العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

نجد بعض الناس حاسته السمعية مثلا أقوى من فلان وهذه يعني أن الإنسانية فيه أقوى من فلان ، مثل ما أن البياض في الثلج أقوى منه في العاج ، فلماذا لا يكون " الإنسان " من قبيل المشكك ؟
كلامهم هو على الماهية أي الحيوانية الناطقية لا على بعض الأعراض كالسمع والبصر ونحوهما فلو قوي بصر فلان مثلا لا تزيد إنسانيته.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

هل يعني هذه أنه إذا حضر لفظ " أسد " في ذهني في زمن معين يكون علم جنس كأسامة ؟
تكون تلك الصورة الذهنية متشخصة عن بقية صور الأسد ولكن هذا لا يصحح أن يصير الأسد علم جنس لأن كلامنا على الواضع لا على المستعمل والسامع.
 

مريم أبو جبارة

:: متابع ::
إنضم
26 نوفمبر 2016
المشاركات
11
التخصص
أصول الدين
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

ما شاء الله جزاكم الله خيرا
 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.


كلامهم هو على الماهية أي الحيوانية الناطقية لا على بعض الأعراض كالسمع والبصر ونحوهما فلو قوي بصر فلان مثلا لا تزيد إنسانيته.

ذكرتم في شرحكم الماتع على إيساغوجي أن معنى الحيوان في تعريف الإنسان بالحيوان الناطق : جسم نام حساس متحرك بالإرادة ، أليس معنى حساس ؛ أي : له حواس ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثامن عشر- مباحث الكتاب

الاشتقاق- الترادف


أولا: الاشتقاق هو: ردُّ لفظٍ إلى آخرَ لمناسبةٍ بينهما في المعنى والحروف الأصلية، كردّ الفعل واسم الفاعل والمفعول إلى المصدر لاشتقاقها منه نحو ضَرَبَ فإنه مشتق منْ ضَرْب الذي هو المصدر، فالحروف الأصلية وهي الضاد والراء والباء واحدة، وأصل المعنى واحد فإن ضَرَبَ معناه حدوث الضرب الذي هو المصدر في الزمن الماضي، فالمشتق هو ضَرَبَ وهو الفرع، والمشتق منه هو ضَرْب وهو الأصل.
ومعنى رد لفظ إلى لفظ آخر هو أن تحكم بأن الأول مأخوذ من الثاني فيكون الأول فرعا والثاني أصلا له.
ومعنى المناسبة في المعنى أن يكون في المشتق أصل المعنى الذي يدل عليه المشتق منه، كمعنى الضرب فإنه موجود في الفعل واسم الفاعل والمفعول وغيرها، فإن لم تكن بينهما مناسبة في المعنى فلا اشتقاق نحو ذَهَبَ وذَهَبٌ فإنهما وإن اتفقا في الحروف الأصلية إلا أنهما لم يتفقا في المعنى.
ومعنى المناسبة في الحروف أن تكون حروف المشتق منه الأصلية موجودة في المشتق وبنفس الترتيب، ولا يضر وجود الزائد بينهما كالضارب فإنه مشتق من الضرب، وخرج بهذا القيد المترادفان كإنسان وبشر فإنهما وإن توافقا في المعنى لكنهما لم يتفقا في الحروف.
ثانيا: المشتقّ قد يكون مطّرِدًا، وقد يكون مختصًا، مثال الأول اسم الفاعل ضارب فهو لكل من وقع منه الضرب، وكذا اسم المفعول مضروب لكل من وقع عليه الضرب، فلا يختصان بذات معينة، ومثال الثاني القارورة مشتقة من القرار لكنها لا تطلق إلا على الزجاجة المعروفة دون غيرها مما كان مقرًا للسوائل فهي مختصة بذات معينة، فلو وضع الماء في وعاء من الفخار مثلا فلا يسمى قارورة.
ثالثا: مَن لمْ يقمْ به وصفٌ لم يجز أن يشتقّ له منه اسم، فلا يقال عالم إلا لمن قام به وصف العلم، ولا قادر لمن لم يقم به وصف القدرة وهكذا.
رابعا: من قام به وصفٌ له اسم وجب اشتقاق اسم له من ذلك الوصف، كتسمية من قام به العلم عالما، ومن قام به الكرم كريما، ومن قام به وصف ليس له اسم لم يجز أن يشتق له منه اسم، وذلك مثل أنواع الروائح المختلفة لم يجعل لكل رائحة منها اسم فمن قامت به رائحة المسك مثلا قيل: له رائحة المسك ولم نجعل له اسما خاصا.
خامسا: يشترط بقاء المشتق منه في اطلاق اسم المشتق عليه حقيقة، فإذا قلت عن زيد: إنه نائمٌ، فإن كان عند قولك هذا نائما بالفعل فالإطلاق حقيقي اتفاقًا لوجود المشتق منه الذي هو النوم، وإن كان قولك قبل حصول نومه أي أنه سينام فالإطلاق مجازيّ اتفاقًا، أما إذا كان نام واستيقظ فلا يسمى نائما حقيقة لانقضاء النوم، وقيل يسمى.
ومن هنا كان اسم الفاعل حقيقة في حال التلبس بالمعنى لا حال النطق فإذا قلتَ: زيدٌ قائمٌ وهو حال نطقك ليس بقائم فهذا مجازٌ وإن كان متلبسا بالقيام بعد ذلك فهو حقيقة.
هذا وهنالك شيء يسمى بالمصادر السيالة وهي التي تنقضي شيئا فشيئا فهذه صحة الإطلاق فيها منظور إلى بقاء آخر جزء منها فمثلا الكلام ينقضي شيئا فشيئا فإذا تكلم شخص لمدة ساعة فهو متكلم فإذا انتهى من آخر كلامه فلا يعد متكلما فلا نشترط بقاء الكلام كله لأنه لا يمكن لأنه أصوات تنقضي شيئا فشيئا، ومثل الصلاة تنقضي شيئا فشيئا فالمصلي يسمى مصليا ما دام يصلي فإذا فرغ من السلام لم يعد مصليا.
سادسا: ليس في المشتق إشعار بخصوصية الذات، فالأسود مثلا ذات متصفة بالسواد هذا فقط ما يفيده ولا تعرض له من كون الأسود جسما أو غيره، إذ لو أشعر لكان معنى قولنا الأسود جسم، الجسم المتصف بالسواد جسمٌ، وهذا لا يصح لعدم إفادته.
سابعا: الترادف واقع في اللغة وفي النصوص الشرعية، وأن كلًا من المترادفين يقع مكان الآخر فلك مثلا أن تستعمل لفظ الإنسان بدل لفظ البشر وبالعكس إلا إذا كان اللفظ مما تعبدنا به كألفاظ القرآن الكريم فليس لأحد أن يقول الطريق بدل الصراط في الفاتحة مثلا.
ثامنا: ليس من الترادف الحد مع المحدود نحو الإنسان حيوان ناطق، لأن المحدود دال على الماهية إجمالا والحد دال على الماهية تفصيلا فهما متغايران.
وليس من الترادف نحو حَسَن بَسَن وعطشان نطشان وفلان فلتان، من كل لفظ ثان لا معنى له وإنما ذكر لتقوية المعنى الأول.

( شرح النص )​

مسأَلَةٌ: الاشتقاقُ: ردُّ لفظٍ إلى آخرَ لمناسبةٍ بينهما في المعنى والحروفِ الأصليَّةِ، وقد يطّرِدُ كاسمِ الفاعلِ، وقد يختصُّ كالقارورةِ، ومَنْ لمْ يَقُمْ بهِ وصْفٌ لمْ يُشْتَقَّ لهُ مِنْهُ اسمٌ عندَنا، فإنْ قامَ بهِ ما لهُ اسمٌ وجَبَ وإلا لمْ يَجُزْ، والأصحُّ أَنَهُ يُشْتَرَطُ بقاءُ المشتقِّ منهُ في كونِ المشتقِّ حقيقةً إنْ أَمكنَ وإلا فآخِرُ جزءٍ، فاسمُ الفاعلِ حقيقةٌ في حالِ التَّلَبُّسِ لا النُّطْقِ، ولا إشعارَ للمشتقِّ بخصوصيَّةِ الذَّاتِ.
مسألَةٌ: الأصحُّ أَنَّ المرادِفَ واقِعٌ، وأَنَّ الحدَّ والمحدودَ، ونحْوَ حَسَنْ بَسَنْ ليسَا مِنْهُ، والتَّابِعُ يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ، وأنَّ كُلًّا من المرادِفَينِ يقعُ مكانَ الآخَرِ
.
..........................................................................................................
هذه ( مسأَلَةٌ ) في الاشتقاق ( الاشتقاقُ ردُّ لفظٍ ) وهو المشتق الذي هو الفرع ( إلى ) لفظ ( آخرَ ) وهو المشتق منه الذي هو الأصل ( لمناسبةٍ بينهما في المعنى ) بأن يكون معنى الثاني محفوظا في الأول ( والحروف الأصليَّةِ ) بأن تكون فيهما بنفس الترتيب، وذلك كاشتقاق ضارب من الضرب ( وقد يطّرِدُ ) المشتق ( كاسمِ الفاعلِ ) نحو ضارب لكل من وقع عليه الضرب ( وقد يختصُّ ) بشيء ( كالقارورةِ ) مشتقة من القرار للزجاجة المعروفة دون غيرها مما هو مقر للمائع كإناء الفخار ( ومَنْ لمْ يَقُمْ بهِ وصْفٌ لمْ يُشْتَقَّ لهُ مِنْهُ ) أي من الوصف أي لفظه ( اسمٌ عندَنا ) خلافا للمعتزلة القائلين بأنه سبحانه عالم بلا علم وقادر بلا قدرة، وقالوا هو متكلم بمعنى أنه خالق الكلام من غير أن يصدر منه بل صدر من محل آخر كالشجرة التي سمع منها موسى عليه السلام كلام الله، وهو باطل ( فإنْ قامَ بهِ ) أي بالشيء ( ما ) أي وصف ( لهُ اسمٌ وجَبَ ) الاشتقاق لغة من ذلك الاسم لمن قام به الوصف كاشتقاق العالم من العلم لمن قام به معناه ( وإلا ) أي وإن لم يقم به ذلك بأن قام به ما ليس له اسم كأنواع الروائح إذْ لم يوضع لها أسماء استغناء عنها بالتقييد كرائحة كذا كما مر ( لمْ يَجُزْ ) الاشتقاق ونكتفي بالتقييد كقولنا هو له رائحة المسك ( والأصحُّ أَنَهُ يُشْتَرَطُ بقاءُ ) معنى ( المشتقِّ منهُ ) في المحل ( في كونِ المشتقِّ حقيقةً ) أي يشترط لإطلاق لفظ المشتق على محل بقاء معنى المشتق منه في ذلك المحل ( إنْ أَمكنَ ) بقاء ذلك المعنى كالقيام فما دام الشخص متصفا بالقيام فيقال عليه هو قائم لا قبل ذلك الزمن أو بعده ( وإلا ) أي وإن لم يمكن بقاء ذلك المعنى في المحل ( فـ ) المشترط أن يبقى ( آخِرُ جزءٍ ) منه كالتكلم فهو لا يبقى لأنه أصوات تنقضي شيئا فشيئا فالمعتبر بقاء آخر جزء من الكلام لصدق وصف المتكلم على الشخص، وقيل لا يشترط بقاء المشتق منه فيسمى حقيقة بالمشتق بعد انقضائه ( فـ ) من أجل اشتراط بقاء معنى المشتق منه أو بقاء آخر جزء منه كان ( اسمُ الفاعلِ حقيقةٌ في حالِ التَّلَبُّسِ ) بالمعنى أو جزئه الأخير ( لا ) حال ( النُّطْقِ ) بالمشتق فقط، فقوله تعالى: والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما يقصد بالسارق والسارقة من اتصف بالسرقة حال تلبسه بها، لا حال نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية وقت النزول فقط، فإذا قلنا: زيدٌ سارق وهو حال قولنا متلبس بالسرقة فهذا حقيقة، وإذا سرق بعد عام فهو سارق حقيقة أيضا وإن لم نقل عنه حينذاك إنه سارق لأن العبرة هو الاتصاف بالسرقة في أي وقت لا في حال النطق فقط فافهم.
( ولا إشعارَ للمشتقِّ بخصوصيَّةِ الذَّاتِ ) التي دل عليها من كونها جسما أو غيره لأن قولك مثلا: الأسودُ جسمٌ، صحيح ولو أشعر الأسود فيه بالجسمية لكان معنى كلامك هو: الجسم ذو السواد جسمٌ وهو غير صحيح لأنه لا فائدة فيه، والخلاصة أن المشتق وإن قالوا عنه إنه يدل على ذات ووصف فهو يدل على ذات مبهمة غير معينة بكونها جسما أو حجرًا أو شجرًا أو غيره ( مسألَةٌ ) في المترادف ( الأصحُّ أَنَّ ) اللفظ ( المرادِفَ ) لآخر ( واقِعٌ ) في اللغة والشريعة، وقيل هو غير واقع في اللغة، وقيل هو واقع في اللغة منتف في كلام الشارع ( و ) الأصح ( أَنَّ الحدَّ والمحدودَ ) كالحيوان الناطق والإنسان ( ونحْوَ حَسَنْ بَسَنْ ) أي الاسم وتابعه كعطشان نطشان وشيطان ليطان ( ليسَا مِنْهُ ) أي ليسا من المرادف لعدم اتحادهما في المعنى أما الأول فلأن الحد يدل على الماهية تفصيلا، والمحدود يدل على الماهية إجمالا فهما متغايران، وأما الثاني فلأن التابع لا يفيد معنى بدون متبوعه لذلك لا يستعمل وحده، ومن شأن كل مترادفين إفادة كل منهما المعنى وحده، وقيل إن الحد والمحدود ونحو حسن بسن من المترادفين ( والتَّابِعُ يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ ) فبسن يفيد تقوية حسن في المعنى وإلا لما كان لذكره فائدة في الكلام ( و ) الأصح ( أنَّ كُلًّا من المرادِفَينِ يقعُ مكانَ الآخَرِ ) في الكلام، فلك أن ترفع أحد المترادفين وتضع الآخر مكانه نحو حضر الليث مكان حضر الأسد، وقيل لا يجوز وقوع أحد المرادفين مكان الآخر.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

ذكرتم في شرحكم الماتع على إيساغوجي أن معنى الحيوان في تعريف الإنسان بالحيوان الناطق : جسم نام حساس متحرك بالإرادة ، أليس معنى حساس ؛ أي : له حواس ؟
المراد مطلق الحس ليخرج النبات وليشمل بعض الحيوانات التي لها بعض الحواس دون الآخر وهذا لا يجعل خصوص النظر بالعين ذاتي حتى اذا فقد قيل فقد ذاتي وكيف يكون هذا ويمكن تصور الحقيقة بدون ذلك.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

كتسمية من قام به العلم عالما، ومن قام به الكرم كريما
لم يجعل لكل رائحة منها اسما
ليس من الترادف الحد مع الحدود
ومَنْ لمْ يَقُمْ بهِ وصْفٌ لمْ يُشْتَقْ لهُ مِنْهُ اسمٌ عندَنا
فاسمُ الفاعلِ حقيقةً في حالِ التَّلَبُّسِ لا النُّطْقِ
الجسم المتصف بالسواد أسود
بكونها جسما أو حجرًا أو شجرًا أو غيره
شيخنا الكريم حفظك الله
أليس مدلول الجسم شاملا للشجر والحجر؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الكريم حفظك الله
أليس مدلول الجسم شاملا للشجر والحجر؟
أولا جزيت خيرا تم التعديل بنسختي الخاصة والموقع.
ثانيا: نعم هو شامل ولكن أردت التنصيص بأمثلة أخرى فيكون من عطف الخاص على العام.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس التاسع عشر- مباحث الكتاب

المشترك- الحقيقة والمجاز


أولا: المشترك - وهو اللفظ الواحد ذو المعنى المتعدد - واقع في الكلام اسما كالقرء للحيض والطهر، وفعلا كعسعس لأقبل وأدبر، وحرفا كالباء للإلصاق والسببية وغيرهما.
ثانيا: يصح في اللغة أن يستعملَ المتكلمُ المشتركَ في معنييه معا في كلام واحد مجازًا كقولك: عندي عينٌ، وتريد الباصرة والذهب مثلا، وسواء ذكر المشترك بلفظ مفرد كعين أو بلفظ جمع كعيون نحو عندي عيون وتريد الباصرتين والذهب مثلًا.
ثالثا: يصح في اللغة مجازًا إطلاق لفظ مع إرادة معناه الحقيقي ومعناه المجازي معًا كقولك: رأيت الأسد، وتريد الحيوان المفترس والرجل الشجاع، ومنه قوله تعالى: ( وافعلوا الخيرَ ) يعم الواجبات والمندوبات، فإن صيغة افعل حقيقة في الوجوب مجاز في الندب، فيكون استعمال افعلوا في الأمرين مجازًا والقرينة في الآية هو أن الخير يشمل الواجب والمندوب.
رابعا: يصح في اللغة إطلاق لفظ مع إرادة معنييه المجازيين معًا كقولك: واللهِ لا أشتري، وتريد السومَ في البيع، والشراء بواسطة وكيل.
خامسا: الحقيقة: لفظ استعمل فيما وُضِعَ له أوَّلًا، كاستعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف، خرج بقولنا: المستعمل المهمل، وبما وضع له الغلط كقولك: خذ هذا القوس مشيرا إلى حمار، وبأولًا المجاز لأنه لم يوضع له ابتداءً.
سادسا: تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: لغوية، وعُرفية، وشرعية.
فتكون لغوية إذا وضعها أهل اللغة كالأسد للحيوان المعروف.
وتكون عرفية إذا وضعها أهل العرف العام كالدابة لذوات الأربع من الحيوانات، وهي في أصل اللغة لكل ما يدب على وجه الأرض، أو وضعها أهل العرف الخاص كالفاعل والمفعول عند النحاة، وكذلك سائر المصطلحات العلمية والصناعية فكلها من قبيل العرفية الخاصة.
وتكون شرعية إذا وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المخصوصة.
سابعا: الحقيقة اللغوية والعرفية واقعتان في الكلام، وأما الشرعية فقد قال قوم لم تقع والصلاة مثلا مستعملة في معناها اللغوي الذي هو الدعاء لكن الشارع اشترط لصحتها أمورًا من التلاوة والركوع والسجود وغيرها، فهي باقية على معناها اللغوي، وقال جمهور العلماء بأنها واقعة سواء أكانت في الفروع كالصلاة والصوم، أم في الاعتقاد كالإيمان فإن معناه في اللغة التصديق، ومعناه في الشرع هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان.
ثامنا: المجاز: لفظ استعمل فيما وُضِعَ له ثانيًا لعلاقة، كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع، خرج بقولنا: المستعمل المهمل، وبما وضع له الغلط، وبثانيا الحقيقة لأنها بوضع أول، وهو واقع في اللغة وفي الكتاب والسنة.
تاسعا: علم من قولهم في تعريف المجاز فيما وضع له ثانيا أنه لا بد من وضع أول، ولكن هل يجب أن يكون اللفظ المتجوَّز فيه قد استعمل أولا على وجه الحقيقة قبل استعماله على وجه المجاز ؟ فهل يجب اذا وضع الأسد للحيوان المعروف أن يستعمل فيه بهذا المعنى أولا قبل أن يتجوّز فيه ويستعمل للرجل الشجاع ؟ فيه خلاف: فقيل يجب استعماله في المعنى الحقيقي قبل التجوز فيه، وهو الأشهر، وقيل لا يجب.
عاشرا: يعدل المتكلم عن الحقيقة إلى المجاز لأسباب كثيرة منها:
1- ثقل اللفظ الحقيقي وخفة اللفظ المجازي، مثل الخَنْفَقِيقِ بمعنى الداهية والمصيبة العظيمة التي تصيب الإنسان، فيعدل عن ذلك اللفظ الثقيل إلى لفظ آخر كالموت مثلا فإن معناه الحقيقي زوال الروح عن الجسد، فيقال: زيدٌ وقع في الموت مجازًا عن الداهية.
2- بشاعة اللفظ الحقيقي، مثل اللفظة الموضوعة للخارج من الإنسان عند التغوّط، فيعدل عنها إلى الغائط، وهو في الأصل المكان المنخفض.
3- الجهل باللفظ الحقيقي فيعبر عنه بلفظ آخر مجازي، مثل لو جهل المتكلم أن الرطب من النبات يسمى في اللغة خَلى فيعبر عنه بالحشيش مع علمه أنه موضوع لليابس فيكون استعماله فيه مجازًا باعتبار ما يؤول إليه.
4- بلاغة المجاز، مثل اشتعلَ الرأسُ شيبا، فإنه أبلغ من شِبْتُ.
5- كون المجاز أشهر من الحقيقة، مثل: الراوية فإنها في الظرف الذي يحمل به الماء أشهر من معناها الحقيقي وهو البعير ونحوه من الدواب التي يحمل عليها الماء.
6- كون المجاز يتعلق به غرض لفظي دون الحقيقة، مثل لو قيل في وصف رجل غبي يكثر من الكلام: هو عجول ثرثار، وأكول حمار، فالسجع بين الحمار والثرثار مقصود للمتكلم ولا يحصل لو عبر بدل الحمار بالغبي أو البليد.

( شرح النص )​

مسأَلَةٌ: الأَصحُّ أَنَّ المشترَكَ واقِعٌ جوازًا، وأَنَّهُ يَصِحُّ لغةً إطلاقُهُ على معنيَيْهِ معًا مجازًا، وأَنَّ جَمْعَهُ بِاعتبارِهما مَبْنِيٌّ عليهِ، وأَنَّ ذلكَ آتٍ في الحقيقةِ والمجازِ، وفي المجازَيْنِ، فنَحْوُ: افعلُوا الخيرَ، يَعُمُّ الواجِبَ والمندوبَ.
الحقيقةُ: لفظٌ استُعْمِلَ فيما وُضِعَ لهُ أَوَّلًا، وهيَ لُغَوِيَّةٌ وعُرْفِيَّةٌ وَوقَعتا، وشَرْعِيَّةٌ، والمختارُ وقوعُ الفرعِيَّةِ منها لا الدِّيْنِيَّةِ.
والمجازُ: لفظٌ استُعْمِلَ بِوَضْعٍ ثانٍ لِعَلاقَةٍ، فيجبُ سبْقُ الوضْعِ جزمًا لا الاستعمالِ في الأَصحِّ، وهوَ واقِعٌ في الأَصَحِّ، ويُعْدَلُ إِليهِ لِثِقَلِ الحقيقةِ أَو بشاعَتِها أَو جهلِها أَو بلاغَتِهِ أَو شُهْرَتِهِ أَو غيرِ ذلكَ
.
..........................................................................................................
هذه ( مسأَلَةٌ ) في المشترك ( الأَصحُّ أَنَّ المشترَكَ ) بين معنيين فأكثر ( واقِعٌ ) في الكلام ( جوازًا ) لا وجوبا، كالقرء للطهر والحيض، وعسعس لأقبل وأدبر، ومِن للابتداء والتبعيض وغيرهما، وقيل هو غير واقع في الكلام، وقيل يجب وقوعه في الكلام ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي المشترك ( يَصِحُّ لغةً إطلاقُهُ على معنيَيْهِ معًا ) بأن يرادا بلفظ مشترك من متكلم واحد في وقت واحد كقولك: عندي عينٌ وتريد الباصرة والجارية، وقيل لا يصح ذلك في اللغة ( مجازًا ) لأنه لم يوضع لهما معا بل لكل منهما منفردا ( و ) الأصح ( أَنَّ جَمْعَهُ ) أي المشترك ( بِاعتبارِهما ) أي باعتبار معنييه ( مَبْنِيٌّ عليهِ ) أي على ما ذكر من صحة إطلاق اللفظ المشترك المفرد على المعنيين معا، أي أنه إذا صححنا جواز إطلاق نحو عندي عينٌ على الباصرة والجارية، فيصح إطلاق عندي عيونٌ على الباصرتين والجارية مثلا، فالمسألة الثانية مبنية على الأولى، وقيل لا تنبني عليها فيجوز أن نمنع استعمال المشترك المفرد في معنييه ونجيز استعمال المشترك الجمع في معنييه ( و ) الأصح ( أَنَّ ذلكَ ) أي ما ذكرته من صحة إطلاق اللفظ على معنييه معا مجازًا ( آتٍ في الحقيقةِ والمجاز ) فيصح أن يطلق لفظ ويراد به معنياه الحقيقي والمجازي معا كقولك: رأيت أسدًا تريد الحيوان المفترس والرجل الشجاع فيكون مجازًا، وقيل لا يجوز ذلك ( و ) آت أيضا ( في المجازَيْنِ ) فيصح إطلاق لفظ واحد وإرادة معنييه المجازيين معا كقولك: واللهِ لا أشتري وتريد بالشراء السوم والشراء بالوكيل وكلا المعنيين مجاز لأن المعنى الحقيقي للشراء هو مباشرة الشراء بالنفس، وإذا علم صحة إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه معا ( فنَحْوُ ) قوله تعالى ( افعلُوا الخيرَ يَعُمُّ الواجِبَ والمندوبَ ) حملا لصيغة افعل على الحقيقة والمجاز من الوجوب والندب بقرينة كون الخير شاملا للوجوب والندب ( الحقيقةُ لفظٌ استُعْمِلَ ) خرج المهمل ( فيما وُضِعَ لهُ ) خرج الغلط ( أَوَّلًا ) خرج المجاز ( وهيَ لُغَوِيَّةٌ ) بأن وضعها أهل اللغة كالأسد للحيوان المفترس ( وعُرْفِيَّةٌ ) بأن وضعها أهل العرف العام كدابة لذوات الأربع أو الخاص كالفاعل للاسم المعروف عند النحاة ( وَوقَعتا ) في الكلام خلافا لقوم أنكروا وقوع العرفية العامة ( وشَرْعِيَّةٌ ) بأن وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المعروفة ( والمختارُ وقوعُ الفرعِيَّةِ منها ) أي من الشرعية وهي المتعلقة بفروع الدين كالصلاة والصوم ( لا الدِّيْنِيَّةِ ) أي المتعلقة بأصول الدين، فالمصنف اختار أن الألفاظ الشرعية في باب أصول الدين مستعملة في معناها اللغوي كالإيمان فإن معناه في اللغة هو التصديق، وهو في الشرع تصديق القلب، وإن اعتبر الشارع في الاعتداد به التلفظ بالشهادتين من القادر، وهذا بناء على مذهب الأشاعرة الذين يقولون إن ماهية الإيمان هي تصديق القلب فقط، وأما النطق فهو شرط على القادر وقيل ليس بشرط، وأما العمل فخارج عن حقيقة الإيمان وليس هو شطرا ولا شرطًا، وهو خلاف مذهب السلف القائل بأن حقيقة الإيمان مركبة من ثلاثة أركان تصديق ونطق وعمل فهذه ذاتيات للإيمان، وقال قوم إن الحقيقة الشرعية لم تقع في الكلام وتحمل ألفاظ الشرع على المعنى اللغوي مع شروط ضمها إليه الشارع ( والمجازُ ) اللغوي ( لفظٌ استُعْمِلَ ) خرج المهمل ( بِوَضْعٍ ) خرج الغلط ( ثانٍ ) خرجت الحقيقة ( لِعَلاقَةٍ ) بين ما وضع له أولا وما وضع له ثانيا، كالعلاقة بين الأسد والرجل الشجاع وهي المشابهة بينهما في الشجاعة، وخرج العلم المنقول كالفضل فإنه وضع أولا واستعمل كمصدر بمعنى الزيادة ثم نقل وجعل اسما لرجل فهذا ليس من المجاز لعدم وجود علاقة بين المنقول منه والمنقول إليه ( فيجبُ سبْقُ الوضْعِ جزمًا لا الاستعمالِ في الأَصحِّ ) أي أنه ظهر من تعريف المجاز أنه لا بد من وضع أولا لمعنى ما ثم يستعمل في معنى آخر مجازي ولكن هل يجب أن يكون اللفظ المتجوَّز فيه قد استعمل أولا على وجه الحقيقة قبل استعماله على وجه المجاز ؟ فيه خلاف: فقيل يجب استعماله في المعنى الحقيقي قبل التجوز فيه، وهو الأشهر، وقيل لا يجب فيكفي أن يوضع الأسد للحيوان المعروف وإن لم يستعمل فيه وهو اختيار المصنف وفيه نظر ( وهوَ ) أي المجاز ( واقِعٌ ) في اللغة وفي الشرع ( في الأَصَحِّ ) وقيل هو غير واقع في اللغة وغير واقع في الشرع، وقيل هو واقع في اللغة وغير واقع في الشرع ( ويُعْدَلُ إِليهِ ) أي ويعدل عن الحقيقة إلى المجاز ( لِثِقَلِ الحقيقةِ ) على اللسان كالخَنْفَقِيقِ للداهية يعدل عنه إلى الموت مثلا ( أَو بشاعَتِها ) كاللفظ الدال على الخارج من بطن الإنسان يعدل عنه لبشاعته إلى الغائط وهو المكان المنخفض من الأرض ( أَو جهلِها ) للمتكلم أو المخاطب فيعدل عن اللفظ الحقيقي المجهول إلى المجاز المعلوم ( أَو بلاغَتِهِ ) أي بلاغة المجاز نحو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع ( أَو شُهْرَتِهِ ) أي شهرة اللفظ المجازي دون المعنى الحقيقي كالراوية فإنها في ظرف الماء أشهر من الدابة التي يستقى عليها الماء ( أَو غيرِ ذلكَ ) من الأغراض كمراعاة السجع.

 
التعديل الأخير:
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



ثانيا: يصح في اللغة أن يستعملَ المتكلمُ المشتركَ في معنييه معا في كلام واحد مجازًا كقولك: عندي عينٌ، وتريد الباصرة والذهب مثلا، وسواء ذكر المشترك بلفظ مفرد كعين أو بلفظ جمع كعيون نحو عندي عيون وتريد الباصرتين والذهب مثلًا.

هل يصح على هذا أنه لو قال قائل المقصود بالقرء في الآية الطهر والحيض فتعتد بأيهما شاءت . . صح هذا ؟
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فإن صيغة افعل حقيقة في الوجوب مجازًا في الندب
فيصح إطلاق لفظ واحد وإرادة معناه المجازيين معا
وهو خلاف مذهب السلف القائل بأن حقيقية الإيمان
مع شروط ضمه إليها الشارع
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

هل يصح على هذا أنه لو قال قائل المقصود بالقرء في الآية الطهر والحيض فتعتد بأيهما شاءت . . صح هذا ؟
استعمال المشترك بمعنييه هو مجاز يتوقف على القرينة كما في حمل افعلوا على الواجب والمندوب وليس كذلك الحال في تلك الآية.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس العشرون- مباحث الكتاب

مسائل المجاز


أولا: ليس المجاز هو الغالب على اللغات بل الأكثر في الكلام هو الحقيقة.
ثانيا: لا يعوّل على المجاز إذا كان حمل اللفظ على حقيقته مستحيلًا، مثاله: إذا قال السيد لعبد أكبر منه سنا: هذا ابني، فإن الحقيقة هنا مستحيلة فكيف يكون الابن أكبر من أبيه، فيكون لفظه هذا لاغيًا، ولا يترتب عليه أي حكم؛ لأن هذا الشخص القائل هو من آحاد الناس فلا توجد ضرورة لتصحيح كلامه بحمله على المجاز بل نعده لغوا من الكلام.
ثالثا: المجاز والنقل كلّ منهما خلاف الأصل، والأصل هو الحقيقة والمنقول منه، فإذا احتمل لفظ معناه الحقيقي والمجازي فالأصل حمله على معناه الحقيقي، وإذا احتمل لفظ معناه اللغوي ومعناه الشرعي أو العرفي المنقول من المعنى اللغوي فالأصل حمله على المعنى اللغوي نحو: رأيت أسدًا وصليّتُ، أي رأيت حيوانا مفترسا ودعوت الله بالسلامة منه، فالأسد احتمل معناه الحقيقي والمجازي الذي هو الرجل الشجاع فحملناه على الحقيقي لأنه هو الأصل، والصلاة احتملت معناها اللغوي ومعناها الشرعي الذي هو العبادة المخصوصة وهي منقولة من المعنى اللغوي، فحملناها على المعنى اللغوي لأنه هو الأصل.
رابعا: المجاز والنقل أولى من الاشتراك، فإذا أطلق لفظ يحتمل أن يراد به المجاز أو النقل كما يحتمل أن يكون مشتركا بين معنيين فالأولى حمله على المجاز أو النقل دون الاشتراك؛ لأن المجاز أكثر ورودا في الكلام من الاشتراك، والحمل على الأكثر أولى، ولأن حمله على النقل لا يمنع العمل به، بخلاف حمله على الاشتراك فإنه لا يعمل به إلا بقرينة تعين أحد معنييه.
مثال احتمال المجاز والاشتراك: لفظ ( النكاح ) فإنه حقيقة في العقد على المرأة مجاز في الوطء عند قوم، وحقيقة مشتركة في كلا المعنيين عند آخرين، وحمله على المجاز أولى من الصيرورة إلى الإشتراك.
ومثال احتمال النقل والاشتراك: لفظ ( الزكاة ) فإنه منقول إلى الزكاة الشرعية، ويحتمل أن يكون مشتركا بين المعنى الحقيقي للزكاة وهو النماء والمعنى الشرعي وهو ما يُخرَج من المال، فحمله على النقل أولى.
خامسا: التخصيص أولى من المجاز والنقل، فإذا احتمل كلام أن يكون فيه تخصيص ومجاز، أو احتمل تخصيصا ونقلا، فالأولى حمله على التخصيص.
مثال احتمال التخصيص والمجاز: قوله تعالى: ( ولا تأكلوا مما لمْ يُذْكَرْ اسمُ اللهِ عليهِ ) فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن أكل ما لم يُسَمَّ اللهُ عليه عند ذبحه، ويخصّ منه الناسي فيجوز أكل ذبيحته، ويحتمل أن يكون المقصود هو النهي عن الأكل عما لم يذبح أصلا، على اعتبار أن الذبح يقارن التسمية غالبا، فأطلقت التسمية وأريد بها الذبح مجازًا، فالمصير إلى التخصيص أولى.
ومثال احتمال التخصيص والنقل: قوله تعالى: ( وأَحلَّ اللهُ البيعَ ) فقيل: المراد بالبيع معناه اللغوي وهو المبادلة مطلقا ولكن خص منه الفاسد مما لم يستوف الشروط الشرعية، فيكون البيع في الآية عاما مخصوصا، وقيل هو منقول إلى المعنى الشرعي وهو البيع الصحيح المستجمع شروط الصحة، فهذا حمله على التخصيص أولى.
سادسا: الإضمار أولى من النقل، كقوله تعالى: ( وَحرَّمَ الرِّبا ) فالربا في اللغة الزيادة وهي لا توصف بحل ولا حرمة فكان لا بد من تأويل في الآية فقيل هنالك إضمار والمعنى وحرمَ الله أخذ الزيادة، فالمضمر هو الأخذ، والربا المراد به معناه اللغوي، وقيل بل هو منقول إلى المعنى الشرعي وهو عقد الربا أي حرم الله عقد الربا، فالمصير إلى الإضمار أولى من النقل.
سابعا: الإضمار مساو للمجاز، مثل قول السيد لغلامه الأصغر منه سنا: هذا ابني، فإنه يحتمل أن يكون عبر عن العتق بالبنوة؛ لأن من ولد له من أمته فإنه حر كأبيه، فيكون السيد عبر عن العتق بالبنوة مجازا فيعتق العبد بهذا اللفظ، ويحتمل أن يكون في الكلام إضمار ويكون المضمر هو مثل أي هذا مثل ابني في العطف والحنوّ، فلا يعتق العبد بهذا، والإضمار يساوي المجاز لأن كلا منهما يحتاج إلى قرينة فيكون اللفظ مجملا فلا يحمل على واحد من الأمرين حتى يدل عليه دليل، وقد رجح الأول وهو عتقه لمرجح آخر وهو أن الشارع يتشوّف إلى العتق.

( شرح النص )

وَالأَصحُّ أَنَّهُ ليسَ غالبًا على الحقيقةِ، ولا معتمدًا حيثُ تستحيلُ، وهُوَ والنَّقْلُ خلافُ الأصْلِ، وأَولى من الاشتراكِ، والتخصيصُ أولى منهما، والأَصحُّ أَنَّ الإضمارَ أولى مِنَ النقلِ، وأَنَّ المجازَ مساوٍ للإضمارِ.
..........................................................................................................
( وَالأَصحُّ أَنَّهُ ) أي المجاز ( ليسَ غالبًا على الحقيقةِ ) في اللغات بل الأكثر فيها هو الحقيقة، وقيل هو الغالب عليها في كل لغة ( و ) الأصح أن المجاز ( لا ) أي ليس ( معتمدًا ) أي معولا عليه في ترتب الأحكام ( حيثُ تستحيلُ ) الحقيقة، فاللفظ إنما يصار للمجاز فيه إذا أمكنت حقيقته لا إذا استحالت خلافا للإمام أبي حنيفة رحمه الله حيث قال فيما لو قال سيد لعبد أكبر منه سنا هذا ابني إنه يحمل على لازم البنوة وهو العتق فيعتق ذلك العبد بقول سيده هذا ابني صونا للكلام عن الإلغاء، وأجيب بأنه لا ضرورة في تصحيحه أصلا لأنه ليس من كلام الشارع بل هو من كلام آحاد الناس فلا يترتب عليه العتق ( وهُوَ ) أي المجاز ( والنَّقْلُ ) الحاصل بالحقيقة الشرعية والعرفية لأنهما منقولان كما هو معلوم من المعنى اللغوي ( خلافُ الأصْلِ ) الراجح فإذا احتمل لفظ معناه الحقيقي والمجازي فالأصل حمله على الحقيقي لعدم الحاجة فيه إلى قرينة، وإذا احتمل لفظ معناه المنقول عنه والمنقول إليه فالأصل حمله على المعنى المنقول عنه استصحابا للمعنى الموضوع له اللفظ أولا، مثالهما: رأيتُ أسدًا وصليتُ، أي رأيت حيوانا مفترسا ودعوت الله بالسلامة منه، ويحتمل أن المراد بالأسد الرجل الشجاع وبالصلاة الصلاة الشرعية وحمله على الحقيقة وعدم النقل هو الأولى ( و ) المجاز والنقل ( أَولى من الاشتراكِ ) فإذا أطلق لفظ يحتمل أن يراد به المجاز أو النقل كما يحتمل أن يكون مشتركا بين معنيين فالأولى حمله على المجاز أو النقل دون الاشتراك؛ كلفظ النكاح فإنه حقيقة في العقد على المرأة مجاز في الوطء عند قوم، وحقيقة مشتركة في كلا المعنيين عند آخرين، وحمله على المجاز أولى من الصيرورة إلى الإشتراك، وكلفظ الزكاة فإنه منقول إلى الزكاة الشرعية، ويحتمل أن يكون مشتركا بين المعنى اللغوي للزكاة وهو النماء والمعنى الشرعي وهو ما يُخرَج من المال، فحمله على النقل أولى ( والتخصيصُ أولى منهما ) أي من المجاز والنقل فإذا احتمل كلام أن يكون فيه تخصيص ومجاز، أو احتمل تخصيصا ونقلا، فالأولى حمله على التخصيص، كقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لمْ يُذْكَرْ اسمُ اللهِ عليهِ فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن أكل ما لم يُسَمَّ اللهُ عليه عند ذبحه، ويخصّ منه الناسي فيجوز أكل ذبيحته، ويحتمل أن يكون المقصود هو النهي عن الأكل عما لم يذبح أصلا، على اعتبار أن الذبح يقارن التسمية غالبا، فأطلقت التسمية وأريد بها الذبح مجازًا، فالمصير إلى التخصيص أولى، وكقوله تعالى وأَحلَّ اللهُ البيعَ فقيل: المراد بالبيع معناه اللغوي وهو المبادلة مطلقا ولكن خص منه الفاسد مما لم يستوف الشروط الشرعية، فيكون البيع في الآية عاما مخصوصا، وقيل هو منقول إلى المعنى الشرعي وهو البيع الصحيح المستجمع شروط الصحة، فهذا حمله على التخصيص أولى ( والأَصحُّ أَنَّ الإضمارَ أولى مِنَ النقلِ ) كقوله تعالى وَحرَّمَ الرِّبا فالربا في اللغة الزيادة وهي لا توصف بحل ولا حرمة فكان لا بد من تأويل في الآية فقيل هنالك إضمار والمعنى وحرمَ الله أخذ الزيادة، فالمضمر هو الأخذ، والربا المراد به معناه اللغوي، وقيل بل هو منقول إلى المعنى الشرعي وهو عقد الربا أي حرم الله عقد الربا، فالمصير إلى الإضمار أولى من النقل، وقيل إن النقل أولى من الإضمار ( و ) الأصح ( أَنَّ المجازَ مساوٍ للإضمارِ ) لأن كلا منهما يحتاج إلى قرينة فيكون اللفظ مجملا فلا يحمل على واحد من الأمرين حتى يدل عليه دليل مثل قول السيد لغلامه الأصغر منه سنا: هذا ابني، فإنه يحتمل أن يكون عبر عن العتق بالبنوة مجازا فيعتق العبد بهذا اللفظ، ويحتمل أن يكون في الكلام إضمار ويكون المضمر هو مثل أي هذا مثل ابني في العطف والحنوّ، فلا يعتق العبد بهذا، فظهر بذلك الفرق بين قوله لمن هو أكبر منه سنا هذا ابني، وبين قوله ذلك لمن هو أصغر منه سنا، فإنه في الصورة الأولى الحقيقة مستحيلة، بخلاف الثانية فإنها ممكنة وإذا أمكنت الحقيقة أمكن مراعاة المجاز، هذا وقيل: إن المجاز أولى من الإضمار، وقيل إن الإضمار أولى من المجاز.
تنبيهان: الأول: هذه الخمسة أعني: الاشتراك، والنقل، والمجاز، والإضمار، والتخصيص تعرف بأنها مخلّات الفهم لأن المتكلم حينما يستعملها يختل فهم السامع في مراد المتكلم فإنها جميعا خلاف الأصل فمثلا إذا استعمل اللفظ المشترك تحير في المراد من معنييه، فإذا تعارضت فيما بينها فهنالك عشر صور: تعارض الاشتراك مع النقل، تعارض الاشتراك مع المجاز، تعارض الاشتراك مع الإضمار، تعارض الاشتراك مع التخصيص، تعارض النقل مع المجاز، تعارض النقل مع الإضمار، تعارض النقل مع التخصيص، تعارض المجاز مع الإضمار، تعارض المجاز مع التخصيص، تعارض الإضمار مع التخصيص، والمصنف بين بعضها صراحة وبين بعضها بدلالة الالتزام بيانه: يؤخذ من سرد كلامه ما يلي: التخصيص أولى من المجاز والمجاز أولى من الاشتراك، فيكون التخصيص أولى من الاشتراك لأن الأولى من أولى من شيء هو أولى من ذلك الشيء، ويؤخذ من قوله إن المجاز مساو للإضمار أن التخصيص أولى من الإضمار لأنه إذا كان: أ أولى من ب، وب = ج، يكون أ أولى من ج، ويؤخذ من قوله الإضمار أولى من المجاز والمجاز أولى من الاشتراك أن الإضمار أولى من الاشتراك، ويؤخذ من قوله المجاز مساو للإضمار والإضمار أولى من النقل أن المجاز أولى من النقل لأنه إذا كان أ = ب، وب أولى من ج، يكون أ أولى من ج فتأمل.
الثاني: حينما يحصل تعارض بين هذه الأمور ونقول يقدم كذا على كذا أو أن كذا يساوي كذا يعني هذا أن هذه هي القاعدة العامة ولكن قد تخالف هذه القاعدة حيث وجد مرجح في بعض الصور والأمثلة، فمثلا: قد قالوا إن الإضمار مساو للمجاز ومع هذا رجحوا في قول السيد لغلامه الأصغر منه سنا هذا ابني، أنه يعتق وذلك لمرجح آخر وهو تشوف الشارع إلى العتق فافهم حتى لا تتعارض عليك القاعدة مع بعض الفروع الفقهية.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

( و ) الأصح ( أَنَّ ) صحة ( جَمْعَهُ ) أي المشترك ( بِاعتبارِهما )
شيخنا الكريم حفظك الله
ما حكم تضمين اللفظ المخِلّ بإعراب المتن في الشرح الممزوج من حيث الصناعة؟
ولا أقصد شرحكم المبارك لبنائه على التيسير أولا وبالذات المقتضي للتسامح في مثل هذا
وهل هناك كتب تكلمت في أحكام التضمين - ما الجائز منها وما لا يجوز - يمكن الاستفادة منها؟
فالمضمر هو الأخد، والربا المراد به معناه اللغوي
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الكريم حفظك الله
ما حكم تضمين اللفظ المخِلّ بإعراب المتن في الشرح الممزوج من حيث الصناعة؟
ولا أقصد شرحكم المبارك لبنائه على التيسير أولا وبالذات المقتضي للتسامح في مثل هذا
وهل هناك كتب تكلمت في أحكام التضمين - ما الجائز منها وما لا يجوز - يمكن الاستفادة منها؟
حياك الله أخي.
سبحان الله كنت قد اعترضت على شيخنا رحمه الله وكان يقرئنا شرحا له على أحد كتب الصرف بمثل هذا وحاصل كلامه أن حل الإعراب هو الأولى وهذا هو الموجود في الحواشي كحاشية الباجوري على ابن قاسم.
أما وجود كتب تعرضت لذلك بالتفصيل فلا علم لي بها.
أرجو منك أن تنبهني على مثل هذا فإني ملتفت إليه أثناء حل المتن ولكني غفلت وشرحي وإن كان مبناه على التيسير فإني أحاول أن أراعي به الدقة ما استطعت فلا تتساهل معي يا أبا عبد الرحمن. حفظكم المولى.

 
إنضم
12 مارس 2013
المشاركات
234
التخصص
أصول الفقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

جزاكم الله خيرا على هذا الشرح الماتع . .

ما اتضح لي الفرق بين النقل والمجاز !
أليس النقل من حيث اللغة يعتبر مجازا؟
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الفاضل، هل يمكن زيادة البيان لكلامكم التالي في الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، فلم أدرك المراد من النظر للماهية من جهة خصوصها وعمومها وكيف تصير متشخصاً ذهن الواضع دون غيره وفي زمن معين؟ الله يجزيكم خيراً:

بيانه: إن اللفظ إن وضع لشخص واحد في الخارج فهو العلم الشخصي، وهذا هو التعيين الخارجي، وإن كان لم يوضع على واحد معين في الخارج ولكن تعين في الذهن بأن نظر للماهية من جهة خصوصها فعلم جنس، وذلك أن الماهية كماهية الأسد وهو الحيوان المفترس المعروف إن حضرت في ذهن الواضع ليضع في قبالها لفظا معينا فتارة ننظر إليها من جهة أنها حضرت في ذهن الواضع دون غيره وفي زمان معين فتصير بهذه القيود متشخصة، لأنها تختلف عن الماهية في ذهن شخص آخر وفي زمن آخر، وتارة ننظر إليها من جهة عمومها بقطع النظر عن تلك التشخيصات فإنها تصدق على كثيرين في الخارج، فالواضع وضع علم الجنس كأسامة للماهية بالاعتبار الاول




 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الحادي والعشرون- مباحث الكتاب

أنواع المجاز


أولا: المجاز نوعان: مجاز في الإفراد، ومجاز في الإسناد، فالمجاز في الإفراد هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة، كالأسد للرجل الشجاع، والمجاز في الإسناد هو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له، نحو: بنى الأميرُ المدينةَ، فالبنيان والأمير والمدينة مستعملات في معانيها الحقيقية، والمجاز هو في إسناد البناء إلى الأمير، والمعنى هو بنى العمال المدينة بأمره.
ثانيا: العلاقة في المجاز هي:
1- المشابهة، نحو رأيتُ أسدًا يحمل سيفه، أي رجلا شجاعا، والعلاقة بين الحيوان المفترس والرجل الشجاع هي المشابهة في الشجاعة أي الجرأة، ومن المشابهة قولنا: هذا زيدٌ لصورته على الورق؛ لأن الصورة تشبه الحقيقة، ويسمى هذا النوع- أي ما كانت علاقته المشابهة- عند علماء البلاغة بالاستعارة.
2- اعتبار ما سيكون ويسمى مجاز الأَوْل، مثل: ( إنّك ميّتٌ وإنهم ميتون ) أي ستموت ويموتون، وهذا سيكون قطعا، ومثل ( إني أراني أعصرُ خمرًا ) أي عصيرا سيكون خمرا ظنا، فهذا هو المعتبر لا ما يحتمل أن يكون احتمالا مرجوحا أو مساويا كإطلاق لفظ الحر على العبد باعتبار أنه سيعتق فيكون حرًا فلا يجوز.
3- اعتبار ما كان، مثل: ( وآتوا اليتامى أموالهم ) فمن المعلوم أنه يدفع إليهم أموالهم بعد بلوغهم الحلم، ولا يتم بعد حلم، فالمقصود وآتوا الذين كانوا يتامى أموالهم.
4- إطلاق الضد على ضده، كإطلاق المفازة على البرية المهلكة، تفاؤلا في الفوز بالنجاة منها.
5- المجاورة، مثل: جرى الميزابُ، أي جرى الماء المجاور للميزاب، والميزاب هو جزء من معدن ونحوه يثبت في أعلى السطح ينزل منه ماء المطر كي لا يتجمع الماء على السطح، ويسمى عندنا في العراق بالمرزيب.
6- الزيادة، مثل: ( ليسَ كمثله شيء ) أي ليس مثله شيء فالكاف زائدة للتوكيد.
7- النقصان، ويسمى مجاز الحذف مثل: ( واسأل القرية ) أي أهلها.
8- إطلاق السبب على المسبب، مثل: للأمير يد أي قدرة لأن اليد سبب القدرة.
9- إطلاق المسبب على السبب، مثل: أمطرت السماء نباتا أي ماء ينبت به النبات.
10- إطلاق الكل على الجزء، مثل: ( يجعلونَ أصابعهم في آذانهم ) أطلق الأصابع على الأنامل.
11- إطلاق الجزء على الكل، مثل: لفلان ألفُ رأس من الغنم أي هو يملك ألفا من الغنم لا رؤوسها فقط.
12- إطلاق المتعلِّق على المتعلَّق، كما في قوله تعالى: ( هذا خلقُ اللهِ ) أي مخلوقه، فأطلق الخلق وأراد المخلوق؛ لأن الخلق متعلِّق بالمخلوق؛ فإن المصدر كالخلق يتعلق باسم المفعول كالمخلوق، ويتعلق باسم الفاعل كتعلق العدل بالعادل في قولنا: زيدٌ عدلٌ أي عادل.
13- إطلاق المتعلَّق على المتعلِّق، كقولك: ما أسرعَ مكتوبَ زيدٍ! أي ما أسرع كتابته فأطلق المفعول وأريد المصدر.
14- إطلاق ما بالفعل على ما بالقوة، كإطلاق المسكر على الخمر، فإن الخمر مسكر بالقوة ولا يكون مسكرا بالفعل إلا بعد تناوله.
ثالثا: يشترط سماع العلاقة عن العرب لصحة التجوز، بمعنى أنه من المتفق عليه وجوب وجود العلاقة في المجاز كالمشابهة والمجاورة والسببية وغيرها مما سبق، فلا يجوز أن نقول: جرى الماء في الميزابِ مثلا إلا إذا سمعنا أنهم تجوزوا في المجاورة، ومن المتفق عليه كذلك عدم وجوب السماع في آحاد المجاز، ففي جرى الماء في الميزاب صح التجوز وإن لم نسمع أنهم تجوزوا فيه بذاته.
رابعا: المجاز يجري في المشتقات، كالأفعال فإنها مشتقات من مصادرها، مثل قوله تعالى: ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) أي سيأتي فعبر عن المستقبل بالماضي لتحققه.
خامسا: المجاز يجري في الحروف، مثل قوله تعالى: ( فهل ترى لهم من باقية ) أي ما ترى فعبر بالاستفهام عن النفي.
سادسا: المجاز لا يجري في الأعلام، سواء أكانت مرتجلة كسعاد أم منقولة كفضل وحارث؛ لأن الأعلام وضعت للتمييز بين الذوات، فمثلا الحارث هو الذي يحرث الأرض فإذا نقل وسمي به شخص لم يكن ذلك النقل من معناه الحقيقي إلى معناه العلَمي مجازًا.
سابعا: للمجاز علامات يعرف بها هي:
1- تبادر غيره إلى الفهم لولا وجود القرينة، فالمتبادر من قولك: رأيت أسدًا، أنك رأيت الحيوان المفترس المعروف، فإذا قلت رأيت أسدًا يرمي، فإن يرمي قرينة على التجوز، بخلاف الحقيقة فإنها تتبادر إلى الفهم بلا قرينة.
2- صحة نفيه، فإذا قلت عن بليد: هو حمار، صح أن تقول عنه: هو ليس بحمار، لأنه ليس بحيوان ناهق.
3- عدم وجوب الإطراد، بخلاف الحقيقة ففي ( واسألْ القرية ) أي أهلها، لا يصح أن نقول واسأل البساط أي أهله.
4- جمعه بخلاف جمع الحقيقة، فلفظ الأمر حقيقة في القول، مجاز في الفعل، وقد جمعوا الأول على أوامر لإرادة الحقيقة، وجمعوا الثاني على أمور لإرادة المجاز.
5- التزام تقييد اللفظ الدال عليه، كجناح الذل فالجناح يقصد به معناه المجازي فلزم تقييده إلى الذل، بخلاف الحقيقة فالمشترك مثل لفظ العين يقيد بالعين الجارية وقد لا يقيد.
6- توقفه على ذكر المسمى الآخر الحقيقي، مثل لو قيل لشخص: ماذا نطبخ لك ؟ فقال اطبخوا لي قميصا، أي خيطوا لي قميصا، فتجوز بالطبخ لمشاكلته للفظ الحقيقي الذي ذكر معه في الجملة، ولولا ذكره لما صح أن نتجوز بالطبخ عن الخياطة.
7- إطلاقه على المستحيل، مثل: واسأل القرية، فإن سؤال القرية مستحيل إذْ هي عبارة عن الأبنية المجتمعة.
فالمجاز يعرف بواحد من هذه الأمور، إن لم يعرف بهذا عُرِفَ بغيره، وليس المقصود أن لا بد من تحققها كلها في المجاز الواحد.

( شرح النص )​

وَيكونُ بشَكْلٍ، وصِفَةٍ ظاهِرَةٍ، واعتبارِ ما يكونُ قطعًا أَو ظَنًّا، ومُضادَّةٍ، ومُجاوَرَةٍ، وزيادةٍ، ونقصٍ، وسَبَبٍ لمُسَبَّبٍ، وكُلٍّ لبعضٍ، ومُتَعَلِّقٍ لمُتَعَلَّقٍ، والعكوسِ، وما بالفعلِ على ما بالقُوَّةِ.
والأصحُّ أَنَّهُ يكونُ في الإسنادِ والمشتَقِّ والحرفِ لا العلَمِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمْعٌ في نوعِهِ، ويُعْرَفُ بتبادُرِ غيرِهِ لولا القرينةُ، وصِحَّةِ النَّفْيِ، وعَدَمِ لُزومِ الاطِّرَادِ، وجمعهِ على خلافِ جمعِ الحقيقةِ، والتزامِ تقييدِهِ، وتَوَقُّفِهِ على المسمَّى الآخَرِ، والإطلاقِ على المستحيلِ
.
......................................................................................................
( وَيكونُ ) المجاز من حيث العلاقة ( بشَكْلٍ ) أي بالمشابهة في الشكل كالفرس لصورته المنقوشة على جدار مثلا ( وصِفَةٍ ظاهِرَةٍ ) كالأسد للرجل الشجاع دون الأبخر- وهو كريه رائحة الفم- لظهور الشجاعة دون البخر في الأسد، فالبخر للأسد صفة غير ظاهرة لكل أحد فلا يصح التجوّز فيها بإطلاق الأسد على الرجل الأبخر، هذا وقضية عطف الصفة على الشكل أنها نوع آخر وليس كذلك فإن المشابهة هي الاشتراك في صفة ظاهرة إما صفة معنوية كالشجاعة كما في إطلاق الأسد على الشجاع أو صفة محسوسة كالصورة والشكل كما في إطلاق الأسد على المنقوش على الجدار، فظهر أن الاشتراك في الشكل هو من قبيل الاشتراك في الصفة الظاهرة، وما كانت العلاقة فيه المشابهة يسمى استعارة عند البيانيين، ويسمى مجاز المشابهة عند الأصوليين اهـ ملخصا بتصرف من حاشية العطار على الجمع ( واعتبارِ ما يكونُ ) في المستقبل وذلك إما أن يكون ( قطعًا ) نحو إنك ميّت وإنهم ميتون ( أَو ظَنًّا ) كالخمر للعصير في قوله تعالى: إني أراني أعصرُ خمرًا، بخلاف ما يكون في المستقبل احتمالا مرجوحا أو مساويا فلا يجوز كتسمية العبد حرا، أما اعتبار ما كان في الماضي فقد ذكره المصنف في مبحث الاشتقاق عند قوله: والأصح أن يشترط بقاء المشتق منه في كون المشتق حقيقة ( ومُضادَّةٍ ) كالمفازة للبرية المهلكة ( ومُجاوَرَةٍ ) كالراوية لظرف الماء المعروف تسمية له باسم ما يحمله من جمل أو نحوه ( وزيادةٍ ) نحو ليس كمثله شيء فالكاف زائدة وإلا فهي بمعنى مثل فيكون المعنى ليسَ مثلَ مثلِ اللهِ شيءٌ فيكون له تعالى مثل وهو محال والقصد بالآية نفي المثل ( ونقصٍ ) نحو واسأل القرية أي أهلها ( وسَبَبٍ لمُسَبَّبٍ ) نحو للأمير يد أي قدرة، فاليد سبب، والقدرة مسبب، فذكر السبب وأريد به المسبب مجازًا ( وكُلٍّ لبعضٍ ) نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم ( ومُتَعَلِّقٍ ) بكسر اللام ( لمُتَعَلَّقٍ ) بفتح اللام نحو هذا خلق الله أي مخلوقه وهذه تسمى علاقة التعلق كتعلق الخلق بالمخلوق ( والعكوسِ ) للثلاثة الأخيرة أي مسبب لسبب كالموت للمرض الشديد لأنه سبب له عادة، وبعض لكل نحو فلان يملك ألف رأس من الغنم ، ومتعلَّق بفتح اللام لمتعلِّق بكسرها نحو قوله تعالى: بأيّكم المفتون، أي الفتنة بمعنى الجنون والمعنى هو بأيكم الجنون ؟ ( وما بالفعلِ على ما بالقُوَّةِ ) كالمسكر للخمر ( والأصحُّ أَنَّهُ ) أي مطلق المجاز ( يكونُ في الإسنادِ ) ويسمى المجاز الإسنادي والمجاز العقلي نحو بنى الأمير المدينةَ، وقيل لا وجود للمجاز في الإسناد بل هو راجع إلى المجاز في الكلمة إما في المسند وإما في المسند إليه، كأن يكون المقصود ببنى في المثال هو الأمر به، أو يكون المقصود بالأمير هم عماله ( و ) الأصح أن المجاز يكون في ( المشتَقِّ ) من المصدر كالفعل واسم الفاعل نحو ونادى أصحاب الجنة أي ينادي، وقيل لا يكون المجاز في المشتق إلا بعد جريانه في مصدره بمعنى أن المجاز يقع في المصدر أولا ثم يشتق منه المشتق ( و ) الأصح أن المجاز يكون في ( الحرفِ ) نحو فهل ترى لهم من باقية أي ما ترى ( لا ) في ( العلَمِ ) أي لا يكون المجاز فيه على الأصح، وقيل يكون ( وَ ) الأصح ( أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمْعٌ في نوعِهِ ) أي نوع المجاز فلا يتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه، وقيل لا يشترط سماع نوع العلاقة في كل نوع بل يكفي السماع في نوع لصحة التجوز في نوع آخر يشاكله فإذا سمعنا التجوز بالسبب عن المسبب جاز لنا أن نتجوز بعكسه أي بالمسبب عن السبب ( ويُعْرَفُ ) المجاز ( بتبادُرِ غيرِهِ ) منه إلى الفهم ( لولا القرينةُ ) بخلاف الحقيقة فإنها تعرف بالتبادر إلى الفهم بلا قرينة ( وصِحَّةِ النَّفْيِ ) للمعنى الحقيقي في الواقع كما في قولك للبليد هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار عنه ( وعَدَمِ لُزومِ الاطِّرَادِ ) في اللفظ الذي يدل على المعنى المجازي كما في واسأل القرية أي أهلها ولا يقال واسأل البساط أي أهله، ولكن هنا إشكال ذكره العلامة العطار في حاشيته على الجمع وهو أنهم صرحوا بأن المعتبر في العلاقة المجازية نوعها لا آحادها فحينئذ لم لا يجوز الاطراد ونقول اسأل البساط أي أهله، واسأل السيارة أي صاحبها ( وجمعهِ ) أي جمع اللفظ الدال على المجاز ( على خلافِ ) صيغة ( جمعِ الحقيقةِ ) كالأمر بمعنى الفعل مجازًا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول حقيقة فيجمع على أوامر ( والتزامِ تقييدِهِ ) أي اللفظ الدال على المجاز كجناح الذل أي لين الجانب بخلاف المشترك من الحقيقة فإنه يقيد من غير التزام كالعين الجارية ( وتَوَقُّفِهِ ) في إطلاق اللفظ عليه ( على المسمَّى الآخَرِ ) الحقيقي ويسمى هذا في علم البديع بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا نحو: ومكروا ومكر الله، أي جازاهم على مكرهم، أو تقديرا نحو: أفأمنوا مكر الله، أي مجازاته لهم على مكرهم إذْ التقدير أفأمنوا حين مكروا مكر الله، فإطلاق المكر على المجازاة على المكر مجاز متوقف على وجود المكر الحقيقي معه تحقيقا أو تقديرا، كذا مثل أهل الأصول، والمثال منتقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وقد قيل: إن تسمية ذلك مكرًا وكيدًا واستهزاء وخداعًا من باب الاستعارة ومجاز المقابلة، وقيل - وهو أصوب-: بل تسمية ذلك حقيقة على بابه؛ فإن المكر: إيصال الشر إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة، ولكنه نوعان: قبيح وهو إيصال ذلك لمن لا يستحقه، وحسن وهو إيصاله إلى مستحقه عقوبة له، فالأول مذموم والثاني ممدوح، والرب إنما يفعل من ذلك ما يحمد عليه عدلًا منه وحكمة اهـ باختصار، فإن قيل فهل يوصف الله بالمكر؟ قلنا: يوصف به مقيدا لا مطلقا فيقال: هو يمكر بمن يمكر بأوليائه.
( والإطلاقِ ) للفظ ( على المستحيلِ ) نحو واسأل القرية فاطلاق المسئول عليها مستحيل لأنها الأبنية المجتمعة، وإنما المسؤول أهلها.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

جزاكم الله خيرا على هذا الشرح الماتع . .

ما اتضح لي الفرق بين النقل والمجاز !
أليس النقل من حيث اللغة يعتبر مجازا؟
وجزاكم الله خيرا مثله.
هم يفرقون في هذا الموضع بين المجاز والنقل فإن النقل هو ابتداء وضع سواء وجدت علاقة أم لا كالفاعل ففي اللغة معناه معروف فجاء أهل النحو ووضعوه على الاسم المخصوص، بخلاف المجاز فهو ليس كذلك فالأسد لم يوضع في اللغة إلا للحيوان المفترس، ولو قلنا إن الأسد قد وضع عند قوم لشيء آخر فيكون ذلك حقيقية عرفية أي من باب النقل.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا الفاضل، هل يمكن زيادة البيان لكلامكم التالي في الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، فلم أدرك المراد من النظر للماهية من جهة خصوصها وعمومها وكيف تصير متشخصاً ذهن الواضع دون غيره وفي زمن معين؟ الله يجزيكم خيراً:
حياك الله أخي.
حاصل الفرق هو أن الماهية إذا أخذت مع المشخصات تشخصت وإن لم تؤخذ مع المشخصات بقيت مطلقة، فالإنسان ماهيته هي ( الحيوان الناطق ) فهذه ماهية مطلقة مجردة من كل قيد ولكن لو أضفت إليها القيود ككون الحيوان الناطق أبيض اللون وطويل القامة ومن مواليد كذا وهو كذا.. تشخصت الماهية وانطبقت على فرد مخصوص، وتلك المشخصات في علم الجنس من هذا القبيل فماهية الأسد وهي ( الحيوان الزائر ) مطلقة وهذا هو اسم الجنس، وإذا أضيفت إلى الماهية بعض المشخصات تشخصت ولكن لا نقصد تشخصها في الخارج بأن نقول الحيوان الزائر الذي لونه كذا ووزنه كذا وهو في قفص كذا فيصير دالا على شخص معين من الأسود، ولكن نقصد تلك الصورة الذهنية التي يستحضرها الواضع فمن المعلوم أنه قبل الوضع لا بد من تصور المعنى قبل تخصيص لفظ له، فذلك المعنى المستحضر هو الماهية إن نظرنا إليها من جهة بعض المشخصات مثل الزمن بأن نقول هي تختلف عن بقية صور ماهية الأسد فإنها مخصوصة بمحل معين أي حضرت في ذهن زيد من الناس وهو الذي قام بالوضع وفي زمن معين ربما قبل 2000 سنة مثلا في لحظة معينة، وهكذا نجد أن الماهية حينما تخلط ببعض المشخصات تتعين فمن هذه الجهة وضعوا علم الجنس، ولا يخفاك أنه تدقيق فلسفي يحتاج إلى دربة على الكلام والمنطق لفهمه جيدا فمن أين للعرب في الصحراء أنهم استحضروا هذا الفرق فوضعوا أسامة لتلك الصورة الذهنية المتشخصة ووضعوا أسدا لتلك الصورة الذهنية المطلقة من تلك المشخصات!.
 
التعديل الأخير:
أعلى