رد: طلقها ثلاثا ، فأفتيته بمراجعتها
جزاكم الله خيرا شيخنا فهد // ذكرت أن مآل المستفتي الجنون لا محالة...أفليس هذا من المتعلقات التي ينبغي أن يتوقف عندها المفتي المفضول قبل أن يصدر فتياه...و لو أجاب أحد من السلف عن هذه المسألة ، لما كانت نازلة..!!..؛ و هو دليل الخصوصية فيها.. و قد ثبت في الشرع و الاجتهاد طرح أسئلة مع وجود لفظ "ط ل ق"...؛ كتحريرهم لنفي الغضب و الإكراه.. و عليه : فإنّ قول النبيّ صلى الله عليه و سلم : " لا طلاق في إغلاق " مناقض لـ < فإن طلّقها..> الآية ، و استدراك عليه..!!
لا طلاق في إغلاق و ليس على المستكره طلاق دل بعموم علته على بطلان لفظ الطلاق إذا خالفته النية في حالات تتضح فيها نية المطلق لذلك أفتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي قال لزوجته طالق لأنها قالت له سمني طالق أنها ليست بطالق, قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحقيقة الإغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال عقله بسكر أو غضب وكل من لا قصد له ولا معرفه له بما قال. انتهى زاد المعاد 4/ 42. أما حالتنا فليست من هذا القبيل لأن طلاق السائل واقع لثبوته في وعيه فقد قصده بقوله إنما السؤال هل تقدم مصلحة عقله على إنفاذ طلاقه و شتان بين الأمرين.
فإن قلت : ذاك مقام النبوة..و ما قلت يحتاج إحالة على الراسخين !! و قد قيلت.. قلت : أولا : ألتمس من الاستدراك النبوي دليلا للمشروعية و إن كان خاصا.. ثانيا : إذا لم يكن أهل الملتقى أهلا لهذه النازلة ؛ لانتفاء صفة الرسوخ ، فلنسد أبواب الملتقى و رفوفه لنجلس عند الراسخين ، و لنحتكم إليهم..
الملتقى وضع للمدارسة و ليس للفتوى فلا حرج في أن نستفيد من الإخوة بمدارسة هذه الواقعة لكن الحرج أن نفتي فيها و هي من المسائل الصعبة فهذه نتركها لمن هو أهل للفتوى من الراسخين في العلم.
و في انتظار غلق باب الاجتهاد ـ في هذا الملتقى ـ إن وجد ما يقتضيه ، فإلى كل مستدرك موفق هذه المسألة : قال الراوي : " نهى عن نكاح الشغار " قالت المالكية : يفسخ عقد الشغار قبل الدخول و بعده.. قيل لهم : و لكن العاقد دخل بالمعقود عليها ، و أنجب ولدا..فبمن يلحق الولد ؟؟ و هل هو ابن الزنى ؟؟ قالت المالكية : ينسب لأبيه...؛ !! قيل : فإن مات أحد الزوجين بعد الدخول بها.؟ قالوا : ترثه و يرثها.. قيل : كيف يلحق الولد بأبيه من نكاح باطل ، و كيف يتقرر ميراث من عقد باطل ؟؟ قالوا : نحن في مقام تنزيل النصوص..و قد نعمد إلى تقرير ما لا يتقرر رفعا للفساد الذي حلّ ببعض المكلفين.. فما قيمة هذا الاستدلال عندكم دام فضلكم..
هذا كذلك في إنفاذ ما يترتب على هذا الزواج أو عدمه وهذا لم يرد فيه نص و هو غير مسألتنا فالكل متفق على أن الطلاق واقع فيها لورود نص فيها لم تستثنى منه حالتنا إنما السؤال هل تقدم المصلحة على هذا النص أم لا.
الخلاصة أن العام إذا خصص بالخاص تبقى دلالته موجودة و كل ما لم يدخل في هذا الخاص بقي تحت العام و قد يخصص النص بعدة مخصصات من نصوص و قياس و مصلحة فالسؤال المطروح هل النصوص التي تدل على حفظ العقل كافية لتخصيص وقوع البينونة بطلاق السائل زوجته ، الجواب لا ليست كافية لأن المسألة ترددت بين مفسدتين زوال عقل الرجل و وقوعه في الزنا و مفسدة الزنا هنا أكبر من إحتمال ذهاب عقل الرجل.
و لو نظرنا إلى طلاق السكران و المغلق و المكره وجدنا أن هذا الطلاق يمكن إلغاؤه لأن مناط الحكم الأصلي غير موجود في هذه الحالات فالزوج لم يقصد الطلاق بتلفظه و هذا الذي يجب إعتباره عند تنزيل النصوص على الواقع وتخصيصها بالمصالح لابد من النظر لمناط الحكم هل هو متوفر في حالة المستفتي أم لا ،
قال الشاطبي في الموافقات : فهذه المواضع وأشباهها مما يقتضي تعيين المناط لا بد فيها من أخذ الدليل على وفق الواقع بالنسبة إلى كل نازلة فأما إن لم يكن ثم تعيين فيصح أخذه على وفق الواقع مفروض الوقوع ، ويصح إفراده بمقتضى الدليل الدال عليه في الأصل ما لم يتعين ، فلا بد من اعتبار توابعه ، وعند ذلك نقول : لا يصح للعالم إذا سئل عن أمر كيف يحصل في الواقع إلا أن يجيب بحسب الواقع ، فإن أجاب على غير ذلك أخطأ في عدم اعتبار المناط المسئول عن حكمه ؛ لأنه سئل عن مناط معين فأجاب عن مناط غير معين .
لا يقال : إن المعين يتناوله المناط غير المعين ؛ لأنه فرد من أفراد عام ، أو مقيد من مطلق ؛ لأنا نقول : ليس الفرض هكذا ، وإنما الكلام على مناط خاص يختلف مع العام لطروء عوارض كما تقدم تمثيله ، فإن فرض عدم اختلافهما فالجواب إنما يقع بحسب المناط الخاص ، وما مثل هذا إلا مثل من سأل : هل يجوز بيع الدرهم من سكة كذا بدرهم في وزنه من سكة أخرى ، أو المسكوك بغير المسكوك ، وهو في وزنه ؟
فأجابه المسئول بأن الدرهم بالدرهم سواء بسواء فمن زاد ، أو ازداد ، فقد أربى ، فإنه لا يحصل له جواب مسألته من ذلك الأصل ؛ إذ له أن يقول : فهل ما سألتك عنه من قبيل الربا أم لا ؟ أما لو سأله هل يجوز الدرهم بالدرهم ، وهو في وزنه ، وسكته وطيبه ؟ فأجابه كذلك لحصل المقصود ، لكن بالعرض لعلم السائل بأن الدرهمين مثلان من كل وجه .
فإذا سئل عن بيع الفضة بالفضة فأجاب بذلك الكلام لكان مصيبا ؛ لأن السؤال لم يقع إلا على مناط مطلق فأجابه بمقتضى الأصل ولو فصل له الأمر بحسب الواقع لجاز ، ويحتمل فرض صور كثيرة ، وهو شأن المصنفين أهل التفريع والبسط للمسائل ، وبسبب ذلك عظمت أجرام الدواوين ، وكثرت أعداد المسائل غير أن الحكمة اقتضت أن يجاب السائل على حد سؤاله ، فإن سأل عن مناط غير معين أجيب على وفق الاقتضاء الأصلي ، وإن سأل عن معين ، فلا بد من اعتباره في الواقع إلى أن يستوفي له ما يحتاج إليه ، ومن اعتبر الأقضية والفتاوى الموجودة في القرآن والسنة وجدها على وفق هذا الأصل ، وبالله التوفيق . اهــ
و لو نظرنا في مناط بينونة الزوجة بالطلقة الثالثة وجدناه محققا في حالتنا هذه فالزوج قصد التطليق فوقع عليه النص لأن النص أعطى ثلاث فرص للزوج فإذا فوتها عوقب ببينونة زوجته إلى أن تتزوج غيره و على هذا لا يجوز الخروج عن هذا المناط لمصلحة متوهمة من فقدان عقله لأن عكس ذلك سيجلب مفسدة الوقوع في الزنا و على السائل أن يعالج عند المختصين و الله أعلم