أود أن أشكر الدكتور محمد الجمال على تلقيه نصيحة أخينا السناني المختصرة , بهذه الروح الطيبة..
وأرجو من الأخت أصولية حفظها الله ألا تختزل الأمور بهذه الطريقة المقتضبة ولترد على الأسئلة إن كان مقصدها الحق
جزاكم الله خيرا..وأتابع من حيث وقفت
---
-التفريق بين الوسائل المشروعة والمصالح المرسلة وبين البدع المحدثة
يقع كثير من الناس في لبس حين تنكر عليه بدعة معينة فيسارع مثلا بالتمثيل ببعض الوسائل الدعوية
فيقول مثلا :هذه المؤسسة الخيرية أو موقع الانترنت الفلاني ..إلخ إنما وضعها أصحابها لنصرة الدين
والذب عنه ونشر التوحيد ,فهي إذن متعلقة بالدين ,ولم تكن على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعلى كلامكم تكون بدعة, هذا حاصل ما يقولونه ,على أن منهم من يقوله عن سوء فهم, والتباس حال
ومنهم من يقوله بما سوء قصد ليلبس على المؤمنين من العوام الذين لا يحسنون التصدي للرد عليهم
---
أولا-الوسيلة المشروعة هي كاسمها يتوسل بها إلى غاية ما فلا تكون مقصودة في نفسها بحيث
لو وجدت وسيلة أخرى لتحقيق نفس الغاية لصير إليها إما لأجل توفير جهد أو زمن أو أي شيء
والمهم أن تكون غير مشتملة على محرم ,الشريط الإسلامي مثلا وسيلة دعوية, فلو أجرينا دراسة وتبين
لنا أن المطويات أجدى في بلوغ الرسالة وأبلغ في التأثير , لاستبدلنا بالأشرطة المطويات
وقد جاء الشرع دالا على أن الوسائل لم تحد بقيود سوى الأطر العامة من كونها مبنية على
الحكمة والموعظة الحسن وضوابط الأمر بالمعروف والنهي المنكر المبثوثة في مظانها
بخلاف البدعة فإن أصحابها لا يبغون عنها حولاً هي بذاتها
وإذا تأملت في عيد المولد النبوي ألفيته من غير باب الوسائل بأمارة أن أهله يدعون للاحتفال اليومي
بالنبي صلى الله عليه وسلم على مدار العام بإحياء سنته وسيرته وشمائله وهديه فلا يقنعهم هذا
وتدل فعالهم أنه لو كانتثم ندوات كثيرة على مدار العام مخصصة عن سيدنا رسول الله,فإنهم لن ينفكوا
عن الالتزام بتخصيص اليوم الموافق لولادته عليه الصلاة والسلام والاحتفال به فعلم بهذا أنهم وإن سموها وسيلة أو عادة أو غير ذلك إلا أن سلوكهم كاشف عن حقيقتها
ثانيا-ثم إن الوسيلة أو المصلحة المرسلة إنما لم تحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعدم وفرة الداعي إليها وانتفاء قيام المقتضي لسلوكها
فلم يكن في زمانهم احتياج للمطابع مثلا لكونهم أهل الحفظ يستودعون ما يلقى إليهم فمقل ومستكثر
ولهذا حين نشأت الحاجة لجمع المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه ,جمعه في مصحف إمام وأجمع الصحابة كلهم عليه وهو من الإجماعات القطعية التي من يخالفها يكفر كأن يشكك في حرف واحد من القرآن الكريم كما تقعل الرافضة عليهم لعائن الله تترى..وأما البدعة فإنما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا عن افتقار زمانهم للداعي
وأنت ترى أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض لازم والداعي لأن يأتي النبي بالكمالات التي تحفظ هذه الفريضة وترسخها وتحفظها من أن يشوبها اختلال أو تقصير لا يقل عنه في أي عصر , قال النبي صلى الله عليه وسلم "لكل قوم عيد وهذا عيدنا" فبالنظر العقلي يكون من موجبات انمياز الأمة عن غيرها أن يخص نبيها الكريم بعيد يُحتفل فيه بمولده
ومع هذا ينبغي أن يعلم أن الوسيلة نفسها قد يدل الدليل على كونها عبادة مقصودة من جهة الشارع ,كالوضوء مثلا
يتوسل به لأداء صلاة صحيحة على طهارة وهو في نفسه عبادة مستقلة رتب الله عليها من الأجر ماهو معروف في مظانه, قال في الموافقات: (وأما الوسائل فأمر آخر ولكن إن فرضنا كون الوسيلة كالوصف للمقصود بكونه موضوعا لأجله فلا يمكن والحال هذه أن تبقى الوسيلة مع انتفاء المقصد إلا أن يدل دليل على الحكم ببقائها فتكون إذ ذاك مقصودة لنفسها وإن انجر مع ذلك أن تكون وسيلة إلى مقصود آخر فلا امتناع في هذا)
فتعلم من هذا أنه لو ألحق بالوسيلة ما يضاهي التعبد بحيث كان مقصودا لذاته دون لزوم كونه مجرد وسيلة للتوصل إلى غيره فإنها يلحقها من مادة الابتداع بقدر ذلك وإن ادعى أصحابها أنها عادة فالحقائق لا تقوم على الدعاوى
ثالثا-وأما العادات فكما قال القرافي في الفروق ترجع لمصالح العباد ونحو ذلك
كعادات القبائل غير المخالفة للشرع في أعراسهم وزياراتهم وما يقيم شؤون حياتهم وتعاملاتهم وطرائق تحاياهم وأعرافهم..إلخ كل ذلك من قبيل العادات والأصل فيه الإباحة مالم يخالف الشرع بدخن معصية أو شائبة بدعة بأن يدخلها معنى تعبدي , كأن يجتمع قوم على إقامة عيد جديد يحتفلون به فيكون خصيصة لا ينفكون عنها وبها يمتازون كعيد النوروز الفارسي الذي استحب السيستاني أن يحتفل به وعمل به من قلده من الشيعة,ولما كانت الأعياد من خصائص الملل فلايقال إن هذه عادة مباحة لأنها في الأصل ليست من قبيل العادات المتوراثة
وإنما أقحمت بما لها من ارتباط ديني يعود على الشرع بالاستدراك وهذا جلي عند سماع حجج المحتفلين بالموالد
فالعبادات ترجع مقاصدها في الدرجة الأولى لاعتبار حفظ الدين , ولعلك بتأمل يسير تدرك أن المولد من حيث هو موسم سنوي , ليس مصلحة مرسلة ولا وسيلة مشروعة ولا عادة موروثة من الأجداد , وما إخالك يبقى لديك أثارة من شك إذا علمت أن أول من أدخلها هم العبيديون الذي قال عنهم أبو حامد الغزالي :ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض
والحاصل أنه اجتمع في المولد جميع خصائص البدعة
-فهو دخيل في أصله من أمم الكفر ,مقحم في الدين كعيد يعظمه كثير من الناس فوق العيدين
-وأصحابه يتقربون به إلى الله لحد يبلغ بهم الحط على من لا يشاركهم احتفالاتهم, ولو كان مجرد عادة لما كان لهذا الإنكار وجه
-ومن يقول بأننا نخصه بذكر سيرته فحسب والتنويه بخصائص النبي-صلى الله عليه وسلم- ومناقبه دون ما يفعله الغلاة من رقص وهبل ومعازف..إلخ, يقال لهم :مجرد التخصيص ذريعة للابتداع ,,وقد أحكم الشارع الحكيم سد هذا الباب فما كان ذريعة إليه أخذحكمه
بدليل ما ذكرناه من فهم الصحابة وعموم السلف فكان أحدهم قد يقول القول المشروع في أصله فإذا لزمه في موضع معين أو قرنه بقول مشروع آخر ,أنكروا عليه إما لكونه ذريعة للبدعة وإما لأنهم لحظوا معنى البدعة فيه بقرينة أن ما جاء مقيدا من قبل الشرع لابد من التقيد به وما جاء مطلقا فهو مطلق ومخالفة ذلك عن قصد لا يخلو من استدراك على الشريعة
ولهذا تقدم قول الإمام أحمد حين سئل وقال ما مفاده أن الشيء إذا التزم بما يوهم أنه سنة دخله معنى الابتداع فلهذا
وأنا أضيف سؤالاً للمحتفلين بالمولد,ماذا لو قام الشيعة اليوم بعمل عيد جديد للاحتفال بالبعثة النبوية
فهل نقول عادة ونتبعهم أيضا؟ وما الفرق إذا كان الجواب :لا
ثم أقول :إن المولد النبوي بدعة حتى وفق الأصول الأشعرية
تدبر إن شئت كلام الإمام الشاطبي : (إن عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع..إلخ)
ولهذا لا تعجب إذا علمت أن الشاطبي وهو أشعري كان منسجما مع عقيدته حين جعل المولد النبوي بدعة..
يتبع بحول الله تعالى