العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

وبذا نكون قد انتهينا من كتاب القياس أصعب كتب الأصول ليتبقى علينا ما يقرب من خمس الكتاب أعاننا الله عليه بفضله.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

إما في الأصل فظاهر ... وإما في الفرع فلأن
تزويج الثيب نفسها
مناف للحياة وصيانة المرأة نفسها
أعني بيعها سلعتها والرجل
وفي اقتصارِ المستدِّلِ على جوابِ
أي معارضة بالإبدائين
.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

أي فلم يتلق التغليظ من التخفيف بل من التغليظ؛ إذ المتلقى من القتل العمد العدوان هو وجوب القود لا نفي وجوب الكفارة، فالمتلقى من التغليظ تغليظ مثله.
لعل الأنسب ذكر متلقَّى التخفيف لا التغليظ لأنه المحتاج إلى الجواب
هو بيع لم توجد فيه صيغة مع الرضا فينعقد
زيادة يقتضيها ما يأتي في الجواب
استسلف بَكرا
وتأخيرُهُ عنها، وجوابُهُ
اختصاص الكفارة بالصوم
ما ذكرت أنه العلة منقوض بكذا
لأنه لم يعترض المقصود الذي هو ثبوت حكم الفرع
لجواز كونه قاصرا ( سلَّمنا )
مثاله: أن يقال في الصحيح المقيم إذا فقد الماء: وُجِدَ السبب بتعذر الماء فساغ التيمم.
فيقول المعترض: السبب تعذر الماء أو تعذر الماء في السفر ؟ الأول ممنوع.
الظاهر أن ما منعه المعترض هو مراد المستدل وفرض المسألة كونه غيره
وهو: ترديدُ اللفظِ بينَ أمرينِ أَحدِهما ممنوعٌ
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا قلتم في باب التخصيص: ( فإذا قلنا: قامَ القومُ إلا زيدًا. فعلى الأصح نكون قد أثبتنا القيام للقوم ونفيناه عن زيد، وعند الحنفية نكون قد أثبتنا القيام للقوم وسكتنا عن زيد فقد يكون قائما كالقوم وقد لا يكون ).

قول الجمهور واضح وهو الذي يتبادر إلى الذهن لكن لم أفهم قول الاحناف فكيف يقولون إن قيام زيد مسكوت عنه؟



 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

مثاله: أن يقال في الصحيح المقيم إذا فقد الماء: وُجِدَ السبب بتعذر الماء فساغ التيمم.
فيقول المعترض: السبب تعذر الماء أو تعذر الماء في السفر ؟ الأول ممنوع.
الظاهر أن ما منعه المعترض هو مراد المستدل مع أن فرض المسألة كونه غيره
وهو: ترديدُ اللفظِ بينَ أمرينِ أَحدِهما ممنوعٌ
أو يفسِّرَ اللفظَ بمحتَمَلٍ
والمختارُ لا يقبلُ دعواهُ الظهورُ في
( الإجماليُّ ) أن يسمى به
وإنْ دلَّ فعندي ما ينافيهِ وينقلِبُ
( لا يقبلُ ) من المستدل إذا وافق المعترض بإجمال
قد يغلط في تشكيل الكلمات التالية
المنوعات - السند اللمي - السند الحلي
فإن الرائحة المخصوصة الحاصلة من المسكر
نهى أن يبال في المال الراكد.
فاعتبروا يا أوليي الأبصار.
لأنهه قد لا يحتاج إليه
( مِن ) موضوع ( أصولَ الفقهِ )
وقيل: ليسس منه،
لأنه مستنبط لا منصوصص
وهوَ ) أيي القياس بالنظر إلى قوّته
وكل منن الأخيرين
بجامع الرائحة المشتدةة وهي لازمة للاسكار
بجامع أن لا فارقق بينهما في مقصود المنع
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث والعشرون بعد المائة

الاستدلال


أولا: الاستدلال لغة: طلب الدليل، ويطلق في عرف الأصوليين على أمرين:
أحدهما: إقامة الدليل مطلقا من نص أو إجماع أو غيرهما.
والثاني: نوع خاص من الدليل غير الكتاب والسنة والإجماع والقياس وهو المراد هنا، فيشمل الاستدلال الأدلة الإجمالية الأخرى التي اختلف العلماء في حجيتها كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وغيرها بمعنى أن بعضهم استدل بها وبعضهم لا كما يقال: استدلّ الإمام أبو حنيفة بالاستحسان، واستدلّ الإمام مالك بالمصالح المرسلة. وكذا يدخل في الاستدلال ما يلي:
1- القياس المنطقي الاقتراني والاستثنائي، مثال الأول: كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام ينتج كل نبيذ حرام، ومثال الثاني: إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام لكنه مسكر ينتج فهو حرام.
2- قول العلماء: الدليل يقتضي أن لا يكون كذا، ولكنه خولف في كذا لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى على الأصل.
مثاله: أن يقال: الدليل يقتضي أن لا تُزَوَّجَ المرأة لا بإذنها ولا بإذن وليها؛ لما في ذلك من تعريضها للذلة بطاعة الزوج مثلا، لكن هذا الدليل قد خولف في جواز تزويجها بإذن وليها لكمال عقله وذلك لمصلحة المعاش وكثرة التناسل، وعليه يبقى تزويجها بغير إذن وليها الذي هو محل النزاع مع الحنفية على الأصل الذي اقتضاه الدليل وهو الامتناع.
3- قياس العكس وهو: إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة. كما تقدم في حديث مسلم: أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر. ففي هذا إثبات الأجر الذي هو عكس الوزر فيما لو وضعها في حلال، والحكمان هما: الحرمة والحل، والعلة: الوضع في الحرام والوضع في الحلال.
4- عدم وجدان دليل الحكم، فإذا فحَصَ المجتهد فحصا دقيقا فلم يجد دليلا على الحكم بشيء دلّ ذلك على عدم الحكم فيه، فعدم وجود الدليل على الحكم يفيد ظنا بانتفاء الحكم، وقال الأكثرون: لا يلزم من عدم وجدان الدليل انتفاء الحكم لأن اللازم من انتفاء الدليل هو انتفاء العلم أو الظن به لا انتفاء المدلول فإن عدم الوجدان لا يقتضي عدم الوجود.
مثاله: أن يقول الشافعي للحنفي القائل بوجوب الوتر: الحكم يستدعي دليلا يدل عليه وإلا لو ثبت حكم بغير دليل يفيده وكلف به شخص لزم تكليف الغافل حيث وجد الحكم بدون الدليل المفيد له وتكليف الغافل محال، ولا دليل على حكمك بوجوب الوتر بالسبر فإنا سبرنا الأدلة من نص وإجماع وقياس فلم نجد ما يدل على حكمك فينتفي حكمك أو بالأصل فإن الأصل المستصحب عدم الدليل على الحكم فينتفي حكمك أيضا.
ثانيا: هل من الاستدلال قول الفقهاء: وُجِد المقتضي فوجد الحكم، أو وجد المانع فانتفى الحكم، أو فُقِد الشرط فانتفى الحكم ؟ أي ما اقتصر فيه على إحدى المقدمتين اعتمادا على شهرة الأخرى فإن الأصل هو: وُجِدَ المقتضي أي وجد سبب الحكم ( مقدمة صغرى مذكورة )- وكلما وجد سبب الحكم وجد الحكم ( مقدمة كبرى محذوفة لشهرتها )- فوجد الحكم ( نتيجة)، وكذا قولهم: وُجِد المانع فانتفى الحكم، أي وجد المانع- وكلما وجد المانع انتفى الحكم- فانتفى الحكم، أو قولهم: فُقِد الشرط فانتفى الحكم- أي فقد الشرط- وكلما فقد الشرط انتفى الحكم- فانتفى الحكم.
فذهب بعض العلماء إلى أن ذلك من الاستدلال لأنا إذا قلنا مثلا: ( وجد السبب فوجد الحكم ) فقد أثبتنا التلازم بين وجود السبب ووجود الحكم بحيث يلزم من العلم بالأول العلم بالثاني فيكون دليلا وبما أنه ليس بنص أو إجماع أو قياس فيكون استدلالا، غاية ما في الأمر أن المقدمة الصغرى وهي أنه وجد المقتضى مثلا تفتقر إلى بيان وهو أن نعين المقتضي ما هو ونبيّن وجوده ليثبت الحكم.
وذهب الأكثر إلى أن ذلك ليس دليلا بإجماله فإذا فصّل فعين المقتضي والشرط والمانع وبين وجود المقتضي وبين وجود المانع في المسألة فحين ذلك يكون من الاستدلال، ولا حاجة إلى تبيين انتفاء الشرط لأنه على الأصل أي أن فقده موافق لأصل العدم.
ثالثا: ومن الاستدلال الاستقراء وهو: تتبع أمور جزئية ليحكم بحكمها على ما يشمل تلك الجزئيات وغيرها.
وهو نوعان: تام وناقص.
1- الاستقراء التام وهو: ما كان التتبع فيه لجميع الجزئيات إلا صورة النزاع.
كأن يختلف مجتهدان في صورة معينة فيقول أحدهما للآخر: كل الجزئيات التي تتبعت تدل على أن الحكم هو كذا فهذه الصورة الجزئية لها نفس حكم أخواتها.
وهو عند أكثر العلماء حجة قطعية على ثبوت الحكم في صورة النزاع أيضا.
وقيل: ليس بقطعي لاحتمال أن تكون صورة النزاع وحدها مخالفة لما قد استقرئ وهو الذي عليه المناطقة ومثلوا بأن تتبع جميع الحيوانات ما عدا التمساح يوصل إلى نتيجة هي: أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، ولكن التمساح قد خرج عن هذه القاعدة فلا يكون الاستقراء تاما ولا النتيجة قطعية.
ومنه يعلم أن الاستقراء عند الأصوليين دائما ناقص عند المناطقة.
2- الاستقراء الناقص وهو: ما كان التتبع فيه لأكثر الجزئيات.
وهو دليل ظني؛ لاحتمال أن تكون الجزئيات غير المستقرأة مخالفة لما قد استقرئ.
وإثبات الحكم بالناقص يسمى إلحاق الفرد بالأغلب.
مثاله: استقراء الإمام الشافعي لبعض نساء زمانه في أحكام الحيض والحمل.
ويختلف فيه الظن باختلاف عدد الجزئيات المتصفحة، فكلما كانت أكثر كان الظن أقوى.

( شرح النص )

الكتابُ الخامِسُ في الاستدلالِ

وهوَ: دليلٌ ليسَ بنصٍّ ولا إجماعٍ ولا قياسٍ شرعِيٍّ، فدخَلَ قطعًا الاقترانيُّ والاستثنائيُّ، وقولُهم: الدليلُ يقتضي أنْ لا يكونَ كذا خُولِفَ في كذا لمعنىً مفقودٍ في صورةِ النِّزاعِ فتبقى على الأصلِ، وفي الأصحِّ قياسُ العكسِ، وعدمُ وجدانِ دليلِ الحكمِ كقولِنا: الحكمُ يستدعي دليلًا وإلا لزِمَ تكليفُ الغافِلِ ولا دليلَ بالسَّبْرِ أَو الأصلِ، لا لقولِهم: وُجِدَ المقتضي أو المانِعُ أو فُقِدَ الشرطُ مجملًا.
مسألةٌ: الاستقراءُ بالجزئيِّ على الكليِّ إنْ كانَ تامًّا فقطعيٌّ عندَ الأكثرِ أو ناقِصًا فظنيٌّ ويسمى إلحاقَ الفردِ بالأغلبِ
.
................................................................
( الكتابُ الخامِسُ في الاستدلالِ وهوَ: دليلٌ ليسَ بنصٍّ ) من كتاب أو سنة ( ولا إجماعٍ ولا قياسٍ شرعِيٍّ ) لا منطقي وقد تقدمت فلا يقال التعريف المشتمل عليها تعريف بالمجهول ( فدخَلَ ) في الاستدلال ( قطعًا ) أي بلا خلاف القياس ( الاقترانيُّ و ) القياس ( الاستثنائيُّ ) وهما نوعا القياس المنطقي وهو: قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر وهو النتيجة فإن كان اللازم أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي وإلا فالاقتراني، فالاستثنائي نحو: إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام، لكنه مسكر ينتج فهو حرام فالنتيجة مذكورة بنفسها، أو إن كان النبيذ مباحا فهو ليس بمسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس بمباح والنتيجة مذكورة بنقيضها، والاقتراني نحو: كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام، ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة لا بالفعل، وسمي القياس استثنائيا لاشتماله على حرف الاستثناء لغة وهو لكن واقترانيا لاقتران أجزائه أي لاتصالها من غير فصل بينها بحرف الاستثناء ( و ) دخل فيه قطعا ( قولُهم ) أي العلماء ( الدليلُ يقتضي أنْ لا يكونَ ) الأمر ( كذا خُولِفَ ) الدليل ( في كذا ) أي في صورة مثلا ( لمعنىً مفقودٍ في صورةِ النِّزاعِ فتبقى ) هي ( على الأصلِ ) الذي اقتضاه الدليل كأن يقال: الدليل يقتضي امتناع تزويج المرأة مطلقا وهو ما فيه من إذلالها بالوطء وغيره الذي تأباه الإنسانية لشرفها، خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله وهذا المعنى مفقود في المرأة، فيبقى تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من الامتناع ( و ) دخل فيه ( في الأصحِّ قياسُ العكسِ ) وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما مر في خبر أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر. فإتيان الشهوة فى حرام أصل وحكمه الوزر وعلته كون الوضع فى حرام، وإتيان الشهوة فى الحلال فرع وحكمه الأجر وعلته كون الوضع فى حلال، فكل من ثبوت الأجر وثبوت الوزر عكس الآخر، فتعاكس العلتين المذكورتين مقتض لكون الحكم المترتب على أحداهما عكس الحكم المترتب على الأخرى، وقيل: ليس بدليل كما حكي عن بعض أصحابنا ( و ) دخل فيه في الأصح ( عدمُ وجدانِ دليلِ الحكمِ ) وذلك بأن لم يجد الدليلَ المجتهد بعد الفحص الشديد، فهو دليل على انتفاء الحكم، وقيل: ليس بدليل، إذ لا يلزم من عدم وجدان الدليل عدمه، وذلك ( كقولِنا ) للخصم في إبطال الحكم الذي ذكره في مسألة ما ( الحكمُ يستدعي دليلًا وإلا لزِمَ تكليفُ الغافِلِ ) حيث وجد الحكم بدون دليل مفيد له ( ولا دليلَ ) على حكمك ( بالسَّبْرِ ) فإنا سبرنا الأدلة فلم نجد ما يدل عليه ( أَو الأصلِ ) فإن الأصل المستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا، ودخل في الاستدلال الاستقراء والاستصحاب والاستحسان، وقول الصحابي والالهام الآتية، وإنما أفرد كل منها بالترجمة بمسألة لما فيه من التفصيل وقوة الخلاف مع طول بعضه ( لا لقولِهم ) أي الفقهاء ( وُجِدَ المقتضي أو المانِعُ أو فُقِدَ الشرطُ ) فلا يدخل في الاستدلال حالة كونه ( مجملًا ) في الأصح، ولا يكون دليلا بل دعوى دليل بمثابة قولك: وجد دليل الحكم فوجد، وهذه دعوى لاتقبل، وإنما يكون دليلا إذا عين المقتضي أي السبب الخاص والمانع والشرط، وبيّن وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الثالث وهو الشرط لأنه على وفق الأصل، وقيل: يدخل في الاستدلال ورجحه الأصل فيكون دليلا على وجود الحكم بالنسبة إلى المقتضي وعلى انتفائه بالنسبة إلى الآخرينِ وهما الشرط والمانع، وخرج بقوله مجملا ما لو كان معينا فيكون استدلالا ودليلا ( مسألةٌ: الاستقراءُ بالجزئيِّ على الكليِّ ) بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له ( إنْ كانَ تامًّا ) بأن كان بكل الجزئيات إلا صورة النزاع ( فـ ) ـهو دليل ( قطعيٌّ ) في إثبات الحكم في صورة النزاع ( عندَ الأكثرِ ) من العلماء، وقال الأقل منهم: ليس بقطعي لاحتمال مخالفة تلك الصورة لغيرها على بعد، قلنا: هو منزل منزلة العدم ( أو ) كان ( ناقِصًا ) بأن كان بأكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع ( فظنيٌّ ) فيها لا قطعي لاحتمال مخالفتها للمستقرأ ( ويسمى ) هذا عند الفقهاء ( إلحاقَ الفردِ ) النادر ( بالأغلبِ ) الأعم، ويختلف فيه الظنّ باختلاف الجزئيات، فكلما كان الاستقراء فيها أكثر كان أقوى ظنا.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

تاما ولا النتيجة قطعية.
أن تكون الجزئيات غير المستقرأة مخالفة لما قد استقرأ.
لاحتمال مخالفتها للمستقرئ
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع والعشرون بعد المائة- الاستدلال

الاستصحاب – شرع من قبلنا


أولا: الاستصحاب هو: ثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في الزمن الأول لفقد ما يصلح للتغيير.
ومعناه: أننا إذا عرفنا حكما من الأحكام في الزمن الماضي، ولم يظهر لنا ما يدل على عدمه، حكمنا الآن في الزمن الثاني بأنه لا زال باقيا على ما كان عليه؛ لأنه لم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء.
وينقسم إلى أقسام:
1- استصحاب العدم الأصلي وهو: نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع. كوجوب صلاة سادسة ووجوب صوم رجب، أي حكم العقل بالبراءة الأصلية إلى أن يرد السمع فينقله عنه. ومنه استصحاب براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها.
2- استصحاب العموم في العام إلى ورود المغيّر له وهو المخصص، واستصحاب النص إلى ورود مغيره وهو الناسخ له.
3- استصحاب ما دلّ الشرع على ثبوته لوجود سببه، كثبوت الملك بالشراء إلى ورود المغيّر كالبيع المزيل للملك.
إلا إن عارض الأصل ظاهر غالب ذو سبب ظنّ أنه أقوى فيقدم الظاهر على الأصل المستصحب.
مثاله: إذا وقع بول في ماء كثير فوجد متغيرا واحتمل أن يكون التغير بالبول كما احتمل أن يكون بطول المكث وقرب العهد بعدم تغيره أي فلم يمض وقت طويل منذ أن تغيّر، فهنا تعارض الأصل وهو الطهارة والظاهر وهو النجاسة بالبول فيقدم الظاهر وهو النجاسة على الأصل وهو استصحاب الطهارة.
4- استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف. أي إذا حصل إجماع في حال واختلف فيه في حال أخرى، فهل يحتج باستصحاب الإجماع فيحكم على الحالة الثانية بما حكم به على الحال الأولى. في ذلك خلاف. والمختار عدم حجيته.
مثاله: الإجماع على أن الخارج النجس من غير السبيلين- كالقيح- لا ينقض الوضوء قبل خروجه. أما إذا خرج ففيه خلاف.
فالقائلون باستصحاب الإجماع قالوا: لا ينتقض الوضوء استصحابا لحالته قبل خروجه الذي أجمعوا أنه غير ناقض.
5- الاستصحاب المقلوب وهو: ثبوت أمر في الزمن الأول لثبوته في الزمن الثاني، عكس الاستصحاب المتقدم أي الاستدلال بالحال على الماضي. وقد اختلف في حجيته.
مثاله: ما لو قيل في المكيال الموجود الآن إنه نفسه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يقال في توجيه الاستدلال بالاستصحاب المقلوب: لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت أمس إذْ لا واسطة بين الثبوت وعدمه، وإذا كان غير ثابت يقضي استصحاب أمس بأنه اليوم غير ثابت وليس كذلك لانه مفروض الثبوت اليوم. وحاصله أن ثبوته الآن علامة على ثبوته في الماضي.
ثانيا: إذا نفى أحدٌ حكما فهل يطالب بدليله على النفي أو لا يطالب إلا إذا أثبت حكما لا إن نفاه ؟ خلاف.
والمختار أن النافي لشيء يطالب بدليل على انتفائه إن لم يعلم انتفاء ذلك الشيء بالضرورة، فإن علم انتفاؤه ضرورة فلا.
ثالثا: لا يجب الأخذ بالأخف ولا بالأثقل في شيء بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب.
وقيل: يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى: يريد الله بكم ولا يريد بكم العسر.
وقيل: يجب الأخذ بالأثقل لما فيه من الاحتياط.
رابعا: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم متعبّدا بشرع، أي مكلفا بشرع قبل النبوة ؟ خلاف.
والمختار أنه كان متعبدا بشرع من غير تعيينه.
أما بعد النبوة فهنالك قولان:
فقيل: هو مكلف بشريعة ما قبله ما لم ينسخ ولذا قالوا: شرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ.
وقيل: هو لا يتعبد بشريعة من قبله لأن له شريعته الخاصة الناسخة لما قبلها من الشرائع ولذا قالوا: شرع من قبلنا ليس شرعا لنا.
خامسا: القول المختار أنه بعد البعثة أصل الأشياء النافعة هو الحل، وأصل الأشياء الضارة هو التحريم. قال تعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعا. وقال تعالى: قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
وأما قبل البعثة فقد تقدم الخلاف في مسألة التحسين والتقبيح وذكرنا أنه: لا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده.

( شرح النص )​

الأصحُّ أَنَّ استصحابَ العدمِ الأصليِّ والعمومِ أو النصِّ وما دلَّ الشرعُ على ثبوتِهِ لوجودِ سببِهِ إلى ورودِ المغيِّرِ حجّةٌ إلا إنْ عارَضَهُ ظاهِرٌ غالِبٌ ذو سببٍ ظُنَّ أَنَّهُ أقوى فيقدَّمُ كبولٍ وقعَ في ماءٍ كثيٍر فَوُجِدَ متغيِّرًا واحتملَ تغيُّرَهُ بهِ وقَرُبَ العهدُ ولا يحتجُّ باستصحابِ حالِ الإجماعِ في محلِ الخلافِ فالاستصحابُ ثبوتُ أمرٍ في الثاني لثبوتِهِ في الأوَّلِ لفقدِ ما يصلُحُ للتغييرِ أما ثبوتُهُ في الأولِ فمقلوبٌ وقدْ يقالُ فيهِ لو لم يكنْ الثابتُ اليومَ ثابتًا أمسِ لكانَ غيرَ ثابتٍ فيقضي استصحابُ أمسِ بأنَّهُ اليومَ غيرُ ثابتٍ وليسَ كذلكَ فدلَّ على أنَّهُ ثابِتٌ.
مسألةٌ: المختارُ أنَّ النافي يطالَبُ بدليلٍ إنْ لم يعلمْ النفيُ ضرورةً وإلا فلا وأنَّهُ لا يجبُ الأخذُ بالأخفِّ ولا بالأثقلِ.
مسألةٌ: المختارُ أنَّهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ متعبّدًا قبلَ البعثةِ بشرعٍ والوقفُ عن تعيينِهِ، وبعدَها المنعُ وأنَّ أصلَ المنافعِ الحلُّ والمضارِّ التحريمُ
.
..........................................................................
( مسألةٌ ) في الاستصحاب وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون الحنفية بأقسامه الآتية على خلاف عندنا معاشر الشافعية في الأخير منها وهو استصحاب الإجماع، وعند غيرنا في الأولين أيضا ( الأصحُّ أَنَّ استصحابَ العدمِ الأصليِّ ) وهو نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب ( و ) استصحاب ( العمومِ أو النصِّ و ) استصحاب ( ما دلَّ الشرعُ على ثبوتِهِ لوجودِ سببِهِ ) كثبوت الملك بالشراء ( إلى ورودِ المغيِّرِ ) لها من إثبات الشرع ما نفاه العقل، ومن مخصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته، أي كل من المذكورات ( حجّةٌ ) فيعمل به إلى ورود المغير، وقيل ليس بحجة، والأصح الأول فيقدم الأصل على الظاهر ( إلا إنْ عارَضَهُ ظاهِرٌ غالِبٌ ذو سببٍ ظُنَّ أَنَّهُ أقوى ) من الأصل ( فيقدَّمُ ) عليه ( كبولٍ وقعَ في ماءٍ كثيٍر فَوُجِدَ متغيِّرًا واحتملَ تغيُّرَهُ بهِ ) وتغيره بغيره مما لا يضر كطول المكث ( وقرُبَ العهدُ ) بعدم تغيره، فإن استصحاب طهارته التي هي الأصل عارضته نجاسته الظاهرة الغالبة ذات السبب التي ظنّ أنها أقوى، فقدمت على الطهارة عملا بالظاهر، بخلاف ما لم يظن أنه أقوى بأن بعد العهد أي طال الزمن في المثال بعدم التغير قبل وقوع البول أو لم يكن عهد لا قريب ولا بعيد ( و ) الأصح أنه ( لا يحتجُّ باستصحابِ حالِ الإجماعِ في محلِ الخلافِ ) أي إذا أجمع على حكم في حال ثم اختلف فيه في حال آخر، فلا يحتج باستصحاب ذلك الحال في هذا الحال، وقيل: يحتج، مثاله الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء عندنا استصحابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه ( فالاستصحابُ ) الشامل للأنواع السابقة وينصرف الاسم إليه ( ثبوتُ أمرٍ في ) الزمن ( الثاني لثبوتِهِ في الأوَّلِ لفقدِ ما يصلُحُ للتغييرِ ) من الأول إلى الثاني، فلا زكاة عندنا بالاستصحاب فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة قليلا تروج في المعاملة بها من بيع وشراء رواج الكاملة ( أما ثبوتُهُ ) أي الأمر ( في الأوّلِ ) لثبوته في الثاني ( فـ ) ـاستصحاب ( مقلوبٌ ) كأن يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله عليه وسلّم باستصحاب الحال في الماضي، إذ الأصل موافقة الماضي للحال والاستدلال به خفيّ ( وقدْ يقالُ فيهِ ) أي في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لرجوعه في المعنى إلى الاستصحاب المستقيم ( لو لم يكنْ الثابتُ اليومَ ثابتًا أمسِ لكانَ غيرَ ثابتٍ ) أمس، إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه ( فيقضي استصحابُ أمسِ ) الخالي عن الثبوت فيه ( بأنَّهُ اليومَ غيرُ ثابتٍ وليسَ كذلكَ ) لأنه مفروض الثبوت اليوم ( فدلَّ ) ذلك ( على أنَّهُ ثابِتٌ ) أمس أيضا ( مسألةٌ المختارُ أنَّ النافي ) لشيء ( يطالَبُ بدليلٍ ) على انتفائه ( إنْ لم يعلمْ النفيُ ) أي انتفاء الشيء ( ضرورةً ) بأن علم نظرا أو ظن لأن غير الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه، وقيل: لا يطالب به، وقيل يطالب به في العقليات لا الشرعيات ( وإلا ) أي وإن علم انتفاؤه ضرورة ( فلا ) يطالب بدليل على انتفائه لأن الضروريّ لا يشتبه حتى يطلب دليله لينظر فيه ( و ) المختار ( أنَّهُ لا يجبُ الأخذُ بالأخفِّ ولا بالأثقلِ ) في شيء، بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب، وقيل: يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وقيل: يجب الأخذ بالأثقل لأنه أكثر ثوابا وأحوط ( مسألةٌ المختارُ ) كما قال ابن الحاجب وغيره ( أنَّهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ متعبّدًا ) بفتح الباء وكسرها أي مكلَّفا ومكلِّفا نفسه بالعبادة ( قبلَ البعثةِ بشرعٍ ) لما في الأخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف، وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد موافقة أمر الشرع، ولا يتصوّر من غير تعبد فإن العقل بمجرده لا يحسنه، وقيل: لم يكن متعبدا، وقيل: بالوقف وهو ما اختاره الأصل ( و ) المختار ( الوقفُ عن تعيينِهِ ) أي تعيين الشرع بتعيين من نسب إليه، وقيل: هو آدم، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى، وقيل: ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنبيّ ( و ) المختار ( بعدَها ) أي بعد البعثة ( المنعُ ) من تعبده بشرع من قبله؛ لأن له شرعا يخصه، وقيل: تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله أي ولم يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة ( و ) المختار بعد البعثة ( أنَّ أصلَ المنافعِ الحلُّ والمضارِّ التحريمُ ) قال تعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعا. ذكره في معرض الامتنان ولا يمتنّ إلا بالجائر. وقال صلى الله عليه وسلّم: لا ضَرَرَ ولا ضِرَار. رواه ابن ماجة وغيره، وزاد الطبراني في الأوسط: في الإسلام. وقيل: الأصل في الأشياء الحل، وقيل الأصل فيها التحريم، أما حكم المنافع والمضارّ قبل البعثة فتقدم أوائل الكتاب حيث قيل: لا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا قلتم في باب التخصيص: ( فإذا قلنا: قامَ القومُ إلا زيدًا. فعلى الأصح نكون قد أثبتنا القيام للقوم ونفيناه عن زيد، وعند الحنفية نكون قد أثبتنا القيام للقوم وسكتنا عن زيد فقد يكون قائما كالقوم وقد لا يكون ).

قول الجمهور واضح وهو الذي يتبادر إلى الذهن لكن لم أفهم قول الاحناف فكيف يقولون إن قيام زيد مسكوت عنه؟



قولهم واضح أيضا تأمل قليلا يقصدون إذا قال المدير: نجح الطلاب إلا عليا، فهنا المدير حكم بنجاح الطلاب وسكت عن علي فقد يكون ناجحا وقد لا يكون أي أحكم بنجاح الطلاب كلهم إلا زيدا فلا أحكم عليه بنجاح ولا عدمه، كأن يريده أن يراجعه قبل أن يخبره بالنتيجة، والحنفية لا يحتجون بمفهوم المخالفة.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

حكمنا الآن في الزمن الثاني
شرع من قبلنا ليس شرعا لنا
واحتملَ تغيَّرَهُ بهِ
والمضارَّ التحريمُ.
إذا لم يعلمْ النفيُ ضرورةً
وليسَ كذلكَ فدلَّ على أنَّهُ ثابِتٌ ) لأنه مفروض الثبوت اليوم ( فدلَّ )
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس والعشرون بعد المائة- الاستدلال

الاستحسان- قول الصحابي- الإلهام- الخاتمة


أولا: الاستحسان في اللغة: عدُّ الشيء حسنا. وأما في الاصطلاح فقد اختلفوا في بيان حقيقته فذكروا له عدة تفسيرات منها:
1- دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عنه عبارته. أي لا يتمكن من بيانه للناس.
ورُدَّ هذا بأن الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد إن تحقق ثبوته في نفسه فهو مقبول اتفاقا. ولا أثر لعجزه عن التعبير عنه. وإن لم يتحقق فهو مردود.
2- عدول عن قياس إلى قياس أقوى منه. ولا خلاف فيه بهذا المعنى فإن أقوى القياسين مقدم على الآخر قطعا.
مثاله: العنب فإنه قد ثبت تحريم بيعه بالزبيب سواء أكان على رأس الشجر أم لا قياسا على الرطب، ثم إن الشارع أرخص في جواز بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر وهو المعروف ببيع العرايا، فقسنا عليه العنب وتركنا القياس الأول لكون الثاني أقوى، فلما اجتمع في القياس الثاني القوة والاضطرار إليه كان استحسانا.
3- عدول عن الدليل إلى العادة للمصلحة. أي هو عدول عن مقتضى الدليل العام إلى مقتضى العادة للمصلحة العامة.
مثاله: جواز دخول الحمام من غير تعيين زمن المكث ولا قدر الماء الذي يستعمله.
ورُدّ هذا بأنه إن كان جاريا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو في عهد الصحابة أو التابعين ولم ينكروه فقد قام دليله بالسنة أو الإجماع فيعمل بها قطعا. وإن لم تثبت تلك العادة في تلك الازمان فهي مردودة.
ولهذا قال العلامة عضد الدين الإيجي في شرحه على المختصر: والحقّ أنه لا يتحقق استحسان مختلف، لأنهم ذكروا في تفسيره أمورًا لا تصلح محلا للخلاف؛ لأن بعضها مقبول اتفاقا وبعضها مردد بين ما هو مقبول اتفاقا وما هو مردود اتفاقا. اهـ ويقصد بالمردد التعريف الأول دليل ينقدح.. إلخ فإنه يسأل ماذا تقصد بينقدح إن كان بمعنى يتحقق ثبوته فيجب العمل به اتفاقا ولا أثر لعجزه وإن كان بمعنى أنه شاك فيه فهو مردود اتفاقا، فلم يتحقق معنى للاستحسان مما ذكر يصلح محلا للنزاع، فإن تحقق وثبت استحسان مختلف فيه فيصدق عليه قول الإمام الشافعي: من استحسن فقد شرع.
وليس من الاستحسان الذي الكلام فيه استعمال هذا اللفظ عند الإمام الشافعي في مسائل قام عنده الدليل عليها فليس النزاع في جواز استعمال هذا اللفظ بمعناه اللغوي بل في حقيقته المضطربة.
ومن تلك المسائل قول الإمام الشافعي:
1- أستحسنُ التحليف على المصحف.
2- أسستحسن أن يترك للمكاتب شيء من نجوم الكتابة. أي يترك للعبد المكاتب شيئا من أقساط المبلغ.
3- أستحسن في المتعة- أي متعة الطلاق-ثلاثين درهما. أو ما قيمته ذلك وهذا أدنى المستحب.
4- حَسَنٌ أن يضع أصبعيه في صماخي أذنيه إذا أذن.
ثانيا: قول الصحابي ليس حجة على صحابي آخر اتفاقا. أما على التابعين فمن بعدهم فالأصح أنه ليس حجة كذلك، وقيل: حجة.
وأما قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه فهو محتج به لاعتباره في حكم المرفوع لا من حيث إنه قول له.
وهل يقلّد الصحابي كما يقلد الأئمة الأربعة ؟ خلاف. قيل: يقلد، وقيل: لا يقلد لأن مذاهبهم لم تدون وتفصل فيها المسائل كما حصل للأئمة الأربعة.
أما موافقة الشافعي لزيد بن ثابت رضي الله عنه في الفرائض فليس تقليدا له بل وافق اجتهاده اجتهاد زيد.
ثالثا: الإلهام: أن يوقع الله تعالى شيئا في قلب المؤمن يطمئن به قلبه ويثلج به صدره. فهل يعتبر دليلا في إثبات الأحكام؟
لا يعتبر من غير المعصوم لعدم الثقة بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها. وقيل: يعتبر في حق نفسه.
رابعا: مبنى الفقه على أربعة قواعد هي:
1- اليقين لا يُرفع بالشك. ورد في مسند البزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي أحدَكم الشيطانُ في صلاته فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث، فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. وأصله في الصحيحين.
ومن مسائل هذه القاعدة: من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر. ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث.
2- الضرر يُزال. روى أحمد والبيهقي وابن ماجه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار.
ويتخرّج على هذه القاعدة مسائل منها: وجوب رد المغصوب وضمانه إذا تلف.
3- المشقة تجلب التيسير. قال الله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وروى الشيخان: يسّروا ولا تعسّروا.
ويتخرج على هذه القاعدة جميع الرخص والتسهيلات كالفطر وقصر الصلاة للمسافر.
4- العادة مُحَكَّمَة. أي أن العادة تجعل حَكَما لإثبات حكم شرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته. قال تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند لما شكته شح أبي سفيان: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. رواه البخاري. والمعروف هو المتعارف عليه بين الناس وهذا يدل على أن العرف معمول به.
ومن مسائل هذه القاعدة تحديد أقل مدة الحيض والنفاس فإنه يرجع فيها إلى عادة النساء.
وزاد بعضهم قاعدة هي الأهم وهي: الأمور بمقاصدها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه.
ومن مسائل هذه القاعدة وجوب النية في الوضوء.
وقال بعضهم: إن مسائل الفقه ترجع إلى قاعدة واحدة وهي: اعتبار المصالح ودرء المفاسد، وقال بعضهم: ترجع إلى اعتبار المصالح، فإن درء المفاسد راجع إلى اعتبار المصالح.
والواقع أن مسائل الفقه لا يمكن إرجاعها إلى القواعد المذكورة إلا بتكلف وتعسف.

( شرح النص )​

مسألةٌ: المختارُ أَنَّ الاستحسانَ ليس دليلًا، وفُسِّرَ بدليلٍ يَنْقَدِحُ في نفسِ المجتهدِ تَقْصُرُ عنهُ عبارتُهُ، ورُدَّ بأنَّهُ إِنْ تَحقَّقَ فمعتَبَرٌ، وبعدولٍ عن قياسٍ إلى أقوى ولا خلافَ فيهِ أو عن الدليلِ إلى العادةِ، ورُدَّ بأنَّهُ إنْ ثَبَتَ أنَّها حقٌ فقدْ قامَ دليلُها وإلا رُدَّتْ، فانْ تحقَّقَ استحسانٌ مختلَفٌ فيهِ فمَن قالَ بهِ فقد شرَعَ، وليسَ مِنهُ استحسانُ الشافعيِّ التحليفَ بالمصحفِ، والحطَّ في الكتابةِ ونحوَهما.
مسألةٌ: قولُ الصحابي غيرُ حجَّةٍ على آخرَ وفاقًا وغيرِهِ في الأصحِّ، والأصحُّ أنَّهُ لا يُقَلَّدُ، أَمَّا وِفاقُ الشافعيِّ زيدًا في الفرائضِ فلدليلٍ لا تقليدًا.
مسألةٌ: الأصحُّ أَنَّ الإلهامَ وهوَ إيقاعُ شيء في القلبِ يطمئِنُّ له الصَّدْرُ يَخُصُّ بهِ اللهُ بعضَ أصفيائِهِ غيرُ حُجَّةٍ مِنْ غيرِ معصومٍ.
خاتمةٌ: مبنى الفقهِ على أنَّ اليقينَ لا يُرفعُ بالشَّكِّ، والضررُ يُزالُ، والمشقَّةُ تجلِبُ التيسيرَ، والعادةُ مُحَكَّمَةٌ
.
......................................................
( مسألةٌ: المختارُ أَنَّ الاستحسانَ ليس دليلًا ) إذْ لا دليلَ يدلُّ عليه وقيل: هو دليلٌ لقولِهِ تعالى: واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم. قلنا المراد بالأحسن الأظهر والأولى لا الاستحسان ( وفُسِّرَ بدليلٍ يَنْقَدِحُ في نفسِ المجتهدِ تَقْصُرُ عنهُ عبارتُهُ، ورُدَّ بأنَّهُ ) أي هذا الدليل ( إنْ تَحَقَّقَ ) بفتح التاء عند المجتهد ( فمعتَبَرٌ ) ولا يضرّ قصور عبارته عنه قطعا، وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا ( و ) فسر أيضا ( بعدولٍ عن قياسٍ إلى) قياس ( أقوى ) منه ( ولا خلافَ فيهِ) بهذا المعنى، إذْ أقوى القياسين مقدم على الآخر قطعا ( أو) بعدول ( عن الدليلِ إلى العادةِ ) لمصلحة، كدخول الحمام بلا تعيين أجرة وزمن مكث فيه وقدر ماء، وكشرب الماء من السقاء بلا تعيين قدره مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء ( ورُدَّ بأنَّهُ إنْ ثَبَتَ أنَّها ) أي العادة ( حقٌ ) لجريانها في زمنه صلى الله عليه وسلّم، أو بعده بلا إنكار منه ولا من الأئمة ( فقدْ قامَ دليلُها ) من السنة أو الإجماع فيعمل بها قطعا ( وإلا ) أي وإن لم يثبت حقيتها ( رُدَّتْ ) قطعا فلم يتحقق بما ذكر استحسان مختلف فيه ( فانْ تحقَّقَ ) بحيث يصلح أن يكون محلا للنزاع ( استحسانٌ مختلَفٌ فيهِ فمَن قالَ بهِ فقد شرَعَ ) بالتخفيف، وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قبل نفسه وليس له ذلك لأنه كفر إن اعتقد جوازه أو كبيرة إن لم يعتقد جوازه ( وليسَ مِنهُ ) أي من الاستحسان المختلف فيه أن تحقق ( استحسانُ الشافعيِّ التحليفَ بالمصحفِ، والحطَّ في الكتابةِ ) لشيء من نجومها (ونحوَهما ) كاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما، وإنما قال ذلك لأدلة فقهية مبينة في محالها، ولا ينكر التعبير بلفظ الاستحسان عن حكم ثبت بدليل ( مسألةٌ: قولُ الصحابيِّ ) المجتهد ( غيرُ حجَّةٍ على ) صحابي ( آخرَ وفاقًا و ) على ( غيرِهِ ) كتابعي ( في الأصحِّ ) لأن قول الصحابي ليس حجة في نفسه، والاحتجاج به في الحكم التعبدي من حيث إنه من قبيل المرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف لا من حيث إنه قول صحابي، وقيل: قوله على غير الصحابي حجة فوق القياس حتى يقدم عليه عند التعارض، وقيل: حجة دون القياس فيقدم القياس عليه، وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان في مسألة فقولاهما كدليلين فيرجح أحدهما بمرجح ( والأصحّ ) ما عليه المحققون ( أَنَّهُ ) أي الصحابي ( لا يُقَلَّدُ ) بفتح اللام أي ليس لغيره أن يقلده لأنه لا يوثق بمذهبه إذ لم يدوّن بخلاف مذهب غيره من الأئمة الأربعة، وقيل: يقلد ( أَمَّا وِفاقُ الشافعيِّ زيدًا في الفرائضِ ) حتى تردد في المسألة حيث تردّد ( فلدليلٍ لا تقليدًا ) لزيد بأن وافق اجتهاده اجتهاده ( مسألةٌ: الأصحُّ أَنَّ الإلهامَ وهوَ ) لغة إيقاع شيء في القلب كما يقال ألهمه الله تعالى الصبر وعرفا ( إيقاعُ شيءٍ في القلبِ يطمئِنُّ له الصَّدْرُ يَخُصُّ بهِ اللهُ ) تعالى ( بعضَ أصفيائِهِ غيرُ حُجَّةٍ ) إن ظهر ( مِنْ غيرِ معصومٍ ) لعدم الثقة بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها، وقيل: هو حجة في حقه فقط وقيل: حجة مطلقا واستدلوا بأدلة لا تفيد نفعا، أما من المعصوم كالنبيّ صلى الله عليه وسلّم فهو حجة في حقه وحق غيره إذا تعلق بهم كالوحي ( خاتمةٌ
) للاستدلالِ( مبنى الفقهِ على ) أربعة أمور، وإن لم يرجع أكثره إليها إلا بتكلف ( أَنَّ اليقينَ لا يُرفَعُ) من حيث استصحاب حكمه ( بالشكِّ ) بمعنى مطلق التردد الشامل للظن والوهم، ومن مسائله من تيقن الطهر وشك في الحدث يأخذ بالطهر ( و ) أن ( الضررَ يُزالُ ) وجوبا، ومن مسائله وجوب ردّ المغصوب وضمانه بالتلف ( و ) أن ( المشَقَّةَ تجلِبُ التيسيرَ ) ومن مسائله جواز القصر والجمع والفطر في السفر بشرطه ( و ) أن ( العادةَ مُحَكَّمَةٌ ) بفتح الكاف المشددة، أي حكّمها الشرع فيعمل بها شرعا فهي كالحَكَم، ومن مسائله أقل الحيض وأكثره، وزاد بعضهم على الأربعة أن الأمور بمقاصدها، ومن مسائله وجوب النية في الطهر.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

تَقْصُرَ عنهُ عبارتُهُ
أَمَّا وِفاقِ الشافعيِّ زيدًا في الفرائضِ
والضررُ يُزالُ، والمشقَّةُ تجلِبُ التيسيرَ، والعادةُ مُحَكَّمَةٌ
( خاتمةٌ للاستدلالِ ) مبنى الفقه على
مسألةٌ: الأصحُّ أَنَّ الإلهامَ وهوَ يطمئِنُّ له الصَّدْرُ
في النسخة المخطوطة للمتن ما في الشرح من الزيادة مثبت في المتن غير لفظة "لغة" هكذا : الأصحُّ أَنَّ الإلهامَ وهوَ إيقاع شيء في القلب يطمئِنُّ .
وكذا في شرح اللب المسمى بـ"تيسير الوصول" أثبت هذه الزيادة بالخط الأحمر لون المتن .
ما رأيكم شيخنا؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

تقبل الله منا ومنكم كل عام وأنتم بخير.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس والعشرون بعد المائة- التعادل والتراجيح

مقدمة


أولا: التعادل: تقابل الدليلين على جهة التمانع، والتراجيح جمع ترجيح وهو: تقوية أحد الدليلين.
ثم الدليلان المتعادلان إما أن يكونا قطعيين أو ظنيين أو يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا. فهنا أقسام:
1-تعادل القطعيين فإن كانا قطعيين فيمتنع تعادلهما أي تقابلهما بأن يدل أحدهما على ما ينافي الآخر؛ لأن كلا منهما يفيد العلم القاطع، ولا يتصور التعارض في القطعيات كدال على حدوث العالم ودال على قدمه، سواء كانا عقليين أم نقليين أو أحدهما عقليا والآخر نقليا إلا أن القاطعين إذا كانا نقليين فإنه يجوز تعارضهما باعتبار أن المتأخر ناسخ للمتقدم.
2- تعادل القطعي والظني وإن كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا فهنا حالتان:
أ- أن يكونا عقليين فلا يتصور التعارض بينهما وذلك كما إذا رأى إنسان مركب زيد وخادمه أمام بابه فظن أنه في البيت لوجود مركبه وخادمه، ثم رآه في نفس الوقت يمشي في الشارع فإنه في هذه الحالة لا دلالة للمركب والخادم على كونه في الدار حال مشاهدته خارجها فلا تعارض بينهما. أي تبطل دلالة الظني فلا يتصور التعارض من أساسه.
كذا ذكروا قال العلامة العطار في حاشيته: والحق أن دلالة الظني باقية، غاية الأمر تخلف الدليل عن المدلول، وهذا لا يخرجه عن دلالته؛ إذْ حاصل الدلالة كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر وهو موجود هنا. اهـ
ب- أن يكونا نقليين فلا يمتنع تعارضهما أي لا يمتنع أن يبقى الدليل الظني يدل على مقتضاه وإن ترك العمل به تقديما للقطعي على الظني أي أن الظني من النقليين باق على دلالته حال دلالة القطعي وإنما قدم القطعي عليه لقوته.
3- تعادل الظنيين -ويسمى الدليل الظني أمارة- وإن كانا ظنيين فقد اتفق الأصوليون على جواز التعارض بينهما بالنسبة لما في ظن المجتهد وفي ذهنه، واختلفوا في جوازه باعتبار الواقع ونفس الأمر فذهب الجمهور إلى جوازه، وقال بعض العلماء إنه يمتنع تعادل الأمارتين في الواقع ونفس الأمر من غير مرجح لأحدهما على الآخر؛ لأن ذلك يؤدي إلى التناقض في كلام الشارع حيث نصب دليلين متعارضين وهو محال.
وعلى القول الأول وهو عدم امتناع تعارض الظنيين في نفس الأمر فمتى وقع التعادل بين الدليلين الظنيين فإنهما يتساقطان كما في تعارض البيّنتين، وقيل: يخير بالعمل بينهما.
ثانيا: إن نقل عن مجتهد قولان متعاقبان في مسألة فالمتأخر منهما هو قوله المعمول به، وإن لم يكونا متعاقبين فالعمل بالقول الذي يتضمن إشعارا بترجيحه كأن قال: والأول منهما أشبه بالصحة أو فرّع على أحدهما.
فإن لم يتضمن ذلك واحد منهما دلّ على أن المجتهد قد تردّد بينهما، أي لم يظهر له وجه ترجيح، وقد وقع مثل ذلك للإمام الشافعي في ستة عشر مكانا أو سبعة عشر، ثم قيل في كيفية ترجيح أحد قولي الشافعي ما يلي:
قيل: يرجح قوله الذي خالف فيه الإمام أبا حنيفة لأنه إنما خالفه لدليل عنده فيترجح، وقيل: عكسه أي يرجح القول الذي وافق فيه الإمام أبا حنيفة لقوته بتعدد القائل به، واعترض بعضهم بأن القوة إنما تنشأ من قوة الدليل فلذلك قال: الأصح الترجيح بنظر المجتهد فما اقتضى ترجيحه بينهما فهو الراجح سواء كان موافقا قول أبي حنيفة أو مخالفه، فإن وقف نظره عن الترجيح فالوقف عن الحكم برجحان واحد منهما.
ثالثا: وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة ولكن عرف قوله في نظيرها فالأصح أن قوله في هذه هو قوله المخرّج في تلك.
والتخريج هو: أن يجيب الإمام بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين ولم يظهر ما يصلح للفرق بينهما، فينقل الأصحاب جوابه في كل صورة منهما إلى الأخرى. فيحصل في كل صورة منهما قولان: منصوص ومخرَّج. المنصوص في هذه الصورة هو المخرج في تلك، والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه، فيقال: فيهما قولان بالنقل والتخريج.
مثاله: قال في المنهاج: وإذا استعمل ما ظنه أراق الآخر فإن تركه وتغيّر ظنه لم يعمل بالثاني على النصّ. وهذه مسألة من مسائل الاجتهاد في الماء يقول إذا استعمل ما ظنه الطاهر من الماءين بالاجتهاد أراق الآخر ندبا فإن تركه بلا إراقة وتغير ظنه فيه لم يعمل بالثاني من ظنيه على الثابت بنص الإمام الشافعي.
ونظير هذه المسألة: قوله في المنهاج في الاجتهاد في القبلة: وإن تغير اجتهاده عمل بالثاني. وهذه مسألة من مسائل الاجتهاد في القبلة يقول: وإن تغير اجتهاده بأن ظهر له أن الصواب أن القبلة في جهة أخرى عمل بالاجتهاد الثاني وجوبا لأنه الصواب في ظنه.
فهاتان مسألتان متشابهتان نقل الإمام ابن سريج نص الشافعي في صورة الاجتهاد في الماء إلى صورة الاجتهاد في القبلة والعكس فصار في صورة الاجتهاد في الماء قولان: قول منصوص بعدم العمل بالثاني، وقول مخرج بالعمل بالثاني، وصار في صورة الاجتهاد في القبلة قولان أيضا: قول منصوص بالعمل بالثاني، وقول مخرج بعدم العمل بالثاني.
وحينئذ فتارة يرجح في كل منهما نصها ويفرق بينهما، وتارة يرجح في واحدة نصها وفي الأخرى المخرّج.
وقد يحصل اختلاف بين الأصحاب فبعضهم يبدي فرقا بين الصورتين وبالتالي لا يخرّج إحداهما على الأخرى، ومن هنا تنشأ ما يعرف بالطّرق وهي: اختلاف الأصحاب في نقل المذهب عن الإمام، كما في مسألة الاجتهاد في الماء والقبلة فمنهم من حكى فيها قولان منصوص ومخرج، ومنهم من لم يخرج فحكى النصين فقط.
ثم اعلم أن القول المخرّج لا ينسب للإمام بإطلاق بل يقيد فيقال هو قوله المخرّج.

( شرح النص )​

الكتابُ السادسُ في التعادُلِ والتراجيحِ
يمتنِعُ تعادُلُ قاطعينِ لا قطعيٍّ وظنيٍّ نقليينِ، وكذا أمارتانِ في الواقعِ في الأصحِّ، فإنْ تعادلتا فالمختارُ التساقُطُ، وإنْ نُقِلَ عن مجتهدٍ قولانِ فإنْ تعاقَبَا فالمتأخِّرُ قولُهُ، وإلا فما ذَكَرَ فيه مشعِرًا بترجيحِهِ، وإلا فهوَ متردِّدٌ ووقَعَ للشافعيِّ في بضعةَ عشرَ مكانًا ثمَّ قيلَ: مخالفُ أبي حنيفةَ أرجحُ مِن موافِقِه، وقيل: عكسُهُ، والأصحُّ الترجيحُ بالنظرِ فإنْ وَقَفَ فالوقفُ، وإنْ لمْ يعرفْ للمجتهدِ قولٌ في مسألةٍ لكنْ في نظيرِها فهُوَ قولُهُ المخرَّجُ فيها في الأصحِّ، والأصحُّ لا يُنسَبُ إليه مطلقًا بلْ مقيَّدًا ومِن معارضِةِ نصٍّ آخرَ للنَّظيرِ تنشأُ الطُّرُقُ
.
.....................................................................
( الكتابُ السادسُ في التعادُلِ والتراجيحِ ) بين الأدلة عند تعارضها ( يمتنِعُ تعادُلُ قاطعينِ ) أي تقابلهما بأن يدل كل منهما على منافي ما يدل عليه الآخر إذ لو جاز ذلك لثبت مدلولهما فيجتمع المتنافيان فيلزم اجتماع النقيضين، فلا وجود لقاطعين متنافيين عقليين أو نقليين أو عقلي ونقلي، والكلام في النقليين حيث لا نسخ كما يعلم مما سيأتي ( لا ) تعادل ( قطعيٍّ وظنيٍّ نقليينِ ) فلا يمتنع لبقاء دلالتيهما، وإن انتفى الظن عند القطع بالنقيض لتقدم القطعي على الظني حينئذ، وخرج بالنقليين غيرهما، كأن ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها ثم شوهد خارجها، فيمتنع تعادلهما لانتفاء دلالة الظني حينئذ ( وكذا أمارتانِ ) أي دليلان ظنيان لا يمتنع تعادلهما ولو بلا مرجح لإحداهما ( في الواقعِ ) أي كأن ينصب الشارع على حكم أمارتين متكافئتين فى نفس الأمر ( في الأصحِّ ) إذ لو امتنع لكان الامتناع لدليل والأصل عدمه، وهذا ما عليه ابن الحاجب تبعا للجمهور، وإن لم يصرحوا بقيد الواقع، وقيل: يمتنع بلا مرجح ورجحه الأصل حذرا من التعارض في كلام الشارع، وأجاب الأول بأنه لا محذور في ذلك أي فقد يكون نصب الأمارتين لغرض صحيح، أما تعارضهما في ذهن المجتهد فواقع قطعا بلا خلاف وهو أي التعارض منشأ تردّده، وعلى الأول أي القول بعدم الامتناع ( فإنْ تعادلتا ) ولا مرجح ( فالمختارُ التساقُطُ ) كما في تعارض البينتين، وقيل: يخير بينهما في العمل، وقيل: يوقف عن العمل بواحدة منهما ( وإنْ نُقِلَ عن مجتهدٍ قولانِ فإنْ تعاقَبَا فالمتأخِّرُ ) منهما ( قولُهُ ) المستمر والمتقدم مرجوع عنه ( وإلا ) أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معا ( فما ) أي فقوله المستمر منهما ما ( ذَكَرَ فيهِ ) المجتهد ( مشعِرًا بترجيحِهِ ) على الآخر كقوله هذا أشبه وكتفريعه عليه ( وإلا ) أي وإن لم يذكر ذلك ( فهو متردّدٌ ) بينهما فلا ينسب إليه ترجيح أحدهما، وفي معنى ذلك ما لو جهل تعاقبهما أو علم وجهل المتأخر أو نسي ( ووقَعَ ) هذا التردد ( للشافعيِّ ) رضي الله عنه ( في بضعةَ عشَرَ مكانًا ) ستة عشر أو سبعة عشر، كما تردد فيه القاضي أبو حامد المَرْوَرُوْذِيُّ من كبار أصحابنا ( ثُمَّ قيلَ ) أي قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني في ترجيح أحد قولي الشافعي المتردد بينهما ( مخالفُ أبي حنيفةَ ) منهما ( أرجحُ مِن موافِقِه ) فإن الشافعي إنما خالفه لدليل ( وقيل: عكسُهُ ) أي موافقه أرجح وهو قول القفال الصغير، وصححه النووي لقوّته بتعدد قائله، وردّ بأن القوة إنما تنشأ من الدليل فلذلك قال كالأصل ( والأصحُّ الترجيحُ بالنظرِ ) فما اقتضى ترجيحه منهما فهو الراجح ( فإنْ وَقَفَ ) نظر المجتهد عن الترجيح ( فالوقفُ ) عن الحكم برجحان واحد منهما ( وإنْ لمْ يعرفْ للمجتهدِ قولٌ في مسألةٍ لكنْ ) يعرف له قول ( في نظيرِها فهُوَ ) أي قوله في نظيرها ( قولُهُ المخرَّجُ فيها في الأصحِّ ) أي خرجه الأصحاب فيها إلحاقا لها بنظيرها، وقيل: ليس قولا له فيها لاحتمال أن يذكر فرقا بين المسألتين لو روجع في ذلك ( والأصحُّ ) على الأول ( لا يُنْسَبُ ) القول فيها ( إليهِ مطلقًا بلْ ) ينسب إليه ( مقيَّدًا ) بأنه مخرج حتى لا يلتبس بالمنصوص، وقيل: لا حاجة إلى تقييده لأنه جعل قوله ( ومِن معارضِةِ نصٍّ آخرَ للنَّظيرِ ) أي لنصّ في نظير المسألة، مثاله: أن يقول مثلا بالحلّ في النبيذ والحرمة في الخمر فقد نص في كل من هاتين المسألتين المتشابهتين على حكم يخالف الحكم الذي نص عليه في الأخرى ( تنشأُ الطُّرُقُ ) وهي اختلاف الأصحاب في نقل المذهب في المسألتين، فمنهم من يقرّر النصين فيهما ويفرق بينهما كأن يقرر في المثال السابق الحرمة في الخمر والحل في النبيذ ويذكر فرقا دعا لاختلاف حكميهما كأن يقول مثلا الخمر هي محل النص ولا يقاس عليه، ومنهم من يخرج نص كل منهما في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصا ومخرجا أي فيصير في كل من الخمر والنبيذ قولان: منصوص ومخرّج من الآخر، فالخمر فيه نصّ بالحرمة وقول مخرّج بالحل منقول إليه من النص الذي في النبيذ، والنبيذ فيه نص بالحل وقول مخرج بالحرمة منقول إليه من الخمر، وعلى هذا الثاني فتارة يرجح في كل منهما نصها ويفرق بينهما كأن يرجح حرمة الخمر وحل النبيذ، وتارة يرجح في أحدهما نصها، وفي الأخرى المخرج، ويذكر ما يرجحه على نصها، كأن يرجح حرمة الخمر وحرمة النبيذ ويبدي من الدليل ما جعله يرجح القول المخرج في النبيذ على النص فيه، ولا يمكن ترجيح المخرج في كل منهما كأن يرجح حل الخمر وحرمة النبيذ لأنه يستلزم إلغاء كل من النصين.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

في النسخة المخطوطة للمتن ما في الشرح من الزيادة مثبت في المتن غير لفظة "لغة" هكذا : الأصحُّ أَنَّ الإلهامَ وهوَ إيقاع شيء في القلب يطمئِنُّ .
وكذا في شرح اللب المسمى بـ"تيسير الوصول" أثبت هذه الزيادة بالخط الأحمر لون المتن .
ما رأيكم شيخنا؟
نعم ما دامت مثبتة في المخطوطة فنثبتها فإن المعنى لا يستقيم بدونها. أحسنت المتابعة.
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا قلتم في باب التخصيص:

( وهو ) أي الشرط اللغوي ( تعليقُ أمرٍ بأمرٍ كلٌّ منهما في المستقبَلِ أو ما يدُلُّ عليهِ ) من صيغة نحو أكرم بني تميم إن جاءوا أي الجائين منهم، بمعنى أن الشرط يراد به أحد معنيين إما نفس التعليق المعنوي أو الصيغة اللفظية أي إن جاءوا في المثال السابق.

ما المراد بنفس التعليق المعنوي؟ هل هو أن يكون في الكلام معنى هذا التعليق دون الصيغة اللفظية للشرط؟ وإن كان كذلك فهل من مثال؟
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

وهو قول القفال الصغير، وصححه النووي
فمنهم من حكى فيها قولان
فيجتمع المتنافيات فيلزم
أبو حامد الاسفراييني في
الأصح الترجيح بنظرالمجتهد فما اقتضى ترجيحه بينهما فهو الراجح
ما المراد بالمجتهد هنا؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

يا أبا عبد الرحمن دلني من فضلك على رابط مخطوط غاية الوصول إذا كان متوفرا.
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

لا أستحضر رابط التنزيل الآن وغالب الظن أنه كان من جامع المخطوطات الإسلامية
ويبدو أنه اختصار أولي للشيخ لأنه لا يفترق عن المتداول المطبوع إلا فيما خالف فيه الشيخ الأصل؛ فهو مختصر للجمع تماما مع إبقاء اختياراته كما هي والله أعلم
حاولت أن أرفقه في ملف فلم يسمح لكبر حجمه فهو مكون من 45 لوحة فإذا أردتم لوحة معينة أرفقتها
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,649
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

أنا أحاول أن أكتب شرحا للدرس القادم فاستوقفتني عبارة له في النسخة المطبوعة وهي قوله: فإن علم المتأخر فناسخ وإلا رجع إلى مرجح فإن تعذر فإن لم يتقارنا... شككت فيما لونه أحمر ولما رجعت إلى مخطوطة تيسير الوصول لم يثبتها، فأردت أن أنظر في مخطوطة غاية الوصول شرح لب الأصول عليّ أن أتأكد فإن كان عندك هذه الصفحة فحملها في المرفقات رجاء.
مخطوط غاية الوصول كان موجودا في أحد المواقع ولكني نسيته وأعياني البحث.
 
أعلى