العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

لعل الأولى الاقتصار على (فلا يجوز أن تكون العلة المستنبطة مخالفة لمذهب الصحابي ) أي : لما يراه الصحابي ويقتضيه مذهبه من الحكم في الفرع؛ لإيهام التعبير السابق أن المراد بالمذهب خصوص التعليل والقياس مع أنه أعم من ذلك فإنه قد يكون مستنده نصا وقد يكون قياسا.
بارك الله فيك بدون المناقشات لا أشعر بحلاوة للدرس.
هل يمكن أن تعزز فهمك بنقل، وأنا عن نفسي سأنقل ما ذكره العلامة المحلي قال:
وأما مذهب الصحابي فليس بحجة، وعلى تقدير حجيته فمذهبه الذي خالفته العلة المستنبطة من النص في الأصل بأن علل هو بغيرها يجوز أن يستند فيه إلى دليل آخر..) اهـ وقال العلامة العطار في حاشيته عليه: قوله: بأن علل الخ تصوير للمخالفة..اهـ
أنتظر جوابك كي ننتقل للمباحثة في مسألة أخرى متعلقة بدرس اليوم لعلها لا تخفى عليك.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

قال صاحب "تيسير التحرير" : (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط صِحَة الْعلَّة (على) قَول (من قدم قَول الصَّحَابِيّ) على الْقيَاس (أَن لَا تكون) الْعلَّة (معدية إِلَى الْفَرْع حكما يُخَالف قَول الصَّحَابِيّ فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (بِشَرْطِهِ) أَي حَال كَون قَوْله فِيهِ مَقْرُونا تَقْدِيمه على الْقيَاس (السَّابِق) أَي الَّذِي سبق ذكره فِي مسئلة قبيل: فصل فِي التَّعَارُض (فِي وجوب تَقْلِيده) مُتَعَلق بِشَرْطِهِ (وتجويزُ كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ فِي الْفَرْع ناشئا (عَن) عِلّة (مستنبطة) من أصل آخر ليَكُون اجْتِهَاده بطرِيق الْقيَاس لَا بِسَمَاعِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمجتهد لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد مُجْتَهد آخر بل يجب اتِّبَاع ظَنّه على مَا يَقُوله من لم يقدم قَوْله على الْقيَاس (عِنْد هَؤُلَاءِ) الْقَائِلين بالتقديم ظرف لقَوْله (احْتِمَال) هُوَ خبر تَجْوِيز (مُقَابل) صفة احْتِمَال (لظُهُور كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ وَاقعا (عَن نَص) سَمعه من الشَّارِع، وَاللَّام صلَة مُقَابل، وَلَا عِبْرَة بِالِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوح فِي مُقَابلَة الظَّاهِر الرَّاجِح (كَمَا سبق) فِي مَحَله الْمَذْكُور فيطلب تَفْصِيله هُنَاكَ.

هذا النقل وإن كان من خارج الجمع وشروحه إلا أن فيه ما يفهم منه المراد بـ(مذهب الصحابي) - كما هو عبارة أكثرهم أو (قول الصحابي) كما هنا أو (رأي الصحابي) كما للأشموني - على الوجه الكمال، وأنه عام ولا يخص في هذا الموضع بالقياس والتعليل علاوة على أن ذلك هو الظاهر من قولهم "مذهب" ولم يقيده أحد -حسب اطلاعي- بالتعليل .
فتلخص أن قول الصحابي -والكلام على تقدير حجيته وتقديمه على القياس- محتمل أن يكون عن سماع أو أن يكون عن قياس وعلى احتمال كونه عن قياس يحتمل استنباطه أي: الصحابي العلةَ من نفس النص الذي استُنبط منه القياس المخالف، ويحتمل استنباطه من نص آخر وعلى هذا الاحتمال الأخير لا تضر المخالفة لأنها إنما تضر لو كان الصحابي استنبط علته من النص نفسه، فمن أجل هذا الاحتمال لم نقل بشرط عدم مخالفة مذهب الصحابي في العلة. والله أعلم.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

قال صاحب "تيسير التحرير" : (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط صِحَة الْعلَّة (على) قَول (من قدم قَول الصَّحَابِيّ) على الْقيَاس (أَن لَا تكون) الْعلَّة (معدية إِلَى الْفَرْع حكما يُخَالف قَول الصَّحَابِيّ فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (بِشَرْطِهِ) أَي حَال كَون قَوْله فِيهِ مَقْرُونا تَقْدِيمه على الْقيَاس (السَّابِق) أَي الَّذِي سبق ذكره فِي مسئلة قبيل: فصل فِي التَّعَارُض (فِي وجوب تَقْلِيده) مُتَعَلق بِشَرْطِهِ (وتجويزُ كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ فِي الْفَرْع ناشئا (عَن) عِلّة (مستنبطة) من أصل آخر ليَكُون اجْتِهَاده بطرِيق الْقيَاس لَا بِسَمَاعِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمجتهد لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد مُجْتَهد آخر بل يجب اتِّبَاع ظَنّه على مَا يَقُوله من لم يقدم قَوْله على الْقيَاس (عِنْد هَؤُلَاءِ) الْقَائِلين بالتقديم ظرف لقَوْله (احْتِمَال) هُوَ خبر تَجْوِيز (مُقَابل) صفة احْتِمَال (لظُهُور كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ وَاقعا (عَن نَص) سَمعه من الشَّارِع، وَاللَّام صلَة مُقَابل، وَلَا عِبْرَة بِالِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوح فِي مُقَابلَة الظَّاهِر الرَّاجِح (كَمَا سبق) فِي مَحَله الْمَذْكُور فيطلب تَفْصِيله هُنَاكَ.

هذا النقل وإن كان من خارج الجمع وشروحه إلا أن فيه ما يفي بالمراد بـ(مذهب الصحابي) كما هو عبارة أكثرهم أو (قول الصحابي) كما هنا أو (رأي الصحابي) كما للأشموني، وأنه عام ولا يخص في هذا الموضع بالقياس والتعليل على أن ذلك هو الظاهر من قولهم "مذهب" ولم يقيده أحد -حسب اطلاعي- بالتعليل والله أعلم .
نعم هو الظاهر ولكن قد يكون ثمة معنى لم ننتبه له فيسعني أن أقف حيث وقفوا إلى أن أعثر على نقل من كتب الأصحاب على أن المسألة هينة فيسعني أن أقول أن مقصودي التمثيل لا الحصر.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

وبعد أيها النبيه فلا يخفى عليكم وجود اضطراب بين الشراح - عانيت منه- في تقرير مسألة انتفاء المعارض المنافي في الأصل والمعارض غير المنافي وبعد النظر والبحث على قلة المصادر لم أقف على ما يشفي حول ما يلي:
أولا- تحرير المراد بالمنافي وغير المنافي بحيث تتميز الأقسام الثلاثة تماما المعارض الموجود في الأصل المنافي، والمعارض الموجود في الأصل غير المنافي، والمعارض الموجود في الفرع.
2- الوقوف على مثال للقسم الأول غير معترض ومطابق للمسألة.
فليتك تنظر وتغوص وتبدي لنا رأيك خدمة للعلم وأهله وأنا أول المستفيدين.
فتح الله عليكم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا نفع الله بكم وأجزل لكم المثوبة
يبدو أن أول من قيَّد المعارض بالمنافي وغير المنافي الإمام التاج السبكي لأسباب ذكرها في "رفع الحاجب" خلافا لمعظم شراح المختصر وأنه لا يمكن تصور المفاهيم التي ذكرتم إلا من خلال شروح الجمع وحواشيه فهي مظنتها .
ولعل في النتيجة التي انتهى إليها الشيخ عبد الرحمن الشربيني - وإن كان فيها تخطئة لمعظم الحواشي - كفاية ففيها تحرير لهذه المسألة وحل لإشكالاتها وبها يحصل التمييز بين الأقسام وقد أتى بمثالين للقسم الأول سالمين من الاعتراض.
فأرجو منكم شيخنا أن تلخصوا لنا كلامه بارك الله فيكم.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس والتسعون- القياس

المناظرة في العلة


أولا: لا يلزم المعترضَ أن ينفي وجود الوصف عن الفرع الذي يريد أن يقيسه المستدل على أصل.
مثاله: إذا قال المستدل العلة في ربوية البر هي الطعم، ويقاس عليه التفاح.
وقال المعترض: إن العلة هي الكيل. فهذا يكفي لمعارضة علة المستدل ولا يكلف المعترض أن ينفي الكيل عن التفاح بأن يقول: والكيل ليس موجودا في التفاح. فهذه الزيادة غير لازمة. وقيل: لازمة.
ثانيا: لايلزم المعترضَ أن يبدي أصلا -أي دليلا- يشهد للوصف الذي عارض به.
وقيل: يلزمه ذلك لتكون معارضته مقبولة.
مثاله: أن يقول المستدل العلة في البر هي القوت.
فيقول المعترض: إن العلة هي الطعم بدليل أن الملح ربوي وليس بقوت. فقوله: بدليل أن... ليس بلازم على المعترض على الأصح.
ثالثا: للمستدل أن يدفع معارضة المعترض بعدة طرق:
منها المنع أي منع وجود الوصف الذي ذكره المعترض في الأصل المقيس عليه.
مثاله: إذا جعل المستدل الجوز أصلا يقاس عليه فقال: العلة في الجوز هي الطعم، ويقاس عليه الذرة.
فقال المعترض: بل العلة في الجوز هي الكيل.
فيمنع المستدل وجود الكيل في الجوز؛ لأن المعتبر في الجوز بعادة زمن النبي صلى الله عليه وسلم- وليس الآن- وكان إذْ ذاك موزونا أو معدودا. فهنا منع المستدل وجود الوصف المعارِض وهو الكيل في الأصل وهو الجوز.
ومن المنع القدح في الوصف المعارِض ببيان فساده وعدم صلاحيته للتعليل كأن يكون خفيا أو غير منضبط؛ لأن العلة- كما تقدم- وصف ظاهر منضبط.
مثاله: أن يعلل المستدل جواز القصر بكونه سفر مرحلتين فأكثر.
فيقول المعترض: إنما العلة المشقة.
فللمستدل أن يقدح فى هذه العلة بكونها غير منضبطة.

( شرح النص )​

والأصحُّ لا يلزمُ المعترِضَ نفيُ وصفِهِ عن الفرعِ، ولا إبداءُ أصلٍ، وللمستَدِلِّ الدَّفعُ بالمنعِ.
.........................................................................
( والأصحُّ ) أنه ( لا يلزمُ المعترِضَ نفيُ وصفِهِ ) أي بيان انتفاء الوصف الذي عارض به وصف المستدل ( عن الفرعِ ) لحصول مقصوده من هدم ما جعله المستدل العلة بمجرد المعارضة، كأن قال المستدل: البر ربا للطعم، فيقاس عليه التفاح، ثم قال المعترض: العلة عندي الكيل. فهذا يكفي للهدم ولا يلزم المعترض أن يقول أيضا: الكيل ليس موجودا في التفاح، وقيل: يلزمه ذلك ( و ) الأصح أنه ( لا ) يلزمه ( إبداءُ أصلٍ ) أي دليل يشهد للوصف المعارض به بأنه المعتبر في العلية دون غيره
؛ لما مر مِن حصول مقصوده من هدم ما جعله المستدل علة بمجرد المعارضة، وقيل: يلزمه ذلك الإبداء حتى تقبل معارضته، كأن يقول المعترض: العلة في البرّ الطعم دون القوت بدليل الملح فإنه ربوي وليس بقوت ( وللمستَدِلِّ الدَّفعُ ) أي دفع المعارضة بأوجه ثلاثة: ( بالمنعِ ) أي منع وجود الوصف المعارض به في الأصل ولو بالقدح- أي الطعن فى علية الوصف المعارض به- كأن يقول المستدل في دفع معارضة الطعم في الجوز بالكيل: لا نسلم أن الجوز مكيل؛ لأن العبرة بعادة زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وكان إذ ذاك موزونا أو معدودا، وكأن يقدح في علية الوصف ببيان خفائه أو عدم انضباطه أو غير ذلك من مفسدات العلة ككون الوصف عدميا، كأن يعلل المستدل وجوب الحد فى الزنا بإيلاج فرج فى فرج محرم شرعا مشتهى طبعا، فيقول المعترض إنما هو العلوق- أي علوق المني في رحم المرأة فتحبل- فللمستدل القدح فى العلة بكونها خفية.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا نفع الله بكم وأجزل لكم المثوبة
يبدو أن أول من قيَّد المعارض بالمنافي وغير المنافي الإمام التاج السبكي لأسباب ذكرها في "رفع الحاجب" خلافا لمعظم شراح المختصر وأنه لا يمكن تصور المفاهيم التي ذكرتم إلا من خلال شروح الجمع وحواشيه فهي مظنتها .
ولعل في النتيجة التي انتهى إليها الشيخ عبد الرحمن الشربيني - وإن كان فيها تخطئة لمعظم الحواشي - كفاية ففيها تحرير لهذه المسألة وحل لإشكالاتها وبها يحصل التمييز بين الأقسام وقد أتى بمثالين للقسم الأول سالمين من الاعتراض.
فأرجو منكم شيخنا أن تلخصوا لنا كلامه بارك الله فيكم.
لم أقف له على مثالين في القسم الأول فلعلي لم أدقق النظر.
وهذا ما في جعبتي:
المعارض أقسام ثلاثة:
1- المعارض الموجود في الأصل المنافي لحكم الأصل.
مثاله: أن يقول الشافعي: صوم رمضان يجب تبييت النية فيه لأنه صوم واجب فيحتاط له، فيقاس عليه صوم الكفارة.
فيقول الحنفي: صوم رمضان هو صوم لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه.
فهنا أثبت الشافعي حكما وهو وجوب التبييت وعلله بعلة وهي كونه صوما واجبا فيحتاط له، فعارض الحنفي علة حكم الأصل بكونه صوما مضيقا لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه، فهو ينفي حكم الأصل من أساسه لأنه لا يسلم بوجوب تبييت النية فيه ويؤول الحديث الوارد فيه ففيه مفارقة وهي أن نفس الحكم غير متفق عليه فالمعترض يقدح في ثبوت حكم الأصل من أساسه.
وكأن الشافعي يستدل بوجوب التبييت بالحديث فيرده بتأويله، فيلجأ الشافعي للتعليل بقوله صوم رمضان هو صوم واجب فيحتاط له بالتبييت، فيرده بأنه صوم لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه.
2- المعارض الموجود في الأصل غير المنافي لحكم الأصل.
ومثاله: أن يقول المستدل: العلة في ربوية البر هي الطعم، فيقاس عليه التفاح.
فيعارض بأن العلة هي فيه هي الكيل.
فعلة الكيل موجودة في البر وهي لا تنفي حكم الأصل نفسه وهو ربوية البر، بل تمنع قياس التفاح عليه.
فلا بد من الترجيح بين العلتين وإن أمكن أن يكون كلا العلتين صحيحتين. بناء على جواز تعدد العلتين.
3- المعارض الموجود في الفرع المنافي لحكم الفرع.
مثاله: أن يقول المستدل: مسح الرأس ركن فيسن تثليثه كغسل الوجه. فالأصل هو غسل الوجه والفرع هو مسح الرأس والعلة هي الركنية والحكم هو التثليث.
فيقول المعترض: هو مسح فلا يسن تثليثه كالمسح على الخفين. فالأصل هو المسح على الخفين والفرع هو مسح الرأس والعلة هي المسحية والحكم هو عدم التثليث.
فهنا عارض المعترض قياس المستدل بقياس آخر يثبت للفرع وهو مسح الرأس خلاف ما أثبته.
وهنا علة المعترض وهي المسحية موجودة في الفرع وهو مسح الرأس.
هذا ما ظهر وفي ذهني تقرير آخر. والله تعالى أعلم.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

التقرير الثاني الذي ينقدح في ذهني هو:
المعارض ثلاثة أقسام:
1- المعارض الموجود في الأصل المنافي بأن يكون بين مقتضى العلتين تناف يستحيل معهما اجتماعهما في الأصل.
ولم يوقف له على مثال واقعي مطابق كما أشار الشراح ولكن تصوره سهل ويمكنني التمثيل له بالمثال الأول هكذا:
أن يقول الشافعي: صوم رمضان يجب تبييت النية فيه لأنه صوم واجب فيحتاط له، فيقاس عليه صوم الكفارة.
فيقول مجتهد آخر يثبت وجوب التبييت في رمضان لكنه يمنع القياس عليه: صوم رمضان هو صوم لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه. فكونه يحتاطا له ولا يحتاط له لا يمكن أن يجتمعا فبين المقتضيين تناف فلا يمكن أن ينبني على صحة التعليل بعلتين لأن تنافرهما لا يتأتى معه إمكان أن يثبت الأصل بالعلتين معا.
2- المعارض الموجود في الأصل غير المنافي كما في تعليل الشافعية عدم وجوب الزكاة في مال الصغيرة بكونه حليا مباحا واعتراض الحنفية بأنه مال صغيرة، فليس بين الوصفين تناف لأنه لم يظهر لهما مقتضى يناقض أو يضاد الآخر.
فيمكن أن يعلل حلي الصغيرة بكونه حليا مباحا وحلي صغيرة.
ولقائل أن يقول: إن كونه حلي صغيرة يقتضي الاحتياط فيه وكونه حليا مباحا لا دخل للاحتياط فيه بل هو كغيره فيكون بين مقتضاهما تناف وحينئذ فما المانع أن يجعل هذا مثالا سليما للقسم الأول.
3- المعارض الموجود في الفرع المنافي لحكم الفرع.
وهذا أمره بيّن أن يأتي المعترض بقياس آخر يعارض قياس المستدل ليثبت حكما آخر في الفرع غير حكم المستدل.
ومثاله: مسح الرأس المتقدم.
أرجو النظر والتأمل وإبداء الرأي لنصل إلى نتيجة.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الطريقة الأولى للشيخ الشربيني وقد ادعى أنها مراد المصنف والشارح وهي واضحة وسليمة .
أما الثانية فهي - في ظني - مشكلة؛ لأن وجود شيئين بينهما التناقض من حيث مقتضاهما ثم يتفقان في حكم ويختلفان في آخر متعسِّرٌ أو متعسف فيه .
ففي مثالكم مثلا مقتضى علة الشافعي في صوم رمضان الاحتياطُ، ومقتضى علة غيره عدمُ الاحتياط ثم يتفقان في وجوب التبييت في رمضان وهو حكم الأصل، ويختلفان في الكفارة وهو حكم الفرع.
كيف يتأتى لغير الشافعي أن يفرق بين حكمَي الأصل والفرع مع أن مقتضى علته عدم الاحتياط: فإما أن يقيم للاحتياط وزنا فيقول بوجوب التبييت فيهما أو لا يعبأ به فيقول بعدم وجوبه فيهما، وإلا يلزم عليه التحكم . والله أعلم .


للوصف المعارِض به
منع وجود الوصف المعارِض به
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السابع والتسعون- القياس

طرق دفع المعارضة


أولا: ومن طرق دفع المعارضة بيان استقلال الوصف الذي ذكره بدليل من نص أو إجماع.
مثاله: أن يقول المستدل: العلة في ربوية الجوز هي الطعم، ويقاس عليه التفاح.
فيقول المعترض: بل العلة هي الطعم والكيل معا.
فيقول المستدل: إن الطعم في الجوز منفردا يستقل بالعلية لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: الطعامُ بالطعامِ مثلا بمثل.
هذا إذا استدل المستدل بنص الحديث على صورة معينة وهي الجوز في مثالنا، اما إذا استدل بعموم النص بأن قال: يدل قوله صلى الله عليه وسلم: الطعام بالطعام على ربوية كل مطعوم فإنه حينئذ يخرج من القياس إلى النص لأنه لا حاجة لاثبات أن الجوز أصل ويقاس عليه الذرة بجامع الطعم لأن الذرة وغيرها مشمولة بالنص.
والخلاصة أن المستدل جاء بعلة مفردة فاعترض عليه المعترض بأن وصفك جزء علة وليس علة مستقلة فإذا أثبت المستدل بدليل أن الوصف الذي جاء به يصلح أن يكون علة مستقلة فتبطل المعارضة بشرط أن لا يستدل بعموم النص فإنه حينئذ لا يتم القياس.
أي أن عموم الحديث إن استدل به على إثبات علة أصله تم له استدلاله وهو حينئذ استدلال بعام على خاص، لكن إن استدل بعمومه فإنه تبقى المعارضة سالمة من القدح ولا يتم القياس.
ثانيا: ومن طرق دفع المعارضة إذا استدل المستدل بغير السبر من مناسبة أو شبه مطالبة المعترض بالمناسبة أو الشبه.
بيانه:
إن المستدل حينما يقول إن علة الأصل هي كذا لا بد له من دليل يثبت علية وصفه، وأدلة العلة متعددة منها:
1- المناسَبَة: بأن يبدي وصفا ملائما يصلح أن يترتب عليه الحكم كأن يقول: إن علة تحريم شرب الخمر هي الإسكار لأنه بالمسكر يزول العقل والمطلوب حفظ العقل وصيانته فتعليل الحرمة بالإسكار يحقق مصلحة الحكم بتحريم الشرب.
فإذا أثبت المستدل العلية بالمناسبة فعارضه المعترض بعلة أخرى مناسبة فللمستدل أن يطالبه بالتأثير أي بالدليل على كون وصفه الذي اعترض به مؤثرا في الحكم.
2- الشَبَه: بأن يبدي وصفا غير مناسب ولكنه بين الوصف المناسب والوصف الطردي، كالذكورة والأنوثة في الشهادة فإن الشارع فرق بين الذكر والأنثى في الشهادة فتعليل الحكم بالذكورة والأنوثة اعتبره الشارع في مورد فأشبه الوصف المناسب كالإسكار وألغاه الشارع في مورد كالعتق للكفارة فلا فرق بين عتق ذكر أو أنثى فهو يشبه هنا الوصف الطردي الذي لا اعتبار له كالطول والقصر والبياض والسواد في تعليل الأحكام.
إذا علم هذا فإذا جاء المستدل بعلة ودليله عليها هو الشبه فعارضه المعترض بعلة أخرى غير مناسبة فللمستدل حينئذ مطالبة المعترض بإثبات الشبه.
مثاله: لو قال المستدل: إن العلة في ربوية البر هي القوت- وأبدى بالمناسبة أو الشبه صلاحية القوتية للتعليل- فقال المعترض: بل العلة هي الكيل، فللمستدل أن يطالبه بتأثير وصفه في تحريم الربا في البر فيقول: لم قلتَ إن الكيل مؤثر ؟ أي ما الدليل على قولك هذا ؟ وحينئذ إن لم يأت المعترض بالدليل اندفعت معارضته.
فتحصل أن المستدل إن جاء بوصف مناسب وعارضه المعترض بوصف مناسب آخر فللمستدل مطالبته بتأثير وصفه، وإن جاء المستدل بشبه وعارضه المعترض بشبه فللمستدل مطالبته بإثبات شبهه. بعبارة جامعة يطالبه بالدليل على كون ما جاء به علة في الحكم.
3- السبر والتقسيم: بأن يحصر الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه وإبطال ما لا يصلح للعلية منها.
مثاله: أن يقول العلة في في تحريم الربا في البر إما لكونه مكيلا أو موزونا أو قوتا أو مطعوما ثم يبطل ما عدا الأخير فيثبت عليته. وهي كما ترى طريقة مبنية على الاحتمالات.
فإذا استدل المستدل بعلة وعارضه المعترض بأخرى فإن كان دليل المستدل في إثبات عليته هو السبر فحينئذ مجرد الاحتمال قادح فيه فمتى اعترض المعترض بعلة أخرى فإن هذا قادح في قياس المستدل لأنه تبين أنه لم يحصر كل الأوصاف.
فتحصل أن المستدل إن استدل بالمناسبة أو الشبه فللمعترض أن يعارضه بمثله بأن يأتي بوصف مناسب أو مشابه وحينئذ فللمستدل ردا على تلك المعارضة مطالبة المعترض ببيان المناسبة والشبه في وصفه؛ فإن كان دليل المستدل هو السبر فمجرد معارضته بوصف مبطلة لقياسه فلا يمكنه أن يطالبه بالدليل.

( شرح النص )​

وببيانِ استقلالِ وَصْفِهِ في صورةٍ ولو بظاهرٍ عامٍّ إن لمْ يَتَعَرَّضْ لِلتعميمِ، وبالمطالبَةِ بالتأثيرِ أو الشَّبَهِ إنْ لم يكنْ سَبْرًا.
.........................................................................
( وببيانِ استقلالِ وَصْفِهِ ) أي المستدل، وفي ذكر الاستقلال إشارة إلى تصوير للمعارضة بأن يبين المعترض أن وصف المستدل جزء علة وأن ما أبداه هو جزء آخر لها ( في صورةٍ ) أي في فرد كالجوز ( ولو ) كان البيان ( بظاهرٍ عامٍّ ) كما يكون بالإجماع أو بالنص القاطع أو بالظاهر الخاص ( إن لمْ يَتَعَرَّضْ ) أي المستدل ( لِلتعميمِ ) وحاصله: أن يأتي المستدل بعلة، فيعارضه المعترض بأن العلة مركبة من الوصف الذي ذكرتَهُ مع وصف آخر، فيدفع المستدل معارضته ببيان أن وصفه مستقل بإفادة العلية في أصله المقيس عليه ويحصل هذا البيان بذكر دليل من نص أو إجماع يدل على أن وصفه مستقل بالعلية، كأن يقول المستدل إن علة ربوية الجوز هي الطعم فيقاس عليه التفاح، فيعارضه المعترض قائلا: بل العلة هي الطعم والكيل معا، فيبين المستدل استقلال الطعم في العلية في صورة الجوز بخبر مسلم: الطعام بالطعام مثلا بمثل. والوصف المستقل مقدم على غيره، فبما أنه بين استقلاله بالدليل فيكون الوصف المستقل وهو الطعم فقط، مقدما على المركب وهو ما زعمه المعترض من الطعم والكيل معا، ثم إن الدليل إما أن يكون إجماعا وإما أن يكون نصا، والنص إما أن يكون قطعيا وإما أن يكون ظنيا وهو الظاهر، والظاهر إما أن يكون عاما كما في حديث مسلم السابق فإنه يعم صورة الجوز وغيرها، وإما أن يكون خاصا كما لو فرضنا وجود حديث في خصوص الجوز، فأي دليل من إجماع أو نص قاطع أو ظاهر خاص أو عام استدل به المستدل لبيان استقلال وصفه كفى في الترجيح بشرط أن لا يتعرض في الظاهر العام للتعميم بل يستدل به على خصوص مثاله وهو الجوز، فإن تعرض للتعميم كقوله بعد ذكر حديث مسلم: فتثبت ربوية كل مطعوم من جوز وغيره خرج حينئذ عن إثبات الحكم بالقياس الذي هو بصدد الدفع عنه إلى إثباته بالنص وتبقى المعارضة التي جاء بها المعترض سالمة من القدح فلا يتم القياس ( وبالمطالبةِ ) للمعترض ( بـ ) بيان ( التأثيرِ ) لوصفه- أي تأثير وصفه في ثبوت الحكم- إن كان مناسبا أي استدل عليه بمسلك المناسبة فيطالب المعترض ببيان دليله ( أو الشَّبَهِ ) إن كان غير مناسب أي استدل عليه بمسلك الشبه فيطالب بإثبات هذا المسلك فإن أتى به وإلا سقطت معارضته، هذا ( إنْ لمْ يكنْ ) دليل المستدل على العلية ( سَبْرًا ) بأن كان المناسبة أو الشبه لتحصل معارضته بمثله- أي أن المستدل استدل بالمناسبة فعارضه المعترض بالمناسبة أو استدل بالشبه فعارضه بمثله- فإن كان دليله سبرا فلا مطالبة له بذلك إذ مجرد الاحتمال قادح فيه لأن دليل السبر مبني على جمع الاحتمالات فإذا أبدى المعترض وصفا ثبت عدم صحة سبره.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثامن والتسعون- القياس

ما لا يصلح لدفع المعارضة


إذا علل المستدل حكم الأصل بعلة فعارضه المعترض بعلة أخرى فقال المستدل ثبت الحكم مع انتفاء علتك في هذه الصورة فهل يكون كافيا في رد المعارضة ؟
مثاله: إذا قال المستدل: يحرم الربا فى التمر لعلة القوت.
فقال المعترض: بل العلة الوزن.
فقال المستدل: ثبت الحكم مع انتفاء وصفك فى الملح.
فهذا الدفع غير كاف للإستواء فى انتفاء الوصفين القوت والوزن عن الصورة المنقوض بها وهى الملح، فإنه إذا كان الملح غير موزون لأنه مكيل في الزمن النبوي فتبطل علة المعارض وهي الوزن، فإن الملح غير قوت أيضا فتبطل علة المستدل أيضا فلا ينفع هذا النوع من الرد.
ولكن إذا قال المستدل في الرد: ثبت الحكم مع انتفاء وصفك وثبوت وصفي في البرِّ، فهنا البر غير موزون بل هو مكيل وهو قوت فقد انتفى وصف المعترض وثبت وصف المستدل فهل ينفع هذا النوع من الرد ؟
فيه خلاف:
فقيل: ينفع وترد به معارضة المعترض، بناء على امتناع تعدد العلل في الحكم الواحد.
وقيل: لا ينفع، بناء على جواز تعدد العلل.
بيانه:
إن الغرض من تعدد العلل في حكم واحد أن الحكم يدور مع وجود العلتين معا أو مع وجود احداهما كأن يعلل حرمة الربا بالقوت أو الوزن فإذا وجد القوت والوزن في صورة كالتين وجدت حرمة الربا وإذا وجد القوت فقط في صورة كالبر فهو حرام وإذا وجد الوزن في صورة كالتفاح فهو حرام أيضا، فإذا علم هذا فمتى قال المستدل: ثبت الحكم مع انتفاء وصفك وثبوت وصفي في صورة الملح لم ينفع الرد؛ لأن المعترض يجوّز حرمة الربا بعلتين فإذا انتفى وصفي وهو الوزن عن البر فذلك لانتفاء إحدى علله، ولكن صورة التمر العلة فيها عندي هي الوزن لا القوت، فمن هنا كان ابطال وصف المعترض بانتفائه في صورة لا ينفع، لكن إذا كان لا يجوّز تعدد علتين في حكم واحد فمتى بطلت علة المعترض ثبتت علة المستدل.

( شرح النص )​

ولو قالَ ثبتَ الحكمُ معَ انتفاءِ وصفِكَ لم يكفِ وإنْ وُجِدَ مَعَهُ وَصْفُهُ.
...................................................................................
( ولو قالَ ) المستدل للمعترض ( ثبتَ الحكمُ ) في هذه الصورة ويذكر صورة ومثالا ( معَ انتفاءِ وصفِكَ ) الذي عارضت به وصفي عن هذه الصورة ( لم يكفِ ) في الدفع لاستوائهما في انتفاء وصفيهما فكما تفسد علة المعترض تفسد علة المستدل، كأن قال المستدل: يحرم الربا في التمر للقوت، فقال المعترض: بل العلة هي الوزن، فقال المستدل: ثبت الحكم مع انتفاء وصفك فى الملح ( وإنْ وُجِدَ مَعَهُ ) أي مع انتفاء وصف المعترض عن هذه الصورة ( وَصْفُهُ ) أي وصف المستدل في هذه الصورة، كأن قال المستدل في المثال السابق: ثبت الحكم مع انتفاء وصفك وثبوت وصفي في البر، وذلك بناء على جواز تعدد العلل وهو مذهب الجمهور؛ فلا يلزم من انتفاء وصف المعترض في الصورة المنقوض بها انتفاؤه في الصورة المتنازع عليها، وقيل: يكفي في الدفع في حالة ثبوت وصف المستدل، بناء على امتناع تعدد العلل، وهذا ما رجحه الأصل.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فيكون الوصف المستقل وهو الطعم فقط، مقدما على المركب
فهذه الدفع غير كاف للإستواء
فإذا انتفى وصفي وهو الوزن
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس التاسع والتسعون- القياس

تعدد الوضع

لو أبدى المعترض وصفًا آخر خَلَفًا للذي ألغاه المستدل سمي ذلك الإبداء بتعدد الوضع؛ لتعدد ما بني الحكم عليه عنده من وصف بعد آخر.
مثاله: قال المستدل: يحرم الربا في البر لعلة الطعم.
فقال المعترض: بل العلة هي الكيل.
فقال المستدل: فالتفاح يحرم الربا فيه وليس مكيلا، فهنا قد قدح المستدل في وصفه الذي اعترض به فيكون ملغى.
فلو رجع المعترض وقال: إن التفاح وإن لم يكن مكيلا فهو موزون والعلة عندي أحد الشيئين من كيل أو وزن. فقد تعدد الوضع لأنه قد خلف الكيل الوزن أي قام مقامه في كونه علة للحكم.
وإذا أبدى المعترض ذلك زالت فائدة الإلغاء وهي سلامة وصف المستدل عن القدح فيه؛ لأن المستدل قدح في وصف المعترض فظن سلامة وصفه فرجع المعترض وأقام وصفا آخر فالمعارضة لا زالت قائمة والإشكال باق على المستدل.
إلا إذا ألغى المستدل الوصف الثاني أيضا.
مثاله: قال المستدل: يحرم الربا في البر لعلة الطعم.
فقال المعترض: بل العلة هي الكيل.
فقال المستدل: فالتفاح يحرم الربا فيه وليس مكيلا.
فقال: إن التفاح وإن لم يكن مكيلا فهو موزون والعلة عندي أحد الشيئين من كيل أو وزن.
فقال المستدل: ثبتت ربوية البيض مع كونه غير موزون.
ولكن هنا طريقان لا يصلح أن يلجأ إليهما المستدل لإلغاء الوصف الثاني وهما:
1- دعوى القصور.
مثاله: قال المستدل العلة في حرمة الربا في التفاح هو الطعم
فقال المعترض: لا نسلم أن العلة هي الطعم بل هي الوزن.
فقال المستدل: إن الوزن لا يصلح أن يكون علة لفقده في الملح.
فأبدى المعترض وصفا آخر قائلا: إن العلة هي كونه تفاحا أي التفاحية.
فقال المستدل: هذا وصف قاصر على التفاح.
فمثل هذا لا يلغي الوصف الثاني للمعترض لأنه مبني على أصل وهو:
هل يصح التعليل بالعلة القاصرة؟
وقد تقدم أنه يجوز عند الجمهور فحينئذ لا يجوز أن يلغي المستدل وصف المعترض لكونه قاصرا.
وأما إذا بنينا أنه لا يصح التعليل بالعلة القاصرة فحينئذ ينفع ذلك في إلغاء وصف المعترض.
2- دعوى ضعف المعنى أي ضعف الحكمة التي تضمنتها المظنة.
مثاله: قال المستدل: العلة في إباحة قصر الصلاة هي السفر لمرحلتين فأكثر.
فقال المعترض: العلة عندي في جواز القصر هي مفارقة أهله.
فقال المستدل: فالمسافر بأهله يجوز له القصر كغيره. ( إلغاء ).
فقال المعترض: فالعلة هي مفارقة الوطن فإنه مظنة المشقة.
فقال المستدل: فالملك المرفه إذا سافر وفارق وطنه لا مشقة عليه وله أن يقصر.
فهذا الجواب لا ينفع وقد تقدم أن المظنة تقوم مقام المئنة، ولكن هذا بشرط أن يسلم المستدل أن الوصف الذي جاء به المعترض هو مظنة الحكمة كأن سلم أن مفارقة الوطن مظنة المشقة ولكنه اعترض بذكر صورة لا يتحقق فيها المظنة فمثل هذا لا يقبل، لكن إن لم يسلم أن ما ذكره مظنة فيصلح الإلغاء.
( شرح النص )​

ولو أَبْدَى المعترِضُ ما يَخْلُفُ المُلْغَى سُمِّيَ تَعَدُّدَ الوضعِ وزالتْ فائدةُ الإلغاءِ ما لمْ يُلْغِ المستدِلُّ الخَلَفَ بغيرِ دعوى قصورِهِ أَو ضَعْفِ معنى المظنَّةِ وسَلَّمَ أَنَّ الخَلَفَ مَظِنَّةٌ، وقيلَ: دعواهما إلغاءٌ.
.........................................................................
( ولو أَبْدَى المعترِضُ ) في الصورة التي ألغى وصفه فيها المستدل ( ما ) أي وصفا ( يَخْلُفُ
المُلْغَى سُمِّيَ ) ما أبداه ( تَعَدُّدَ الوضعِ ) لتعدد ما وضع أي بني عليه الحكم عنده من وصف بعد آخر ( وزالتْ ) بما أبداه ( فائدةُ الإلغاءِ ) وهي سلامة وصف المستدل عن القدح فيه ( ما لمْ يُلْغِ المستدِلُّ الخَلَفَ بـ ) أي طريق من طرق الإلغاء ( غيرِ دعوى قصورِهِ ) أي قصور وصف المعترض ( أَو ) دعوى ( ضَعْفِ معنى المظنَّةِ ) المعلل بها أي ضعف الحكمة الذي اعتبرت المظنة له فإن التعليل بتخلف الحكمة غير معتبر ( وسَلَّمَ ) المستدل ( أَنَّ الخَلَفَ مَظِنَّةٌ ) وذلك أي عدم إلغاء المستدل الخلف يصدق بثلاث صور: أن لا يتعرض المستدل لإلغاء الخلف أصلا، أو تعرض له بدعوى قصوره، أو بدعوى ضعف معنى المظنة فيه وسلم أن الخلف مظنة، بخلاف ما إذا ألغاه بغير الدعويين، أو ألغاه بدعوى ضعف المظنة ولكن لم يسلم أن الخلف مظنة فلا تزول فائدة إلغائه في دفع معارضة الخصم ( وقيلَ دعواهما ) أي دعوى القصور وضعف معنى المظنة مع التسليم هو ( إلغاءٌ ) للخَلَف أيضا وذلك بناء في الدعوى الأولى على امتناع التعليل بالقاصرة، وفي الثانية على تأثير ضعف المعنى في المظنة فلا تزول عند هذا القائل فيهما فائدة الإلغاء الأول أي تسلم علة المستدل من المعارضة وهو خلاف الأصح.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فقال المستدل: إن الوزن لا يصلح أن يكون علة لفقده في الملح.
هل المثال مبني على امتناع تعدد العلل؟

ما يَخْلُفُ المُلْغَى
ما لمْ يَلْغِ المستدِلُّ
بخلاف ما إذا ألغاه بغير الدعوتين
تسلم علة المعترض من المعارضة
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس المائة- القياس

رجحان وصف المستدل- اختلاف جنس الحكمة- كون العلة وجود مانع أو انتفاء شرط


أولا: لا يكفي في دفع المعارضة ترجيح وصف المستدل، كأن يكون وصف المستدل أشد مناسبة للحكم من وصف المعترض أو أشد شبها؛ لأنه قد تقدم أنه يجوز تعدد العلة لحكم واحد وحينئذ كون بعض الأوصاف أرجح من بعض لا ينفي علية المرجوح، فالحاصل أنه يجوز أن يكون كل من وصفي المستدل والمعترض علة للحكم فما المانع من أن يكون كلٌ من الطعم والكيل علة في تحريم الربا وإن ثبت أن الطعم أرجح.
وقيل: يكفي ذلك في دفع المعارضة بناء على منع تعدد العلة.
ثانيا: قد يعترضُ على قياس المستدل باختلاف جنس الحكمة في الأصل والفرع وإن اتحد الجامع بينهما، فيجابُ عن هذا الاعتراض بحذف خصوصية الأصل عن الاعتبار في العلة.
مثاله: أن يقول المستدل: اللائط كالزاني في الحد بجامع الإيلاج في فرج محرم شرعا.
فيقول المعترض: إن الحكمة في حرمة اللواط هي الصيانة عن رذيلته، والحكمة في حرمة الزنا هي دفع اختلاط الأنساب، فجنس المصلحة مختلف بينهما، وإذا كان مختلفا جاز أن يكون حكمهما مختلفا فيقصر الشارع الحد على الزنا دون اللواط، أي يكون خصوص الزنا معتبرا في علة الحد بأن يقال: يحد الزاني؛ لأنه أولج فرجا في فرج على وجه الزنا، فلا يصح القياس لعدم وجود الجامع.
فيقول السائل: إن خصوصية الأصل وهو الزنا غير معتبرة في العلة ويقيم دليلا على إبطالها، فيسلَم أن العلة هي القدر المشترك بينهما فقط وهي: الإيلاج في فرج محرم شرعا لا مع خصوص الزنا.
ثالثا: إذا كان وجود المانع وانتفاء الشرط علة لانتفاء الحكم فهل يلزم وجود المقتضي أو لا ؟
مثاله: هل يمكن أن يقال: إن الدين مانع من وجوب الزكاة على الفقير ؟
قيل: لا يجوز لأن المقتضي للزكاة وهو الغنى غير موجود من الأصل، فلا معنى أن يقال إن الدين مانع من وجوبه عليه.
وقيل: يجوز ذلك لأنه لا مانع من اجتماع دليلين على مدلول واحد فتكون علة عدم وجوب الزكاة على الفقير المدين شيئين الدين والفقر.
مثال آخر: هل يجوز أن نقول: لا رجم على مَن لم يزن لأنه غير محصن ؟
قال الجمهور: لا يجوز لانتفاء المقتضي للحكم- أي علته- وهو الزنا، فلا معنى لتعليل الحكم بانتفاء الشرط وهو الإحصان.
وقال الفخر الرازي ومَن تبعه: يجوز ذلك فيكون انتفاء الرجم معللا بانتفاء الزنا وانتفاء الإحصان.

( شرح النص )​

ولا يَكْفِي رُجْحانُ وصفِ المستَدِلِّ، وقدْ يُعْتَرَضُ بِاختلافِ جنسِ الحكمةِ وإنْ اتَّحَدَ الجامِعُ فيجابُ بحذفِ خصوصِ الأَصلِ عن الاعتبارِ، والعِلَّةُ إذا كانتْ وجودَ مانِعٍ أَو انتفاءَ شرطٍ لا تستلزِمُ وجودَ المقتضي في الأصحِّ.
.....................................................................
( ولا يكفي ) في دفع المعارضة ( رُجْحانُ وصفِ المستَدِلِّ ) على وصف المعارضة بمرجح، ككونه أنسب أو أشبه من وصفها- أى أشد شبها والشَّبَه: ما اعتبره الشارع فى بعض الأحكام. كالذكورة والأنوثة اعتبرهما الشارع في الشهادة ولم يعتبرهما في العتق- بناء على جواز تعدد العلل، فيجوز أن يكون كل من الوصفين علة، وقيل: يكفي بناء على منع التعدد ورجحه الأصل ( وقدْ يُعْتَرَضُ ) على المستدل ( بِاختلافِ جنسِ الحكمةِ ) في الفرع والأصل ( وإنْ اتَّحَدَ الجامِعُ ) أي القدر المشترك بين الفرع والأصل كما يقال: يحدّ اللائط كالزاني بجامع إيلاج فرج في فرج محرم شرعا، فيعترض: بأن الحكمة في حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته، وفي حرمة الزنا دفع اختلاط الأنساب وهما مختلفتان، فيجوز أن يختلف حكمهما بأن يقصر الحد على الزنا دون اللواط فيكون خصوص الأصل وهو كونه زنا معتبرا في علة الحد بأن يقال: إنما حد الزاني لأنه أولج فرجا فى فرج على وجه الزنا ( فيجابُ ) عن الاعتراض ( بحذفِ خصوصِ الأَصلِ ) كالزنا في المثال ( عن الاعتبارِ ) في العلة بطريق من الطرق الآتية- إن شاء الله- في إبطال العلية، فيسلم أن العلة هي القدر المشترك فقط كما مرّ في المثال لا مع خصوص الزنا فيه ( والعِلَّةُ إذا كانتْ وجودَ مانِعٍ ) من الحكم كأبوّة القاتل المانعة من وجوب قتله بولده ( أَو انتفاءَ شرطٍ ) كعدم إحصان الزاني المشترط لوجوب رجمه ( لا تستلزِمُ وجودَ المقتضي ) للحكم وهو العلة ( في الأصحِّ ) فمثلا: الأبوة مانع من قتل الأب بابنه فيجوز أن يعلل بها عدم وجوب القصاص على الأب الذي لم يقتل ابنه، وقيل: تستلزمه أي تستلزم وجود المقتضي فمتى لم يجب القصاص على الأب بابنه فلأنه قتله ولم يقتل به، فيستلزم انتفاء القصاص عنه وجود القتل، فإن لم يوجد المقتضي كان انتفاء الحكم لانتفاء المقتضي لا لما فرض من وجود مانع أو انتفاء شرط، فيقال في المثال المذكور لما لم يوجد المقتضي وهو القتل انتفى الحكم لانتفاء قتل الأب لابنه لا لوجود المانع وهو الأبوة، قلنا: يجوز أن يكون انتفاء الحكم لما فرض أيضا من وجود مانع أو انتفاء شرط لجواز تعدد العلل فيكون انتفاء الحكم معللا بانتفاء المقتضي له وبوجود المانع وبانتفاء الشرط، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في نثر الورود: والأظهر مذهب الجمهور، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال: لا يبصر الأعمى زيدا لأن بينهما جدارا. لأنه لا يبصره ولو كان بجنبه.اهـ

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فتكون علة عدم وجوب الزكاة
فمتى لم يجب القصاص على الأب بأبنه فلانه قتله ولم يقتل به، فيستلزم انتفاء القصاص عنه وجود القتل،
فيكون انتفاء الحكم معللا بانتفاء
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الأول بعد المائة- القياس

مسالك العلة


مسالك العلة هي: الطرق الدالة على عليّة الشيء. وهي:
أولا: الإجماع، كالإجماع على أن علة النهي عن حكم الحاكم وهو غضبان تشويش الفكر.
وقُدِّم الإجماع على النص لأن الإجماع مقدم عليه عند التعارض.
ثانيا: النصّ وهو نوعان:
1- صريح وهو: ما لا يحتمل غير العلية. كلعلة كذا، فلسبب كذا، فمِن أجل كذا، فكي التعليلية وإذن.
2- ظاهر وهو: ما يحتمل الدلالة على العلية احتمالا راجحا.
كاللام ظاهرة كقوله تعالى: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
يلي ذلك اللام المقدرة مثل قوله تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين.. إلى قوله: أن كان ذا مال وبنين. أي لأن كان.
يلي ذلك الباء كقوله تعالى: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، يلي ذلك الفاء الواردة في كلام الشارع كقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، يلي ذلك الفاء الواردة في كلام الراوي الفقيه، فالواردة في كلام الراوي غير الفقيه، يلي ذلك إنّ المكسورة كقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنّك إن تذرهم يضلوا عبادك. أي لأنك، وإذْ مثل: ضربتُ الخادم إذْ أساءَ. أي لأساءته، ومن قبيل الظاهر كذلك ما مضى من الحروف الواردة للتعليل أحيانا كحتى وعلى وبيدَ وفي ومِن، على ما تقدم في مبحث الحروف.
ثالثا: الإيماء وهو: اقتران وصف ملفوظ بحكم لو لم يكن للتعليل لكان الاقتران به بعيدا من الشارع لا يليق بفصاحته، وإتيانه بالألفاظ في مواضعها. وهو أنواع منها:
1- الحكم بعد سماع وصف، كما في خبر الأعرابي: وقعتُ على امرأتي في رمضان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة. رواه ابن ماجه وأصله في الصحيحين. فأمره بالإعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له، وإلا لخلا السؤال عن الجواب وذلك بعيد، فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال: وقعتَ فأعتقْ. فالوصف هو وقعتَ، وحكم الشارع هو: أعتقْ.
2- ذكره في حكم وصفا لو لم يكن علة لم يفد ذكره، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان.متفق عليه. فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له، وإلا لخلا ذكره عن الفائدة وذلك بعيد.
3- تفريقه بين حكمين بصفة، إما مع ذكر الحكمين أو مع ذكر أحدهما. مثال ذكر الحكمين: ما ورد في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللرجل سهما. أي من الغنائم، فتفريقه بين هذين الحكمين بهذين الصفتين وهما: الفرسية والرجلية، لو لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا عن الفصاحة والبلاغة حيث يذكر شيئا لغير حكمة.
ومثال ذكر أحد الحكمين: ما ورد في حديث الترمذي: القاتل لا يرث. ومفهومه أن غير القاتل يرث وهذا المفهوم معلوم في الأصل، فالتفريق بين عدم الإرث المذكور وبين الإرث المفهوم بصفة القتل دال على عليته للحكم وإلا كان بعيدا.
4- تفريقه بين حكمين بشرط أو غاية أو استثناء أو استدراك.
مثال الشرط: ما ورد في صحيح مسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثلا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. فالتفريق بالشرط وهو قوله: ( فإذا اختلفت ) بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلة وبين جوازه عند اختلاف الجنس دلّ على علية الاختلاف للجواز، وإلا لكان بعيدا عن فصاحة الشارع.
ومثال الغاية: قوله تعالى: ولا تقربوهنّ حتى يطهرن. أي فإذا تطهرن فلا منع من قربانهن، فتفريقه بالغاية ( حتى يطهرن ) بين المنع من قربانهن في الحيض، وبين جوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا.
ومثال الاستثناء: قوله تعالى: فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون. أي الزوجات عن ذلك النصف، فإن عفون فلا شيء لهن، فتفريقه بالاستثناء ( إلا أن يعفون ) بين ثبوت النصف لهن، وبين انتفائه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدا.
ومثال الاستدراك: قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان. فتفريقه بالاستدراك ( ولكن يؤاخذكم ) بين المؤاخذة بالإيمان وبين عدم المؤاخذة بها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا.
5- ترتيب حكم على وصف، مثل: أكرم العلماء. ففيه ترتيب الأمر بالإكرام على العلم، مما يفيد عليته، وإلا لكان بعيدا.
6- منع الشارع من فعل يفوّت المطلوب، كقوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع. فالبيع وقت النداء يوم الجمعة قد يؤدي إلى فوات صلاة الجمعة، ولذلك منع منه، فلو لم يكن هذا المنع لعلة هي مظنة تفويتها كان بعيدا.
وهنا ثلاثة تنبيهات:
أ- قولنا في تعريف الإيماء: اقتران وصف ملفوظ بحكم، نقصد بالملفوظ الملفوظ بالفعل أو بالقوة بأن يكون مقدرا، والمقدر في قوة الملفوظ، والوصف والحكم قد يكونان أو أحدهما مقدرا كما سبق في قوله تعالى: ولا تقربوهنّ حتى يطهرن. فإن الوصف والحكم مقدران، والتقدير: فإذا تطهرن فلا منع من قربانهنّ، فالوصف هو التطهر والحكم هو عدم المنع.
ب- قولنا: بحكم، الحكم قد يكون ملفوظا أي منصوصا عليه وقد يكون مستنبطا من النص كقوله تعالى: أحلَّ الله البيعَ. فيستنبط من حليته صحته، فالوصف الملفوظ هو حل البيع، والحكم المستنبط منه هو الصحة.
ج- قولنا: لو لم يكن للتعليل، التعليل يكون بين الوصف والحكم، وقد يكون بين نظير الوصف ونظير الحكم مثاله: حديث ابن عباس عند البخاري: أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر حج أفأحج عنها؟ قال: أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فحجي عن أمك فالله أحق بالقضاء. فالمرأة سألت عن دين الله على الميت فذكر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظير الحكم المسؤول عنه مقترنا بنظير علة المسؤول عنه، فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لكون الدين علة لكان بعيدا، فالوصف الملفوظ هو دين الآدمي ونظيره دين الله والحكم الملفوظ هو قضاء دين الآدمي ونظيره قضاء دين الله.
مسألة: لا يشترط في الإيماء أن يكون الوصف المومأ إليه مناسبا للحكم. فلا مانع أن يقترن الحكم بوصف غير مناسب.
بناء على أن العلة هي المعرف، فإن بنينا على أن العلة هي الباعث وهو الصواب فلا بد من مناسبة الوصف للحكم.

( شرح النص )

مَسَالِكُ العِلَّةِ

الأَوَّلُ: الإِجماعُ، الثاني: النصُّ الصَّريحُ: كلِعِلَّةِ كذا، فلِسَبَبِ، فمِنْ أَجْلِ، فنحوُ: كي وإِذَنْ، والظَّاهِرُ: كاللامِ ظاهِرَةً، فمُقَدَّرَةً، فالباءِ، فالفاءِ في كلامِ الشَّارِعِ، فالراوي الفقيهِ، فغيرِهِ، فإِنَّ، وإِذْ وما مرَّ في الحروفِ، الثالِثُ: الإيماءُ: وهوَ اقترانُ وَصْفٍ ملفوظٍ بِحكمٍ ولو مُسْتَنْبَطًا لو لمْ يكنْ للتعليلِ هوَ أَو نظيرُهُ كانَ بعيدًا، كحكمِهِ بعدَ سَمَاعِ وَصْفٍ، وذكرِهِ في حكمٍ وصفًا لو لمْ يكنْ عِلَّةً لمْ يُفِدْ، وتفريقِهِ بينَ حكمينِ بصِفَةٍ معَ ذكرِهما أَو ذكرِ أَحدِهما أَو بشرطٍ أَو غايةٍ أَو استثناءٍ أَو استِدراكٍ، وترتيبِ حكمٍ على وصفٍ، ومنعِهِ مما قدْ يُفَوِّتُ المطلوبَ. ولا تُشتَرَطُ مناسَبَةُ المومأ إليهِ في الأصحِّ.
............................................................................
( مَسَالِكُ العِلَّةِ ) أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء، وهي أنواع: ( الأَوَّلُ الإِجماعُ ) على كون الوصف علة، كالإجماع على أن العلة في خبر الصحيحين: لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان. تشويش الغضب للفكر، فيقاس بالغضب غيره مما يشوّش الفكر نحو جوع وشبع مفرطين ( الثاني ) من مسالك العلة ( النصُّ الصَّريحُ ) أي القطعي بأن لا يحتمل غير العلية ( كلِعِلَّةِ كذا، فلِسَبَبِ ) كذا ( فمِنْ أَجْلِ ) كذا ( فنحوُ كي ) التعليلية ( وإِذَنْ ) كقوله تعالى: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل. كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات. وفيما عطف بالفاء هنا وفيما يأتي إشارة إلى أنه دون ما قبله رتبة بخلاف ما عطف بالواو- كقوله هنا: فنحو كي وإذن فإنهما في مرتبة واحدة- ( و ) النص ( الظَّاهِرُ ) بأن يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا ( كاللامِ ظاهِرَةً ) نحو: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور. ( فمُقَدَّرَةً ) نحو: ولا تطع كل حلاف.. إلى قوله: أن كان ذا مال وبنين. أي لأن ( فالباءِ ) نحو: فبما رحمة من الله- أي لأجلها- لنت لهم. ( فالفاءِ في كلامِ الشَّارِعِ ) كقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما. ( فـ ) ـفي كلام ( الراوي الفقيهِ فـ ) ـفي كلام الراوي ( غيرِهِ ) أي غير الفقيه ( فإِنَّ ) المكسورة المشددة كقوله تعالى: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين.. الآية ( وإذْ ) نحو ضربت العبد إذْ أساءَ أي لإساءته ( وما مرَّ في ) مبحث ( الحروفِ ) مما يرد للتعليل غير المذكور هنا وهو: بيد وحتى وعلى وفي ومِن، فلتراجع، وإنما لم تكن المذكورات من الصريح لمجيئها لغير التعليل كالعاقبة في اللام، والتعدية في الباء، ومجرد العطف في الفاء، ومجرد التأكيد في إنّ، والبدل في إذْ كما مرّ في مبحث الحروف ( الثالث ) من مسالك العلة ( الإيماءُ وهوَ ) لغة: الإشارة الخفية- أي بنحو يد أو عين- واصطلاحا ( اقترانُ وَصْفٍ ملفوظٍ بِحكمٍ ولو ) كان الحكم ( مُسْتَنْبَطًا ) كما يكون ملفوظا- أي سواء كان الحكم ملفوظا به في النص أو مستنبطا منه- ( لو لمْ يكنْ للتعليلِ هوَ ) أي الوصف ( أَو نظيرُهُ ) أي نظير الوصف لنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم في النص إلى نظيرهما أي لو لم يكن ذلك من حيث اقترانه بالحكم لتعليل الحكم به ( كانَ ) ذلك الاقتران ( بعيدًا ) من الشارع لا يليق بفصاحته وإتيانه بالألفاظ في محالها، والإيماء ( كحكمِهِ ) أي الشارع ( بعدَ سَمَاعِ وَصْفٍ ) كما في خبر الأعرابيّ: واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: أعتق رقبة. إلى آخره. رواه ابن ماجه بمعناه، وأصله في الصحيحين. فأمره بالإعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له، وإلا لخلا السؤال عن الجواب وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال: واقعت فأعتق ( وذكرِهِ في حكمٍ وصفًا لو لمْ يكنْ عِلَّةً ) له ( لمْ يُفِدْ ) ذكره كقوله صلى الله عليه وسلّم: لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان. فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له، وإلا لخلا ذكره عن الفائدة وذلك بعيد ( وتفريقِهِ بينَ حكمينِ بصِفَةٍ ) إما ( معَ ذكرِهما ) كخبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلّم جعل للفرس سهمين وللرجل -أي صاحبه- سهما.- فتحصل من الحديث أن لصاحب الفرس
ثلاثة أسهم واحدا له كرجل مقاتل واثنين لفرسه، فالرجل له سهم واحد سواء كان له فرس أو لا- فتفريقه بين هذين الحكمين بهاتين الصفتين لو لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا ( أَو ) مع ( ذكرِ أَحدِهما ) فقط كخبر الترمذي: القاتل لا يرث. أي بخلاف غيره المعلوم إرثه فالتفريق بين عدم الإرث المذكور والإرث المعلوم بصفة القتل في الأول لو لم يكن لعليته له لكان بعيدا ( أو ) تفريقه بين حكمين، إما ( بشرطٍ ) كخبر مسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبرّ بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلا وجوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدا ( أَو غايةٍ ) كقوله تعالى: ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن. أي فإذا تطهرن فلا منع من قربانهنّ كما صرّح به عقبه بقوله: فإذا تطهرن فأتوهن. فتفريقه بين المنع من قربانهنّ في الحيض وجوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا ( أَو استثناءٍ ) كقوله تعالى: فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون. أي الزوجات عن النصف فلا شيء لهن، فتفريقه بين ثبوت النصف لهنّ وانتفائه عند عفوهنّ عنه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدا ( أَو استِدراكٍ ) كقوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم..الآية. فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالأيمان والمؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا ( وترتيبِ حكمٍ على وصفٍ ) كأكرم العلماء، فترتيب الإكرام على العلم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا ( ومنعِهِ ) أي الشارع ( مما قدْ يُفَوِّتُ المطلوبَ ) كقوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع. فالمنع من البيع وقت نداء الجمعة الذي قد يفوّتها لو لم يكن لمظنة تفويتها لكان بعيدا ( ولا تشترطُ ) في الإيماء ( مناسبةُ ) الوصف ( المومأ إليهِ ) للحكم ( في الأصحِّ ) بناء على أن العلة بمعنى المعرف، وقيل: تشترط بناء على أنها بمعنى الباعث.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.


فنحوُ: كي وإِذَنْ
يا أبا عبد الرحمن ابحث لنا من فضلك عن فائدة ( نحو ) في كلام المصنف فلم يتبين لي مثال لها.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

فالتفريق بين عدم الأرث المذكور وبين الأرث المفهوم
لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء
قالت: نعم، قال: فحجي
فالباءُ، فالفاءُ
ولا تُشتَرَطُ مناسَبَةَ المومأ إليهِ
.
 
أعلى