العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فيؤخذ من العلة حكما آخر موافقا للحكم
( إِنْ تَوَقَّفَ صِدْقُ المنْطُوقِ أَوْ صِحَّتُهُ على إِضمارٍ ) أي على تقدير، مثال ما توقف صدق الكلام على مضمر إنما الأعمال بالنيات، أي صحتها، ومثال ما توقف صحة الكلام على إضمار واسأل القرية، أي أهلها، والفرق بين الصدق والصحة هو أن الأول في حال الإخبار عن شيء، والثاني في حال الإنشاء والطلب (فَدَلالَةُ اِقْتِضاءٍ) أي: يسمى بذلك ( وإِلا )
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
التعديل الأخير:
إنضم
14 أغسطس 2012
المشاركات
29
الكنية
أبو المنذر
التخصص
شريعة
المدينة
الغربية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث عشر- مباحث الكتاب

المنطوق والمفهوم


المنطوق هو: المعنى الذي دلّ عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمن،مثل قولك: جاءَ زيدٌ، فهو يدل على مجيء شخص معين، فالمعنى المدلول عليه بهذا اللفظ منطوق به لأن هذا اللفظ موضوع في لغة العرب لإفادة هذا المعنى.
فإذا جاءَ نصّ ووجدنا المعنى المستفاد منه هو تمام ما وضع له اللفظ أو بعضه فهو المنطوق.
شيخنا ماذاعن دلالة التضمن وأمثلتها ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا ماذاعن دلالة التضمن وأمثلتها ؟
دلالة جاءَ زيدٌ على المجيء وحده أو الذات المشخصة هي تضمن.
مثال آخر قوله تعالى: ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون ).
دلالة النص على مجموع العقوبات الثلاث مطابقة، وعلى كل واحد منها على حدة تضمن.

 
إنضم
14 أغسطس 2012
المشاركات
29
الكنية
أبو المنذر
التخصص
شريعة
المدينة
الغربية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا قلت في الدرس التاسع :


مَن ظنّ أنه لن يتمكن من فعل العبادة آخر الوقت لعارض ما فأخرّها أثِمَ وإن لم يتحقق ظنه،


ماوجه كونه يأثم ؟


وقلت إن اجتماع الأمر والنهي يكون على أنحاء:
1- أن يكون الاجتماع في جهة واحدة، بأن يكون مأمورا به من جهة ومن نفس تلك الجهة هو منهي عنه، وهذا باطل يلزم عليه التناقض


لكن شيخنا ألا يمكن اجتماعهما هنا من باب الأمر بالشيء نهي عن ضده ، أو من باب مفهوم المخالفة ؟


قلت : في : الحكم الشرعي قد يتعلق بأمرين فأكثر على الترتيب .... ثم قلت :أن يستحب الجمع بينهما كخصال كفارة الجماع في نهار رمضان،


فإن كلا منها واجب لكن وجوب الإطعام عند العجز عن الصيام ووجوب الصيام عند العجز عن الاعتاق ويسن الجمع بينها.




شيخنا أليس في استحباب الجمع بينهما مع كون كلا منهما واجب إلغاء لترتيب الشرعي ؟




قلت : والثاني وهو ما تعلق به الحكم على البدل له ثلاثة أحوال أيضا:


3- أن يستحب الجمع بينهما كما في خصال كفارة اليمين فإن الواجب على المكلف فعل خصلة واحدة يختارها لكن يندب أن يفعل الجميع.


ماوجه الندب إذا كان الوجوب يتعلق بفعل خصلة واحدة يختارها ؟
 
إنضم
14 أغسطس 2012
المشاركات
29
الكنية
أبو المنذر
التخصص
شريعة
المدينة
الغربية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا حسب مافهمت من الشرح أن أنواع الدلالة ثلاثة : مطابقة .. تضمن .. التزام فهل فهمي صحيح ؟

هل لازم الشيء هو مفهومه ؟

هل استنباط الحكم من الدلالات الثلاث مطابقة .. تضمنا .. التزاما يختلف ضعفا وقوة ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا قلت في الدرس التاسع :


مَن ظنّ أنه لن يتمكن من فعل العبادة آخر الوقت لعارض ما فأخرّها أثِمَ وإن لم يتحقق ظنه،


ماوجه كونه يأثم ؟


وقلت إن اجتماع الأمر والنهي يكون على أنحاء:
1- أن يكون الاجتماع في جهة واحدة، بأن يكون مأمورا به من جهة ومن نفس تلك الجهة هو منهي عنه، وهذا باطل يلزم عليه التناقض


لكن شيخنا ألا يمكن اجتماعهما هنا من باب الأمر بالشيء نهي عن ضده ، أو من باب مفهوم المخالفة ؟


قلت : في : الحكم الشرعي قد يتعلق بأمرين فأكثر على الترتيب .... ثم قلت :أن يستحب الجمع بينهما كخصال كفارة الجماع في نهار رمضان،


فإن كلا منها واجب لكن وجوب الإطعام عند العجز عن الصيام ووجوب الصيام عند العجز عن الاعتاق ويسن الجمع بينها.




شيخنا أليس في استحباب الجمع بينهما مع كون كلا منهما واجب إلغاء لترتيب الشرعي ؟




قلت : والثاني وهو ما تعلق به الحكم على البدل له ثلاثة أحوال أيضا:


3- أن يستحب الجمع بينهما كما في خصال كفارة اليمين فإن الواجب على المكلف فعل خصلة واحدة يختارها لكن يندب أن يفعل الجميع.


ماوجه الندب إذا كان الوجوب يتعلق بفعل خصلة واحدة يختارها ؟
1- وجه كونه يأثم أن الأعمال بالنيات وهو ظن أنه لن يدرك الوقت ومع هذا أخر ولم يبال.
2- إذا قال شخص أكرمْ العالِمْ، فيمتنع أن يقال لا تكرم العالم، للزوم التناقض، هذا ما نقصده، أما الأمر بالشيء نهي عن ضده بأن يقال في المثال الأول ينهى عن الإساءة للعالم وهما متلازمان أعني إكرامه وعدم الإساءة إليه، أما مفهوم المخالفة إذا صح أن نقول به في ذلك المثال فيقال لا يجب إكرام غير العالم، فكما ترى لا يوجد تناقض إلا في الصورة الأولى التي نقصدها.
3- ليس هنالك تعارض بين وجوب الترتيب واستحباب الجمع لأنه حين يفعل الواجب الأول قد سقط عنه به الوجوب فإذا جاءَ بالبقية فقد جمع بين طاعات مستحبة.
4- الواجب هو فعل خصلة واحدة أيها شاء فإذا أراد أن يجمع بينها فمن باب الجمع بين الطاعات.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا حسب مافهمت من الشرح أن أنواع الدلالة ثلاثة : مطابقة .. تضمن .. التزام فهل فهمي صحيح ؟

هل لازم الشيء هو مفهومه ؟

هل استنباط الحكم من الدلالات الثلاث مطابقة .. تضمنا .. التزاما يختلف ضعفا وقوة ؟
1- نعم فهمك صحيح الدلات ثلاث.
2- نعم ما يدل الشيء عليه بالالتزام فهو من المفهوم في اصطلاح بعض العلماء أو المنطوق غير الصريح في اصطلاح آخر.
3- المطابقة والتضمن لا تختلف ضعفا وقوة إلا إذا عرضت الغفلة، ولكنها تختلف من جهة وضوح النص كالنص والظاهر والمجمل.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع عشر- مباحث الكتاب

مفهوم المخالفة

قد تقدم أن مفهوم المخالفة هو ما يؤخذ من تخلف قيد من قيود الحكم، نحو: إن جاءَ زيدٌ فأكرمْهُ، فمجيء زيد هو قيد في الحكم الذي هو الإكرام، فإن لم يجئ فلا يجب إكرامه، أي أن الإكرام يدور مع المجيء فإن ثبت ثبت وان انتفى انتفى.
ولمفهوم المخالفة شرط هو: ( أن لا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت ).
نحو: في الغنم السائمة زكاة، فالسائمة صفة وقيد للحكم وهو وجوب الزكاة؛ لأنّ السائمة لم تذكر إلا لنفي الحكم وهو وجوب الزكاة عن المعلوفة التي هي المسكوت عنه، فإن السائمة منطوق بها، والمعلوفة مسكوت عنها .
فإن ظهر أن للمذكور فائدة غير نفي الحكم فالمفهوم ملغى لا يعمل به، وذلك في مواضع هي:
1- أن يخرج اللفظ مخرج الغالب، بأن يكون ذكر القيد لا لأجل الاحتراز عن شيء ما بل لأن الغالب من أحواله هو ذلك مثل قوله تعالى: ( ولا تقتلوا أولادَكم خشيةَ إملاقٍ ) فالمشركون كانوا يقتلون أولادهم في الجاهلية خشية من الفقر هذا هو السبب في غالب حالات قتل الأولاد، فلم يذكر هذا لبيان أنه إذا كان قتل الأولاد ليس خشية الإملاق فهو غير محرم.
2- أن يكون ترك ذكر المسكوت لخوف تهمة، كقول قريب عهد بالإسلام لغلامه بحضور المسلمين: تصدّق بهذا على أقربائي المسلمين، أي وغير المسلمين ولكنه لم يذكر ذلك خوفا من اتهامه بالنفاق فحينئذ لا يكون ذكر المسلمين للاحتراز.
3- أن يكون المنطوق ذكر لموافقة الواقع، أي أنه ذكر لأجل أن الواقع هو ذلك لا للاحتراز كقولك لمن يؤذي جاره المسلم: لا تؤذي جارك المسلم، فلم ترد به الاحتراز وبيان جواز إيذاء الجار الكافر بل الكلام منصب على حالة محددة واقعية.
4- أن يكون المنطوق ذكر جوابا لسؤال، كما لو قيل: هل تجب الزكاة في الغنم السائمة ؟ فأجيب: في الغنم السائمة زكاة فهذا الوصف أعني السائمة لا مفهوم له حينئذ لكونه خرج جوابا لسؤال فلا يدل هذا على أن غير السائمة لا زكاة فيها.
5- أن يكون المنطوق ذكر بيانا لحكم حادثة معينة تتعلق به، كما لو قلتَ: لزيدٍ غنم سائمة، فقيل: في الغنم السائمة زكاة فهذا الوصف أعني السائمة لا مفهوم له حينئذ لكونه تعلّق بحادثة معينة، فلا يدل هذا على أن غير السائمة لا زكاة فيها.
6- أن يكون المنطوق قد ذكره المتكلم لجهل المخاطب بحاله دون حكم المسكوت، كما لو قيل لمن يعرف أن صلاة النافلة تشرع قائما ولكن لا يعرف أنها تشرع جالسا فبين له الحكم فقيل: تشرع صلاة النافلة جالسا، فوصف الجلوس ليس للاحتراز بل لكونه يعلم أن المخاطب لا يجهل حكم صلاة النافلة قائما.
7- أن يكون المسكوت عنه قد تركه المتكلم لجهله بحاله دون حكم المنطوق، كما لو جهل شخص حكم صلاة النافلة جالسا فقال: تشرع صلاة النافلة قائما، فلا يدل على عدم مشروعية الجلوس لأنه تكلم على حالة يعلمها وترك ما لا يعلمه.
والجامع لهذه الشروط ونحوها هو: أن لا يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم، فإن ظهر له فائدة أخرى ألغي المفهوم.
مسألة: تلك الشروط وإن ألغت اعتبار مفهوم المخالفة إلا أنها لا تمنع إلحاق المسكوت بالمنطوق بواسطة القياس الأصولي.
فمثلا خروج اللفظ مخرج الغالب يلغي مفهوم المخالفة نحو ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، فلا يدل على جواز قتلهم إذا كان لغير خشية إملاق فالمفهوم ملغى، ولكن لنا أن نقيس المسكوت عنه وهو ما كان لسبب آخر ككراهية الولد من تلك الأم على المنطوق وهو خشية الفقر ما دام أنه توجد علة القياس فإن العلة هنا هو تحريم إزهاق النفس بالباطل وهو متحقق في المنطوق والمسكوت بلا فرق.

( شرح النص )

وَشَرْطُهُ أَلَّا يَظْهَرَ لتخصيصِ المنطوقِ بالذكرِ فائدةٌ غيرُ نفيِ حُكْمِ غيرِهِ، كَأَنْ خرجَ للغالِبِ في الأصحِّ، أَو لخوفِ تُهْمَةٍ، أَوْ لِمُوافَقَةِ الواقِعِ، أَوْ سُؤَالٍ، أَوْ لِحادِثَةٍ، أَو لجهلٍ بِحكمِهِ، أَوْ عَكْسِهِ، ولا يمنعُ قياسَ المسكوتِ بالمنطوقِ فلا يَعُمُّهُ المعروضُ، وقيلَ يَعُمُّهُ.
..........................................................................................................
قد تقدّم أن مفهوم المخالفة طريق للعلم بالحكم الشرعي ولكن ليس في كل مورد بل له شرطه بيّنه بقوله: ( وَشَرْطُهُ ) أي شرط مفهوم المخالفة ليكون معتبرا ( أَلَّا يَظْهَرَ لتخصيصِ المنطوقِ ) الذي هو القيد ( بالذكرِ فائدةٌ غيرُ نفيِ حُكْمِ غيرِهِ ) أي غير المنطوق وهو المسكوت، فإذا قيل: في الغنمِ السائمةِ زكاةٌ، يقال: الغنم منها المعلوفة ومنها السائمة فلأي غرض خصّ السائمة بالذكر ؟ الجواب: لنفي الزكاة عن المعلوفة فلم يظهر لذكر القيد هنا فائدة سوى نفي الحكم، فإن ظهرت فائدة غير ذلك ألغي المفهوم ولذا قال: ( كَأَنْ خرجَ ) القيد المذكور ( للغالِبِ ) بأن صرّح به المتكلم لأن الكثير الغالب من صوره مقيد بذلك القيد لا لأجل الاحتراز كما في قوله تعالى: وربائبكم اللآتي في حجوركم، والربائب جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غير زوجها الحالي، وقد وصفن بكونهن في حجور أي بيوت أزواج الأمهات لأجل أن الغالب في الربيبة أن تكون في حجر زوج أمها، فلا يدل هذا على مخالفة حكم من لم يكن في حجر الازواج لمن كنّ فيها ( في الأصحِّ ) وقيل إن هذا ليس بشرط ( أَو لخوفِ تُهْمَةٍ ) من ذكر المسكوت، كأن يقول حديث عهد بإسلام لغلامه بحضرة المسلمين: تصدق بهذا المال على المسلمين، فلا يعتبر مفهوم المسلمين ويمنع التصدق على الكفار؛ لأنه ترك ذكر غير المسلمين خوفا من أن يتهم بالنفاق ( أَوْ لِمُوافَقَةِ الواقِعِ ) كقوله تعالى: لا يتخذ المؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ مِنْ دونِ المؤمنينَ، فإنها نزلت في قوم والوا اليهود دون المؤمنين، فجاءت الآية ناهية عن هذه الحالة الواقعة من غير قصد التخصيص بها، فلا يقال يجوز موالاة الكفار مع المسلمين ( أَوْ ) لجواب ( سُؤَالٍ ) عن المذكور، كما لو فرض أن سائلا سأله صلى الله عليه وسلم: هل في الغنم السائمة زكاة ؟ فأجاب: في الغنم السائمة زكاة، فلا يكون لذكر السائمة مفهوم، لأن ذكرها في الجواب لمطابقة السؤال ( أَوْلـِ ) بيان حكم ( حادِثَةٍ ) تتعلق بالمذكور كما لو فرض أنه قيل بحضرته صلى الله عليه وسلم لفلان غنم سائمة، فقال: في الغنم السائمة زكاة، فلا يكون لذكر السائمة مفهوم، لأن ذكرها كان متعلقا بقضية معينة فلا يعم غيرها ( أَو لجهلٍ ) من المخاطب ( بِحكمِهِ ) أي حكم المنطوق دون المسكوت عنه، كما لو فرض أنه صلى الله عليه وسلم خاطب من يعلم حكم المعلوفة ويجهل حكم السائمة فقال: في الغنم السائمة زكاة، فلا يكون لذكر السائمة مفهوم، لأن تخصيصها بالذكر لكون المخاطب لا يجهل إلا إياها ( أَوْ عَكْسِهِ ) أي أو لجهل المتكلم بحكم المسكوت دون حكم المنطوق كقولك: في الغنم السائمة زكاة، وأنت تجهل حكم المعلوفة، فلا يكون لذكر السائمة مفهوم، لأن اقتصارك عليها لكونها هي المعلومة عندك، تنبيه: ظهر من قول المصنف: كَأَنْ خرجَ .. أن الكلام خرج مخرج التمثيل لا الحصر، فيشمل غيرها كما لو كان القيد للامتنان به أي ذكرَه لأنه هو محل الامتنان واظهار النعمة لا لأجل الاحتراز كقوله تعالى: لتأكلوا منه لحمًا طَرِيًّا، فلم يرد سبحانه بذكر وصف الطري الاحتراز عن اللحم غير الطري بل إظهار زيادة الامتنان به فإن اللحم الطري أحب للنفوس من القديد وهو اللحم الذي قطع وملح وعرض على الشمس والهواء فجف ويبس وكانوا يفعلون ذلك لغرض حفظه من التلف فلم يكن لهم ما أنعم الله به علينا من الثلاجات، والقاعدة هي أن لا يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم، فإن ظهر له فائدة أخرى ألغي المفهوم ( ولا يمنعُ ) ما يقتضي تخصيص المذكور بالذكر مما تقدم ( قياسَ المسكوتِ بالمنطوقِ ) إذا كان بينهما علة جامعة، مثاله: لو قيل: هل في الغنم السائمة زكاة ؟ فأجيب: في الغنم السائمة زكاة، فهنا مفهوم السائمة ملغى، ولكن هل يجوز لنا أن نقيس المسكوت على المنطوق أعني المعلوفة على السائمة ؟ الجواب نعم لا مانع من ذلك، وهذا مبني على مسألة وهي: إذا ألغي مفهوم المخالفة هل يصير القيد لاغيا كأنه غير موجود أو لا يصير لاغيا بل يعتبر وجوده ولكن لا يؤخذ منه مفهوم ؟ فإذا أجيب: في الغنم السائمة زكاة، فهل نقول ألغي وصف السائمة فكأنه قال: في الغنم زكاة، واسم الغنم يعم السائمة والمعلوفة كما هو معلوم فيكون قد بين المتكلم حكم المعلوفة أيضا وأن فيها الزكاة، أو نقول لا نلغيه ويكون المتكلم قد بين أن في الغنم السائمة زكاة ولكنه لم يبين حكم المعلوفة فقد يكون فيها زكاة وقد لا يكون فنحتاج لدليل، فإذا قلنا بالأول وهو أن الاسم أي الغنم يعمه فأي حاجة لقياس المعلوفة على السائمة وهما مندرجان تحت لفظ واحد يعمهما، وإذا قلنا بالثاني وهو أن القيد غير ملغى وبالتالي لم يبين حكم المعلوفة بل هو مسكوت عنه فلنا إذا توفرت العلة الجامعة أن نقيس المسكوت على المنطوق وهذا هو الأصح ولذا قال: ( فلا يَعُمُّهُ ) أي المسكوتَ ( المعروضُ ) وهو اللفظ المقيد، فإذا قيل الغنم السائمة، فالغنم معروض أي موصوف والسائمة عارض أي وصف، والمعنى أن لفظ المعروض لا يتناول المسكوتَ، فنحتاج للقياس، وهذا هو الأصوب ( وقيلَ يَعُمُّهُ ) أي يعمُّ المسكوتَ المعروضُ؛ لأن قيد السائمة مثلا لما ألغي مفهومه اعتبر كأنه غير موجود فكأن المتكلم لم يذكره بل قال: في الغنم زكاة، فحينئذ لا نحتاج للقياس لاندراج المعلوفة تحت اسم الغنم.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس عشر- مباحث الكتاب

أنواع مفهوم المخالفة


1- الصفة وهي: كل لفظ مقيد لآخر، مما هو في المعنى وصف فيشمل: ( النعت النحوي- الإضافة- العلة- الظرف الزماني- الظرف المكاني-الحال- العدد ).
مثال النعت النحوي: في الغنمِ السائمةِ زكاةٌ.
ومثال الإضافة: في سائمةِ الغنمِ زكاةٌ.
ومثال العلة: أعطِ السائلَ لحاجتِهِ أي المحتاج.
ومثال الظرف الزماني: سافرْ يومَ الجمعةِ أي لا غيره من الأيام.
ومثال الظرف المكاني: اجلسْ أمامَ فلانٍ أي لا في غيره من بقية الجهات.
ومثال الحال: أحسنْ إلى العبدِ مطيعًا أي لا عاصيًا.
ومثال العدد: امش ثلاثين خطوة أي لا أقل ولا أكثر.
ثم الصفة قد تكون مناسبة للحكم، وقد تكون غير مناسبة للحكم، مثال الأولى: في الغنم السائمة زكاة، فإن السوم صفة مناسبة للحكم بوجوب الزكاة، لأن السوم يدل على خفة المؤنة والتكاليف على صاحب الغنم فناسب فرض الزكاة عليه، ومثال الثانية: كما لو قيل: في الغنمِ العُفْرِ زكاة، والعفر هي التي يعلو بياضها حمرة، فصار لونها كلون العَفَر من التراب، وهو معنى غير مناسب لوجوب الزكاة.
2- الشرط نحو أكرمْ زيدًا إن جاءَك أي لا إن لم يجئك.
3- الغاية نحو كل حتى يطلع الفجر أي لا بعده.
4- تقديم المعمول نحو إياك نعبد وإياك نستعين أي دون غيرك.
5- إنما نحو إنما العلم بالتعلم أي لا بغيره.
6- النفي والاستثناء نحو لا غالب إلا الله.
7- ضمير الفصل- وهو ما يفصل بين المبتدأ والخبر- نحو زيدٌ هوَ الرابحُ أي لا غيره.

ترتيب أنواع مفهوم المخالفة

بعض المفاهيم أعلى من بعض وأقوى دلالة فأعلاها:
1- ما كان بالنفي والاستثناء مثل لا عالمَ إلا زيدٌ لسرعة تبادر المفهوم المخالف إلى الذهن حتى قال بعض العلماء إنه منطوق صراحة وليس من المفهوم.
2- الغاية، وإنما.
3- الشرط، وضمير الفصل.
4- الصفة المناسبة.
5- مطلق الصفة غير العدد.
6- العدد.
7- تقديم المعمول.
وفائدة هذا الترتيب تظهر عند التعارض، فإذا تعارض مفهوم الغاية والشرط مثلا قدم الغاية، وكذا إن تعارض مفهوم الشرط والصفة قدم الشرط، وقس عليه الباقي.

مفهوم اللقب

المراد من اللقب هو: الاسم المعبِّر عن ذات، فيشمل: العلم واسم الجنس.
فالعلم هو: اسم دل على معين، كزيد، فإذا قلنا جاءَ زيدٌ، فهل له مفهوم مخالف وهو أنه لم يجئ غيره؟ الجواب: لا.
واسم الجنس هو: اسم دل على شائع في جنسه، كرجل وتراب وماء وشجرة ونحوها من النكرات، فإذا قلنا: في الغنمِ زكاة، فالغنم لقب فلا يدل على عدم وجوب الزكاة في غيرها من بقر وإبل.

حجية مفهوم المخالفة

مفهوم المخالفة حجة عند جمهور العلماء، وحجيته ثابتة بدلالة اللغة فإن المألوف في أساليب اللغة أن تقييد الحكم بقيد يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء ذلك القيد، ولذا فهم كثير من أئمة اللغة كأبي عبيدة من قوله صلى الله عليه وسلم: مَطَلُ الغنيِّ ظلمٌ. رواه البخاري ومسلم، أن مطل غير الغني ليس بظلم، والمطل هو المماطلة وعدم تسديد الدين، وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب، فظهر أن حجية مفهوم المخالفة ثابتة بلغة العرب وأن العرب من قديم كانوا يفهمونها ويحتجون بها من غير توقف على شرع أو على استدلال عقلي.

( شرح النص )​

وهوَ صِفَةٌ كالغنمِ السائِمَةِ، وسائِمَةِ الغنمِ، وكالسائِمَةِ في الأصحِّ، والمنفيُّ في الأوَّلَينِ معلوفةُ الغنمِ على المختارِ، وفي الثالثِ معلوفةُ النَّعَمِ، ومنهَا العِلَّةُ، والظرفُ، والحالُ، والشرطُ، وكذا الغايةُ، وتقديمُ المعمولِ غالبًا، والعددُ.
ويفيدُ الحصرَ إنَّما بالكسرِ في الأصحِّ، وضميرُ الفصلِ، ولا وإلَّا الاستثنائيَّةُ، وهوَ أعلاها، فما قيلَ منطوقٌ كالغايةِ وإِنَّما، فالشَّرْطُ، فصِفَةٌ أُخرى مناسِبَةٌ، فغيرُ مناسبةٍ، فالعددُ، فتقديمُ المعمولِ.
والمفاهيمُ حُجَّةٌ لغةً في الأصحِّ، وليسَ منها اللقَبُ في الأصحِّ.

..........................................................................................................
شرع في بيان أنواع مفهوم المخالفة فقال: ( وهوَ ) أي مفهوم المخالفة ( صِفَةٌ ) والمراد بها لفظ مقيد لآخر، فيشمل النعت النحوي وغيره كالحال والظرف ( كالغنمِ السائِمَةِ ) وهي نعت للغنم ( وسائِمَة الغنمِ ) وهي مضافة للغنم ( وكالسائِمَةِ في الأصحِّ ) أي يدخل في الصفة ما لو ذكر الصفة وحذف الموصوف فقال: في السائمة زكاة، وقيل لا يدخل فلا مفهوم له ( والمنفيُّ في ) المثالين ( الأوَّلَينِ ) وهما: الغنم السائمة، وسائمة الغنم ( معلوفةُ الغنمِ ) أي احترزنا بالغنم السائمة عن الغنم المعلوفة، وكذا احترزنا بسائمة الغنم عن معلوفة الغنم، فالمعنى فيهما واحد فمفهومهما أن لا زكاة في الغنم المعلوفة ( على المختارِ ) من أقوال العلماء، وقيل المنفي فيهما هو معلوفة النعم من بقر وإبل وغنم، فإذا قيل: في الغنمِ السائمة زكاة، دلّ على هذا القول أنه لا زكاة في البقر والإبل والغنم المعلوفة، وفيه بعد كما لا يخفى ( و ) المنفيّ ( في ) المثال ( الثالثِ ) وهو السائمة ( معلوفةُ النَّعَمِ ) فإذا قيل: في السائمةِ زكاة، كان المعنى أن في النعم السائمة زكاة، فدل بمفهومه على أنه لا زكاة في النعم المعلوفة ( ومنهَا ) أي ومن الصفة، اعلم أن بعضهم فسر الصفة بكل لفظ مقيد لآخر مما ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية، وبعضهم فسر الصفة بكل لفظ مقيد لآخر ولم يستثن فيشمل الشرط والاستثناء والغاية فكلها مندرجة في الصفة، وعليه جرى المصنف في المتن ( العِلَّةُ ) نحو: عاقبْ الرجلَ لإسائَتِهِ أي المسيء ( والظرفُ ) زمانا أو مكانا نحو: سافرْ غدًا أي لا في غيره من الأيام، واجلسْ أمامَ فلانٍ، أي لا في غيره من بقية جهاته ( والحالُ ) نحو أحسنْ إلى العبدِ مطيعًا أي لا عاصيًا ( والشرطُ ) نحو قوله تعالى: وإنْ كُنَّ أولاتِ حملٍ فأنفقوا عليهنّ، أي فغيرهن ممن لسن أولات حملٍ لا يجب الإنفاقُ عليهنّ ( وكذا الغايةُ ) في الأصح نحو قوله تعالى: فإنْ طلقَها فلا تحِلُّ له حتى تنكِحَ زوجًا غيرَهُ، أي فإنْ نكحت زوجًا غيره حلت له، وقيل ما يفهم من الغاية ليس من مفهوم المخالفة بل هو من دلالة الإشارة فيكون منطوقا غير صريح وذلك لتبادره إلى الأذهان ( وتقديمُ المعمولِ ) على العامل في الأصح نحو قوله تعالى: إياكَ نعبدُ أي لا غيرك، وقيل لا يفيد الحصر وإنما أفاده في نحو إياك نعبد للقرينة وهي العلم بأن قائليه أي المؤمنين لا يعبدون غير الله ( غالبًا ) أي في غالب أحوال تقديم المعمول على العامل، وقد لا يفيد الحصر في بعض الصور نحو: القائدَ قتلتُ، مع أنك قد تكون قد قتلت غيره في المعركة ويكون الغرض من التقديم إفادة الاهتمام به لأن له شأنا خاصا استدعى تقديمه ( والعددُ ) في الأصح نحو قوله تعالى: فاجلدوهم ثمانينَ جلدةً أي لا أكثر ولا أقل، وقيل ليس العدد من مفاهيم المخالفة المعتبرة، ثم مما له مفهوم مخالف ما يفيد الحصر ولذا ذكره بقوله: ( ويفيدُ الحصرَ إنَّما ) لاشتمالها على نفي واستثناء تقديرًا نحو إنما إلهكم الله أي لا غيره، والإله هو المعبود بحق ( بالكسرِ ) لا بالفتح نحو قوله تعالى: اعلموا أَنما الحيوة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ.. الآية، فليس القصد فيها إفادة حصر الدنيا بهذه الأشياء ( في الأصحِّ ) وقيل إن إنما بالكسر لا تفيد الحصر، وقوله في الأصحّ راجع إلى المسائل الأربع التي هي: الغاية، وتقديم المعمول، والعدد، وإنما ( وضميرُ الفصلِ ) نحو قوله تعالى: فاللهُ هوَ الوليُّ أي فغيره ليس بوليّ أي ناصر ( ولا وإلَّا الاستثنائيَّةُ ) نحو لا عالمَ إلا زيدٌ، وما قامَ إلا زيدٌ، منطوقهما نفي العلم والقيام عن غير زيد، ومفهومهما إثبات العلم والقيام لزيد، ومما يفيد الحصر نحو: العالمُ زيدٌ، وصديقي زيدٌ، مما عرّف فيه المسند والمسند إليه ( وهوَ ) أي الأخير وهو لا وإلا الاستثنائية ( أعلاها ) أي أعلى أنواع مفهوم المخالفة قوة حتى قيل إنه منطوق صراحة لسرعة تبادر فهمه إلى الأذهان، وأقول لعل القول بأنه منطوق صراحة هو الأصح إذْ يبعد أن تكون كلمة التوحيد لا إله إلا الله تدل على إثبات الإلوهية لله من طريق مفهوم المخالفة الذي هو أضعفها دلالة وخالف بعض العلماء في حجيته ( فما قيلَ ) فيه إنه ( منطوقٌ كالغايةِ وإِنَّما ) فقد قيل إن دلالتهما على المفهوم من المنطوق غير الصريح بدلالة الإشارة ( فالشَّرْطُ ) إذ لم يقل أحد إنه منطوق ( فصِفَةٌ أُخرى مناسِبَةٌ ) للحكم لأن بعض العلماء احتجوا بدلالة الشرط وخالفوا في اعتبار الصفة فما حصل فيه الخلاف يتأخر رتبته، وقيّد الصفة بأخرى للإشارة إلى أن لا و إلا الاستثنائية والغاية وإنما والشرط هي من الصفات في اصطلاح المصنف الذي تبع به الإمام الجويني رحمه الله، وقيّد بالمناسبة لحصول الخلاف في حجية غير المناسبة، مثال المناسبة في الغنم السائمة زكاة ( فـ ) صفة ( غيرُ مناسبةٍ ) نحو في الغنم السود زكاةٌ ( فالعددُ ) لإنكار كثير من العلماء لحجيته دون ما قبله ( فتقديمُ المعمولِ ) آخر المفاهيم لأنه لا يفيد الحصر في كل صورة كما مر، وفائدة هذا الترتيب تظهر عند التعارض، فإذا تعارض مفهوم الغاية والشرط مثلا قدم الغاية، وكذا إن تعارض مفهوم الشرط والصفة قدم الشرط، وقس عليه الباقي ( والمفاهيمُ ) المخالفة ( حُجَّةٌ لغةً ) أي من حيث دلالة اللفظ عليه، والمراد أنه حجة شرعا بدليل اللغة ( في الأصحِّ ) وقيل إنه حجة بدليل الشرع لا اللغة لمعرفة ذلك من تتبع موارد كلام الشارع، وقيل إنه حجة بدليل العقل وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة، وأنكر قوم كالإمام أبي حنيفة رحمه الله حجية مفهوم المخالفة كلها ( وليسَ منها ) أي من المفاهيم المخالفة ( اللقَبُ ) وهو ما عبر به عن الذات كالعلم كقوله تعالى محمد رسول الله فلا يدل على نفي الرسالة عن غيره ( في الأصحِّ ) كما قال به جماهير الأصوليين وقيل هو منها نحو: على زيدٍ حجٌّ أي لا على غيره، وأجيب أن دلالته على المفهوم في خصوص هذا المثال للقرينة.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فإن لم يجيء
وهو ما لكان لسبب آخر
كما لو فرض أن سائلا سأله صلى الله عليه وسلم: هل في الغم السائمة
( بِحكمِهِ ) أي حكم المنطوق دوت المسكوت عنه
فأجيب: في الغنم السائمة زكاة، فهنا مفوم السائمة ملغى
واجلسْ أمامِ فلانٍ
الغاية نحو لا تدخلْ حتى آذنَ لكَ أي لا بغير إذني.
شيخنا الكريم
أليست المخالفة في الغاية مخالفة ما بعدها لما قبلها في الحكم ويكون التقدير للمفهوم في مثالكم بـ(أي: لا بعد إذني فيجوز) أكثر مناسبة ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الكريم
أليست المخالفة في الغاية مخالفة ما بعدها لما قبلها في الحكم ويكون التقدير للمفهوم في مثالكم بـ(أي: لا بعد إذني فيجوز) أكثر مناسبة ؟
نعم الأمر كما ذكرت، جزاك الله خيرًا.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس عشر- مباحث الكتاب

الموضوعات اللغوية


أولا: الموضوعات اللغوية هي: الألفاظ الدالة على المعاني التي وضعت لها، كماء وشمس وأرض ونخلة وقرء ونحو ذلك.
ومن لطف الله سبحانه بعباده حدوث هذه الموضوعات اللغوية ليعبر بها الإنسان عما في نفسه، وهي أكثر فائدة من الإشارة التي يشير بها الإنسان بيده أو رأسه ليشرح بها ما في نفسه، ومن المثال أي الشكل المصنوع من طين ونحوه على هيئة شيء ما ليدل عليه، ومن الرسم كرسم صورة فرس على جدار لتدل عليه؛ لأن هذه الأشياء تخص الموجودات الحسية، والألفاظ يعبر بها عن المحسوس والمعقول والموجود والمعدوم، وهي كذلك أيسر وأقل مؤنة لأنها تخرج مع النَّفَس الضروري للحياة.
ثانيا: طريق معرفة اللغة إما النقل تواترا كالسماء والأرض والفرس لمعانيها المعروفة أو آحادا كمعرفة أن معنى الضرغام هو الأسد والقرء هو الحيض والطهر، وإما باستنباط العقل من النقل كاستنباط أن الجمع المعرف بأل دال على العموم، فقد عرف بالنقل جواز الاستثناء من الجمع المعرف بأل، فدل ذلك عقلا على لزوم تناوله للمستثنى منه حتى صحّ الاستثناء منه، ولا يعرف ذلك بمجرد العقل بل لا بد من النقل.
ثالثا: اللفظ له معنى وللمعنى مصداق، كالإنسان فمعناه ومفهومه حيوان ناطق، ومصداقه – أي ما يصدق عليه في الخارج من الأفراد- زيد وعمرو وهند.
والمصداق قد يكون لفظا كالكلمة فإن معناها قول مفرد ومصداقها زيد وقام وفي ونحو ذلك، فنحن هنا لا نقصد أن مصداق الكلمة هو ذات زيدٌ التي تقوم وتقعد وإنما نقصد مصداقها هو لفظ زيد المشتمل على الزاي والياء والدال.
وقد يكون المصداق غير لفظ كإنسان فإن مصداقه ذوات نحو زيد وعمرو وهند، وهذا المصداق غير اللفظي تارة لا يمتنع مفهومه من الانطباق على أكثر من واحد كالإنسان، ويسمى كليا وتارة يمتنع مفهومه من الانطباق على أكثر من واحد كزيد، ويسمى جزئيا.
والمصداق الذي هو لفظ تارة يكون مفردا سواء أكان مستعملا مثل الكلمة تصدق على ألفاظ مفردة دالة على معنى مثل زيد وجاء وهل، أم مهملا كأسماء حروف الهجاء مثل الباء فهو اسم لـ بَهْ، وكالتاء اسم لـ تَهْ فمصاديقها ألفاظ لكنها غير دالة على معنى.
وتارة يكون مركبا سواء أكان مستعملا مثل الكلام فمصداقه زيدٌ قائمٌ، وقامَ زيدٌ، أم مهملا كالهذيان فإن معناه ألفاظ مركبة لا تدل على معنى كألفاظ السكران التي لا يعقل معناها.
رابعا: الوضع: جعل اللفظ دليلًا على المعنى، كجعل لفظ الماء دليلا على السائل المعروف.
ولا يشترط في الوضع وجود المناسبة بين اللفظ والمعنى عند وضعه له، بل الأمر موكول إلى اختيار الواضع، وقال عباد بن سليمان الصَّيْمَرِي من المعتزلة يشترط وجود مناسبة وإلا لما خص هذا اللفظ دون غيره بهذا المعنى، فعلى كلامه لا بد من وجود مناسبة خاصة بين لفظ نار ومعناه ولفظ ماء ومعناه وهكذا، فهم يرون أن في الحروف صفات معينة من قوة وضعف ورخاوة ويبوسة ونحو ذلك تقتضي أن الواضع حينما يركب الحروف ويجمع بينها لا يفعل هذا إلا لمناسبة فلا يصح أن يرفع حرفا ويضع مكانه آخر، وردّ بأنه قد يوضع اللفظ للشيء وضده كالقرء للحيض والطهر فكيف ناسب لفظ القرء ذلك.
خامسا: للمعاني وجود في الذهن ووجود في الخارج، كالأسد فإن معناه الحيوان المفترس المعروف، وله أفراد في الخارج فهل اللفظ موضوع للمعنى الحاصل للشيء في أذهاننا أو للمصاديق الخارجية؟
المختار أنه موضوع للمعنى الذهني، وقيل إنه موضوع للمعنى الخارجي.
ولم يوضع لكل المعاني ألفاظ فمثلا الروائح كثيرة جدا يميزها الأنف ولم يوضع لكل رائحة اسم خاص بها بل يقال رائحة كذا كرائحة الورد والياسمين ورائحة المسك ونحو ذلك وهذا يكفي في التمييز بينها ولا نحتاج ألفاظا مستقلة.
سادسا: المحكم هو: اللفظ المتضح معناه، سواء أكان نصا كزيد في جاءَ زيدٌ أم ظاهرًا كالأسد في رأيت اليوم أسدًا.
والمتشابه: ما لم يتضح معناه، واختلفوا فيه فقال بعضهم: هو ما استأثر الله بعلمه ولا يعلمه أحد ولو كان من الراسخين في العلم، وقال بعضهم بل هو مما لم يستأثر الله بعلمه كالألفاظ المجملة والمحتملة لأكثر من معنى تخفى على بعض الناس ويعرفها غيرهم.
سابعا: اللفظ الشائع بين عوام الناس وخواصهم لا يجوز أن يكون موضوعا في اللغة لمعنى خفي لا يدركه إلا الخواص من الناس، بل يجب أن يكون معلوما عند الجميع كالقيام والقعود والحركة.

( شرح النص )​

مسأَلَةٌ: مِن الألطافِ حُدُوثُ الموْضُوعاتِ اللغويةِ، وهيَ أفيدُ من الإشارةِ والمثالِ وأيسَرُ، وهيَ: ألفاظٌ دالّةٌ على معانٍ، وتُعْرَفُ بالنَّقْلِ، وباستنباطِ العقلِ منهُ، ومدلولُ اللفظِ معنىً جُزئيٌّ أو كليٌّ، أَو لفظٌ مفردٌ أو مركّبٌ، والوضعُ: جعلُ اللفظِ دليلَ المعنى، وإن لمْ يناسبْه في الأصحّ، واللفظُ موضوعٌ للمعنى الذهني على المختارِ، ولا يجبُ لكلِّ معنىً لفظٌ، بل لمعنىً محتاجٍ لِلَفْظٍ، والمحكَمُ: المتَّضِحُ المعنى، والمتَشَابِهُ غيرُهُ في الأَصَحِّ، وقَدْ يُوضِحُهُ اللهُ لبعضِ أَصفيائِهِ، واللفظُ الشائِعُ لا يجوزُ وضْعُهُ لمعنىً خَفِيٍّ على العَوَامِّ كقولِ مثبتي الحالِ: الحركةُ معنىً يوجِبُ تحرُّكَ الذاتِ.
..........................................................................................................
شرع في المقدمات اللغوية التي اعتاد الأصوليون ذكرها في علم الأصول فقال: ( مسأَلَةٌ مِن الألطافِ ) أي من الأمور التي لطف الله بها الناس وأحسن بها إليهم ( حُدُوثُ ) أي وجود ( الموْضُوعاتِ اللغويةِ ) ليتمكنوا بها من التعبير عما في أنفسهم ( وهيَ ) أي الموضوعات اللغوية ( أفيدُ ) في الدلالة على ما في النفس ( من الإشارةِ ) باليد أو الحاجب مثلا ( والمثالِ ) أي الشكل الذي يصنع من الطين ونحوه على صورة شيء ما؛ لأن الألفاظ تعم الموجود والمعدوم وهما يخصان الموجود المحسوس ( وأيسَرُ ) لأن الألفاظ تخرج مع النفَس الضروري للحياة بخلافهما فإنهما يحتاجان إلى كلفة ( وهيَ ) أي الموضوعات اللغوية ( ألفاظٌ دالّةٌ على معانٍ ) سواء المفرد كزيد والمركب كقام زيد ( وتُعْرَفُ ) أي الألفاظ الدالة على المعاني ( بالنَّقْلِ ) عن أهل اللغة تواترًا نحو السماء والأرض والحر والبرد لمعانيها المعروفة، أو آحادًا كالقرء للحيض والطهر ( وباستنباطِ العقلِ منهُ ) أي من النقل كاستنباط العقل أن الجمع المعرف باللام يدل على العموم لصحة الاستثناء منه ( ومدلولُ اللفظِ ) أي مصداقه، وإطلاق المدلول على المصداق شائع، والأصل إطلاقه على المفهوم الذي وضع له اللفظ ( معنىً جُزئيٌّ أو كليٌّ ) لأنه إن لم يمتنع أن يكون له أكثر من مصداق في الخارج فهو الكلي كجبل وإلا فجزئي كهذا الجبل ( أَو لفظٌ مفردٌ ) إما مستعمل كمصداق الكلمة كلفظ زيد وقام وفي، أو مهمل كمصداق أسماء حروف الهجاء كحروف جلس أي جه له سه ( أو ) لفظ ( مركّبٌ ) إما مستعمل كمصداق لفظ الخبر كقامَ زيدٌ أو مهمل كمصداق لفظ الهذيان ( والوضعُ: جعلُ اللفظِ دليلَ المعنى ) بحيث متى أطلق اللفظ فهم منه المعنى ( وإن لمْ يناسبْه ) أي لم يناسب اللفظ المعنى؛ فإن الموضوع للضدين كالجون للأسود والأبيض لا يناسبهما لفظ واحد ( في الأصحّ ) خلافا لعباد الصيمري القائل باشتراط المناسبة ( واللفظُ موضوعٌ للمعنى الذهني على المختارِ ) وقيل للخارجي ( ولا يجبُ ) أن يكون ( لكلِّ معنىً لفظٌ بلْ ) إنما يجب ( لمعنىً محتاجٍ لِلَفْظٍ ) إذْ أنواع الروائح مع كثرتها ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها، ويُدل عليها بالتقييد كرائحة كذا، فليست محتاجة للألفاظ، بخلاف أسماء الأشياء مثلا ( والمحكَمُ ) من اللفظ ( المتَّضِحُ المعنى ) من نص أو ظاهر ( والمتَشَابِهُ غيرُهُ ) أي غير المتضح المعنى ولو للراسخ في العلم ( في الأَصَحِّ ) وقيل يعلمه الراسخون في العلم، والأصل في المسألة قوله تعالى: هوَ الذي أَنزلَ عليكَ الكتابَ منهُ آياتٌ محكماتٌ هنّ أمُّ الكتابِ وأُخَرُ متشابِهاتٌ فأمّا الذينَ في قلوبِهم زيغٌ فيتّبعونَ ما تشابَهَ منهُ ابتِغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِهِ وما يعلمُ تأَويلَهُ إلا اللهُ والراسِخونَ في العلمِ يقولونَ آمنا بهِ كلٌّ منْ عندِ ربِّنا، فقد اختلف في الوقف على قوله سبحانه إلا الله فقيل هو تام، والراسخون استئناف لجملة جديدة وبالتالي الراسخون لا يعلمون تأويل المتشابه، وقيل، الراسخون معطوف على الله فهم يعلمون تأويله ( وقَدْ يُوضِحُهُ اللهُ ) أي المتشابه ( لبعضِ أَصفيائِهِ ) معجزة لنبي أو كرامة لولي، هذا وقد قالَ كثير من الأشعرية: إن المتشابه هو بعض آيات الصفات كقوله تعالى يد الله فوق أيديهم، فلا ندري ما يد الله، ولا يعلم تأويله إلا الله، بناء منهم على مذهبهم في التفويض، واختارَ الإمام ابن تيمية تبعا لغيره من السلف أن الوقف وإن كان تاما على لفظ الجلالة في قوله تعالى إلا الله إلا أن ذلك لا يعني أن الراسخين في العلم ليس عندهم تفسير معناه، وجعل من مصاديق المتشابه هو اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى في الآية فيتعلق به من في قلبه مرض ليفسره على غير مراد الله سبحانه كنحن وإنا في قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر، فتارة يراد بهما الجمع وتارة يراد بهما التعظيم، فيتعلق النصراني بمعنى الجمع ليقول إن الله ثلاثة -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا- ويترك صريح النصوص كقوله تعالى: وإلهكم إله واحد، وأما الراسخون في العلم فيعرفون مراد الله منه، وضمير الهاء في قوله تعالى: وما يعلمُ تأويلهُ، إما أن يكون راجعا إلى الكتاب أي ما يعلم تأويل الكتاب إلا الله، ويكون المراد بالتأويل حقيقة الشيء لا مجرد معناه وذلك كالغيب الذي أمرنا الله بالإيمان به كموعد يوم القيامة فهذا مما لا يعلمه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل واستأثر الله بعلمه، وإن كان الضمير راجعا إلى المتشابه أي ما يعلم المتشابه من الكتاب إلا الله كان ذلك كنصوص الوعد والوعيد ففيها أمور لا يعلم حقيقتها إلا الله فمثلا ما في النصوص من طعام الجنة والأنهار ونحو ذلك لسنا نعرف إلا الأسماء أما حقائق تلك الأشياء فلا يعلمها إلا الله كما قال تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، فلا يعلمها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فالتأويل في الآية لا يقصد به تفسير المعنى بل كنه الشيء وحقيقته وقدره ووقته ( واللفظُ الشائِعُ ) بين الخواص والعوام من الناس ( لا يجوزُ وضْعُهُ لمعنىً خَفِيٍّ على العَوَامِّ ) لامتناع تخاطبهم بما هو خفي عليهم لا يدركونه وإن أدركه الخواص، وذلك كالحركة فمعناها هو المعنى الظاهر وهو تحرك الذات وانتقالها لا ( كقولِ ) بعض المتكلمين ( مثبتي الحالِ ) وهو الواسطة بين الموجود والمعدوم ( الحركةُ معنىً يوجِبُ تحرُّكَ الذاتِ ) أي الجسم، توضيحه: إن الشيء إما أن يكون موجودا وإما أن يكون معدوما فلا وجود لواسطة بينهما، وقال بعض المتكلمين هنالك شيء يسمى بالحال هو لا موجود ولا معدوم، وذلك مثل العالمية والقادرية، فالذات الموجودة هي الموصوفة والصفة هي العلم والقدرة والنسبة بين الذات والصفة هي العالمية والقادرية وهي التي توجب لمحلها أن يكون عالما قادرا وهو حال متوسط بين الموجود والمعدوم، ومثل الحركة فهي معنى يوجب تحرك الجسم، بمعنى أن الحركة ليست هي نفس تحرك الجسم وانتقاله كما يفهم الناس بل هي معنى يقوم بالجسم يوجب لمحله أن يكون منتقلا، وذلك المعنى ليس أمرا موجودا ولا معدوما، فالناس تفهم من الحركة الانتقال وهم يقولون الحركة موضوعة في لغة العرب لمعنى يلزم منه الانتقال، والقول بالأحوال لا يصح فإن التقابل بين الوجود والعدم هو تقابل النقيضين اللذين لا يجتمعان ولا يرتفعان.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

ولم يوضع لكل رائحة اسما خاصا
وهيَ أفيدُ من الإشارةِ والمثالِ وأيسَرَ
ومدلولِ اللفظِ معنىً جُزئيٌّ أو كليٌّ
وأُخْرُ متشابِهاتٌ فأمّا الذينَ في قلوبِهم زيغٌ فيتّبعونَ ما تشابَهَ منهُ ابتِغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِهِ وما يعلمُ تأَويلُهُ إلا اللهُ
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة عين
الواسطة بين الموجود والمعدم
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السابع عشر- مباحث الكتاب

واضع اللغة- تقاسيم الألفاظ

أولا: في تحديد مَن هو واضع اللغة أقوالٌ فقيل: الواضع هو الله سبحانه وتعالى علّمها إلى عباده بوسيلة كالوحي إلى بعض أنبيائه فتكون توقيفية لقول الله تعالى: ( وعلّم آدم الأسماء كلها ) أي الألفاظ الشاملة للأسماء والأفعال والحروف لأن كلا منها اسم وعلامة على مسماه، وقيل: الواضع هم البشر فتكون اصطلاحية لا توقيفية، وتوقّف بعض العلماء ولم يرجح قولا.
ثانيا: هل اللغة تثبت بالقياس ؟
الجواب لا تثبت، فإذا اشتمل معنى اسم على وصف مناسب للتسمية، ووجد ذلك الوصف المناسب في معنى اسم آخر فلا يثبت للثاني الاسم الأول بالقياس عليه، كالخمر فهو اسم في اللغة للمسكر من ماء العنب بخصوصه وسمي خمرًا لتخميره أي تغطيته للعقل، ووجدنا أن المسكر من غير ماء العنب يسمى في اللغة نبيذًا، وفيه نفس الوصف المناسب للتسمية وهو تخمير العقل، فهل نقول يسمى النبيذ خمرًا أيضا قياسًا على الخمر ؟
الجواب: لا يسمى، وعليه لمعرفة حكم النبيذ نحتاج لقياسه على الخمر قياسا شرعيا أصوليا.
وقيل: تثبت اللغة بالقياس وعليه يسمى النبيذ خمرًا في اللغة فلا نحتاج للقياس الأصولي لمعرفة حكم النبيذ لأنه داخل في قوله تعالى: إنما الخمر والميسر .. الآية، فاتضح أن القياس اللغوي يثبت الاسم، والقياس الشرعي يثبت الحكم لا الاسم.
ثالثا: إذا كان اللفظ واحدًا والمعنى واحدًا كزيد وإنسان، فهذا إن منع تصور معنى اللفظ وقوع الشركة فيه فجزئي كزيد، وإن لم يمنع تصور معنى اللفظ وقوع الشركة فيه فكلي كإنسان.
والكلي إما أن يستوي معناه في أفراده فمتواطئ كإنسان، فإن حقيقته الحيوان الناطق، وهذا لا يختلف بالنسبة إلى أفراد جميع الإنسان، وإما أن يتفاوت معناه في أفراده فمُشَكِّك كالأبيض فإن البياض في الثلج مثلا أقوى منه في العاج.
وإذا كان اللفظ متعددًا والمعنى متعددًا فهو المباين مثل إنسان وجدار.
وإذا كان المعنى واحدًا واللفظ متعددًا فهو المترادف مثل إنسان وبشر.
وإذا كان اللفظ واحدًا والمعنى متعددًا فهو المشترك إن كان إطلاقه على كل واحد من المعنيين حقيقيا مثل: القرء للطهر والحيض فإنه يطلق على كل من الطهر والحيض حقيقة، وإن لم يكن يطلق على كل من المعنيين حقيقة كالأسد فإنه يطلق على الحيوان المفترس المعروف وعلى الرجل الشجاع فهو حقيقة في الأول مجاز في الثاني.
رابعًا: العَلَمُ: لفظ عيّن مسماه بوضع، كزيد فإنه يعين ويشخّص رجلًا بعينه، وقوله: بوضع خرجت بقية المعارف فإنها تعيّن مسماها بالقرينة، فأنت مثلا إنما يعين مسماه بقرينة الخطاب لا بوضعه.
والعلم نوعان: علم شخص، وعلم جنس، لأن التعيين إن كان خارجيا فهو علم شخص، وإن كان ذهنيا فعلم جنس.
بيانه: إن اللفظ إن وضع لشخص واحد في الخارج فهو العلم الشخصي، وهذا هو التعيين الخارجي، وإن كان لم يوضع على واحد معين في الخارج ولكن تعين في الذهن بأن نظر للماهية من جهة خصوصها فعلم جنس، وذلك أن الماهية كماهية الأسد وهو الحيوان المفترس المعروف إن حضرت في ذهن الواضع ليضع في قبالها لفظا معينا فتارة ننظر إليها من جهة أنها حضرت في ذهن الواضع دون غيره وفي زمان معين فتصير بهذه القيود متشخصة، لأنها تختلف عن الماهية في ذهن شخص آخر وفي زمن آخر، وتارة ننظر إليها من جهة عمومها بقطع النظر عن تلك التشخيصات فإنها تصدق على كثيرين في الخارج، فالواضع وضع علم الجنس كأسامة للماهية بالاعتبار الاول، ووضع اسم الجنس كأسد بالاعتبار الثاني.
فإن قيل وأي دليل على هذا الاعتبار ؟
قلنا: إن العرب فرقت بين أسد وأسامة من جهة الأحكام اللفظية فاعتبروا أسامة معرفة فلا يصح أن يقال الأسامة كما لا يصح أن يقال الزيد بخلاف أسد يصح أن نقول الأسد، وكذلك يجيء الحال من علم الجنس والحال لا يكون صاحبها إلا معرفة فنقول هذا أسامة مقبلًا، ولا يصح أن نقول هذا أسدٌ مقبلًا، فدل ذلك التفريق اللفظي على الفرق المعنوي بينهما.
والخلاصة أن علم الجنس كأسامة اسم للأسد لا يخص به واحد معين بل يطلق على كل أسد فالمفروض أن يعامل معاملة أسد ولكنهم عاملوه معاملة المعارف فتلمّس العلماء الفرق بينهما فذهبوا مذاهب عديدة.

( شرح النص )​

مسأَلَةٌ: المختارُ أَنَّ اللغاتِ توقِيفيَّةٌ، عَلَّمَها اللهُ بالوحْيِ، أو بِخَلْقِ أصواتٍ، أو عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ، وأَنَّ التَّوقيفَ مظنونٌ، وأَنَّ اللغةَ لا تثبتُ قياسًا فيما في معناهُ وصفٌ.
مسأَلَةٌ: اللفظُ والمعنى إِنِ اتَّحَدا فإنْ منعَ تصوَّرُ معناهُ الشِّرْكةَ فجزئِيٌّ، وإلا فكليٌّ مُتَوَاطِئٌ إِنِ استَوَى، وإلَّا فَمُشَكِّكٌ، وإنْ تَعَدَّدَا فَمُبَايِنٌ، أَو اللَّفْظُ فَقَطْ فَمُرَادِفٌ، وعَكْسُهُ إِنْ كانَ حَقِيقةً فيهما فمُشْتَرَكٌ، وإلا فحقيقةٌ ومَجازٌ.
والعلَمُ: ما عَيَّنَ مُسمَّاهُ بِوَضْعٍ، فإنْ كانَ تَعْيِيْنُهُ خارجِيًّا فَعَلَمُ شَخْصٍ، وإلَّا فَعَلَمُ جِنْسٍ.

..........................................................................................................
هذه ( مسأَلَةٌ ) في الواضع ( المختارُ أَنَّ اللغاتِ توقِيفيَّةٌ ) أي وضعها الله تعالى فوقفَ عباده عليها ( عَلَّمَها اللهُ ) عباده ( بالوحْيِ ) إلى بعض أنبيائه وهو الظاهر لأنه الطريق المعتاد في تعليم الله لخلقه ( أو بِخَلْقِ أصواتٍ ) في محل ما تدل على تلك اللغات فيسمعها بعض الناس ويلقنونها غيرهم فتنتشر ( أو ) خلق ( عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ ) في بعض العباد بأنها قصدت لتلك المعاني، وقيل إن اللغات اصطلاحية وضعها الخلق ( وأَنَّ التَّوقيفَ مظنونٌ ) أي أن القول بالتوقيف هو الراجح، قال العلامة الجوهري في حواشيه على لب الأصول: قد يقال لا حاجة إلى هذا بعد قوله في صدر البحث المختار أن اللغات توقيفية، وأما الأصل فلم يذكر الاختيار الأول فاحتاج إلى هذا. اهـ ( و ) المختار ( أَنَّ اللغةَ لا تثبتُ قياسًا فيما في معناهُ وصفٌ ) فإذا اشتمل معنى اسم على وصف مناسب للتسمية كالخمر أي المسكر من ماء العنب لتخميره أي تغطيته العقل، ووجد ذلك الوصف في معنى اسم آخر كالنبيذ أي المسكر من ماء غير العنب لم يثبت له بالقياس ذلك الاسم فلا يسمى النبيذ خمرًا، وقيل يثبت بالقياس فيسمى النبيذ خمرًا فيجب اجتنابه بآية إنما الخمر والميسر.. لا بالقياس على الخمر، وخرج بقوله: فيما في معناه وصف، ما لا وصف فيه مناسب للتسمية فلا يثبت بالقياس اتفاقا لانتفاء الجامع بينهما، وذلك كالأعلام، هذه ( مسأَلَةٌ ) في تقاسيم الألفاظ الموضوعة ( اللفظُ ) المفرد ( والمعنى إِنِ اتَّحَدا ) بأن كان كلّ منهما واحدًا ( فإنْ منعَ تصوَّرُ معناهُ ) أي معنى اللفظ المذكور ( الشِّرْكةَ ) فيه ( فجزئِيٌّ ) أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا كزيد ( وإلا ) وإن لم يمنع تصور معناه الشركة فيه ( فكليٌّ ) أي فذلك اللفظ يسمى كليا ( مُتَوَاطِئٌ ) ذلك الكلي ( إِنِ استَوَى ) معناه في أفراده كالإنسانِ فإنه متساوي المعنى في أفراده من زيد وعمرو وغيرهما سمي متواطئا من التواطئ أي التوافق لتوافق أفراده في معناه ( وإلَّا ) أي وإن لم تستو أفراده في معناه بل تفاوتت كالنور فإنه في الشمس أقوى منه في المصباح ( فَمُشَكِّكٌ ) سمي به لتشكيكه الناظر فيه فإن الناظر إن نظر إلى أصل المعنى كالنور وجده متواطئا لاشتراك أفراده فيه، وإن نظر إلى جهة الاختلاف في أفراده بالقوة والضعف ونحوها وجده غير متواطئ ( وإنْ تَعَدَّدَا ) أي اللفظ والمعنى كالإنسان والفرس ( فَمُبَايِنٌ ) أي كل من اللفظين للآخر سمي مباينا لمباينة معنى كل منهما لمعنى الآخر ( أَو ) تعدد ( اللَّفْظُ فَقَطْ ) أي دون المعنى كالإنسان والبشر ( فَمُرَادِفٌ ) كل من اللفظين للآخر سمي مرادفا لمرادفته له أي موافقته له في معناه ( وعَكْسُهُ ) وهو أن يتعدد المعنى دون اللفظ كأن يكون للفظ واحد معنيان ( إِنْ كانَ ) أي اللفظ ( حَقِيقةً فيهما ) أي في المعنيين كالقرء للحيض والطهر ( فمُشْتَرَكٌ ) لاشتراك المعنيين فيه ( وإلا ) أي وإن لم يكن اللفظ حقيقة فيهما ( فحقيقةٌ ومَجازٌ ) كالأسد للحيوان المفترس وللرجل الشجاع ( والعلَمُ ما ) أي لفظ ( عَيَّنَ مُسمَّاهُ ) خرج النكرة فإنها لا تعين مسماها كرجل ( بِوَضْعٍ ) خرج بقية المعارف فإن كلا منها لم يعين مسماه بالوضع بل بالقرينة ( فإنْ كانَ تَعْيِيْنُهُ ) أي المسمى ( خارجِيًّا ) بحيث لا يصدق في الخارج إلا على فرد معين ( فَعَلَمُ شَخْصٍ ) فتعريفه هو: ما عيّن مسماه في الخارج بوضع، كزيد ( وإلَّا ) بأن كان تعيينه لمسماه في الذهن فقط ( فَعَلَمُ جِنْسٍ ) فتعريفه هو: ما عيّن مسماه في الذهن بوضع، كأسامة للأسد، وأما اسم الجنس فهو: ما وضع للماهية المطلقة، أي من غير تعيين في الذهن أو في الخارج، كأسد، وحاصل الفرق بين علم الجنس، واسم الجنس هو: أَن الماهية المستحضرة في الذهن لها جهة خصوص وجهة عموم، فجهة الخصوص فيها هي حضورها في ذهن الواضع في زمن معين، وهي تختلف بهذا الاعتبار عن حضورها في زمن آخر وفي ذهن شخص آخر، وجهة العموم فيها هي باعتبار صحة الشركة فيها وصدقها على متعدد، فإن نظر للماهية من جهة خصوصها فهي علم الجنس، وإن نظر إليها من جهة عمومها فهي اسم جنس، هذا من حيث المعنى أما من حيث الأحكام اللفظية فعلم الجنس معرفة له أحكام المعرفة واسم الجنس نكرة له أحكام النكرة.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



أولا: في تحديد مَن هو واضع اللغة أقوالٌ فقيل: الواضع هو الله سبحانه وتعالى علّمها إلى عباده بوسيلة كالوحي إلى بعض أنبيائه فتكون توقيفية لقول الله تعالى: ( وعلّم آدم الأسماء كلها ) أي الألفاظ الشاملة للأسماء والأفعال والحروف لأن كلا منها اسم وعلامة على مسماه،


على القول بأن اللغات توقيفية كيف يصنعون فيما إذا أحدث مجموعة من البشر بعض المصطلاحات وأطلقوها على بعض المعاني؟
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



والكلي إما أن يستوي معناه في أفراده فمتواطئ كإنسان، فإن حقيقته الحيوان الناطق، وهذا لا يختلف بالنسبة إلى أفراد جميع الإنسان، وإما أن يتفاوت معناه في أفراده فمُشَكِّك كالأبيض فإن البياض في الثلج مثلا أقوى منه في العاج.


نجد بعض الناس حاسته السمعية مثلا أقوى من فلان وهذه يعني أن الإنسانية فيه أقوى من فلان ، مثل ما أن البياض في الثلج أقوى منه في العاج ، فلماذا لا يكون " الإنسان " من قبيل المشكك ؟
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.


وحاصل الفرق بين علم الجنس، واسم الجنس هو: أَن الماهية المستحضرة في الذهن لها جهة خصوص وجهة عموم، فجهة الخصوص فيها هي حضورها في ذهن الواضع في زمن معين، وهي تختلف بهذا الاعتبار عن حضورها في زمن آخر وفي ذهن شخص آخر،

هل يعني هذه أنه إذا حضر لفظ " أسد " في ذهني في زمن معين يكون علم جنس كأسامة ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,650
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

على القول بأن اللغات توقيفية كيف يصنعون فيما إذا أحدث مجموعة من البشر بعض المصطلاحات وأطلقوها على بعض المعاني؟
لا يوجد إشكال في ذلك لأنهم لا يعنون أن كل كلمة مستعملة من قبل البشر هي من وضع الله بل أصل اللغات فإنه من المعلوم بالبداهة أن الناس يصنعون بعض الأشياء ويسمونها باسم مخترع من عند أنفسهم.
 
التعديل الأخير:
أعلى