صفاء الدين العراقي
::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
- إنضم
- 8 يونيو 2009
- المشاركات
- 1,721
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- .....
- الدولة
- العراق
- المدينة
- بغداد
- المذهب الفقهي
- شافعي
#للوصول إلى الفهرس اضغط#
هنا
# للوصول إلى الدروس على هيئة بي دي إف اضغط #
هنا
تم الانتهاء من شرح الكتاب كاملا بتاريخ 26-9-2011
بسم الله الرحمن الرحيم
" التعريف الإضافي واللقبي "
هنا
# للوصول إلى الدروس على هيئة بي دي إف اضغط #
هنا
تم الانتهاء من شرح الكتاب كاملا بتاريخ 26-9-2011
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد....
فقد بدأت أكتب شرحا ميسرا على متن الورقات في علم أصول الفقه فرأيت أن أنشر ما كتبته كي يكون باعثا لي على الاستمرار في الكتابة ولأستفيد من التعليق عليه من قبل الإخوة وعسى أن يستفيد منها أحد فأقول وبالله أستعين.
أما بعد....
فقد بدأت أكتب شرحا ميسرا على متن الورقات في علم أصول الفقه فرأيت أن أنشر ما كتبته كي يكون باعثا لي على الاستمرار في الكتابة ولأستفيد من التعليق عليه من قبل الإخوة وعسى أن يستفيد منها أحد فأقول وبالله أستعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
" مقدمة "
" مقدمة "
أصول الفقه: قواعد يستخرِج بها الفقيه الحكم الشرعي في المسألة.
وفائدته: الوصول إلى الحكم الشرعي وذلك من خلال تطبيق تلك القواعد على النصوص الشرعية.
بمعنى أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هما مصدرا التشريع ومنهما يعرف الحلال والحرام، ولكن ليس كل فرد من أمة الإسلام قادرا على استخراج الحكم الشرعي ومعرفة ما يريده الله منه بنفسه، فلا يتوقع من كل شخص كلما عرضت له مسألة يريد حكم الله فيها يفتح القرآن أو صحيح البخاري مثلا ويعرف الحكم بنفسه، ولذا كان هنالك أناس مخصوصون ينعتون بالفقهاء فهم القادرون على النظر في النصوص ومعرفة حكم الله ثم تبيينه للناس ليعملوا به.
والسؤال المهم هو كيف يستخرج الفقيه الحكم الشرعي من النصوص الشرعية؟
والجواب: من خلال مجموعة من القواعد العامة تسمى بأصول الفقه.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( الأمر يدل على الوجوب).
فإذا قال السيد لعبده افعل كذا فهنا قد أمره بفعل شيء فيجب عليه الامتثال فإذا لم يمتثل عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله تعالى ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ) فيقول الفقيه :
فتيمموا أمر.... والأمر يدل على الوجوب... إذاً فتيمموا يدل على الوجوب فيكون التيمم واجبا على من لم يجد الماء.
فوجوب التيمم هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الآية القرآنية السابقة بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( النهي يدل على التحريم ).
فإذا قال السيد لعبده لا تفعل كذا فهنا قد نهاه عن فعل شيء ما أي يكون السيد قد حرّم عليه فعل ذلك فإذا فعل فقد عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
( لا تأتوا النساءَ في أدبارِهن) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
فيقول الفقيه :
لا تأتوا النساء في أدبارهن نهي.... والنهي يدل على التحريم... إذاً لا تأتوا النساء في أدبارهن يدل على التحريم فيكون الوطء في الدبر حراما.
فحرمة الوطء في الدبر هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الحديث السابق بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
بمعنى أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هما مصدرا التشريع ومنهما يعرف الحلال والحرام، ولكن ليس كل فرد من أمة الإسلام قادرا على استخراج الحكم الشرعي ومعرفة ما يريده الله منه بنفسه، فلا يتوقع من كل شخص كلما عرضت له مسألة يريد حكم الله فيها يفتح القرآن أو صحيح البخاري مثلا ويعرف الحكم بنفسه، ولذا كان هنالك أناس مخصوصون ينعتون بالفقهاء فهم القادرون على النظر في النصوص ومعرفة حكم الله ثم تبيينه للناس ليعملوا به.
والسؤال المهم هو كيف يستخرج الفقيه الحكم الشرعي من النصوص الشرعية؟
والجواب: من خلال مجموعة من القواعد العامة تسمى بأصول الفقه.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( الأمر يدل على الوجوب).
فإذا قال السيد لعبده افعل كذا فهنا قد أمره بفعل شيء فيجب عليه الامتثال فإذا لم يمتثل عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله تعالى ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ) فيقول الفقيه :
فتيمموا أمر.... والأمر يدل على الوجوب... إذاً فتيمموا يدل على الوجوب فيكون التيمم واجبا على من لم يجد الماء.
فوجوب التيمم هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الآية القرآنية السابقة بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( النهي يدل على التحريم ).
فإذا قال السيد لعبده لا تفعل كذا فهنا قد نهاه عن فعل شيء ما أي يكون السيد قد حرّم عليه فعل ذلك فإذا فعل فقد عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
( لا تأتوا النساءَ في أدبارِهن) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
فيقول الفقيه :
لا تأتوا النساء في أدبارهن نهي.... والنهي يدل على التحريم... إذاً لا تأتوا النساء في أدبارهن يدل على التحريم فيكون الوطء في الدبر حراما.
فحرمة الوطء في الدبر هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الحديث السابق بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
" التعريف الإضافي واللقبي "
قد مضى معنا في المقدمة بيان تعريف أصول الفقه وبيان فائدته ونريد هنا أن نعرِّف أصول الفقه بطريقة أخرى وهي تعريفه من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث مفرداته أي قبل أن يصير اسما لهذا العلم المخصوص.
الجهة الثانية من حيث كونه اسما لهذا العلم.
أي أن ( أصول الفقه ) في الأصل لفظ مركب من كلمتين هما ( أصول ) و ( الفقه ) ثم أخذ هذا اللفظ المركب وجُعِلَ اسما لهذا العلم الذي ندرسه.
فتارة ننظر إلى هذا اللفظ من جهة مفرداته، وتارة ننظر إليه كاسم لهذا العلم.
وذلك نظير لفظ صلاح الدين فلو فرضنا أن شخصا قد سمي بهذا الاسم فتارة ننظر إلى هذا اللفظ على أنه اسم لشخص معين سواء أكان صالحا أو فاسقا.
و تارة ننظر إليه من جهة مفرداته وهي صلاح والدين أي قبل أن يصير اسما لذلك الشخص فنعرِّف كل لفظة على حدة.
فإذا علم هذا فالتعريف الأول لأصول الفقه أعني تعريف المفردات يسمى بالتعريف الإضافي، والتعريف الثاني يسمى بالتعريف اللقبي.
أولا: التعريف الإضافي: هنا عندنا كلمتان هما أصول والفقه، فالأصول جمع أصل ومعناه في اللغة هو ما يبنى عليه غيره، أي شي يبنى عليه شيء آخر سواء أكان ذلك الابتناء حسيا أو عقليا.
مثال: جذر الشجرة المستتر في الأرض هذا أصل لأنه ينبني عليه ساق الشجرة.
مثال آخر: أساس البيت وهو الذي يحفر نازلا في الأرض ويجعل فوقه البنيان يسمى أصلا لأن البنيان والجدران مبنية عليه.
فجذر الشجرة وأساس البيت كلاهما أصل حسي أي أمر محسوس مشاهد بالعين فأنت ترى بعينك أن ساق الشجرة لم يكن ليثبت على الأرض لولا الجذر المستتر في الأرض وكذا أساس البنيان ولهذا يسمى هذا الابتناء بالحسي.
مثال: الدليل أصل لأن الحكم مبني عليه وهذا الابتناء عقلي أي يعرف بالعقل ولا يحس.
مثلا قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) هذا دليلٌ، ووجوب الصلاة المستفاد من الآية هو الحكم فيكون أقيموا الصلاة أصلا لوجوب الصلاة.
ولا شك أن هذا الابتناء غير محسوس ومشاهد كما في مثال الشجرة والبيت بل يعرف بالعقل.
ثم الشيء الذي بني عليه غيره يسمى أصلا وذلك الغير المبني عليه يسمى فرعا.
فالفرع هو ما بني على غيره سواء أكان الابتناء حسيا أو عقليا.
فجذر الشجرة..... أصل، وساق الشجرة..... فرع.
وأساس البيت..... أصل، والبنيان ........... فرع.
والدليل........... أصل، والحكم............ فرع.
أما الأصل في اصطلاح العلماء فيراد به:
1- الدليل فيقولون الأصل في وجوب الصلاة هو قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي الدليل على وجوب الصلاة.
2- القاعدة مثل قولهم الأصل أن كل فاعل مرفوع فهذه القاعدة أصل وفروعها تطبيقاتها مثل قام زيد وذهب عمرو ونحو ذلك.
فهذا ما يتعلق بتعريف الجزء الأول وهو الأصل، ولنبدأ بتعريف الجزء الثاني وهو الفقه فنقول:
الفقه في اللغة هو: الفهم يقال: فَقِهَ زيدٌ المسألةَ أي فَهِمَها.
وفي الاصطلاح هو: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( معرفة ) المعرفة الفهم والتعقل والإدراك.
قولنا ( الأحكام الشرعية) الأحكام جمع حكم ومعناه إثبات أمر لأمر أو نفي أمر عن أمر.
تقول زيد قائم فهذا حكم لأنك أثبت القيام لزيد.
وتقول زيد ليس بقائم فهذا حكم أيضا لأنك نفيت القيام عن زيد.
والأحكام قد تكون متلقاة من العقل مثل الواحد نصف الاثنين وتسمى بالأحكام العقلية.
وقد تكون متلقاة من الحس مثل النار حارقة وتسمى بالأحكام الحسية.
وقد تكون متلقاة من الشرع أي من القرآن والسنة مثل الصلاة واجبة والربا محرم.
فاحترزنا بكلمة الشرعية عن الأحكام العقلية والحسية لأن الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية لا العقلية ولا الحسية.
وقولنا ( التي طريقها الاجتهاد ) أي التي طريق معرفتها هو الاجتهاد.
والاجتهاد هو: بذل الفقيه كل وسعه للوصول إلى الحكم الشرعي.
فلا بد أن يبذل الفقيه طاقته وجهده بالفكر والتأمل والبحث كي يصل إلى حالة يعتقد فيها أن هذا هو حكم الله.
وعبارة ( التي طريقها الاجتهاد ) وصف للأحكام الشرعية نحترز به عن الأحكام الشرعية التي تعرف بغير اجتهاد.
مثال: الصلاة والصيام واجبان، والزنا والسرقة محرمان، هذه أحكام شرعية ولكن تعرف بغير اجتهاد لأنها مما يعرفه عامة الناس بسبب اشتهار تلك المسائل فلا تخفى على أحد لأنها مسائل قطعية وقع عليها الإجماع فلهذا لا تدخل هذه في تعريف الفقه.
أما المسائل الظنية التي حصل فيها خلاف بين الفقهاء وتحتاج إلى اجتهاد لكي تعرف فهي التي تدخل في تعريف الفقه.
مثل النية في الوضوء واجبة، وصلاة الوتر مستحبة، والنية في الليل شرط لصحة صوم رمضان ونحو ذلك من المسائل الخلافية التي يحتاج في معرفتها إلى جهد ونظر.
تنبيه: التعريف السابق للفقه هو اصطلاح بعض العلماء وبعضهم عرف الفقه بأنه: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، واحترز بالمتعلقة بأفعال المكلفين عن المتعلقة باعتقادات المكلفين كالإيمان بالله واليوم الآخر فهذه تبحث في علم العقائد، وعلى هذا التعريف تدخل الأحكام القطعية كمعرفة وجوب الصلاة والأحكام الاجتهادية كمعرفة استحباب صلاة الوتر.
بقي أن يقال إنكم قلتم إن الأصل في اصطلاح العلماء يطلق على الدليل وعلى القاعدة فما هو المقصود من كلمة أصول في قولهم ( أصول الفقه) ؟
الجواب: يراد به هنا الدليل فمعنى أصول الفقه هو أدلة الفقه.
فهذا ما يتعلق بالتعريف الإضافي ولنبدأ بالتعريف اللقبي للأصول فنقول:
أصول الفقه: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
فأدلة الفقه الإجمالية هي القواعد العامة التي يستنبط من خلالها الحكم الشرعي كالأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم.
واحترزنا بقيد الإجمالية عن الأدلة التفصيلية مثل قوله تعالى أقيموا الصلاة فهذا دليل تفصيلي لأنه متعلق بمسألة معينة وهي فعل الصلاة.
فالأمر يدل على الوجوب قاعدة عامة تشمل كل أمر مثل الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فالدليل التفصيلي هو المتعلق بمسألة معينة... أقيموا الصلاة.
والدليل الإجمالي هو غير المتعلق بمسألة معينة... الأمر يدل على الوجوب، فإنه لا يتعلق بأمر معين.
والدليل التفصيلي يبحث عنه في الفقه لكي نعرف دليل المسألة.
أما الدليل الإجمالي فهو يبحث عنه في الأصول.
فوظيفة الأصولي هي توفير القواعد العامة ( الأدلة الإجمالية )
ووظيفة الفقيه هو أخذ تلك القواعد العامة التي وفرها له الأصولي وتطبيقها على النصوص الشرعية (الأدلة التفصيلية) لاستخراج الحكم الشرعي.
فالأصولي يصنع آلة الاستخراج، والفقيه يعمل بتلك الآلة.
وقولنا ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية الاستفادة من الأدلة عند تعارضها.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول:
إن الأدلة التفصيلية يحصل التعارض بينها بالنظر للظاهر فقط وهي في الحقيقة لا تعارض بينها بل بعضها يفسر البعض الآخر فيحتاج الأصولي إلى أن يذكر القواعد المتعلقة بكيفية رفع التعارض بين النصوص وهذا معنى قولنا في تعريف علم الأصول ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية استفادة الأحكام من الأدلة التفصيلية عند تعارضها بذكر القواعد الرافعة للتعارض.
مثال: قال الله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ومعنى الآية إن المرأة إذا طلقها زوجها عليها أن تلزم العدة مدة 3 قروء أي 3 أطهار.
وقوله تعالى ( والمطلقات ) لفظ عام يشمل كل مطلقة سواء أدخل بها أم لم يدخل بها.
فعلى ظاهر هذه الآية من طلق امرأته قبل أن يدخل بها ويجامعها فعليها أن تلزم العدة 3 قروء بسبب عموم لفظ المطلقات.
ولكن جاءت آية أخرى تقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ).
ومعنى الآية إن الرجل إذا طلق زوجته قبل أن يمسها ويدخل بها فليس عليها عدة.
فحصل تعارض بين الآيتين في الظاهر إذْ الآية الأولى عامة تقول كل مطلقة عليها عدة.
والآية الثانية تقول إن المطلقة التي لم يدخل بها ليس عليها عدة.
فكيف يُرفع هذا التعارض؟
الجواب: من خلال قاعدة أصولية تقول ( الخاص يقدم على العام ) أي إذا جاء نص عام ونص خاص فإن النص الخاص يفسر النص العام ويخصصه.
فالآية الأولى ( والمطلقات يتربصن... ) عامة في كل مطلقة.
والآية الثانية (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم ... ) تتحدث عن المطلقة غير المدخول بها فهي خاصة بها أي لا تشمل كل مطلقة.
فنقول بما أن الخاص مقدم على العام فيكون الحكم هو:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلا التي لم يدخل بها فليس عليها عدة.
وبذلك يزول الإشكال ويندفع التعارض وتتناسق النصوص.
فالفقيه رفع التعارض بين الآيتين من خلال قاعدة وفرها له الأصولي.
والخلاصة هي أن علم الأصول كما يتحدث عن القواعد العامة التي نستخرج بها الحكم الشرعي مثل الأمر يدل على الوجوب فهو يتحدث أيضا عن القواعد العامة التي ترفع التعارض بين النصوص مثل الخاص يقدم على العام.
ومعنى قولنا ( وحال المستفيد ) أي صفة المستفيد وهو المجتهد فيذكر في علم الأصول الصفات والشروط التي يجب توفرها في الفقيه الذي يستخرج الأحكام الشرعية من النصوص بنفسه.
وسمي المجتهد بالمستفيد لأنه هو الذي يستفيد الأحكام من النصوص أي يستخرجها منه.
فتلخص أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي:
أولا: الأدلة الإجمالية وهي القواعد العامة التي يستخرج بها الفقيه الحكم.
ثانيا: كيفية الاستفادة من الأدلة وذلك بمعرفة القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
ثالثا: صفات من يستخدم تلك القواعد ليستفيد بها الحكم الشرعي.
فلا يكتفي علم الأصول بإيضاح القواعد بل يوضح معها من يحق له استخدامها على النصوص لاستخراج الأحكام الشرعية، فلا يتوهم أن كل من اطلع على قواعد الأصول صار قادرا على معرفة الأحكام بنفسه حاله كحال الفقيه المجتهد بل يحق له ذلك متى توفرت فيه الصفات اللازمة لذلك.
الجهة الأولى: من حيث مفرداته أي قبل أن يصير اسما لهذا العلم المخصوص.
الجهة الثانية من حيث كونه اسما لهذا العلم.
أي أن ( أصول الفقه ) في الأصل لفظ مركب من كلمتين هما ( أصول ) و ( الفقه ) ثم أخذ هذا اللفظ المركب وجُعِلَ اسما لهذا العلم الذي ندرسه.
فتارة ننظر إلى هذا اللفظ من جهة مفرداته، وتارة ننظر إليه كاسم لهذا العلم.
وذلك نظير لفظ صلاح الدين فلو فرضنا أن شخصا قد سمي بهذا الاسم فتارة ننظر إلى هذا اللفظ على أنه اسم لشخص معين سواء أكان صالحا أو فاسقا.
و تارة ننظر إليه من جهة مفرداته وهي صلاح والدين أي قبل أن يصير اسما لذلك الشخص فنعرِّف كل لفظة على حدة.
فإذا علم هذا فالتعريف الأول لأصول الفقه أعني تعريف المفردات يسمى بالتعريف الإضافي، والتعريف الثاني يسمى بالتعريف اللقبي.
أولا: التعريف الإضافي: هنا عندنا كلمتان هما أصول والفقه، فالأصول جمع أصل ومعناه في اللغة هو ما يبنى عليه غيره، أي شي يبنى عليه شيء آخر سواء أكان ذلك الابتناء حسيا أو عقليا.
مثال: جذر الشجرة المستتر في الأرض هذا أصل لأنه ينبني عليه ساق الشجرة.
مثال آخر: أساس البيت وهو الذي يحفر نازلا في الأرض ويجعل فوقه البنيان يسمى أصلا لأن البنيان والجدران مبنية عليه.
فجذر الشجرة وأساس البيت كلاهما أصل حسي أي أمر محسوس مشاهد بالعين فأنت ترى بعينك أن ساق الشجرة لم يكن ليثبت على الأرض لولا الجذر المستتر في الأرض وكذا أساس البنيان ولهذا يسمى هذا الابتناء بالحسي.
مثال: الدليل أصل لأن الحكم مبني عليه وهذا الابتناء عقلي أي يعرف بالعقل ولا يحس.
مثلا قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) هذا دليلٌ، ووجوب الصلاة المستفاد من الآية هو الحكم فيكون أقيموا الصلاة أصلا لوجوب الصلاة.
ولا شك أن هذا الابتناء غير محسوس ومشاهد كما في مثال الشجرة والبيت بل يعرف بالعقل.
ثم الشيء الذي بني عليه غيره يسمى أصلا وذلك الغير المبني عليه يسمى فرعا.
فالفرع هو ما بني على غيره سواء أكان الابتناء حسيا أو عقليا.
فجذر الشجرة..... أصل، وساق الشجرة..... فرع.
وأساس البيت..... أصل، والبنيان ........... فرع.
والدليل........... أصل، والحكم............ فرع.
أما الأصل في اصطلاح العلماء فيراد به:
1- الدليل فيقولون الأصل في وجوب الصلاة هو قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي الدليل على وجوب الصلاة.
2- القاعدة مثل قولهم الأصل أن كل فاعل مرفوع فهذه القاعدة أصل وفروعها تطبيقاتها مثل قام زيد وذهب عمرو ونحو ذلك.
فهذا ما يتعلق بتعريف الجزء الأول وهو الأصل، ولنبدأ بتعريف الجزء الثاني وهو الفقه فنقول:
الفقه في اللغة هو: الفهم يقال: فَقِهَ زيدٌ المسألةَ أي فَهِمَها.
وفي الاصطلاح هو: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( معرفة ) المعرفة الفهم والتعقل والإدراك.
قولنا ( الأحكام الشرعية) الأحكام جمع حكم ومعناه إثبات أمر لأمر أو نفي أمر عن أمر.
تقول زيد قائم فهذا حكم لأنك أثبت القيام لزيد.
وتقول زيد ليس بقائم فهذا حكم أيضا لأنك نفيت القيام عن زيد.
والأحكام قد تكون متلقاة من العقل مثل الواحد نصف الاثنين وتسمى بالأحكام العقلية.
وقد تكون متلقاة من الحس مثل النار حارقة وتسمى بالأحكام الحسية.
وقد تكون متلقاة من الشرع أي من القرآن والسنة مثل الصلاة واجبة والربا محرم.
فاحترزنا بكلمة الشرعية عن الأحكام العقلية والحسية لأن الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية لا العقلية ولا الحسية.
وقولنا ( التي طريقها الاجتهاد ) أي التي طريق معرفتها هو الاجتهاد.
والاجتهاد هو: بذل الفقيه كل وسعه للوصول إلى الحكم الشرعي.
فلا بد أن يبذل الفقيه طاقته وجهده بالفكر والتأمل والبحث كي يصل إلى حالة يعتقد فيها أن هذا هو حكم الله.
وعبارة ( التي طريقها الاجتهاد ) وصف للأحكام الشرعية نحترز به عن الأحكام الشرعية التي تعرف بغير اجتهاد.
مثال: الصلاة والصيام واجبان، والزنا والسرقة محرمان، هذه أحكام شرعية ولكن تعرف بغير اجتهاد لأنها مما يعرفه عامة الناس بسبب اشتهار تلك المسائل فلا تخفى على أحد لأنها مسائل قطعية وقع عليها الإجماع فلهذا لا تدخل هذه في تعريف الفقه.
أما المسائل الظنية التي حصل فيها خلاف بين الفقهاء وتحتاج إلى اجتهاد لكي تعرف فهي التي تدخل في تعريف الفقه.
مثل النية في الوضوء واجبة، وصلاة الوتر مستحبة، والنية في الليل شرط لصحة صوم رمضان ونحو ذلك من المسائل الخلافية التي يحتاج في معرفتها إلى جهد ونظر.
تنبيه: التعريف السابق للفقه هو اصطلاح بعض العلماء وبعضهم عرف الفقه بأنه: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، واحترز بالمتعلقة بأفعال المكلفين عن المتعلقة باعتقادات المكلفين كالإيمان بالله واليوم الآخر فهذه تبحث في علم العقائد، وعلى هذا التعريف تدخل الأحكام القطعية كمعرفة وجوب الصلاة والأحكام الاجتهادية كمعرفة استحباب صلاة الوتر.
بقي أن يقال إنكم قلتم إن الأصل في اصطلاح العلماء يطلق على الدليل وعلى القاعدة فما هو المقصود من كلمة أصول في قولهم ( أصول الفقه) ؟
الجواب: يراد به هنا الدليل فمعنى أصول الفقه هو أدلة الفقه.
فهذا ما يتعلق بالتعريف الإضافي ولنبدأ بالتعريف اللقبي للأصول فنقول:
أصول الفقه: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
فأدلة الفقه الإجمالية هي القواعد العامة التي يستنبط من خلالها الحكم الشرعي كالأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم.
واحترزنا بقيد الإجمالية عن الأدلة التفصيلية مثل قوله تعالى أقيموا الصلاة فهذا دليل تفصيلي لأنه متعلق بمسألة معينة وهي فعل الصلاة.
فالأمر يدل على الوجوب قاعدة عامة تشمل كل أمر مثل الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فالدليل التفصيلي هو المتعلق بمسألة معينة... أقيموا الصلاة.
والدليل الإجمالي هو غير المتعلق بمسألة معينة... الأمر يدل على الوجوب، فإنه لا يتعلق بأمر معين.
والدليل التفصيلي يبحث عنه في الفقه لكي نعرف دليل المسألة.
أما الدليل الإجمالي فهو يبحث عنه في الأصول.
فوظيفة الأصولي هي توفير القواعد العامة ( الأدلة الإجمالية )
ووظيفة الفقيه هو أخذ تلك القواعد العامة التي وفرها له الأصولي وتطبيقها على النصوص الشرعية (الأدلة التفصيلية) لاستخراج الحكم الشرعي.
فالأصولي يصنع آلة الاستخراج، والفقيه يعمل بتلك الآلة.
وقولنا ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية الاستفادة من الأدلة عند تعارضها.
وهذا كلام يحتاج إلى توضيح فنقول:
إن الأدلة التفصيلية يحصل التعارض بينها بالنظر للظاهر فقط وهي في الحقيقة لا تعارض بينها بل بعضها يفسر البعض الآخر فيحتاج الأصولي إلى أن يذكر القواعد المتعلقة بكيفية رفع التعارض بين النصوص وهذا معنى قولنا في تعريف علم الأصول ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية استفادة الأحكام من الأدلة التفصيلية عند تعارضها بذكر القواعد الرافعة للتعارض.
مثال: قال الله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ومعنى الآية إن المرأة إذا طلقها زوجها عليها أن تلزم العدة مدة 3 قروء أي 3 أطهار.
وقوله تعالى ( والمطلقات ) لفظ عام يشمل كل مطلقة سواء أدخل بها أم لم يدخل بها.
فعلى ظاهر هذه الآية من طلق امرأته قبل أن يدخل بها ويجامعها فعليها أن تلزم العدة 3 قروء بسبب عموم لفظ المطلقات.
ولكن جاءت آية أخرى تقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ).
ومعنى الآية إن الرجل إذا طلق زوجته قبل أن يمسها ويدخل بها فليس عليها عدة.
فحصل تعارض بين الآيتين في الظاهر إذْ الآية الأولى عامة تقول كل مطلقة عليها عدة.
والآية الثانية تقول إن المطلقة التي لم يدخل بها ليس عليها عدة.
فكيف يُرفع هذا التعارض؟
الجواب: من خلال قاعدة أصولية تقول ( الخاص يقدم على العام ) أي إذا جاء نص عام ونص خاص فإن النص الخاص يفسر النص العام ويخصصه.
فالآية الأولى ( والمطلقات يتربصن... ) عامة في كل مطلقة.
والآية الثانية (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم ... ) تتحدث عن المطلقة غير المدخول بها فهي خاصة بها أي لا تشمل كل مطلقة.
فنقول بما أن الخاص مقدم على العام فيكون الحكم هو:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلا التي لم يدخل بها فليس عليها عدة.
وبذلك يزول الإشكال ويندفع التعارض وتتناسق النصوص.
فالفقيه رفع التعارض بين الآيتين من خلال قاعدة وفرها له الأصولي.
والخلاصة هي أن علم الأصول كما يتحدث عن القواعد العامة التي نستخرج بها الحكم الشرعي مثل الأمر يدل على الوجوب فهو يتحدث أيضا عن القواعد العامة التي ترفع التعارض بين النصوص مثل الخاص يقدم على العام.
ومعنى قولنا ( وحال المستفيد ) أي صفة المستفيد وهو المجتهد فيذكر في علم الأصول الصفات والشروط التي يجب توفرها في الفقيه الذي يستخرج الأحكام الشرعية من النصوص بنفسه.
وسمي المجتهد بالمستفيد لأنه هو الذي يستفيد الأحكام من النصوص أي يستخرجها منه.
فتلخص أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي:
أولا: الأدلة الإجمالية وهي القواعد العامة التي يستخرج بها الفقيه الحكم.
ثانيا: كيفية الاستفادة من الأدلة وذلك بمعرفة القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
ثالثا: صفات من يستخدم تلك القواعد ليستفيد بها الحكم الشرعي.
فلا يكتفي علم الأصول بإيضاح القواعد بل يوضح معها من يحق له استخدامها على النصوص لاستخراج الأحكام الشرعية، فلا يتوهم أن كل من اطلع على قواعد الأصول صار قادرا على معرفة الأحكام بنفسه حاله كحال الفقيه المجتهد بل يحق له ذلك متى توفرت فيه الصفات اللازمة لذلك.