصر على الصحابة والتابعين دون من بعدهم على وجه اليقين؛ إذ مثَّل على ذلك بذكر أحد الأفراد من أئمة القرون الثلاثة وهذا لا يقتضي نفي هذا الوصف عمن عداهم.


وقال في رده على الإخنائي ج1 ص162: (ولو قدر أن المجيب حرم زيارة القبور مطلقًا سفرًا وغير سفر فهذا قول طائفة من السلف مثل الشعبي والنخعي وابن سيرين كما ذكر ذلك عنهم غير واحد، منهم ابن بطال في شرح البخاري، وهؤلاء من أجل علماء المسلمين في زمن التابعين باتفاق المسلمين، ويحكى قولاً في مذهب مالك. ومن قال ذلك لم يكن معاديًا للأنبياء لا سرًّا ولا جهرًا ولا معاندًا لهم لا باطنًا ولا ظاهرًا). قلت: الشعبي والنخعي وابن سيرين من كبار التابعين كما نص عليه في قوله: "وهؤلاء من أجل علماء المسلمين في زمن التابعين باتفاق المسلمين"، وليس في هذا النص، كالذي قبله، قصر متعين يمنع أن يعدَّى إلى من بعدهم.


وخذ مثلاً لمن ليسوا من أتباع التابعين وشملهم بلفظ السلف في ظاهر الأمر؛ كقوله في "درء تعارض العقل والنقل": (ولهذا قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. وكذلك قال ابن الماجشون، وأحمد بن حنبل وغيرهما من السلف يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وإن علمنا تفسيره ومعناه).
وابن الماجشون -رحمه الله- قد توفي سنة 213 أو 214 للهجرة، وأحمد -رحمه الله- سنة 241 للهجرة؛ فليسا من الصحابة ولا تابعيهم ولا تابعي تابعيهم على التقرير المذكور في أول كلامنا.

وفي الفتاوى الكبرى ج1 ص166: (وأحمد إنما اختلف اجتهاده في بني تغلب، وهم الذين تنازع فيهم الصحابة، فأما سائر اليهود والنصارى من العرب، مثل تنوخ وبهراء، وغيرهما من اليهود فلا أعرف عن أحمد في حل ذبائحهم نزاعاً، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين وغيرهم من السلف، وإنما كان النزاع بينهم في بني تغلب خاصة، ولكن من أصحاب أحمد من جعل فيهم روايتين كبني تغلب، والحل مذهب الجمهور كأبي حنيفة ومالك، وما أعلم لقول الآخر قدوة من السلف).
ظاهر في أن من السلف من ليس من الصحابة ولا من التابعين.

وقال في "مجموع الفتاوى" ج32 ص300: (" وأيضاً " فالفرق بين لفظٍ ولفظٍ في الخلع قولٌ محدَث لم يُعرف عن أحد من السلف: لا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم. والشافعي - رضي الله عنه - لم ينقله عن أحد؛ بل ذكر: أنه يحسب أن الصحابة يفرقون. ومعلوم أن هذا ليس نقلاً لقول أحد من السلف).
وهذا نص مهم فيما أحسب؛ إذ فيه بعد التصريح بمعنى "السلف": اعتبار القول بعد عصرهم محدَثاً، وكأن الشافعي ليس منهم هنا، بل لم يجعله منهم قطعاً إذ يقول في تتمة كلامه هذا: (والشافعي ذكر هذا في أحكام القرآن. ورجح فيه أن الخلع طلاق وليس بفسخ فلم يجز هذا القول لما ظنه من تناقض أصحابه وهو أنهم يجعلونه بلفظٍ طلاقاً بائناً من الثلاث وبلفظٍ ليس من الثلاث، فلما ظنه من تناقضهم عدل عن ترجيحه. ولكن هذا التناقض لم ينقله: لا هو؛ ولا أحد غيره عن أحد من السلف القائلين به، ولا من اتبعه كأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه؛ وإنما قاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد لما وجدوا غيرهم قد ذكروا الفرق فيه بين لفظ الطلاق وغيره؛ وذكر بعضهم كمحمد بن نصر والطحاوي: أنهم لا يعلمون في ذلك نزاعا؛ وإنما قاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد)


وقال بعد أن قرر أن القرآن غير مخلوق: (وهذا الجواب هو جواب أئمة أهل الحديث والتصوف والفقه، وطوائف من الكلام من أئمتهم من الهشامية والكرامية وغيرهم، وأتباع الأئمة الأربعة أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.

منهم من يختار جواب الصنف الأول، وهم الذين يرتضون قول ابن كلاب في القرآن، وهم طوائف من متأخري أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة.
ومنهم من يختار جواب الصنف الثاني، وهم الطوائف الذين ينكرون قول ابن كلاب، ويقولون إن القرآن قديم كالسالمية، وطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة.

ومنهم من يختار جواب الطائفة الثالثة، وهم الذين ينكرون قول الطائفتين المتقدمتين الكلابية والسالمية. ثم من هؤلاء من يقول بقول الكرامية، والكرامية منتسبون إلى أبي حنيفة، ومنهم من لا يختار قول الكرامية أيضا لما فيه من تناقض آخر، بل يقول بقول أئمة الحديث، كالبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومن قبلهم من السلف: كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وما نقل من ذلك عن الصحابة والتابعين، وفي ذلك آثار كثيرة معروفة في كتب السنن والآثار تضيق عنها هذه الورقة).
وآخر هؤلاء وفاةً أحمد بن حنبل، وقد تقدم بيان سنة وفاته.


وقال في "بيان تلبيس الجهمية": (ولكن تكلم طائفة من السلف مثل عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونعيم بن حماد، وغيرهم، بذم المشبهة، وبينوا المشبهة الذين ذموهم؛ أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه).

وفي "مجموع الفتاوى" ج7 ص374: (وأحمد وأمثاله من السلف لا يريدون بلفظ التأويل صرف اللفظ عن ظاهره؛ بل التأويل عندهم مثل التفسير وبيان ما يؤول إليه اللفظ).

وقال في "مختصر الفتاوى المصرية": (وكان الصالحون يأتون الثغور لأجل الجهاد والمرابطة في سبيل الله تعالى فإن المرابطة في سبيل الله تعالى أفضل من الإقامة بمكة والمدينة ما أعلم في ذلك خلافاً فكان صالحوا المؤمنين من السلف يرابطون في هذه الأماكن؛ كالأوزاعي وإسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين وإبراهيم بن أدهم وعبد الله ابن المبارك وحذيفة المرعش ويوسف بن أسباط وغيرهم وأحمد بن حنبل وسري السقطي وغيرهما كانا يقصدان طرسوس) وسريٌّ هذا هو أبو الحسن سري بن المغلس السقطي رحمه الله، وقد توفي سنة 253 هـ.

وبجملة هذه النصوص وغيرها يتبين ما قررناه أولاً، والله الموفق.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

رابعاً: يقرر ابن تيمية أنه لا يوجد إجماع إلا وله سند، وما دل عليه الإجماع فقد دل عليه القرآن والسنة، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص، إلا أنه قد يخفى على الناس ذلك، ويعضد ذلك باستقراء موارد الإجماع.

قال في "مجموع الفتاوى" ج19 ص194: وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصاً عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف لله. ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول؛ وهذا هو الصواب. فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع. فيستدل به كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثانٍ مع النص كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الإجماع دليل آخر كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها؛ فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص. وقد كان بعض الناس يذكر مسائل فيها إجماع بلا نص كالمضاربة، وليس كذلك .. ).
 

عمرو علي بسيوني

:: متابع ::
إنضم
28 فبراير 2010
المشاركات
42
التخصص
لغة عربية
المدينة
...
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

جزى الله خيرا الشيخ أبا بكر باجنيد على دعوته اللطيفة لي أن أطلع على موضوع الندوة ، وما ذلك منه إلا إحسان ظن بالضعيف .

1 ـ بالنسبة لحجية الإجماع ؛ فهي ثابتة عنده بلا ريب
.
وقد قدم المباحثون كثيرا من نصوصه الدالة .

ومن نصوصه المهمة للإثراء في نفس الموضوع :
قوله في الواسطية :
(
وَالْإِجْمَاعُ: هُوَ الْأَصْلُ الثَّالِثُ؛ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ. )

فهو عنده من أصول أهل السنة الجامعة .

وقال في الفتاوى الكبري :
(
وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع ) .

وقال في المنهاج :
(الإجماع المعلوم حجة قطعية لا سمعية لا سيما مع النصوص الكثيرة الموافقة له فلو قدر ورود خبر يخالف الإجماع كان باطلا إما لكون الرسول لم يقله وإما لكونه لا دلالة فيه )


2
ـ أما الإجماع المعتبر عموما عنده فهو ثلاثة أنواع :
أ ـ الإجماع على المعلوم الضروري .
ب ـ إجماع الصحابة .
د ـ إجماع من بعدهم بالضابط الآتي .

أ ـ فالأول مستفيض في كلام الشيخ كثير ، من احتجاجه بأن هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، وهو الإجماع الذي حده الشافعي : ( قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فقال لي فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إجْمَاعًا قُلْت يَصِحُّ في الْفَرْضِ الذي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ من الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ ) ، وبقوله : ( ذلك الإجماع هو الذي إذا قلتَ أجمع الناس لم تجد أحداً يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها )
كأن الزنا حرام ، والظهر أربعا ، ونحو ذلك .
وذلك هو ( الإجماع القطعي ) .

ب ـ إجماع الصحابة ، وقد قدم المداخلون ما فيه كفاية من بيانه من كلام الشيخ .

ومن جمله المهمة فيه للإثراء :

وقال :
(
ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم )

وقال :
( إجماع الصحابة أيضا من أقوى الأدلة الشرعية)


وسيأتي مزيد بيان له .

ج ـ إجماع من بعد الصحابة : وهو استقرائي وإقراري : وحجيته ظنية ؛ لمكان التعذر من التيقن منه كما في القطعيات .
وسيأتي قريبا .


3
ـ إمكان الإجماع :

تقدم من المشاركات أن الإجماع المنضبط هو إجماع الصحابة ، وهذا لا يعني إهدار غيره كما سيأتي في الإجماع القطعي والظني .

أما ما بعد هذه الطبقة فيتعذر ، وإنما هو عدم علم بالمخالف ، إما إقرارا أو استقراءً .
قال :
( وإن كان من الناس من ادعى الإجماع في بعضها: فهذا كما أن كثيرا من مسائل النزاع يدعي فيها الإجماع من لم يعلم النزاع، ومقصوده أني لا أعلم نزاعا. فمن علم النزاع وأثبته كان مثبتا عالما، وهو مقدم على النافي الذي لا يعلمه باتفاق المسلمين. )

وقال :
(
معنى الإجماع أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام، وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيرا من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة)

وقال :
( وَهُمْ إذَا ذَكَرُوا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِإِجْمَاعِهِمْ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ بِخِلَافِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ كَثِيرًا )


***
على أنه ينبغي التنبه أن الإجماع كله ( فيما دون المعلوم الضروري من الدين ) استقرائي أو إقراري عند الشيخ (( ما يسميه المتأخرون سكوتيا )) ، كما سيأتي قريبا .

فحتى إجماع الصحابة المنضبط وفق تقرير الإمام = ليس معنى إنضباطه أنه إجماع تقريري تصريحي ، فذلك النوع من الإجماع الكلامي الأصولي لا يقول به الشيخ ، ولا أثر له في كتبه ، وسائر تقريراته تخالفه .
بل معنى انضباطه = إمكان القطع كثيرا بشيوعه وكثرة قائليه بلا مخالف .

فعلى سبيل المثال :
قال :
(
وأما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلأن ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض ولم ينكرها أحد منهم فصارت إجماعا.واعلم أنه لا يمكن ادعاء إجماع الصحابة على مسالة فرعية بأبلغ من هذا الطريق )

وقال :
(
وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ «السَّلَفُ الصَّالِحُ» ؛ إِذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ، وَانْتَشَرَتِ الْأُمَّةُ )

وقال :
( بِخِلَافِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ كَثِيرًا )

4
ـ الإجماع من محددات الخلاف السائغ من غيره :
فضابط السواغ عند الشيخ : عدم مخالفة النص أو الإجماع القديم .

قال :
(
فهذا أصل جامع يجب على كل من آمن بالله ورسوله أن يتبعه، ولا يخالف السنة المعلومة، وسبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، باتباع من خالف السنة والإجماع القديم، لا سيما وليس معه في بدعته إمام من أئمة المسلمين، ولا مجتهد يعتمد على قوله في الدين، ولا من يعتبر قوله في مسائل الإجماع والنزاع فلا ينخرم الإجماع بمخالفته، ولا يتوقف الإجماع على موافقته )


قال :
( وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً )

وقال :
(
إن القول بتحريم الحيل قطعي ليس من مسائل الاجتهاد كما قد بيناه وبينا إجماع الصحابة على المنع منها بكلام غليظ يخرجها من مسائل الاجتهاد )

وقال :
(
وقد شذَّ بعض متأخري الفقهاء فزعَم أن الظهار ليسَ بمحرَّم.
لكن هذاخلاف النصّ والإجماع القديم، فإنه قد حَكَى الإجماعَ على تحريم ذلك غيرُ واحدٍ من العلماء، ولم يُعلَم نزاعٌ قديم يقدم في ذلك كما عُلِمَ في غيرِه. والذي نقطع به أنّا لا نعلم فيه خلافا قديمًا )

وقال :
(
وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغا لم يخالف إجماعا؛ لأن كثيرا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا )
وقال :
(
النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة المعلومة وإجماع الصحابة. بخلاف ما يعرف من نزاع السلف فإنه لا يمكن أن يقال: إنه خلاف الإجماع وإنما يرد بالنص وإذا قيل: قد أجمع التابعون على أحد قوليهم فارتفع النزاع. فمثل هذا مبني على مقدمتين: " إحداهما " العلم بأنه لم يبق في الأمة من يقول بقول الآخر وهذا متعذر.
"
الثانية " أن مثل هذا هل يرفع النزاع )

5
ـ مراتب حجية الإجماع :
الإجماع الصحيح حجة عند الشيخ بلا ريب ، يدل على هذا كل نصوص التي قدمناها في النقطة الأولى عن حجية الإجماع ، وهذه الحجية من حيث الجملة ، وتنصب على الإجماع الصحيح المعلوم ، وهو : الإجماع القطعي ( على المعلومات الدينية الضرورية ) ، و ( إجماع الصحابة الصحيح ) .

قال :
(
الإجماع المعلوم حجة قطعية لا سمعية لا سيما مع النصوص الكثيرة الموافقة له فلو قدر ورود خبر يخالف الإجماع كان باطلا إما لكون الرسول لم يقله وإما لكونه لا دلالة فيه )

أما النوع الثالث الذي ذكرناه من إجماعات الشيخ وهو ما دون إجماع الصحابة = فظني .

ويمكن في باب الحجية خصوصا أن يقسم الإجماع عند الشيخ إلى قسمين لا ثلاثة :
أ ـ قطعي : ( ويشمل المعلوم الضروري ، وإجماعات الصحابة التي يقطع المجتهد أنه لا مخالف فيها ) = وهذا حجة قطعية .
ب ـ ظني : وهو ما لا يقطع المجتهد بعدم المخالف فيها ، وهذا حجة ظنية ، تعارض بأجناس الأدلة الظنية .

وذلك التصور وفق النص المفتاحي المهم الآتي :
قال :


(
الإجماع نوعان: قطعي. فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص.
وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي: بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي.
وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد.
وإن كان قد نقل له في المسألة فروع ولم يتعين صحته فهذا يوجب له أن لا يظن الإجماع إن لم يظن بطلان ذلك النقل وإلا فمتى جوز أن يكون ناقل النزاع صادقا وجوز أن يكون كاذبا يبقى شاكا في ثبوت الإجماع ومع الشك لا يكون معه علم ولا ظن بالإجماع ولا تدفع الأدلة الشرعية بهذا المشتبه مع أن هذا لا يكون فلا يكون قط إجماع يجب اتباعه مع معارضته لنص آخر لا مخالف له ولا يكون قط نص يجب اتباعه وليس في الأمة قائل به بل قد يخفى القائل به على كثير من الناس. قال الترمذي: كل حديث في كتابي قد عمل به بعض أهل العلم إلا حديثين: حديث الجمع؛ وقتل الشارب. ومع هذا فكلا الحديثين قد عمل به طائفة وحديث الجمع قد عمل به أحمد وغيره.
ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلا به وهو لا يدري: أجمع على نقيضه أم لا؟ فهو بمنزلة من رأى دليلا عارضه آخر وهو بعد لم يعلم رجحان أحدهما فهذا يقف إلى أن يتبين له رجحان هذا أو هذا فلا يقول قولا بلا علم ولا يتبع نصا. . . (1) مع ظن نسخه وعدم نسخه عنده سواء لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن إجماع ولا عاما ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء فلا بد أن يكون الدليل سالما عن المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم وإلا وقف. وأيضا فمن ظن أن مثل هذا الإجماع يحتج به في خلاف النص إن لم يترجح عنده ثبوت الإجماع أو يكون معه نص آخر ينسخ الأول وما يظنه من الإجماع معه. )

6
ـ مستندية الإجماع :
قضية مستندية الإجماع ، تنقيح المناط فيها يكون ببيان أن محالَّ النزاع فيها ثلاثة ، ومن خلالها يتضح رأي الشيخ :

1
ـ هل يشترط لكل إجماع مستند ؟
والصواب أنه يشترط لكل إجماع مستند ، ومن زعم أن الإجماع حجة في نفسه وأنه هو المستند فقد غلط .

2
ـ هل يشترط العلم بالمستند ؟
فهاهنا مسلكان لأهل العلم :
أ ـ منهم من يقول لا يشترط العلم بالمستند ، إذ وجود الإجماع واستقراره القطعي دال على وجود المستند ـ كما ذكرنا في النقطة الأولى ـ .

ب ـ والتحقيق والصواب أنه يجب العلم بالمستند في عموم الأمة ، فلابد أن يعلم لكل إجماع مستند ، ولو كان ذلك العلم حاصلا من بعض المجتهدين لا كلهم ولا أكثرهم .

والأخير مذهب شيخ الإسلام وجماعة من المحققين .
ونصوص الشافعي تدل عليه في الرسالة بكثافة في باب الإجماع .

قال الشيخ : " فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع. فيستدل به كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص كالأمثال المضروبة في القرآن وكذلك الإجماع دليل آخر كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها؛ فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص "

وقال رضي الله عنه : "وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم ما اعتقدوا من إجماع أو قياس.ومن قال من المتأخرين: إن الإجماع مستند معظم الشريعة فقد أخبر عن حاله؛ فإنه لنقص معرفته بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك وهذا كقولهم: إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس لعدم دلالة النصوص عليها؛ فإنما هذا قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتهما على الأحكام وقد قال الإمام أحمد - رضي الله عنه - إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام حدثت جميع أجناس الأعمال فتكلموا فيها بالكتاب والسنة وإنما تكلم بعضهم بالرأي في مسائل قليلة والإجماع لم يكن يحتج به عامتهم ولا يحتاجون إليه؛ إذ هم أهل الإجماع فلا إجماع قبلهم "

وقال :
(
ومن ادعى إجماعا يخالف نص الرسول من غير نص يكون موافقا لما يدعيه؛ واعتقد جواز مخالفة أهل الإجماع للرسول برأيهم؛ وأن الإجماع ينسخ النص كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأي فهذا من جنس هؤلاء. وأما إن كان يعتقد أن الإجماع يدل على نص لم يبلغنا يكون ناسخا للأول. فهذا وإن كان لم يقل قولا سديدا فهو مجتهد في ذلك يبين له فساد ما قاله كمن عارض حديثا صحيحا بحديث ضعيف اعتقد صحته فإن قوله وإن لم يكن حقا لكن يبين له ضعفه وذلك بأن يبين له عدم الإجماع المخالف للنص أو يبين له أنه لم تجتمع الأمة على مخالفة نص إلا ومعها نص معلوم يعلمون أنه الناسخ للأول فدعوى تعارض النص والإجماع باطلة ويبين له أن مثل هذا لا يجوز؛ فإن النصوص معلومة محفوظة والأمة مأمورة بتتبعها واتباعها وأما ثبوت الإجماع على خلافها بغير نص فهذا لا يمكن العلم بأن كل واحد من علماء المسلمين خالف ذلك النص )

وقال في المنهاج :
(
يمتنع تعارض النص المعلوم والإجماع المعلوم فإن كليهما حجة قطعية والقطعيات لا يجوز تعارضها لوجوب وجود مدلولاتها فلو تعارضت لزم الجمع بن النقيضين وكل من أدعى إجماعا يخالف نصا فأحد الأمرين لازم إما بطلان إجماعه وإما بطلان نصه وكل نص اجتمعت الأمة على خلافه فقد علم النص الناسخ له
وأما أن يبقى في الأمة نص معلوم والإجماع مخالف له فهذا غير واقع )

وقال :
(
فنقول أولا ما من حكم اجتمعت الأمة عليه إلا وقد دل عليه النص فالإجماع دليل على نص موجود معلوم عند الأئمة ليس مما درس علمه والناس قد اختلفوا في جواز الإجماع عن اجتهاد ونحن نجوز أن يكون بعض المجمعين قال عن اجتهاد لكن لا يكون النص خافيا على جميع المجتهدين وما من حكم يعلم أن فيه إجماعا إلا وفي الأمة من يعلم أن فيه نصا وحينئذ فالإجماع دليل على النص )

وقال في الدرء :
(
فإنه إذا كان عمدتهم الإجماع، فلا إجماع في موارد النزاع، ولا يجوز الاحتجاج بإجماع في معارضة النصوص الخبرية بلا ريب، فإن هذا يستلزم انعقاد الإجماع على مخالفة النصوص، وذلك ممتنع في الخبريات وإنما يدعيه من يدعيه في الشرعيات، ويقولون: نحن نستدل بالإجماع على أن النص منسوخ. ) ، قلت ـ عمرو ـ : وتقدم رأي الشيخ فيه .

3
ـ أنه هل يشترط أن يكون مستند الإجماع نصا أم يجوز غيره ؟
وهل المراد بالنص النص الأصولي أم مطلق المنطوق القرآني أو الحديثي ؟
وهل غير النص على الثاني يدخل فيه القياس ، أم القياس غيره ؟
ظاهر مذهب شيخ الإسلام في كل ذلك أن المراد مطلق المنطوق ويدخل فيه المفهوم .
ــــــــ

ولكن التوسع في هذا غير مفيد هاهنا في تلك الورقة الخاصة بهذه الندوة المفيدة .
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

الأخ الشيخ عمرو بسيوني وفقه الله.. شكر الله لك هذه الإطلالة الطيبة، وهنا سؤال.. إذا كان إجماع الصحابة هو المنضبط عند شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.. فهنا استنتاجان فيما يتعلق بطريقته في الترجيح:

الأول: هذا الإجماع من الصحابة إن كان من الإقراري أو الاستقرائي.. فهو ظني أيضاً في أكثره.
الثاني:
إذا وُجِد نص تخالف دلالته عنده ما يعتقد من إجماع الصحابة فإنه ينظر أيَّ الظنيَّيْن أرجح: دلالة النص الظنية، أم الإجماع الظني.

فهل هذا صواب؟
 

عمرو علي بسيوني

:: متابع ::
إنضم
28 فبراير 2010
المشاركات
42
التخصص
لغة عربية
المدينة
...
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

حياك الله أخي الشيخ أبا بكر .

1 ـ كما ذكرنا أن الشيخ لا يقول بوجود إجماع تصريحي تقريري .

فكون الإجماع إقراريا أو استقرائيا لا يستلزم = الظنية ضرورة .

بل كل إجماع إقراري أو استقرائي يمكن أن يكون قطعيا ويمكن أن يكون ظنيا .
وذلك بحسب الإحاطة التي للمجتهد ، ( وتعبير الإحاطة هو تعبير شافعي قديم له في باب الإجماع ) ومدي القوة العلمية التي تنقدح عنده وفق الاستقراء والبحث عن عدم المخالف ، وهل ذلك العدم قطعي أم ظني .

فبم يتيمز إجماع الصحابة إذن كي يكون هو المنضبط عند الشيخ ؟
يتميز بأنه أكثر الإجماعات قابلية للقطع من المجتهد بعدم وجود المخالف ، لانضباط المجتهدين من الصحابة في الجملة ، فالعلم به متيسر عن العلم بما بعده من إجماعات بعد انتشار علماء الإسلام في كل حدب وصوب ، وجهالة كثير من أحوالهم وأعيانهم .

وفق ذلك = فكثير من إجماعات الصحابة ( تقريرية واستقرائية ) تفيد القطع عند الشيخ لانضباطها ، ويشيع استخدامه لها واحتجاجه بها في الخبريات والعمليات باعتبارها ( حجة قطعية ملزمة لا يسوغ خلافها ) ، كما تقدم في كثير من نقوله فيما يتعلق بالسواغ ، وتعلقه بالنص والإجماع القديم ، والقديم يعني إجماع الصحابة .

2 ـ من حيث الجملة نعم .
لو وجد نص في مسألة ، يعارض الإجماع الإقراري أو الاستقرائي من الصحابة ، فلا يخلو الحال عند المجتهد من تغليب أحدهما على الآخر .
وبحسب عبارة الشيخ :
(فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد ) .

** لكن : هذا في إجماعات الصحابة نادر ، بل لو قيل بانتفائه لسلم لصحابه ، فلا يعرف نص صحيح ثابت قاطع عن الرسول = ذهب كل الصحابة لخلافه ، بحيث يشتبه على المجتهد هل فيهم مخالف عمل بهذا النص أم لا .

ولذا فسياق تقسيم الشيخ الإجماع إلى ظني وقطعي ، تعارض الظني مع الخبر ، كان سياقا للإجماعات المحكية بعد الإجماع القديم .

والحمد لله على إحسانه .
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

1 ـ كما ذكرنا أن الشيخ لا يقول بوجود إجماع تصريحي تقريري .فكون الإجماع إقراريا أو استقرائيا لا يستلزم = الظنية ضرورة .بل كل إجماع إقراري أو استقرائي يمكن أن يكون قطعيا ويمكن أن يكون ظنيا .وذلك بحسب الإحاطة التي للمجتهد ، ( وتعبير الإحاطة هو تعبير شافعي قديم له في باب الإجماع ) ومدي القوة العلمية التي تنقدح عنده وفق الاستقراء والبحث عن عدم المخالف ، وهل ذلك العدم قطعي أم ظني .فبم يتيمز إجماع الصحابة إذن كي يكون هو المنضبط عند الشيخ ؟يتميز بأنه أكثر الإجماعات قابلية للقطع من المجتهد بعدم وجود المخالف ، لانضباط المجتهدين من الصحابة في الجملة ، فالعلم به متيسر عن العلم بما بعده من إجماعات بعد انتشار علماء الإسلام في كل حدب وصوب ، وجهالة كثير من أحوالهم وأعيانهم .وفق ذلك = فكثير من إجماعات الصحابة ( تقريرية واستقرائية ) تفيد القطع عند الشيخ لانضباطها ، ويشيع استخدامه لها واحتجاجه بها في الخبريات والعمليات باعتبارها ( حجة قطعية ملزمة لا يسوغ خلافها ) ، كما تقدم في كثير من نقوله فيما يتعلق بالسواغ ، وتعلقه بالنص والإجماع القديم ، والقديم يعني إجماع الصحابة .2 ـ من حيث الجملة نعم .لو وجد نص في مسألة ، يعارض الإجماع الإقراري أو الاستقرائي من الصحابة ، فلا يخلو الحال عند المجتهد من تغليب أحدهما على الآخر .وبحسب عبارة الشيخ : (فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد ) .** لكن : هذا في إجماعات الصحابة نادر ، بل لو قيل بانتفائه لسلم لصحابه ، فلا يعرف نص صحيح ثابت قاطع عن الرسول = ذهب كل الصحابة لخلافه ، بحيث يشتبه على المجتهد هل فيهم مخالف عمل بهذا النص أم لا .ولذا فسياق تقسيم الشيخ الإجماع إلى ظني وقطعي ، تعارض الظني مع الخبر ، كان سياقا للإجماعات المحكية بعد الإجماع القديم .والحمد لله على إحسانه .
وحياك، وشكر لك، وجزاك خيراً..هنا أتساءل ..
أليس الشيخ تقي الدين يقرر أن:
1- الإجماع الظني هو الإجماع الإقراري أو الاستقرائي، وهو الذي لا يجزم فيه بانتفاء المخالف؟

يقول في "مجموع الفتاوى" ج19 ص267:
(والإجماع نوعان: قطعي. فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص. وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي: بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافاً أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي. وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد).

2- مخالف الإجماع القطعي المعلوم إذا علم النص به يكفر كما يكفر مخالف النص؟
فهل الإجماع القطعي المعلوم يتصور كفر صاحبه؟ إلا إن كان المقصود "المعلوم بالضرورة" وهو ما يبدو لي، لكن أردتُ الإفادة منكم.

ثم كيف يمكن القول بأن كلَّ إجماعاتِ الصحابةِ هي قطعيةٌ عنده إذا كان ظاهر مناظرته مخالفيه فيها يُبِين عن وجود ما يحصل به الظن في ألفاظ السلف .. ولْأَضرب على ذلك مثلاً:

الشيخ تقي الدين يقرر في "مجموع الفتاوى" ج21 ص 580 أن السلف مجمعون على عدم نجاسة أبوال مأكول اللحم، وأن القول بنجاستها محدَث مردود ولكنه مع ذلك:
1- يذكر - في ص 559، 579-580 - أقوالاً عن بعضهم ظاهرها يخالف الإجماع ويقرر أنها ليست صريحة في محل النزاع؛ كقول ابن عمر رضي الله عنهما لما سئل عن بول الناقة: اغسل ما أصابك منه. ونقل عن غيره من السلف نصوصاً يحتج بها مخالفه.
ثم أليس كونها ليست صريحة عنده -رحمه الله- يقتضي أنها تورث الظن عنده؟

2- يختم كلامه في المسألة بقوله: (ومتى قام المقتضي للتحريم أو الوجوب ولم يذكروا وجوبا ولا تحريما كان إجماعا منهم على عدم اعتقاد الوجوب والتحريم وهو المطلوب. وهذه الطريقة معتمدة في كثير من الأحكام وهي أصل عظيم ينبغي للفقيه أن يتأملها ولا يغفل عن غورها؛ لكن لا يسلم إلا بعدم ظهور الخلاف في الصدر الأول فإن كان فيه خلاف محقق بطلت هذه الطريقة، والحق أحق أن يتبع). فما الخلاف المحقق؟ وهل هذا يعني أنه يوقف الحكم بالإجماع في هذه المسألة على عدم ظهور خلاف قاطع؟ فإذا كان ثَمَّ خلافٌ ظني -كما قد يكون هنا- فما الشأن؟!
 
التعديل الأخير:

عمرو علي بسيوني

:: متابع ::
إنضم
28 فبراير 2010
المشاركات
42
التخصص
لغة عربية
المدينة
...
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الندوة (23): ابن تيمية والإجماع!

1 ـ كما قلنا مجرد الإقرار والاستقراء لا يلزم منه الظنية

(والإجماع نوعان: قطعي. فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص. وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي: بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافاً أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي. وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد).

مثال :
الإجماع على مشروعية التسبيح في الركوع ، ومشروعية سجود السهو ؟
هل رتبةالإجماع
ضرورية : لا
هل يمكن نقل ذلك عن كل أحد من الصحابة
تصريحا : لا
مع ذلك هل هو إجماع
قطعي : نعم !
* فرغم كون الإجماع إقراريا أو استقرائيا إلا أن المجتهد قطع بعد العلم بالمخالف .
هذا هو بيان انفكاك الجهة بين إمكان الحكم بالقطعية مع مجرد عدم العلم
بالمخالف في الإجماع الاستقرائي والإقراري ، والفرق بينها وبين المعلوم الضروري .

2 ـ الذي نعقله من طريقة الشيخ في الإعذار والإكفار = مخالف الإجماع القطعي الذي هو معلوم من الدين بالضرورة أو غير معلوم ضرورة عند الشيخ = لا يكفر من حيث العموم .
بل ينتقد تلك الطريقة على المتكلمين ، وجعلها ضابطا للتكفير .

ويرى الشيخ أن نفس الوصف بالمعلومية الضرورية هو وصف إضافي ، لا يكون ثابتا دائما .

( فَكَوْنُ الشَّيْءِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً أَمْرٌ إضَافِيٌّ فَحَدِيثُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ قَدْ لَا يَعْلَمُ هَذَا بِالْكُلِّيَّةِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ يَعْلَمُهُ بِالضَّرُورَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ الْخَاصَّةُ بِالضَّرُورَةِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهُ أَلْبَتَّةَ )

وقال :
(فمن قال إن المخطىء في مسألةقطعية أو ظنية = يأثم فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع القديم ، قالوا وأيضا فكون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي بحسب حال المعتقدين ليس هو وصفا للقول في نفسهفإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة أو بالنقل المعلوم صدقه عنده وغيره لا يعرف ذلك لا قطعا ولا ظنا وقد يكون الإنسان ذكيا قوي الذهن سريع الإدراك علما وظنا فيعرف من الحق ويقطع به ما لا يتصوره غيره ولا يعرفه لا علما ولا ظنا فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة وبحسب قدرته على الإستدلال،والناس يختلفون في هذا وهذا فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة ملازمة للقول المتنازع فيه حتى يقال كل من خالفه قد خالف القطعي بل هو صفة لحال الناظر المستدل المعتقد وهذا مما يختلف فيه الناس فعلم أن هذا الفرق لا يطرد ولا ينعكس )


وكلام الشيخ في قضية قدامة بن مظعون ، وكلامه مع البكري في الشرك الأكبر وإعذاره ، ونحو ذلك = باب واسع من علم الشيخ .

فالشاهد أن الإجماع ـ من حيث العموم ـ ليس ضابطا عند الشيخ في التكفير من عدمه ، كما هو السائد عند الأصوليين وبعض المتكلمين ، بل يتصور معه الإعذار عند الشيخ رحمه الله بالجهل أو التأويل .

أما المثال الممتاز الذي ضربته فهو دال على نفس تأصيل الشيخ ، فالإجماع الإقراري والاستقرائي عنده ( حجة ) كما نص ، لكن الظنية والقطعية بحسب الإحاطة والقطع بعدم المخالف أو الظن ، وفي المثال المضروب الظاهر أن الشيخ يراه إجماعا صحيحا حجيا ، لكنه لا يقطع بعدم المخالف ، لاشتباه بعض النصوص عند الخلف في كونها تحتمل المخالفة .

على ذلك يمكن أن تقيس في بعض الإجماعات فتحكم أنها حجة صحيحة ، ولا تقطع بعدم المخالف قطعا أكيدا .

لكن : هذا لا ينفي أنه يقع في كلامه كثيرا تقرير إجماعات للصحابة إقرارية واستقرائية ، ويقطع بعدم المخالف ، ويجزم بكونه قطعا ، كما في إبطال التحليل ، والحيل ، ومسائل كثيرة في الاعتقاد ، أشرت إلى بعضها ، ومظان أغلبها معروفة .

فقولكم :
فما الخلاف المحقق؟ وهل هذا يعني أنه يوقف الحكم بالإجماع في هذه المسألة على عدم ظهور خلاف قاطع؟ فإذا كان ثَمَّ خلافٌ ظني -كما قد يكون هنا- فما الشأن؟!

مراد الشيخ هنا أن الخلاف في المسألة المذكورة عنده ليس محققا ، لكون النص ليس صريحا في التنجيس ، فالصورة عنده إجماع من الصحابة ليس فيه خلاف محقق ـ ذلك الاشتباه ( ولو ضعيفا ) ينزل برتبية ذلك الإجماع عن غيره من الإجماعات التي لا يشتبه المجتهد في وجود خلاف فيها أصلا .
أما ما الشأن :
1 ـ من تحقق عنده الخلاف وفق النص المذكور عن ابن عمر = أثبت الخلاف .
2 ـ من لم يتحقق عنده الخلاف وفق النص المذكور :
أ ـ إما أن يكون عدم التحقق قطعا = أثبته إجماعا قطعيا
ب ـ أو أن يكون عدم التحقق ظنيا = أثبته إجماعا ظنيا حجيا

ما الثمرة ؟
ضبط السواغ في الخلاف في المسألة .

ما الضابط في وصف القضية بالسواغ حينها ؟
الاجتهاد في الحكم بالمخالف وجودا وعدما

هل هذا يؤدي أن يكون وصف قضية خلافية ما بالسواغ من عدمه = اجتهاديا ؟
نعم ، ولا إشكال فيه .

والله أعلم



 
أعلى