العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
فهذه دروس ميسرة في شرح متن لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري رحمه الله كتبتها لمن درس شرح الورقات وأخذ معه جملة من المقدمات في العلوم الشرعية على ما بينته في هذا الرابط:
http://www.feqhweb.com/vb/t22836
ثم إني بقيت مدة متحيرا كيف أشرح هذا الكتاب فرأيت أولا أن أسير فيه منهج أهل التدقيق فأخذت أكتب عند قوله المقدمات هل هي بكسر الدال أو بفتحها وهل هي مقدمة علم أو مقدمة كتاب وما الفرق بينهما وما النسبة المنطقية بين الاثنين، ثم شرعت في بيان موضوع علم الأصول فجرني هذا إلى بيان قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فأخذت أبين الأعراض الذاتية والأعراض الغريبة وما يرد على هذا القول من إشكال، ثم أردت أن أقارن بين لب الأصول والأصل الذي أخذ منه أعني جمع الجوامع ولماذا عدل صاحب اللب عن عبارة الأصل وغير ذلك فرأيت أن الكلام سيطول جدا وسيعسر على الطالب فاستقر رأيي على أن أخفف المباحث وأقتصر على إفهام الطالب متن اللب فإن لتلك المباحث مرحلة أخرى.
وإني أنصح القارئ أن يقرأ ما كتبته في شرحي على الورقات قبل أو بعد أن يقرأ الدرس وسأقتطع من الشرح مقدار ما يتعلق بالدرس المكتوب فقط.

http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=11309&p=77869&viewfull=1#post77869


الدرس الأول- المقدمات

تعريف أصول الفقه والفقه

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ المستفيدِ.
والفقه: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
" أدلة الفقه الإجمالية " اعلم أن أدلة الفقه نوعان: نوع مفصّل معين وهو المتعلق بمسألة معينة نحو ( وأَقيموا الصلاةَ ) فإنه أمر بالصلاة دون غيرها، ونحو ( ولا تقربوا الزنا ) فإنه نهي عن الزنا دون غيره.
ودليل إجمالي غير معين وهي القواعد الأصولية نحو: ( الأمر للوجوب )، و( النهي للتحريم )، و( القياس حجة معتبرة ).
فالإجمالية: قيد احترزنا به عن أدلة الفقه التفصيلية التي تذكر في كتب الفقه فإنها ليست من أصول الفقه.
والاستدلال بالقواعد الأصولية يكون بجعلها مقدمة كبرى، والدليل التفصيلي مقدمة صغرى فنقول في الاستدلال على وجوب التيمم:
فتيمموا في قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا أمرٌ- والأمرُ للوجوب= فتيمموا للوجوب أي أن التيمم واجب وهو المطلوب.
فالعلم بوجوب التيمم الذي هو فقه مستفاد من دليل تفصيلي هو ( فتيمموا ) بواسطة دليل إجمالي هو الأمر للوجوب.
وقولنا: " وطرق استفادةِ جُزئياتِها " أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهي أدلة الفقه المفصلة؛ فإن قاعدة الأمر للوجوب مثلا دليل إجمالي له جزئيات كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيبحث علم الأصول عن الأدلة الإجمالية، وعن طرق استفادة المسائل الفقهية من الأدلة التفصيلية وذلك بمبحث التعارض والترجيح حيث يبين فيه كيفية رفع التعارض الظاهري بين الأدلة التفصيلية، فالمقصود بالطرق هي المرجحات الآتي بيانها إن شاء الله كقاعدة تقديم الخاص على العام التي يرفع بها التعارض بين العام والخاص.
وقولنا: " وحال المستفيد " أي وصفات المستفيد للأحكام من أدلة الفقه التفصيلية وهو المجتهد فيبين في الأصول ما يشترط في الشخص كي يكون مجتهدا ككونه عالما بالكتاب والسنة ولغة العرب وأصول الفقه.
والخلاصة هي أن علم أصول الفقه يبين فيه ما يلي:
1- القواعد العامة لاستنباط الفقه كقواعد الأمر والنهي.
2- القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
3- صفات المجتهد أي الشروط اللازمة للاجتهاد.
فهذه الثلاثة مجتمعة هي أصول الفقه.
وأما الفقه فهو: علمٌ بحكمٍ شرعِيٍّ عمليٍّ مُكْتَسَبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.
مثل: النية في الوضوء واجبةٌ، فمن صدّق وحكم بهذه النسبة أي ثبوت الوجوب للنية في الوضوء مستنبطا هذا الحكم من النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم فقد فقه تلك المسألة.
فقولنا: " علم " أي تصديق.
وقولنا: " حكم شرعي " احترزنا به عن غير الحكم الشرعي كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن الفاعل مرفوع، فالعلم بها لا يسمى فقها.
وقولنا: " عملي " كالعلم بوجوب النية في الوضوء، وندب الوتر، احترزنا به عن الحكم الشرعي غير المتعلق بعمل كالإيمان بالله ورسوله فليس من الفقه إصطلاحا.
وقولنا " مُكتسَبٌ " بالرفع صفة للعلم وهو العلم النظري، احترزنا به عن العلم غير المكتسب كعلم الله سبحانه وتعالى بالأحكام الشرعية العملية فإنه لا يسمى فقها لأن علم الله أزلي وليس بنظري مكتسب.
وقولنا: " من دليلٍ تفصيليٍّ " احترزنا به عن علم المقلد، فإن علمه بوجوب النية في الوضوء مثلا لا يسمى فقها لأنه أخذه عن تقليد لإمام لا عن دليل تفصيلي.

( شرح النص )

قال الإمام أَبو يحيى زكريا بنُ محمدِ بنِ أحمدَ الأنصاريُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ( ت 926 هـ ):

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ الذي وَفَّقَنا للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ، وَيسَّرَ لنا سُلوكَ مناهِجَ بقوَّةٍ أَودَعَها في العقولِ، والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ الفائزينَ مِنَ اللهِ بالقَبولِ .
وبعدُ فهذا مُختصرٌ في الأَصلينِ وما معَهُما اختصرتُ فيهِ جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ التَّاجِ السُّبْكِيِّ رحِمَهُ اللهُ، وأَبدلْتُ مِنْهُ غيرَ المعتمدِ والواضحِ بهما معَ زياداتٍ حَسَنَةٍ، ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بعندِنا، وغيرِهمْ بالأصحِّ غالبًا.
وسمَّيْتُهُ لُبَّ الأصولِ راجيًا مِنَ اللهِ القَبولِ، وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ.
وينحصرُ مقْصُودُهُ في مقدِّمَاتٍ وسبعِ كُتُبٍ.

............................................................................
( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ) الباء في البسملة للمصاحبة لقصد التبرك أي أؤلف مع اسم الله الرحمن الرحيم متبركا باسمه العظيم، والله: علم على المعبود بحق، والرحمن والرحيم صفتان مشبهتان من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأنه يزيد عليه بحرف وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك قالوا: الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وأما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين يوم القيامة.
( الحمدُ للهِ ) الحمد هو: وصف المحمود بالكمال حبا له وتعظيما ( الذي وَفَّقَنا ) التوفيق هو: جعل الله فعلَ عبده موافقا لما يحبه ويرضاه ( للوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ ) أي أصول الفقه، وفي هذا التعبير براعة استهلال وهو أن يستفتح المتكلم كلامه بألفاظ تدل على مقصوده وهنا ذكر المصنف كلمة الأصول ليشير إلى أن كتابه هذا في علم الأصول.
( وَيسَّرَ ) أي سهّل ( لنا سُلوكَ ) أي دخول ( مناهجَ ) جمع منْهَج و هو: الطريق الواضح، أي سهل الله لنا سلوك طرق واضحة في العلوم ( بـ ) سبب ( قوَّةٍ ) للفهم ( أَودَعها ) اللهُ سبحانه وتعالى ( في العقولِ ) يخص بها من شاء من عباده.
( والصلاةُ السلامُ على محمَّدٍ ) الصلاة من الله هو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والخلق هو طلب ذلك الثناء من الله تعالى، والسلام أي التسليم من كل النقائص، ومحمد اسم نبينا عليه الصلاة والسلام سمّي به بإلهام من الله تعالى لأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة ( وآلهِ ) هم مؤمنو بني هاشِم وبني المطَّلِب ( وصحبهِ ) أي أصحابه والصحابي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الفائزينَ ) أي الظافرينَ ( مِنَ اللهِ بالقَبولِ ) والرضا.
( وبعدُ ) أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر ( فهذا ) المُؤَلَّفُ ( مُختصرٌ ) وهو ما قل لفظه وكثر معناه ( في الأَصلينِ ) أي أصول الفقه وأصول الدين ( وما معَهُما ) أي مع الأصلين من المقدمات والخاتمة التي ذكر فيها نبذة في السلوك والتصوّف ( اختصرتُ فيهِ ) أي في هذا المختصر ( جمعَ الجوامعِ للعلَّامةِ ) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الملقّب بـ ( التَّاجِ ) أي تاج الدين ( السُّبْكِيِّ ) نسبة إلى سُبْكٍ وهي قرية من قرى محافظة المنوفية بمصر المتوفي عام 771 هـ ( رحِمَهُ اللهُ ) وغفر له ( وأَبدلْتُ ) معطوف على اختصرتُ ( مِنْهُ ) أي من جمع الجوامع ( غيرَ المعتمدِ ) من المسائل ( و ) غير ( الواضحِ ) من الألفاظ ( بهما ) أي بالمعتمد والواضح ( معَ زياداتٍ حسنةٍ ) أضافها على جمع الجوامع.
( ونبَّهْتُ على خلافِ المعتزلةِ بـ ) قوله ( عندِنا ) أي عند الأشاعرة فحيث قال: عندنا فيعرف أن المعتزلة- ولو مع غيرهم- قد خالفوا الأشاعرة في هذه المسألة.
( و ) نبهَّتُ على خلاف ( غيرِهمْ ) أي غير المعتزلة كالحنفية والمالكية وبعض أصحابنا الشافعية ( بالأصحِّ ) فحيث قال: الأصح كذا فيعرف وجود خلاف في المسألة لغير المعتزلة ( غالبًا ) أي هذا بحسب غالب استعماله للتعبير بعندنا وبالأصح وقد ينبه على الخلاف بقوله: والمختار كذا.
( وسمَّيْتُهُ ) أي هذا المختصر ( لُبَّ الأصولِ ) واللب خالص كل شيء فمن أراد لبَّ هذا العلم فعليه بهذا الكتاب ( راجيًا ) أي مؤملا ( مِنَ اللهِ القَبولِ ) أي أن يتقبله عنده ولا يرده على صاحبه ( وأَسألُهُ النَّفعَ بهِ ) أي بلب الأصول لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين ( فإنَّهُ خيرُ مأمولٍ ) أي مرجو.
( وينحصرُ مقْصُودُهُ ) أي مقصود لب الأصول ( في مقدِّمَاتٍ ) أي أمور متقدمة على الكتب السبعة تعرض فيها لتعريف علم الأصول وبيان الحكم الشرعي وأقسامه وغير ذلك ( وسبعِ كُتُبٍ ) الكتاب الأول في القرآن، والثاني في السنة، والثالث في الإجماع، والرابع في القياس، والخامس في الاستدلال بغير ذلك من الأدلة كالاستصحاب وبيان الأدلة المختلف فيها، والسادس في التعارض والترجيح، والسابع في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا، وما ضم إليه من مسائل علم الكلام وخاتمة التصوف، فهذا هو محتوى هذا الكتاب.

الُمقَدِّمَات

أصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ، وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها، وحالُ مُسْتَفِيدِها. وقِيلَ مَعْرِفَتُها.
والفِقْهُ: علمٌ بحكمٍ شرعيٍ عمليٍ مكتسبٌ من دليلٍ تفصيليٍّ.

............................................................................
هذا مبحث ( المقدِّمات ) وهي أمور متقدِّمة على المقصود ينتفع بها الطالب قبل أن يدخل في مباحث العلم، ابتدأها بتعريف العلم كي يتصوره الطالب تصورا إجماليا قبل أن يدخل فيه فقال: ( أصولُ الفقهِ ) أي هذا الفن المسمى بهذا الاسم هو ( أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليةُ ) أي غير المعينة كالأمر للوجوب والنهي للتحريم ( وطرقُ استفادةِ جُزئياتِها ) أي جزئيات أدلة الفقه الإجمالية التي هي أدلة الفقه التفصيلية كأقيموا الصلاة، والمراد بالطرق المرجحات عند التعارض الآتي بيانها في الكتاب السادس ( وحالُ مُسْتَفِيدِها ) أي صفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية وهو المجتهد.
( وقِيلَ ) إن أصول الفقه ( مَعْرِفَتُها ) أي معرفة أدلة الفقه الإحمالية وطرق استفادةِ جزئياتها وحال مستفيدها، فبعض العلماء اختار في تعريف أصول الفقه التعبير بأدلة الفقه الإجمالية.. وبعضهم اختار التعبير بمعرفة أدلة الفقه الإجمالية... أي إدراك تلك الأدلة، والفرق بين التعريفين هو أنه على التعريف الأول يكون أصول الفقه نفس الأدلة، عُرفت أم لم تعرف، وعلى التعريف الثاني يكون أصول الفقه المعرفة القائمة بعقل الأصولي، والمصنف أشار بقيل إلى أن التعريف الأول أولى، لأنه أقرب إلى المدلول اللغوي فإن الأصول في اللغة جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالدليل فإنه أصل للحكم، والأمر في ذلك هين فإن العلوم المدونة تارة تطلق ويراد بها القواعد وتارة تطلق ويراد بها معرفة تلك القواعد، كالنحو فتارة يراد به الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب ونحو ذلك وتارة يراد به معرفة تلك القواعد.
( والفِقْهُ: علمٌ ) أي تصديق ( بحكمٍ شرعيٍ ) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي صلى الله عليه وسلم ( عمليٍ ) قيد لإخراج الأحكام الشرعية الاعتقادية كالإيمان بالله واليوم الآخر ( مكتسبٌ ) هو بالرفع صفة للعلم لإخراج العلم غير المكتسب كعلم الله الأزلي ( من دليلٍ تفصيليٍّ ) للحكم قيد لإخراج علم المقلِّد.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثاني بعد المائة- القياس

مسالك العلة- السبر والتقسيم


أولا: ومن مسالك العلة السَّبْر والتقسيم وهو: حصر الأوصاف الموجودة في الأصل- أي المقيس عليه- وإبطال ما لا يصلح للعلية منها.
مثاله: أن يقال للقياس على البر في الربوية: إن الأوصاف يمكن أن تكون في بادئ الرأي: الطعم والقوت والكيل. ثم يبطل ما عدا الطعم مثلا فيتعين للعلية.
والسبر والتقسيم اسمان لشيء واحد في اصطلاح الأصوليين، وقال المحقق التفتازاني في حاشيته على شرح المختصر: وعند التحقيق الحصر راجع إلى التقسيم والسبر إلى الإبطال.
ثانيا: عند المناظرة يكفي في دفع منع المعترض حصر الأوصاف التي ذكرها المستدل أن يقول المستدل:
أ- بحثت فلم أجد غير هذه الأوصاف. وإنما يكون قوله ذلك كافيا لأن المفروض أنه عدل وأنه من أهل النظر والاجتهاد. ويفهم من ذلك أن العدالة والأهلية لا بد منهما لقبول قوله.
ب- إن الأصل عدم غيرها.
وأما المجتهد الناظر لنفسه فيرجع في حصر الأوصاف إلى ظنه فيأخذ به ولا يكابر نفسه ويكون مؤاخذا بما أوجبه ظنه.
ثالثا: ينقسم هذا المسلك إلى قطعي وظني. بيانه:
إن هذا المسلك يعتمد على حصر وإبطال فإذا كان الحصر قطعيا بأن لا يجوز أن يكون هنالك قسم آخر غير المذكور مثل قولنا: العالم إما قديم أو حادث، فيستحيل وجود قسم ثالث، وكان الإبطال قطعيا لكل الأوصاف ما عدا الوصف المعتمد كإبطال قدم العالم فيثبت حدوثه كان هذا المسلك قطعيا مفيدا لليقين، وإن كان الحصر والإبطال أو أحدهما غير قطعي فهذا المسلك يفيد الظن كأن يقال: علة حرمة الربا في الربويات إما الكيل أو القوت أو الطعم فيبطل الكل ما عدا الطعم، فلا الحصر يقيني ولا الإبطال يقيني فقد اختلف المجتهدون فيه.
والظني من السبر والتقسيم حجة للناظر لنفسه وللمناظر لغيره. هذا رأي أكثر العلماء؛ لأن العمل بالظن واجب.
وقيل: حجة للناظر لنفسه دون المناظر غيره، وقيل: ليس حجة مطلقا لا للناظر ولا للمناظر.
رابعا: وفي الحصر الظني إن أبدى المعترض وصفا زائدا على الأوصاف التي ذكرها المستدل لم يكلف المعترض بيان صلاحية وصفه للعلية؛ لأن إبطال الحصر بإبداء وصف زائد عليه كاف في الإعتراض.
وعلى المستدل حينئذ أن يدفع ذلك بإبطال التعليل بالوصف الذي أورده المعترض. ولا ينقطع في المناظرة حتى يعجز عن إبطاله.
وقد يتفق المستدل والمعترض على إبطال الأوصاف المحصورة إلا وصفين منها يقول بأحدهما المستدل ويقول بالثاني المعترض فحينئذ يكفي المستدل أن يقول: العلة إما هذا أو ذاك، لا جائز أن تكون ذاك لسبب كذا فيتعيّن الآخر للعلية.
خامسا: من طرق إبطال الوصف بيان أنه طردي أي من جنس ما علم أن الشارع ألغاه، سواء كان الإلغاء عاما كالطول والقصر فهذه لم يعتبرها الشرع في الاحكام مطلقا، أو كان الإلغاء في حكم معين كالذكورة والأنوثة في العتق.
سادسا: ومن طرق الإبطال أن لا تظهر- بعد البحث- مناسبة الوصف للحكم.
فللمستدل أن يقول في إبطال وصف: لا يظهر له مناسبة للحكم، فإذا حذف المستدل ذلك الوصف لم يحتج في ذلك إلى دليل، بل يكفي أن يقول: بحثت فلم أجد ما يوهم مناسبة؛ لكونه عدلا مع أهليته للنظر.
فإن ادعى المعترض أن الوصف الذي أبقاه المستدل لم تظهر مناسبته للحكم أيضا فليس للمستدل أن يبين المناسبة؛ لأن ذلك انتقال من طريق السبر إلى طريق المناسبة وهذا يؤدي إلى إنتشار الكلام وتشعبه المحذور في الجدل.
لكن للمستدل أن يرجح سبره على سبر المعترض النافي لعلية الوصف المبقى بموافقة سبره لتعدية الحكم لأن التعدية أكثر فائدة من قصور الوصف على محل الحكم، كأن يقول المستدل: إن علتي متعدية في سائر المحلات بخلاف علتك فإنها قاصرة على بعض المحلات. فكأنه يقول: سلمت لك جدلا عدم مناسبة وصفي لكن وصفي المتعدي أرجح من وصفك القاصر.

( شرح النص )​

الرابِعُ السَّبْرُ والتقسيمُ وهوَ: حصرُ أوصافِ الأصلِ وإبطالُ ما لا يصلحُ فيتعيَّنُ الباقي، ويكفي قولُ المستدلِّ: بحثتُ فلمْ أَجِدْ، أَو الأَصلُ عدمُ غيرِها، والناظِرُ يرجِعُ إلى ظنِّهِ، فإِن كانَ الحصرُ والإبطالُ قطعِيًّا فقطعِيٌّ، وإلا فظنِّيٌّ وهوَ حجّةٌ في الأصحِّ، فإنْ أَبدى المعترِضُ وصفًا زائدًا لمْ يُكلَّفْ ببيانِ صلاحيّتِهِ للتَّعليلِ، ولا ينقطِعُ المستدِلُّ حتى يَعجِزَ عن إبطالِهِ في الأصحِّ، فإِن اتَّفقا على إبطالِ غيرِ وصفينِ كفاهُ التَّردِيدُ بينهما.
ومِنْ طُرقِ الإبطالِ: بيانُ أَنَّ الوصفَ طردِيٌّ كالطُّولِ وكالذُّكورةِ في العِتقِ، وأَنْ لا تظهرَ مُناسَبَةُ المحذوفِ، ويكفي قولُ المستدلِّ: بحثتُ فلمْ أَجِدْ مُوهِمَ مناسبةٍ، فإِنْ ادّعى المعترضُ أَنَّ المُبْقَى كذلكَ فليسَ
للمستدلِّ بيانُ مناسَبتِهِ، لكنْ لهُ ترجيحُ سَبْرِهِ بموافقةِ التَّعديةِ.
.......................................................................
( الرابِعُ ) من مسالك العلة ( السَّبْرُ ) وهو لغة الاختبار ( والتقسيمُ ) وهو إظهار الشيء الواحد على وجوه مختلفة ( وهوَ ) أي ما ذكر من السبر والتقسيم اصطلاحا ( حصرُ أوصافِ الأصلِ ) المقيس عليه ( وإبطالُ ما لا يصلحُ ) منها للعلية ( فيتعيَّنُ الباقي ) لها كأن يحصر أوصاف البرّ في قياس الذرة عليه في الطعم وغيره ويبطل ما عدا الطعم بطريقه كأن يبطل القوت بثبوت الربا فى الملح مع انتفاء القوت فيتعين الطعم للعلية ( ويكفي ) في دفع منع المعترض حصر الأوصاف التي ذكرها المستدل بأن قال المعترض يمكن أن يكون فى الأصل وصف آخر ( قولُ المستدلِّ ) في المناظرة في حصرها أي الأوصاف ( بحثتُ فلمْ أَجِدْ ) غيرها لعدالته مع أهلية النظر ( أَو الأَصلُ عدمُ غيرِها ) فلا يثبت وجود غيرها الا بدليل يدل عليه فيندفع عنه بذلك منع الحصر ( والناظِرُ ) لنفسه ( يرجِعُ ) في حصر الأوصاف ( إلى ظنِّهِ ) فيأخذ به ولا يكابر نفسه ( فإِن كانَ الحصرُ والإبطالُ ) أي كل منهما ( قطعِيًّا فـ ) ـهذا المسلك ( قطعِيٌّ وإلا ) بأن كان كل منهما ظنيا أو أحدهما قطعيا والآخر ظنيا ( فظنِّيٌّ وهوَ ) أي الظني ( حجّةٌ ) للناظر لنفسه والمناظر غيره بمعنى أنه موجب للعمل فى حقه وقاطع لخصمه ( في الأصحِّ ) لوجوب العمل بالظن، وقيل: ليس بحجة مطلقا، وقيل: حجة لهما إن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل أي على أنه من الأحكام المعللة لا التعبدية أما ما اختلف في تعليله في الأصل فلا، وقيل: حجة للناظر دون المناظر لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه ( فإنْ أَبدى المعترِضُ ) على الحصر الظني ( وصفًا زائدًا ) على الأوصاف ( لمْ يُكلَّفْ ببيانِ صلاحيّتِهِ للتَّعليلِ ) لأن بطلان الحصر بإبدائه كاف في الاعتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به ( ولا ينقطِعُ المستدِلُّ ) بإبدائه ( حتى يَعجِزَ عن إبطالِهِ في الأصحِّ ) لأنه لم يدّع القطع في الحصر لكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف المبدى عن أن يكون علة، فإن عجز عن إبطاله انقطع، وقيل: ينقطع بإبدائه لأنه ادعى حصرا وقد أظهر المعترض بطلانه ( فإِن اتَّفقا ) أي المتناظران ( على إبطالِ غيرِ وصفينِ ) من أوصاف الأصل واختلفا في أيهما العلة ( كفاهُ ) أي المستدل ( التَّردِيدُ بينهما ) من غير احتياج إلى ضم غيرهما إليهما في الترديد لاتفاقهما على إبطاله فيقول العلة إما هذا أو ذاك لا جائز أن تكون ذاك لكذا فتعين أن تكون هذا ( ومِنْ طُرقِ الإبطالِ ) لعلية الوصف ( بيانُ أَنَّ الوصفَ طردِيٌّ ) أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه إما مطلقا ( كالطُّولِ ) والقصر في الأشخاص، فإنهما لم يعتبرا في شيء من الأحكام فلا يعلل بهما حكم ( و ) إما مقيدا بذلك الحكم ( كالذُّكورةِ ) والأنوثة ( في العِتقِ ) فإنهما لم يعتبرا فيه فلا يعلل بهما شيء من أحكامه الدنيوية، وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والإرث وغيرها، وفي العتق بالنظر لأحكامه الأخروية فقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزي كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضوا منها. ( و ) من طرق الإبطال ( أَنْ لا تظهرَ مُناسَبَةُ ) الوصف ( المحذوفِ ) أي الذي حذفه المستدلّ عن الاعتبار للحكم بعد بحثه عنها ( ويكفي ) في عدم ظهور مناسبته ( قولُ المستدلِّ بحثتُ فلمْ أَجِدْ ) فيه ( مُوهِمَ مناسبةٍ ) أي ما يوهم مناسبته لعدالته مع أهلية النظر ( فإِنْ ادّعى المعترضُ أَنَّ ) الوصف ( المُبْقَى ) أي الذي بقاه المستدل ( كذلكَ ) أي لم تظهر مناسبته ( فليسَ للمستدلِّ بيانُ مناسَبتِهِ ) لأنه انتقال من طريق السبر إلى طريق المناسبة، وذلك يؤدّي إلى الانتشار المحذور ( لكنْ لهُ ترجيحُ سَبْرِهِ ) على سبر المعترض النافي لعلية الوصف المبقى ( بموافقةِ التَّعديةِ ) لسبره حيث يكون المبقى متعديا إذ تعدية الحكم محله أفيد من قصوره عليه فيقول المستدل: سبري موافق للتعدية فإن الوصف الذى أبقيته بسبري متعد إلى محل آخر وسبرك أيها المعترض موافق لعدم التعدية فيكون وصفك قاصرا.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

يا أبا عبد الرحمن ابحث لنا من فضلك عن فائدة ( نحو ) في كلام المصنف فلم يتبين لي مثال لها.
لم أجد أحدا بعد المراجعة نبه على فائدة تضمينها بل وجدت بعض ناظمي ومختصري كلامه قد حذفها .
ولي توجيه أعرضه عليكم
أعاد المصنف تبعا للأصل العامل - مع تغيير عنوانه تفننا - للتنبيه على أنه قسم من الصريح غير القسم الأول كأن يكون القسم الأول في ما صرِّح فيه بلفظ العلة ونحوه والثاني في أدوات وضعت للتعليل وهي كي وإذن فكأنه قال: الثاني: النصُّ الصَّريحُ: كلِعِلَّةِ كذا، فلِسَبَبِ، فمِنْ أَجْلِ، فكـ(كي) و(إِذَنْ)
فلذا لم تُجرَّ (نحو) عطفا على مدخول الكاف بل رفعت عطفا إما على الكاف وهو اسم بمعنى مثل أو على محله حرفَ جر . والله أعلم.


فهذا المسلك يفيد الظن كأن
حتى يَعجَزَ
أي على أنه من الأحكام المعللة لا التعبدية أما ما اختلف في تعليله في الأصل فلا
أعتق امرأ
ويبطل ما عدا الطعم بطريقه
.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثالث بعد المائة- القياس

مسالك العلة- المناسبة


أولا: ومن مسالك العلة المناسَبَة وهي: مناسبة الوصف المعيّن للحكم. كمناسبة وصف الإسكار لتحريم الخمر.
ويسمى استخراج الوصف المناسب بتخريج المناط وهو: تعيين العلة بإبداء مناسبتها للحكم مع الاقتران بينهما.
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم: وكل مسكر حرام. فتخريج المناط فيه هو تعيين المجتهد كون الإسكار علة تحريم الخمر ببيان مناسبة الإسكار للتحريم بأن المسكر مزيل للعقل المطلوب حفظه، وقد اقترن الوصف وهو الإسكار بالحكم وهو التحريم في نص الحديث.
وليس معنى اقتران الوصف بالحكم أن الشارع ذكر أن الحكم معلل بذلك الوصف وإلا صار النص هو مسلك العلة ولكن معناه أن يقترن بالحكم في النص وصف يرى المجتهد أنه صالح للتعليل وأنه مناسب لتشريع الحكم فيعلله به.
فإن قيل: فتعيين وصف مناسب للحكم لا ينفي غيره فكيف يثبت المجتهد استقلال وصفه بمناسبة الحكم ؟
قلنا: بالسبر والتقسيم المتقدم بأن يقول: إن الوصف إما أن يكون هذا أو ذاك لا جائز أن يكون ذاك فيتعين هذا للعلية.
وهنا لا بد أن يثبت المجتهد انتفاء بقية الأوصاف بخلافه في السبر فإنه يكتفى بأن يقول: بحثت فلم أجد، أو أن الأصل عدمه؛ لأن المطلوب هنالك هو النفي أي نفي ما لا يصلح للعلية فيكتفى بذلك القول، أما هنا في المناسبة فالمطلوب هو إثبات استقلال الوصف الذي يصلح للعلية فلا بد من مستند.
ثم لا بد من شرط وهو انتفاء جميع القوادح عن ذلك الوصف المناسب كي تتم علية الوصف فلو قدح قادح فيه كتخلف الوصف في بعض الموارد كما مثلنا بتخلف القوت عن الملح في الربوية فهذا يقدح في عليته وسيأتي الكلام على القوادح إن شاء الله تعالى.
فتحصل أن المناسبة هي: أن يقترن وصف مناسب بحكم في نصٍّ من نصوص الشرع، ويقوم دليل على استقلال الوصف بالمناسبة دون غيره، ويكون ذلك الوصف سالما من القوادح، فيعلم حينئذ أنه علة ذلك الحكم.
ثانيا: المناسب هو: وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه حكمة تصلح كونها مقصودة للشارع في تشريع ذلك الحكم من حصول مصلحة أو دفع مفسدة.
كالإسكار في تحريم شرب الخمر فالمنع منها يدرء مفسدة فساد العقل، وكالقتل العمد العدوان في وجوب القصاص فإنه وصف ظاهر غير خفي منضبط غير مضطرب يلزم من ترتب الحكم عليه وهو إيجاب القصاص على القاتل حصول منفعة وهي حفظ الحياة وبقاؤها، ودفع مفسدة وهي التعدي فإن الإنسان إذا عرف أنه سيقتص منه إذا قتل أحجم.
فإن كان الوصف المناسب خفيا أو غير منضبط اعتبر ملازمه وهو المظِنَّة له فيكون هو العلة.
كالتخفيف في السفر بالقصر لحصول المشقة فيه، وهذه خفية وغير منضبطة؛ لاختلافها باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان، فربط الترخيص بمظنة المشقة وهو السفر وقطع المسافة، وهو ظاهر منضبط.
ثالثا: ينقسم المناسب باعتبار حصول المقصود من تشريع الحكم إلى أربعة أقسام:
1- ما يكون حصوله يقينيا.
مثاله: حصول الملك في البيع، لأن المقصود من تشريع البيع هو حصول الملك وهو حاصل يقينا في البيع.
2- ما يكون حصوله ظنيا.
مثاله: حصول الانزجار عن القتل في القصاص، فإن الممتنعين عن القتل أكثر من المقدمين عليه، فالحكمة حاصلة ظنا.
3- ما يكون حصوله متساويا.
مثاله: حصول الانزجار عن شرب الخمر في حده، فإن الممتنعين عن الشرب يساوي عدد المقدمين عليه فيما يظهر لنا لا بالإحصاء الدقيق فإن هذا متعذر.
4- ما يكون حصوله مرجوحا.
مثاله: حصول التوالد في نكاح الآيسة من الحيض، فإن الولد هو مقصود النكاح وانتفاؤه في حق الآيسة أرجح من حصوله في الواقع.
والتعليل بالأول والثاني جائز اتفاقا. أما التعليل بالثالث والرابع فجائز في الأصح، ومنه قولهم: بجواز قصر الصلاة للمسافر المترفه الذي لا يجد مشقة في سفره.
مسألة: إن كان المقصود من تشريع الحكم فائتا قطعا فهل يعتبر المقصود فيه فيثبت الحكم المترتب عليه أم لا يعتبر فلا يثبت؟
بعبارة أخرى: لو كانت الفائدة المترتبة من شرع الحكم فائتة قطعا في بعض الصور النادرة مع حصوله في غالب الصور، هل يُعلَّل به في الصورة النادرة أو لا ؟
الأصح أن لا يعتبر ولا يعلل به خلافا للحنفية.
مثال: عقد رجل بالمشرق على امرأة بالمغرب كأن وكّل رجلا ليعقد له فأتت بولد، فإن الولد لا يلحق بنسب أبيه للقطع بعدم التقائهما قطعا، مما لا يحتمل معه حصول المقصود من النكاح وهو حصول النطفة في الرحم مما يحصل معه العلوق والولد.
وقال الحنفية: يلحق نسبه بزوج المرأة.
مثال آخر: إذا باع رجل جاريته لشخص ثم ندم سريعا واشتراها من ذلك الشخص في نفس المجلس، فعند الحنفية وغيرهم يجب استبراء الجارية ولكن هذا عند الحنفية يحصل تقديرا، وعند الجمهور تعبدا، فهنا القصد من تشريع الاستبراء وهو معرفة براءة رحم الجارية المسبوقة تلك المعرفة بالجهل بها فائت قطعا في هذه الصورة فهل تعتبر معرفة براءة الرحم في هذه الصورة ويعلل بها ذهب الحنفية إلى ذلك وقالوا المعرفة هنا مقدرة أي نفترض وجودها ونعلل بها، وذهب الجمهور إلى عدم اعتبارها، هذا مع اتفاقهم على الحكم وهو وجوب الاستبراء ولكن اختلفوا في علة الوجوب فقال الحنفية هي معرفة براءة الرحم تقديرا وقال الجمهور هو تعبدي في هذه الصورة فلا يعلل.

( شرح النص )​

الخامِسُ: المناسَبَةُ ويسمى استخراجُها تخريجَ المنَاطِ وهو: تعيينُ العِلَّةِ بإبداءِ مُناسبةٍ معَ الاقترانِ بينهما كالإسكارِ. ويُحَقَّقُ استقلالُ الوصفِ بعدمِ غيرِهِ بالسَّبْرِ، والمناسِبُ: وصفٌ ظاهِرٌ منضبِطٌ يحصُلُ عقلًا من ترتيبِ الحكمِ عليهِ ما يصلُحُ كونُهُ مقصودًا للشارِعِ مِن حصولِ مصلحةٍ أو دفعِ مفسدةٍ. فإنْ كانَ الوصفُ خفيًّا أَو غيرَ مُنضَبِطٍ اعتُبِرَ ملازِمُهُ وهوَ المَظِنَّةُ، وحصولُ المقصودِ مِن شرعِ الحكمِ قدْ يكونُ يقينًا كالملكِ في البيعِ، وظنًّا كالانزجارِ في القِصاصِ، ومحتملًا سواءً كالانزجارِ في حدِّ الخمرِ، أو مرجوحًا كالتَّوالدِ في نكاحِ الآيسةِ، والأصحُ جوازُ التعليلِ بالأخيرينِ، فإنْ فاتَ قطعًا فالأصحُّ لا يُعتبرُ سواءٌ ما فيه تَعَبُدٌّ كاستبراءِ أمةٍ اشتراها بائِعُها في المجلسِ، وما لا كلحوقِ نَسَبِ ولدِ المغرِبيَّةِ بالمشرِقِيِّ.
........................................................................
( الخامِسُ ) مِن مسالك العلة ( المناسَبَةُ ) وهي لغة: الملاءمة، واصطلاحا: ملاءمة الوصف المعين للحكم، أو ما يعلم من تعريف المناسب الآتي، ويسمى هذا المسلك بالإخالة أيضا سمي بها لأن بمناسبته الوصف يخال أي يظن أن الوصف علة ويسمى بالمصلحة، وبالاستدلال، وبرعاية المقاصد أيضا فله خمسة أسماء أشهرها المناسبة ( ويسمى استخراجُها ) أي العلة المناسبة ( تخريجَ المنَاطِ ) لأنه إبداء ما نيط به الحكم أي علق وهو العلة ( وهوَ ) أي تخريج المناط ( تعيينُ العِلَّةِ بإبداءِ ) أي إظهار ( مُناسبةٍ ) بين العلة المعينة والحكم ( معَ الاقترانِ بينهما كالإسكارِ ) في خبر مسلم: كل مسكر حرام. فهو لإزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة، وقد اقترن بها في نص الحديث ( ويُحَقَّقُ ) بالبناء للمفعول ( استقلالُ الوصفِ ) المناسب في العلية ( بعدمِ غيرِهِ ) من الأوصاف ( بالسَّبْرِ ) لا بقول المستدل: بحثت فلم أجد غيره، والأصل عدمه، بخلافه في السبر لأنه لا طريق له ثَمَّ سواه، ولأن المقصود هنا إثبات استقلال وصف صالح للعلية وثم نفي ما لا يصلح لها ( والمناسِبُ ) المأخوذ من المناسبة المتقدمة ( وصفٌ ظاهِرٌ منضبِطٌ يحصُلُ عقلًا من ترتيبِ الحكمِ عليهِ ما يصلُحُ كونُهُ مقصودًا للشارِعِ ) في شرعية ذلك الحكم ( مِن حصولِ مصلحةٍ أو دفعِ مفسدةٍ ) كالإسكار لتحريم شرب الخمر، وقيل: هو الملائم لأفعال العقلاء عادة فمعنى مناسبة الوصف للحكم المترتب عليه موافقته له في نظر العقلاء، واختاره الأصل، وقيل: هو ما يجلب نفعا أو يدفع ضررا، وقيل: هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول. وهذه الأقوال مقاربة للأوّل ( فإنْ كانَ الوصفُ خفيًّا أَو غيرَ مُنضَبِطٍ اعتُبِرَ ملازِمُهُ ) الذي هو ظاهر منضبط ( وهوَ المَظِنَّةُ ) له كالسفر مظنة للمشقة المرتب عليها الترخص في الأصل، لكنها لما لم تنضبط نيط الترخص بمظنتها وهو السفر ( وحصولُ المقصودِ مِن شرعِ الحكمِ قدْ يكونُ يقينًا كالملكِ في البيعِ ) لأنه المقصود من شرع البيع ويحصل منه يقينا ( و ) قد يكون ( ظنًّا كالانزجارِ في القِصاصِ ) لأنه المقصود من شرع القصاص ويحصل منه ظنا، فإن الممتنعين عنه أكثر من المقدمين عليه ( و ) قد يكون ( محتملًا ) كاحتمال انتفائه إما ( سواءً كالانزجارِ في حدِّ الخمرِ ) على تناولها لأنه المقصود من شرع الحد عليه وحصول الانزجار منه وانتفاؤه متساويان بتساوي الممتنعين عن تناولها والمقدمين عليه فيما يظهر لنا ( أو مرجوحًا ) لأرجحية انتفائه ( كالتَّوالدِ في نكاحِ الآيسةِ ) لأنه هو المقصود من شرع النكاح وانتفاؤه في نكاحها أرجح من حصوله ( والأصحُ جوازُ التعليلِ بالأخيرينِ ) من الأربعة أي بالمقصود المتساوي الحصول والانتفاء، والمقصود المرجوح الحصول نظرا إلى حصولهما في الجملة وقياسا على السفر في جواز القصر للمترفه في سفره المنتفي فيه المشقة التي هي حكمة الترخص نظرا إلى حصولها في الجملة وإن لم تحصل للمترفه بعينه، وقيل: لا يجوز التعليل بهما، لأن أولهما مشكوك الحصول، وثانيهما مرجوحه. أما أوّل الأربعة وثانيها فيجوز التعليل بهما قطعا ( فإنْ فاتَ ) المقصود من شرع الحكم ( قطعًا ) في بعض الصور ( فالأصحُّ ) أنه ( لا يُعتبرُ ) فيه المقصود للقطع بانتفائه. وقالت الحنفية يعتبر حتى يثبت فيه الحكم وما يترتب عليه كما سيظهر ( سواءٌ ) في الاعتبار وعدمه ( ما ) أي الحكم الذي ( فيه تَعَبُدٌّ ) بأن لا يعقل معناه ( كاستبراءِ أمةٍ اشتراها بائِعُها ) لرجل منه ( في المجلسِ ) أي مجلس البيع، فالمقصود من استبراء الأمة المشتراة مِن رجل -وهو معرفة براءة رحمها منه المسبوقة بالجهل بها- فائت قطعا في هذه الصورة لانتفاء الجهل فيها قطعا، وقد اعتبره الحنفية فيها تقديرا حتى يثبت فيها الاستبراء، وغيرهم لم يعتبره. وقال بالاستبراء فيها تعبدا كما في المشتراة من امرأة، لأن الاستبراء فيه نوع تعبد كما علم في محله في كتب الفقه ( وما ) أي والحكم الذي ( لا ) تعبد فيه بان يعقل معناه ( كلحوقِ نَسَبِ ولدِ المغرِبيَّةِ بالمشرِقِيِّ ) عند الحنفية حيث قالوا: مَن تزوّج بالمشرق امرأة وهي بالمغرب، فأتت بولد فإنه يلحقه أي يلحق نسب الولد بذلك الرجل المشرقي، فالمقصود من التزويج وهو حصول النطفة في الرحم ليحصل العلوق والولد فيلحق النسب فائت قطعا في هذه الصورة للقطع عادة بعدم تلاقي الزوجين، وقد اعتبره الحنفية فيها لوجود مظنته وهو التزويج حتى يثبت اللحوق وغيرهم لم يعتبره. وقال: لا عبرة بمظنته مع القطع بانتفائه وعدم التعبد فيه فلا لحوق.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

لم أجد أحدا بعد المراجعة نبه على فائدة تضمينها بل وجدت بعض ناظمي ومختصري كلامه قد حذفها .
ولي توجيه أعرضه عليكم
أعاد المصنف تبعا للأصل العامل - مع تغيير عنوانه تفننا - للتنبيه على أنه قسم من الصريح غير القسم الأول كأن يكون القسم الأول في ما صرِّح فيه بلفظ العلة ونحوه والثاني في أدوات وضعت للتعليل وهي كي وإذن فكأنه قال: الثاني: النصُّ الصَّريحُ: كلِعِلَّةِ كذا، فلِسَبَبِ، فمِنْ أَجْلِ، فكـ(كي) و(إِذَنْ)
فلذا لم تُجرَّ (نحو) عطفا على مدخول الكاف بل رفعت عطفا إما على الكاف وهو اسم بمعنى مثل أو على محله حرفَ جر . والله أعلم.





.
فتح الله عليك.
نعم المغايرة بين الكاف ونحو نكتته ما تفضلت به من المغايرة ولكن يوهم أن هنالك أمثلة لكي وإذن.
 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

هذا ويمكن القول أن نحو هنا استقصائية كما قالوا في الكاف.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الرابع بعد المائة- القياس

مسالك العلة- الضروري والحاجي والتحسيني


أولا: ينقسم المناسب من حيث المقصد الذي شرع الحكم له إلى ثلاثة أقسام: ضروري وحاجِيّ وتحسيني.
1- الضروري وهو: ما تصل الحاجة إليه إلى حد الضرورة، وهو متضمن لحفظ الضروريات الخمس التي روعيت في كل ملة وشرع وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، وزاد بعضهم العرض فصارت ستة:
أ- حفظ الدين وشرع له قتال الكفار.
ب- حفظ النفس وشرع له القصاص.
ج- حفظ العقل وشرع له حد المسكر.
د- حفظ النسب وشرع له حد الزنا.
هـ- حفظ المال وشرع له حد السرقة.
و-حفظ العرض وشرع له حد القذف.
ويلحق بالضروري ما يسمى بمكمِّل الضروري وهو: ما شرع لصيانة الضروري، كالحد على شرب قليل المسكر، فإنه لا يذهب العقل ولكن شرع صيانة لحفظ العقل فإن شرب القليل يدعو إلى الكثير فهو مكمل لحفظ العقل.
2- الحاجي وهو: ما يحتاج إليه ولكن لا تصل الحاجة إلى حد الضرورة، كالبيع والإجارة المشروعين للملك المحتاج إليه.
ويلحق بالحاجي مكمله مما لا يحصل تكميل الحاجي إلا به كخيار البيع الذي شرع من أجل التروي والسلامة من الغبن فهو كمل به ملك المبيع؛ فإن الغبن في البيع يوجب الرد فيفوت ما شرع البيع لأجله وهو الملك.
مسألة: قد يعرض للحاجي ما يجعله ضروريا وذلك كاستئجار الولي لطفله الذي لا أم له مَن يقوم مقامها في تربيته فإن الإجارة في أصلها حاجية ولكن عرض عليها ما يجعلها ضرورية وهي هنا حفظ حياة الطفل.
3- التحسيني وهو: ما استحسن في العادة من غير احتياج إليه وهو قسمان:
أ- تحسيني غير معارض لقواعد الشرع، كتحريم النجاسات فإن نفرة الطباع منها يناسب تحريم تناولها حتى أنه يحرم التلطخ بها حثا للناس على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وكسلب العبد أهلية الشهادة فإنها لو ثبتت له ما ضرَّ ولكن السلب مستحسن في العادة لنقص الرقيق عن هذا المنزل الشريف الملزم للحقوق.
ب- تحسيني معارض لقواعد الشرع، كمكاتبة الرقيق فإنها مستحسنة عادة إذ يتوسل بها إلى فك الرقاب الذي يعتبر من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فهي جائزة مع أنها مخالفة للقواعد العامة التي تمنع بيع الشخص بعض ماله ببعض ماله فهي استثناء من الأصل.

( شرح النص )​

والمناسِبُ ضروريٌّ فحاجِيٌّ فتحسينيٌّ، والضروريُّ حفظُ الدينِ فالنفسِ فالعقلِ فالنَّسَبِ فالمالِ فالعِرضِ، ومثلُهُ مُكمِّلُهُ كالحدِّ بقليلِ المسكِرِ، والحاجِيُّ كالبيعِ فالإجارةِ، وقد يكونُ ضروريًّا كالإجارةِ لتربيةِ الطفل، ومُكَمِّلُهُ كخيارِ البيعِ، والتحسينيُّ مُعارِضٌ للقواعدِ كالكتابةِ وغيرُهُ كسلَبِ العبدِ أهليَّةَ الشَّهادةِ.
.............................................................
( والمناسِبُ ) والمراد به هنا الحكمة أي حكمة التشريع كما في شرع قتال الكفار فهو الحكم وعلته الكفر ومناسبه أي حكمته حفظ الدين، وهو من حيث شرع الحكم له ثلاثة أقسام ( ضروريٌّ فحاجِيٌّ فتحسينيٌّ ) عطفهما - مع ما يأتي في أقسام الضروري- بالفاء ليفيد أن كلا منهما دون ما قبله في الرتبة ( والضروريُّ ) وهو ما تصل الحاجة إليه إلى حد الضرورة ( حفظُ الدينِ ) المشروع له قتل الكفار ( فالنفسِ ) أي حفظها المشروع له القود أي القصاص ( فالعقلِ ) أي حفظه المشروع له حد السكر ( فالنَّسَبِ ) أي حفظه المشروع له حد الزنا ( فالمالِ ) أي حفظه المشروع له حد السرقة وحد قطع الطريق ( فالعِرضِ ) أي حفظه المشروع له عقوبة القذف والسب، وهذا زاده صاحب الأصل كالعلامة نجم الدين سليمان الطوفي على الخمسة السابقة المسماة بالمقاصد والكليات التي قالوا فيها إنها لم تبح في ملة من الملل، والمراد لم يبح مجموعها، وإلا فالخمر أبيحت في صدر الإسلام ( ومثلُهُ ) أي الضروري ( مُكمِّلُهُ ) فيكون في رتبته ( كالحدِّ بـ ) ـتناول ( قليلِ المسكِرِ ) إذ قليله يدعو إلى كثيره المفوّت لحفظ العقل فبولغ في حفظه بالمنع من القليل والحدّ عليه كالكثير، وكعقوبة الداعين إلى البدع لأنها تدعو إلى الكفر المفوت لحفظ الدين ( والحاجِيُّ ) وهو ما يحتاج إليه ولا يصل إلى حد الضرورة ( كالبيعِ فالإجارةِ ) المشروعين للملك المحتاج إليه، ولا يفوت بفوات الملك لو لم يشرعا شيء من الضروريات السابقة، وعطفت الاجارة بالفاء لأن الحاجة إليها دون الحاجة إلى البيع ( وقد يكونُ ) الحاجي ( ضروريًّا ) في بعض صوره بسبب عارض ( كالإجارةِ لتربيةِ الطفلِ ) أو لإرضاعه فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو لم تشرع الاجارة حفظ نفس الطفل ( و ) مثل الحاجي ( مُكَمِّلُهُ كخيارِ البيعِ ) المشروع للتروي كمل به البيع ليسلم عن الغبن ووجه كونه مكملا أن الغبن يوجب الرد فيفوت ماشرع البيع لأجله ( والتحسينيُّ ) وهو: ما استحسن عادة من غير احتياج إليه ( مُعارِضٌ للقواعدِ ) الشرعية أي لشيء منها ( كالكتابةِ ) فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت ما ضر لكنها مستحسنة عادة للتوسل بها إلى فك الرقبة من الرق، وهي خارمة لقاعدة: امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر؛ إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بأن يعجز نفسه ( وغيرُهُ ) أي وغير المعارض لشيء من القواعد ( كسلَبِ العبدِ أهليَّةَ الشَّهادةِ ) فإنه غير محتاج إليه إذ لو ثبت للعبد الأهلية ما ضر لكنه مستحسن عادة لنقص الرقيق عن هذا المنصب الشريف الملزم للحقوق بخلاف الرواية في الحديث فإنه لا إلزام فيها ولذا لم يسلب العبد عن منصبها.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

ويمكن القول أن نحو هنا استقصائية كما قالوا في الكاف
ويحتمل أيضا أنها على أصلها وضمنها المصنف إما احتياطا على تقدير وجود غيرهما إذ فوق كل ذي علم عليم، أو اعتبارا بقول غيره ممن زاد على (كي وإذن) اللام ولو مقدرة كما في المفعول لأجله، ولعل ما ذكرتم أرجح الاحتمالات، وهو الموافق لظاهر صنيع الشراح. والله أعلم.

مِن حصولِ منفعةٍ
الملائمة، واصطلاحا: ملائمة

كالإجارةِ لتربيةِ الأطفالِ
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
226
الإقامة
فنلندا
الجنس
ذكر
الكنية
أبو نوح
التخصص
لا يوجد
الدولة
فنلندا
المدينة
هلسنكي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا، قلنا إن المجتهد يعمل بالعام قبل البحث عن مخصص. أحسب أنه لا يعني أن المجتهد إذا وجد لفظًا عامّا لم ينظر إلى سواه ولا إلى أقوال الفقهاء فيه بل يعمل بمقتضى العام فقط؟

أحسن الله إليكم.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الخامس بعد المائة- القياس

مسالك العلة- المناسب المعتبر وغير المعتبر


الوصف المناسب ينقسم من حيث اعتبار الشارع له أو عدم اعتباره له إلى نوعين:
أولا: المناسب المعتبر أي الذي اعتبره الشارع علة للحكم وهو ثلاثة أقسام:
1- المؤثِّر وهو: ما اعتبر الشارع -بنص أو إجماع- عين الوصف في عين الحكم.
مثال ما اعتبر بنص: تعليل نقض الوضوء بمس الذكر، فإنه مستفاد من حديث الترمذي وغيره: مَن مسّ ذكره فليتوضأ.
فقوله صلى الله عليه وسلم مَن مسّ ذكره فليتوضأ تعليل عين الوصف وهو مس الذكر بعين الحكم وهو وجوب الوضوء.
ومثال ما اعتبر بإجماع: تعليل ولاية المال على الصغير بالصغر، فإنه مجمع عليه. فعين الوصف هو الصغر وعين الحكم هو الولاية على مال الصغير.
وخلاصة هذا القسم أن الشارع اعتبر وصفا بعينه علة لهذا الحكم. وهو أعلى درجات اعتبار الوصف المناسب.
2- الملائم وهو: الوصف المناسب الذي لم يثبت بالنص أو الإجماع اعتباره بعينه علة لنفس الحكم، ولكن ثبت بالنص أو الإجماع اعتباره بعينه علة لجنس الحكم أو اعتبار جنسه علة لنفس الحكم أو اعتبار جنسه علة لجنس الحكم.
فمتى كان الوصف المناسب معتبرًا بنوع من هذه الأنواع الثلاثة للاعتبار كان التعليل به موافقًا تصرفات الشارع في تشريعه وتعليله ولهذا سمى المناسب الملائم أي الموافق لتصرفات الشارع في تشريعه وتعليله.فالملائم يشمل ثلاث صور:
أ- ما اعتبر عين الوصف في جنس الحكم، والمقصود بالعين وصف واحد، وبالجنس القدر المشترك بين نوعين.
مثل: ثبوت ولاية النكاح بالصغر كما ثبتت به ولاية المال. بيانه:
قد اتفقوا على ثبوت ولاية النكاح للأب على البكر الصغيرة، ولكن لم يأت نص أو إجماع يعتبر أن العلة هي الصغر، فلذا قيل: إن الصغر هو علة الولاية في النكاح، وقيل: بل علة الولاية في النكاح هي البكارة.
فهنا بعض المجتهدين وجد أن الشارع اعتبر عين الوصف في جنس الحكم فأخذ منه ثبوت عين الوصف في عين الحكم. فالولاية جنس لها نوعان: ولاية المال، وولاية النكاح، ومتى ثبتت الولاية في أحد النوعين صح أن نقول إن الشارع اعتبر عين الوصف وهو الصغر في جنس الولاية، فإن الحكم للجنس يثبت بثبوت الحكم لأحد أنواعه، ولذا صح أن نقول إن جنس الحيوان عاقل باعتبار أن أحد أنواعه وهو الإنسان كذلك.
فتحصل أن الشارع اعتبر ( عين الوصف في جنس الحكم = الصغر في الولاية ) فجاء المجتهد فأخذ من هذا الاعتبار ثبوت عين الوصف في عين الحكم فقال: الصغر هو علة الولاية في النكاح وذلك بسبب أن الشارع اعتبر الصغر علة في جنس الولاية، فكأن الشارع لما اعتبر الصغر علة للولاية على مال الصغيرة اعتبر الصغر علة الولاية عليها بأنواعها، ومن أنواع الولاية: الولاية على تزويجها، وبما أن الصغر يتحقق في الثيب الصغيرة، فتقاس على البكر الصغيرة وتثبت عليها ولاية التزويج.
ب- ما اعتبر جنس الوصف في عين الحكم- عكس السابق- مثل: جواز جمع الصلاة في المطر لجوازها في السفر للحرج.
توضيحه: ثبت بالإجماع إباحة الجمع بين الصلاتين حال السفر لعلة الحرج، واختلف في الجمع بين الصلاتين في الحضر حال المطر، فجاء بعض المجتهدين فقاسها على السفر بجامع الحرج في كل، والحرج جنس يشمل الحرج في السفر وهو خوف الضلال والانقطاع عن الرفقة، والحرج في المطر وهو التأذي، وهنا الحكم هو شيء واحد وهو الجمع بين الصلاتين فثبت أن الشارع اعتبر جنس الوصف في عين الحكم أي اعتبر جنس الحرج في الجمع بين الصلاتين، فجاء المجتهد فأخذ من هذا الاعتبار ثبوت عين الوصف في عين الحكم فقال: الحرج هو علة الجمع في الحضر حال المطر وذلك بسبب أن الشارع اعتبر جنس الحرج علة في الجمع، فكأن الشارع لما اعتبر الحرج في السفر علة لإباحة الجمع بين الصلاتين اعتبر الحرج بأنواعه علة الجمع، ومن أنواع الحرج: الحرج في المطر، وبما أن الحرج يتحقق في حال الثلج والبرد، فتقاس عليه.
ج- ما اعتبر جنس الوصف في جنس الحكم، مثل: ثبوت القصاص في القتل بمثقل لثبوته في المحدد للقتل العمد العدوان.
توضيحه: ثبت بالإجماع أن القتل بمحدد يوجب القصاص لعلة القتل العمد العدوان، ولكنهم اختلفوا في وجوب القصاص في القتل بمثقل، فجاء بعض المجتهدين وقاس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع القتل العمد العدوان، والقتل العمد العدوان الذي هو الوصف المناسب جنس يشمل القتل بمحدد والقتل بمثقل، والحكم وهو القصاص جنس يشمل للقصاص بالمحدد والمثقل فثبت أن الشارع اعتبر جنس الوصف في جنس الحكم أي اعتبر جنس القتل العمد العدوان علة في جنس القصاص، فجاء المجتهد فأخذ من هذا الاعتبار ثبوت عين الوصف في عين الحكم فقال: القتل العمد العدوان هو علة القصاص في القتل بمثقل وذلك بسبب أن الشارع اعتبر جنس القتل العمد العدوان علة في جنس القصاص، فكأن الشارع لما اعتبر القتل العمد العدوان في القتل بمحدد علة لجنس القصاص اعتبر القتل العمد العدوان بأنواعه علة القصاص، ومن أنواعه القتل بمثقل، ويقاس عليه بتلك العلة القتل بالخنق.
3- الغريب وهو: ما اعتبره الشرع لا بوجه من الوجوه المتقدمة.
مثاله: توريث المبتوتة في مرض الموت قياسا على حرمان القاتل من الإرث بجامع ارتكاب فعل محرم لغرض فاسد.
توضيحه: لقد ثبت أن القاتل لا يرث، ولم يثبت نص أو إجماع على تعليل هذا الحكم ولكن استنبطت علته بوصف مناسب فقيس على هذا الأصل تطليق المرأة طلاقا بائنا في مرض الوفاة بقصد حرمانها من الإرث، فهنا الوصف المناسب في حرمان الوارث لم يعتبر بعينه أو جنسه من قبل الشارع ولكن استنبط المجتهد منه معنى مناسبا فقاس عليه توريث المبتوتة فالوصف المناسب لم يشهد له بالاعتبار نص ولا إجماع لا بعينه ولا بجنسه.
بمعنى أن الغريب له شاهد شرعي يشهد لصحته ولكن علة ذلك الشاهد مستنبطة بدون اعتبار العين والجنس.
فتحصل أن الوصف المناسب إن اعتبر عينه في حكم بعينه فهذا هو المؤثر، وإن اعتبر عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم فهو الملائم وإن ورد نص أو إجماع في إثبات حكم فاستنبط منه معنى هذا المعنى لم يشهد له الشرع بالاعتبار بالطرق السابقة فهو الغريب.

( شرح النص )​

ثمَّ المناسِبُ إنْ اعتُبِرَ عينُهُ في عينِ الحكمِ بنصٍّ أَو اجماعٍ فالمؤثِّرُ، أَو بترتيبِ الحكمِ على وَفْقِهِ: فإن اعتُبِرَ العينُ في الجنسِ أَو عكْسُهُ أَو الجنسُ في الجنسِ فالملائمُ، وإلا فالغريبُ.
...................................................................
( ثمَّ المناسِبُ ) أي الوصف المناسب المجعول علة من حيث اعتبار الشارع له وجودا وعدما أقسام لأنه ( إنْ اعتُبِرَ عينُهُ في عينِ الحكمِ بنصٍّ أَو اجماعٍ ) على العلة ( فالمؤثِّرُ ) أي فهو الوصف المسمى بالمؤثر سمي كذلك لظهور تأثيره بما اعتبر به لأنه متى وجد وجد الحكم، فالاعتبار بالنص كتعليل نقض الوضوء بمس الذكر، فإنه مستفاد من خبر الترمذي وغيره: من مس ذكره فليتوضأ. والاعتبار بالاجماع كتعليل ولاية المال على الصغير بالصغر فإنه مجمع عليه، والمراد بالعين النوع لا الشخص منه إذ ليس المراد بنقض الوضوء نقضا مشخصا ولا المس في الحديث مسا بخصوصه بل المراد أي نقض كان ومس أي ذكر كان ( أَو ) اعتبر عين الوصف المناسب في عين الحكم ( بـ ) سبب ( ترتيبِ
الحكمِ ) أي ترتيب الشارع له ( على وَفْقِه ) أي الوصف المناسب، والمراد بترتيب الحكم على وفقه ثبوت الحكم مع الوصف المناسب، فإذا قال الشارع مثلا: المسكر حرام فقد رتب الشارع الحرمة على الإسكار أي اقترن ذكر التحريم مع الوصف المناسب وهو الإسكار، ولكن لم ينص فيه الشارع على العلة كأن قال: المسكر حرام مِن أجل إسكاره، ولم يومئ إليها كأن قال: الخمر مسكر فاجتنبوه، لأنه إذا نص على العلة أو أومأ إليها صارت العلة غير مدركة بمسلك المناسبة وكلامنا فيها فلما رتب الشارع الحرمة على الإسكار استنبط المجتهد أن العلة في ذلك هي الإسكار ( فإن اعتُبِرَ ) بنص أو إجماع ( العينُ في الجنسِ أَو عكْسُهُ ) وهو الجنس في العين ( أَو الجنسُ في الجنسِ ) وكل منهما أعلى مما بعده ( فالملائمُ ) فهذا الوصف المسمى بالملائم لملائمته للحكم أي موافقته لما اعتبره الشرع من الحكم من حيث الجنس ( وإلا ) أي وإن لم يعتبر بما ذكر من النص والإجماع شيء من ذلك أي العين والجنس ( فالغريبُ ) وهذا من زيادة المصنف تبعا لابن الحاجب وإلا فلأصل لم يذكره، ومثل له: بتعليل توريث المبتوتة- أي المطلقة طلاقا بائنا لا رجعة فيه- في مرض الموت بالفعل المحرم لغرض فاسد وهو الطلاق البائن لغرض عدم الإرث قياسا على قاتل مورثه حيث لم يرثه بجامع ارتكاب فعل محرم، وفي ترتيب الحكم عليه تحصيل مصلحة وهو نهيهما عن الفعل الحرام، لكن لم يشهد لهذا الوصف أصل بالاعتبار بنص أو إجماع، هذا وقد مضت أمثلة الملائم في الشرح فارجع إليها.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

شيخنا، قلنا إن المجتهد يعمل بالعام قبل البحث عن مخصص. أحسب أنه لا يعني أن المجتهد إذا وجد لفظًا عامّا لم ينظر إلى سواه ولا إلى أقوال الفقهاء فيه بل يعمل بمقتضى العام فقط؟

أحسن الله إليكم.
قطعا ليس المقصود هذا.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السادس بعد المائة- القياس

مسالك العلة- المناسب غير المعتبر


أولا: المناسب غير المعتبر هو الذي لم يعتبره الشارع وهو قسمان:
1- الملغى وهو: ما دل الدليل على إلغائه فلا يعلل به حكم.
مثاله: لو واقع ملك أو نحوه من الأغنياء في نهار رمضان فإن الكفارة تجب عليه كما تجب على غيره بنفس الترتيب، وقد أفتى بعض الفقهاء بأن على الملك ونحوه ممن يسهل عليهم العتق أن يصوم شهرين متتابعين ليمتنع عن فعله.
فهذا المناسب قد ألغاه الشارع ولم يعتبره لأنه قد جعل كفارة الوطء الاعتاق ابتداء، من غير تفرقة بين ملك وغيره.
ومثله ما لو علل أحد قتل المريض الميؤوس منه بأنه إراحة له فهذا المناسب قد ألغاه الشارع فلا يجوز التعليل به ولا بناء الحكم عليه.
2- المرسل هو: ما لم يدل الدليل على إلغائه، فلا هو اعتبره الشرع ولا هو ألغاه. وهو ما يسمى بالمصلحة المرسلة.
مثاله: ضرب المتهم بالقتل أو السرقة انتزاعا لإقراره، لأنه لا يقر على نفسه ولا بينة فيضرب حفظا للنفوس والأموال، فجواز الضرب هو الحكم، والوصف المناسب هو توقع الإقرار، فهذا الوصف المناسب لم يقم شاهد معين من أدلة الشرع تشهد له كما مر معنا في الوصف المؤثر والملائم فيعتبر مرسلا.
فهذا النوع من المصالح اشتهر به المالكية ورده الأكثر من العلماء لعدم ما يدل على اعتباره على ما ذكروا.
ثانيا: ليس من قبيل المرسل المصلحة الضرورية الكلية القطعية لأنها مما دل الدليل على اعتبارها فهي حق قطعا.
فمتى وجد في المصلحة ثلاثة قيود فهي معتبرة ولا تعد مرسلة وهي:
1- أن تكون ضرورية أي واحدة من الضروريات المتقدمة وليست من الحاجيات أو التحسينيات.
2- أن تكون كلية لا جزئية أي أن لا تكون مخصوصة ببعض المسلمين دون بعض.
3- أن تكون قطعية أو ظنية قريبة من القطع فلا يكتفى بالظن الظاهر.
مثاله: ما إذا تترّس الكفار بمسلمين فإنه يحل لنا رمي الكفار ولو حصل منه قتل المسلمين إذا قطعنا أو ظننا ظنا قريبا من القطع أننا إن لم نرمهم استأصلونا بالقتل. فإن لم يكن الأمر كذلك لم يحل لنا رميهم، ولهذا لو تترس الكفار بمسلمين في قلعة لم يجز لنا رميهم؛ لأن فتح القلعة ليس أمرا ضروريا، ولأن المحذور من استئصالنا من قبل الكفار غير مقطوع أو مظنون ظنا قريبا من القطع.
مسألة: المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم الحكم سواء كانت راجحة أو مساوية.
بمعنى أن ما ذكرناه من اعتبار المناسبة إنما هو عند ظهور المصلحة دون مفسدة فيها، فإذا كان الوصف مشتملا على مصلحة تدعو لشرع الحكم، ومفسدة تدعو إلى عدم مشروعيته سواء كانت المفسدة راجحة أو مساوية فإنه في هذه الحالة تنخرم المناسبة وتبطل.

( شرح النص )​

وإنْ لمْ يُعتَبَرْ: فإنْ دلَّ دليلٌ على إِلغائِهِ فلا يُعَلَّلُ بهِ، وإلا فالمرسَلُ، ورَدَّهُ الأكثرُ، وليسَ منهُ مصلَحَةٌ ضَروريَّةٌ كُلِّيَّةٌ قطعِيَّةٌ أَو ظنيَّةٌ قريبةٌ مِنها، فهِيَ حقٌّ كُلِّيٌّ قطعًا، والمناسَبَةُ تنخرِمُ بمفسدةٍ تلزمُ راجِحَةً أَو مساوِيَةً لها في الأصحِّ
.
..........................................................
( وإنْ لمْ يُعتَبَرْ ) أي المناسب في الشرع ( فإنْ دلَّ دليلٌ على إِلغائِهِ ) أي الوصف المناسب فهو ملغى ( فلا يُعَلَّلُ بهِ ) اتفاقا كما في جماع ملك نهار رمضان، فإن حاله يناسب التكفير ابتداء بالصوم ليرتدع به دون الإعتاق، إذ يسهل عليه بذل المال في شهوة الفرج، وقد أفتى يحيى بن يحيى بن كثير الليثي المغربي المالكي ملكا بالمغرب جامع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين نظرا إلى ذلك لكن الشارع ألغاه بإيجابه الإعتاق ابتداء من غير تفرقة بين ملك وغيره، ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن الاعتبار، فعلم أن الغريب قد يطلق ويراد به المعتبر وهو قسم من أقسام الملائم، وقد يطلق ويراد به الملغي ( وإلا ) أي وإن لم يدل دليل على إلغائه كما لم يدل على اعتباره ( فالمرسَلُ ) أي فهو الوصف المسمى بالمرسل سمي بذلك لإرساله أي إطلاقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه، ويعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالاستصلاح وبالمناسب المرسل ( ورَدَّهُ الأكثرُ ) من العلماء مطلقا في عبادة أو معاملة لعدم ما يدل على اعتباره، وقبله الإمام مالك مطلقا رعاية للمصلحة حتى جوّز ضرب المتهم بالسرقة ليقرّ، وعورض بأنه قد يكون بريئا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء، وردّه قوم في العبادات إذ لا نظر فيها للمصلحة، بخلاف غيرها كالبيع والنكاح والحد ( وليسَ منهُ ) أي من المناسب المرسل ( مصلَحَةٌ ضَروريَّةٌ كُلِّيَّةٌ ) أي متعلقة بكل الأمة ( قطعِيَّةٌ أَو ظنيَّةٌ قريبةٌ مِنها ) لدلالة الدليل على اعتبارها وهو في المثال الآتي حفظ الكل أهم من حفظ البعض ( فهِيَ حقٌّ كُلِّيٌّ قطعًا ) وليست من المرسلة، مثالها رمي الكفار المتترسين بأسرانا في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلونا بالقتل الترس وغيره، وبأنهم إن رموا سلم غير الترس فيجوز رميهم لحفظ باقي الأمة، بخلاف رمي أهل قلعة تترسوا بمسلمين، لأن فتحها ليس ضروريا ورمي بعضنا من سفينة في بحر لنجاة الباقين وإن أقرع، لأن نجاتهم ليست كليا أي متعلقا بكل الأمة، ورمي المتترسين في الحرب إذا لم يقطع أو لم يظن ظنا قريبا من القطع باستئصالهم لنا، فلا يجوز الرمي في شيء من الثلاث ( والمناسَبَةُ تنخرِمُ ) أي تبطل ( بمفسدةٍ تلزمُ ) الحكم ( راجِحَةً ) على مصلحته ( أَو مساوِيَةً لها في الأصحِّ ) لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقال الإمام الرازي ومتابعوه لا تنخرم بها مع موافقتهم على انتفاء الحكم فهو عندهم لوجود المانع وعلى الأول لانتفاء المقتضي فالخلف لفظي.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

واختلف في الجمع بين الصلاتين
على حرمان الوارث من ورثه
( بـ ) سبب ( ترتيبِ الحكمِ ) أي: ترتيب الشارع له ( على وَفْقِه )
إنْ اعتُبِرَ عينُهُ في عينِ الحكمِ بنصٍّ أَو اجماعٍ، فالمؤثِّر أَو بترتيبِ
إذ ليس المراد بنقض الوضوء نقضا مشخصا
أي المطلقة طلاقا بائنا
( فالغريبُ ) وهذا من زيادة المصنف تبعا لابن الحاجب

لأنه إذا نص على العلة أو أومأ إليها صارت العلة غير مدركة بمسلك المناسبة وكلامنا فيها
أليست العلة التي هي مس الذكر المأخوذة من حديث ((من مس ذكره فليتوضأ)) مدركة بمسلك الإيماء؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس السابع بعد المائة- القياس

مسالك العلة- الشبه


أولا: ومن مسالك العلة الشَّبَه وهو: مشابهة وصف للمناسب والطردي. وهذا تعريف المسلك أي الطريق الذي يتوصل به إلى العلة ويطلق الشبه أيضا على نفس الوصف فيعرف بأنه: وصف ذو منزلة بين المناسب والطرد. فإنه يشبه الطرد من حيث إنه غير مناسب بذاته للحكم ويشبه المناسب من حيث التفات الشارع إليه في بعض الأحكام كالذكورة والأنوثة في الشهادة وعدم التفاته إليها في بعضها كالعتق للكفارة، ويسمى بالوصف الشبهي.
ثانيا: المناسب بذاته هو: ما تعقل مناسبته بالنظر إليه في ذاته، كالإسكار للتحريم فإن كونه مزيلا للعقل الضروري للإنسان، وكونه مناسبا للمنع منه مما لا يحتاج للعلم فيه إلى ورود شرع لظهوره فمناسبته تعلم من ذاته لأنها عقلية.
وغير المناسب بالذات هو: ما لا تعقل مناسبته بالنظر إليه في ذاته، وإنما تظن مناسبته لالتفات الشارع إليه في بعض المواضع، فإن التفات الشارع إليه في بعض الأحكام دليل على وجود المناسبة على الإجمال وإن لم يعلم وجهها بناء على أن ترتيب الشارع الأحكام على عللها لا يكون إلا بالمصلحة، كالذكورة والأنوثة فلا تعلم مناسبته من ذاته في ترتيب الحكم عليه.
مثال آخر: أن يقال في تعين الماء لإزالة النجاسة: هي طهارة تراد للصلاة فيتعين الماء لها كطهارة الحدث. فإن المناسبة بين كونها طهارة تراد للصلاة وبين تعين الماء غير ظاهرة، لكن لما رتب الشارع على وصف طهارة تراد للصلاة تعين الماء لها في الصلاة والطواف ومس المصحف ظننا أن هذا الوصف مناسب للحكم وأن فيه مصلحة.
ثالثا: لا يصار إلى قياس الشبه إذا أمكن قياس العلة. وقياس العلة هو القياس المشتمل على المناسب بذاته كقياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار، وقياس الشبه هو القياس المشتمل على المناسب بغير ذاته كقياس طهارة الخبث في
تعين الماء، وحينئذ فمتى فقد قياس العلة احتج بقياس الشبه.
فصار عندنا ثلاثة مصطلحات: الشَّبه الذي هو مسلك العلة، والشَّبه الذي هو الوصف الشبهي، وقياس الشّبه وهو القياس المشتمل على الوصف الشبهي.
رابعا: قياس الشبه نوعان هما:
1- الشبه الصُّوري وهو: الشبه في أصل الخلقة، كقياس الخيل على البغال في عدم الزكاة للتشابه في الصورة بينهما. وهذا ليس بحجة في الأصح.
2- الشبه الحكمي وهو: قسمان:
أ- ما له أصل واحد يقاس عليه، كقياس طهارة الخبث على طهارة الحدث في تعيّن الماء.
ب- ما له أصلان يتنازعانه فيلحق بأكثرهما شبها وهو القياس المسمى بغلبة الأشباه وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يشبه أحدهما أكثر في صفاته وأحكامه معا.
الصورة الثانية: أن يشبه أحدهما أكثر في أحكامه فقط.
الصورة الثالثة: أن يشبه أحدهما أكثر في صفاته فقط.
مثاله: العبد إذا قُتِل له شبه بالمال وله شبه بالحر وشبهه بالمال أكثر في الحكم والصفة من شبهه بالحر فيهما، أما الحكم فلكونه يباع ويؤجر ويعار ونحوه وأما الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورداءة، وتعلق الزكاة بقيمته إذا اتجر فيه، وهو يشبه الحر أيضا فيهما أما الحكم فلكونه يخاطب بالتكليف وتجب الصلاة عليه إذا مات، وأما الصفة فلكونه إنسانا يشابهه في صفاته الجسدية والنفسية، ومع هذا فشبهه بالمال أكثر من حيث الأحكام والصفات فيلحق بالمال فمن قتل عبدا خطئا دفع قيمته ولو زادت على دية الحر.
أما المشابهة في الأحكام فقط أو في الصفات فقط فيمكن التمثيل لهما بالمثال السابق إذا فرضنا أن العبد يشابه المال في أحكامه فقط أكثر من شبهه الحر فيها أو يشبهه في الصفات فقط أكثر من شبهه الحر فيها.

( شرح النص )​

السَّادِسُ: الشَّبَهُ وهو: مشابَهَةُ وصفٍ للمناسِبِ والطَّردِيِّ، ويسمى الوصفُ بالشَّبَهِ أيضًا، وهوَ منزِلَةٌ بينَ منزلتيهما في الأصحِّ، ولا يُصارُ إليهِ إنْ أمكنَ قياسُ العلةِ وإلا فهوَ حُجَّةٌ في غيرِ الصُّورِيِّ في الأصحِّ، وأعلاهُ قياسُ ما لهُ أصلٌ واحِدٌ، فغلبةِ الأشباهِ في الحكمِ والصفةِ، فالحكمِ، فالصفةِ.
............................................................................
( السَّادِسُ ) من مسالك العلة ( الشَّبَهُ وهو: مشابَهَةُ وصفٍ للمناسِبِ والطَّردِيِّ ) فمشابهته للمناسب تقتضي عليته دون مشابهته للطردي ( ويسمى الوصفُ بالشَّبَهِ أيضًا ) أي كما يسمى المسلك بالشبه ( وهوَ منزِلَةٌ ) أي ذو منزلة ( بينَ منزلتيهما ) أي منزلتي المناسب والطردي فهو دون المناسب وفوق الطردي ( في الأصحِّ ) لأنه يشبه الطردي من حيث إنه غير مناسب بالذات، ويشبه المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والأنوثة في القضاء والشهادة، وقيل في تعريفه: هو المناسب بالتبع كالطهارة لاشتراط النية، فإنها إنما تناسبه بواسطة أنها عبادة بخلاف المناسب بالذات كالإسكار لحرمة الخمر، فخلاصته عند هذا القائل أن الوصف الشبهي لا مناسبة مباشرة بينه وبين ما علل به ولكن المناسبة في الحقيقة بين ما يستلزمه وبين ما علل به فالطهارة مستلزمة
للعبادة المناسبة لاشتراط النية ( ولا يُصارُ إليهِ ) أي إلى الشبه بأن يصار إلى قياسه ( إنْ أمكنَ قياسُ العلةِ ) المشتمل على المناسب بالذات ( وإلا ) بأن تعذرت العلة بتعذر المناسب بالذات بأن لم يوجد غير قياس الشبه ( فهوَ حُجَّةٌ في غيرِ ) الشبه ( الصُّورِيِّ في الأصحِّ ) نظرا لشبهه بالمناسب وقد احتج به الإمام الشافعي في مواضع منها قوله في إيجاب النية في الوضوء كالتيمم: طهارتان أنى تفترقان. فيلحق الوضوء به فإن اشتراط النية في التيمم متفق عليه، وقيل: مردود نظرا لشبهه بالطردي، أما الصوري كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما، فليس بحجة في الأصح ( وأعلاهُ ) أي قياس الشبه حجية ( قياسُ ما ) أي شبه ( لهُ أصلٌ واحِدٌ ) كأن يقول الشافعي في إزالة الخبث: هي طهارة للصلاة فيتعين الماء لها كطهارة الحدث، فطهارة الخبث تشبه الطردي من حيث عدم ظهور المناسبة بينها وبين تعين الماء، وتشبه المناسب بالذات من حيث إن الشرع اعتبر طهارة الحدث بالماء في الصلاة وغيرها ( فـ ) ـقياس ( غلبةِ الأشباهِ في الحكمِ والصفةِ ) وهو: إلحاق فرع متردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالآخر فيهما، كإلحاق العبد بالمال في إيجاب القيمة بقتله بالغة ما بلغت ولو زادت على دية الحر، لأن شبهه بالمال في الحكم والصفة أكثر من شبهه بالحرّ فيهما، أما الحكم فلكونه يباع ويؤجر ويعار ويودع- أي يجعل وديعة عند أحد- ويثبت عليه اليد- كمن وضع يده واستولى على عبد وادعى ملكه فنازعه فيه أحد فالقول قول من له اليد مع اليمين وعلى الثاني البينة- وأما الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورادءة وتعلق الزكاة بقيمته إذا اتجر فيه وإن كان لا زكاة فيه في نفسه ( فـ ) ـقياس غلبة الأشباه في ( الحكمِ، فـ ) ـقياس غلبتها في ( الصفةِ ) وعطفهما بالفاء إشارة إلى تأخر الرتبة، فيقدم قياس الأشباه في الحكم والصفة معا على ما كان بأحدهما ويقدم ما كان بالحكم على ما كان بالصفة.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

أليست العلة التي هي مس الذكر المأخوذة من حديث ((من مس ذكره فليتوضأ)) مدركة بمسلك الإيماء؟
نعم ولكن المصنف ذكر هذا في شرحه عند الملائم لا عند المؤثر، والحديث من أمثلة المؤثر لا الملائم.
ولعلك تستشكل أن وجود النص أو الإجماع على علة يجعلها منصوصة لا مستنبطة بمسلك المناسبة؟
والجواب كما في حاشية العطار: إن المراد بالمناسب هنا الأعم من كونه مأخوذا بالنص أو بالاستنباط.
وأجيب بغير ذلك أيضا.
 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

معلوم أن مقسم المؤثر والملائم واحد وهو الوصف المناسب؛ فما يرد على أحدهما من حيث وروده على المقسم يرد على الآخر، ووكذا يقال في ما يدفع الإيرادَ من الجواب.
وجواب العطار -على ما يظهر- لا يتوافق مع احتراز المصنف : ( لا بأن نص على العلة أو أومئ إليها وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة )؛ لإشعاره بأن المناسب هنا هو المستنبط بمسلك المناسبة فحسب، سواء أكان مؤثرا أم ملائما لما ذكرت.
وهو الموافق لما صرح به غير واحد منهم الإسنوي في "النهاية" حيث قال: ((الثاني: أن يعتبره الشارع أي: يورد الفروع على وفقه، وليس المراد باعتباره أن ينص على العلة أو يومئ إليها، وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة, وهذا النوع على أربعة أقسام ذكرها المصنف, أحدها: أن يعتبر الشارع نوع المناسبة في نوع الحكم، كالسكر مع الحرمة)) قال محشيه: هذا هو الوصف المسمى بالمؤثر.

ولذا أشكل علي المثال السابق.



1- الملغي
فلا يُعَلَّلْ بهِ
أي من المناسب المرسل
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس الثامن بعد المائة- القياس

مسالك العلة- الدوران


أولا: ومن مسالك العلة الدوران وهو: أن يوجد الحكم عند وجود وصف ويعدم عند عدمه.
أي أن يعين المجتهد وصفا للعلية بناء على دوران الحكم معه فمتى وجد وجد الحكم ومتى فقد فقد الحكم كأن يقول: إن علة تحريم الخمر هي الإسكار لأن عصير العنب قبل تخمره كان مباحا ثم لما تخمر صار حراما ثم لما تخلل رجع مباحا.
ويسمى الوصف كالإسكار مدارا والحكم كتحريم الشرب دائرا.
وقد اختلف في إفادته العلية: فقيل لا يفيدها لا قطعا ولا ظنا؛ لأنه قد يعلل الحكم بوصف لازم له يدور معه ولكنه ليس علة له حقيقة، كالرائحة المخصوصة للخمر، فإنها معدومة قبل التخمر ومعدومة بعد التخلل وموجودة ملازمة عند التخمر مع أنها ليست علة لتحريمه اتفاقا.
وقيل: يفيدها قطعا. وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف للحكم كالإسكار لحرمة الخمر، ولكن لا يخفى أنه عند مناسبته يكون من قبيل المناسبة لا الدوران.
وقيل: يفيدها ظنا لا قطعا. لقيام الاحتمال المذكور في القول الأول.
ثانيا: عند استدلال المستدل بالدوران في شيء لا يلزمه بيان انتفاء ما هو أولى منه من المسالك في إفادة العلية لأن هذا ليس بلازم فيصح الاستدلال بالدوران مع إمكان الاستدلال بما هو أولى منه كأن يستدل بالدوران مع وجود وصف آخر ثابت بالمناسبة أو بالسبر والتقسيم مثلا فيكون من باب اجتماع دليلين على مدلول واحد، بخلاف الشبه فإنه لا يصار إليه مع إمكان قياس العلة كما تقدم لضعف فيه.
ثالثا: إن أبدى المعترض وصفا آخر قاصرا فالراجح هو وصف المستدل لتعديه إلى غير محل الحكم.
مثاله: أن يقول المستدل: علة الربا في الذهب هي النقدية لدوران الحكم معها.
فيقول المعترض: بل هي الذهبية.
ومعلوم أن العلتين يدور معهما الحكم وجودا وعدما لكن علة المستدل هنا متعدية إلى غير الذهب كالفضة، بخلاف علة المعترض القاصرة على الذهب، لذلك تُرَجَّح علة المستدل لتعديها.
رابعا: إن أبدى المعترض وصفا آخر متعديا فهنا حالتان:
1- أن يتحد مقتضى الوصفين بأن يقتضيا حكما واحدا فلا يطلب ترجيح بينهما، سواء كان وصف المعترض متعديا إلى نفس الفرع المتنازع فيه أم إلى غيره.
مثال الأول: أن يقول المستدل: يحرم الربا في التفاح لعلة الطعم، فيقاس عليه الجوز مثلا.
فيقول المعترض: بل العلة في التفاح هي الوزن فيقاس عليه الجوز.
فكل من العلتين: الطعم والوزن متعدية إلى نفس الفرع الذي هو الجوز، وكلاهما يقتضي تحريم الربا في التفاح.
ومثال الثاني: أن يقول المستدل: يحرم الربا في البر لعلة الاقتيات، فيقاس عليه الشعير مثلا.
ويقول المعترض: بل العلة في البر هي الطعم فيقاس عليه التفاح.
فعلة المستدل تتعدى إلى فرع، وعلة المعترض تتعدى إلى فرع آخر، وكلاهما يقتضي تحريم الربا في البر.
ففي الصورتين لا يطلب ترجيح لجواز أن تعلل حرمة البر بأكثر من علة بناء على جواز تعدد العلل لحكم واحد.
2- أن لا يتحد مقتضى الوصفين بأن يقتضي كل منهما حكما غير الآخر فلا بد حينئذ من الترجيح بينهما.
مثاله: أن يقول الشافعي: صوم رمضان يجب تبييت النية فيه لأنه صوم واجب فيحتاط له، فيقاس عليه صوم الكفارة.
فيقول الحنفي: صوم رمضان هو صوم لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه.
فهنا أثبت الشافعي حكما وهو وجوب التبييت وعلله بعلة وهي كونه صوما واجبا فيحتاط له، فعارضه الحنفي بأن علة حكم الأصل كونه صوما مضيقا لا يقبل وقته غيره فلا دخل للاحتياط فيه فلا يجب تبييت النية، فمقتضى وصفيهما مختلف أحدهما يقتضي وجوب النية والآخر يقتضي عدم وجوبها، فيطلب الترجيح بينهما بدليل.

( شرح النص )​

السَّابِعُ: الدَّورانُ: بأنْ يوجدَ الحكمُ عندَ وجودِ وصفٍ ويُعْدَمَ عندَ عَدَمِهِ، وهوَ يفيدُ ظنًّا في الأصحِّ، ولا يَلزمُ المستدِلَّ بهِ بيانُ انتفاءِ ما هوَ أَولى منهُ، ويَتَرجَّحُ جانِبُهُ بالتَّعدِيَةِ إِنْ أَبدى المعترِضُ وصفًا آخَرَ، والأَصحُّ إِنْ تَعَدَّى وَصْفُهُ إلى الفَرْعِ واتَّحَدَ مُقْتَضَى وَصْفَيهِما أَو إلى فَرْعٍ آخَرَ لمْ يُطْلَبْ ترجيحٌ.
......................................................
( السَّابِعُ ) من مسالك العلة ( الدَّورانُ: بأنْ يوجدَ الحكمُ عندَ وجودِ وصفٍ ويُعْدَمَ عندَ عَدَمِهِ ) والوصف يسمى مدارا والحكم دائرا ( وهوَ ) أي الدوران ( يفيدُ ) العلية ( ظنًّا في الأصحِّ ) وقيل: لا يفيدها لجواز أن يكون الوصف ملازما لها لا نفسها كرائحة المسكر المخصوصة، فإنها دائرة مع الإسكار وجودا وعدما بأن يصير المسكر خلا وليست علة، وقيل: يفيدها قطعا وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كالإسكار لحرمة الخمر ( ولا يَلزمُ المستدِلَّ بهِ بيانُ انتفاءِ ما هوَ أَولى منهُ ) من المسالك بإفادة العلية بل يصح الاستدلال بالدوران مع إمكان الاستدلال بما هو أولى منه كالسبر والتقسيم بخلاف ما مرّ في الشبه من أنه لا يصح الاستدلال به مع إمكان قياس العلة ( ويَتَرجَّحُ جانِبُهُ ) أي المستدل ( بالتَّعدِيَةِ ) لوصفه على جانب المعترض حيث يكون وصفه قاصرا ( إِنْ أَبدى المعترِضُ وصفًا آخَرَ ) أي غير المدار مثاله: أن يقول المستدل: إن علة حرمة الربا فى الذهب النقدية، فيقول المعترض: بل العلة الذهبية، فكل من العلة التى أبداها المستدل والتي أبداها المعترض يدور معها الحكم وجودا وعدما، ولكن التي أبداها المعترض قاصرة على محل الحكم وهو الأصل فلا تعدي بها وعلة المستدل متعدية فتترجح بالتعدية للفرع على علة المعترض ( والأَصحُّ ) أنه ( إِنْ تَعَدَّى وَصْفُهُ ) أي المعترض ( إلى الفَرْعِ ) المتنازع فيه ( واتَّحَدَ مُقْتَضَى وَصْفَيهِما ) أي المستدل والمعترض ( أَو إلى فَرْعٍ آخَرَ لمْ يُطْلَبْ ترجيحٌ ) في الصورتين بناء على جواز تعدد العلل لمعلول واحد، وقيل: يطلب الترجيح بناء على منع تعدد العلل، أما إذا اختلف مقتضى وصفيهما كأن اقتضى أحدهما الحل والآخر الحرمة فيطلب الترجيح.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

معلوم أن مقسم المؤثر والملائم واحد وهو الوصف المناسب؛ فما يرد على أحدهما من حيث وروده على المقسم يرد على الآخر، ووكذا يقال في ما يدفع الإيرادَ من الجواب.
وجواب العطار -على ما يظهر- لا يتوافق مع احتراز المصنف : ( لا بأن نص على العلة أو أومئ إليها وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة )؛ لإشعاره بأن المناسب هنا هو المستنبط بمسلك المناسبة فحسب، سواء أكان مؤثرا أم ملائما لما ذكرت.
وهو الموافق لما صرح به غير واحد منهم الإسنوي في "النهاية" حيث قال: ((الثاني: أن يعتبره الشارع أي: يورد الفروع على وفقه، وليس المراد باعتباره أن ينص على العلة أو يومئ إليها، وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة, وهذا النوع على أربعة أقسام ذكرها المصنف, أحدها: أن يعتبر الشارع نوع المناسبة في نوع الحكم، كالسكر مع الحرمة)) قال محشيه: هذا هو الوصف المسمى بالمؤثر.

ولذا أشكل علي المثال السابق.
لا يخفى عليك وجود اختلاف في هذا المبحث بين طريقة السبكي وطريقة غيره.
كلام صاحب الغاية ظاهر -عندي- في أن كلامه على عدم النص أو الإيماء راجع إلى الملائم دون المؤثر وإلا كيف يستقيم أن يقول في المؤثر إن اعتبر عينه بنص أو إجماع ثم يقول لا بأن نص على العلة أو أومأ إليها ؟
لا يقال الكلام على المناسب واحد لأن هذا كلام على قسم من المناسب وهو الملائم دون المؤثر وبذا يظهر جواب العطار في دفع الإشكال الوارد، ثم لنترك الكلام على النص ونتكلم على مثال الإجماع فقد أجمعوا على أن علة ولاية المال هي الصغر فالعلة متعينة قطعا فما معنى استنباطها بمسلك المناسبة ؟ نعم مثال الأسنوي يشكل على مثالي وكما قلت هنالك اضطراب والقصد بالمثال هو التوضيح وإن نوقش فيه، ولكن حتى مثال المسكر على تقرير الأسنوي مشكل فإن قوله صلى الله عليه وسلم" وكل مسكر حرام " فيه إيماء بترتيب حكم على وصف، ويمكن الجواب بتعدد العلل على معلول واحد فقد ذكر الشنقيطي في نثر الورود ما نصه: فإن قيل فالمناسبة المذكورة في هذا المسلك تكفي وحدها دون الدوران كما تقدم في مسلك المناسبة ؟
فالجواب ما ذكره صاحب الآيات البينات من أن غاية ما في الباب اجتماع جهتين كل منهما تفيد العلية ولا محذور في ذلك، فكون الإسكار علة التحريم يستدل عليه بثلاثة من مسالك العلة:
الأول: مسلك الإيماء من جهة ترتب الحكم الذي هو المنع على الوصف الذي هو الإسكار في حديث كل مسكر حرام.
الثاني: مسلك المناسبة لمناسبة الإسكار للتحريم واقترانه معه في دليل الحكم مع السلامة من القوادح كما تقدم في المناسبة.
الثالث: الدوران الوجودي والعدمي كما مثلنا به هنا. اهـ
وهذا هو الجواب الثاني للعطار في حاشيته حيث قال: وأجيب أيضا بأن فهم المناسبة من ذات المناسب لا ينافي اعتباره بنص أو إجماع. اهـ
هذا ما عندي الآن فإن كان عندك شيء آخر فلنتباحث فيه ونحرر محل النزاع ونستفيد منكم.

 
التعديل الأخير:

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,681
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

الدرس التاسع بعد المائة- القياس

تتمة الكلام على مسالك العلة


أولا: ومن مسالك العلة عند البعض الطرد وهو: مقارنة حكم لوصف من غير مناسبة بينهما.
مثاله: قول بعضهم: إن الخل لا تزال به النجاسة لأنه لا يبنى عليه قنطرة أي جسر كالدهن، بخلاف الماء فإنه يزال به النجاسة لبناء القناطر عليه. فبناء القنطرة وعدمه لا مناسبة فيه للحكم أصلا.
ورده الأكثر من العلماء.
ثانيا: ومن مسالك العلة تنقيح المناط وهو: أن يدل نص ظاهر على تعليل الحكم بوصف فيحذف المجتهد خصوصه عن الاعتبار وينوط الحكم بالأعم، أو تكون في محل الحكم أوصاف فيحذف المجتهد بعضها وينوط الحكم بباقيها.
مثال الحالة الأولى: خبر الأعرابي الذي واقع أهله في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة، فقد ألغى الإمامان أبو حنيفة ومالك خصوص الوقاع في رمضان وأناطا الحكم بأعم منه وهو انتهاك حرمة رمضان فأوجبا الكفارة بالأكل والشرب فيه عمدا، بمعنى أنهما نظرا إلى أن مقصود الشارع هو بيان حكم المفطر عمدا في رمضان، والجماع فيه مصداق من مصاديق المفطرات لم يقصد الشارع قصر الحكم عليه. فهنا حذفا وصف الوقاع وربطا الحكم بالأعم وهو المفطر.
ومثال الحالة الثانية: الخبر السابق فقد حذف الإمامان الشافعي وأحمد بعض الأوصاف منه ككون الواطئ أعرابيا، وكون الموطوءة زوجة، وكون الوطء في القبل، وأناطا الحكم بالوقاع سواء حصلت من أعرابي أم من غيره، وسواء كانت المرأة زوجته أم غيرها وسواء كان الوطء في قبل أم دبر.
وقد اشتهرت في كتب الأصول وغيرها ثلاث مصطلحات هي: ( تنقيح المناط- تحقيق المناط- تخريج المناط ).
فأما تنقيح المناط فقد بيناه قبل قليل وأما تخريج المناط فقد تقدم في مسلك المناسبة.
وأما تحقيق المناط فهو: إثبات العلة في صورة خفي وجود العلة فيها.
بمعنى أن يقع الاتفاق على علية وصف لحكم، ولكن يقع التنازع في وجود العلة في الفرع فيأتي المجتهد فيثبت وجود العلة في صورة النزاع.
مثاله: اتفاقهم على أن علة قطع اليد هي السرقة ولكنهم اختلفوا في النبّاش الذي ينبش القبور ويسرق الأكفان هل وجد فيه وصف السرقة أو لا.
فيقول الشافعي: إن النباش سارق لأنه وجد منه أخذ مال الغير خفية وهذه هي السرقة فتقطع يده. وخالف في ذلك الإمام أبو حنيفة.
ثالثا: ومن مسالك العلة إلغاء الفارق وهو: أن يبين المجتهد أن الفارق بين الأصل والفرع عديم التأثير.
سواء كان الإلغاء قطعيا كإلحاق صب البول بالماء الراكد بالبول فيه مباشرة في الكراهة أم ظنيا كإلحاق الأمة بالعبد في سريان العتق إلى كله إذا أعتق بعضه.
وإلغاء الفارق والدوران والطرد- على القول به- كلها ترجع إلى نوع مشابهة للعلة الحقيقية، وليست عللا حقيقية ولكن يحصل بها غلبة الظن في بعض الأحوال. كذلك هي لا تعين جهة المصلحة من تشريع الحكم؛ فإنها لا تدرك بواحد من الثلاثة بخلاف المناسبة فإنها تعين جهة المصلحة وتحصّل الظن.
رابعا: هنالك مسلكان ضعيفان لا يصح استعمالهما لاستخراج العلة وهما:
1- إذا تأتى لنا أن نقيس شيئا على شيء بجامع وصف فليس ذلك دليلا على علية الوصف المذكور.
وقيل: هو دليل على ذلك لأن القياس إنما هو إلحاق فرع بأصل وقد حصل.
والجواب: أن المقصود بالجامع الوارد في حد القياس هو الجامع الذي تظن صحته لا الجامع كيفما كان.
مع أن ما ذكروه يلزم منه الدور الباطل فإنهم بجعلهم القياس طريقا لمعرفة العلة تكون العلة موقوفة على القياس، ونحن نعلم أنه لا وجود للقياس بدون علة، فتكون العلة موقوفة على القياس والقياس موقوف على العلة.
2- إذا استدل مستدل على أن هذا الوصف علة لهذا الحكم فعجز الخصم عن إفساد كونه علة له فليس ذلك العجز دليلا على صحة علة المستدل.
وقيل: إن عجز الخصم عن إبطال علية الوصف دليل على عليته في نفس الأمر، كالمعجزة فإنها دلت على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم للعجز عن معارضتها.
وأجيب: بأن العجز في المعجزة من جميع الخلق، والعجز هنا من خصوص الخصم وبينهما بون عظيم.
( شرح النص )​

الثَّامِنُ: الطَّردُ: بأَنْ يُقارِنَ الحكمُ الوصفَ بلا مناسَبَةٍ، وردَّهُ الأكثرُ.
التَّاسِعُ: تنقيحُ المناطِ: بأنْ يدلَّ نصٌّ ظاهِرٌ على التَّعليلِ بوصفٍ فيُحذَفُ خُصُوصُهُ عنِ الاِعتِبارِ بالاجتهادِ ويُناطُ بالأَعمِّ، أَو تكونَ أَوصافٌ فيُحذَفُ بعضُها ويناطُ بِباقِيها.
وتحقيقُ المناطِ: إثباتُ العلَّةِ في صورةٍ كإثباتِ أَنَّ النبَّاشَ سارِقٌ وتخريجُهُ مرَّ.
العاشِرُ: إلغاءُ الفارِقِ كإلحاقِ الأمةِ بالعبدِ في السِّرايَةِ، وهوَ والدورانُ والطَّردُ ترجِعُ إلى ضربِ شَبَهٍ.
خاتِمَةٌ: ليسَ تأتِّي القياسِ بعلِّيَّةِ وصفٍ، ولا العجزُ عن إفسادِهِ دليلُها في الأصحِّ
.
.........................................................................
( الثَّامِنُ ) من مسالك العلة ( الطَّردُ: بأَنْ يُقارِنَ الحكمُ الوصفَ بلا مناسَبَةٍ ) لا بالذات كالوصف المناسب ولا بالتبع كالوصف الشبهي فيخرج بهذا القيد بقية المسالك، كقول بعضهم في الخل: مائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن أي بخلاف الماء، فبناء القنطرة وعدمه لا مناسبة فيهما للحكم، وإن كان مطردا لا نقض عليه ( وردَّهُ الأكثرُ ) من العلماء لانتفاء المناسبة عنه ( التَّاسِعُ ) من مسالك العلة ( تنقيحُ المناطِ: بأنْ يدلَّ نصٌّ ظاهِرٌ على التَّعليلِ ) لحكم ( فيُحذَفُ خُصُوصُهُ عنِ الاِعتِبارِ بالاجتهادِ ويُناطُ ) الحكم ( بالأَعمِّ ) كما حذف أبو حنيفة ومالك من خبر الأعرابيّ الذي واقع زوجته في نهار رمضان خصوص الوقاع عن الاعتبار، وأناطا الكفارة بمطلق الإفطار ( أو ) بأن ( تكونَ ) في محل الحكم ( أَوصافٌ فيُحذَفُ بعضُها ) عن الاعتبار بالاجتهاد ( ويناطُ ) الحكم ( بِباقِيها ) كما حذف الشافعي في الخبر المذكور غير الوقاع من أوصاف المحل ككون الواطىء أعرابيا، وكون الموطوءة زوجة، وكون الوطء في القبل عن الاعتبار، وأناط الكفارة بالوقاع، ولا ينافي التمثيل بالخبر لما هنا التمثيل به فيما مرّ للإيماء، لاختلاف الجهة، إذ التمثيل للإيماء بالنظر لاقتران الوصف بالحكم، ولما هنا بالنظر للاجتهاد في الحذف ( وتحقيقُ المناطِ: إثباتُ العلَّةِ في صورةٍ ) خفي وجودها فيها ( كإثباتِ أَنَّ النبَّاشَ ) وهو من ينبش القبور ويأخذ الأكفان ( سارِقٌ ) بأنه وجد منه أخذ المال خفية من حرز مثله وهو السرقة فيقطع خلافا للحنفية ( وتخريجُهُ ) أي المناط ( مرَّ ) بيانه في مبحث المناسبة وقرنتُ كالأصل بين الثلاثة كعادة الجدليين ويعرف من تعاريفها الفرق بينها ( العاشِرُ ) من مسالك العلة ( إلغاءُ الفارِقِ ) بأن يبين عدم تأثيره في الفرق بين الأصل والفرع، فيثبت الحكم لما اشتركا فيه سواء أكان الإلغاء قطعيا كإلحاق صبّ البول في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة الثابتة بخبر الصحيحين: لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري. أم ظنيا ( كإلحاقِ الأمةِ بالعبدِ في السِّرايةِ ) الثابتة بخبر الصحيحين: من أعتق شِركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة عَدْل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق. فالفارق في الأول الصب من غير فرج، وفي الثاني الأنوثة، ولا تأثير لهما في منع الكراهة والسراية فتثبتان لما يشارك فيه الأصل والفرع، وإنما كان الثاني ظنيا لأنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد استقلاله في جهاد وجمعة وغيرهما مما لا دخل للأنثى فيه، وقوله في الخبر ثمن العبد: أي ثمن ما لا يملكه المعتق من العبد أي باقي قيمته ( وهو ) أي إلغاء الفارق ( والدورانُ والطَّردُ ) على القول به ( ترجِعُ ) ثلاثتها ( إلى ضَرْبِ شَبَهٍ ) للعلة لا علة حقيقة لأنها تحصّل الظن في الجملة أي في بعض الأحوال ولا تعيّن جهة المصلحة المقصودة من شرع الحكم، لأنها لا تدرك بواحد منها بخلاف بقية المسالك فإنها تحصل الظن وتعين جهة المصلحة لإدراكها بها ( خاتِمَةٌ ) في نفي مسلكين ضعيفين ) ليسَ تأتِّي القياسِ بعلِّيَّةِ وصفٍ ( أي بسبب علية وصف ) ولا العجزُ عن إفسادِهِ ) أي إفساد الوصف المجعول علة ( دليلُها ) أي دليل العلية ( في الأصحِّ ) فيهما، وقيل: نعم فيهما.

 
التعديل الأخير:
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

كقياس طهارة الخبثفي تعين الماء
ما له أصلان يتنازعانه
أو يشبهه في المال أكثر في الصفات أكثر من شبهه الحر فيها.
غير واضح
فغلبةُ الأشباهِ في الحكمِ

كأن يستدلال بالدوران
كلاهما يقتضي تحريم التفاح.
ويُعْدَمُ عندَ عَدَمِهِ
ولا يَلزمُ المستدِلَّ به بيانُ
 
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
أعلى