العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقييد ما لم يُقيّده الشرع بوقتٍ أو عددٍ. هل هو بدعة ؟؟

إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ...

أمّا بعد:

فثمّة إستشكالٌ كبيرٌ يُثيرُهُ بعض طلبة العلم عندما يجدون أمرًا يُفعل في وقت ما يُخصّص له، ويقولون: إنّ الشرع لم يرد بتخصيصه في هذا الوقت .... أو لم يرد بتخصيصه بهذا العدد ..

ويبنون على استشكالهم ذاك أنّ ما لم يُخصّصه الشرع بوقتٍ أو عددٍ فيكون تخصيصه بدعةً. فيتّهمون بالبدعة جمهورًا عريضًا من المسلمين.

والجواب على هذا الاستشكال من وجهين:

أولاً:

تأصيل هذه المسألة:

1- أنّ ما أذن به الشرع (فجعله مباحًا أو مندوبًا أو واجبًا) أو تركه دون بيان حكم (والأصل في الأشياء الإباحة) أنّ تخصيصه بوقتٍ لا يحوّله عن أصل حكمه الشرعيّ ... فإذا وجد أمرٌ واجبٌ في الشرع كالزكاة مثلاً، وأراد شخصٌ أن يُخرجها في رمضان من كلّ عامٍ فلا يوصف فعله بالتحريم، ولا يخرج عن اصل الوجوب.

وكذلك إذا كان الفعل مندوبًا كصيام النافلة، فمن كان عنده فراغ من عمله كلّ يوم ثلاثاء مثلاً فأراد أن يصومه تقرّبًا إلى الله تعالى فلا يوصف فعله بأنّه محرّم، بل يبقى على أصل الندب، وإن خصّصه بيومٍ لشغله في غيره مثلاً ... ما لم يتعارض هذا مع ما نهى عنه الشارع بخصوصه...

وكذلك إذا كان الفعل مباحًا كالأكل .. فإنّ الإنسان إذا أراد أن يأكل كلّ يومٍ بعد عودته من عمله عند الساعة الرابعة عصرًا .. فلا يوصف فعله بالتحريم لتخصيصه ما هو مباحٌ من الأعمال بوقتٍ دون غيره.

2- أنّ التخصيص في ذاته ليس هناك ما يدلّ على تحريمه، فحيثما ورد الأمر مُباحًا فهو مُباحُ، وحيثما ورد دون تخصيص فيجوز تخصيصه ... لأنّ وروده دون تخصيصٍ بوقتٍ مُشعرٌ بجواز تخصيصه في أيّ وقتٍ، ولا يصحّ منع من أراد تخصيصه بوقتٍ لأصل كونه غيرَ مخصَّصٍ.

3- أنّ تحريم التخصيص حكمٌ شرعيٌّ بحاجةٍ إلى دليل ... وما لم يكن ثمّة دليلٌ على تحريم التخصيص فلا يصحّ أن يُدّعى التحريم لمجرّد عدم التخصيص من قبل الشارع، وذلك لأنّ عدم التخصيص من قبل الشارع من قبيل ما سكت عنه: (وسكت عن أشياء رحمة بكم).

4- أنّ التخصيص بوقتٍ لا يكون على سبيل الإيجاب على النفس أو الإلزام إنّما يكون باعتبار المناسب لحالات الإنسان، فمن خصّص يومًا من الأسبوع لاجتماعه مع أسرته لتلاوة القرءان بحسب فراغه وفراغ أهله فلا يُقال له مبتدعٌ لتخصيصه هذا اليوم بهذا النوع من العبادة. ولا يكون هذا منه على سبيل الإلزام والإيجاب، بل يكون هذا التخصيص لأجل حثّ النفس على القيام بهذه العبادة (أو هذا المباح) في هذا الوقت.

ثانيًا:

التطبيقات العمليّة على تخصيص كثيرٍ من الأمور من قبل عامّة العلماء وطلاب العلم دون نكير:

1- جعل الدراسة النظاميّة اليوم (ومن بينها دراسة الشريعة الإسلاميّة، وطلب العلم الشرعيّ) في الجامعات والمدارس، وهذه الدروس النظاميّة من العلم الذي أُمرنا به... فيُخصّص لها مناهج معيّنة... وهذا لم يرد به الشرع ... ويخصّص لها أماكن معيّنة ... (سوى المساجد) وهذا لم يرد به الشرع .. ويُخصّص لها أوقات معيّنة ...

2- ترتيب جميع علماء اليوم دروسهم العلميّة المنهجيّة في مختلف علوم الشريعة في أوقات معيّنة وتخصيصها بأوقات دون غيرها وجعلها في مساجد بعينها دون غيرها، وهذا كلّه من الفرائض التي لم يرد الشرع بتخصيصها، فقد أمرنا الشرع بطلب العلم، وجعله فريضة: (طلب العلم فريضة)، دون أن يُخصّصه بوقتٍ أو مكان، والمشايخ الكرام جميعًا في هذا العصر دون استثناء يُخصّصون أوقاتًا وأماكن لهذا الواجب.

3- تخصيص ساعات معيّنة للإجابة على الفتاوى والردّ على الهاتف والأسئلة، وهي أمورٌ شرعيّة ليست دنيويّة، وهو تخصيصٌ لم يرد من الشارع.

فهل يكون التخصيص بدعة بعد كلّ هذا؟؟ وهل يصير مجرّد فعل أمرٍ واجبٍ أو مندوب أو مباح في وقتٍ ما بدعةً لكون الشرع لم يرد بتخصيصه؟؟

إذا كان الأمر كذلك... فليكن أكثر ما نفعله تحت ذلك المسمّى، ولا بأس به وقتذاك.
 

د ايمان محمد

:: متخصص ::
إنضم
2 أبريل 2008
المشاركات
88
التخصص
فقه
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
شافعى
أنّ التخصيص بوقتٍ لا يكون على سبيل الإيجاب على النفس أو الإلزام إنّما يكون باعتبار المناسب لحالات الإنسان
جزاك الله خيرا
وإذا كان التخصيص على سبيل الإلزام بالنذر مثلا أفلا يكون مباحا لأنه طاعة ،،، فما بالنا بالتخصيص على غير سبيل الإلزام
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
أنّ التخصيص بوقتٍ لا يكون على سبيل الإيجاب على النفس أو الإلزام إنّما يكون باعتبار المناسب لحالات الإنسان
جزاك الله خيرا
وإذا كان التخصيص على سبيل الإلزام بالنذر مثلا أفلا يكون مباحا لأنه طاعة ،،، فما بالنا بالتخصيص على غير سبيل الإلزام


وجزاك خيرًا مثله..

إنّما قصدت إلزام الإنسان نفسه على سبيل الفرض عليها لا على سبيل النذر ...

أو إلزام الشيخ تلاميذه أو (مريديه) على سبيل الإيجاب.....
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
تعديل المشاركة، ويرجى من المشرف حذف المشاركة السابقة:


البدعة إنما تكون في اعتقاد أفضلية هذا التخصيص عن غيره، أما مجرد التخصيص فلا ينفك عنه عمل العبد أصلا؛ لأن التكليفات الشرعية لا ترد مشخصة، وامتثال العبد لها لا بد فيه من تشخيص ولو بوجه.

فمثلا جاء الشرع بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، ولم يحدد درجة ارتفاع الصوت، فلو اختلفنا في درجة ارتفاع الصوت لما كان هذا بدعة باتفاق أهل العلم، لكن لو اعتقد بعض الناس أن خفض الصوت إلى درجة معينة مستحب فحينئذ يكون بدعة، وكذلك لو اعتقد أن رفعه إلى درجة معينة مستحب.
أما لو رفع صوته إلى هذه الدرجة بالضبط من غير اعتقاد أفضلية فيها فحينئذ لا يكون بدعة.

ومثلا جاء الشرع بفرضية الوضوء بالماء، ولم يحدد كثيرا من الصفات في الماء المطلوب، فلو فرضنا أن بعض الناس اعتقد أفضلية الوضوء بماء الصنبور، أو أفضلية الوضوء بماء النهر لكان هذا بدعة، مع أنه لو توضأ بماء الصنبور أو بماء النهر لما كان بدعة اتفاقا.

وكذلك جاء الشرع باستحباب قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ونحو ذلك، فلو جاء بعض الناس واعتقد أن قول سبحان الله 1350 مرة له فضيلة معينة، أو أنه يستحب أن تقول: يا حي يا قيوم بعد العشاء 120 مرة، فهذا بدعة، مع أنه لو فرض أنه قال هذا العدد اتفاقا لما كان بدعة.

فالمقصود أنه ينبغي التمييز والتفريق بين هذين الأمرين؛ لأن عدم التفريق بينهما هو السبب في خلط كثير من الناس في أحكام البدعة والابتداع بين تفريط وإفراط.

والله أعلم.

 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
البدعة إنما تكون في اعتقاد أفضلية هذا التخصيص عن غيره، أما مجرد التخصيص فلا ينفك عنه عمل العبد أصلا؛ لأن التكليفات الشرعية لا ترد مشخصة، وامتثال العبد لها لا بد فيه من تشخيص ولو بوجه.

وكذلك جاء الشرع باستحباب قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ونحو ذلك، فلو جاء بعض الناس واعتقد أن قول سبحان الله 1350 مرة له فضيلة معينة، أو أنه يستحب أن تقول: يا حي يا قيوم بعد العشاء 120 مرة، فهذا بدعة، مع أنه لو فرض أنه قال هذا العدد اتفاقا لما كان بدعة.

فالمقصود أنه ينبغي التمييز والتفريق بين هذين الأمرين؛ لأن عدم التفريق بينهما هو السبب في خلط كثير من الناس في أحكام البدعة والابتداع بين تفريط وإفراط. والله أعلم.

أخي الكريم أبا مالك:
قلنا إنّ اعتقاد الأفضليّة لا يلزم منه التبديع ... وذلك لأنّ مجرّد اعتقاد الأفضليّة إنّما هو لمراعاة الحال ..

فمن قال يٌستحبّ رفع الصوت في الصلاة في قراءة الفاتحة لـــ(يُسمِعَ الحضورَ الكثيرَ) فإنّه لا يكون مبتدعًا لاعتقاده الاستحباب لهذا الغرض .. ومن وقع في شدّة وكرب فذكر اسم الله الرحمن أو الرحيم أو اللطيف أو دعا بدعاء لرفع الكرب والشدّة معتقدًا أفضليّته على غيره من الأدعية أو الأذكار بسبب ما هو فيه من شدّة وحالٍ فلا يُقال في وصفه: (مبتدعٌ) ...

فمراعاة أحوال السائلين كان دأب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهذا دلالة على أنّ الأفضليّة قد تتعلّق بشخصٍ دون آخر، فلا يتعلّق إثمٌ بعملٍ لو فعله شخصٌ، ولكن يتعلّق الإثم بغيره لو عمل ذات عملِهِ. كما ورد في سؤال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن القبلة للصائم ... فأحد السائلين لو قبّل ليس عليه إثم والآخر آثمٌ.

من هنا نقول:

إنّ مجرّد التخصيص واعتقاد الأفضليّة لا يلزم منه تبديع المعتقد للأفضليّة وعدّه آثمًا .. .لما قد يُلابس هذا الاعتقد من ظروف تجعل هذا الأمر في حقّه أفضل، ويتعلّق الثواب به لو فعله...

والله تعالى أعلم.
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
وفقك الله وسدد خطاك

كلامك صحيح يا أخي الفاضل، ولكنه يحتاج إلى تبيين وإتمام
وذلك بذكر فمتى يكون اعتقاد الأفضلية بدعة، ومتى يكون التخصيص بدعة

وذلك لأن قولنا (التخصيص لا يلزم منه التبديع) لا يعني أن (التخصيص يلزم منه عدم التبديع)
فالتخصيص أحيانا يكون بدعة وأحيانا لا يكون بدعة.

على حسب ما سبق ذكره
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
وفقك الله وسدد خطاك

كلامك صحيح يا أخي الفاضل، ولكنه يحتاج إلى تبيين وإتمام
وذلك بذكر فمتى يكون اعتقاد الأفضلية بدعة، ومتى يكون التخصيص بدعة

وذلك لأن قولنا (التخصيص لا يلزم منه التبديع) لا يعني أن (التخصيص يلزم منه عدم التبديع)
فالتخصيص أحيانا يكون بدعة وأحيانا لا يكون بدعة.

على حسب ما سبق ذكره


فأتمّه لنا وفسّره وبيّنه جزاك الله كلّ خير ...
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
المقصود يا أخي الفاضل أننا لو قلنا: (كل ما لم يقيده الشرع وجاء بعض الناس فقيده بوقت أو عدد أو أي وجه من أوجه التخصيص والتقييد فليس ببدعة)
فحينئذ سنقع في مشكلة، وهي أنك لن تجد بدعة تقريبا؛ لأن معظم البدع سيأتي صاحبها ويقول: قاعدتكم تنطبق علي، لأني لم أبتدع عبادة جديدة، وكل ما في الأمر أني خصصت العبادة بوقت معين أو عدد معين أو نحو ذلك.

ومن المعلوم لدينا جميعا أنه يوجد بدع فيما يفعله الناس، ومن المعلوم أيضا أن الشريعة جاءت بإنكار البدع.
فإذا قعدنا قاعدة وكان من نتائجها أنه لا توجد بدع فهذا يدل على أن هذه القاعدة تحتاج إلى إتمام.

ولا يصح هنا أن نستدل ببعض الفروع التي تثبت كلامنا؛ لأن التقعيد لا بد أن يشمل جميع ما يضمه من أفراد وإلا كان فيه إشكال.

فمثلا إذا قلنا (يستحب رفع الصوت في الصلاة لإسماع الناس)
فهل هذا بدعة؟ نقول لا ليس ببدعة
ولكن لا يصح الاستناد إلى ذلك في دفع البدعية عن غير ذلك من التخصيصات التي يفعلها الناس؛
لأننا لما قلنا ليس ببدعة استندنا إلى نصوص الشرع في هذا الحكم، كما في حديث عائشة مثلا (إن أبا بكر رجل أسيف، لا يسمع الناس) فعلمنا من هذا النص أن إسماع الناس مطلب شرعي.
أما لو قال قائل (يستحب رفع الصوت في صلاة المغرب فقط دون العشاء والفجر) فهذا لا يشك أحد في ابتداعه.

وكذلك من وقع في شدة وكرب فقال: يا لطيف أو يا عزيز أو نحو ذلك، فهذا ليس مبتدعا؛ لأن النصوص الشرعية أمرتنا بدعاء الله بأسمائه وصفاته، ومن المعلوم من تصرفات السلف أنهم كانوا يستعملون الأسماء المناسبة للأحوال المختلفة كما في حديث أبي هريرة: يا أمة الجبار
لكنه لو كان يعتقد أنه إذا وقع في كرب وشدة فعليه أن يقول (يا لطيف 499 مرة)، فهذا لا يشك أحد في ابتداعه.

وقد يختلف العلماء في إلحاق بعض المسائل بالبدعة، ولكنهم لا يختلفون في بدعية بعض الأمور، وعلى هذا فلا يصح الاستناد إلى أحد الفروع التي اشتبهت أو اختلف فيها العلماء وجعلها ذريعة لإبطال الأصل الشرعي المعروف من تحريم الابتداع في الدين وأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

والله تعالى أعلم.​
 
إنضم
21 سبتمبر 2009
المشاركات
188
الكنية
أبو عبدالله
التخصص
أنشد الفائدة
المدينة
وسط البحرين
المذهب الفقهي
حنبلي
حفظك الله وسددك أيها الأخ الكريم!.
لعل اللبس كامن في أنك جعلت العبادات والعادات في سياق واحد هاهنا -كما هو ظاهر من تمثيلاتكم على ما ستأتي الإشارة إليه-، والكلام في التخصيص أو التقييد المذمومين إنما هو في القرب والعبادات..
ومن هنا فلا محل لتمثيلكم حفظكم الله بتخصيص بعض المباحات أو تقييدها لا على وجه التعبد، فلا إشكال في إباحته.
وتخصيص المباحات وتقييدها على وجه التعبد لا إشكال في كونه ابتداعاً.
فإن لم يكن الأمر عندكم كذلك، فهلا ذكرتم -بارك الله فيكم- نماذج وقفتم عليها من كلام من ذكرتموهم من أهل العلم الذين يمنعون تخصيص المباحات لا على وجه التعبد.
وإذا لم يكن لهم وجود، فلا حاجة إلى الكلام على هذه الجزئية إلا على سبيل الإيضاح، وقد كان.
أما الجزئية الثانية فهي متعلقة بالعبادات.
فما كان منها مقيداً أو مخصصاً في الشرع، فلا كلام لنا عليه.
وما كان مرسلاً عن التقييد والتخصيص، فالأصل أن يبقى كذلك، إذ الإسلام لله والاتباع للشرع في الإطلاق كما هو في التعيين، والمعنى المستفاد من الإطلاق هو التوسعة، وتخصيصه من قبل المكلف واقع على ضربين:
الأول: تخصيص يلحظ فيه المكلف معنى زائداً استحساناً وأفضليةً، كأن يعتقد أن صوم هذا اليوم أكثر أجراً أو مستحب استحباباً زائداً على ذاك ونحو ذلك، فهذا ممنوع إذ مثل هذا لا يعلم إلا من قبل الشارع، وهو أيضاً مخالف لمقصود الشارع من الإطلاق والتوسعة.
الثاني: ما يكون التخصيص فيه ناشئاً عن سبب يلاحظ فيه التنظيم والمواءمة لأوقات فراغ الإنسان وإقبال نفسه ونشاطها، كقصر الإنسان نفسه على ورد محدد من القرآن يلتزمه كل يوم، أو ركعات من الليل يلتزمها ونحو ذلك من العبادات، لكون ذلك أدعى لديمومة العمل وأرفق لنفسه، فهذا لا إشكال فيه، بل هو موافق لمقصد الشارع.
وعلى هذا، فاعتقاد الأفضلية على ما تقدم في الضرب الأول ابتداع في دين الله سبحانه، وَلْتلاحظ -حفظك الله- أن الكلام على الفعل لا الفاعل وتبديعه أو تأثيمه.
وعليه أيضاً تتضح الأمثلة التي ذكرتموها -وإن لم تكن تفاصيلها مقصودة لي هنا-، فمثلاً:
إخراج الزكاة في رمضان ليس مما نحن فيه، إذ نص العلماء على جواز تعجيل الزكاة لاغتنام وقت فاضل شرعاً، ومثلوا لذلك بإخراجها في رمضان.
وصوم النافلة أو اجتماع الأسرة لقراءة القرآن وقت الفراغ ونحو ذلك، أوتنظيم الدراسة الشرعية وترتيب الدروس العلمية وما أشبه ذلك، كل ذلك ليس محل البحث إذ هو من الضرب الثاني الذي لا إشكال فيه، فليس ثَم أحد يقول بأفضلية ذلك أو المنع منه إن كان واقعاً على نحو ما أسلفناه.
وتقبل تحياتي حفظك الله..
وفق الله الجميع لمرضاته..
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
جاء في كتاب مدارج السالكين لابن القيم (رحمه الله تعالى)- (1 / 448)

وقال لي يوما (أي: ابن تيميّة. رحمه الله تعالى):

لهذين الاسمين وهما الحي القيوم تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم، وسمعته يقول : من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر ياحي ياقيوم لاإله إلا أنت برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه.

ما الذي يُمكن أن نستفيده من هذا القول؟ في سياق موضوعنا؟
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
هذا القول يا دكتور إن كنت مقتنعا به، فأرجو أن تخبرني: هل هناك بدعة في الشرع؟ وإن كان فأرجو أن تعطيني مثالا عليها.
ولكن ينبغي أن يكون المثال مخالفا للمثال الذي معنا وإلا لم يكن هناك ضابط للبدعة.
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
تنبيه:
إن كان المقصود بالأربعين مجرد التقريب بحيث لو جعلها خمسين فهو أفضل فقد خرجت هذه المسألة عن بحثنا لأن العدد هنا ليس له أفضلية في اعتقاد العامل به.
أما إن كان المقصود بالأربعين نفس العدد بحيث لا تكون 39 ولا تكون 41 فحينئذ يكون هذا الفعل بدعة اتفاقا.
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
كما قال الشيخ أبومالك نور الله عليه..فالدكتور الجمال..جمله الله بالتقوى :لا بدعة في قاموسه
ومن أراد الوقوف على ذلك فليتابع نقاشي إياه في موضوع خاطرة عن المولد ,
أما ما نقلته عن ابن القيم وشيخه..فالجواب من وجوه:
أولا-أنت تظن أننا نقدس ابن تيمية بحيث نقبل منه كل شيء مطلقاً, كما هو شأن أصحاب الطرق الصوفية مع شيوخهم
ثانيا-فإن كان هذا الذي نقلته كان يفعله ابن تيمية على وجه القربة بهذا العدد والوقت المعينين فهو بدعة, وإن كان من باب أنه وجده نافعا عند التجربة بمنزلة الدواء المجرب وأنه حين يذكر الله بنحو هذا العدد يبدأ الشعور بفيوض الإيمان يحل عليه, فلا بأس به, بمنزلة من قرأ آيات معينة على مريض بمرض معين فوجد أن بعض الآيات من سورة كذا نفعت في الشفاء من هذا المرض, والشرط هنا أن يكون الذكر نفسه مشروعاً =ورد في الكتاب أو السنة, وألا يكون فعله ذريعة للبدعة بوجه من الوجوه كأن يظن الناس أن هذه الهيئة المخصوصة مقصودة عبادياً, لا عفوياً ونحوه, وواضح من كلمة ابن تيمية "حصلت له حياة قلب" أنه من الضرب الثاني
ثالثا-أخرج الإمام أحمد في مسنده عن سهل بن معاذ عن أبيه:من قعد في مصلاه حين يصلي الغداة حتى يصلي الصبح لا يقول إلا خيرا غفرت له خطاياه وابن تيمية يستظهر المسند والسنن وفيه قيل :كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث
رابعا-هذا الذكر يخصه هو ..فلكل واحد منا أوراد شرعية وله أن يزيد ما شاء من باب قوله تعالى "اذكروا الله ذكرا كثيرا".. ولهذا لم يضمنه في كتابه الكلم الطيب في الأذكار على أنه يقال بهذه الهيئة..إلخ
ولو أن شخصا رأى أنه لو قرأ كل يوم جزءا من القرآن لبلغ به حياة قلبه بحيث ينطلق لعمل الأشياء الأخرى مشحونا بقدر من الإيمان ..فله التزام ذلك مع ما يعرفه من نفسه, شخص آخر قد لا يؤثر فيه إلا ثلاثة أجزاء حتى يبلغ بنفسه هذه الحالة..فهذا كله من الذكر المطلق الذي يناسب كل امريء بحسبه دون أن يتقرب لله بعين هذا العدد يضاهي بذلك المشروع , مثال ذلك الأذكار أدبار الصلوات:على المسلم أن يلتزم ثلاثا وثلاثين من التسبيح والتحميد والتكبير ويختم بالشهادة, ثم له أن يزيد ما شاء بحسب اجتهاده في العبادة, وليس له :أن يجعل الثلاثة والثلاثين :أربعين ابتداء فهذا فيه معنى البدعة,,
خامسا-أعلم أنه سيقفز لذهنك مسألة العطاس وأنك ستقول :حسنا من قال :الحمد لله والسلام على رسول الله قد جرب ووجدها نافعة..فإن قلت ذلك,,قيل هذا ليس من بابته:لأن هذا ذكر مخصوص في موضع مخصوص, وليس هو من باب الذكر المطلق, ولتقريب الصورة :لو أن شخصا عطس فقال الحمد لله, ثم خطر له أن يصلي على النبي لا من باب الاقتران بعد الحمد كصفة لازمة أو فاضلة..ولكن هكذا انقدح في ذهنه أن يصلي على النبي دون تعلق باله بأصل الذكر ,فهذا لا يقال عنه مبتدع في هذه الحال, إلا أن يلتزمه فيدخل فيه معنى الذريعة للبدعة وما كان ذريعة إليها أخذ حكمها
سادسا-هذه الواقعة إذا أشكلت على جنابكم أوسقتموها في مورد الاحتجاج على اعتبار ماورد في البند الأول
فأقول لك:هناك قدر ما من الأشياء التي يحتملها الاجتهاد فيتجاذبها الحكم بالمشروعية والحكم الابتداع في نظر المجتهد المؤهل للنظر المستكمل لأدوات البحث والتقصي وذلك لدقة مأخذها فهذه إذا كانت بدعة في نفس الأمر لم يسغ لمن يرى أنها بدعة أن يبدّع من يقول بضد ذلك,,
والله الموفق للحق
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
كتبت ردي قبل أن أقرأ كلام الشيخ أبي مالك وفقه الله تعالى
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
توضيح :
قلتُ :على وجه القربة بهذا العدد ..الجار والمجرور في قولي "بهذا" متعلق بالقربة
أي التقرب لله بعدد معين..أو وقت معين..لم يشرغ
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
هذا القول يا دكتور إن كنت مقتنعا به، فأرجو أن تخبرني: هل هناك بدعة في الشرع؟ وإن كان فأرجو أن تعطيني مثالا عليها.
ولكن ينبغي أن يكون المثال مخالفا للمثال الذي معنا وإلا لم يكن هناك ضابط للبدعة.


لم تُشر إلى قولٍ ....

وأمّا مثال البدعة عندي فهو مثلاً:

1- التعبّد بنزع غطاء الرأس في غير الحجّ.

2- التعبّد بصلاة ركعتين بعد صلاة الوتر قبل النوم.

3- التعبّد بصيام يوم الثاني والعشرين من كلّ شهرٍ هجريّ.

4- التعبّد بصيام خمسة أيّام في منتصف كلّ شهر.

5- التعبّد بخلع الحذاء والمشي حافي القدمين مسافة مائة مترٍ يوميًّا.

وهذه أمثلة على بدعٍ تعبّديةٍ عمليّةٍ ...
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاك الله خيرا يا دكتور على هذه الأمثلة فهي أمثلة جيدة
ولكن أرجو منك من باب زيادة الفائدة أن تبين لماذا كانت هذه الأفعال بدعة دون غيرها؟
يعني مثلا لماذا كان صوم يوم 22 بدعة ولم يكن قول الدعاء 40 مرة بدعة؟
ما الفرق بينهما؟ وينبغي أن يكون الفرق فرقا شرعيا مؤثرا؛ لأنه لا عبرة بالفروق الطردية كما تعلم
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
لأنّ القصد إلى صيامه دون غيره، تلبّس بتغيير ما شُرع مقيّدًا بوقت ... فقد شُرع صيام الأيّام البيض من كلّ شهر .. وهي في منتصفه وليست يوم الثاني والعشرين منه ...

فتغيير وقت ما شُرع مؤقّتًا، أو تغيير عدّد ما شُرع بعددٍ بدعةٌ ...

فترك المشروع وفعل غيره في محلّهِ... هو ما يُفهم من كلام من ذمّ البدعة، إذ قال: ما ظهرت بدعة إلا ماتت مكانها سنّة ...

أمّا من فعله اتّفاقًا دون قصد تغيير السنّة، ولا قصد ثوابٍ معيّنٍ في هذا اليوم من كلّ شهر ... فلا يُقال إنّه صام يوم الثاني والعشرين من كلّ شهر ... بل وقع له هذا اتّفاقًا دون حرصٍ منه عليه ولا رغبة منه .. ولا تعرّض لثواب يعتقده فيه .... وذلك لأنّه لا مزيّة (شرعًا) ليوم الثاني والعشرين على غيره من أيّام الشهر.

والله تعالى أعلم .
 
إنضم
26 أغسطس 2009
المشاركات
120
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حماة
المذهب الفقهي
حنفي.. مالكيّ
أمّا اختيار عددٍ معيّنٍ لذكرٍ معيّن ... فإنّه ما لم يكن مخالفًا للمأثور لا يُسمّى بدعةً ... سواءٌ أوافق مأثورًا أم لم يوافق .. ما لم تكن ثمّة مخالفة ...

فمثلاً: من أراد أن يُسبّح الله دبر كلّ صلاة خمسين مرّة .. يُقال عن فعله بدعة ... لأنّه غيّر ما هو مشروع .. لكن من أراد أن يُسبّح الله تعالى قبل غروب الشمس خمسين مرّة كل يوم فلا يُقال عنه مبتدعٌ ... لعدم تحديد الذكر في هذا الوقت بعدد ...

والله تعالى أعلم.
 
أعلى