العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس العاشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة


أولا: قوادح العلة كثيرة منها: النقض وهو: تخلف الحكم عن العلة. بأن توجد العلة في صورة ولا يوجد معها الحكم.
مثاله: لو قيل: إن علة الربا في البر هي الطعم. فيقال: قد وجد الطعم في الرمان مع أنه غير ربوي.
وللنقض شرطان:
1- أن تكون العلة مستنبطة لا منصوصة فإن كانت منصوصة فلا نقض فيها لأنه يكون من باب تخصيص العام بمعنى أن العلة تكون عامة تشمل كل الصور إلا الصورة المنقوض بها فإن للشارع أن يطلق العام ويريد بعضه مؤخرا البيان إلى وقت الحاجة.
ففي المثال السابق إذا فرضنا أن الشارع نص على أن العلة هي الطعم فلا نقض بصورة الرمان بل يكون تخصيصا أي أن الطعم علة الربا إلا في الرمان، وإذا كانت مستنبطة ضر ذلك لأنه ليس للمجتهد أن يدعي أنه أراد في غير صورة الرمان لأن هذا سد لباب الإبطال فكلما نقضت علة المجتهد بصورة قال أردت في غير هذه الصورة.
2- أن لا يكون التخلف لفقد شرط أو وجود مانع.
مثاله: قد ثبت أن علة القصاص هي القتل العمد العدوان في قوله تعالى: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا )
فالحكم وهو القصاص قد تخلف عن العلة المذكورة في قتل حر لعبد فلا يعد نقضا لأن شرط القتل العمد العدوان أن يكون لمكافئ.
وكذا قد تخلف الحكم عن العلة المذكورة في قتل الأب ابنه فلا يعد نقضا وإبطالا للعلة لوجود مانع لأن الأبوة مانعة من وجود القصاص.
ثانيا: في المسألة أقوال أخرى منها:
1- قول أكثر الحنفية إن النقض غير قادح مطلقا وسموه تخصيص العلة ففي المثال المذكور يقال: العلة الطعم إلا في الرمان.
2- قول الأصل إن ذلك قادح مطلقا في المنصوصة والمستنبطة ولو كان التخلف لفقد شرط أو وجود مانع.
3- قول بعضهم إن ذلك قادح في المنصوصة دون المستنبطة عكس ما تقدم.
ثالثا: الخلاف المتقدم خلاف معنوي حقيقي وتظهر فائدة الخلاف فيما يلي:
1- إن المستدل ينقطع في المناظرة إن قلنا إن التخلف قادح، لبطلان دليله بالقدح فيه. وإن لم نقل بأنه قادح فالمستدل لا ينقطع لبقاء دليله بعدم القدح فيه.
2- انخرام المناسبة بين الوصف والحكم بوجود مفسدة إن قلنا بأن التخلف قادح وإلا فلا.
مثاله: المسافر الذي له طريقان ويسلك البعيد لا لغرض غير القصر فإنه لا يترخص، فقد تخلف الحكم وهو جواز الترخص عن العلة وهو السفر، لعروض مفسدة وهي سلوك البعيد لا لغرض غير القصر، فتبطل مناسبة الوصف للحكم أي لا يصلح مقتضيا لترتب الحكم عليه إن قلنا إن التخلف قادح، وإن قلنا إنه غير قادح فلا تبطل المناسبة بل يكون عدم ترتب الحكم وهو جواز السفر على السفر لوجود مانع وهو المفسدة المذكورة مع بقاء المناسبة.
3- يمتنع تخصيص العلة إن قلنا إن التخلف قادح، ولا يمتنع تخصيصها إن قلنا إن التخلف غير قادح.
رابعا: جواب النقض يكون بما يلي:
1- منع وجود العلة.
2- منع انتفاء الحكم.
3- بيان وجود مانع.
4- بيان فقد شرط.
مثاله: ما سبق وهو تخلف النقض بما لو قال المستدل: إن علة الربا في البر هي الطعم، فيقدح المعترض بأن الطعم موجود في الرمان وهو غير ربوي. فجواب المستدل إما أن يثبت أن الطعم غير موجود في الرمان. أو يثبت أن الرمان ربوي. أي أن العلة غير موجودة أو الحكم غير منتف هذا إذا لم يكن مذهب المستدل عدم ربوية الرمان، لأنه إذا كان مذهبه ذلك لم يتأت له إثبات ربوبيته كما هو واضح. وكذا إذا أثبت أن وجود الرمان مانع من الحكم، أو بين فقد شرط لتأثير العلة.

( شرح النص )​

القوادِحُ: منها تخلّفُ الحكمِ عن العلةِ المستنبَطَةِ بلا مانعٍ أو فقدِ شرطٍ في الأصحِّ، والخلفُ معنويٌّ، ومن فروعِهِ الانقطاعُ، وانخرامُ المناسَبَةِ بمفسدَةٍ وغيرُهما، وجوابُهُ: منعُ وجودِ العلةِ، أو انتفاءِ الحكمِ إنْ لم يكنْ انتفاؤهُ مذهبَ المستدِلِّ، أو بيانُ المانِعِ، أو فقدِ الشرطِ.
.................................................................
( القوادِحُ ) أي هذا مبحثها، وهي: ما يقدح في الدليل من حيث العلة أو غيرها من الأركان كالفرع. فالمراد بالدليل القياس ( منها تخلّفُ الحكمِ عن العلةِ المستنبطةِ ) إن كان التخلف ( بلا مانعٍ أو فقدِ شرطٍ في الأصحِّ ) بأن وجدت في بعض الصور بدون الحكم لأنها لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ، بخلاف المنصوصة إذ لا نقض معها، وبخلاف ما إذا كان التخلف لمانع أو فقد شرط لأن العلة عند التخلف تجامع كلا منهما. وهذا ما اختاره ابن الحاجب وغيره من المحققين، وعليه يحمل إطلاق الإمام الشافعي القدح بالتخلف، وقيل: يقدح مطلقا، ورجحه الأصل إذ لو صحت العلية مع التخلف للزم الحكم في صورة التخلف ضرورة استلزام العلة لمعلولها، وقيل: لا يقدح مطلقا. وقال به أكثر الحنفية وسموه تخصيص العلة، وقيل: يقدح في العلة المستنبطة دون المنصوصة، وقيل عكسه، وقيل: يقدح إلا أن يكون لمانع أو فقد شرط وعليه أكثر فقهائنا الشافعية وقيل: غير ذلك ( والخلفُ ) في القدح ( معنويٌّ ) خلافا لابن الحاجب ومن تبعه في قولهم: إنه لفظي مبني على تفسير العلة: إن فسرت بالمؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود الحكم فالتخلف قادح، أو بالباعث أو بالمعرف فلا ( ومن فروعِهِ ) أي فروع أن الخلف معنوي ( الانقطاعُ ) للمستدل فيحصل إن قدح التخلف، وإلا فلا يحصل ويسمع قوله: أردت العلية في غير ما حصل فيه التخلف ( وانخرامُ المناسَبَةِ بمفسدَةٍ ) فيحصل إن قدح التخلف وإلا فلا لكن ينتفي الحكم حينئذ لوجود المانع مع بقاء المناسبة ( وغيرُهما ) بالرفع أي غير المذكورينِ كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإلا فلا ( وجوابُهُ ) أي التخلف على القول بأنه قادح ( منعُ وجودِ العلةِ ) فيما اعترض به ( أو ) منع ( انتفاءِ الحكمِ ) في ذلك ( إنْ لم يكنْ انتفاؤهُ مذهبَ المستدِلِّ ) وإلا فلا يتأتى الجواب ( أو بيانُ المانِعِ أو ) بيان ( فقدِ الشرطِ ) مثال ذلك لو قال المستدل: يجب القود بالقتل بمثقل كالقتل بمحدد، فإن نقض بقتل الأصل فرعه حيث تخلف الحكم فيه عن العلة فجوابه منع وجود العلة في ذلك، إذ يعتبر فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف لمانع، وهو أن الأصل كان سببا لإيجاد فرعه، فلا يكون هو سببا لإعدام أصله.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الحادي عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- المناظرة في النقض


أولا: قلنا إن للمستدل في جواب النقض منع وجود العلة وحينئذ فإذا أراد المعترض أن يرد عليه فعليه أن يكتفي بالمنع كأن يقول: لا أسلم أن العلة غير موجودة، ولكن هل له الاستدلال على وجودها ؟ المختار لا لأنه يؤدي إلى الانتقال أي انتقال المعترض من مقام الاعتراض إلى مقام الاستدلال وهذا غير جائز عند النظار لأنه غصب.
مثاله: إذا قال المستدل إن العلة غير موجودة في صورة التخلف، كأن يقول في المثال السابق: الطعم غير موجود في الرمان، فليس للمعترض أن يورد دليلا على وجود الطعم في الرمان لأنه يؤدي إلى الانتقال، فيكتفي بمنع عدم وجوده فيلزم المستدل إثباته.
ثانيا: قلنا أيضا إن للمستدل في جواب النقض منع انتفاء الحكم وحينئذ فإذا أراد المعترض أن يرد عليه فعليه أن يكتفي بالمنع كأن يقول: لا أسلم ذلك كيف والحكم غير ثابت، ولكن هل له الاستدلال على انتفاء الحكم ؟ المختار لا لأنه يؤدي إلى الانتقال.
مثاله: إذا قال المستدل إن الحكم غير منتف عن العلة في صورة النقض، كأن يقول في المثال السابق: بل الرمان ربوي، فليس للمعترض أن يورد دليلا على أن الرمان غير ربوي لأنه يؤدي إلى الانتقال فيكتفي بالمنع.
ثالثا: إذا استدل المستدل على وجود العلة بدليل موجود في صورة النقض ثم منع وجودها في تلك الصورة، فليس للمعترض أن ينقض دليل العلة لانتقاله من نقض العلة إلى نقض دليلها والانتقال ممنوع عندهم.
مثاله: إذا قال المستدل إن علة الربا في البر هو الطعم، والدليل على كون البر مطعوما هو أنه يدار في الفم ويمضغ.
فيقول المعترض: ما ذكرت من علية الطعم ينتقض بالرمان، فإنه مطعوم وليس ربويا.
فيقول المستدل: لا أسلم أن الرمان مطعوم.
فيقول المعترض: ما ذكرت من الدليل على مطعومية البر موجود في الرمان فإنه يدار بالفم ويمضغ، وعليه ينتقض دليلك. فهذه الصورة من الاعتراض ممنوعة.
رابعا: هل يجب على المستدل أن يذكر في صلب استدلاله ما يحترز به عن التخلف بأن يذكر قيدا يخرجه، أو لا يجب ذلك ؟
كأن يقول فى الإستدلال على حرمة الربا فى البر: البر مطعوم- وكل مطعوم غير فاكهة يحرم الربا فيه،فقد احترز بقوله غير فاكهة عن النقض بصورة الرمان السابقة، فهل يجب عليه ذلك منعا لورود الاعتراض من أساسه أو لا يجب ؟
المختار أنه يجب على المستدل المناظر غيره فعل ذلك.
وأما الناظر لنفسه- وهو المجتهد- فيجب عليه ذلك أيضا إلا في المسائل المشهورة أنها من المستثنيات فلا يجب عليه ذكرها استغناء بشهرتها.
مثاله: بيع العرايا كأن يبيع الرطب في النخل بتمر على الأرض بالخرص والتقدير فإن الأصل أن هذا منهي عنه لوجود التفاضل ولكن رخص الشارع فيه لحاجة الناس إليه.
فإذا علم هذا فإذا قال مثلا: الأرز مطعوم فيجب فيه التساوي في البيع كالبر، فلا حاجة إلى أن يقول: ولاحاجة تدعو إلى التفاضل فيه ليخرج العرايا، فإنه وارد على كل تقدير سواء عللنا بالطعم أو القوت أو الكيل فلا تعلق له بإبطال مذهب وتصحيح آخر.
خامسا: عند النقض يجب مراعاة ما تقرر في المنطق من قواعد النقض وهي:
1- الموجبة الكلية تنتقض بالسالبة الجزئية، وبالعكس: السالبة الجزئية تنتقض بالموجبة الكلية.
2- السالبة الكلية تنتقض بالموجبة الجزئية، وبالعكس: الموجبة الجزئية تنتقض بالسالبة الكلية.
فنقيض كل مطعوم ربوي هو بعض المطعوم ليس ربويا، ونقيض بعض المطعوم ليس ربويا هو كل مطعوم ربوي.
ونقيض لا شيء من المطعوم ربوي هو بعض المطعوم ربوي، ونقيض بعض المطعوم ربوي هو لا شيء من المطعوم ربوي.

( شرح النص )​

وليسَ للمعترِضِ استدلالٌ على وجودِ العلَّةِ عندَ الأكثرِ لانتقالِهِ، ولوْ دلَّ على وجودِها بموجودٍ في محلِّ النقْضِ ثمَّ منعَ وجودَها فقالَ: ينتقِضُ دليلُكَ لمْ يُسمَعْ لانتقالِهِ مِنْ نقضِها إلى نقضِ دليلِها، وليسَ لهُ استدلالٌ على تخلُّفِ الحكمِ في الأصحِّ، ويجبُ الاحترازُ منهُ على المناظِرِ مطلَقًا، وعلى الناظِرِ إلا فيما اشتَهَرَ من المستثنَيَاتِ، وإثباتُ صورةٍ أَو نفيُها ينتقِضُ بالنَّفْي أَوِ الإثباتِ العامَّينِ وبالعكسِ.
............................................................................
( وليسَ للمعترِضِ ) بالتخلف ( استدلالٌ على وجودِ العلَّةِ ) فيما اعترض به وهو صورة النقض، كأن يقول المستدل: الطعم غير موجود في الرمان أي يمنع وجود العلة، فليس للمعترض أن يورد دليلا على وجود الطعم في الرمان ( عندَ الأكثرِ ) مِن النظار، ولو بعد منع المستدل وجودها ( لانتقالِهِ ) من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل: له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة ( ولوْ دلَّ ) أي أقام المستدل الدليل ( على وجودِها ) أي العلة فيما علل حكمه بها ( بـ ) ـدليل ( موجودٍ في محلِّ النقْضِ ثمَّ منعَ ) أي المستدل ( وجودَها ) أي العلة في ذلك المحل بعد الاعتراض عليه به ( فقال ) له المعترض ( ينتقِضُ دليلُكَ ) الذي أقمته على وجود العلة حيث وجد في محل النقض دون وجود العلة على مقتضى منعك وجودها فيه ( لمْ يُسمَعْ ) قول المعترض، مثال ذلك: أن يثبت المستدل كون البر مطعوما بدليل هو كونه يدار فى الفم ويمضغ مثلا فيكون ربويا فيقول له المعترض ماذكرت من علة الطعم ينتقض بالرمان فإنه مطعوم مع أنه غير ربوي، فيقول المستدل لا أسلم كون الرمان مطعوما، فيقول المعترض ماذكرت من الدليل موجود بعينه في الرمان فحينئذ ينتقض دليلك، فإنه على مقتضى منع المستدل فإن الرمان غير مطعوم مع أنه يدار في الفم ويمضغ، فيبطل قوله: أن ما كان يدار في الفم ويمضغ يكون مطعوما ( لانتقالِهِ مِنْ نقضِها إلى نقضِ دليلِها ) والانتقال ممتنع ( وليسَ لهُ ) أي للمعترض ( استدلالٌ على تخلُّفِ الحكمِ ) فيما اعترض به ولو بعد منع المستدل تخلفه ( في الأصحِّ ) لما مر من الانتقال من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل: له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة ( ويجبُ الاحترازُ منهُ ) أي من التخلف بأن يذكر في الدليل ما يخرج محله ليسلم من الاعتراض ( على المناظِرِ ) وهو المقلد الذي يستدل لإمامه ويذب عن مذهبه ويسمى جدليا وخلافيا ( مطلَقًا ) أي اشتهر أو لا ( وعلى الناظِرِ ) لنفسه وهو المجتهد ( إلا فيما اشتَهَرَ من المستثنَيَاتِ ) كالعرايا لأنه لشهرته كالمذكور، فلا يجب الاحتراز منه، وقيل: يجب عليه ذلك مطلقا، وقيل: لا يجب مطلقا. واختاره ابن الحاجب وغيره ( وإثباتُ صورةٍ ) معينة أو مبهمة ( أَو نفيُها ) أي صورة معينة أو مبهمة ( ينتقِضُ ) ذلك الإثبات أو النفي ( بالنَّفْي أَوِ الإثباتِ العامَّينِ ) يعني السالبة والموجبة الكليتين ( وبالعكسِ ) أي النفي العام وهي السالبة الكلية أو الإثبات العام وهي الموجبة الكلية ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها. فنحو: زيد كاتب، أو إنسان ما كاتب، يناقضه لا شيء من الإنسان بكاتب، ونحو: زيد ليس بكاتب، أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه، كل إنسان كاتب، أما الصورة الأولى بشقيها المعين والمبهم فلتحقق المناقضة بين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية، وأما الثانية بشقيها المعين والمبهم فلتحقق المناقضة بين السالبة الجزئية والموجبة الكلية لأن التناقض اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضى ذلك لذاته أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة.

 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

زادكم الله توفيقاً ...
وأمدكم بعونه ...
وأتم عليكم نعمه ...
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثاني عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- الكسر- عدم العكس


أولا: ومن نواقض العلة الكسر وهو: إلغاء بعض العلة إما مع إبدال البعض بغيره أو لا مع إبداله ونقض باقيها.
فهو يرد على العلة المركبة بأن يبين عدم التأثير في أحد جزأيها- بأن يوجد الحكم عند انتفائه فلا أثر له في التعليل- وينقض الجزء الآخر ببيان تخلف الحكم عنه، وحينما يبين عدم تأثير الجزء الأول تارة يبدله بغيره وتارة لا يبدله.
مثاله مع الإبدال: أن يقال في إثبات وجوب أداء الصلاة في حالة الخوف: هي صلاة يجب قضاؤها إذا فاتت فيجب اداؤها في الوقت قياسا على صلاة الأمن.
فالعلة هي: صلاة يجب قضاؤها، فهي مركبة من جزأين: كونها صلاة، وكونها يجب قضاؤها.
فيقول المعترض على الجزء الأول وهو كونها صلاة: إن خصوص الصلاة في ذلك ملغى لا أثر له لأن الحج كذلك واجب الأداء والقضاء فليبدل خصوص الصلاة بما يعمها وغيرها فيقال هي: عبادة يجب قضاؤها، فيجب أداؤها في الوقت.
فينقض المعترض ذلك بصوم الحائض، فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها اتفاقا.
ومثاله مع عدم الإبدال: إلغاء خصوص الصلاة فيما تقدم من غير إبدال، فيكون الباقي من العلة: يجب قضاؤها، فيتجه الاعتراض بأنه ليس كل ما يجب قضاؤه يجب أداؤه، فإن الحائض يجب عليها قضاء الصوم ولا يجب عليها أداؤه اتفاقا.
ثانيا: ومن نواقض العلة عدم العكس وهو- أي العكس-: انتفاء الحكم لانتفاء العلة.
فإذا تخلف العكس كان قادحا في صحة العلية ولكن عند من منع التعليل بعلتين. فهذا القادح إنما هو على مذهب المانعين.
أما من جوّز ذلك فليس تخلف العكس قادحا؛ إذْ يجوز أن يكون ثبوت الحكم لعلة أخرى.
فعدم العكس معناه: وجود الحكم بدون العلة.
مثاله: أن يقول الحنفي مستدلا على أن أذان الصبح لا يقدم على وقتها: صلاة الصبح صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها على وقتها كصلاة المغرب ( فيجعل العلة في منع تقديم الأذان على وقت المغرب كونها صلاة لا تقصر، ثم يقيس الصبح عليها بهذه العلة ليثبت لها عدم تقديم الأذان على وقتها كما ثبت ذلك للمغرب ).
فيقول المعترض: هذا الوصف غير منعكس؛ لأن عدم تقديم الأذان على الوقت موجود في الظهر والعصر مع جواز القصر فيهما. فقد وجد الحكم وهو عدم تقديم الأذان مع تخلف العلة وهي عدم القصر.
وأما الطرد فهو: ثبوت الحكم لثبوت العلة. وعدم الطرد هو النقض بعينه الذي تقدم.
فإذا وجدت العلة ولم يوجد الحكم فهذا عدم طرد وهو النقض، وإذا وجد الحكم ولم توجد العلة فهذا عدم عكس.
والحاصل أن المعلول إن لازم العلة في النفي والإثبات فهي العلة المطردة المنعكسة ولا نزاع في التعليل بها.
وإن اختلفت الملازمة بينهما في الثبوت فهي غير المطردة وعدم الإطراد هو النقض بعينه، وإن اختلفت الملازمة بينهما في العكس فهو عدم العكس
.
والمقصود بالانتفاء في قولنا انتفاء الحكم هو انتفاء العلم أو الظن به لا الانتفاء في واقع الأمر؛ إذْ لا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول.
والشاهد على صحة الاستدلال بانتفاء العلة على انتفاء الحكم ما ورد في صحيح مسلم وهو قول بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
فيستنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر وهذا يسمى قياس العكس وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
تنبيه: اعلم أن العكس قسمان: أبلغ، وغير أبلغ.
فالعكس الأبلغ هو: ما ثبت معه الطرد دائما، بأن يوجد الطرد والعكس معا فحينئذ كلما ثبتت العلة ثبت الحكم وكلما انتفت العلة انتفى الحكم، فيكون الانتفاء في جميع الصور. كالإسكار لحرمة الخمر فكلما وجد الإسكار وجد التحريم، وكلما انتفى الإسكار انتفت الحرمة، فهنا انتفاء الحرمة لانتفاء الإسكار ثابت في جميع الصور.
والعكس غير الأبلغ هو: ما لم يثبت معه الطرد دائما، بأن كان يثبت الحكم بدون ثبوت العلة في بعض الصور، فينتفي الحكم لانتفاء العلة في بعض الصور أيضا فالانتفاء ليس دائما فليس كلما انتفت العلة انتفى الحكم بل تنتفي العلة ويثبت الحكم في بعض الصور فلهذا كان هذا غير أبلغ.

( شرح النص )​

ومنها الكسرُ في الأصحِّ، وهوَ إلغاءُ بعضِ العلَّةِ معَ إبدالِهِ أَو لا ونقضِ باقِيها، كما يقالُ في الخوفِ: صلاةٌ يجبُ قضاؤُها فيجبُ أداؤُها كالأمنِ، فيُعْتَرَضُ فليُبَدَّلْ بالعبادةِ ثمَّ يُنْقَضُ بصومِ الحائضِ أو لا يُبَدَّلُ فلا يبقى إلا يجبُ قضاؤُها ثمَّ ينقضُ بما مرَّ.
ومنها: عدمُ العكسِ عندَ مانعِ تعدُّدِ العللِ، والعكسُ: انتفاءُ الحكمِ- بمعنى انتفاءِ العلمِ أو الظنِّ بهِ- لانتفاءِ العلَّةِ، فإنْ ثبتَ مقابِلُهُ فأبلغُ، وشاهِدُهُ قولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أرأيتُم لو وضعَها في حرامٍ أكانَ عليهِ وزرٌ؟ فكذلكَ إذا وضعَها في الحلالِ كانَ لهُ أجرٌ في جوابِ أيأتي أحدُنا شهوتَهُ ولهُ فيها أجرٌ
.
.........................................................................
( ومنها ) أي من القوادح الكسر فإنه قادح ( في الأصحِّ ) لما يعلم من تعريفه الآتي، وقيل: ليس بقادح ( وهوَ ) أي الكسر ويسمى بنقض المعنى أي المعلل به وهو العلة ( إلغاءُ بعضِ العلَّةِ ) المركبة بوجود الحكم عند انتفائه إما ( معَ إبدالِهِ ) أي البعض بغيره ( أَو لا ) مع إبداله ( ونقضِ باقِيها ) أي العلة ( كما يقالُ في ) إثبات وجوب أداء صلاة ( الخوفِ ) هي ( صلاةٌ يجبُ قضاؤُها ) لو لم تفعل ( فيجبُ أداؤُها كالأمنِ ) فإن الصلاة فيه كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها ( فيُعْتَرَضُ ) هذا القول بأن خصوص الصلاة الذي هو جزء العلة ملغى أي لا أثر له في العلية بأن يقال: الحج يجب أداؤه لقضائه ( فليُبَدَّلْ ) خصوص الصلاة أي ليبدله المستدل ( بالعبادةِ ) ليندفع الاعتراض، وكأنه قيل: عبادة يجب قضاؤها ( ثمَّ يُنْقَضُ ) هذا القول ( بصومِ الحائضِ ) فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم ( أو لا يُبَدَّلُ ) خصوص الصلاة ( فلا يبقى ) للمستدل علة ( إلا ) قوله ( فلا يجبُ قضاؤُها ) فيجب أداؤها كالأمن ( ثمَّ ينقضُ بما مرَّ ) بأن يقال: ليس كل ما يجب قضاؤه يؤدى بدليل صوم الحائض فإنه يجب عليها قضاؤه دون أدائه. وبما تقرر علم أن الكسر لا يكون إلا في العلة المركبة، وأن مفاده تخلف الحكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق ( ومنها ) أي من القوادح ( عدمُ العكسِ ) بأن يوجد الحكم بدون العلة وإنما يقدح ( عندَ مانعِ تعدُّدِ العللِ ) بخلاف مجوّزه لجواز أن يكون وجود الحكم لعلة أخرى ( والعكسُ: انتفاءُ الحكمِ ) لا بمعنى انتفائه نفسه، بل ( بمعنى انتفاءِ العلمِ أو الظنِّ بهِ لانتفاءِ العلَّةِ ) وإنما عنى ذلك لأنه لا يلزم من عدم الدليل الذي من جملته العلة عدم المدلول للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده، وإنما ينتفي العلم به ( فإنْ ثبتَ مقابِلُهُ ) أي مقابل العكس وهو الطرد أي ثبوت الحكم لثبوت العلة أبدا- قوله أبدا هذا القيد متعلق بثبتَ مقابله لا بثبوت الحكم تأمل- ( فأبلغُ ) في العكسية مما لم يثبت مقابله بأن يثبت الحكم مع انتفاء العلة في بعض الصور، لأنه في الأوّل عكس لجميع الصور وفي الثاني لبعضها ( وشاهِدُهُ ) أي العكس في صحة الاستدلال بانتفاء العلة فيه على انتفاء الحكم ( قولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) لبعض أصحابه في خبر مسلم ( أرأيتُم لو وضعَها ) أي الشهوة ( في حرامٍ أكانَ عليهِ وزرٌ ) فكأنهم قالوا نعم، فقال: ( فكذلكَ إذا وضعَها في الحلالِ كانَ لهُ أجرٌ في جوابِ ) قولهم ( أيأتي أحدُنا شهوتَهُ ولهُ فيها أجرٌ ) استنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر حيث عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلال لتعاكس حكميهما في العلة، وهو كون هذا مباحا وذاك حراما، وهذا الاستنتاج يسمى قياس العكس الآتي في الكتاب الخامس إن شاء الله.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- عدم التأثير


أولا: ومن قوادح العلة عدم التأثير وهو: نفي مناسبة الوصف الذاتية للحكم.
والقدح بالعلة بكونها عديمة التأثير أي لا مناسبة بينها وبين الحكم له شرطان هما:
1- أن يكون القياس المقدوح به هو قياس معنى أي قياس علة وهو: ما ثبت فيه علية الوصف المشترك بين الأصل والفرع، دون غيره كقياس الشبه.
2- أن يكون قياس المعنى علته مستنبطة غير مجمع عليها، فإن كانت علته منصوصة أو مستنبطة ولكنه أجمع عليها فلا يتأتى القدح فيهما بعدم التأثير لأنه لا بد فيهما من مناسبة للحكم في الواقع وإن لم تكن ظاهرة لنا.
ثانيا: عدم التأثير أربعة أقسام:
1- عدم التأثير في الوصف بكونه طرديا أو شبها.
مثال كون الوصف طرديا: قول الحنفية: صلاة الصبح لا تقصر فلا يقدم أذانها على وقتها كالمغرب.
فيقول المعترض: لا مناسبة بين عدم القصر وعدم تقديم الأذان ولا شبه فيكون طرديا فلا يعلل به.
ومثال كون الوصف شبها: قول المستدل بقياس المعنى في الوضوء: طهارة تفتقر إلى نية كالتيمم.
فالطهارة بالنسبة لافتقار الوضوء إلى النية شبه، والمناسبة الذاتية هي: كون الوضوء عبادة فيفتقر إلى نية.
وليس القصد بهذا المثال إبطال صحة التعليل بالشبه وقياس الشبة ولكن القدح بقياس العلة، فمن ادعى أن قياسه قياس معنى مشتملا على الوصف المناسب فإنه يتوجه عليه الاعتراض بأن وصفه شبه وليس مناسبا بالذات.
وحاصل هذا القسم طلب الدليل على علية الوصف.
2- عدم التأثير في الأصل، بأن يبدي المعترض علة أخرى لحكمه.
مثاله: أن يقال في عدم صحة بيع الغائب: هو بيع غير مرئي فلا يصح كبيع الطير في الهواء.
فيقول المعترض: لا أثر لكونه غير مرئي في الأصل وهو بيع الطير في الهواء، فإن العجز عن تسليمه كاف في عدم الصحة.
وحاصل ذلك معارضته في الأصل بإبداء علة أخرى غير ما أبداها المستدل، بناء على القول المرجوح من منع تعدد العلل.
وأما على القول الراجح بجواز تعدد العلل فلا قدْحَ لصحة التعليل بكلتا العلتين: علة المستدل، وعلة المعترض.
3- عدم التأثير في الحكم وهو على ثلاثة أضرب:
أ- أن يكون الوصف المذكور مع العلة لا فائدة في ذكره.
مثاله: قول الحنفية في عدم تضمين المرتدين الذين أتلفوا شيئا من أموالنا في دار الحرب: هم مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب فلا ضمان عليهم، كما لا يضمن الحربي إذا أتلف مالا لنا.
فقيد في دار الحرب لا يؤثر فهو طردي فلا فائدة من ذكره؛ لأن الشافعية الذين أوجبوا الضمان في ذلك أوجبوه سواء كان الإتلاف في دار الحرب أم في دار الإسلام. وكذلك الحنفية الذين نفوا الضمان فيه، فإنهم نفوه وإن كان الإتلاف في دار الإسلام.
ويرجع الاعتراض في ذلك إلى القسم الأول؛ لأن المعترض يطالب المستدل ببيان تأثير كون الإتلاف في دار الحرب.
ب- أن يكون الوصف المذكور مع العلة ضروريا.
مثاله: أن يقول مَن يعتد بالعدد في أحجار الاستنجاء: هي عبادة متعلقة بالأحجار لم تتقدمها معصية فيجب الالتزام فيها بالعدد قياسا على أحجار رمي الجمار.
فقوله: لم تتقدمها معصية وصف مذكور مع العلة التي هي كونها عبادة متعلقة بأحجار، وهذا الوصف المضموم للعلة لا أثر له في الحكم إلا أنه ذكر لفائدة ضرورية، وهي أنه لو لم يذكره لانتقضت العلة بأحجار الرجم لأنها متعلقة بها عبادة هي الرجم ولم يعتبر فيها العدد فاضطر إلى إخراج هذا بقيد لم تتقدمها معصية.
ووجه القدح بهذا: أن عدم تقدم المعصية لا أثر له في اعتبار العدد في الأحجار فهو طردي فلم يقبل في معرض التعليل.
ج- أن يكون الوصف المذكور مع العلة له فائدة لكنها غير ضرورية.
مثاله: ما لو قيل: الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر في إقامتها إلى إذن الإمام الأعظم قياسا على الظهر.
فقوله: مفروضة وصف مضموم للعلة التي هي كونها صلاة، وله فائدة هي أن ذكر الفرض تقرب الأصل من الفرع أي تقرب المشابهة بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر إذْ الفرض بالفرض أشبه، ومع هذا فهو حشو فلو حذفت لم ينتقض التعليل بشيء كما انتقض بالضرورية.
4- عدم التأثير في الفرع.
مثاله: أن يقال في الاستدلال على عدم صحة تزويج المرأة نفسها: زوجت نفسها بغير كفء فلا يصح، كما لا يصح لو زوجها وليها بغير كفء.
فالتقييد بقوله: غير كفء لا تأثير له. إذْ المطلوب إثبات عدم صحة تزويج المرأة نفسها، سواء كان بكفء أم بغيره.
وهذا القيد كالقيد المذكور في القسم الثاني من كون البيع غير مرئي. إلا أن عدم التأثير هنا في الفرع وهناك أي في مسألة البيع في الأصل.
وهنا مسألة تسمى بالفرض وهو: تخصيص بعض الصور بالنزاع، بأن يكون النزاع في كلي يندرج فيه جزئيات فيفرض النزاع في جزئي خاص من تلك الجزئيات كما فعل في هذا المثال فإن النزاع في منع تزويج المرأة نفسها مطلقا فخصه المستدل بغير كفؤ، فهل يجوز فعل هذا في مقام المناظرة ؟
قيل: لا يجوز، وقيل: يجوز لأنه يستفاد منه غرض صحيح وهو دفع الاعتراض في بعض الصور حيث لا يساعد الدليل على دفعه في كل الصور وهو الأصح. وحينئذ فالقسم الرابع- وهو مبني على مسألة الفرض- القدح فيه مبني على قول مرجوح من عدم جواز تخصيص بعض الصور بالنزاع وعلى الأصح لا ضير في ذلك. فتنبّه.

( شرح النص )​

ومنها عدمُ التأثيرِ أي نفيُ مناسَبةِ الوصفِ فيختصُّ بقياسِ معنىً عِلَّتُهُ مستنبطةٌ مختلفٌ فيها. وهوَ أربعةٌ: في الوصفِ بكونِهِ طرديًّا أو شَبَهًا، وفي الأصلِ على مرجوحٍ مثلُ: مبيعٌ غيرُ مرئيٍّ فلا يصِحُّ كالطّيرِ في الهواءِ، فيقولُ: لا أثرَ لكونِهِ غيرَ مرئيٍّ إذْ العجزُ عنِ التسليمِ كافٍ، وفي الحكمِ وهوَ أضربٌ: ما لا فائدةَ لذكرِهِ كقولِهِم في المرتدينَ: مشركونَ أتلفوا مالًا بدارِ الحربِ فلا ضمانَ كالحربيِّ، فدارُ الحربِ عندهمْ طرديٌّ فلا فائدةَ لذكرِهِ فيرجِعُ للأوَّلِ، وما لهُ على الأصحِّ فائدةٌ ضروريةٌ كقولِ معتبِرِ العددِ في الاستجمارِ عبادةٌ متعلقةٌ بالأحجارِ لم يتقدمها معصيةٌ فاعتبرَ فيها العددُ كالجِمارِ، فقولُهُ لم يتقدْمها معصيةٌ عديمُ التأثيرِ لكنَّهُ مضْطَرٌّ لذكرِهِ لئلا ينتقضَ ما علَّلَ بهِ بالرجمِ، أو غيرُ ضروريةٍ مثلُ: الجمعةُ صلاةٌ مفروضةٌ فلم تفتقرْ إلى إذنِ الإمامِ كالظهرِ، فإنَّ مفروضةٌ حشوٌ إذْ لو حُذِفَ لمْ ينتقضْ لكنَّهُ ذُكِرَ لتقريبِ الفرعِ مِنَ الأصلِ بتقويةِ الشبهِ بينهما إذْ الفرضُ بالفرضِ أشبهُ، وفي الفرعِ مثلُ زوجتْ نفسهَا غيرَ كفءٍ فلا يصِحُّ كما لو زُوِّجَتْ، وهوَ كالثاني إذْ لا أثرَ فيهِ للتَّقييدِ بغيرِ الكفءِ، ويرجِعُ إلى المناقشةِ في الفرضِ وهوَ: تخصيصُ بعضِ صورِ النزاعِ بالحجاجِ والأصحُّ جوازُهُ.
...............................................................
( ومنها ) أي من القوادح ( عدمُ التأثيرِ أي نفيُ مناسَبةِ الوصفِ ) الذاتية للحكم ( فيختصُّ ) القدح به ( بقياسِ معنىً عِلَّتُهُ مستنبطةٌ مختلفٌ فيها ) لاشتماله على المناسب بخلاف غيره كالشبه، وقياس المعنى الذي علته منصوصة أو مستنبطة مجمع عليها فلا يأتي فيه ذلك ( وهوَ ) أقسام ( أربعةٌ ) القسم الأوّل عدم التأثير ( في الوصفِ بكونِهِ طرديًّا أو شَبَهًا ) والمعنى عدم تأثيره أصلا أي عدم مناسبته الذاتية كقول الحنفية في الصبح: صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها كالمغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقديم الأذان طردي لا مناسبة فيه ولا شبه، وعدم التقديم الذي هو الحكم موجود فيما يقصر كالظهر، وكقول المستدل بقياس المعنى في الوضوء: طهارة تفتقر إلى النية كالتيمم، فالطهارة بالنسبة لافتقار الوضوء إلى النية شبه ما المناسبة فيه بالذات، إذ المناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة. وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف ( و ) الثاني عدم التأثير ( في الأصلِ ) بإبداء علة لحكمه ( على مرجوحٍ ) وهو منع تعدد العلل ( مثلُ ) أن يقال في بيع الغائب ( مبيعٌ غيرُ مرئيٍّ فلا يصِحُّ كالطّيرِ في الهواءِ، فيقولُ ) المعترض ( لا أثرَ لكونِهِ غيرَ مرئيٍّ ) في الأصل ( إذْ العجزُ عنِ التسليمِ ) فيه ( كافٍ ) في عدم الصحة وعدم التسليم موجود مع الرؤية للطير. وحاصله معارضته في الأصل بإبداء غير ما علل به، وزاد على الأصل مرجوح ليوافق ما اعتمده من جواز تعدّد العلل ( و ) الثالث عدم التأثير ( في الحكمِ وهوَ أضربٌ ) ثلاثة أحدها ( ما ) أي وصف اشتملت عليه العلة ( لا فائدةَ لذكرِهِ كقولِهِم ) أي الخصوم الحنفية ( في المرتدينَ ) المتلفين مالنا بدار الحرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم في ذلك ( مشركونَ أتلفوا مالًا بدارِ الحربِ فلا ضمانَ ) عليهم ( كالحربيِّ ) المتلف مالنا ( فدارُ الحربِ عندهمْ ) أي الخصوم كما هو عندنا وصف ( طرديٌّ فلا فائدةَ لذكرِهِ ) لأن من نفى الضمان في إتلاف المرتد مال المسلم كالحنفية نفاه وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب، ومن أثبته كالشافعية أثبته وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب ( فيرجِعُ ) الاعتراض في هذا القسم ( للأوَّلِ ) من الأقسام لأن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون الإتلاف بدار الحرب لا بغيرها ( و ) الضرب الثاني ( ما ) أي وصف اشتملت عليه العلة ( له ) أي لذكره ( على الأصحِّ فائدةٌ ضروريةٌ كقولِ معتبرِ العددِ في الاستجمارِ ) بالأحجار ( عبادةٌ متعلِّقةٌ بالأحجارِ لم يتقدْمها معصيةٌ فاعتُبِرَ فيها العددُ كالجِمارِ ) أي كرميها ( فقولُهُ لم يتقدمُها معصيةٌ عديمُ التأثيرِ ) في حكم الأصل والفرع ( لكنَّهُ ) أي معتبر العدد ( مُضْطَرٌّ لذكرِهِ لئلا ينتقِضَ ما علَّلَ بهِ ) لو لم يذكر فيه ( بالرجمِ ) للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد، والضرب الثالث ذكره بقوله: ( أو غيرُ ضروريةٍ) أي أو ما له على الأصح فائدة غير ضرورية ( مثلُ ) أن يقال ( الجمعةُ صلاةٌ مفروضةٌ فلم تفتقرْ ) في إقامتها ( إلى إذنِ الإمامِ ) الأعظم ( كالظهرِ، فإنَّ ) قولهم ( مفروضةٌ حشوٌ إذْ لو حُذِفَ ) مما علل به ( لمْ ينتقضْ ) أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض في ذلك ( لكنَّهُ ذُكِرَ لتقريبِ الفرعِ ) وهو الجمعة ( مِنَ الأصلِ ) وهو الظهر ( بتقويةِ الشبهِ بينهما إذْ الفرضُ بالفرضِ أشبهُ ) به من غيره، وقيل: عدم التأثير لا يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها ضرورية وغير ضرورية، وقيل: يكون قادحا في ثانيهما دون أولهما ( و ) القسم الرابع عدم التأثير ( في الفرعِ ) على مرجوح يعلم من قوله بعد قليل في الفرض: والأصح جوازه ( مثلُ ) أن يقال في تزويج المرأة نفسها ( زوجتْ نفسهَا غيرَ كفءٍ فلا يصِحُّ ) التزويج ( كما لو زُوِّجَتْ ) بالبناء للمفعول أي زوّجها وليها له ( وهوَ ) أي القسم الرابع ( كالثاني ) في أنه إبداء علة أخرى وهي في هذا المثال تزويج المرأة نفسها لا تزويجها من غير كفء فيرجعان إلى المعارضة في الأصل فالمستدل قد جعل في مثال القسم الرابع العلة هو تزويجها نفسها بغير كفء، والمعترض جعل العلة هو تزويجها نفسها مطلقا سواء كان بكفء أم بغيره ( إذْ لا أثرَ فيهِ للتَّقييدِ بغيرِ الكفءِ ) فإنه وإن ناسب البطلان لكنه غير مطرد في جميع صور المدعى وهو أن تزويجها نفسها لا يصح مطلقا كما لا أثر للتقييد في مثال الثاني بكونه غير مرئي، وإن كان نفي الأثر هنا بالنسبة إلى الفرع وثم بالنسبة إلى الأصل ( ويرجِعُ ) هذا القسم ( إلى المناقشةِ في الفرضِ وهوَ ) أي الفرض ( تخصيصُ بعضِ صورِ النِّزاعِ بالحِجاجِ ) كما فعل في المثال، إذ المدعى فيه منع تزويجها نفسها مطلقا والاحتجاج على منعه من غير كفء ( والأصحُّ جوازُهُ ) أي الفرض فقد لا يساعده الدليل في كل الصور أو لا يقدر على دفع الاعتراض في بعضها فيستفيد بالفرض غرضا صحيحا، وقيل: لا يجوز لأن جوازه لا يدفع اعتراض الخصم.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- القلب


أولا: ومن قوادح العلة القلب وهو: دعوى المعترض أَنَّ ما استدلَّ به المستدلُّ هو دليل عليه.
مثاله: أن يقول الشافعي في بطلان بيع الفضولي: عقد في حقّ الغير بلا ولاية عليه فلا يصحّ كما لو اشترى شيئا لغيره.
فيقول المعترض الحنفي: هو عقد فيصح كشراء الفضولي ولكنه ينعقد للفضولي وتلغو تسميته لغيره.
فهنا استدل المستدل على بطلان بيع الفضولي بالقياس على شرائه، فقال المعترض إن الاستدلال بشراء الفضولي دليل على صحة بيعه أي قد ادعى الحنفي أن ما استدل به الشافعي دليل عليه لأنه يثبت نقيض مدعاه.
ثانيا: قد اختلف العلماء في حقيقة القلب على أقوال:
1- فقيل هو: إفساد لما استدلّ به المستدل لصحة الاستدلال به على الضد والدليل الصحيح لا ينتج الشيء وضده.
2- وقيل هو: تسليم بصحة دليل المستدل ولكنه شاهد عليه لا له.
3- وقيل هو: تسليم بصحة دليل المستدل على تقدير صحته في الواقع فليس هناك قطع بصحة دليله ولكنه محتمل، وحينئذ فلا بد من زيادة قيد إن صحّ في تعريف القلب فيقال هو: دعوى المعترض أن ما استدل به المستدل إن صح فهو دليل عليه، فهو لا يقطع بصحته ولكنه يقول على تقدير صحته في الواقع فهو دليل عليك. وهذا هو الأصح.
ثالثا: على القول الثالث الأصح فالقلب مقبول على أحد وجهين:
1- إما على أنه معارضة أي أن المعترض يقول: أسلم صحة دليلك ولكنه ينتج ضد ما تريد، أي أن المستدل جاء بدليل فعارضه بنفس دليله فأنتج ضد ما ادعاه فحينئذ يتوقف في العمل ويحتاج إلى مرجح من الخارج فلا هو للمستدل ولا هو للمعترض.
2- إما على أنه قادح أي أن المعترض يقول: إن دليلك فاسد لأنه يتعلق به كل من الضدين فهو لا يصلح دليلا لا على المستدل ولا له لأنه فاسد من أصله.
فتلخص أن للمعترض أن يورد القلب على وجه المعارضة فيكون موقفا للعمل بالدليل، وإما أن يورده على وجه القدح به.
رابعا: القلب قسمان:
1- ما يقصد به تصحيح مذهب المعترض في المسألة مع إبطال مذهب المستدل فيها سواء أكان مذهب المستدل مصرحا به في الاستدلال أم لا.
مثال الأول: ما تقدم من بيع الفضولي.
ومثال الثاني: أن يقول الحنفي المستدل الذي يشترط الصوم للاعتكاف: لبث فلا يكون بمجرده قربة كالوقوف بعرفة الذي لا يكون قربة إلا مع الإحرام.
فيقول المعترض الشافعي: لبث فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة. ففي هذا إبطال لمذهب المستدل الذي لم يصرح به، وهو اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف.
2- ما يقصد به إبطال مذهب المستدل من غير تعرض لتصحيحه مذهب نفسه، سواء كان إبطاله لمذهب المستدل مدلولا عليه بالمطابقة أو بدلالة الالتزام.
مثال الإبطال المصرح به بدلالة المطابقة: قول الحنفي في مسح الرأس في الوضوء: هو عضو وضوء فلا يكفي فيه أقل ما يطلق عليه اسم المسح،قياسا على الوجه، فإنه لا يكفي في غسله أقل ما يطلق عليه اسم الغسل.
فيقول الشافعي: عضو وضوء فلا يتقدَّر بالربع قياسا على الوجه في ذلك.
فالشافعي يقول للحنفي: كونه عضو وضوء الذي هو علة قياسك يقتضي نقيض مذهبك من جواز الاقتصار على الربع في مسح الرأٍس. وليس في قلب الشافعي هذا ما يدل على إثبات مذهبه الذي هو الاكتفاء بأقل ما يطلق عليه اسم المسح.
ومثال ما كان إبطال مذهب المستدل فيه بدلالة الالتزام: قول الحنفي في بيع الغائب: هو عقد معاوضة فيجوز مع الجهل بالمعوَّض قياسا على النكاح فإنه يجوز مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها.
فيقول المعترض الشافعي: هو عقد معاوضة فلا يثبت به خيار الرؤية قياسا على النكاح.
فقد أبطل الشافعي مذهبه بالالتزام؛ لأن ثبوت خيار الرؤية لازم شرعا عنده لصحة بيع الغائب، وإذا انتفى اللازم الذي هو خيار الرؤية انتفى الملزوم الذي هو صحة بيع الغائب.
خامسا: ومن القلب الذي لإبطال مذهب المستدل بالالتزام ما يسمى بقلب المساواة وهو: أن يثبت للأصل المقيس عليه حكمان واحد منهما منتف عن الفرع بالاتفاق والآخر مختلف فيه فإذا أراد المستدل إثبات المختلف فيه بالقياس على الأصل، قال المعترض تجب التسوية بين الحكمين في الفرع كاستوائهما في الأصل. فيلزم منه انتفاء مذهب المستدل.
مثاله: أن يقول الحنفي في عدم وجوب النية في الوضوء: طهارة بالمائع فلا تجب فيها النية كإزالة النجاسة فإنها لا تجب فيها النية اتفاقا.
فيقول المعترض الشافعي: طهارة يستوي فيها الجامد والمائع كإزالة النجاسة يستوي فيها الجامد كالتراب والمائع كالماء، فإذا وجبت النية في التيمم وجبت في الوضوء.
فهنا الأصل المقيس عليه هو إزالة النجاسة والحكمان الذان ثبتا له هما: عدم اشتراط النية في الخبث الجامد، وعدم اشتراطها في الخبث المائع، والفرع المقيس على ذلك الأصل هو طهارة الحدث، وأحد الحكمين الثابت له بالاتفاق هو اشتراط النية في جامد طهارة الحدث وهو التيمم، والحكم الآخر المختلف فيه هو اشتراط النية في مائع طهارة الحدث كالوضوء والغسل، فإذا جاء الحنفي وقاس مائعه على إزالة النجاسة في عدم وجوب النية، قيل له: تجب التسوية بين الحكمين في الفرع كما وجبت التسوية بين الحكمين في الأصل.

( شرح النص )​

ومِنها القلبُ وهوَ في الأصحَّ: دعوى أَنَّ ما استدلَّ بهِ وصحَّ عليهِ في المسألةِ، فيُمْكِنُ معَهُ تسليمُ صِحَّتِهِ فهوَ مقبولٌ في الأصحِّ معارَضَةٌ عندَ التسليمِ قادِحٌ عندَ عدمِه، وهوَ قسمانِ: الأولُ لتصحيحِ مذهبِ المعترِضِ وإبطالِ مذهبِ المستدلِّ كما يقالُ: عقدٌ بلا ولايةٍ فلا يصحُّ كالشراءِ، فيقالُ: عقدٌ فيصحُّ كالشراءِ، ومثلُ: لبثٌ فلا يكونُ بنفسِهِ قربةً كوقوفِ عرفَةَ، فيقالُ: لبثٌ فلا يشترطُ فيهِ الصومُ كعرفَةَ، الثاني لإبطالِ مذهبِ المستدلِّ بصراحةٍ: عضوُ وضوءٍ فلا يكفي أقلُّ ما ينطلقُ عليه الاسمُ كالوجهِ، فيقالُ: فلا يقدَّرُ بالربعِ كالوجهِ، أو بالتزامِ: عقدُ معاوضةٍ فيصحُّ معَ الجهلِ بالمعوَّضِ كالنكاحِ، فيقالُ: فلا يثبتُ خيارُ الرؤيةِ كالنكاحِ، ومنهُ قلبُ المساواةِ فيقبلُ في الأصحِّ مثلُ: طهرٌ بمائعٍ فلا يجبُ فيه النيةُ كالنجاسةِ فيقالُ: يستوي جامِدُهُ ومائِعُهُ كالنجاسةِ.
.........................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( القلبُ وهوَ في الأصحَّ دعوى ) المعترض ( أَنَّ ما استدلَّ بهِ ) المستدل ( وصحَّ ) ما استدل به دليل ( عليهِ ) أي على المستدل وإن دل له باعتبار آخر ( في المسألةِ ) المتنازع فيها لا في مسألة أخرى ( فـ ) ـبسبب التقييد بصحة ما استدل به ( يُمْكِنُ معَهُ ) أي مع القلب ( تسليمُ صِحَّتِهِ ) أي صحة ما استدل به كما يمكن عدم تسليم صحته، وقيل: القلب تسليم صحته مطلقا سواء أكان ما استدل به صحيحا في الواقع أم لا، وقيل: هو إفساد له مطلقا وإن كان صحيحا في الواقع، وعلى الأصح من إمكان التسليم مع القلب ( فهوَ ) أي القلب ( مقبولٌ في الأصحِّ ) وهو إما ( معارَضَةٌ عندَ التسليمِ ) لصحة دليل المستدل، فلا يكون القلب حينئذ قادحا، بل يجاب عنه بالترجيح من خارج، وإما اعتراضٌ ( قادِحٌ عندَ عدمِه ) أي عدم تسليم الصحة، وقيل: هو شاهد زور يشهد على القالب وله حيث سلم فيه المعترض الدليل واستدل به على خلاف دعوى المستدل فلا يقبل حينئذ القدح بالقلب ( وهوَ قسمانِ ) القسم ( الأولُ ) القلب ( لتصحيحِ مذهبِ المعترِضِ ) في المسألة ( وإبطالِ مذهبِ المستدلِّ ) فيها سواء أكان مذهب المستدل مصرحا به في الاستدلال أم لا، فالأول ( كما يقالُ ) من جانب المستدل كالشافعي في بيع الفضولي ( عقدٌ بلا ولايةٍ ) عليه ( فلا يصحُّ كالشِّراءِ ) أي كشراء الفضولي فلا يصح لمن سماه ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالحنفي ( عقدٌ فيصحُّ كالشِّراءِ ) أي كشراء الفضولي فيصح له ويلغو تسميته لغيره ( و ) الثاني ( مثلُ ) أن يقول الحنفي المشترط للصوم في الاعتكاف ( لبثٌ فلا يكونُ بنفسِهِ قربةً كوقوفِ عرفَةَ ) فإنه قربة بضميمة الإحرام فكذا الاعتكاف يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم لأنه المتنازع فيه ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالشافعي الاعتكاف ( لبثٌ فلا يشترطُ فيهِ الصومُ كعرفَةَ ) لا يشترط الصوم في وقوفها، ففي هذا إبطال لمذهب الخصم الذي هو اشتراط الصوم ولم يصرح به في الدليل، القسم ( الثاني ) القلب ( لإبطالِ مذهبِ المستدلِّ ) وإبطاله إما ( بصراحةٍ ) كأن يقول الحنفي في مسح الرأس: ( عضوُ وضوءٍ فلا يكفي ) في مسحه ( أقلُّ ما ينطلقُ عليه الاسمُ كالوجهِ ) لا يكفي في غسله ذلك ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالشافعي عضو ضوء ( فلا يقدَّرُ بالربعِ كالوجهِ ) لا يقدر غسله بالربع ( أو بالتزامِ ) كأن يقول الحنفي في بيع الغائب ( عقدُ معاوضةٍ فيصحُّ معَ الجهلِ بالمعوَّضِ كالنكاحِ ) يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالشافعي بيع الغائب عقد معاوضة ( فلا يثبتُ ) فيه ( خيارُ الرؤيةِ كالنكاحِ ) فنفي الثبوت يلزمه نفي الصحة إذ القائل بها قائل بالثبوت فهنا المعترض القالب لم يتعرض فيه لإبطال مذهب المستدل وهو القول بالصحة صريحا بل بطريق الالتزام لأن من قال بها قال بخيار الرؤية فيلزم من انتفاء خيار الرؤية انتفاء الصحة ( ومنهُ ) أي من القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام ( قلبُ المساواةِ فيقبلُ في الأصحِّ ) وهو أن يكون في جهة الأصل حكمان أحدهما منتف عن جهة الفرع باتفاق الخصمين، والآخر متنازع فيه بينهما فإذا أثبته المستدل في الفرع قياسا على الأصل يقول المعترض فيجب التسوية بين الحكمين في جهة الفرع كما في جهة الأصل ( مثلُ ) قول الحنفي في الوضوء والغسل: كل منهما ( طهرٌ بمائعٍ فلا يجبُ فيه النيةُ كالنجاسةِ ) أي إزالتها لا يجب فيها النية بخلاف التيمم يجب فيه النية لأنه طهر بجامد ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالشافعي ( يستوي جامِدُهُ ومائِعُهُ ) أي الطهر ( كالنجاسةِ ) يستوي جامد طهرها ومائعه في جميع أحكامها. وقد وجبت النية في التيمم، فتجب في الوضوء والغسل، وقيل: لا يقبل قلب المساواة، لأن التسوية في جهة الفرع غيرها في جهة الأصل فإن التسوية في الفرع في اشتراط النية وفي الأصل في عدم اشتراط النية، وأجاب الأكثر بأن هذا الاختلاف لا يضر في القياس، لأنه غير مناف لأصل الاستواء في الوصف الذي جعل جامعا وهو الطهارة.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- القول بالموجَب


أولا: ومن قوادح العلة القول بالمُوجَب وهو: تسليم مقتضى دليل المستدل بحيث لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه.
وقد وقع ذلك في القرآن الكريم لما قال المنافقون: ( لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأعزّ منها الأذلَّ ) فرد عليهم سبحانه بقوله: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) أي صحيح ما قالوه من أن الأعز يخرج منها الأذل لكنهم هم الأذل والأعز هو الله ورسوله والمؤمنون فإن كان أحد سيخرج من المدينة فهم.
ثانيا: ويرد القول بالموجب على ثلاثة أنواع:
1- أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه مع أنه ليس كذلك.
مثاله: أن يقال من جانب المستدل كالشافعي في القصاص بقتل المثقل: هو قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القصاص كالإحراق بالنار لاينافي القصاص.
فيقال من جانب المعترض كالحنفي: سلمنا عدم المنافاة بين القتل بالمثقل وبين القصاص لكن لم قلت أن القتل بالمثقل يقتضيه أي القصاص وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل؛ فإن عدم المنافاة لوجوب القصاص لا تقتضي وجوبه الذي هو المتنازع فيه. توضيحه:
إن الشافعي رتب دليله هكذا: القتل بمثقل هو قتل بما يقتل غالبا- والقتل بما يقتل غالبا لا ينافي القصاص- فيجب القصاص بالقتل بمثقل.
فيقول له الحنفي: دليلك مسلم به ولكن نتيجتك غير مسلمة فإن غاية دليلك السابق أن ينتج أن القتل بمثقل لا ينافي القصاص ونحن نسلمه لك فمن أين استنتجت أن القتل بمثقل يوجب القصاص ؟! لأن هنالك فرقا بين عدم منافاته القصاص وبين اقتضائه للقصاص ومحل النزاع ليس عدم المنافاة بل الاقتضاء، فإن كون الشيء لا ينافي الشيء لا يدل على استلزامه له، ألا ترى أن القعود مثلا لا ينافي الكلام، والحلاوة لا تنافي السواد، والبرودة لا تنافي البياض، وليس واحد منها مستلزما للآخر.
ومعنى قولنا: أو ملازمه أي أو ملزوم لمحل النزاع كأن يكون الدليل لا ينتج محل النزاع بل ينتج ما هو ملزوم لمحل النزاع فيكون محل النزاع لازما والنتيجة ملزومة ومعلوم أنه إذا وجد الملزوم وجد اللازم.
أي أن الحنفي يقول إن دليلك لا ينتج محل النزاع ولا شيئا يستلزمه فنحن نقول بدليلك ولا نقول بما توهمته من نتيجة.
2- أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ المعترض في المسألة وليس هو مأخذه.
مثاله: أن يقال من جانب المستدل كالشافعي في القصاص بقتل المثقل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص كما أن المتوسل إليه لا يمنع تفاوته القصاص- التفاوت في وسيلة القتل وغيره يكون باختلاف الآلات من محدد ومثقل وغيرهما، والتفاوت في المتوسل إليه يكون باختلاف المقصود من قتل وغيره كقطع يد فلا خلاف أنه القتل وما دونه يوجب القصاص-.
فيقال من جانب المعترض كالحنفي: سلمنا أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص، ولكن كونه لا يمنع القصاص ليس مستندي في عدم القصاص بالقتل بمثقل، فغاية ما أثبته دليلك هو إبطال مانع واحد أي إبطال كون التفاوت في الوسيلة مانع من القصاص فمن أين لك أنه لا توجد موانع أخرى تمنع القصاص بالقتل بمثقل ومن أين لك أن القتل بمثقل استوفى كل شروط القصاص ووجد فيه مقتضيه، فإنه من المعلوم أن الحكم لا يوجد إلا بوجود مقتضيه وتوفر شروطه وانتفاء موانعه وكل ما أفاده دليلك هو نفي مانع واحد فليس التفاوت في وسيلة القتل هو مأخذ مذهبي في عدم القصاص بمثقل حتى إذا أبطلته أبطلت مذهبي.
وهنا مسألة وهي: أن المعترض لو قال ليس هذا مأخذ مذهبي في الحكم الفلاني فهل يصدق في قوله هذا أو لا ؟
الجواب: يصدق لأن عدالته تمنعه من الكذب ولأنه أعلم بمذهب إمامه.
وقيل: لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه قد يعاند بما قاله، ففي المثال السابق لا يصدق في قوله إن التفاوت في وسيلة القتل ليس مأخذ المسألة بل عليه أن يبين ما هو مأخذه.
3- أن يسكت المستدل عن مقدمة مشهورة مخافة أن يمنعها المعترض، فإذا سكت عنها ورد القول بالموجب من المعترض.
مثاله: أن يقول المستدل على وجوب النية في الوضوء: ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة، ويسكت عن المقدمة الصغرى وهي: الوضوء والغسل قربة لأنه لو صرح بهذا لمنعها الخصم فإنه يقول إن الوضوء والغسل تنظيف للبدن للدخول للقربة.
فحينئذ متى حذف الصغرى يقول المعترض الحنفي: سلمنا أن ما هو قربة يشترط فيه النية ولكن لا أسلم أن الوضوء والغسل قربة.
أما السكوت عن مقدمة مشهورة فلا يرد عليه القول بالموجب لأن المشهورة كالمذكورة.

( شرح النص )​

ومِنها القولُ بالموجَبِ وهوَ تسليمُ الدليلِ معَ بقاءِ النِّزاعِ، كما يقالُ في المثقَّلِ: قتلٌ بما يقتلُ غالبا فلا ينافي القودَ كالإحراقِ، فيقالُ: سلَّمنا عدمَ المنافاةِ لكنْ لمَ قلتَ يقتضيهِ ؟، وكما يقالُ: التفاوتُ في الوسيلةِ لا يمنعُ القودَ كالمتوسُّلِ إليهِ، فيقالُ: مُسلمٌ لكنْ لا يلزمُ من إبطالِ مانعٍ انتفاءُ الموانعِ ووجودُ الشرائطِ والمقتضى، والمختارُ تصديقُ المعترِضِ في قولِهِ: ليس هذا مأخذي، وربما سكتَ المستدِّلُ عن مقدمةٍ غيرِ مشهورةٍ مخافةَ المنعِ فيرِدُ القولُ بالموجَبِ.
.......................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( القولُ بالموجَبِ ) بفتح الجيم أي بما اقتضاه الدليل ولا يختص بالقياس فيشمل النص، وشاهده قوله تعالى: ولله العزة ولرسوله. في جواب: ليخرجنّ الأعز منها الأذل. المحكي عن المنافقين أي صحيح ذلك لكنهم الأذل والله ورسوله الأعز ( وهوَ تسليمُ ) مقتضى ( الدليلِ معَ بقاءِ النِّزاعِ ) بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع وورد ذلك على ثلاثة أنواع: أحدها أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازم له ولا يكون كذلك، والثاني أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم والخصم يمنع أنه مأخذه، والثالث أن يسكت عن مقدمة صغرى غير مشهورة، فالأول ( ما يقالُ في ) القود بقتل ( المثقَّلِ ) من جانب المستدل كالشافعي ( قتلٌ بما يقتلُ غالبا فلا ينافي القودَ كالإحراقِ ) بالنار لا ينافي القود ( فيقالُ ) من جانب المعترض كالحنفي ( سلَّمنا عدمَ المنافاةِ ) بين القتل بالمثقل وبين القود ( لكنْ لمَ قلتَ ) إن القتل بالمثقل ( يقتضيهِ ) أي القود وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل ( و ) الثاني ( كما يقالُ ) في القود بالقتل بالمثقل أيضا ( التفاوتُ في الوسيلةِ ) من آلات القتل وغيره ( لا يمنعُ القودَ كالمتوسُّلِ إليهِ ) من قتل وقطع وغيرهما لا يمنع تفاوته القود ( فيقالُ ) من جانب المعترض: ( مسلمٌ ) أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القود فلا يكون مانعا منه ( لكنْ لا يلزمُ من إبطالِ مانعٍ انتفاءُ الموانعِ ووجودُ الشرائطِ والمقتضي ) وثبوت القود متوقف عل جميعها (والمختارُ تصديقُ المعترِضِ في قولِهِ ) للمستدل ( ليس هذا ) الذي عنيته باستدلالك تعريضا بي من منع التفاوت في الوسيلة للقود ( مأخذي ) في نفي القود؛ لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك ولأنه أعلم بمذهبه، وقيل: لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه قد يعاند بما قاله، والثالث ما ذكرته بقولي ( وربما سكتَ المستدِّلُ عن مقدمةٍ غيرِ مشهورةٍ مخافةَ المنعِ ) لها لو صرح بها ( فيرِدُ ) بسكوته عنها ( القولُ بالموجَبِ ) كما يقال في اشتراط النية في الوضوء والغسل: ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة، ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة، فيقول المعترض: مسلم أن ما هو قربة يشترط فيه النية، لكن لا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل، فإن صرح المستدل بأنهما قربة ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب - أي خرج الإيراد المذكور عن القول بالموجب إذ القول بالموجب تسليم لمقتضى الدليل مع بقاء النزاع بينهما وهذا منع لنفس الدليل - أما المقدمة المشهورة فكالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب
، فالحاصل أن القول بالموجب يتأتى إذا حذفت الصغرى ولم تكن مشهورة، فإن لم تحذف بأن ذكرت في الدليل، أو حذفت وكانت مشهورة فلا يتأتى القول بالموجب.

 
إنضم
14 أغسطس 2016
المشاركات
18
الكنية
أبوعبد البر
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
بسكرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شكرا على هذا الطرح
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- المناسبة- الصلاحية-الانضباط- الظهور- الفرق


أولا: ومن القوادح في العلة ما يلي:
1- القدح في مناسبة الوصف المعلل به الحكم بإبداء مفسدة راجحة أو مساوية، وجوابه يكون ببيان رجحان المصلحة في العلة على المفسدة فيها.
مثاله: أن يقول المستدل: التخلي للعبادة أفضل من الزواج لما في التخلي من تزكية النفس.
فيقول المعترض: إن تلك المصلحة تفوِّت أضعافها كإيجاد الولد وكف النظر وكسر الشهوة.
فيجيب المستدل: بأن تلك المصلحة أرجح مما ذكر لأنها لحفظ الدين، وما ذكر لحفظ النسل.
2- القدح في صلاحية إفضاء الحكم إلى المقصود من تشريعه، وجوابه يكون ببيان إفضائه إلى المقصود.
مثاله: أن يقول المستدل معللا حرمة المحرم بالمصاهرة على التأبيد- كحرمة أم الزوجة-: إن هذا التحريم صالح لأن يفضي إلى منع الزنا بها الذي هو المقصود من تشريع حكم التحريم.
فيقول المعترض: ليس التحريم صالحا للإفضاء إلى منع الزنا بل بالعكس سد باب النكاح يفضي إلى الفجور باعتبار أن النفس تشتهي ما تمنع منه.
فيجيب المستدل: بأن تحريمها المؤبد لسد باب الطمع فيها بحيث تصير غير مشتهاة طبعا كالأم.
3- القدح في انضباط الوصف المعلل به الحكم، وجوابه ببيان انضباطه إما بنفسه وإما بوصف معه يضبطه.
مثال المنضبط بنفسه: أن يقول المستدل: إن علة القصر هي السفر.
فيقول المعترض: إن السفر غير منضبط لكونه يختلف باختلاف وسيلته فتارة يقطع بساعات طوال وتارة يقطع بدقائق.
فيجيب المستدل: إن السفر منضبط بنفسه لأنه عبارة عن قطع مسافة معلومة بغض النظر عن الوقت المستغرق.
ومثال المنضبط بوصف معه: أن يقول المستدل: إن علة القصر هي المشقة.
فيقول المعترض: إن المشقة غير منضبطة لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان.
فيجيب المستدل: إن المشقة منضبطة بحسب سببها وهو السفر وإن لم تكن منضبطة بنفسها.
4- القدح في ظهور الوصف المعلل به الحكم، وجوابه ببيان الظهور.
مثاله: أن يقول المستدل: إن علة انعقاد البيع ونحوه من العقود هو الرضا.
فيقول المعترض: إن الرضا أمر خفي فلا يصح التعليل به.
فيجيب المستدل: إنه ظاهر بصفة تدل عليه وهي الصيغ كـ بعتك وزوجتك واشتريت وقبلت.
ثانيا: ومن قوادح العلة الفَرْق بين الأصل والفرع وهو: إبداء خصوصية في الأصل تكون شرطا للحكم، أو إبداء خصوصية في الفرع مانعة من ثبوت حكم الأصل فيه، أو إبداء خصوصية في الأصل والفرع معا.
مثاله في الأصل: أن يقول الشافعي: النية في الوضوء واجبة قياسا على التيمم بجامع الطهارة عن الحدث.
فيقول المعترض الحنفي: إن العلة في الأصل الذي هو التيمم هي الطهارة بالتراب فهي خاصة بالتيمم.
ومثاله في الفرع: أن يقول الحنفي: يقاد المسلم بالذمي بجامع القتل العمد العدوان.
فيقول المعترض الشافعي: إن الإسلام في الفرع مانع من القود المذكور.
وكذا من باب أولى لو أبدى المعترض خصوصية في الأصل والفرع معا.
وقيل إن الفرق: إبداء الخصوصية في الأصل والفرع معا فقط فله صورة واحدة فلو أبدى فرقا في الأصل فقط أو في الفرع فقط لا يكون فرقا، بخلاف القول الأول فله ثلاث صور.
ثالثا: الفرق يرجع إلى المعارضة في الأصل أو في الفرع أو في الأصل والفرع معا.
إما في الأصل فظاهر إذْ أن المعترض يبدي في الأصل علة أخرى غير ما ذكره المستدل ففي المثال السابق جعل المستدل علة وجوب النية في التيمم هو الطهارة عن الحدث، فجعلها المعترض الطهارة بالتراب عن الحدث، فأضاف قيدا غير موجود في الفرع وهو الوضوء.
وإما في الفرع فلأن المانع من الشيء في قوة المقتضي لنقيضه، فيكون المانع في الفرع وصفا يقتضي نقيض الحكم الذي أثبته المستدل وهذا هو معنى المعارضة في الفرع.
رابعا: جواب الفرق يكون بالمنع كأن يمنع كون الوصف المبدى قيدا في العلة كمنع كون التراب قيدا في طهارة الحدث في المثال الأول، وكأن يمنع كون الوصف المبدى مانعا في الفرع كمنع كون الإسلام مانعا من القصاص في المثال الثاني.
خامسا: يجوز على الأصح تعدد الأصول لفرع واحد بأن يقاس على كل من تلك الأصول لأنه من باب تكثير الأدلة فإذا كان لفرع أصل واحد حصل أصل الظن بإلحاقه به فإن كان له أصلان زادت قوة الظن.
مثاله: قول الحنفي: بضع المرأة كسلعة من سلعها تبيعها لمن شاءت بجامع أخذ المال عوضا عن الكل.
مع أنه قاس هذا الفرع بعينه على أصل آخر فقال: المالكة أمر نفسها تزوج نفسها دون ولي قياسا على الرجل بجامع حاجة كل منهما للتلذذ والنسل. فهذا الفرع الذي هو تزويج الثيب نفسها ألحق بأصلين أحدهما بيع السلعة، والثاني الرجل.
ثم لو أبدى المعترض فرقا بين الأصل والفرع فهل عليه أن يبدي فرقا بين أصل واحد منها أو بين جميعها ؟ قولان للعلماء. ففي المثال السابق لو اعترض على الحنفي فيه فهل يكفي المعترض إبداء الفرق بين واحد منها كأن يفرق بين تزويج المرأة نفسها وبيعها سلعتها بأن تزويجها لنفسها فيه مانع لم يكن في الأصل وهو أن عرضها نفسها للرجال مناف للحياة وصيانة المرأة نفسها بخلاف بيعها سلعتها، أو لا بد أن يفرق بين الأصلين أعني بيعها سعتها والرجل؟ قولان.
ثم لو أبدى المعترض الفرق بين الأصلين فهل على المستدل إذا أراد أن يجيب اعتراضه أن يجيب على الاعتراض الموجّه على كل من الأصلين أو يكفيه دفع الاعتراض عن أصل واحد ؟ قولان. ففي المثال السابق لو قاس الحنفي تزويج المرأة نفسها ببيعها سلعتها وبالرجل، فاعترض عليه الشافعي بإبداء فرق بين تزويج المرأة نفسها وبين كل من الأصلين، فهل على الحنفي في جواب الاعتراض أن يمنع الفرق بين كل من الأصلين أو بين واحد منهما ؟ قولان.

( شرح النص )​

ومِنها القدحُ في المناسَبَةِ، وفي صلاحيَّةِ إفضاءِ الحكمِ إلى المقصودِ، وفي الانضباطِ، وفي الظهورِ، وجوابُهُ بالبيانِ، ومِنها الفرقُ، والأصحُّ أنَّهُ معارضَةٌ بإبداءِ قيدٍ في علّةِ الأصلِ أو مانعٍ في الفرعِ أو بِهما وأَنَّهُ قادِحٌ، وجوابُهُ بالمنعِ، وأَنَّهُ يجوزُ تعدُّدُ الأصولِ، فلو فرَّقَ بينَ الفرعِ وأصلٍ منها كفى في الأصحِّ وفي اقتصارِ المستدِّلِ على جوابِ أصلٍ قولانِ.
................................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( القدحُ في المناسَبَةِ ) للوصف المعلل به الحكم ( وفي صلاحيَّةِ إفضاءِ الحكمِ إلى المقصودِ ) من شرعه ( وفي الانضباطِ ) للوصف المذكور ( وفي الظهورِ ) له بأن ينفي كلا من الأربعة بأن يبدي في أوّلها مفسدة راجحة أو مساوية لما مر من أنها تنخرم بذلك، ويبين في ثانيها عدم الصلاحية للافضاء، وفي ثالثها عدم الانضباط، وفي رابعها عدم الظهور ( وجوابُهُ ) أي القدح بشيء منها ( بالبيانِ ) لكل منها: الأول بيان رجحان المصلحة على المفسدة، كأن يقال التخلي للعبادة أفضل من النكاح لما فيه من تزكية النفس فيعترض بأن تلك المصلحة تفوّت أضعافها كإيجاد الولد وكف النظر وكسر الشهوة، فيجاب بأن تلك المصلحة أرجح مما ذكر لأنها لحفظ الدين وما ذكر لحفظ النسل، والثاني ببيان إفضاء الحكم إلى المقصود كأن يقال تحريم المحرم بالمصاهرة مؤبدا صالح لأن يفضي إلى عدم الفجور بها المقصود من شرع التحريم، فيعترض بأنه ليس صالحا لذلك بل للافضاء إلى الفجور لأن النفس مائلة إلى الممنوع، فيجاب بأن تحريمها المؤبد لسد باب الطمع فيها بحيث تصير غير مشتهاة كالأم، والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه يضبطه كالسفر للمشقة، والرابع ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل صحة العقود بالرضا فيعترض بأن الرضا أمر خفي فلا يعلل به، فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة ( ومِنها ) أي من القوادح ( الفرقُ ) بين الأصل والفرع ( والأصحُّ أنَّهُ معارضَةٌ بإبداءِ قيدٍ في علّةِ ) حكم ( الأصلِ أو ) إبداء ( مانعٍ في الفرعِ ) يمنع من ثبوت حكم الأصل فيه ( أو بِهما ) أي بالابداءين معا، وقيل: الفرق هو الثالث فقط- أي معارضة بالإبدائين معا فقط حتى لو اقتصر على أحدهما لا يكون فرقا- مثاله على الشق الأول أن يقول الشافعي تجب النية في الوضوء كالتيمم بجامع الطهارة عن حدث، فيعترض الحنفي بأن العلة في الأصل الطهارة بالتراب، وعلى الثاني أن يقول الحنفي يقاد المسلم بالذميّ كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض الشافعي بأن الإسلام في الفرع مانع من القود، وعلى الثالث أن يعارض بالابداءين معا ( و ) الأصح ( أنَّهُ ) أي الفرق ( قادحٌ ) في العلة، وقيل: ليس بقادح ( وجوابُهُ ) أي الفرق ( بالمنعِ ) كأن يمنع كون الوصف المبدى في الأصل جزءا من العلة، ويمنع كون الوصف المبدى في الفرع مانعا من الحكم ( و ) الأصح ( أَنَّهُ يجوزُ تعدُّدُ الأصولِ ) لفرع واحد بأن يقاس عليها لقوّة الظن بالتعدد، وصححه ابن الحاجب وغيره، وقيل: يمتنع تعددها وصححه الأصل ( فلو فرَّقَ ) المعترض ( بين الفرعِ وأصلٍ منها كفى ) في القدح فيها ( في الأصحِّ ) وقيل: لا يكفي ( وفي اقتصارِ المستدِّلِ على جوابِ أصلٍ ) واحد منها، وقد فرق المعترض بين جميعها ( قولانِ ) أحدهما: يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها، والثاني لا يكفي لأنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه، وهذا هو الأوجه.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السابع عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- فساد الوضع


أولا: ومن قوادح العلة فساد الوضع وهو: أن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه.
وهو على وجوه:
1- استنتاج حكم على وجه التخفيف من دليل يقتضي التغليظ.
مثاله: قول الحنفية في تعليل نفي الكفارة عن القتل العمد: القتل جناية عظيمة فلا تجب فيه كفارة كالردة.
والاعتراض عليه بأن عظم الجناية يستوجب تغليظ الحكم لا تخفيفه.
2- استنتاج حكم على وجه التوسيع من دليل يقتضي التضييق.
مثاله: قول الحنفية الزكاة وجبت على وجه الارتفاق لدفع حاجة المسكين، فكانت على التراخي كالدية على العاقلة.
والاعتراض عليه بأن دفع الحاجة يقتضي التضييق بإيجاب الفورية، لا التوسيع بتراخي دفعها.
3- استنتاج الإثبات من دليل يدل على النفي.
مثاله: أن يقول من يرى صحة انعقاد البيع بالمعاطاة- أي بدون صيغة الإيجاب والقبول-: هو بيع لم توجد فيه صيغة فينعقد كما ينعقد في الامور المحقرة.
فيقول المعترض: انتفاء الصيغة يناسب انتفاء الانعقاد لا إثباته.
4- استنتاج النفي من دليل يدل على الإثبات.
مثاله: أن يقول من يرى عدم انعقاد بيع المحقرات بالمعاطاة: هو بيع لم يوجد فيه سوى الرضا فلا ينعقد قياسا على غير المحقرات.
فيقول المعترض: وجود الرضا يناسب الانعقاد لا انتفائه.
5- أن يكون الجامع بين الأصل والفرع في قياس المستدل قد ثبت بنص أو إجماع في نقيض الحكم الذي استنتجه المستدل.
مثال ما ثبت نقيضه بنص: قول الحنفي: الهرة سبع ذو ناب فيكون سؤرها نجسا كالكلب.
فيقال: إن الشارع اعتبر السبعية علة للطهارة لا للنجاسة، كما في الحديث الذي رواه الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم دُعِي إلى دار فيها كلب فامتنع، وإلى أخرى فيها سنور فأجاب. فقيل له في ذلك فقال: السنور سبع.
ومثال ما ثبت نقيضه بإجماع: قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء: مسح فيستحب تكراره كالاستجمار حيث يستحب الإيتار فيه.
فيقال: المسح على الخف لا يستحب تكراره بالإجماع. فجعل المسح جامعا ببين مسح الرأس والمسح بالأحجار فاسد؛ لأنه ثبت بالإجماع عدم استحباب تكرار مسح الخف. ونفي الاستحباب نقيض الاستحباب كما هو واضح.
ثانيا: جواب فساد الوضع يكون بتقرير كون دليل المستدل صالحا لترتيب الحكم عليه.
كأن يكون له جهتان يناسب بأحدهما التوسيع ويناسب بالأخرى التضييق فينظر المستدل فيه من إحداهما وينظر المعترض من الأخرى، كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة في المثال الثاني فإن المستدل نظر إلى جهة الرفق بالمالك والتسهيل عليه المناسب له التراخي، والمعترض نظر إلى دفع حاجة المستحقين المناسب له الفور والتضييق.
ويجاب عن الكفارة في القتل في المثال الأول بأنه غلظ فيه القود فلا يغلظ فيه بالكفارة أي فلم يتلق التغليظ من التخفيف بل من التغليظ؛ إذ المتلقى من القتل العمد العدوان هو وجوب القود لا نفي وجوب الكفارة، فالمتلقى من التغليظ تغليظ مثله.
ويجاب عن المعاطاة في المثال الثالث بأن الانعقاد بالمعاطاة مرتب على الرضا لا على عدم الصيغة أي فالثبوت المذكور وهو الانعقاد متلقى ومستنتج من ثبوت مثله وهو المعاطاة لا من نفي الصيغة.
ويجاب عن المعاطاة فى المثال الرابع بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضا أي فالمتلقى نفي عن نفي مثله لا عن إثبات كما توهم المعترض.
ويجاب عن كون الجامع بين الأصل والفرع في قياس المستدل قد ثبت بنص أو إجماع في نقيض الحكم بثبوت اعتبار الجامع في ذلك الحكم الذي قال المعترض أنه معتبر في نقيض الحكم ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع موجود في أصل المعترض.
كما في مثال مسح الخف فإن الجامع بين مسح الرأس ومسح الأحجار هو المسح وهو معتبر في التكرار وإنما تخلف عن مسح الخف لمانع وهو إن تكراره يفسد الخف.

( شرح النص )​

ومِنها فسادُ الوضعِ بأنْ لا يكونَ الدليلُ صالحًا لترتيبِ الحكمِ، كتلقِّي التخفيفِ مِن التغليظِ، والتوسيعِ من التضييقِ، والإثباتِ مِن النفي، وثبوتِ اعتبارِ الجامعِ بنصٍ أو إجماعٍ في نقيضِ الحكمِ، وجوابُهُ بتقريرِ نفيهِ.
.......................................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( فسادُ الوضعِ بأنْ لا يكونَ الدليلُ صالحًا لترتيبِ الحكمِ ) عليه كأن يكون صالحا لضد ذلك الحكم أو نقيضه ( كتلقِّي ) أي استنتاج ( التخفيفِ مِن التغليظِ، والتوسيعِ من التضييقِ، والإثباتِ مِن النفي ) وعكسه وهو تلقي النفي من الإثبات ( وثبوتِ اعتبارِ الجامعِ ) في قياس المستدل ( بنصٍ أو إجماعٍ في نقيضِ الحكمِ ) أو ضده في ذلك القياس، فالأول وهو تلقي التخفيف من التغليظ كقول الحنفية: القتل عمدا جناية عظيمة لا يجب له كفارة كالردة، فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة، والثاني كقولهم: الزكاة وجبت على وجه الارتفاق لدفع الحاجة، فكانت على التراخي كالدية على العاقلة، فالتراخي الموسع لا يناسب دفع الحاجة المضيق، والثالث كأن يقال في المعاطاة في غير المحقر: لم يوجد فيها مع الرضا صيغة فينعقد بها البيع كما في المحقر، على القول بانعقاده بها فيه، فعدم الصيغة يناسب عدم الانعقاد لا الانعقاد، والرابع كأن يقال في المعاطاة في المحقر: وجد فيها الرضا فقط فلا ينعقد بها بيع كغير المحقر، فالرضا الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه، والخامس في الجامع ذي النص قول الحنفية: الهرة سبع ذو ناب فسؤره نجس كالكلب، فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له، فقال: السنور سبع. رواه الإمام أحمد وغيره، وفي الجامع ذي الاجماع قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء: مسح فيسن تكراره كالاستجمار حيث يسن الإيتار فيه، فيقال: المسح في الخف لا يسن تكراره إجماعا فيما قيل ( وجوابُهُ ) أي فساد الوضع ( بتقريرِ نفيهِ ) عن الدليل بأن يقرر كونه صالحا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحداهما التوسيع وبالأخرى التضييق فينظر المستدل فيه من إحداهما، والمعترض من الأخرى كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة، ويجاب على الكفارة في القتل بأنه غلظ فيه بالقود فلا يغلظ فيه بالكفارة، وعن المعاطاة في الثالث بأن الانعقاد بها مرتب على الرضا لا على عدم الصيغة، وعن المعاطاة في الرابع بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضا، وعن ثبوت اعتبار الجامع بقسميه ذي النص والإجماع في نقيض الحكم بثبوت اعتباره في ذلك الحكم، ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع في أصل المعترض كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله.

 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثامن عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- فساد الاعتبار


أولا: ومن قوادح العلة فساد الاعتبار وهو: أن يخالف دليل المستدل نصا أو إجماعا.
مثال ما يخالف النص: أن يقال: لا يصح القرض في الحيوان، لعدم انضباطه فهو كالأشياء المخلوطة من المعاجين ونحوها مما يجهل مقدار الأجزاء المتباينة فيها.
فيقول من يرى جوازه: هذا معترض بما ثبت في صحيح مسلم: من أنه صلى الله عليه وسلم استلف بَكرا ورد رَباعيًّا. أي اقترض ثنيا من الإبل أتم خمس سنين ودخل في السنة السادسة فردّ بدله بعيرا دخل في السنة السابعة.
ومثال ما يخالف الإجماع: أن يقال: لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته الميتة، لحرمة النظر إليها كالأجنبية.
فيقال: هذا مخالف للإجماع السكوتي على أن عليا غسل فاطمة رضي الله عنهما ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة. رواه الشافعي في الأم.
ثانيا: فساد الاعتبار أعم من وجه من فساد الوضع يجتمعان حيث لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه مع معارضة نص أو إجماع له، وينفرد فساد الوضع حيث لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه ولا يعارضه نص ولا إجماع، وينفرد فساد الاعتبار حيث يكون الدليل مخالفا لنص أو إجماع مع كونه في نفسه صالحا لترتيب الحكم عليه.
ثالثا: للمعترض بفساد الاعتبار أن يجمع بينه وبين منع مقدمة أو أكثر من مقدمات دليل المستدل وحينئذ له تقديم الاعتراض بفساد الاعتبار على المنع وله تأخيره عنه، إذْ لا مانع من ذلك، وبما أن الاعتراض بفساد الاعتبار أقوى بسبب دليل النص أو الإجماع فإذا قدمه عليه يكون من باب تأييد النقل بالعقل، وإذا قدم المنع فيكون من باب تأييد العقل بالنقل.
مثاله: ما لو قيل: لا يحرم الربا في البر لأنه مكيل كالجبس.
فيقول له المعترض: لا نسلم أن الكيل علة لعدم حرمة الربا لوجوده في الأرز مع أنه ربوي، ثم ما اقتضاه دليلك من عدم حرمة الربا في البر مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم البر بالبر.. حديث مسلم. فهذا منع مقدم على فساد الاعتبار.
أو يقول له المعترض: ما اقتضاه دليلك من عدم حرمة الربا في البر مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: البر بالبر.. الحديث، ولا نسلم أن الكيل علة عدم حرمة الربا.
رابعا: جواب الاعتراض بفساد الاعتبار يكون بمثل:
1- الطعن في سند النص بما يضعفه كالإرسال والوقف والانقطاع.
2- معارضة النص الذي أورده المعترض بنص آخر، فيتساقط النصان ويسلم الذي أورده المستدل أولا.
3- بيان أن النص الذي أورده المعترض غير ظاهر فيما أراده المعترض.
4- تأويله النص الذي أورده المعترض.
5- الطعن في ثبوت الإجماع.

( شرح النص )​

ومِنها فسادُ الاعتبارِ بأَنْ يُخالِفَ نصًّا أَو اجماعًا، وهوَ أعمُّ مِن فسادِ الوضعِ، ولهُ تقديمُهُ على المنوعاتِ وتأخيرُهُ عنهُ، وجوابُهُ كالطَّعنِ في سندِهِ، والمعارضةِ، ومنعِ الظهورِ والتأويلِ.
.................................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( فسادُ الاعتبارِ بأَنْ يُخالِفَ ) الدليل ( نصًّا ) من كتاب أو سنة ( أَو اجماعًا ) كأن يقال في وجوب تبييت النية في أداء الصوم الواجب: صوم واجب فلا يصح نيته من النهار كقضائه، فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى: والصائمين والصائمات.. الآية. فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من الخصال المذكورة من غير تعرض للتبييت فيه، وذلك مستلزم لصحته بدونه- قال الشيخ الدبان في الشرح الجديد: كذا قالوا!. وفيه أن ذلك ليس مخالفا للآية أصلا؛ لأنها ليست مسوقة لبيان أحكام الصوم بل لبيان أجر الصائمين. ولا يؤخذ منها ما يقتضي التبييت أو عدمه. اهـ - وكأن يقال: لا يصح قرض الحيوان لعدم انضباطه كالمختلطات، فيعترض بأنه مخالف لخبر مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلّم استسلف بكرا وردّ رباعيا. وقال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء. والبكر بفتح الباء الصغير من الإبل، والرباعي بفتح الراء ما دخل في السنة السابعة، وكأن يقال: لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته الميتة لحرمة النظر إليها كالأجنبية، فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل عليّ فاطمة رضي الله عنهما ( وهوَ ) أي فساد الاعتبار ( أعمُّ مِن فسادِ الوضعِ ) من وجه لصدق فساد الاعتبار فقط بأن يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه، وصدق فساد الوضع فقط بأن لا يكون الدليل كذلك، ولا يعارضه نص ولا إجماع، وصدقهما معا بأن لا يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إجماع له ( ولهُ ) أي للمعترض بفساد الاعتبار ( تقديمُهُ على المنوعاتِ ) الواردة على مقدمات الدليل ( وتأخيرُهُ عنها ) لمجامعته لها من غير مانع من تقديمه وتأخيره ( وجوابُهُ كالطَّعنِ في سندِهِ ) أي سند النص أو سند الإجماع المنقول بإرسال أو غيره كالقطع والوقف ( والمعارضةِ ) للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل المستدل ( ومنعِ الظهورِ ) له في مقصد المعترض كاستدلاله بقوله تعالى: والصائمين والصائمات. فإنه ليس ظاهرا فى عدم وجوب تبييت النية الذي هو مقصود المعترض ( والتأويلِ ) له بدليل.
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا، قلنا إن المجتهد يعمل بالعام قبل البحث عن مخصص. أحسب أنه لا يعني أن المجتهد إذا وجد لفظًا عامّا لم ينظر إلى سواه ولا إلى أقوال الفقهاء فيه بل يعمل بمقتضى العام فقط؟

أحسن الله إليكم.

قطعا ليس المقصود هذا.


فإذا قلنا إنه لا يعمل بالعام قبل أن يبحث عن مخصص من الأدلة الموجودة عنده وينظر هل وجد غيره مخصصاً له فما المراد بقولنا يعمل بالعام قبل البحث؟

وقد تأخرت جدّا في متابعة الدرس من أجل سفر طويل لا أزال فيه فأرجو المسامحة.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا )
أو انتفاءُ الحكمِ
أو فقدُ الشرطِ
ثانيا: قلنا أيضا إن للمستدل في جواب النقض منع انتفاء الحكم وحينئذ فإذا أراد المعترض أن يرد عليه فعليه أن يكتفي بالمنع كأن يقول: لا أسلم ذلك كيف والحكم غير ثابت، ولكن هل له الاستدلال على انتفاء الحكم ؟ المختار لا لأنه يؤدي إلى الانتقال.
مثاله: إذا قال المستدل إن الحكم غير منتف عن العلة في صورة النقض، كأن يقول في المثال السابق: بل الرمان ربوي، فليس للمعترض أن يورد دليلا على أن الرمان غير ربوي لأنه يؤدي إلى الانتقال فيكتفي بالمنع.
موجود في التفاح فإنه يدار بالفم ويمضغ
كأن قال المستدل: إن علة الربا في البر هو الطعم، والدليل على كون البر مطعوما هو أنه يدار في الفم ويمضغ، فيقول المعترض: ما ذكرت من علية الطعم ينتقض بالرمان، فإنه مطعوم وليس ربويا، فيقول المستدل: لا أسلم أن الرمان مطعوم، فليس للمعترض أن يقول: ما ذكرت من الدليل على مطعومية البر موجود في التفاح فإنه يدار بالفم ويمضغ، وعليه ينتقض دليلك
غير مناسب
كان له أجرًا.
فإنَّ ثبتَ مقابِلُهُ
إثبات في وجوب أداء صلاة ( الخوفِ )
أو لا يُبْدَّلُ فلا يبقى

زوجت نفسها بغير كف فلا يصح، كما لا يصح لو زوجها وليها بغير كف
كالطيّرِ في الهواءِ
لكنَّهُ مضطَّرٌ لذكرِهِ لئلا ينتقضَ ما علَّلِ بهِ بالرجمِ
الجمعةُ صلاةٌ ضروريةٌ
مناسَبةِ الوصفِ ) الذاتية للحكمم
وقياس المعنى الذي علته منصوصة أو مستنبطةة مجمع
القسم الأوّل عدم التأثيرر ( في الوصفِ
أي عدم مناسبتهه الذاتية كقول
فلا يقدم أذانها كالمغرب فعدمم القصر
وحاصله معارضته في الأصلل بإبداء
لأن من نفي الضمان في إتلاف المرتد مال المسلم كالحنفية نفاهه
ومن أثبته كالشافعية أثبته وإن لم يكن الإتلافف بدار الحرب
من الأقسام لأنن المعترض يطالب المستدل
( و ) الضربب الثاني
على الأصحِّ فائدةٌٌ ضروريةٌ
( مُضْطَرُّ لذكرِهِ لئلا ينتقِضَ ما علَّلَ بهِ ) لو لم يذكر فيه ( بالرجمِ ) للمحصن فإنه عبادةة
فإنَّ ) قولهم (مفروضةً
وهو الجمعة ( مِنََ الأصلِ )
( و ) القسم الرابع عدم التأثير ( فيي الفرعِ )
( و ) يعلم من قوله بعد قليل في الفرض: والأصح جوازه
هو تزويجها نفسها بغير كفؤ
في جميع صور المدعي
( والأصحُّ جوازُهُ ) أي الفرض فقد لا يساعده الدليل في كلل الصور
فيستفيد بالفرض غرضاا صحيحا
والحكمان اللذان ثبتا
وهوَ في الأصحَّ:
أو بالتزامِ: عقدُ
كالشافعي عضو وضوء ( فلا يقدَّرُ
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس التاسع عشر بعد المائة- القياس

قوادح العلة- منع علية الوصف


أولا: ومن قوادح العلة منع عليّة الوصف أي منع كون الوصف الذي ذكره المستدل علة للحكم.
وهذا يسمى بالمطالبة أي المطالبة بتصحيح العلة.
والأصح أنه مقبول؛ إذْ لو لم يقبل لأدى ذلك إلى تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف لأمنه حينئذ من أن يمنع من قبل المعترض.
وقيل: لا يقبل.
وجواب منع علية الوصف يكون بإثبات كونه علة بمسلك من مسالك العلة المتقدمة.
مثاله: أن يقول المستدل: يحرم الربا في الأرز قياسا على البر بجامع الطعم.
فيقول المعترض: لا أسلم أن العلة هي الطعم.
فيقول المستدل: ثبتت عليّة الطعم بقوله صلى الله عليه وسلم: الطعام بالطعام مثلا بمثل... الحديث رواه مسلم.
ثانيا: المنع المطلق أي غير المقيد بمنع العلة بل هو أعم يشمل ما يلي:
1- منع وصف العلة أي منع أن هذا الوصف معتبر في العلة، وجوابه ببيان اعتبار الخصوصية أي خصوصية الوصف فيها.
مثاله: أن يقال في الاستدلال على عدم الكفارة في غير الجماع من مفسدات الصوم كالأكل: الكفارة شرعت للزجر عن الجماع المحذور في الصوم فوجب اختصاص الكفارة بالصوم كالحد فإنه شرع للزجر عن الجماع زنًا وهو مختص بذلك.
فيقول المعترض: لا أسلم أن الكفارة شرعت للزجر عن الجماع بخصوصه بل هي للزجر عن الإفطار بعمومه.
فيقول المستدل: إن الشارع رتّب الكفارة على الوقاع حيث أجاب من قال إنه واقع زوجته: اعتق رقبة كما مرّ.
وهنا تنبيهان: الأول: كأن المعترض باعتراضه المذكور ينقّح المناط بحذف خصوص الوصف الذي هو الجماع عن الاعتبار والمستدل يحقّق المناط ببيان اعتبار خصوصية الوصف في المسألة، فيقدم لأن تحقيق المناط يرفع النزاع.
وإنما قلنا ( كأنّ ) لأن الاعتراض المذكور ليس من تنقيح المناط حقيقة؛ لأن تنقيح المناط كما تقدم حاصله الاجتهاد في حذف بعض الأوصاف وتعيين الباقي للعلية، وليس هنا اجتهاد ولا تعيين بل منع وصف العلة فقط، وكذا ليس من تحقيق المناط حقيقة لأن تحقيق المناط كما تقدم إثبات العلة في صورة من صورها، فحاصله أن العلة المعلومة مسلمة ولكن قد يخفى وجودها في بعض الصور فيبين المستدل وجودها في ذلك البعض كبيانه أن السرقة التي هي أخذ المال خفية من حرز مثله وهي علة القطع موجودة في النباش، وما نحن فيه هنا ليس كذلك.
التنبيه الثاني الفرق بين منع علية الوصف ومنع وصف العلة أن الأول هو منع للوصف بتمامه أن يكون علة، بينما الثاني هو منع وصف مخصوص من العلة أن يكون له مدخل في العلية كما في المثال المتقدم فإن الموجب
للكفارة عند المستدل الإفطار بالجماع، وعند المعترض الإفطار فحذف الجماع.
2- منع حكم الأصل الذي قاس عليه المستدل.
مثاله: أن يقول الحنفي: الإجارة عقد على منفعة فتبطل بالموت كما يبطل النكاح بالموت.
فيقول المعترض: لا نسلم حكم الأصل إذْ النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي به، كما تنتهي الصلاة بالفراغ منها.
والأصح أن منع حكم الأصل مسموع، وقيل: غير مسموع لأنه لم يعترض على المقصود الذي هو ثبوت الحكم للفرع.
والأصحّ أن المستدل لا ينقطع بمنع الحكم لأنه منع مقدمة من مقدمات القياس فللمستدل إثباته بالدليل كسائر المقدمات.
وقيل: ينقطع ويفحم لانتقاله من إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إلى غيره وهو حكم الأصل.
والأصح أنه إن أتى المستدل بدليل على حكم الأصل فيحق للمعترض أن يعود فيعترض على دليله فقد لا يكون صحيحا.
وقيل: لا يحق له ذلك لخروجه باعتراضه عن المقصود وهو الاعتراض على حكم الأصل إلى غيره وهو الاعتراض على الدليل مما يؤدي إلى انتشار البحث.
ثالثا: المنوع التي قد يلجأ إليها المعترض سبعة أنواع مترتب بعضها على بعض يتعلق بعضها بحكم الأصل والبعض بالعلة.
مثاله: أن يقول المستدل: النبق ربوي لعلة الكيل كالتمر.
فيقول المعترض: لا نسلم أن التمر ربوي، سلمنا ربويته لكن لا نسلم أن هذا الحكم من الأحكام التي يجري فيها القياس- لأن هنالك بعض الأنواع لا تقبل القياس عند بعض العلماء كالحدود والكفارات فقد يكون المستدل ممن يذهب لهذا- سلمنا ذلك لكن لا نسلم أن حكم الأصل معلل لم لا يكون تعبديا لا علة له، سلمنا أنه معلل ولكن لا نسلم أن علته الكيل لم لا يكون الطعم، سلمنا أن العلة الكيل ولكن لا نسلم وجودها في التمر، سلمنا وجود العلة المذكورة في الأصل وهو التمر لكن لا نسلم أنها متعدية لغيره لم لا يقال إن الوصف المذكور قاصر على التمر، سلمنا التعدية للعلة المذكورة وهي الكيل ولكن لا نسلم وجودها في الفرع الذي هو النبق.
فالمنوعات الثلاثة الأولى ( لا نسلم ) متعلقة بحكم الأصل، والبقية متعلقة بالعلة.
ويجيب المستدل على الاعتراض بتلك المنوعات بما عرف من طرق الدفع المتقدمة هذا إن أراد أن يجيب عنها كلها وإلا له ان يكتفي بالجواب عن الأخير فقط لأن الأخير مبني على تسليم المستدل ما قبله فإذا أثبت وجود الكيل في النبق تم له مراده.
فبسبب جواز تعدد المنوع يجوز إيراد اعتراضات من نوع واحد اتفاقا كالنقوض أو المعارضات في الأصل أو الفرع، وكذا يجوز إيراد اعتراضات من أنواع مختلفة في الأصح سواء ترتبت بحيث يستدعي تاليها تسليم ما قبله أم لا.
مثال الاعتراضات المترتبة من نوع واحد: أن يقال ما ذكرتَ أنه العلة منقوض بكذا، ولئن سلم فهو منقوض بكذا.
ومثال الاعتراضات غير المترتبة من نوع واحد: أن يقال ما ذكرت أن العلة منقوض بكذا ومنقوض بكذا.
ومثال الاعتراضات المترتبة من أنواع مختلفة: أن يقال ما ذكرت من الوصف أنه علة غير موجود في الأصل، ولئن سلم فهو معارض بكذا.
ومثال الاعتراضات غير المترتبة من أنواع مختلفة: أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غير مؤثر لكذا.
وقيل: لا يجوز إيراد اعتراضات من أنواع مختلفة مطلقا، وقيل: يجوز إيرادها إن كانت غير مترتبة فقط.

( شرح النص )​

ومِنها منعُ عِلِّيَّةِ الوصفِ وتُسمَّى المطالبةَ، والأصحُّ قَبولُهُ وجوابُهُ بإثباتِها، ومِنَ المنعِ منعُ وصفِ العلَّةِ كقولِنا في إفسادِ الصومِ بغير جماعٍ: الكفَّارةُ للزَّجْرِ عنِ الجماعِ المحذورِ في الصومِ فوجبَ اختصاصُها بهِ كالحدِّ، فيقالُ: بلْ عنِ الإفطارِ المحذورِ فيهِ، وجوابُهُ ببيانِ اعتبارِ الخصوصِيَّةِ، وكأنَّ المعترضَ يُنَقِّحُ المناطَ والمستدِلَ يُحَقِّقُهُ، ومنعُ حكمِ الأصلِ، والأصحُّ أنَّهُ مسموعٌ، وأنَّ المستدِلَّ لا ينقطِعُ بهِ، وأنَّهُ إنْ دلَّ عليهِ لمْ ينقطعْ المعترِضُ بلْ لهُ أَنْ يعترِضَ، وقدْ يقالُ لا نسلِّمُ حكمَ الأصلِ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ أنه مما يقاسُ فيهِ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ أنَّهُ مُعَلَّلٌ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ أنَّ هذا الوصفَ عِلَّتُهُ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ وجودَهُ فيهِ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ أنَّهُ متعَدٍّ، سلَّمنا ولا نسلِّمُ وجودَهُ بالفرعِ، فيجابُ بالدَّفعِ بما عُرِفَ من الطُّرُقِ، فيجوزُ إيرادُ اعتراضاتٍ من نوعٍ، وكذا مِنْ أنواعٍ في الأصحِّ وإنْ كانتْ مُتَرَتِّبَةً.
.........................................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( منعُ عِلِّيَّةِ الوصفِ ) أي منع كونه العلة ( وتُسمَّى ) منع علية الوصف ( المطالبةَ ) أي المطالبة بتصحيح العلة، وهو المتبادر عند إطلاق المطالبة في كلام الأصوليين أما إذا إريد غير هذا المعنى قيّد فيقال: المطالبة بكذا ( والأصحُّ قَبولُهُ ) أي قبول القدح به وإلا لأدى حال المناظرة إلى تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف لأمنه المنع، وقيل: لا يقبل قوله لا أسلم كذا بل عليه أن ياتي بقادح من القوادح ( وجوابُهُ بإثباتِها ) أي العلية بمسلك من مسالك العلة المتقدمة ( ومِنَ المنعِ ) المطلق أي غير المقيد بمنع العلة ( منعُ وصفِ العلَّةِ ) أي منع اعتباره فيها وهو مقبول جزما بلا خلاف ( كقولِنا في إفسادِ الصومِ بغير جماعٍ ) كأكل من غير كفارة ( الكفَّارةُ ) شرعت ( للزَّجْرِ عنِ الجماعِ المحذورِ في الصومِ فوجبَ اختصاصُها بهِ كالحدِّ ) فإنه شرع للزجر عن الجماع زنا وهو مختص بذلك ( فيقالُ ) لا نسلم أنها شرعت للزجر عن الجماع بخصوصه ( بلْ عنِ الإفطارِ المحذورِ فيهِ ) أي في الصوم بجماع أو غيره ( وجوابُهُ ) أي الاعتراض المذكور ( ببيانِ اعتبارِ الخصوصِيَّةِ ) أي خصوصية الوصف في العلة كأن يبين اعتبار الجماع في الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب بها من سأله عن جماعه كما مرّ ( كأنَّ المعترِضَ ) بهذا الاعتراض ( يُنَقِّحُ المناطَ ) بحذف خصوص الوصف عن اعتباره في العلة ( والمستدِلَ يُحَقِّقُهُ ) ببيان اعتبار خصوصية الوصف فيقدم لرجحان تحقيق المناط فإنه يرفع النزاع ( و ) من المنع المطلق ( منعُ حكمِ الأصلِ، والأصحُّ أنَّهُ مسموعٌ ) كمنع وصف العلة كأن يقول الحنفي: الإجارة عقد على منفعة، فتبطل بالموت كالنكاح، فيقال له: لا نسلم حكم الأصل، إذ النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي به كما تنتهي الصلاة مثلا بالفراغ منها وليس ذلك إبطالا لها، وقيل: غير مسموع لأن لم يعترض المقصود الذي هو ثبوت حكم الفرع ( و ) الأصح ( أنَّ المستدِلَّ لا ينقطِعُ بهِ ) أي بمنع الحكم لأنه منع مقدمة من مقدمات القياس، فله إثباته كسائر المقدمات وقيل: ينقطع للانتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إلى غيره ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي المستدل ( إنْ دلَّ ) أي استدل ( عليهِ ) أي على حكم الأصل بدليل ( لمْ ينقطعْ المعترضُ ) بمجرد ذلك ( بلْ لهُ أنْ يعترضَ ) ثانيا الدليل، لأنه قد لا يكون صحيحا، وقيل: ينقطع فليس له أن يعترض لخروجه باعتراضه عن المقصود وهو الاعتراض على حكم الأصل إلى غيره وهو الاعتراض على الدليل ( وقدْ يقالُ ) من طرف المعترض في الاتيان بمنوع مترتبة ( لا نسلِّمُ حكمَ الأصلِ، سلَّمنا ) ه ( ولا نسلِّمُ أنه مما يقاسُ فيهِ ) لجواز كونه نوعا مما اختلف في جواز القياس فيه والمستدل لا يراه ( سلَّمنا ) ذلك ( ولا نسلِّمُ أنَّهُ مُعَلَّلٌ ) لجواز كونه تعبديا ( سلَّمنا ) ذلك ( ولا نسلِّمُ أنَّ هذا الوصفَ عِلَّتُهُ ) لجواز كونها غيره ( سلَّمنا ) ذلك ( ولا نسلِّمُ وجودَهُ فيهِ ) أي وجود الوصف في الأصل ( سلَّمنا ) ذلك ( ولا نسلِّمُ أنَّهُ ) أي الوصف ( متعَدٍّ ) لجاز كونه قاصرا ( سلَّمنا ) ذلك ( ولا نسلِّمُ وجودَهُ بالفرعِ ) فهذه سبعة منوع تتعلق الثلاثة الأولى منها وهى منع حكم الأصل، وكونه مما لايقاس في، وكونه غير معلل بحكم الأصل، والأربعة الباقية بعضها بالعلة مع الأصل، وبعضها بالعلة مع الفرع وبعضها بالعلة فقط - فيتعلق الرابع والخامس وهما: منع كون ذلك الوصف علة فى حكم الأصل، ومنع وجوده فيه بالعلة مع الأصل، ويتعلق السادس وهو منع كونها متعدية بالعلة فقط، والسابع وهو منع كونها موجودة في الفرع بالعلة مع الفرع - ( فيجابُ ) عنها ( بالدَّفعِ ) لها على ترتيبها السابق ( بما عُرِفَ من الطُّرُقِ ) المذكورة في دفعها إن أريد ذلك، وإلا فيكفي الاقتصار على دفع الأخير منها ( فـ ) ـبسبب جواز تعدد المنوع ( يجوزُ إيرادُ اعتراضاتٍ من نوعٍ ) كالنقوض أو المعارضات في الأصل أو الفرع لأنها كسؤال واحد- أي اعتراض واحد- مترتبة كانت أو لا ( وكذا ) يجوز إيراد اعتراضات ( مِنْ أنواعٍ في الأصحِّ ) كالنقض وعدم التأثير والمعارضة ( وإنْ كانتْ مُتَرَتِّبَةً ) أي يستدعي تاليها تسليم متلوه، وذلك لأن تسليمه تقديري لا تحقيقي- أي فرضي لا تحقيقي فعلى فرض تسليم الأول نرد الثاني وعلى فرض تسليم الثاني نرد الثالث وهكذا فليس التسليم بحسب ما في الواقع- وقيل: لا يجوز من أنواع، وقيل: يجوز في غير المترتبة دون المترتبة، مثال النوع في الاعتراضات المترتبة: أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا، ولئن سلم فهو منقوض بكذا، ومثاله في غير المترتبة: أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا، ومثال الأنواع مترتبة، أن يقال ما ذكر من الوصف غير موجود في الأصل، ولئن سلم فهو معارض بكذا، ومثالها غير مترتبة: أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غير مؤثر لكذا.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.



فإذا قلنا إنه لا يعمل بالعام قبل أن يبحث عن مخصص من الأدلة الموجودة عنده وينظر هل وجد غيره مخصصاً له فما المراد بقولنا يعمل بالعام قبل البحث؟

وقد تأخرت جدّا في متابعة الدرس من أجل سفر طويل لا أزال فيه فأرجو المسامحة.
حياك الله أخي.
اعلم أولا أن في المسألة خلافا شديدا والذي ذكرناه هو اختيار صاحب الجمع واللب.
ثانيا: يجب أن تفهم هذه المسألة في ضوء ما ذكروه في باب الاجتهاد من أن المجتهد يستفرغ وسعه في البحث إلى أن يغلب على ظنه أن هذا هو حكم الله، وحينئذ إذا بلغ المجتهد النص العام فهل عليه أن يتوقف عن العمل به إلى أن يبحث ويبحث في دواوين الإسلام أو يعمل به في الحال ؟
المختار يعمل به في الحال ولكن لا يترك البحث إلى أن يعلم مخصص أو يغلب على ظنه أنه لا وجود له.
مثاله: إذا علم المجتهد قول الله تعالى: حرمت عليكم الميتة. وجب عليه الكف عن كل الميتتات ومنها ميتة البحر. فإذا علم بعد ذلك المخصص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان السمك... رواه أحمد وغيره جازت له ميتة البحر.
أرجو أن يكون هذا كافيا في رفع غموض المسألة.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

أن يسكت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة
كالمتوسُّلِ إليهِ
والمقتضى، والمختارُ
وربما سكتَ المستدِّلُ
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس العشرون بعد المائة- القياس

قوادح العلة- تتمة القوادح


أولا: ومن القوادح اختلاف الضابط في الأصل والفرع أي اختلاف علتي حكمهما بدعوى المعترض، وإنما كان اختلافهما قادحا لعدم الثقة بوجود الجامع أو بمساواته. وحاصل هذا الاعتراض يرجع لمنع وجود الجامع بين الأصل والفرع.
مثاله: أن يقول المستدل على وجوب القصاص على من شهد زورا بالقتل فقتل: تسبّبوا في القتل فيجب عليهم القصاص، كما يجب على مَن أكرَهَ غيره على القتل فقتَلَ.
فيقول المعترض: الضابط في الأصل هو الإكراه، وفي الفرع الشهادة فأين الجامع بينهما ؟
فإن قيلَ: أَنهما اشتركا في الإفضاء إلى المقصود فالجامع بينهما هو التسبب في ذلك.
قيل: سلّمنا أنّ كلا منهما مفض لكنهما غير متساويين؛ إذْ هو في الإكراه على القتل أشد منه في شهادة الزور، وشرط القياس مساواة الفرع للأصل في علة حكمه.
والجواب عن نفي وجود الجامع يكون ببيان وجوده، كأن يقال في المثال السابق هو القدر المشترك بين الضابطين وهو التسبب في القتل وهو منضبط عرفا فصحّ إناطة الحكم به.
والجواب عن نفي المساواة يكون ببيان وجودها، كأن يقال في ذلك المثال: أن الحكم في كلّ منهما يفضي إلى المقصود وهو حفظ النفوس أي أن الحكم في كل منهما وهو وجود القصاص يفضي إلى المقصود وهو حفظ النفس فكان الضابط في الفرع وهو الشهادة مساو للضابط في الأصل وهو الإكراه في الإفضاء إلى المقصود. وواضح أنه من باب أولى إذا كان الإفضاء في الفرع أرجح منه في الأصل.
ولا يكفي الجواب بإلغاء التفاوت بين الضابطين، كأن يقال التفاوت بينهما ملغى في الحكم؛ لأن هذا القول لا يحصل الجواب به، فإن التفاوت قد يلغى اعتباره في بعض الأحكام كما في العالم يقتل جاهلا، وقد لا يلغى كما في الحر يقتل رقيقا، فلا يصح أن يكون ضابطا.
ثانيا: ومن قوادح العلة التقسيم وهو: أن يكون اللفظ الوارد في دليل المستدل مترددا بين أمرين أحدهما ممنوع دون الآخر الذي هو مراد المستدل.
مثاله: أن يقال في الصحيح المقيم إذا فقد الماء: وُجِدَ السبب بتعذر الماء فساغ التيمم.
فيقول المعترض: السبب تعذر الماء أو تعذر الماء في السفر ؟ الأول ممنوع.
فحاصل هذا الاعتراض هو استفسار السائل عن مراده مع منع المعترض وجود العلة في أحد احتمالي اللفظ.
والمختار قبول التقسيم لأن المستدل لا يتم دليله مع ورود التقسيم عليه.
وقيل: لا يقبل لأن المعترض لم يمنع مراد المستدل بل منع غيره.
والجواب عن الاعتراض بالتقسيم هو أن يبين المستدل أن اللفظ موضوع في المعنى الذي أراده لغة أو شرعا أو عرفا دون غيره من الاحتمالات، أو أن المعنى الذي أراده هو أظهر من غيره بنفسه أو بقرينة.

( شرح النص )​

ومِنها اختلافُ ضابطي الأصلِ والفرعِ، وجوابُهُ بأَنَّهُ القدرُ المشتركُ أو بأَنَّ الإفضاءَ سواءٌ لا بإلغاءِ التَّفاوتِ.
ومنها التقسيمُ وهو: ترديدُ اللفظِ بينَ أمرينِ أَحدِهما ممنوعٌ، والمختارُ قَبولُهُ، وجوابُهُ أَنَّ اللفظَ موضوعٌ ولو عُرفًا أَو ظاهِرٌ في المرادِ
.
.................................................................
( ومِنها ) أي من القوادح ( اختلافُ ضابطي الأصلِ والفرعِ ) أي اختلاف علتي حكمهما بدعوى المعترض، وإنما كان اختلافهما قادحا لعدم الثقة فيه بالجامع وجودا ومساواة، كأن يقال في شهود الزور بالقتل: تسببوا في القتل، فعليهم القود كالمكرِه غيره على القتل، فيعترض بأن الضابط في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، فأين الجامع بينهما ؟ وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود فأين مساواة ضابط الفرع لضابط الأصل في ذلك؟- هذا بيان للاعتراض بعدم المساواة مع وجود الجامع فكأنه يقول سلمنا أن الجامع السببية لكنهما غير متساويين في الإفضاء إلى المقصود- ( وجوابُهُ ) أي جواب الاعتراض باختلاف الضابط ( بأنَّهُ ) أي الجامع بينهما ( القدرُ المشتركُ ) بين الضابطين كالتسبب في القتل فيما مر، وهو منضبط عرفا ( أو بأنَّ الإفضاءَ ) أي إفضاء الضابط في الفرع إلى المقصود ( سواءٌ ) أي مساوٍ لإفضاء الضابط في الأصل إلى المقصود، كحفظ النفس فيما مر، وكالمساوي لذلك الأرجح منه كما فهم بالأولى ( لا بإلغاء التفاوتِ ) بين الضابطين بأن يقال: التفاوت بينهما ملغى في الحكم، فلا يحصل الجواب به؛ لأن التفاوت قد يلغى كما في العالم يقتل بالجاهل، وقد لا يلغى كما في الحرّ لا يُقتل بالعبد ( ومِنها ) أي من القوادح ( التقسيمُ ) هو راجع للاستفسار مع منع المعترض أن أحد احتمالي اللفظ العلة ( وهوَ ترديدُ اللفظِ ) المورد في الدليل ( بين أمرينِ ) مثلًا على السواء ( أحدُهما ممنوعٌ ) دون الآخر المراد مثاله: أن يقال: الوضوء قربة فتجب فيه النية، فيقال: الوضوء النظافة أو الأفعال المخصوصة ؟ الأول ممنوع أنه قربة ( والمختارُ قبولُهُ ) لعدم تمام الدليل معه، وقيل: لا لأنه لم يعترض المراد ( وجوابُهُ أنَّ اللفظَ موضوعٌ ) في المراد ( ولو عرفًا ) كما يكون لغة ( أو ) أنه ( ظاهِرٌ ) ولو بقرينة ( في المرادِ ) كما يكون ظاهرا بغيرها ويبين الوضع -كالنقل عن أئمة اللغة مثلا- والظهور.
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

حياك الله أخي.
اعلم أولا أن في المسألة خلافا شديدا والذي ذكرناه هو اختيار صاحب الجمع واللب.
ثانيا: يجب أن تفهم هذه المسألة في ضوء ما ذكروه في باب الاجتهاد من أن المجتهد يستفرغ وسعه في البحث إلى أن يغلب على ظنه أن هذا هو حكم الله، وحينئذ إذا بلغ المجتهد النص العام فهل عليه أن يتوقف عن العمل به إلى أن يبحث ويبحث في دواوين الإسلام أو يعمل به في الحال ؟
المختار يعمل به في الحال ولكن لا يترك البحث إلى أن يعلم مخصص أو يغلب على ظنه أنه لا وجود له.
مثاله: إذا علم المجتهد قول الله تعالى: حرمت عليكم الميتة. وجب عليه الكف عن كل الميتتات ومنها ميتة البحر. فإذا علم بعد ذلك المخصص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان السمك... رواه أحمد وغيره جازت له ميتة البحر.
أرجو أن يكون هذا كافيا في رفع غموض المسألة.


جزاكم الله خيرا. اتضحت جدا.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الحادي والعشرون بعد المائة- القياس

قوادح العلة- المنع

أولا: القوادح التي تقدمت كلها ترجع إلى المنع وهو: طلب الدليل على مقدمة من مقدمات المستدل.
فكل ما تقدم من القوادح كالكسر والنقض وعدم التأثير ترجع إلى المنع فقط، وقال الإمام ابن الحاجب وغيره: ترجع إلى المنع أو المعارضة التي هي: إقامة دليل يقتضي خلاف ما اقتضاه دليل المستدل. بيانه:
إن غرض المستدل إلزام المعترض وذلك بإثبات مدعاه بدليله، وغرض المعترض عدم الإلتزام وذلك بمنع المستدل عن إثبات دليله، وإثبات الدليل يكون بصحة مقدماته وبسلامته عن المعارض ليترتب الحكم، فحينئذ يكون دفع المعترض إما بمنع صحة مقدمة من مقدمات الدليل، أو بمعارضة دليله بدليل آخر.
وأرجع بعض العلماء المعارضة في الدليل إلى المنع باعتبار أن من يعارض دليل الخصم فإنه يمنعه من الجريان والاقتضاء لحكمه، فيرجع الكل للمنع.
ثانيا: أول الاعتراضات التي يوجهها الخصم هو الاستفسار؛ لأن المستدل يلزمه أولا تفهيم ما يقول، والمقصود بالاستفسار هو: طلب ذكر معنى اللفظ لغرابة أو إجمال فيه.
مثال الغرابة ما لو قال المستدل حول صيد الكلب: وازِع لم يُرَضْ فلا تحل فريسته كالسِّيدِ.
فيقال له: ما الوازع وما معنى لم يُرَضْ وما السِّيد؟
وعلى المستدل أن يبين ذلك كأن يقول: الوازِع الكلب، ومعنى لم يُرَضْ لم يُعَلَّم، والسِّيد هو الذئب.
ومثال الإجمال ما لو قال المستدل: تعتدّ المطلقة بالأقراء.
فيقال: ما الأقراء؟ أي ما مقصودك به لأنه يطلق على الحيض والطهر.
والأصحّ أن إثبات كون الكلام فيه غرابة أو إجمال إنما هو على المعترض لأنه الذي ادّعى ذلك. والأصل عدمهما.
وقيل: على المستدل بيان عدم الغرابة والإجمال في كلامه.
ولا يكلّف من اعترض بالإجمال بيان تساوي معاني اللفظ المجمل وأنه لم يترجح بعضها على بعض لعسر ذلك عليه بل يكفي أن يقول: الأصل عدم التفاوت.
وحينئذ على المستدل أن يبين عدم الإجمال وذلك بالنقل عن أهل اللغة أو العرف العام أو الخاص أو بالقرائن.
مثاله: إذا قال المستدل: الوضوء قربة فلتجب فيه النية.
فيقول المعترض: الوضوء مجمل؛ لأنه يطلق على النظافة والوضوء الشرعي.
فيكفي المستدل أن يبين عدم الإجمال كأن يقول: الوضوء ظاهر في المعنى الشرعي، فلا إجمال.
أو يفسر اللفظ بما يصلح له لغة أو عرفا، وقيل: للمستدل أن يفسره بما لا يحتمله اللفظ لغة أو عرفا، بناء على أنه اصطلاح له وأنه لا مشاحة في الاصطلاح. وردّ ذلك القول بأنه سيفتح باب لا ينسد لصحة إطلاق أي لفظ على أي معنى على هذا.
كأن يقول: رأيت أسدا. فيطلب منه تفسير الأسد فيفسره بالحمار، فيقال: هذا المعنى غير محتمل، فيقول: هذا اصطلاح لي.
والمختار أنه إذا قال المستدل للمعترض بالإجمال: اللفظ ظاهر في المعنى الذي قصدته دون المعنى الآخر فلا يقبل منه ذلك بدون نقل يدعم كلامه أو قرينة. وقيل: يقبل بمجرد قوله ذلك لأن فيه دفعا للإجمال الذي هو خلاف الأصل.
ثالثا: الاعتراض لا يتوجّه على النقل أي حكاية المستدل الأقوال بل يصبر حتى يختار قولا منها، وله أن يطالبه بتوثيقها.
رابعا: المنع إما أن يتوجه إلى مقدمة معينة من مقدمات الدليل ويسمى النقض التفصيلي وإما أن يتوجه إلى الدليل بتمامه ويسمى النقض الإجمالي لأنه لا ينقض مقدمة معينة فيه بل يبين فساده ككل بالتخلف في صورة معينة.
والنقض التفصيلي إما أن يكون منعا مجردا عن السند كأن يقول لا نسلم كذا، أو مقرونا بالسند كأن يقول: لا نسلم كذا لم لا يكون كذا. فقوله لم لا يكون كذا هذا ما يسمى بالسند أي الذي يقوي منع المانع.
ولا يجوز أن يحتج المعترض على انتفاء المقدمة التي منعها أي لا يحق له ذكر الدليل على انتفائها لانه غصب لوظيفة المستدل، فلا يسمع عند المحققين من النظار، ولا يستحق جوابا لاستلزامه الخبط في البحث.
خامسا: وأما المعارضة فهي تختلف عن النقض التفصيلي والإجمالي لأنها تسليم للدليل، والاستدلال بما ينافي ثبوت المدلول، وصورتها أن يقول المعترض للمستدل: ما ذكرتَ من الدليل وإن دلّ على ما قلتَ فعندي ما ينفي قولك، ويذكر ذلك. وحينئذ ينقلب المعترض مستدلا.
سادسا: على المستدل أن يدفع بالدليل ما ذكره المعترض ليسلم دليله الأصلي ولا يكفيه المنع، فإن منع المعترض دليله الثاني فكما مر من أن منعه إما أن يكون نقضا تفصيلا أو إجماليا أو معارضة وعلى المستدل أن يدفع عن دليله الثاني، وهكذا المنع ثالثا ورابعا مع الدفع إلى أن ينتهي البحث إما بإفحام المستدل إن انقطع بالمنوع أو إلزام المعترض إن انتهى الحال إلى الضروريات أو المشهورات.
مثال ما ينتهي إلى ضروري: ما لو قال المستدل: العالم حادث، وكل حادث له صانع.
فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى، أي قولك العالم حادث.
فيقول المستدل في إثباتها: العالم متغير، وكل متغير حادث، فالعالم حادث.
فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى، أي قولك العالم متغير.
فيقول المستدل في إثباتها: تغير العالم ثابت بالضرورة والحس.
ومثال ما ينتهي إلى مشهور: أن يقول المستدل: هذا الإنسان ضعيف، والضعيف ينبغي الإعطاء إليه.
فيقول المعترض: لا أسلم الكبرى أي قولك: الضعيف ينبغي.. إلخ.
فيقول المستدل: مراعاة الضعيف تحصل بالإعطاء إليه، والإعطاء إليه محمود عند جميع الناس، فمراعاة الضعيف محمودة عند جميع الناس فينبغي الإعطاء إليه. فهذه النتيجة من المشهورات.
( شرح النص )​

والاعتراضاتُ راجعةٌ إلى المنعِ، ومُقَدمُها الاستفسارُ وهوَ: طلبُ ذكرِ معنى اللفظِ لغرابةٍ أو إجمالٍ، وبيانُهما على المعترضِ في الأصحِّ، ولا يكلَّفُ بيانُ تساوي المحامِلِ ويكفيهِ الأصلُ عدمُ تفاوتِها، فيبيِّنُ المستدلُ عدمَهما أو يفسِّرَ اللفظَ بمحتَمَلٍ، قيلَ: وبغيرِهِ، والمختارُ لا يقبلُ دعواهُ الظهورُ في مقصدِه بلا نقلٍ أو قرينةٍ.
ثمَّ المنعُ لا يأتي في الحكايةِ بل في الدليلِ قبل تمامِهِ أو بعدَهُ، والأوَّلُ إمَّا مجردٌ أو معَ السندِ كلا نسلّمُ كذا ولمَ لا يكونُ كذا، أو إنما يلزمُ كذا لو كانَ كذا وهوَ المناقضةُ، فإن احتجَّ لانتفاءِ المقدِّمةِ فغصبٌ لا يسمعُهُ المحققونَ. والثاني إمَّا بمنعِ الدليلِ لتخلُّفِ حكمِهِ فالنقضُ التفصيليُّ أَو الإجماليُّ أو بتسليمِهِ معَ الاستدلالِ بما ينافي ثبوتَ المدلولِ فالمعارضةُ فيقولُ: ما ذكرتَ وإنْ دلَّ فعندي ما ينافيهِ وينقلِبُ مستدلًا وعلى المستدلِ الدفعُ بدليلٍ فإنْ منعَ فكما مرَّ وهكذا إلى إفحامِهِ أو إلزامِ المانِعِ
.
..........................................................................
( والاعتراضاتُ ) أي القوادح كلها ( راجعةٌ إلى المنعِ ) قال كثير: أو إلى المعارضة؛ لأن غرض المستدل إثبات مدعاه بدليله وإنما يصح بصحة مقدّماته لتصلح للشهادة له وبسلامته عن المعارض لتنفذ شهادته- كما أن الشاهد يعتبر فيه البلوغ والعقل والعدالة وغير ذلك من الشروط لتصح شهادته، ويعتبر فيه عدم شاهد آخر مثله يشهد بنقيض ما شهد به الأول لتنفذ شهادة الأول- وغرض المعترض من هدم ذلك هو القدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه، والأصل صاحب الجمع كبعضهم رأى أن المعارضة منع للعلة عن الجريان فاقتصر عليه وتبعته فيه ( ومُقَدَِمُها ) بكسر الدال، ويجوز فتحها أي المتقدِّم أو المقدَّم على الاعتراضات ( الاستفسارُ ) فهو طليعة لها كطليعة الجيش ( وهوَ: طلبُ ذكرِ معنى اللفظِ لغرابةٍ أو إجمالٍ ) فيه ( وبيانُهما ) أي الغرابة والإجمال ( على المعترضِ في الأصحِّ ) لأن الأصل عدمهما، وقيل:على المستدل بيان عدمهما ليظهر دليله ( ولا يكلَّفُ ) المعترض بالإجمال ( بيانُ تساوي المحامِلِ ) المحقق للإجمال لعسر ذلك عليه والمحامل هي المعاني التي يحتملها اللفظ المجمل ( ويكفيهِ ) في بيان ذلك إن أراد التبرع به أن يقول ( الأصلُ ) بمعنى الراجح ( عدمُ تفاوتِها ) أي المحامل وإن عارضه المستدل بأن الأصل عدم الاجمال، وإذا كان الأصح أن بيان الإجمال والغرابة على المعترض وبين ذلك ( فيبيِّنُ المستدلُ عدمَهما ) أي عدم الغرابة والاجمال حيث تمّ الاعتراض عليه بهما بأن يبين ظهور اللفظ في مقصوده بنقل عن لغة أو عرف شرعي أو غيره أو بقرينة، كما إذا اعترض عليه في قوله: الوضوء قربة فلتجب فيه، النية بأن الوضوء يطلق على النظافة، وعلى الأفعال المخصوصة، فيقول حقيقته الشرعية الثاني ( أو يفسِّرَ اللفظَ بمحتَمَلٍ ) منه بفتح الميم الثانية ( قيلَ: وبغيرِهِ ) أي بغير محتمل منه، إذ غاية الأمر أنه ناطق بلغة جديدة ولا محذور في ذلك بناء على أن اللغة اصطلاحية، وردّ بأن فيه فتح باب لا يستد- بمعنى ينسد- ( والمختارُ ) أنه ( لا يقبلُ ) من المستدل إذا وفق المعترض بإجمال اللفظ على عدم ظهوره في غير مقصده ( دعواهُ الظهورُ ) له ( في مقصدِه ) بكسر الصاد ( بلا نقلٍ ) عن لغة أو عرف ( أو قرينةٍ ) كأن يقول يلزم ظهوره في مقصدي لأنه غير ظاهر في الآخر اتفاقا، فلو لم يكن ظاهرا في مقصدي لزم الاجمال-أي اتفقنا أنا وأنت على أنه غير ظاهر المعنى في أحد المعنيين فليكن ظاهرا في المعنى الثاني الذي هو مقصودي- وإنما لم تقبل لأنه لا أثر لها بعد بيان المعترض الإجمال- وأيضا فلا يلزم من عدم ظهوره في الآخَر ظهوره في مقصوده؛ لجواز عدم الظهور فيهما جميعا- وقيل: تقبل دفعا للاجمال الذي هو خلاف الأصل، ومحل النزاع إذا لم يشتهر اللفظ بالاجمال، فإن اشتهر به كالعين والقرء لم يقبل ذلك جزما ( ثمَّ المنعُ ) أي الاعتراض بمنع أو غيره ( لا يأتي في الحكايةِ ) أي حكاية المستدل للأقوال في المسألة المبحوث فيها حتى يختار منها قولا ويستدل عليه ( بل ) يأتي ( في الدليلِ ) إما ( قبلَ تمامِهِ ) وإنما يأتي في مقدمة معينة منه ( أو بعدَهُ ) أي بعد تمامه ( والأوَّلُ ) وهو المنع قبل التمام ( إمَّا ) منع ( مجردٌ أو ) منع ( معَ السندِ ) وهو ما يبنى عليه المنع، والمنع مع السند ( كلا نسلّمُ كذا ولمَ لا يكونُ ) الأمر ( كذا ) وهو السند اللمي ( أو ) لا نسلم كذا و( إنما يلزمُ كذا لو كانَ ) الأمر ( كذا ) وهو السند الحلي، أو لا نسلم كذا كيف وهو كذا وهو السند القطعي ( وهوَ ) أي الأول بقسميه من المنع المجرد والمنع مع السند ( المناقضةُ ) أي يسمى بها ويسمى بالنقض التفصيلي ( فإن احتجَّ ) المانع ( لانتفاءِ المقدِّمةِ ) التي منعها ( فغصبٌ ) أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا لأنه غصب لمنصب المستدل ( لا يسمعُهُ المحققونَ ) من النظار لاستلزامه الخبط فلا يستحق جوابا، وقيل: يسمع فيستحقه ( والثاني ) وهو المنع بعد تمام الدليل ( إمَّا بمنعِ الدليلِ ) بمنع مقدمة معينة أو مبهمة ( لتخلُّفِ حكمِهِ فالنقضُ التفصيليُّ ) أي يسمى به إن كان المنع لمعينة كما يسمى مناقضة ( أَو ) النقض ( الإجماليُّ ) أن يسمى به إن كان لمبهمة أي لجملة الدليل كأن يقال في صورته ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف الحكم عنه في كذا، ووصف بالإجمالي لأن جهة المنع فيه غير معينة بخلاف التفصيلي - فتحصّل أن النقض التفصيلي هو: تخلف الحكم عن الدليل للقدح في مقدمة معينة من مقدماته، وأن الإجمالي هو: تخلف الحكم عن الدليل بالقدح في مقدمة من مقدماته لا على التعيين- ( أو بتسليمِهِ ) أي الدليل ( معَ ) منع المدلول و ( الاستدلالِ بما ينافي ثبوتَ المدلولِ فالمعارضةُ ) أي يسمى بها ( فيقولُ ) في صورتها المعترض للمستدل ( ما ذكرتَ ) من الدليل ( وإنْ دلَّ ) على ما ذكرته ( فعندي ما ينافيهِ ) أي ما ذكرته ويذكره ( وينقلِبُ ) المعترض بها ( مستدلًا ) والمستدل معترضا، أما لو منع الدليل لا للتخلف أو المدلول، ولم يستدل بما ينافي ثبوته فالمنع مكابرة ( وعلى المستدلِّ الدفعُ ) لما اعترض به عليه ( بدليلٍ ) ليسلم دليله الأصلي ولا يكفيه المنع ( فإنْ منعَ ) أي الدليل الثاني بأن منعه المعترض ( فكما مرَّ ) من المنع قبل تمام الدليل، وبعد تمامه.. الخ ( وهكذا ) أي المنع ثالثا ورابعا مع الدفع وهلم ( إلى إفحامِهِ ) أي المستدل بأن انقطع بالمنوع ( أو إلزامِ المانِعِ ) بأن انتهى إلى ضروري أو يقيني مشهور من جانب المستدل.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,663
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثاني والعشرون بعد المائة- القياس

خاتمة القياس


أولا: هل القياس من الدين ؟ في ذلك خلاف.
1- قيل: هو من الدين؛ لأنه مأمور به بقوله تعالى: ( فاعتبروا يا أولي الأبصار).
2- وقيل: ليس من الدين؛ لأن الدين ثابت ومستمر، والقياس وإن كان ثابتا لكنه غير مستمر؛ لأنه قد لايحتاج إليه، والمقصود بالثابت المتحقق في الواقع، والمقصود بالمستمر ما لا يغني عنه غيره فالحاجة إليه دائمة، وليس كذلك القياس لأنه يستغني عنه بالنص إن وجد ويمتنع العمل به مع وجوده.
3- وقيل: إنه من الدين إذا تعين للاستدلال به على مسألة لا دليل على حكمها غيره، وليس من الدين إذا لم يتعين لعدم الحاجة إليه حينئذ.
والظاهر أن الخلاف لفظي لأنه إن قصد أن الله تعبدنا به بقوله فاعتبروا فهذا متفق عليه عند القائلين بحجية القياس، وإن قصد غير ذلك عاد الخلاف إلى أنه هل يطلق عليه اسم الدين أو يختص بالنص. فتأمل.
ثانيا: القياس من موضوع أصول الفقه، أي من أدلة الفقه الإجمالية.
وقال إمام الحرمين: ليس من أصول الفقه، ولكنه يبحث فيه في كتب أصول الفقه لتوقّف غرض الأصولي على إثبات حجيّته التي يتوقف عليها بيان الفقه.
والظاهر أن أصول الفقه لا تطلق عند إمام الحرمين إلا على ما يُثبِتُ الفقه استقلالا، بأن لا يحتاج في الدلالة على الحكم إلى غيره، وهو الكتاب والسنة والإجماع، بخلاف القياس فإنه محتاج في الدلالة على الحكم لأحد هذه الثلاثة، لتوقفه على العلة المنصوصة بأحد الثلاثة أو المستنبطة من النص، فكون القياس حجة عنده لا يعني أنه من موضوع أصول الفقه.
ثالثا: حكم المقيس كحرمة النبيذ قياسا على حرمة الخمر لا يجوز أن يقال فيه: قاله الله أو قاله رسوله؛ إذْ لا يقال ذلك إلا للمنصوص عليه في الكتاب أو السنة، وحكم المقيس مستنبط لا منصوص. ولكن يصحّ أن يقال إنه دين الله أي ما تعبدنا الله به.
رابعا: القياس فرض كفاية على المجتهدين. وقد يكون فرض عين إذا حصلت واقعة لم يتوصّل إلى حكمها إلا بالقياس.
خامسا: القياس بحسب قوته وضعفه نوعان: جلي وخفي.
فالجلي هو: ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، أو كان الفارق بينهما ضعيفا جدا.
مثال الأول: قياس الأمة على العبد في أحكام العتق الدنيوية، فقد علم قطعا أن الذكورة والأنوثة لم يعتبرهما الشارع في الأحكام المذكورة.
ومثال الثاني: قياس العمياء على العرجاء في عدم الإجزاء في الأضحية، ففي حديث أصحاب السنن: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيّن عورها... إلى آخر الحديث. وجه الفارق أن يقال: إن العمياء تُرشد إلى المرعى الحسن فتسمن، بخلاف العوراء فإنها توكل إلى بصرها الناقص فلا تسمن. والجواب أن هذا فارق ضعيف جدا لأن المنظور إليه في الأضحية تمام الخِلقة لا السمن.
والخفيّ هو: ما كان احتمال الفارق فيه بين الأصل والفرع إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه، وإما ضعيفا ولكنه ليس بعيدا كل البعد.
مثاله: قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القود. وقد قال الإمام أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقّل باعتبار أنه ليس أداة للقتل في الأصل فيوجد فرق. ويمكن أن يقال يصلح المثال للحالتين باختلاف المجتهد فإن رآه فرقا قويا واردا ولكن الأقوى عدم اعتباره فهو من الحالة الأولى، أو رآه ضعيفا لكنه ليس مستبعدا فهو من الحالة الثانية.
وقيل: القياس ثلاثة أقسام: الجلي وهو ما سبق في تعريفه من أنه ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، أو كان الفارق بينهما ضعيفا جدا، والخفي وهو: قياس الشبه وهو: أن تشبه حادثة أصلين فتلحق بأكثرهما شبها، والواضح هو: ما بين الجلي والخفي أي ما عداهما.
وقيل: الجلي هو: قياس الأولى كقياس الضرب على التأفيف في التحريم، والواضح هو: قياس المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم ، والخفي هو: قياس الأدون، كقياس التفاح علي البر في الربا.
وقياس الأولى والمساوي مندرجان في القياس الجلي على التقسيمين الأولين.
سادسا: ينقسم القياس من حيث العلة إلى ثلاثة أقسام وهي:
1- قياس العلة وهو: ما صرّح فيه بالعلة بالقياس بأن كان الجامع بين الأصل والفرع هو العلة نفسها، كأن يقال النبيذ كالخمر في الإسكار.
2- قياس الدلالة وهو: ما كان الجامع فيه واحدا من أمور هي:
أ- لازم العلة، كما لو قيل: النبيذ كالخمر بجامع الرائحة المشتدة، وهذه ليس علة بل لازمة لها فإن الرائحة المخصوصة الحاصة من المسكر لازمة عادة للإسكار.
ب- أثر العلة، كما في قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع الإثم في كل منهما، والإثم أثر العلة وهي القتل العمد العدوان.
ج- حكم العلة، كما في قطع أيدي جماعة اشتركوا في قطع يد واحد قياسا على ما إذا اشتركوا في قتله فإنهم يقتلون به بجامع وجوب الدية في القطع والقتل حيث لم يتعمدوا ذلك، ووجوب الدية حكم العلة. بمعنى أنه من المعلوم أنه إذا اشترك جماعة في قتل أو قطع خطأ فإنه يجب عليهم الدية فاستدل بوجوب الدية على وجوب القود إذا تعمدوا.
3- قياس في معنى الأصل، أي القياس الذي هو بمنزلة الأصل، ويسمى بالجلي أيضا.
مثاله: قياس البول في إناء وصبّه في الماء الراكد على البول فيه رأسا، بجامع أنه لا فرق بينهما في المقصود من المنع الثابت بحديث مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في المال الراكد.
( شرح النص )​
خاتمةٌ
الأصحُّ أَنَّ القياسَ مِنَ الدِّينِ، وأَنَّهُ مِنْ أُصولِ الفقهِ، وحكمُ المقيسِ يقالُ إنَّهُ دينُ اللهِ لا قالَهُ اللهُ ولا نبيُّهُ، ثمَّ القياسُ فرضُ كفايةٍ ويتعيَّنُ على مجتهدٍ احتاجَ إليهِ، وهُوَ جليٌّ: ما قُطِعَ فيهِ بنفيِ الفارقِ أوْ قَرُبَ مِنهُ، وخفيٌّ بخلافِهِ، وقيلَ فيهما غيرُ ذلكَ، وقياسُ العِلَّةِ: ما صُرِّحَ فيهِ بها، وقياسُ الدلالةِ: ما جُمِعَ فيهِ بلازِمِها فأثرِها فحكمِها، والقياسُ في معنى الأصلِ: الجمعُ بنفيِ الفارقِ.
....................................................
( خاتمةٌ ) لكتاب القياس ( الأصحُّ أَنَّ القياسَ مِنَ الدِّينِ ) لأنه مأمور به لقوله تعالى: فاعتبروا يا أوليي الأبصار. وقيل: ليس منه لأن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت مستمر، والقياس ليس كذلك، لأنهه قد لا يحتاج إليه، وقيل: منه إن تعين بأن لم يكن للمسألة دليل غيره، بخلاف ما إذا لم يتعين لعدم الحاجة إليه ( و ) الأصح ( أنَّهُ ) أي القياس ( مِن ) موضوع ( أصولَ الفقهِ ) كما عرف من حده، وقيل: ليسس منه، وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجيته المتوقف عليها الفقه على بيانه ( وحكمُ المقيسِ يقالُ ) فيه ( إنَّهُ دينِ اللهِ ) وشرعه ( لا ) يقال فيه ( قالهُ اللهُ ولا نبيُّهُ ) لأنه مستنبط لا منصوصص ( ثمَّ القياسُ ) أي التهيؤ له بتحصيل ملكته ( فرضُ كفايةٍ ) على المجتهدين حيث لم تحدث حادثة وتعدد المجتهدين ( ويتعيَّنُ ) أي يصير فرض عين ( على مجتهدٍ احتاجَ إليهِ ) بأن لم يجد غيره في واقعة ( وهوَ ) أيي القياس بالنظر إلى قوّته وضعفه قسمان ( جليٌّ ) وهو ( ما قُطِعَ فيهِ بنفيِ الفارقِ ) أي بإلغائه ( أوْ ) ما (( قَرُبَ مِنهُ ) بإن كان ثبوت الفارق أي تأثيره فيه ضعيفا بعيدا كل البعد مثال الأول: كقياس الأمة على العبد في تقويم حصة الشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما مرّ، ومثال الثاني: كقياس العمياء على العوراء في المنع من التضحية الثابت بخبر: أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها.. الخ ( وخفيٌّ ) وهو ( بخلافِهِ ) أي بخلاف الجلي فهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه، وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القود، وقد قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل ( وقيلَ فيهما ) أي الجلي والخفي ( غيرُ ذلكَ ) قيل: الجلي ما ذكر في تعريفه، والخفي الشبه، والواضح بينهما، وقيل: الجلي: القياس الأولى، كقياس الضرب على التأفيف في التحريم والواضح المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم، والخفي الأدون كقياس التفاح علي البر في الربا، ثم الجلي على التقسيمين الأولين- لاتحاد تعريف الجلي فيهما- يصدق بالأولى كالمساوي ( و ) ينقسم القياس باعتبار علته ثلاثة أقسام ( قياسُ العِلَّةِ ) وهو (( ما صُرِّحَ فيهِ بها ) بأن كان الجامع فيه نفسها كأن يقال يحرم النبيذ كالخمر للاسكار ( وقياسُ الدلالةِ )) وهو ( ما جُمِعَ فيهِ بلازِمِها فأثرِها فحكمِها ) الضمائر للعلة، وكل من الثلاثة يدل عليها، وكل منن الأخيرين منها دون ما قبله بدلالة الفاء، فالأول كأن يقال: النبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدةة وهي لازمة للاسكار، والثاني كأن يقال: القتل بمثقل يوجب القود كالقتل بمحدد بجامع الإثم وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان. والثالث كأن يقال: يقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غير عمد، وهو حكم العلة التي هي القطع منهم خطأ في المقيس والقتل منهم خطأ في المقيس عليه، وحاصل ذلك الثالث هو استدلال بأحد موجبي الجناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على الآخر- لأن القائس استدلّ بوجوب الدية عليهم على وجوب القصاص قال الشيخ النجاري في حاشيته على شرح الجمع: اعلم أن كلا من قتل الجماعة بالواحد في العمد، ووجوب الدية بقطعه عليهم في الخطأ أمر ثابت معلوم من الشرع متقرر فيه، وأما قطع الجماعة بالواحد فمجهول حكمه من النصوص الشرعية فأُثبت بمعلوم وهو وجوب الدية عليهم بقطعه اهـ نقلا من حاشية العطار- ( والقياسُ في معنى الأصلِ ) وهو ( الجمعُ بنفيِ الفارقِ ) ويسمى بالجلي كما مر، وبإلغاء الفارق،، وبتنقيح المناط كقياس البول في إناء وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن لا فارقق بينهما في مقصود المنع الثابت بخبر مسلم عن جابر: نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن أن يبال في الماء الراكد.
 
أعلى