العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الحادي والثمانون- القياس

تكملة الكلام على حكم الأصل


أولا: لا يشترط مع اتفاق الخصمين اختلاف الأمة. بيانه:
قد تقدم أنه يشترط أن يكون حكم الأصل متفقا عليه بين الخصمين المتناظرين وأنه لا يشترط اتفاق الأمة على الصحيح، ولكن لا يعني هذا أنه من شرط حكم الأصل أن يكون الحكم مختلفا فيه بين كل الأمة بل يجوز أن يكون حكم الأصل مجمعا عليه، كما يجوز أن يكون متفقا عليه بين الخصمين دون كل الأمة.
وقيل: يشترط مع اتفاق الخصمين في حكم الأصل اختلاف الأمة؛ لأنه إذا كان مجمعا عليه فلن يتمكن المانع من منع حكم الأصل أي أنه لن تكون هنالك مناظرة ومباحثة من أصله. وأجيب: بأن الخصمين مع اتفاقهما على حكم الأصل يجوز أن يختلفا في علة حكم الأصل فكل يعين علة غير العلة التي عينها الآخر فتجري بينهما المباحثة.
ثانيا: إذا كان الحكم متفقا عليه بين الخصمين فإما أن يختلفا في تعيين العلة أو في وجودها. فهما حالتان:
1- أن يختلفا في تعيين العلة وصورة المسألة أن يتفق الخصمان على حكم الأصل ولكن أحدهما يعلل ذلك الحكم بعلة، والآخر يعلله بعلة أخرى فهذا يسمى مركب الأصل.
مثاله: اتفاق الشافعية والحنفية على أن حلي الصغيرة لا زكاة فيه، لكن العلة عند الشافعية كونه حليا مباحا، فقاسوا عليه حلي الكبيرة، والعلة عند الحنفية كونه حلي صغيرة لم تبلغ فلا يقاس عليه حلي الكبيرة.
2- أن يختلفا في وجود العلة في الأصل وصورة المسألة أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، ولكن العلة التي يثبتها المستدل يقول الخصم إنها غير موجودة في الأصل فهذا يسمى مركب الوصف.
مثاله: اتفاق الشافعية والحنفية على أن من قال: فلانة التي أتزوجها طالق. أن الطلاق لايقع إذا تزوجها.
والعلة في ذلك عند الشافعية تعليق الطلاق قبل ملكه. فقاسوا عليه ما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق. فلا يقع الطلاق.
أما الحنفية فمنعوا وجود العلة في الصورة الأولى وقالوا: هي تنجيز لا تعليق فلا يصح القياس المذكور، بمعنى أننا لو قلنا إن العلة هي تعليق الطلاق قبل ملكه كما قلتم فإننا لا نسلم بصحة القياس لعدم وجود العلة التي ذكرتموها في الأصل فإنه عندما يقول القائل فلانة التي أتزوجها طالق لا يوجد تعليق وشرط في كلامه فالعلة التي ذكرتموها لم تتوفر في الأصل.
فهذان القياسان قياس مركب الأصل وقياس مركب الوصف لا ينهضان حجة على الخصم.
أما في مركب الأصل فلتعيين كل منهما علة غير علة الآخر فبالتالي يمنع الخصم وجود العلة في الفرع فالحنفي يمنع وجود علة الصغر في حلي الكبيرة.
وأما في مركب الوصف فلأن الخصم يمنع وجود العلة في الأصل أي أن الحنفي يمنع وجود التعليق في الأصل الذي هو فلانة التي أتزوجها طالق.

( شرح النص )​

والأصحُّ أَنَّهُ لا يُشترَطُ اختلافُ الأمَّةِ، فإنِ اتفقا عليهِ معَ منعِ الخصمِ أَنَّ عِلَّتَهُ كذا فمركَّبُ الأَصلِ، أو وجودَها في الأصلِ فمركّبُ الوصفِ ولا يقبلانِ في الأصحِّ.
............................................................................
( والأصحُّ أَنَّهُ لا يُشترَطُ ) مع اشتراط اتفاق الخصمين فقط ( اختلافُ الأمَّةِ ) غيرهما في حكم الأصل، بل يجوز اتفاقهم على حكم الأصل كاتفاق الخصمين عليه، وقيل: يشترط اختلافهم فيه ليتأتى للخصم منعه، إذْ لا يتأتى له منع الحكم المتفق عليه بين الأمة، ويجاب: بأن المراد أن يتأتى للخصم منع حكم الأصل من حيث العلة، وإن لم يتأت له منعه من حيث هو لكونه مجمعا عليه ( فإنِ اتفقا عليهِ ) أي على حكم الأصل ( معَ منعِ الخصمِ أَنَّ عِلَّتَهُ كذا ) كما في قياس حلي البالغة على حلي الصبية في عدم وجوب الزكاة، فإن عدم وجوب الزكاة في حلي الصبية متفق عليه بيننا وبين الحنفي، والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا، وعنده كونه مال صبية ( فَـ ) القياس المشتمل على الحكم المذكور ( مركَّبُ الأَصلِ ) سمي به لتركيب الحكم فيه أي بنائه على علتي الأصل بالنظر للخصمين أي لابتناء الحكم على علتين يقول بإحداهما واحد وبالثانية آخر ( أو ) اتفقا على حكم الأصل مع منع الخصم ( وجودَها ) أي وجود العلة ( في الأصلِ ) كما في قياس: إنْ نكحت فلانة- كهند- فهي طالقٌ على فلانة التي أنكحها طالق، في عدم وقوع الطلاق بعد النكاح، فإن عدم وقوع الطلاق في الأصل -الذي هو فلانة التي أتزوجها طالق- متفق عليه بيننا وبين الحنفي، والعلة تعليق الطلاق قبل تملكه، والحنفي يمنع وجودها في الأصل ويقول هو تنجيز أى فلا يصح القياس المذكور لعدم العلة فى الفرع لأنه تعليق والأصل تنجيز ( فـ ) القياس المشتمل على الحكم المذكور ( مركّبُ الوصفِ ) سمي به لتركيب الحكم فيه أي بنائه على الوصف- وهو وجود العلة في الأصل- الذي منع الخصم وجوده في الأصل، كالمثال السابق فإن الحكم بوقوع الطلاق في الفرع الذي هو إن تزوجت فلانة فهي طالق مبني على وجود العلة التي هي تعليق الطلاق في الأصل الذي هو فلانة التي أتزوجها طالق، وظهر- من تفسر التركيب بالبناء- أن لفظ مركب في مركب الأصل ومركب الوصف هو بمعنى البناء أي ترتب شيء على آخر لا بمعنى التركيب الذي هو ضد الإفراد.تأمل ( ولا يقبلانِ ) أي القياسان المذكوران بمعنى لا ينهضان حجة على الخصم في باب المناظرة وإن كان لكل مجتهد أن يأخذ بما نهض حجة عنده سواء وافقه الخصم أو خالفه ( في الأصحِّ ) لمنع الخصم وجود العلة في الفرع في مركب الأصل، ولمنعه وجود العلة في الأصل في مركب الوصف، وقيل: يقبلان نظرا لاتفاق الخصمين على حكم الأصل في القياسين.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا حفظك الله
الذي يظهر من كلامهم ان خلافهم في ما هو الأصل لا يؤثر على عد الأركان أربعة وإنما نشأ الاختلاف بعد الاتفاق على أنها أربعة - المقيس عليه والمقيس وحكم الأصل والجامع - وبعد الاتفاق على أن المقيس عليه هو محل الحكم المشبه به والمقيس محله المشبه ثم وقع الاختلاف أيها يطلق عليه الأصل والفرع على قولين وزاد الثالث إطلاقه على الدليل نفسه والمشهور هو ما سار عليه الفقهاء والأصوليون وهو ما ذكره الشيخ
فيقاس النبيذ مثلا بالخمر في الحرمة للإسكار على كل تلك الأقوال فيؤول الخلاف إلى اللفظ والعبارة والله أعلم .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا حفظك الله
الذي يظهر من كلامهم ان خلافهم في ما هو الأصل لا يؤثر على عد الأركان أربعة وإنما نشأ الاختلاف بعد الاتفاق على أنها أربعة - المقيس عليه والمقيس وحكم الأصل والجامع - وبعد الاتفاق على أن المقيس عليه هو محل الحكم المشبه به والمقيس محله المشبه ثم وقع الاختلاف أيها يطلق عليه الأصل والفرع على قولين وزاد الثالث إطلاقه على الدليل نفسه والمشهور هو ما سار عليه الفقهاء والأصوليون وهو ما ذكره الشيخ
فيقاس النبيذ مثلا بالخمر في الحرمة للإسكار على كل تلك الأقوال فيؤول الخلاف إلى اللفظ والعبارة والله أعلم .
بارك الله فيك ليتك تفدنا أكثر ولكن دعني أظهر المسألة أكثر:
أولا: الأصل هو المشبّه به والأركان كالتالي:
الأصل= الخمر، الفرع= النبيذ، العلة= الإسكار، حكم الأصل= الحرمة.
ثانيا: الأصل هو حكم المحل والأركان:
الأصل= حرمة الخمر، الفرع= حرمة النبيذ، العلة= الإسكار، الركن الرابع= ؟
ثالثا:الأصل هو دليل حكم الأصل والأركان كالتالي:
الأصل= آية تحريم الخمر، الفرع= حرمة النبيذ، العلة= الإسكار، حكم الأصل= الحرمة.
وقيل: إن الإصل= آية تحريم الخمر، الفرع= حرمة الخمر المتفرعة عن الآية، العلة= الإسكار، الركن الرابع= ؟
فصّل لنا اكثر بارك الله فيك.
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

مركب الأصل الخصم لا يقول بالعلة ، ومركب الوصف الخصم يقول بالعلة إلا أنه لا يقول بوجودها في الأصل . .

هذا مافهمته ، أرجو التصويب .
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

مركب الأصل الخصم لا يقول بالعلة ، ومركب الوصف الخصم يقول بالعلة إلا أنه لا يقول بوجودها في الأصل . .

هذا مافهمته ، أرجو التصويب .
مركب الأصل الخصم لا يقول بالعلة التي ذكرها خصمه بل يعين علة أخرى، شخص يقول علة الربا هي الطعم وشخص يقول هي الكيل أو الوزن.
مركب الوصف لا يقول بوجود العلة التي ذكرها خصمه في الأصل سواء اعترف هو بأن العلة هي ما ذكره خصمه أو لا. كما أفاده العلامة الشنقيطي رحمه الله.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثاني والثمانون- القياس

المناظرة على علة حكم الأصل


أولا: إذا سلّم الخصم أن علة الحكم هي ما ذكره المستدل فأثبت المستدل وجود العلة في الفرع، أو سلّم الخصم وجود العلة في الفرع فأثبت المستدل أنها هي علة الحكم انتهض الدليل على الخصم.
مثال: لو سلم الخصم أن علة الربا في البر هي الطعم ولكنه لم يسلم وجودها في الأرز فمتى أثبت المستدل وجودها في الأرز انتهض القياس حجة على الخصم.
مثال: لو سلم الخصم أن المطعومية موجودة في الأرز ولكنه لم يسلم أنها هي علة الربا في البر فمتى أثبت المستدل أنها هي علة الحكم انتهض القياس حجة على الخصم.
ثانيا: إذا لم يتفق الخصمان على الأصل من حيث الحكم والعلة وأراد المستدل إثبات حكم الأصل أولا بدليل، ثم إثبات العلة بدليل آخر فالأصح قبول ذلك منه.
وهذه المسألة تقدمت الإشارة إليها فقد ذكرنا أنه يشترط اتفاق الخصمين على حكم الأصل قبل المناظرة وإلا احتيج عند منعه إلى إثباته فينتقل إلى مسألة أخرى غير المسألة التي عقد القياس لها، وينتشر الكلام ويطول، ولكن يستثنى فيما لو أراد المستدل إثبات حكم الأصل وإثبات العلة معا فذلك جائز لأن إثبات المستدل الشيء بمنزلة اعتراف الخصم به.
وقيل: لا يقبل، بل لا بد من اتفاقهما على الأصل أولا، صونا للكلام عن الانتشار.
ثالثا: لا يشترط اتفاق الأمة على أن حكم الأصل معلل، ولا أن تكون العلة منصوصا عليها إذْ لا دليل على اشتراط ذلك. وعليه يكفي إثبات التعليل بدليل وإثبات وجود العلة بدليل.
وهذه المسألة قد تقدمت عند قولنا أنه لا يشترط الإجماع على وجود العلة في الأصل.

( شرح النص )​

وَلوْ سَلَّمَ العِلَّةَ فأثبتَ المستَدِلُّ وجودَها أَو سَلَّمَهُ الخصمُ انتهضُ الدليلُ، وإنْ لمْ يتفقا عليهِ وعلى عِلَّتِهِ ورامَ المستدِلُّ إثباتَهُ ثُمَّ العلةِ فالأصحُّ قَبولُهُ، والأصحُّ لا يُشترَطُ الاتفاقُ على أنَّ حكمَ الأصلِ مُعَلَّلٌ أَو النصُّ على العلةِ.
.........................................................................
( وَلوْ سَلَّمَ ) الخصم ( العِلَّةَ ) للمستدل أي سلم أنها ما ذكره لكنه لم يسلم وجودها في الفرع ( فأثبتَ المستَدِلُّ وجودَها ) فيه ( أَو سَلَّمَهُ الخصمُ ) أي سلم وجودها في الفرع لكنه لم يسلم أن العلة ما ذكره فأثبت المستدل أنها هي العلة ( انتهضُ الدليلُ ) عليه لاعترافه بوجود العلة في الثاني أي فيما إذا سلم وجودها، وقيام الدليل عليه في الأول أي فيما إذا سلم الخصم أن العلة هي ما ذكره المستدل ( وإنْ لمْ يتفقا ) أي الخصمان ( عليهِ ) أي على الحكم ( و ) لا ( على عِلَّتِهِ ورامَ المستدِلُّ إثباتَهُ ) بدليل ( ثُمَّ ) إثبات ( العلةِ ) بطريق أي بمسلك من مسالك العلة ( فالأصحُّ قَبولُهُ ) في ذلك لأن إثباته بالدليل كاعتراف الخصم به، وقيل: لا يقبل بل لا بد من اتفاقهما على حكم الأصل وعلته صونا للكلام عن الانتشار ( والأصحُّ ) أنه ( لا يُشترَطُ ) في القياس ( الاتفاقُ ) أي الإجماع ( على أنَّ حكمَ الأصلِ مُعَلَّلٌ أَو النصُّ على العلةِ ) المستلزم لتعليله- لأنه متى نص على علة فيعني أن الأصل معلل لا تعبدي- إذْ لا دليل على اشتراط ذلك بل يكفي إثبات التعليل بدليل، وقيل: يشترط ذلك، وقد مر أنه لا يشترط الاتفاق على أن علة حكم الأصل كذا على الأصح، قال الشارح: وإنما فرقت كالأصل بين المسألتين لمناسبة المحلين يعني أن المسألة الأولى وهى عدم اشتراط الإتفاق على وجود العلة محلها الأصل لأنه محل وجود العلة فناسب ذكرها فى مباحث الأصل، والثانية وهى عدم اشتراط الإتفاق على أن حكم الأصل معلل محلها حكم الأصل لكونها من مباحثه فناسب ذكرها فيه.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

وبارك فيكم شيخنا
مقصودي أنه لا تختلف أركان القياس بسبب اختلاف العلماء في إطلاق الأصل والفرع على أي شيء يكون
ففرق بين القياس والتشبيه وبين الابتناء والتفريع
فالمقيس عليه واحد لا يختلف وهو الخمر في مثالنا
والمقيس كذلك لا يختلف وهو النبيذ مثلا
والحكم التحريم
والعلة الإسكار
ثم اختلفوا فمن قائل أن مسمى الأصل هو المحل المشبه به (الخمر) ومسمى الفرع هو المحل المشبه (النبيذ) لابتنائه على الخمر
ويرى آخرون ان الابتناء المذكور لم يحصل إلا عن طريق الحكم وبواسطته فالتفريع في الحقيقة يحصل اولا للحكم ثم يسري إلى المحل فإطلاق الأصل والفرع على الحكم أقرب وهما به ألصق
والفريق الثالث يرى أن الأصل الأصيل للجميع هو الدليل ومنه يتفرع غيره
وهذا الخلاف كما هو واضح خلاف التسمية وفيما هو الأولى بالإطلاق ولا ينبني عليه التغيير الجوهري في القياس
فالقائل مثلا بان الأصل هو الحكم لا يقول بأنه هو المقيس عليه وبأن حكم الفرع هو المقيس فالقياس عنده قياس النبيذ على الخمر لا قياس حرمة النبيذ على حرمة الخمر ...
هذا تصوري للمسألة وأرجو منكم التصويب إن أخطأت في فهمها
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فتح الله عليك يا أبا عبد الرحمن، سأقرر الخلاصة وأنت صوبني عليها:
أولا: أركان القياس أربعة: المقيس، والمقيس عليه، والعلة، وحكم الأصل.
ثانيا: الأصل: ما بني عليه غيره، والفرع: ما بني على غيره.
ثالثا: اتفق العلماء على أن في القياس أصلا وفرعا.
رابعا: اختلف العلماء على أيها يطلق ويعبّر عنه بالأصل والفرع على أقوال:
1- الأصل هو المقيس عليه، والفرع هو المقيس.
2- الأصل هو حكم الأصل، والفرع هو حكم الفرع.
3- الأصل هو دليل حكم الأصل، والفرع هو: إما حكم الأصل أو حكم الفرع.
خامسا: نجد على الأقوال الثلاثة ما يلي:
1- على القول الأول الأصل والفرع هما الركن الأول والثاني من أركان القياس لأنهما المقيس والمقيس عليه.
2- على القول الثاني الأصل هو الركن الرابع وهو حكم الأصل، بينما الفرع ليس ركنا من أركان القياس.
3- على القول الثالث الأصل ليس ركنا من أركان القياس والفرع إما ركن فيه إن كان هو حكم الأصل، أو ليس ركنا فيهه إن كان هو حكم الفرع.
سادسا: الخلاف في ذلك لفظي مبني على أيها أحق باسم الأصل والفرع أي بابتناء غيره
عليه وبابتنائه على غيره.
والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

جزاكم الله خيرا شيخنا هو ما أردت والقرار عليكم
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

يا أبا عبد الرحمن استكمالا للبحث السابق ما توجيهك لما يلي:
قال العلامة المحلي: ( وسيأتي أن الفرع المحل المشبّه، وقيل: حكمه، ولا يتأتّى فيه قول بأنه دليل الحكم، كيف ودليله القياس )اهـ
قال العلامة البناني في حاشيته: ( قوله: كيف ودليله القياس أي والقياس لايصح عده فرعا إذْ الفرع من أركان القياس ويستحيل كون الشيء ركنا من أركان نفسه قاله العلامة.. ).
وقال العلامة العطار في حاشيته: ( قوله: كيف ودليله القياس أي فيلزم جعل الشيء ركنا في نفسه لأن الفرع قد جعل ركنا من أركان القياس .... ).
أقول: يفهم أن المانع من كون دليل الفرع هو القياس نفسه ولا يمكن أن يكون الشيء ركنا من أركان نفسه أن الكلام في ركنية القياس ولذا تأتى عد حكم الفرع ركنا، وإلا فما المانع من عد دليل القياس فرعا.
تنبيه: لم أر تصحيحاتك على الدرسين السابقين أرجو التفضل بها.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث والثمانون- القياس

الفرع


أولا: الفرع وهو: المحل المشبّه أي المقيس، كالنبيذ في قياسه على الخمر في الحرمة، وقيل: الفرع هو: حكم المحل المشبّه كالحرمة في المثال المذكور.
ولا يتأتّى هنا أن يقال إنه دليل الحكم كما قيل في الأصل؛ لأن لحكم الأصل دليلا من نص أو إجماع، أما الفرع فدليله القياس، فلا يمكن أن يقال إن الفرع هو القياس أي لا يصح أن يقال إن أحد أركان القياس هو القياس نفسه، فذلك بمثابة من يقول في عد أركان الصلاة إن أركانها هي: النية، والقيام، والصلاة!.
ثانيا: تقبل المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم الذي ذكره المستدل، أو بما يقتضي ضده، لا بما يقتضي خلافه.
فهي ثلاث حالات:
1- أن يستدل المستدل على حكم بإثبات علة فيقول المعترض هناك علة أخرى تقتضي نقيض الحكم الذي ذكرته.
مثاله: أن يقول المستدل: مسح الرأس في الوضوء ركن فيسن تثليثه كغسل الوجه أي: يسن تثليث مسح الرأس قياسا على غسل الوجه بجامع الركنية فيهما.
فيقول المعترض: هو مسح في الوضوء كمسح الخفّ فلا يسن تثليثه، أي: لا يسن تثليث مسح الرأس قياسا على مسح الخفّ بجامع المسحيّة فيهما.
فهنا نلاحظ أن المستدل جاء بحكم وهو: يسن تثليث مسح الرأس، فعارض المعترض دليله بدليل آخر يثبت نقيض حكمه وهو: لا يسنّ تثليث مسح الرأس. فهذا النوع من المعارضة مقبول.
2- أن يستدل المستدل على حكم بإثبات علة فيقول المعترض هناك علة أخرى تقتضي ضد الحكم الذي ذكرته.
والنقيضان: لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان: لا يجتمعان ولكنهما يرتفعان.
مثاله: أن يقول المستدل: الوتر واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيجب كالتشهد في الصلاة أي: الوتر واجب قياسا على التشهد في الصلاة بجامع المواظبة النبوية عليهما.
فيقول المعترض: الوتر مؤقّت بوقت صلاة مكتوبة- وهي العشاء- فيستحب كسنة الفجر أي: الوتر مستحب قياسا على سنة الفجر بجامع أن كلا منهما يفعل في وقت من أوقات الصلوات الخمس، ولم يعهد من الشارع وضع صلاتينِ واجبتين في وقت واحد.
وهنا المستدل جاء بحكم وهو وجوب الوتر وعارضه المعترض بما يثبت استحباب الوتر، والواجب والمستحب ضدان، وهذا النوع من المعارضة مقبول أيضا.
3- أن يستدل المستدل على حكم بإثبات علة فيقول المعترض هناك علة أخرى تقتضي خلاف الحكم الذي ذكرته.
وضابط الخلافين أنهما متنافيان في حدّ ذاتيهما لا يستحيل اجتماعهما في ذات ثالثة كالسواد والحلاوة، فهما متنافيان في المعنى ولكن لا مانع من اجتماعهما في محل واحد كقطعة نستلة سوداء، وكالبياض والبرودة فهما متنافيان ولكن يتأتى اجتماعهما في ذات واحدة كالثلج.
مثاله: أن يقول المستدل: اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا يوجب الكفارة كشهادة الزور أي: لا تجب الكفارة في اليمين الغموس قياسا على شهادة الزور بجامع الإثم في كلّ.
فيقول المعترض: اليمين الغموس قول مؤكِّدٌ للباطل يُظنّ به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور أي: يجب التعزيز في اليمين الغموس قياسا على شهادة الزور بجامع أن كلا منهما قول مؤكد للباطل.
فهذه المعارضة غير مقبولة لأنه لا منافاة بين عدم وجوب الكفارة ووجوب التعزير لأنهما يجتمعان.
ثالثا: إذا جاء المستدل بعلة وعارضه المعترض بعلة أخرى فيقبل في دفع المعارضة المذكورة ترجيح علة المستدل على علة المعترض ككون علته قطعية منصوصا عليها وعلة المعترض ظنية إلى غير ذلك من مرجحات القياس التي ستأتي إن شاء الله.
رابعا: إذا جاء المستدل بعلة فلا يشترط أن يذكر معها علة الخصم ويدفعها بل يكفي عرض دليله بدون التعرض لدليل الخصم.
وقيل: يجب لأن تمام الدليل لا يحصل إلا بدفع ما يعارضه.
وأجيب: بأنه عند ذكر الدليل ابتداء لا يوجد ما يدفعه. نعم بعد أن يسمع المستدل اعتراض المعترض فعليه أن يتعرض لما اعترض به الخصم ويدفعه.

( شرح النص )​

الثالثُ: الفرعُ وهو: المحلُّ المشبّهُ في الأصحِّ، والمختارُ قَبولُ المعارضةِ فيه بمقتضى نقيضِ الحكمِ أو ضدِّهِ، ودفعُها بالترجيحِ، وأَنَّهُ لا يجبُ الإيماءُ إليهِ في الدليلِ.
.....................................................................................
( الثالثُ ) من أركان القياس ( الفرعُ وهو: المحلُّ المشبّهُ ) بالأصل ( في الأصحِّ ) وقيل: حكم المحل المشبّه، ولا يأتي قول ثالث كالأصل بأنه دليل حكم الفرع؛ لأن دليله القياس فيلزم جعل الشيء ركنا من نفسه وهو مستحيل ( والمختارُ قَبولُ المعارضةِ ) وهي: مقابلة دليل المستدل بدليل ينتج ما يبطل مدعاه ( فيه ) أي في الفرع ( بمقتضى نقيضِ الحكمِ أو ضدِّهِ ) أي بقياس مقتض للنقيض أو الضد، وقيل: لا يقبل وإلا لانقلب منصب المناظرة، إذ يصير المعترض مستدلا وبالعكس يصير المستدل معترضا، وذلك خروج عما قصد المتناظران بالمناظرة من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى غيره وهو معرفة صحة نظر المعترض في دليله، قلنا: القصد من المعارضة هدم دليل المستدل لا إثبات مقتضى المعارضة- وهو استدلال المعترض على الحكم- المؤدي إلى ما مرّ من الانقلاب بمعنى أن المعترض يقصد بالمعارضة إبطال دليل الخصم وإن أدى بشكل غير مقصود إلى إثبات مدعاه بالاستدلال عليه، وصورة المعارضة في الفرع أن يقول المعترض للمستدل: ما ذكرتَ من الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي ثبوت نقيضه أو ضده، فالنقيض نحو: المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه، فيقول المعارض: هو مسح في الوضوء فلا يسنّ تثليثه كمسح الخف، والضد نحو: الوتر واظب عليه النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيجب كالتشهد، فيقول المعارض: هو مؤقت بوقت صلاة من الخمس فيسن كالفجر، وخرج بالمقتضى لنقيض الحكم أو ضده: المعارضة بالمقتضى لخلاف الحكم فلا يقدح لعدم منافاتها لدليل المستدل، كما يقال: اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا يوجب الكفارة، كشهادة الزور، فيقول المعارض: هو قول مؤكد للباطل يظن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور ( و ) المختار في دفع المعارضة المذكورة زيادة على دفعها بكل ما يعترض به على المستدل ابتداء. راجع رسالتي في شرح آداب البحث والمناظرة إن شئت ( دفعُها بالترجيحِ ) لوصف المستدل على وصف المعارض بمرجح مما يأتي في محله لتعين العمل بالراجح، وقيل: لا تدفع به ( و ) المختار بناء على القول بقبول الترجيح في دفع المعارضة ( أَنَّهُ لا يجبُ ) على المستدل ( الإيماءُ إليهِ ) أي إلى الترجيح بين علته وعلة خصمه أي التعرض إليه ( في ) أثناء عرض ( الدليلِ ) ابتداء- أي قبل أن يعارضه المعترض- لأن ترجيح وصف المستدل الذي جعله علة على وصف معارضه خارج عن الدليل، وقيل: يجب لأن الدليل لا يتم بدون دفع المعارض. قلنا: لا معارض حينئذ فلا حاجة إلى دفعه قبل وجوده.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع والثمانون- القياس

شروط الفرع


أولا: من شروط الفرع أن يوجد فيه تمام العلة التي في الأصل. توضيحه:
إن العلة هي الجسر المشترك الذي بواسطته ينتقل الحكم من الأصل إلى الفرع فإذا لم توجد العلة فيه فلا قياس، وذلك كالإسكار في النبيذ في قياس النبيذ على الخمر.
ثم إن العلة قد تكون مفردة وقد تكون مركبة فالعلة المفردة كالإسكار في الخمر، والعلة المركبة هي التي تتركب من أجزاء وذلك كتعليل وجوب القصاص: بالقتل، العمد، العدوان، لمكافئ، غير ولد، فهذه خمسة أوصاف جعلت بمجموعها علة للقصاص الواجب، ولهذا قلنا: أن يوجد فيه تمام العلة وذلك إشارة إلى العلة المركبة فإذا وجد في الفرع بعض من أوصاف علة الأصل لم يتعد الحكم من الأصل إلى الفرع.
ثانيا: إن العلة مع اشتراط وجودها في الأصل والفرع إلا أنه ليس من شرط ذلك عدم وجود زيادة في القوة في الأصل أو الفرع وذلك كالإيذاء الذي هو علة النهي عن التأفيف فإن الفرع وهو الضرب تتواجد فيه العلة على نحو أقوى من الأصل.
ثالثا: إن العلة قد تكون قطعية وقد تكون ظنية فالأولى هي العلة المنصوصة التي نصّ الشارع عليها أو أجمع العلماء عليها ككون علة تحريم الخمر هي الإسكار، والثانية هي التي ليس كذلك ككون علة الربا هي الطعم.
رابعا: القياس قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا.
فالقطعي هو: ما كانت علته قطعية وقطع بوجودها في الفرع.
والظني هو: ما كانت علته مظنونة أو لم يقطع بوجودها في الفرع.
والقياس القطعي يشمل:
1- القياس الأولى وهو: ما يكون الفرع فيه أولى بالحكم من الأصل لقوة ظهور العلة فيه.
وذلك كقياس الضرب على التأفيف.
2- القياس المساوي وهو: ما تكون العلة فيه متساوية الظهور في الأصل والفرع.
وذلك كقياس النبيذ على الخمر فإن الإسكار متساو فيهما.
والقياس الظني يشمل القياس الأدون وهو: ما كانت العلة في الفرع أخفى منها في الأصل.
وذلك كقياس التفاح على البر في باب الربا بجامع الطعم فيهما. ولاحتمال أن تكون العلة الكيل أو القوت أعتبر ذلك ظنيا.

( شرح النص )​

وشرطُهُ وجودُ تمامِ العِلَّةِ فيهِ، فإنْ كانتْ قطعيَّةً فقطْعِيٌّ أَوْ ظنيَّةً فظنيٌّ وأَدْوَنُ كتفاحٍ بِبُرٍّ بجامعِ الطعمِ.
............................................................................................
( وشرطُهُ ) أي الفرع ( وجودُ تمامِ العِلَّةِ ) التي في الأصل ( فيهِ ) أي في الفرع بلا زيادة قوة أو بها، كالإسكار في قياس النبيذ بالخمر، والإيذاء في قياس الضرب بالتأفيف فيتعدّى الحكم إلى الفرع فيهما ( فإنْ كانتْ ) أي العلة ( قطعيَّةً ) بأن قطع بكونها علة في الأصل وبوجودها في الفرع كالإسكار والإيذاء فيما مر ( فقطْعِيٌّ ) قياسها حتى كأن الفرع فيه شمله دليل الأصل، فإن كان دليل حكم الأصل ظنيا فحكم الفرع كذلك بمعنى أن كون القياس قطعيا لا يعني بالضرورة أن يكون الحكم مقطوعا به لأننا مع قطعنا بشمول حكم الأصل للفرع إلا أن نفس دليل الأصل قد يكون ظنيا كخبر الواحد، وإن كان دليل حكم الأصل قطعيا فحكم الفرع كذلك، والقطعي يشمل قياس الأولى والمساوي ( أو ) كانت ( ظنيّةً ) بأن ظن كونها علة في الأصل، وإن قطع بوجودها في الفرع ( فظنيٌّ وأَدْوَنُ ) أي فقياسها ظني وهو قياس الأدون ( كتفاحٍ ) أي كقياسه ( ببرٍّ ) في باب الربا ( بجامعِ الطعمِ ) فإنه العلة عندنا معاشر الشافعية في ربوية البر مع احتمال ما قيل: إنها القوت مع الإدخار أو الكيل، وليس في التفاح إلا الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة بمعنى أن البر مطعوم مقتات مكيل فهو ربوي على كل الاحتمالات، والتفاح على احتمال واحد وهو كون العلة الطعم ومعلوم أن الثابت مع كل الاحتمالات أقوى من الثابت مع احتمال واحد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس والثمانون- القياس

تكملة شروط الفرع


أولا: ومن شروط الفرع أن لا يُعَارض معارضة لا يمكن دفعها. كما مرت الإشارة إليه.
ثانيا: أن لايقوم دليل قاطع على خلافه في الحكم. إذْ لا يعمل بالقياس مع قيام دليل قاطع كنص متواتر وإجماع قطعي على خلاف ما ينتج من القياس لأنه ظني فلا يقوى على معارضة القطعي.
ثالثا: أن لا يقوم خبر الواحد على خلافه. لأن الخبر ولو كان خبر واحد يقدم في العمل على القياس.
رابعا: أن يتحد حكم الفرع بحكم الأصل عينا أو جنسا.
مثال الاتحاد في عين الحكم: قياس القتل بمثقَّلٍ- كالحجر- على القتل بمحدد- كالسيف- في ثبوت القصاص بجامع كونه قتلا عمدا عدوانا. فإن الحكم وهو ثبوت القصاص فيهما واحد.
ومثال الاتحاد في جنس العلة: قياس بضع الصغيرة على مالها في ثبوت ولاية الأب أو الجد بجامع الصغر.
فالحكم وهو ثبوت الولاية جنس لأن ولاية المال ليست عينها ولاية التزويج.
فإذا اعترض معترض بعدم الاتحاد في الحكم فيدفعه المستدل ببيان الاتحاد.
مثاله: أن يقيس الشافعي ظهار الذمي على ظهار المسلم في حرمة قربان المرأة.
فيعترض الحنفي بمخالفة ظهار الذمي لظهار المسلم، فإن حرمة قربان المرأة بالنسبة للمسلم تنتهي بالكفارة، والكافر ليس من أهل الكفارة؛ إذْ لا يمكنه الصوم مثلا لعدم صحته من الكافر فلا تنتهي الحرمة في حقه بخلاف المسلم، فاختلف الحكم فلا يصح القياس
فينفي الشافعي الاختلاف بأن الكافر يصح منه إعتاقه أو إطعامه مع الكفر كما يمكنه أن يسلم فيصوم، فالحكم متحد.
خامسا: أن لا يتقدم حكم الفرع على حكم الأصل في الورود.
مثاله: قياس الوضوء على التيمم في وجوب النية مثلا، فهذا لا يصح؛ لأن مشروعية الوضوء متقدمة على مشروعية التيمم فيلزم عليه أن ثبوت النية للوضوء قبل تشريع التيمم لا دليل عليه فيكون تكليف المخاطب بالنية في الوضوء تكليفا بما لا يعلم.
نعم إن كان ثمة دليل آخر لثبوت النية في الوضوء غير القياس لم يمتنع حينئذ قياس السابق على اللاحق لانتفاء المحذور.
سادسا: لا يشترط في الفرع ما يلي:
1- ثبوت حكم الفرع بالنص الإجمالي.
بمعنى أن البعض اشترط أن يكون حكم الفرع ثابتا بالنص الإجمالي والقياس إنما يثبت بعض التفاصيل فإن لم يرد نص إجمالي بالفرع لم يصح القياس.
مثاله: ميراث الجد مع الإخوة فلولا ورود ما يثبت أن الجد وارث من الورثة- كالإجماع- لما جاز قياس الجد على الأخ فيشارك الإخوة في الميراث.
وردّ بأن العلماء من الصحابة وغيرهم قاسوا أمورا لم يرد بها نص لا جملة ولا تفصيلا.
ومن ذلك قول الرجل لامرأته: أنت عليّ حرام. فقاسوه على الطلاق أو الظهار أو الإيلاء بحسب اختلافهم فيه.
2- أن لا يوجد نص أو إجماع على حكم يوافق الحكم الحاصل بالقياس.
وهذا اشترطه بعض العلماء لأنه إذا وجد نص أو إجماع فلا حاجة للقياس.
وردّ بأنه لا مانع من اجتماع دليلين على مدلول واحد فيدل على الفرع بالنص والقياس.

( شرح النص )​

وَأَنْ لا يُعارَضَ، ولا يقومَ القاطِعُ على خِلافِهِ، وكذا خبرُ الواحِدِ في الأصحِّ إلا لتجربةِ النظرِ، ويتحِدَ حكمُهُ بحكمِ الأصلِ، ولا يَتَقَدَّمَ على حكمِ الأصلِ حيثُ لا دليلَ لهُ، لا ثبوتُهُ بالنصِّ جملةً ولا انتفاءُ نصٍ أَو اجماعٍ يوافِقُ على المختارِ.
...........................................................................
( وَأَنْ ) أي وشرط الفرع ما ذكر- من وجود تمام العلة فيه- وأن ( لا يُعارَضَ ) الفرعُ معارضة لا يتأتى دفعها كما مرّت الإشارة إليه ( و ) أن ( لا يقومَ ) الدليل ( القاطِعُ على خِلافِهِ ) أي خلاف الفرع في الحكم؛ إذْ لا صحة للقياس في شيء مع قيام دليل قاطع على خلافه ( وكذا خبرُ الواحِدِ ) أي وأن لا يقوم خبر الواحد على خلافه ( في الأصحِّ ) لأن خبر الواحد مقدم على القياس في الأصح كما مرّ في بحث الخبر ( إلا لتجربةِ ) أي تمرين ( النظرِ ) من المستدل، فيجوز القياس المخالف لأنه صحيح في نفسه ولم يعمل به لمعارضة ما ذكر له، ويدل لصحته قولهم: إذا تعارض النص والقياس قدم النص، بمعنى أنه متى عارض الدليل القاطع القياس لم يصح العمل بالقياس ولكن يجوز من باب الرياضة الذهنية أن يقوم الناظر باستعمال القياس في باب المسائل وإن عارض خبر الواحد لا للعمل به؛ فإن القياس في نفسه صحيح بمعنى أن صورة القياس المشتملة على أركان القياس سليمة ولكن حصل التعارض فقدم الخبر، كما يحصل التعارض بين النصوص فيقدم بعضها على بعض فتأمل ( و ) أن ( يتحِدَ حكمُهُ ) أي الفرع ( بحكمِ الأصلِ ) في المعنى المقصود من القياس سواء بعين الحكم أو بجنسه، كما أنه يشترط في الفرع وجود تمام العلة فيه كما مرّ، فإن لم يتحد حكمه بحكم الأصل لم يصح القياس لانتفاء حكم الأصل عن الفرع، وجواب عدم الاتحاد في الحكم يكون ببيان الاتحاد فيه كما يعلم مما يأتي في محله- في مبحث القوادح- كأن يقيس الشافعي ظهار الذمي بظهار المسلم في حرمة وطء الزوجة، فيقول الحنفي: الحرمة في المسلم تنتهي بالكفارة، والكافر ليس من أهلها إذ لا يمكنه الصوم من خصال الكفارة لفساد نيته فلا تنتهي الحرمة في حقه، فاختلف الحكم، فلا يصح القياس، فيقول الشافعي: يمكنه الصوم بأن يسلم ثم يصوم ويصح إعتاقه وإطعامه مع الكفر اتفاقا، فهو من أهل الكفارة، فالحكم متحد، والقياس صحيح ( و ) أن ( لا يَتَقَدَّمَ ) حكم الفرع ( على حكمِ الأصلِ ) في الظهور للمكلف ( حيثُ لا دليلَ لهُ ) أي للفرع غير القياس على القول المختار، كقياس الوضوء بالتيمم في وجوب النية، وذلك بتقدير أن لا دليل للوضوء غير القياس فإنه تعبد بالوضوء قبل الهجرة، والتيمم إنما تعبد به بعدها؛ إذ لو جاز تقدم حكم الفرع للزم ثبوت حكمه حال تقدمه بلا دليل، وهو ممتنع لأنه تكليف بما لا يعلم، نعم إنْ ذكر إلزاما للخصم -لا استدلالا على الحكم- جاز كقول الشافعي للحنفي: -القائل بوجوب النية في التيمم دون الوضوء- هما طهارتان أنى يفترقان لاتحاد الأصل والفرع في المعنى وهو كونهما طهارة للصلاة، فإن كان له دليل آخر جاز تقدمه لانتفاء المحذور السابق وهو التكليف بما لا يعلم، وبناء على جواز تعدّد الدليل على مدلول واحد، وقيل: لا يجوز تقدمه وإن كان عليه دليل آخر ( لا ثبوتُهُ ) أي حكم الفرع ( بالنصِّ جملةً ) أي بالنص الإجمالي فلا يشترط على المختار وقيل: يشترط ويطلب بالقياس تفصيله فلولا العلم بورود ميراث الجدّ جملة لما جاز القياس في توريثه مع الإخوة والأخوات، وردّ اشتراط ذلك بأن العلماء قاسوا أنت عليّ حرام بالطلاق والظهار والإيلاء بحسب اختلافهم فيه أي هل حرمته كحرمة الطلاق كمذهب مالك، أو حرمته كحرمة الظهار فينتهي بكفارته كأحد القولين عن أحمد، أو كحرمة الإيلاء فيجب فيه كفارة يمين كالمرجح عند الشافعي، ولم يوجد فيه نص لا جملة ولا تفصيلا ( ولا انتفاءُ نصٍ أَو اجماعٍ يوافِقُ ) القياس في الحكم، فلا يشترط، بل يجوز القياس مع موافقة النص والإجماع أو أحدهما له ( على المختارِ ) بناء على جواز تعدّد الدليل، وقيل: يشترط انتفاؤهما وإن جاز تعدّد الدليل نظرا إلى أن الحاجة إلى القياس إنما تدعو عند فقد النص والإجماع، قلنا: أدلة حجية القياس مطلقة عن اشتراط ذلك والأصل عدم التقييد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس والثمانون- القياس

العلة


أولا: الركن الرابع من أركان القياس العلة وقد اختلفوا في تفسيرها على أقوال:
1- قول الأشاعرة: هي المعرّف للحكم، أي العلامة الدالّة عليه، فمعنى كون الإسكار علة لتحريم الخمر أنه علامة على حرمته.
2- قول المعتزلة: هي المؤثر للحكم بذاته، بمعنى أن العلة كالقتل العمد العدوان توجب على الله تشريع الحكم كالقصاص، وهذا بناء على مذهبهم في كون الحكم تابعا للمصلحة والمفسدة.
3- قول الغزالي: هي المؤثر للحكم بإذن الله تعالى، بمعنى أن الله أجرى العادة بأن يكون الحكم تابعا لتحقق العلة.
4- قول الآمدي وأهل الحديث: هي الباعث على تشريع الحكم، ولذا عرفوها بأنها: وصف مشتمل على حكمة باعثة على تشريع الحكم. ثم كونها باعثة للشارع لا ينافي أنها تعرّف المكلف الحكم.
وأشكل عليه أن الله تعالى منزّه عن الأغراض، وأجيب: بأن ما من تشريع للحق سبحانه إلا وخلفه حكمة، ومصلحة تعود للخلق لا له سبحانه كيف وهو الغني الحميد.
ثانيا: حكم الأصل ثابت بالعلة. وقيل: بالنص.
بمعنى أن حكم الأصل كالحرمة للخمر هل يعرف بالنص الذي بيّن الحكم أو يعرف بالعلة ؟
قيل: بالنص فحرمة الخمر عرفت بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر... الآية.
وقيل: عرفت بالعلة لأن النص وإن كان هو الدال على تحريم الخمر لكنه لوحده لا يكشف لنا أن الخمر أصل يقاس عليه، وإنما الذي عرفنا ذلك هو الإسكار فبما أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما عرفنا أن الخمر أصل يقاس عليه النبيذ.
ثالثا: العلة قد تكون دافعة للحكم، وقد تكون رافعة له، وقد تكون دافعة ورافعة معا.
1- الدافعة هي: التي تمنع ابتداء الحكم.
مثاله: العدة للمرأة فإنها علة تدفع حل نكاح المرأة من غير زوجها، ولكنها لا ترفع النكاح كما لو وطئت الزوجة بشبهة- كأعمى ظن في نائمة أنها زوجته- فهذه عليها العدة ولكنها لا ترفع زواجها من زوجها. فظهر أن العدة دافعة لحلية النكاح وليست رافعة له.
2- الرافعة هي: التي تمنع دوام الحكم.
مثاله: كالطلاق فإنه يرفع حل الاستمتاع، ولكن لا يمنع ابتداء الحكم كما لو عقد عليها مرة أخرى بعد طلاقها، فالطلاق علة رافعة غير دافعة.
3- الدافعة الرافعة هي: التي تمنع ابتداء الحكم ودوامه معا.
مثاله: الحدث فإنه يمنع ابتداء الصلاة ويمنع دوامها إذا طرأ في أثنائها.

( شرح النص )​

الرابِعُ: العِلَّةُ الأَصحُّ أَنَّها المعرِّفُ، وأَنَّ حكمَ الأصلِ ثابِتٌ بها، وقدْ تكونُ دافعةً للحكمِ أَو رافِعةً أَو فاعلةً لهما.
............................................................................
( الرابِعُ ) مِن أركان القياس ( العِلَّةُ ) ويعبر عنها بالوصف الجامع بين الأصل والفرع، وفي معناها شرعا أقوال ( الأَصحُّ أَنَّها ) أي العلة ( المعرِّفُ ) للحكم لا المؤثر فيه ولا الباعث عليه، فمعنى كون الإسكار مثلا علة أنه معرف أي علامة على حرمة المسكر. وقالت المعتزلة: هي المؤثر بذاته في الحكم بناء على قاعدتهم من أنه يتبع المصلحة أو المفسدة، وقيل: هي المؤثر فيه بجعله تعالى لا بالذات، وقيل: هي الباعث عليه، وردّ بأنه تعالى لا يبعثه شيء. وفيه نظر كيف والله تعالى يقول: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( و ) الأصح ( أَنَّ حكمَ الأصلِ ثابِتٌ بها ) لا بالنص. وقالت الحنفية: ثابت بالنص؛ لأنه المفيد للحكم. قلنا: لم يفده بقيد كون محله أصلا يقاس به الذي الكلام فيه، والمفيد له العلة لأنها منشأ التعدية المحققة للقياس، فالمراد بثبوت الحكم بها معرفته بها لأنها معرفة له ( وقد تكونُ ) العلة ( دافعةً للحكمِ ) أي لتعلقه كالعدة فإنها تدفع حل النكاح من غير صاحبها ولا ترفع استمرار الزوجية كأن كانت عن شبهة ( أَو رافِعةً ) له كالطلاق فإنه يرفع حل التمتع ولا يدفعه لجواز النكاح بعده ( أَو فاعلةً لهما ) أي الدفع والرفع كالرضاع فإنه يدفع حل النكاح ويرفعه كما لو طرأ أثناء الزوجية كأن يعقد على رضيعة أجنبية ثم ترضعها أمه فتصير أخته من الرضاع فينفسخ العقد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السابع والثمانون- القياس

تعريف العلة


أولا: تعرّف العلة بأنها: وصفٌ ظاهِرٌ منضبطٌ باعِثٌ للحكمِ.
فقولنا: ظاهر أي بيّن كالإسكار في الخمر، لا خفيّا كالرضا فإنه لايعلل به المعاملات، لذلك ربطت بصيغ معينة مثل: بعت واشتريت ونحوهما لأنها ظاهرة منضبطة.
وقولنا: منضبط أي محدد لا يختلف باختلاف الأفراد كالمسافة في القصر، بخلاف غير المنضبط كالمشقة.
وقولنا: باعث للحكم أي يشتمل على حكمة تدعو إلى تشريع الحكم، أو معرّف للحكم على الخلاف الذي تقدّم.
ثانيا: الوصف في تعريف العلة على أقسام هي:
1- الوصف الحقيقي هو: ما يتعقل بنفسه من غير توقف على عرف أو لغة أو شرع. ومثاله الإسكار والقتل عمدا عدوانا.
2- الوصف العرفي وهو: ما يكون مستفادا من العرف، كالخسة والشرف في الكفاءة في النكاح فإن مردها إلى العرف.
3- الوصف اللغوي وهو: ما يكون مستفادا من اللغة، كتعليل حرمة النبيذ بأنه يسمى خمرا -كعصير العنب- لتخميره العقل. وهذا بناء على صحة القياس في اللغة. وفيه خلاف قد تقدم.
4- الوصف الشرعي وهو: ما كان حكما شرعيا، كحرمة الانتفاع بالخمر هي علة بطلان بيع الخمر، وكحرمة النظر إلى شعر المرأة بالطلاق وحله بالنكاح هو علة وجود الحياة في الشعر.
ثالثا: الوصف في تعريف العلة قد يكون مفردا كالإسكار وقد يكون مركبا كالقتل العمد العدوان لمكافئ غير ولد.
رابعا: يشترط في العلة لأجل إلحاق الفرع بحكم الأصل بسببها أن تشتمل على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتكون صالحة لربط الحكم بها.
كالقتل العمد العدوان لمكافئ علة القصاص، وقد اشتملت تلك العلة على حكمة ومصلحة هي حفظ النفوس؛فإن مَن علم أنه إذا قَتَلَ اقتُصَّ منه كفَّ عن القتل. وفي ذلك حفظ حياته وحياة مَن أراد قتله. قال تعالى: ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ). فيلحق حينئذ القتل بمثقَّل بالقتل بمحدّد في وجوب القصاص لاشتراكهما في العلة المشتملة على الحكمة المذكورة.
خامسا: المانِع للعلةِ هو: وصفٌ وجوديٌّ يخلّ بحكمتِها. كالدين- على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة وهو غير المعتمد عندنا- فإنه وصف وجودي يُخل بحكمة العلة؛ فإن ملك النصاب علة لوجوب الزكاة، والحكمة مواساة الفقراء. فإذا كان مالك النصاب مديونا لم يكن مستغنيا بما عنده؛ لاحتياجه إلى وفاء ما عليه من الدين. فكان الدين مخلا بتلك الحكمة.
سادسا: لا يجوز التعليل بالحكمة إن لم تنضبط، ويجوز إذا انضبطت.
كالسفر مسافة معينة هو علة إباحة القصر والفطر في رمضان، والحكمة هي دفع المشقة وهي غير منضبطة لاختلافها بحسب الأفراد فأنيط وعلق القصر والفطر بالسفر لا بالمشقة، فإن انضبطت جاز التعليل بها كحفظ النفوس يعلل به وجوب القصاص.

( شرح النص )​

وصفًا حقيقيًّا ظاهِرًا مُنضَبِطًا أَو عُرفيًّا مُطَّرِدًا، وكذا في الأصحِّ لُغَوِيًّا أَو حُكمًا شرعيًّا أَو مُركّبًا، وشُرِطَ للإلحاقِ بها: أَنْ تشتمِلَ على حكمةٍ تبعَثُ على الإمتثالِ وتصلُحُ شاهِدًا لإناطةِ الحكمِ، ومانِعُها وَصْفٌ وجوديٌّ يُخِلُّ بحِكمَتِها، ولا يجوزُ في الأصحِّ كونُها الحكمةَ إنْ لم تَنْضَبِطْ.
............................................................................
وتكون العلة ( وصفًا حقيقيًّا ) وهو: ما يتعقل في نفسه من غير توقف على عرف أو لغة أو شرع ( ظاهِرًا مُنضَبِطًا ) لا خفيا أو مضطربا كالطعم في الربوي فإنه وصف حقيقي لكونه مدركا بالحس ( أَو ) وصفا ( عُرفيًّا مُطَّرِدًا ) أي لا يختلف باختلاف الأوقات كالشرف والخسة في الكفاءة في النكاح ( وكذا ) تكون ( في الأصحِّ ) وصفا ( لغويًّا ) كتعليل حرمة النبيذ بتسميته خمرا بناء على ثبوت اللغة بالقياس، وقيل: لا يعلل الحكم الشرعي بالأمر اللغوي لأنه لا دخل للأمور اللغوية في الشرع ( أَو حُكمًا شرعيًّا ) سواء أكان المعلول كذلك- أي حكما شرعيا- كتعليل جواز رهن المشاع- أي الحصة غير المقسومة مع شريك آخر كربع عقار- بجواز بيعه، أم أمرا حقيقيا كتعليل ثبوت الحياة للشعر بحرمته بالطلاق وحله بالنكاح كاليد فإنها يحل لمسها بالنكاح ويحرم بالطلاق، وقيل: لا تكون حكما شرعيا ( أَو ) وصفا ( مُركّبًا ) كتعليل وجوب القود أي القصاص بالقتل العمد العدوان لمكافىء، وقيل: لا يكون الوصف المركب علة ( وشُرِطَ للإلحاقِ ) بحكم الأصل ( بها ) أي بسبب العلة ( أَنْ تشتمِلَ على حكمةٍ ) أي مصلحة مقصودة من شرع الحكم ( تبعَثُ ) أي تحمل المكلف حيث يطلع عليها ( على الإمتثالِ وتصلُحُ شاهِدًا ) أي دليلا ( لإناطةِ الحكمِ ) أي تعليق الحكم بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجود القود على علته السابقة وهي القتل العمد العدوان لمكافئ؛ فإنَّ من علم أن من قَتَلَ اقتُصَّ منه انكفّ عن القتل، وقد لا ينكف عنه توطينا لنفسه على تلفها- إشارة إلى أن الحكمة هنا تقليل مفسدة القتل لا دفعها بالكلية إذْ قد يقدم الإنسان على القتل موطنا نفسه على تلفها- وهذه الحكمة تبعث المكلف من القاتل وولي أمره على امتثال الأمر الذي هو إيجاب القود بأن يمكن كل منهما وارث القتيل من القود، ويصلح شاهدا لإناطة وجوب القود بعلته، فيلحق حينئذ القتل بمثقل بالقتل بمحدد في وجوب القود لاشتراكهما في العلة المشتملة على الحكمة المذكورة ( ومانِعُها ) أي العلة ( وَصْفٌ وجوديٌّ يُخِلُّ بحِكمَتِها ) كالدين- على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة على المدين وهو مرجوح- فإنه وصف وجودي يخل بحكمة علة وجوب الزكاة وهي الاستغناء بملكه، إذ المدين لا يستغني بملكه لاحتياجه إلى وفاء دينه به ( ولا يجوزُ في الأصحِّ كونُها الحكمةَ إنْ لم تَنْضَبِطْ ) كالمشقة في السفر لعدم انضباطها، فإن انضبطت كحفظ النفوس جاز كما رجحه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما لانتفاء المحذور، وقيل: يجوز مطلقا انضبطت العلة أو لا؛ لأنها المشروع لها الحكم، وقيل: لا يجوز مطلقا.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثامن والثمانون- القياس

التعليل بعلة عدمية


أولا: لا يجوز التعليل بعلة عدمية في الحكم الثبوتي.
بأن يقول الشارع مثلا: حكمت بكذا لعدم كذا، فيكون معللا الحكم الثبوتي الوجودي بانتفاء شيء.
وصور التعليل أربع هي:
1- تعليل الثبوتي بالثبوتي، كتعليل حرمة الخمر بالإسكار.
2- تعليل الثبوتي بالعدمي، كتعليل ضرب السيد غلامه بعدم امتثاله.
3- تعليل العدمي بالعدمي، كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل.
4- تعليل العدمي بالثبوتي، كتعليل عدم صحة التصرف بالإسراف.
وهذه الصور جائزة عدا الثانية، فالمختار فيها عدم الجواز، وقيل: يجوز فيصح أن يقال: ضربَ فلانٌ عبدَهُ لعدم امتثاله، وأجيب: بمنع صحة التعليل بذلك وإنما يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبوتي، ولا يقال أيضا: قُتِلَ المرتدُ لعدمِ إسلامِهِ، بل لكفره.
ثانيا: العدم نوعان:
1- عدم مطلق وهو: عدم الوجود، أي هو مطلق من الإضافة إلى شيء، وهو الذي يقابل الوجود في قولنا: الممكن إما موجود أو معدوم أي اللاموجود.
2- عدم نسبي وهو: عدم مضاف إلى شيء موجود، كعدم الحركة أو عدم العقل أو عدم الذكاء.
ثالثا: الأمور الإضافية هي: نسبة يتوقف تعقلها على نسبة أخرى. كالأبوة فإن أبوة زيد لعمرو إذا أردت تعقلها فلا بد أن تتعقل معها البنوة فكلما تعقلت الأبوة تعقلت البنوة والعكس كلما تعقلت البنوة تعقلت الأبوة، وكذا قل في الفوقية والتحتية، والتقديم والتأخير.
وقد اختلف المتكلمون والفلاسفة هل الإضافات عدمية لا وجود لها أو هي وجودية ؟
فذهب المتكلمون إلى أنها أمور عدمية، وذهب الفلاسفة إلى أنها أمور وجودية.
رابعا: لا خلاف في أنه لا يجوز تعليل الأمر الثبوتي بالعدم المطلق وإنما الخلاف في تعليله بالعدم النسبي.
خامسا: قيل: لا يجوز تعليل الأمر الثبوتي بالأمر الإضافي لأنه عدمي- بناء على اختيار المتكلمين- فلا تعلل ولاية الإجبار بالأبوة مثلا لأنها عدمية، وقيل: يجوز تعليل ذلك لأن الأمر الإضافي وجودي لا عدمي- بناء على اختيار الفلاسفة-.
سادسا: ما كان مركبا من وجود وعدم فهو عدمي فلو علل وجود شيء بعلة مركبة من شيئين أحدهما ثبوتي والآخر عدمي لم يصح.
كما في تعليل وجوب الدية المغلظة في شبه العمد بأنه: قتل بفعل مقصود لا يقتل غالبا.

( شرح النص )​

وكونُها عدميَّةً في الثبوتيِّ.
.........................................................................
( و ) لا يجوز في الأصح وفاقا لابن الحاجب وغيره ( كونُها عدميَّةً ) ولو بعدمية جزئها أى جزء العلة بأن تكون مركبة من جزأين مثلا وأحدهما عدمي، كأن يعلل تعين الدية المغلظة فى شبه العمد بأنه قتل بفعل مقصود لايقتل غالبا، أو بإضافتها بأن يتوقف تعقلها على تعقل غيرها كالأبوة والبنوة فإن الإضافة من قبيل العدمي ( في ) الحكم الشرعي أو غيره ( الثبوتيِّ ) فلا يجوز: حكمت بكذا لعدم كذا مثل أن يقال: يجب قتل المرتد لعدم اسلامه، أو للأبوة أي حكمت بكذا للأبوة كتعليل ولاية الإجبار بالأبوة بناء على أن الاضافي عدمي كما سيأتي تصحيحه أواخر الكتاب- وسيأتي إن شاء الله تحقيقه- وذلك لأن العلة بمعنى العلامة يجب أن تكون أجلى من المعلل، والعدمي أخفى من الثبوتي، وقيل: يجوز كونها عدمية في الأمر الثبوتي لصحة أن يقال: ضربَ فلانٌ عبدَهُ لعدم امتثاله أمره. وأجيب: بمنع صحة التعليل بذلك، وإنما يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبوتي، والخلاف في العدم المضاف بخلاف العدم المطلق لا يجوز التعليل به قطعا أي بلا خلاف؛ لأن نسبته إلى جميع المحال على السواء، فلا يعقل كونه علة لشيء تأمل، ويجوز وفاقا تعليل الثبوتي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار، والعدمي بمثله كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل، والعدمي بالثبوتي كتعليل ذلك- أي عدم صحة التصرف- بالإسراف أي التبذير.

 
التعديل الأخير:
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



3- قول الغزالي: هي المؤثر للحكم بإذن الله تعالى، بمعنى أن الله أجرى العادة بأن يكون الحكم تابعا لتحقق العلة.

وكأن قوله يرجع إلى قول الأشاعرة ، أليس كذلك ؟
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



وقد اختلف المتكلمون والفلاسفة هل الإضافات عدمية لا وجود لها أو هي وجودية ؟
فذهب المتكلمون إلى أنها أمور عدمية، وذهب الفلاسفة إلى أنها أمور وجودية.


لم أفهم هذه مولانا
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

وكأن قوله يرجع إلى قول الأشاعرة ، أليس كذلك ؟
المراد بقول الغزالي الاستلزام والربط العادي بمعنى أن الله أجرى عادة بتبعية حصول تعلق الحكم لتحقق الوصف كما أجرى عادته بتبعية الموت لحز الرقبة، وتبعية الإحراق لمماسة النار، ومخالفة هذا القول قول جمهور الأشاعرة واضحة إذْ لا استلزام ولا تبعية بالمعنى المذكور على قولهم وإنما الوصف مجرد أمارة يعلم بها أن الحكم قد تعلق بالمكلفين، فالإسكار عند الغزالي جعله الله مستلزما للحرمة، وعند جمهور الأشاعرة هو مجرد أمارة من غير استلزام بمعنى أن الله ربط بين الإسكار والحرمة على الأول وعلى الثاني لا يوجد ربط بين العلة والحكم. هذه خلاصة ما في حاشية البناني وابن قاسم بزيادات.
وفي حاشية العطار: وبهذا يرجع كلامه إلى كلام الجمهور وإنْ كان الفرق بينهما أنه على كلام الجمهور ( الارتباط بين العلم بالعلة والحكم )- أي علمنا نحن المكلفون بالحكم عند علمنا بالعلة- وعلى كلام الغزالي بين الأمرين- أي بين العلة والحكم نفسيهما بجعل منه سبحانه. اهـ وما بين الشارحتين مني.أرجو أن يفي بالمطلوب.
 
التعديل الأخير:
أعلى