رد: ما دليل العلماء على نفي الولد باللعان ؟ ( هام جداً )
السلام عليكم
بارك الله في الجميع وجزاكم الله خيرًا.
وشكر الله للأخ الكريم "سيد محمد السقا"..
وبصراحة لم أرد مقاطعتكم حتى الانتهاء، خاصة وأن المسألة تحتاج لمتسع من الوقت بالنسبة لي لطرح تفصيلها! لكن رأيتني مضطرا للمشاركة لسبب معين.
أخ رشيد لزهاري ، حديث عويمر الذي ذكرته بارك الله فيك ، فيه مافيه من الإشكاليات لذلك لم أورد هذا الحديث في هذا الوقت ، أرجو أن تتسع صدوركم لتسمعوا ما أقول بارك الله فيكم .
ظهر لي أن جميع الإشكاليات المطروحة متعلقة بمتن الحديث لا بإسناده!
الإشكال الأول في الحديث :
هذا ليس بإشكال!
فالجمع وارد في مثله، خاصة وأن الحكم لم يتعارض، بل جاءت رواية عويمر مؤكدة لرواية هلال، ثم إن اللجوء للترجيح لا يكون بطرح الروايتين وإنما بإعمال أحدهما! وكما تفضلت
فرواية هلال ابن أمية أسبق، لكن
طالما لم يتّحد مخرج الحديث الواحد وصحّ الإسناد إلى منتهاه فالحادثتين ثابتتين، وإليك دفع هذا الإشكال بإيراد الروايتين:
1- رواية هلال بن أمية
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ " ، فَقَالَ هِلَالٌ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ سورة النور آية 6 - 9 ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَجَاءَ هِلَالٌ ، فَشَهِدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ " ، ثُمَّ قَامَتْ ، فَشَهِدَتْ ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا ، وَقَالُوا : إِنَّهَا مُوجِبَةٌ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَتَلَكَّأَتْ ، وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ، ثُمَّ قَالَتْ : لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ ، فَمَضَتْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْصِرُوهَا ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ " ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " .
2- رواية عويمر العجلاني
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ ، فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا ، قَالَ عُوَيْمِرٌ : وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ [يعني من قبلًُ]، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، فَلَاعَنَهَا " ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا ، فَطَلَّقَهَا ، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ ، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ .
والحديثين كما معلوم في صحيح البخاري.
الدلائل على إشكاليات رواية عويمر العجلانى :
1 ذهب عويمر العجلاني يشتكى إلى عاصم ابن عدي وكان سيد بني عجلان ،
فسأل عويمر عاصم واوصاه أن يسأل لهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنتبهوا معي لما قاله الراوى هنا :
فقال : يا رسولَ اللهِ، فكره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المسائلَ
فقال يا رسول الله ، فكره رسول الله !!
أين السؤال هنا ؟ ،
السؤال محذوف هنا من الحديث والشئ الآخر لماذا يكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل ويعيبها وما العيب فى ذلك ؟ رجل حدث لهُ أمر ما ، ويريد أن يعرف حكم الله فيه ، فما العيب فى ذلك ؟
ألم يقل سبحانه فى كتابه العزيز : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
هذا خطأ بارك الله فيك!
فأولاً: السؤال محذوف دلّ عليه السياق "يا رسول الله"، ومتن الحديث لا يُعلّ بمثل هذا مطلقا! ولا يُثبت الاضطراب به.
وثانيًا: مسألة كثرة السؤال مشهورة معروفة ولها مقصد أصيل، وبيان ذلك بإيراد بعض الآثار الدالة عليه/
-من اقتباس:
...
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما إن يتعرفوا حكم الله عن طريق كتاب أو سنة حتى يبادروا إلى الانصياع إلى أمر الله عن رضًا من غير تردد؛ تحقيقًا لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
هكذا كانت حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنهم ما كانوا يفزعون إلى السؤال إلا عند الحاجة القصوى المُلحّة إليه، فلم يكونوا يفترضون المسائل افتراضًا، ثم يسألون عنها؛ إذ كانت كثرة السؤال مما لا يُحمد عليه فاعله؛ بل قد ورد النهي عنه، والتشنيع على مرتكبه، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْئَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
وجاء فيما رواه البخاري (7289) ومسلم (6265): (إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء لم يحرَّم على المسلمين فحرَّم عليهم من أجل مسألته). وجاء في صحيح مسلم (6259): (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم). وفي البخاري (1477) ومسلم (4582): (إِن الله كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال).
ولقد صوَّر لنا ولي الله الدهلوي في كتابيه ((حجة الله البالغة)) ص15 ، و((الإنصاف في بيان أسباب الخلاف)) ص140-141 صوَّر لنا حالتهم هذه تصويرًا دقيقًا؛ حيث قال: "اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الفقه في زمانه الشريف مدونًا، ولم يكن البحث في الأحكام يومئذ مثل بحث هؤلاء الفقهاء؛ حيث يبنون بأقصى جهدهم الأركان والشروط والآداب، كل شيء ممتاز عن الآخر بدليله، ويفرضون الصور من صنائعهم، ويتكلمون على تلك الصور المفروضة، ويحدون ما يقبل الحدَّ، ويحصرون ما يقبل الحصر إلى غير ذلك، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتوضأ فيرى أصحابه وضوءه، فيأخذون به من غير أن يبين هذا ركن وذلك أدب، وكان يصلي فيرون صلاته فيصلون كما رأوه يصلي، وحج فرَمَقَ الناس حجَّه ففعلوا كما فعل، وهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة، ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة، حتى يحكم عليه بالصحة والفساد إلا ما شاء الله، وفلما كانوا يسألونه عن هذه الأشياء.
عن ابن عباس قال: ما رأيت قومًا خيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا ثلاث عشرة مسألة حتى قُبض، كلهن في القرآن؛ منهن: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [ البقرة: 217]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] قال: وما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم.
قال ابن عمر: لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن. قال القاسم: إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها، وتُنقِّرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها، وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي ولو علمناها ما حل لنا أن نكتمها.
عن عمرو بن إسحاق قال: لمن أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم، فما رأيت قومًا أيسر سيرة ولا أقل تشديدًا منهم.
وعن عبادة بن نُسَيِّ الكندي: سُئِل عن امرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي فقال: أدركت أقوامًا ما كانوا يشدِّدون تشديدكم، ولا يسألون مسائلكم. [أخرج هذه الآثار كلها الدارمي في سننه (1/ 62، 63)].
وكان صلى الله عليه وسلم يَستفتيه الناس في الوقائع فيفتيهم، وتُرفع إليه القضايا فيقضي فيها، ويرى الناس يفعلون معروفًا فيمدحه، أو منكرًا فينكر عليه، وما كل ما أفتى به مستفتيًا عنه، وقضى به في قضية أو أنكره على فاعله كان في الاجتماعات". انتهى كلام الدهلوي.
وقد أوضح ابن القيم مراد ابن عباس في قوله: ((ما سألوه إلا ثلاث عشرة مسألة)) فقال -كما في إعلام الموقعين (1/ 71)، ط. دار الجيل-: "هي المسائل التي حكاها الله في القرآن عنهم، وإلا فالمسائل التي سألوه عنها وبيَّن لهم أحكامها بالسنة لا تكاد تحصى، ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها؛ بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوه عنه فأجابهم". اهـ.
فهذه هي حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع واقتداء وعمل بكتاب الله سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والكتاب والسنة هما المرجع للصحابة، وهما مصدرا الفقه والتشريع في عهده صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولبَّى نداء ربه تاركًا لأمته شيئين ما إن تمسكوا بهما لن يضلوا بعده أبدًا: كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تركه محفوظًا في الصدور، ومكتوبًا جميعه على ما تيسر من وسائل الكتابة آنذاك، وسنته الشريفة محفوظة في صدور أصحابه، وإن كان قد كُتِبَ شيء منها -كما كتب عبدالله بن عمرو بن العاص الصحيفة الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة، راجع تفصيل ذلك في السنة قبل التدوين ( ص 348 ) وما بعدها-. مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلو ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه) - الموطأ (1628) .
ولكنه إلى جانب ذلك قد ترك أصحابًا له عاشروه في حياته، وفي سفره وفي حضره، وشاهدوا أفعاله، واستمعوا إلى أقواله، وشاهدوا نزول الوحي، واطلعوا على أسبابه ومقتضياته، فحصل لهم بذلك ملكة فقهية يتعرفون بها حكم الله فيما يجدُّ من أمور، من خلال كتابه وسنة نبيه.
وكان عدد أولئك الصحابة الذين تخرجوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عددهم كثيرًا، وإن كانوا يختلفون في الفقه والفتوى قلة وكثرة، والذين حُفِظَتْ عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسًا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن عباسَ، وعبدالله بن عمر، ويمكن أن يُجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.
والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وعبدالله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبدالله، ومعاذ بن جبل؛ فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فُتيا كل واحد منهم جزء صغير.
والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يُروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك، ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والتحري؛ ومنهم: أبو الدرداءَ، وأبو عبيدة بن الجراح، وأبو ذر، والنعمان بن بشير، وأُبيّ بن كعب - وراجع: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (5/ 92)، وإعلام الموقعين (1/ 21) طبعة دار الجيل.
...
-ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:
بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ
وقد أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني شرحًا مطوَّلًا على هذا الحديث في فتح الباري، أعزوا لقارئ إليه وأنقل بعضه للفائدة:
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=13334&idto=13351&bk_no=52&ID=4002
[ ص: 279 ] قَوْلُهُ : بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى مِنَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى تَرْجِيحِ بَعْضِ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهَا ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، وَتَرْجِيحُ ابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّهُ فِي كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ [ ص: 280 ] عَمَّا كَانَ وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ ، وَصَنِيعُ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِيهِ ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي سَاقَهَا فِي الْبَابِ تُؤَيِّدُهُ ، وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ ، مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ : اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ مَنْعَ السُّؤَالِ عَنِ النَّوَازِلِ إِلَى أَنْ تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا تَقَعُ الْمَسْأَلَةُ فِي جَوَابِهِ ، وَمَسَائِلُ النَّوَازِلِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، انْتَهَى . وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِزَمَانِ نُزُولِ الْوَحْيِ ; وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَعْدٍ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْبَابَ " مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ أُمِنَ وُقُوعُهُ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ سَعْدٍ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ : سَنَدُهُ صَالِحٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، رَفَعَهُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ يَنْسَى شَيْئًا ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا ، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا ، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَآخَرُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْعِلْمِ " مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ ، وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ الْغَافِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمَضَى فِي قِصَّةِ اللِّعَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا وَلِمُسْلِمٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ : أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةً بِالْمَدِينَةِمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ ، كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمُرَادُهُ أَنَّهُ قَدِمَ وَافِدًا فَاسْتَمَرَّ بِتِلْكَ الصُّورَةِ لِيُحَصِّلَ الْمَسَائِلَ خَشْيَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صِفَةِ الْوَفْدِ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْإِقَامَةِ فَيَصِيرَ مُهَاجِرًا فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالنَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ غَيْرُ الْأَعْرَابِ وُفُودًا كَانُوا أَوْ غَيْرُهُمْ ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ الْآيَةَ ، كُنَّا قَدِ اتَّقَيْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَا أَعْرَابِيًّا فَرَشَوْنَاهُ بُرْدًا ، وَقُلْنَا سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلِأَبِي يَعْلَى عَنِ الْبَرَاءِ إِنْ كَانَ لَيَأْتِي عَلَيَّ السَّنَةُ أُرِيدَ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّيْءِ فَأَتَهَيَّبُ ، وَإِنْ كُنَّا لَنَتَمَنَّى الْأَعْرَابَ - أَيْ قُدُومَهُمْ - لِيَسْأَلُوا فَيَسْمَعُوا هُمْ أَجْوِبَةَ سُؤَالَاتِ الْأَعْرَابِ فَيَسْتَفِيدُوهَا ، وَأَمَّا مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ أَسْئِلَةِ الصَّحَابَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِمَّا تَقَرَّرَ حُكْمُهُ أَوْ مَا لَهُمْ بِمَعْرِفَتِهِ حَاجَةٌ رَاهِنَةٌ ، كَالسُّؤَالِ عَنِ الذَّبْحِ بِالْقَصَبِ ، وَالسُّؤَالِ عَنْ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ إِذَا أَمَرُوا بِغَيْرِ الطَّاعَةِ ، وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ ، وَالْأَسْئِلَةِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ كَسُؤَالِهِمْ عَنِ الْكَلَالَةِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْيَتَامَى وَالْمَحِيضِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، لَكِنَّ الَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِالْآيَةِ فِي كَرَاهِيَةِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ ، أَخَذُوهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كَثْرَةَ السُّؤَالِ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِمَا يَشُقُّ فَحَقُّهَا أَنْ تُجْتَنَبَ ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِمَامُالدَّارِمِيُّ فِي أَوَائِلِ مُسْنَدِهِ لِذَلِكَ بَابًا ، وَأَوْرَدَ فِيهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ آثَارًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ ، مِنْهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ " لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَلْعَنُ السَّائِلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ " وَعَنْ عُمَرَ " أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ لَنَا فِيمَا كَانَ شُغْلًا " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ يَقُولُ : كَانَ هَذَا فَإِنْ قِيلَ لَا ، قَالَ : دَعُوهُ حَتَّى يَكُونَ ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُ ذَلِكَ ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مَرْفُوعًا ، وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ رَفَعَهُ لَا تُعَجِّلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَفْعَلُوا لَمْ يَزَلْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ إِذَا قَالَ [ ص: 281 ] سُدِّدَ أَوْ وُفِّقَ ، وَإِنْ عَجَّلْتُمْ تَشَتَّتَ بِكُمُ السُّبُلُ وَهُمَا مُرْسَلَانِ يُقَوِّي بَعْضٌ بَعْضًا ، وَمِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ أَشْيَاخِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا يَزَالُ فِي أُمَّتِي مَنْ إِذَا سُئِلَ سُدِّدَ وَأُرْشِدَ حَتَّى يَتَسَاءَلُوا عَمَّا لَمْ يَنْزِلْ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَحْثَ عَمَّا لَا يُوجَدُ فِيهِ نَصٌّ عَلَى قِسْمَيْنِ .
أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْحَثَ عَنْ دُخُولِهِ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى اخْتِلَافِ وُجُوهِهَا فَهَذَا مَطْلُوبٌ لَا مَكْرُوهٌ بَلْ رُبَّمَا كَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ .
ثَانِيهُمَا : أَنْ يُدَقِّقَ النَّظَرَ فِي وُجُوهِ الْفُرُوقِ فَيُفَرِّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ بِفَرْقٍ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ مَعَ وُجُودِ وَصْفِ الْجَمْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقَيْنِ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ مَثَلًا فَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ ، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَرَأَوْا أَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الزَّمَانِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ، وَمِثْلُهُ الْإِكْثَارُ مِنَ التَّفْرِيعِ عَلَى مَسْأَلَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْإِجْمَاعِ وَهِيَ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ جِدًّا ، فَيَصْرِفُ فِيهَا زَمَانًا كَانَ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهَا أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا إِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ إِغْفَالُ التَّوَسُّعِ فِي بَيَانِ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ ، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ فِي كَثْرَةِ السُّؤَالِ ، الْبَحْثُ عَنْ أُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْإِيمَانِ بِهَا مَعَ تَرْكِ كَيْفِيَّتِهَا ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي عَالَمِ الْحِسِّ ، كَالسُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ وَعَنِ الرُّوحِ وَعَنْ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنَّقْلِ الصِّرْفِ . وَالْكَثِيرُ مِنْهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ ، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوقِعُ كَثْرَةُ الْبَحْثِ عَنْهُ فِي الشَّكِّ وَالْحِيرَةِ ، وَسَيَأْتِي مِثَالُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ . وَهُوَ ثَامِنُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ : مِثَالُ التَّنَطُّعِ فِي السُّؤَالِ حَتَّى يُفْضِيَ بِالْمَسْئُولِ إِلَى الْجَوَابِ بِالْمَنْعِ ، بَعْدَ أَنْ يُفْتَى بِالْإِذْنِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ السِّلَعِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْأَسْوَاقِ ، هَلْ يُكْرَهُ شِرَاؤُهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مِنْ قَبْلِ الْبَحْثِ عَنْ مَصِيرِهَا إِلَيْهِ أَوْ لَا ؟ فَيُجِيبُهُ بِالْجَوَازِ فَإِنْ عَادَ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَصْبٍ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُجِيبَهُ بِالْمَنْعِ ، وَيُقَيِّدُ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ ، وَإِنْ تَرَدَّدَ كُرِهَ أَوْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى ، وَلَوْ سَكَتَ السَّائِلُ عَنْ هَذَا التَّنَطُّعِ لَمْ يَزِدِ الْمُفْتِي عَلَى جَوَابِهِ بِالْجَوَازِ ، وَإِذَاتَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ يَسُدُّ بَابَ الْمَسَائِلِ حَتَّى فَاتَهُ مَعْرِفَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَإِنَّهُ يَقِلُّ فَهْمُهُ وَعِلْمُهُ ، وَمَنْ تَوَسَّعَ فِي تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ وَتَوْلِيدِهَا وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يَقِلُّ وُقُوعُهُ أَوْ يَنْدُرُ ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاهَاةُ وَالْمُغَالَبَةُ ، فَإِنَّهُ يُذَمُّ فِعْلُهُ وَهُوَ عَيْنُ الَّذِي كَرِهَهُ السَّلَفُ وَمَنْ أَمْعَنَ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ ، مُحَافِظًا عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وَحَصَّلَ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ ، وَعَنْ مَعَانِي السُّنَّةِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ مِنْهَا فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْمَدُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ عَمَلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى حَدَثَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَعَارَضَتْهَا الطَّائِفَةُ الْأُولَى ، فَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ وَتَوَلَّدَتِ الْبَغْضَاءُ وَتَسَمَّوْا خُصُومًا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ ، وَالْوَاسِطُ هُوَ الْمُعْتَدِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ يَجُرُّ إِلَى عَدَمِ الِانْقِيَادِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حَيْثُ تَقْسِيمُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّشَاغُلُ بِهِ فَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى ، وَالْإِنْصَافُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا زَادَ عَلَى مَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ فَرْضُ عَيْنٍ فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّحْرِيرِ فَتَشَاغُلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَتَشَاغُلِهِ بِالْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي ، وَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ قُصُورًا فَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى لِعُسْرِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ تَرَكَ الْعِلْمَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِإِعْرَاضِهِ ، وَالثَّانِي لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ وَتَرَكَ الْعِبَادَةَ فَاتَهُ الْأَمْرَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِعْرَاضِهِ بِهِ عَنِ الثَّانِي وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ : [ ص: 282 ] بَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يَعْنِي السَّائِلَ ، وَبَعْضُهَا بِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ .
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَامِسُ . قَوْلُهُ ( حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ) هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ كَذَا وَقَعَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عِنْدَالْإِسْمَاعِيلِيِّ ، وَ " أَبِي نُعَيْمٍ " وَهُوَ الْخُزَاعِيُّ الْمِصْرِيُّ يُكْنَى أَبَا يَحْيَى ، وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ مِقْلَاصٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ كَانَ سَعِيدٌثِقَةً ثَبْتًا ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ كَانَ فَقِيهًا ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ كَانَ فَهِمًا . قُلْتُ : وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَقِيلٍ وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ تَدْخُلُ فِي رِوَايَةِ الْأَقْرَانِفَإِنَّهُ مِنْ طَبَقَتِهِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ ابْنِ عُيَيْنَةَ .
انتهى.
ثالثًا: الأمر لا غرابة فيه فضلاً عن أن نُعلّ حديث به! فقد حدث مثله في غير حادثة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر..
ما أورده الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم؛
[ ص: 238 ] الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ، فَاجْتَنِبُوهُ ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
ثم أورد بعدُ سبب ورود الحديث في التخريج:
هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَخَرَّجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُؤَالُهُمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ ، فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَكَرَ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ [ ص: 239 ] بِشَيْءٍ ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ ، فَدَعُوهُ . وَخَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا ، وَقَالَ فِيهِ : فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ( الْمَائِدَةِ : 101 ) . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ لَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَجِّ ، وَقَالُوا : أَفِي كُلِّ عَامٍ ؟ . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ أَبِي ؟ فَقَالَ : " فُلَانٌ " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ . وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَغَضِبَ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ ، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ دُعِيَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوكَ حُذَافَةُ " ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ ، فَقَالَ : رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ .وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ . وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ : مَنْ أَبِي ؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ : أَيْنَ نَاقَتِي ؟ [ ص: 240 ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَيَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ . وَخَرَّجَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَضْبَانُ مُحْمَارًّا وَجْهُهُ ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَيْنَ أَنَا ؟ فَقَالَ " فِي النَّارِ " فَقَامَ إِلَيْهِ آخَرُ فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوكَ حُذَافَةُ " فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ : رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا ، إِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا ، قَالَ : فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ . وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا قَوْمُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفِي كُلِّ عَامٍ ؟ فَأَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَنْ لَكَفَرْتُمْ ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ ، فَافْعَلُوا ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ ، فَانْتَهُوا عَنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا مِثْلَ الَّذِي سَأَلَتِ النَّصَارَى فِي الْمَائِدَةِ ، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ، فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ، وَلَكِنِ انْتَظِرُوا ، فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَا يَسُوءُ [ ص: 241 ] السَّائِلَ جَوَابُهُ مِثْلَ سُؤَالِ السَّائِلِ ؛ هَلْ هُوَ فِي النَّارِ أَوْ فِي الْجَنَّةِ ، وَهَلْ أَبُوهُ مَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ ، وَعَلَى النَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْعَبَثِ وَالِاسْتِهْزَاءِ ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرُهُمْ . وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ سُؤَالُ الْآيَاتِ وَاقْتِرَاحُهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ ، كَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ : إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ . وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ السُّؤَالُ عَمَّا أَخْفَاهُ اللَّهُ عَنْ عِبَادِهِ ، وَلَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَيْهِ ، كَالسُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ ، وَعَنِ الرُّوحِ . وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِمَّا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ سَبَبًا لِنُزُولِ التَّشْدِيدِ فِيهِ ، كَالسُّؤَالِ عَنِ الْحَجِّ : هَلْ يَجِبُ كُلَّ عَامٍ أَمْ لَا ؟ وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ . وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللِّعَانِ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى ابْتُلِيَ السَّائِلُ عَنْهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِذَلِكَ فِي أَهْلِهِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=39&idto=43&bk_no=81&ID=11
قولكم:
4 قول رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( قد أنزل اللهُ القرآنَ فيك وفي صاحبتِك ) .
يدل على أن الوحي ينزل لأول مرة فى هذه الحادثة ، ولكن قد يقول قائل : هذا ليس شرطاً فقد يكون عويمر لا يعرف بقصة هلال التى وقعت من قبله وكلام النبي هذا لا يعني أن الوحى ينزل لأول مرة فيهما !!
هذا غير صحيح والدليل كما جاء فى الرواية عندما ذهب سيد بنى عجلان يشتكى للنبي صلى الله عليه وسلم .... تقول الرواية أن النبي قد عاب المسائل وكرهها ، فلو كانت قصة هلال قد سبقت هذه ، لكان من المفترض أن يقول النبي لسيد بني عجلان قد نزل القرآن من قبل فى حادثة كهذه ... فلم يقل ذلك النبي بحسب ما جاء في الرواية ، إلى أن يصر عويمر فيقول لهُ النبي صلى الله عليه وسلم : ( قد أنزل اللهُ القرآنَ فيك وفي صاحبتِك ) .
وفى هذا الكلام دلالة واضحة أن القرآن لم ينزل من قبل ، وهذه هى أول حادثة وهنا يكون التضارب فمن المستحيل أن ينزل الوحى مرتين .
يُجاب عليه من وجهين:
الأول/ عيب السؤال وكثرته لا علاقة له بالمسألة وإنما يظهر أنه عمومًا، وهذا ثابت ووارد في غير حادثة!
الثاني/ أن دلالة السياق واضحة في إثبات المعنى الذي نقول به (من أنه أنزل في ذلك وحيًا من قبل) دليل ذلك اختلاف الروايتين! ففي حديث هلال تصريح بنزول جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي وذِكرٌ للآية نصًّا، وفي حديث عويمر أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ولم ينزل عليه الوحي، فمن أين أتيت بأن الوحي نزل عليه في حديث عويمر أصلاً؟! سياق النص فيه دلالة على خلاف ذلك.
فهذا الظاهر، من أن حادثة هلال سابقة لقصة عويمر، وعويمر جاء ليسأل بعد أن لم يكن عالمًا بالحكم، فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال ما أنزله الله عليه في قصة هلال.
ولو سلّمنا التعارض الظاهري المحض، لما لجأنا للترجيح ابتداءً! وإنما يجوز لنا الجمع بأن نقول: أن الحادثتين ثابتتين وزمانهما متقارب نسبيًّا فنزلت الآيات بشأنهما معًا،
ويجوز لنا أن نقول: بأنه لا مانع من تعدد القصص واتحاد النزول، وهذا مشهور في أصول التفسير، ومشهود له في غير آية.
لذلك فهذا ليس بإشكال كسابقه،
أيضًا أودّ أن أكرر الإشارة إلى أن إعلال الحديث بالمتن يصعب كثيرًا ومسلكه دقيق ويحتاج لفقيه ولا يتأتى بمثل هذه السهولة، وإلا فالأصل في إعلال الحديث الواحد إعلال إسناده لا متنه، وهذا الحديث إسناده صحيح، ومتنه سليم أيضًا لا يتعارض مع حديث هلال ولا غيره.
ولنتابع إشكاليات رواية هذا الحديث فى نقاط أخرى تبين .
5 لنعود ولنتأمل حديث عويمر لنعرف مواضع الخلل فى هذا الحديث .
جاء في كتاب
"البحر الرائق" لابن نجيم (الحنفي):
( بَابُ اللِّعَانِ ) .
مَصْدَرُ لَاعَنَ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا يُقَالُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا ، وَتَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا لَعَنَ بَعْضٌ بَعْضًا ، وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لِعَانًا حَكَمَ ، وَالتَّلْعِينُ التَّعْذِيبُ وَلَعَنَهُ كَجَعَلَهُ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ فَهُوَ لَعِينٌ وَمَلْعُونٌ وَالْجَمْعُ مَلَاعِينُ وَالِاسْمُ اللِّعَانُ وَاللِّعَانِيَةُ وَاللَّعْنُ بِالضَّمِّ مَنْ يَلْعَنُهُ النَّاسُ وَاللُّعَنَةُ كَهُمَزَةٍ الْكَثِيرُ اللَّعْنِ لَهُمْ وَاللَّعِينُ مَنْ يَلْعَنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْمُلَعَّنِ وَالشَّيْطَانُ وَالْمَمْسُوخُ وَالْمَشْئُومُ وَالْمُسَيَّبُ وَمَا يُتَّخَذُ فِي الْمَزَارِعِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ وَالْمُخْزَى الْمُهْلَكُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَرَوَىالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَهِلَالٌ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } حَتَّى بَلَغَ { إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ } . فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَعَظَهَا وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ شَائِعَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ }
. فِي الْمِصْبَاحِ خَدَلَّجَ أَيْ : ضَخْمَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ { جَاءَ عُوَيْمِرٌ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ [ ص: 122 ] فَقَالَ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ إنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَابَ السَّائِلَ فَقَالَعُوَيْمِرٌ وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِهَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ إنْ انْطَلَقْتُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَتْ سُنَّةً لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهُ إلَّا كَاذِبًا فَجَاءَتْ بِهِ مِثْلَ النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ } وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْآيَةِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةُ أَسْبَابٍ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ا هـ .
وَتَمَامُ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ طُرُقِهَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْجَلَالِ الْأَسْيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
. ( قَوْلُهُ هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا ) ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلرُّكْنِ فَدَلَّ عَلَىاشْتِرَاطِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ لَا أَهْلِيَّةَ الْيَمِينِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ الْتَعَنَا عِنْدَ قَاضٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّ الثَّانِيَ يُعِيدُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ فَمَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا مُطْلَقًا ; إذْ لَوْ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا مَعَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا .
وَلَوْ قَذَفَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ بِالزِّنَا لَا يَكْفِيهِ لِعَانٌ وَاحِدٌ لَهُنَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاعِنَ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهَا مِرَارًا حَيْثُ يَجِبُ لِعَانٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً مِرَارًا أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُنَّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي اللِّعَانِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ قَذَفَهُنَّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ اُكْتُفِيَ بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِلْكُلِّ لِلتَّدَاخُلِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ اللِّعَانُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِذَا قَذَفَهَا إنْسَانٌ بَعْدَ اللِّعَانِ إنْ رَمَاهَا زَوْجُهَا بِالزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حُدَّ ; لِأَنَّ لِعَانَهُ كَحَدِّهِ مُؤَكِّدٌ لِعِفَّتِهَا .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2144&idto=2177&bk_no=29&ID=323
والتفصيل من الجانب الفقهي في هذا سيطول،
أما جُزئية الإتيان بالولد في قصة عويمر، فقد جاءت بعد قوله: "
إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا ، فَطَلَّقَهَا ، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ" .. وهذا حُكمٌ لم يرد في قصة هلال، ثم جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواصفات الولد بعدها.
*لكن لو سلّمنا لك بأن الحديث فيه قلب مثلاً، فهذا ليس بوجه لإعلاله أصلاً! .. من ناحية القواعد الحديثية، ومن الناحية الاستقرائية أذكر مثالاً واحدًا لعدم الإطالة؛
-حديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع المشهور في صحيح مسلم (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) فيه: {
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ} !
فهذا القلب ليس بمخلّ ولا بمضر ولا يحدث به إعلال لمتن الحديث.
ويُمكن لنا -بعيدًا عن هذه الأدلة- أن نستدلّ على هذا الحكم بفعل الصحابة والخلفاء الراشدين!
من ذلك ما يلي:
1- في باب "
باب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى" (مثلاً):
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن الشعبي قال سألت بالمدينة كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم بولد الملاعنة قال ألحقه بعصبة أمه ...
2-
وعن الشعبي أيضا قال بعث أهل الكوفة رجلا إلى الحجاز في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يسأل عن ميراث بن الملاعنة فجاءهم الرسول أنه لأمه وعصبتها ...
3-
وعن ابن عباس قال اختصم إلى علي - رضي الله عنه - في ميراث ولد الملاعنة فأعطى أمه الميراث وجعلها عصبته والرواية الأولى أشهر عن علي - رضي الله عنه - عند أهل الفرائض وقد روى خلاس عن علي في بن الملاعنة مثل قول زيد بن ثابت ما فضل عن إخوته فلبيت المال وأنكروها على خلاس ولخلاس عن علي أخبار يصر كثير من أنها نكارة عند العلماء.
الـمـصـدر
وأكتفي بهذا القدر،،
والله أعلم.